
مشاركة: مسؤولية البنك عن الخزائن الخاصة
1. دفع المسؤولية
بحسب القواعد العامة في المسؤولية في الإلتزام بتحقيق نتيجة لا يمكن دفع المسؤولية إلا بإثبات توافر السبب الأجنبي، ويتم التركيز في هذا الخصوص على القوة القاهرة وهو ما طبقه المشرع الليبي كما رأينا في المادة 228 من القانون التجاري بصدد تنظيمه لخزائن المصرف، غير أنه يمكن الأخذ بعين الإعتبار خطأ العميل الذي يتسبب بفعله في إحداث الضرر بمحتويات الخزانة.
وفيما يتعلق بالقوة القاهرة فهي حدث فجائي غير متوقع ولا يمكن دفعه، فإذا كان هو سبب الضرر فإن علاقة السببية تنقطع بين الخطأ والضرر وبالتالي تنعدم المسؤولية في هذه الحالة( ).
ويحاول بعض الفقه والقضاء أن يضيق من مفهوم القوة القاهرة( ) في حالة مسؤولية المصرف عن الخزائن بحيث لا يجعلها تتسع للكثير من الفروض، وسبب ذلك أن تنفيذ المصرف لإلتزاماته يقاس وفق معايير عالية ومتشددة بوصفه مشروعا محترفا ومتخصصا في تنفيذ هذه العمليات، ولهذا يفترض فيه أن يراعى كافة الفروض والاحتمالات التي تقع، ويضع كل التدابير والاحتياطات للحيلولة دون وقوع الضرر.
وعلى هذا الأساس فإن الحريق لا يمثل دائما قوة قاهرة وحادثا فجائيا يمنع مسؤولية المصرف إلا إذا كان يستحيل دفعه بكافة الوسائل الموجودة( ).
كما أن القضاء الفرنسي قد حكم بأن الفيضان الذي يغمر مكان الخزانة بالمياه ويؤدي إلى تلف محتوياتها لا يعد قوة قاهرة إلا إذا كان بالشدة التي لم تمر بالذاكرة من قبل( ). وحتى الحرب لا يعتبرها البعض من قبيل القوة القاهرة إذا تم إثبات أن المصرف كان بإمكانه أن يتفادى الضرر المترتب على ظروف الحرب( ).
أما فيما يتعلق بالسرقة فإن على المصرف أن يضع الاحتياطات التقنية اللازمة لمنعها وهي لا تعد من قبيل القوة القاهرة.
وهذا المفهوم الضيق للقوة القاهرة يجعل من مسؤولية البنك تنعقد في أغلب الحالات لتغطي معظم صور الضرر وأشكال حدوثه حتى يكاد التزام المصرف ينقلب إلى التزام بالضمان.
وحتى لا يصبح التزام المصرف التزاما بالضمان فإن البعض يحأول أن يخفف من شدة المسؤولية وضيق سبل دفعها بالنسبة للمصرف بالقول أن إلتزام هذا الأخير بالتعويض قد لا يشمل كل الضرر الحاصل، وخاصة في بعض الحالات الاستثنائية للسرقة التي تتم بطرق غير مسبوقة أو حالات النهب والفوضى الناجمة عن حرب( ).
وهذا يعني أن تلك الحالات تبقى خارج إطار القوة القاهرة ولا يمكن دفع المسؤولية عنها إلا أن الأمر يتعلق بمراعاة بعض الجوانب الاستثنائية فيها لتخفيض التعويض الذي يكون المصرف ملزما بدفعه مع قيام مسؤوليته.
وفيما يتعلق بخطأ العميل الذي قد يجب مسؤولية المصرف فمن المتصور حدوثه في الضرر الذي يلحق الخزانة ومحتوياتها والناجم عن وضع العميل اشياء خطرة فيها أو قابلة للاشتعال أو افساد ما معها من محتويات.
والواقع أن المصارف عادة ما تحتاط لمثل هذه الأحوال، إذ تحرص في عقود الخزائن التي تبرمها أن تشترط على العميل عدم القيام بذلك، كما أن المشرع في بعض القوانين يحظر على العميل أن يضع في الخزانة اشياء تهدد سلامتها أو سلامة المكان الذي توجد به وهو ما فعله المشرع المصري في المادة 318/2 من قانون التجارة الجديدة( ).
وفي هذه الحالة وعند حدوث الضرر فإن المصرف لا يتحمل أية مسؤولية بل يمكن أن تقوم مسؤولية العميل إذا ما حدث ضرر للخزانة أو المكان، فهو في هذه الحالة قد أخل بإلتزام عقدي وبواجب يفرضه عليه القانون.
وقد يكون الضرر ناتجا عن وضع العميل داخل الخزانة محتويات لا تتحمل بطبيعتها الرطوبة أو ظروف التخزين داخل الخزانة فهنا لا يتحمل المصرف أية مسؤولية. إلا إذا تعلق الأمر بعدم صلاحية الخزانة فعندها يصبح المصرف مسئولا عن ذلك.
والمشرع الليبي احتاط لهذا الأمر بأن نص في المادة 228 من القانون التجاري على ان يكون المصرف مسئولا عن عدم صلاحية الخزائن لتأدية الغرض الذي اعدت من اجله.
2. الإعفاء من المسؤولية وتحديدها.
الاصل في القواعد العامة أنه يجوز للمتعاقدين الإتفاق على الإعفاء من المسؤولية ما لم تكن ناتجة عن غش أو خطأ جسيم( ) غير أن هذا الشرط إذا ما ورد في عقد الخزائن المصرفية فإنه سيتناقض تناقضا واضحا مع موضوع العقد.
وبناء على ذلك فإن هذا الشرط يعد باطلا لأنه ينفي العقد ويتعارض معه( ) فالإلتزام بالحفظ هو الهدف الأساسي من هذا العقد وبالتالي لا يمكن إعفاء المصرف من تنفيذ التزامه، وبدون الإلتزام بالحفظ يصير العقد بدون معنى( ) ومما يجعل هذا الشرط غير ممكن في عقد الخزائن المصرفية في ليبيا ان المشرع في المادة 228 من القانون التجاري قد ألزم المصرف بحراسة الخزانة وبالتالي لا يمكنه التحلل من هذا الإلتزام القانوني بإشتراط مخالف في العقد.
والواقع أنه حتى دون وجود هذا النص فإن هذا الشرط يعتبر ملغيا وإن أدرج في العقد لأنه يتعارض مع القواعد العامة المعروفة في احكام الإلتزامات.
غير أن ما يمكن للمصرف أن يقوم به والحال انه مسئول في معظم حالات الضرر هو أن يحأول تحديد مسؤوليته والتخفيف من آثارها.
وعلى هذا الأساس يكون العقد هو الميدان الذي يحأول أن يحتاط فيه المصرف للأمر وذلك بإيراد بعض الشروط التي من شأنها أن تحد من مسؤوليته أو تخففها ما دام لا يستطيع استبعادها كليا( ).
ومن بين وسائل تحديد المسؤولية أو تخفيفها والتي أبرزها العمل في بعض الدول أن يتعهد المصرف في العقد بأن ببذل ما في وسعه من حذر وعناية للمحافظة على الخزانة ومحتوياتها، وهذا يعني فيما يعنيه أن يتحول إلتزام المصرف بتحقيق نتيجة إلى التزام ببذل عناية.
وهذا الشرط قد يمثل مساسا بحقوق العميل التي كفلها القانون وذلك في ظل التشريعات التي تؤيد أن يكون التزام المصرف التزاما بتحقيق نتيجة، ويمكن ان يوصم بعدم المشروعية لأنه ينتقص من الحقوق التي كفلها القانون في بعض التشريعات للعميل كما أن غالبية الفقه والقضاء تؤيد اليوم أن يكون التزام المصرف هو بتحقيق نتيجة. واعتبار التزام المصرف ببذل عناية سيقلل من درجة الحماية للطرف الضعيف في العقد وهو العميل إذ سيجعل الخطأ واجب الإثبات بعد أن كان مفترضا وسيتحمل العميل عبء ذلك الإثبات.
ويحأول بعض الفقه أن يقلل من خطورة هذا الشرط بالقول انه لا يتعلق بالتحرر من الإلتزامات أو الإعفاء من المسؤولية ولكنه يخص الإتفاق على عبء الإثبات فقط( ).
أما الوسيلة الثانية في تحديد مسؤولية المصرف فتتم عن طريق تحديد رقم معين يمثل حدا أقصى للمبلغ الذي يلتزم به المصرف في حالة انعقاد مسؤوليته ومثل هذا الشرط يجد أساسه في القواعد العامة في تنفيذ الإلتزام في القانون المدني حيث يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في إتفاق لاحق( ). وبناء على ذلك فإنه في الحالة التي يجأوز فيها الضرر قيمة التعويض المحدد فإن المتضرر لا يستطيع أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا في حالة الضرر، إذ بإمكانه أن يحتاط للأمر ولا يضع في الخزانة ما تفوق قيمته الحد الأقصى للتعويض.
وهذه الفرضية الأخيرة تجعل هذه الوسيلة في تحديد المسؤولية قريبة من الوسيلة الثالثة في تحديد المسؤولية والتي تتمثل في الإتفاق على منع العميل من أن يودع في الخزانة محتويات تزيد قيمتها على مبلغ معين يحدد سلفا في العقد.
وفي الحالة التي تفوق فيها قيمة الموجودات المبلغ المتفق عليه فإن العميل في حالة إنعقاد مسؤولية المصرف لا يستطيع مطالبته بالتعويض عن القيمة الزائدة عن المبلغ المحدد ولكن يمكنه إذا رأى ذلك مهما أن يؤمن على هذه القيمة الزائدة لدى إحدى شركات التأمين. ولا توجد أمام هذه الوسيلة الأخيرة أية موانع قانونية فهي ألصق بالإجراءات التنظيمية للعملية التي يمكن الإتفاق عليها مسبقا وليس فيها إخلال بحقوق الطرفين إذ يكون كل منهما على بينة من امره.
خاتمة
نرى أن عملية الخزائن المصرفية تثير جدلا فقهيا قد يجعل من أهميتها النظرية تفوق أهميتها العملية، وهي وفق الإعتبارات التي تتقاطع عندها تجعلنا لا نرى فيها مجرد عقد إيجار ولا يصدق عليها عقد الوديعة كما لايتوافر فيها شرط عقد الحراسة.
وعندما يعاملها المشرع بأحكام خاصة فهذا دليل على أنها تأبى الدخول في الصيغ المعروفة، وعندها لا تبقي من فائدة في تقريبها لهذا النظام أو ذاك والأدعى هو أن تأخذ إستقلالها وتنفرد بنظامها.
وفي كل الأحوال فهي تضيف إلى العمليات المصرفية تنوعا آخر يصطبغ بالطابع المصرفي ويؤكد الإتجاه الذي يرى أن عمليات المصارف قد لا تنفع معها دائما الصيغ المعروفة في النظام التقليدي للمعاملات.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم