![]() |
لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين و هذا الدين منهج للبشر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم اللهم احفظنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض رغم أن الأرقام كانت تصرخ بالإجابة البسيطة لهذا السؤال منذ عقود، إلا أن أكثر الناس يبررون الأمر ويفسرونه على أهوائهم. هل تذكر الزمن الذي كان المسلمون يحكمون فيه العالم؟ لماذا فقد المسلمون هذه المكانة؟ ولماذا يتحكم اليهود اليوم في أغلب أنظمة العالم وموارده؟ راجع الإحصائيات والحقائق الموجودة في موضوعي هذا وستعرف الحقيقة الواضحة. تنبيه اذا كنت تريد التحقق عن اي شخص من الاسماء الموجوده باامكانك الظغط على اسم الشخص وراح يعطيك معلومات كافيه عنه |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
حقائق وأرقام: # تعداد اليهود في العالم 14 مليون نسمة. التوزيع: · 7 ملايين في أمريكا. · 5 ملايين في آسيا. · 2 مليون في أوروبا. · 100 ألف في أفريقيا. # تعداد المسلمين في العالم 1.5 مليار نسمة. التوزيع: · 6 ملايين في أمريكا. · 1 مليار في آسيا والشرق الأوسط. · 44 مليون في أوروبا. · 400 مليون في أفريقيا. # خُمس سكان العالم مسلمون. # لكل هندوسي واحد، هناك مسلمين اثنين في العالم. # لكل بوذي واحد، هناك مسلمين اثنين في العالم. # لكل يهودي واحد، هناك 107 مسلم في العالم. ومع ذلك، فـ 14 مليون يهودي هم أقوى من مليار ونصف مسلم. لماذا؟ |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
لنستمر مع الحقائق والإحصائيات.. ألمع أسماء التاريخ الحديث: ألبيرت إنشتاين: يهودي. سيجموند فرويد: يهودي. كارل ماركس: يهودي. بول سامويلسون: يهودي. ميلتون فرايدمان: يهودي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
أهم الإبتكارات الطبية: مخترع الحقنة الطبية بنجامين روبن: يهودي. مخترع لقاح شلل الأطفال يوناس سالك: يهودي. مخترع دواء سرطان الدم (اللوكيميا) جيرترود إليون: يهودي. مكتشف التهاب الكبد البائي وعلاجه باروخ بلومبيرج: يهودي. مكتشف دواء الزهري بول إرليخ: يهودي. مطور أبحاث جهاز المناعة إيلي ماتشينكوف: يهودي. صاحب أهم أبحاث الغدد الصماء أندرو شالي: يهودي. صاحب أهم أبحاث العلاج الإدراكي آرون بيك: يهودي. مخترع حبوب منع الحمل جريجوري بيكوس: يهودي. صاحب أهم الدراسات في العين البشرية وشبكيتها جورج والد: يهودي. صاحب أهم دراسات علاج السرطان ستانلي كوهين: يهودي. مخترع الغسيل الكلوي وأحد أهم الباحثين في الأعضاء الصناعية ويليم كلوفكيم: يهودي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
اختراعات غيرت العالم: مطور المعالج المركزي ستانلي ميزور: يهودي. مخترع المفاعل النووي ليو زيلاند: يهودي. مخترع الألياف الضوئية بيتر شولتز: يهودي. مخترع إشارات المرور الضوئية تشارلز أدلر: يهودي. مخترع الصلب الغير قابل للصدأ (الستانلس ستيل) بينو ستراس: يهودي. مخترع الأفلام المسموعة آيسادور كيسي: يهودي. مخترع الميكرفون والجرامافون أيميل بيرلاينر: يهودي. مخترع مسجل الفيديو تشارلز جينسبيرغ: يهودي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
صناع الأسماء والماركات العالمية: بولو- رالف لورين: يهودي. ليفايز جينز- ليفاي ستراوس: يهودي. ستاربكس- هوارد شولتز: يهودي. جوجل- سيرجي برين: يهودي. ديل- مايكل ديل: يهودي. أوراكل- لاري إليسون: يهودي. DKNY- دونا كاران: يهودية. باسكن وروبنز- إيرف روبنز: يهودي. دانكن دوناتس- ويليام روزينبيرغ: يهودي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
ساسة وأصحاب قرار: هنري كسنجر وزير خارجية أمريكي: يهودي. ريتشارد ليفين رئيس جامعة ييل: يهودي. ألان جرينسبان رئيس جهاز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي: يهودي. مادلين البرايت وزيرة خارجية أمريكية: يهودية. جوزيف ليبرمان سياسي أمريكي: يهودي. كاسبر وينبيرجر وزير خارجية أمريكي: يهودي. ماكسيم ليتفينوف وزير شؤون خارجية لد الاتحاد السوفييتي: يهودي. ديفيد مارشال رئيس وزراء سنغافورة: يهودي. آيزاك آيزاك حاكم لاستراليا: يهودي. بنجامين دزرائيلي رئيس وزراء المملكة المتحدة: يهودي. ييفيجني بريماكوف رئيس وزراء روسي: يهودي. باري جولدووتر سياسي أمريكي: يهودي. خورخي سامبايو رئيس للبرتغال: يهودي. هيرب جري نائب رئيس وزراء كندي: يهودي. بيير منديز رئيس وزراء فرنسي: يهودي. مايكل هوارد وزير دولة بريطاني: يهودي. برونو كريسكي مستشار نمساوي: يهودي. روبرت روبين وزير الخزانة الأمريكية: يهودي. جورج سوروس من سادة المضاربة والإقتصاد: يهودي. وولتر أنينبيرغ من أهم رجال العمل الخيري والمجتمعي في الولايات المتحدة: يهودي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
إعلاميين مؤثرين: سي ان ان- وولف بليتزر: يهودي. ايه بي سي نيوز- بربارا وولترز: يهودية. واشنطن بوست- يوجين ماير: يهودي. مجلة تايم- هنري جرونوالد: يهودي. واشنطن بوست- كاثرين جراهام: يهودية. نيو يورك تايمز- جوزيف ليليفيد: يهودي. نيويورك تايمز- ماكس فرانكل: يهودي. الأسماء الواردة أعلاه هي مجرد أمثلة فقط ولا تحصر كل اليهود المؤثرين ولا كل إنجازاتهم التي تستفيد منها البشرية في حياتها اليومية. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
حقائق أخرى: # في آخر 105 عاما، فاز 14 مليون يهودي بـ 180 جائزة نوبل. وفي الفترة ذاتها فاز مليار ونصف مسلم بثلاث جوائز نوبل. # المعدل هو جائزة نوبل لكل 77778 (أقل من ثمانين ألف) يهودي. وجائزة نوبل لكل 500000000 (خمسمئة مليون) مسلم. # لو كان لليهود نفس معدل المسلمين لحصلوا خلال الـ105 سنة الماضية على 0.028 جائزة نوبل. أي أقل من ثلث جائزة. # لو كان للمسلمين نفس معدل اليهود لحصلوا خلال الـ105 سنة الماضية على 19286 جائزة نوبل. لكن هل يرضى اليهود بأن يصلوا لمثل هذا التردي المعرفي؟ وهل تفوقهم المعرفي هذا صدفة؟ أم غش؟ أم مؤامرة؟ أم واسطة؟ ولماذا لم يصل المسلمون لمثل هذه المرتبة ولهذه المناصب والقدرة على التغيير رغم الفارق الواضح في العدد؟ |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
هذه حقائق أخرى قد تجد فيها إجابة عن هذه الأسئلة: # في العالم الإسلامي كله، هناك 500 جامعة. # في الولايات المتحدة الأمريكية هناك 5758 جامعة! # في الهند هناك 8407 جامعة! # لاتوجد جامعة إسلامية واحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. # هناك 6 جامعات إسرائيلية في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. # نسبة التعلم في الدول النصرانية 90%. # نسبة التعلم في العالم الإسلامي 40%. # عدد الدول النصرانية بنسبة تعليم 100% هو 15 دولة. # لا توجد أي دولة مسلمة وصلت فيها نسبة التعليم إلى 100%. # نسبة إتمام المرحلة الإبتدائية في الدول النصرانية 98%. # نسبة إتمام المرحلة الإبتدائية في الدول الإسلامية 50%. # نسبة دخول الجامعات في الدول النصرانية 40%. # نسبة دخول الجامعات في الدول الإسلامية 2%. # هناك 230 عالم مسلم بين كل مليون مسلم. # هناك 5000 عالم أمريكي بين كل مليون أمريكي. # في الدول النصرانية هناك 1000 تقني في كل مليون. # في الدول الإسلامية هناك 50 تقني لكل مليون. # تصرف الدول الإسلامية ما يعادل 0.2% من مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير. # تصرف الدولة النصرانية ما يعادل 5% من مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير. # معدل توزيع الصحف اليومية في باكستان هو 23 صحيفة لكل 1000 مواطن. # معدل توزيع الصحف اليومية في سنغافورة هو 460 صحيفة لكل 1000 مواطن. # في المملكة المتحدة يتم توزيع 2000 كتاب لكل مليون مواطن. # في مصدر يتم إصدار 17 كتابا لكل مليون مواطن. # المعدات ذات التقنية العالية تشكل 0.9% من صادرات باكستان و0.2% من صادرات المملكة العربية السعودية و0.3% من صادرات كل من الكويت والجزائر والمغرب. # المعدات ذات التقنية العالية تشكل 68% من صادرات سنغافورة. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
|
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
الخاتمة: الحقيقة واضحة ولا تحتاج لأدلة ولا براهين ولا إحصائيات. لكن بيننا من يناقض نفسه وينكر ماهو أوضح من الشمس. نعم اليهود وصلوا لما وصلوا إليه لأنهم تبنوا التميز المعرفي وقاموا باعتماده دستورا لأبنائهم. الأسماء الواردة أعلاه لم تصنع خلال يوم وليلة. أصحاب هذه الأسماء تم إنشاؤهم بشكل صحيح. وتعرضوا لكثير من الصعوبات حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه. لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهبية. كلنا نعرف قصة إنشتاين وفشله في الرياضيات وأديسون وطرده من المدرسة لأنه (غير قابل للتعلم) وغيرها من القصص. فلنتوقف عن خداع أنفسنا بأن اليهود يسيطرون على العالم فقط لأنهم يهود. فقط لأن الغرب يحبهم. من السهل أن تقرأ أسطري هذه وتلقي باللوم على الحكومة أو على أجيال من القادة العرب الإنتهازيين. وعلى سنين من القهر والاستعمار والاحتلال. لكن بفعلك هذا تكون قد أضفت قطرة جديدة من محيط من ردود الأفعال الإسلامية السلبية التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم. دع عنك التذمر والسلبية ولوم الغير وابدأ بنفسك. هل فكرت في نشر المعرفة يوما؟ هل تعرف شيئا لا يعرفه غيرك؟ لماذا لا تشارك الجميع بما تعرف؟ فهذه خطوة نحو التكامل المعرفي. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
سيدى الفاضل مقال اكثر من رائع
ولكن الست معى ان هناك شعوب ثقافتها وفكرها تدعوا الى التفكير فى كل شئ والتعاون والمشاركة وعدم التمييز واعلاء شأن الفرد فى المجتمع واعلاء شأن العلم كما ان هناك شعوب تخشى من التفكير واعمال العقل وتم تربيتها على السمع والطاعة وان يكون قطيع لا يفهم شئ بل ينفذ اوامر الاخرين كل همه فى امرين 1 - التطرف الاخلاقى الفاسد والانحلال الخلقى من شرب الخمر والمخدرات والجنس للهروب من الواقع المتردى والفشل الجماعى والاخفاق الاقتصادى على المستوى العام 2 - التطرف الدينى من اطلاق اللحى وتقصير اللجلباب ولبس النقاب وتغيب العقل واحضار فقة قديم لا يصلح مع المجتمع المتحضر والعالمية وهذه ايضاً للهروب من الواقع المتردى والفشل فى تحقيق هدف حقيقى يصنع فرقا فى حياة الشعوب وبالتالى اخفاق علمى واقتصادى والمحزن ان هولاء يتصورون خطا انهم بخيبتهم هذه افضل شعوب الارض !!!!!!!!!! حتى لا يتعب ذهنه فى النهوض من خيبته المخزية صدقنى ان الحل الوحيد لهذة الشعوب هى الديمقراطية الحقيقية والفكر الليبرالى وان الدين مكانه فقط فى المساجد والكنائس واعمال العقل والفكر وان تكون دولة مدنية هدفة ان ترفع شان الانسان وتقدر العلم وتسعى للتقدم وليس هدف الدولة ان تساعد الناس على دخول الجنه اسف للاطالة واتمنى عدم الزعل من احد |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
والله متشكر جدا جدا جدا علي الملعومات الأكثر روعه وجمال تلك شكرا
|
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
شكرا للاستاذ اشرف ونس نصري لاتاحته الفرصي لي لكي انقل لكم هذا المقال واتمنى ان تستثمروا جزءاً من وقتكم في قراءته هذا الدين منهج للبشر بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة:منهج للبشر هناك حقيقة أولية عن طبيعة هذا الدين، وطريقة عمله في حياة البشر... حقيقة أولية بسيطة... ولكنها مع بساطتها، كثيراً ما تنسى، أو لا تدرك ابتداء. فينشأ عن نسيانها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين: حقيقته الذاتية وواقعه التاريخي. حاضرة ومستقبله كذلك!. إن البعض ينتظر من هذا الدين- ما دام منزلاً من عند الله- أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب! ودون أي اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقاتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أي مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم. وحين لا يرون أنه يعمل بهذه الطريقة، وحين يرون أن الطاقة البشرية المحدودة، والواقع المادي للحياة الإنسانية، يتفاعلان معه، فيتأثران به - في فترات - تأثراً واضحاً، على حين انهما في فترات أخرى يؤثران تأثيراً مضاداً لاتجاهه، فتقعد بالناس شهواتهم وأطماعهم، وضعفهم ونقصهم، دون تلبية هتاف هذا الدين، أو الاتجاه معه في طريقه.. حين يرون هذا فانهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها - ما دام هذا الدين منزلاً من عند الله - أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته. أو يصابون بالشك في الدين إطلاقاً!. وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد أساسي: هو عدم إدراك هذا الدين وطريقته، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية. يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية؛ وفي حدود الواقع المادي حينما يتسلم مقاليدهم. ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية، وبقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة. وميزته الأساسية: انه لا يغفل لحظة، في أية خطة وفي أية خطوة عن فطرة الإنسان وحدود طاقته ، وواقع حياته المادي أيضاً. وأنه - في الوقت ذاته- يبلغ به - كما تحقق ذلك فعلاً في بعض الفترات، وكما يمكن أن يتحقق دائماً كلما بذلت محاولة جادة - إلى ما لم يبلغه أي منهج آخر من صنع البشر على الإطلاق . و في يسر وراحة وطمأنينة واعتدال. ولكن الخطأ كله - كما تقدم - ينشأ من عدم إدراك طبيعة هذا الدين أو من نسيانها. ومن انتظار الخوارق المجهولة الأسباب على يديه...تلك الخوارق التي تبدل فطرة الإنسان، ولا تبالي طاقاته المحدودة ، ولا تحفل واقعه المادي البيئي ! أليس هو من عند الله؟ أليس الله قادرا على كل شيء؟ فلماذا إذن يعمل هذا الدين - فقط- في حدود الطاقة البشرية المحدودة؟ وتتأثر نتائج عمله بالضعف البشري؟ بل لماذا يحتاج أصلا إلى الجهد البشري؟ ثم... لماذا لا ينتصر دائماً، ولا ينتصر أصحابه دائماً؟ لماذا تغلب ثقلة الضعف والشهوات والواقع المادي على رفرفته وشفافيته وانطلاقته أحياناً؟ ولماذا يغلب أهل الباطل على أصحابه - وهم أهل الحق - أحياناً!! وكلها - كما ترى - أسئلة وشبهات، تنبع ابتداء من عدم إدراك الحقيقة الأولية لطبيعة هذا الدين وطريقته... أو من نسيانها!. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * إن الله قادر - طبعاً - على تبديل فطرة الإنسان، عن طريق هذا الدين أو عن غير طريقه. ولكنه - سبحانه - شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة لحكمة يعلمها. وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة في الهدى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " ... وشاء أن تعمل فطرة الإنسان دائماً، ولا تمحى ولا تعطل: " و نفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها ".. وشاء أن يتم تحقيق منهجه الإلهي للحياة البشرية عن طريق الجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "... " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " وشاء أن يبلغ الإنسان من هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد، وما يُـنفق من الطاقة، وما يصبر على الابتلاء في تحقيق هذا المنهج الإلهي القويم، وفي دفع الفساد عن نفسه وعن الحياة من حوله: "احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ". وليس لأحد من خلق الله أن يسأله - سبحانه - لماذا شاء هذا كله على هذا النحو الذي أراده فكان. ليس لأحد من خلقه أن يسأله - سبحانه - ما دام أن أحداً من خلقه ليس إلهاً، وليس لديه العلم، ولا إمكان العلم - بالنظام الكلي لهذا الكون؛ ومقتضيات هذا النظام في طبيعة كل كائن في هذا الوجود. ولماذا؟ - في هذا المقام - سؤال لا يسأله مؤمن جاد، ولا يسأله ملحد جاد… المؤمن لا يسأله، لأنه أكثر أدباً مع الله - الذي يعرفه بذاته وصفاته وخصائصه - وأكثر معرفة بطبيعة إدراكه البشري وحدوده، وأنه لم يهيأ للعمل في هذا المجال… والملحد الجاد لا يسأله، لأنه لا يعترف بالله ابتداء، فان هو اعتراف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه - سبحانه - ومقتضى ألوهيته، وأنه : " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ". لأنه وحده المهيمن العليم بما يفعل. ولكنه سؤال قد يسأله هازل مائع. لا هو مؤمن جاد، ولا هو ملحد جاد. ومن ثم لا يجوز الاحتفال به، ولا أخذه مأخذ الجد... وقد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية وخصائصها. فالسبيل لتعليم هذا الجاهل ليس هو الإجابة المباشرة. إنما هو تعريفه بحقيقة الألوهية وخصائصها... حتى يعرفها ويسلم بها فهو مؤمن. أو يجحدها وينكرها فهو ملحد... وبهذا ينتهي الجدل... إلا أن يكون مراء ! والمسلم منهى عن المضى في الجدل حتى يكون مراء!. والخلاصة التي ننتهي إليها من هذا الاستطراد في هذه الفقرة: هي أنه ليس لأحد من خلق الله أن يسأله - سبحانه - لماذا شاء أن يخلق " الإنسان " بهذه الفطرة ؟ ولماذا شاء أن يبقي فطرته هذه عاملة لا تمحى ولا تعطل ؟ لماذا شاء أن يجعل المنهج الإلهي لحياته البشرية يتحقق عن طريق الجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية، والواقع المادي لحياته؟ ولم يشأ أن يجعله يتم بوسيلة خارقة، وبأسباب مبهمة غامضة!. ولكن لكل أحد من خلقه أن يدرك هذه الحقائق ويعرفها؛ ويراها وهي تعمل في واقع الحياة البشرية. ويفسر أحداث التاريخ البشري على ضوئها. فيفقه خط سيرها التاريخي من ناحية؛ ويعرف كيف يواجه هذا الخط ويوجهه من ناحية أخرى. ويعيش مع حكمة الله وقدره، فينطبع بهما الانطباع الصحيح من ناحية ثالثة. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * هذا المنهج الإلهي، الذي يمثله "الإسلام" في صورته النهائية، كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتحقق في الأرض، وفي دنيا الناس، بمجرد تنزله من عند الله. لا يتحقق بكلمة: “كن” الإلهية، مباشرة لحظة تنزله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب. إنما يتحقق بان تحمله جماعة من البشر. تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه - بقدر طاقتها- وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك... تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى... وتبلغ - بعد ذلك كله - من تحقيق هذا المنهج، إلى الحد الذي تطيقه فطرة البشر، والذي يهيئه لهم واقعهم المادي. على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلاً، ولا تغفل واقعهم، ومقتضياته في سير وتتابع مراحل هذا المنهج الإلهي... ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة. وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة.. بقدر ما تبذل من الجهد . وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال. وقبل كل شيء... بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * هذه هي طبيعة هذا الدين وطريقته... وهذه هي خطته الحركية ووسيلته.. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهو يقول لها: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ". " والذين جاهدوا فينا يهدينهم سبلنا ". وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة في غزوة أحد حينما قصرت في تمثيل حقيقة هذا الدين في ذوات أنفسها في بعض مواقف الغزوة. وحينما قصرت في اتخاذ الوسائل المناسبة في بعض مواقفها. وحينما غفلت عن هذه الحقيقة الأولية أو نسيتها. وفهمت أن من مقتضى كونها مسلمة أن تنتصر حتماً! فقال لها الله سبحانه: " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم: أنى هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم ". وقال لها. " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر، وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون: منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة.. ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ". ولقد تعلمت الجماعة المسلمة هذه الحقيقة في هذه الغزوة، لا بالكلام ولا بالعتاب، ولكن تعلمتها مع هذا بالدماء وبالآلام. ودفعت ثمنها غالياً: هزيمة بعد نصر. وخسارة بعد غنم. وجراحاً لم تكد تدع أحداً معافى. وشهداء كراماً فيهم سيد الشهداء حمزة - رضى الله عنه - وأغلى من ذلك كله وأشد وقعاً على الجماعة المسلمة كلها جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الكريم، وكسر رباعيته في فمه، ووقوعه لجنبه في الحفر التي حفرها أبو عمرو الفاسق حليف قريش مكيدة للمسلمين، وجهد المشركين له -صلى الله عليه وسلم- وهم يطاردونه، وهو مفرد في نفر من أصحابه استشهدوا واحداً بعد واحد وهم يذودون عنه، ويترس أحدهم- أبو دجانة- بظهره عليه يقيه نبل المشركين، والنبل يقع في ظهره فلا يتحرك... حتى ثاب إليه المؤمنون من هزيمتهم وحيرتهم، وهم يتلقون هذا الدرس الشاق المرير!. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * على أنه من الملاحظ الواضح أن ترك المنهج الإلهي للجهد البشري، يتولى تحقيقه في حدود الطاقة البشرية، يصلح النفوس البشرية، ويصلح الحياة البشرية.. نقول هذا لا لنعلل به مشيئة الله - سبحانه- في جعل الأمر على ما جعله. ولكن لنسجل - فقط - ملاحظة واقعية لآثار هذه المشيئة في حياة العباد. ذلك أن حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان. مجاهدتهم بالقلب بكراهة باطلهم وجاهليتهم والعزم على نقلهم منها إلى الحق والإسلام. ومجاهدتهم باللسان بالتبليغ والبيان. ورفض باطلهم الزائف، وتقرير الحق الذي جاء به الإسلام. ومجاهدتهم باليد بالدفع والإزالة من طريق الهدى حين يعترضونه بالقوة الباغية والبطش الغشوم!.. وحتى يتعرض في تلك المجاهدة للابتلاء والأذى، والصبر على الابتلاء والأذى، والصبر على الهزيمة والصبر على النصر أيضاً - فالصبر على النصر أشق من الصبر على الهزيمة. ثم يثبت ولا يرتاب، ويستقيم ولا يتلفت، ويمضي في طريق الإيمان راشداً صاعداً. حقيقة الإيمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان لأنه يجاهد نفسه كذلك في أثناء مجاهدته للناس؛ وتتفتح له في الإيمان آفاق لم تكن لتتفتح له أبداً وهو قاعد آمن ساكن، وتتبين له حقائق في الناس وفي الحياة لم تكن لتتبين له أبداً بغير هذه الوسيلة. ويبلغ هو بنفسه وبمشاعره وتصوراته، وبعاداته وطباعه وانفعالاته واستجاباته، ما لم يكن ليبلغه أبداً بدون هذه التجربة الشاقة العسيرة. وهذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ". وأول ما تفسد: فساد النفوس بالركود الذي تأسن معه الروح، وتسترخي معه الهمة، ويتلفها الرخاء والطراوة،. ثم تأسن الحياة كلها بالركود. أو بالحركة في مجال الشهوات وحدها. كما يقع للأمم حين تبتلى بالرخاء! فهذه كذلك من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. لقد جعل صلاح هذه الفطرة في المجاهدة لإقرار منهج الله للحياة البشرية، عن طريق الجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية كذلك. ثم إن هذه المجاهدة ومن يصاحبها من الابتلاء، هي الوسيلة العملية لتمحيص الصفوف - بعد تمحيص النفوس - ولتنقية الجماعة من المعطلين والمعوقين والمرجفين، ومن ضعاف النفوس والقلوب، ومن المخادعين والمنافقين والمرائين. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهي تتعرض للامتحان، وتتعرض للابتلاء، وتتكشف فيها خفايا النفوس، كما تتميز فيها الصفوف،. تحت مطارق الابتلاء ومشقة التجربة، ومرارة الآلام. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة، وهو يعقب على أحداث الغزوة. فيقول لها، رداً على سؤال المسلمين: " أنى هذا؟" "قل: هو من عند أنفسكم ".. ثم يعقب على هذا بقوله: " وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله. وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ".. " وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب".. " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين "... كل ذلك ليستقر في حسهم أنه مع أن ما أصابهم كان بسبب تقصيرهم في تمثيل حقيقة الإيمان كاملة في مشاعرهم وتصرفاتهم في الغزوة.. فانه كذلك كان لخيرهم في النهاية بفضل الله عليهم، وتجاوزه عن تقصيرهم، واتخاذ نتائجه مادة لتعليمهم وتمحيصهم وتطهيرهم، وتمييز صفوفهم... وكله خير لأنفسهم ولحياتهم في نهاية المطاف... ولا يتم تمام القول في طبيعة هذا الدين وطريقته، حتى نضيف إلى تلك الحقيقة التي نرجوا أن نكون قد كشفنا عنها في هذا البيان... تكملة ضرورية لها لابد من بيانها كذلك: إن كون هذا المنهج الإلهي متروك تحقيقه للجهد البشري، في حدود الطاقة البشرية، وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في شتى المدارج، وشتى البيئات.. لا يعني استقلال الإنسان نهائياً بهذا الأمر، وانقطاعه عن قدرة الله وتدبيره، ومدده وعونه وتوفيقه وتيسيره.. فتصور الأمر على هذا النحو مخالف في أصوله لطبيعة التصور الإسلامي. ولقد بينا فيما سلف أن الله -سبحانه - يساعد من يجاهد للهدى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "... وانه يغير حال الناس حين يغيرون ما بأنفسهم، وأنه لا يغير ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". وهذان النصان يوضحان لنا العلاقة بين الجهد البشري الذي يبذله الناس، وعون الله ومدده الذي يسعفهم به، فيبلغون به ما يجاهدون فيه من الخير والهدى والصلاح والفلاح. فإرادة الله هي الفاعلة في النهاية، وبدونها لا يبلغ "الإنسان" بذاته شيئاً، ولكن هذه الإرادة تعين من يعرف طريقها، ويستمد عونها ويجاهد في الله ليبلغ رضاه. وقدر الله - مع ذلك كله - هو الذي يحيط بالناس والأحداث، وهو الذي يتم وفقه ما يتم من ابتلاء، ومن خير يصيبه الناجحون في هذا الابتلاء. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله - سبحانه- أن يعلمها للجماعة المسلمة. وهو يبين لها في التعقيب على غزوة أحد أسباب النصر وأسباب الهزيمة - من عملها - ثم يكشف لها عن حكمة الله من وراء الابتلاء كله، ومن وراء النصر والهزيمة: وعن تدبيره كذلك " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه. حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر، وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون: منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ". وليعرفهم سنته الشاملة. ومردها في النهاية إلى مشيئته الطليقة وقدره النافذ من وراء الأسباب والوقائع: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. وتلك الأيام نداولها بين الناس. وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منك شهداء. والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين". وإذن فهو - في النهاية - تدبير الله ومشيئته وقدره، ليتم ما يريده من وراء الأسباب والأحداث. وهو الأمر الذي لا يسأل عنه سبحانه: لأنه شأنه الإلهي، الذي لا يسأل عنه... وهذه هي حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم في النفس إلا باستقرارها فيها، واطمئنانها إليها... وهي التكملة التي لابد منها لما قررناه في هذا الفصل عن طبيعة هذا الدين وطريقته ... بلا تعارض بين طرقي هذه الحقيقة في حسن المسلم، الذي يتذوق قلبه حقيقة هذا الدين، كما أنزلها الله. ولا يعارضها بتصورات ومقررات ليست مستقاة من كتاب الله. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
منهج متفـرد والآن يقول قائل: إذا كان الإسلام، وهو منهج الله للحياة البشرية، لا يتحقق في الأرض وفي دنيا الناس، إلا بالجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية، وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في البيئات المختلفة... ما ميزته إذن على المناهج البشرية، التي يضعها البشر لأنفسهم، ويبلغون منها ما يبلغه جهدهم، في حدود طاقتهم وواقعهم؟ ولماذا يجب أن نحاول تحقيق ذلك المنهج، وهو يحتاج إلى الجهد البشري ككل منهج؟ فلا يتحقق منه شيء بمعجزة خارقة، ولا بقهر الهي ملزم؟ وهو يتحقق في حياة الناس، في حدود فطرتهم البشرية، وطاقتهم العادية ، وأحوالهم الواقعية؟! * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ونحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج ابتداء لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام. فركن الإسلام الأول: أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله... وشهادة أن لا إله إلا الله، معناها القريب: إفراد الله- سبحانه - بالألوهية، وعدم إشراك أحد من خلقه معه في خاصية واحدة من خصائصها... وأولى خصائص الألوهية: حق الحاكمية المطلقة، الذي ينشأ عنه حق التشريع للعباد، وحق وضع المناهج لحياتهم؛ وحق وضع القيم التي تقوم عليها هذه الحياة، فشهادة "أن لا إله إلا الله " لا تقوم ولا تتحقق إلا بالاعتراف بأن لله وحده حق وضع المنهج الذي تجرى عليه الحياة البشرية؛ وإلا بمحاولة تحقيق ذلك المنهج في حياة البشر، دون سواه ... وكل من ادعى لنفسه حق وضع منهج لحياة جماعة من الناس، فقد ادعى لنفسه حق وضع منهج لحياة جماعة من الناس، فقد ادعى حق الألوهية عليهم، بادعائه أكبر خصائص الألوهية. وكل من أقره منهم على هذا الإدعاء فقد اتخذه إلهاً من دون الله، بالاعتراف له بأكبر خصائص الألوهية... وشهادة أن محمد رسول الله، معناها القريب: التصديق بان هذا المنهج الذي بلغه لنا من الله، هو حقاً منهج الله للحياة البشرية، وهو وحده المنهج الذي نحن ملزمون بتحقيقه في حياتنا وفي حياة البشر جميعاً. ومن ثم فنحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج، لنحقق لنفسنا صفة الإسلام التي ندعيها. وهي لا تتحقق إلا بشهادة أن لا إله إلا الله ، وان محمداً رسول الله. وهذه الشهادة لا تقوم إلا بإفراد الله بالألوهية. إفراده بحق وضع منهج الحياة. ومحاولة تحقيق ذلك المنهج الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ونحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج لأسباب تتعلق بالمنهج ذاته. فهو - وحده - المنهج الذي يحقق كرامة "الإنسان" ويمنحه الحرية الحقيقة، ويطلقه من العبودية... هو - وحده - الذي يحقق له التحرر الكامل الشامل المطلق - في حدود إنسانيته وعبوديته لله - التحرر من العبودية للناس بالعبودية لله رب الناس... وما من منهج آخر في الأرض يحقق هذه الخاصية إلا الإسلام... ذلك أنه بربانيته، التي تفرد الله - سبحانه- بالألوهية، ومن ثم تفرده - سبحانه- بحق الحاكمية التي تشرع للناس منهج حياتهم... يجعل للناس إلهاً واحداً، وسيداً واحداً. ويمنع أن يكون بعضهم آلهة لبعض، لهم حق الحاكمية بعضهم على بعض؛ ولهم حق السيادة بعضهم على بعض ، في مقابل العبودية التي يتسم بها من يقرون لهؤلاء الآلهة بخصائص الألوهية!. وهذه هي الخاصية يتفرد المنهج الإلهي. لا باللفظ والدعوى، ولكن بالحقيقة والواقع.. ومن ثم كانت دعوة الرسل جميعاً - عليهم الصلاة والسلام- هي إفراد الله بالألوهية؛ وإنكار كل خاصية من خصائصها على غير الله - سبحانه- من عبيده، الذي يتألهون، فيدعون حق وضع المناهج لحياة عباد الله، ويقرهم على هذا الإدعاء من لا يؤمنون بوحدانيته الله!. ولقد قال الله عن اليهود والنصارى: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم. وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون".. وهم لم يكونوا يعبدون الأحبار والرهبان، إنما كانوا - فقط - يقرون لهم بحق التشريع لهم من دون الله، وبحق وضع المناهج لحياتهم بالتشريع. فقال الله عنهم: إنهم اتخذوهم أرباباً. وإنهم خالفوا عن أمر الله لهم بالتوحيد . وانهم مشركون.. روى الإمام احمد والترمذي وابن جرير من طرق، عن عدى بن حاتم - رضي الله عنه- انه لما بلغته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية. فأسرت أخته وجماعة من قومه. ثم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أخته وأعطاها. فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدم عدى إلى المدينة، وكان رئيساً في قومه طيئ. أبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم. فتحدث الناس بقدومه. فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي عنق عدى صليب من فضة - وهو يقرأ هذه الآية: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله "... قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. فقال :" بلى! إنهم حرموا عليهم الحلال، واحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم"!. وقال السدى: استنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. ولهذا قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً "، أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ... والإسلام وحده هو الذي يفرد الله - سبحانه - بالعبادة ، حين يفرده بالحاكمية وحق وضع المنهج لحياة الناس. ومن ثم فهو - وحده - الذي يطلق الناس من العبودية لغير الله .. ولهذا فنحن ملزمون بمحاولة تحقيق هذا المنهج دون سواه!. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ونحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج، لأنه - بربانيته - هو المنهج الوحيد المبرأ من نتائج الهوى الإنساني، والضعف الإنساني، والرغبة الإنسانية في النفع الذاتي، وفي تحقيق ذلك النفع عن طريق التشريع. لشخص المشرع. أو لأسرته. أو لطبقته. أو لشعبه... أو لجنسه.. فواضع ذلك المنهج هو الله . وهو - سبحانه- رب البشر أجمعين. فهو لا يشرع ليحابي نفسه! ولا ليحابي طبقة من البشر على طبقة! ولا ليحابي شعباً على شعب! ولا ليحابي جنساً على جنس!. والتشريع البشري، الذي يصنعه فرد حاكم، أو أسرة حاكمة، أو طبقة حاكمة، أو أمة حاكمة، أو جنس حاكم... يستحيل - بحسب فطرة الإنسان - أن يتجرد من الهوى، ومن مراعاة مصلحة واضع التشريع. فأما حين يكون منهج الله هو الذي يحكم حياة البشرـ فتنتفي هذه الصفة ويتحقق العدل الحقيقي الشامل الكامل، الذي لا يملك منهج آخر من مناهج البشر أن يحققه في صورته هذه. لأنه ليس بين هذه المناهج كلها ما يمكن أن يتجرد من عوامل الهوى الإنساني، والضعف الإنساني والحرص على المصلحة الذاتية في صورة من الصور. وقد يخطر لقائل أن يقول حين يسمع التوجيهات الربانية الرفيعة في إقرار هذا العدل الشامل الكامل، الذي لا يتأثر بالهوى، ولا يتأثر بالعصبية والقرابة من مثل قوله تعالى للجماعة المسلمة: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى. واتقوا الله. إن الله خبير بما تعلمون ". قد يخطر لقائل أن يقول: وما هي الضمانات التي تجعل الجماعة المسلمة تحقق هذا العدل الذي يدعوها الله إليه، ويأمرها به؟ والضمانة الحقيقية للمنهج الإسلامي كله كامنة في ضمير المسلم، منبعثة من إيمانه. فمتى وجد الإيمان بهذا الدين وجدت معه أقوى ضماناته. والمسلمون يتعلمون من دينهم ان مقومات وجودهم وانتصارهم والتمكين لهم في الأرض، تقوم كلها على الوفاء بهذه التوجيهات؛ وإلا تعرض وجودهم للزوال، وانقلب انتصارهم هزيمة، وذهبت ريحهم وذلوا. وهم يسمعون الله - سبحانه- يقول لهم : " ولينصرن الله من ينصره. إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولله عاقبة الأمور ".. ويوقنون ان الله - سبحانه - لا يحابيهم حين يحيدون عن الطريق. والجماعة المسلمة ضمانة حقيقة لتحقيق هذه التوجهات. فهي تقوم على هذه العقيدة. وتأخذ نفسها بالتزام ما الزمها الله. وترى في كل إهمال أو تفريط نذيراً يلحقها كلها، ولا يصيب الذين ظلموا منها خاصة... ومن ثم نحن ملزمون بتحقيق ذلك المنهج، لتحقيق ذلك العدل الشامل الكامل، الذي لا يتحقق إلا في ظل هذا المنهج المتـفرد. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ونحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج ، لأنه - وحده - المنهج المبرأ من نتائج الجهل الإنساني والقصور الإنساني - براءته من نتائج الضعف البشري - فواضعه هو خالق هذا الكائن الإنساني، العليم بما يصلحه ويصلح له. وهو المطلع على خفايا تكوينه وتركيبه، وخفايا الملابسات الأرضية والكونية كلها في مدى الحياة البشرية كذلك... فإذا وضع له منهجاً كان ملحوظاً في هذا المنهج كل هذه العوامل التي يستحيل على البشر أفراداً ومجتمعين في جيل من الأجيال - وفي جميع الأجيال كذلك - ان يطلعوا عليها. لأن بعضها في حاجة إلى استحضار جميع التجارب والظواهر للحياة البشرية في جميع أجيالها السابقة والحاضرة، والمستقبلة التي لم توجد بعد - وهذا مستحيل - وبعضها في حاجة إلى الإطلاع على كل خفايا الكون المحيطة بالإنسان - وهذا مستحيل كذلك - وذلك إلى قصور الإدراك البشري ذاته عن الحكم الصحيح المطلق حتى على ما يمكن ان تستحضر فيه التجارب والظواهر! لأنه محكوم بطبيعته الجزئية - غير المطلقة- ومحكوم بمؤثرات الهوى والضعف الأخرى. فليس هو إذن بالحكم في منهج يوضع "للكائن الإنساني"!. ومن ثم يقول الله تعالى: " ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض " .. ويقول:" ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون". والناس كلهم لا يعلمون ... لا يعلمون ذلك العلم المطلق، الذي يحتاج إليه وضع منهج للحياة البشرية... ومن ثم لا يكون لهم إلا الهوى وإلا الجهل حين يتصدون لما ليس من شانهم ،ولما ليس من اختصاصهم ... فوق ادعائهم لخاصية من خصائص الألوهية... وهو إثم عظيم. وشر عظيم!. ونحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج لأنه - وحده - المنهج الذي يقوم نظام الحياة البشرية فيه على أساس من التفسير الشامل للوجود. ولمكان الإنسان في هذا الوجود. ولغاية الوجود الإنساني - كما هي في الحقيقة- لا كما يرسمها الجهل والضعف والهوى البشري، في أي تصور آخر غير رباني. وهذا هو الأساس السليم القويم الوحيد لقيام نظام للحياة البشرية على جذوره الطبيعية. فكل نظام لحياة البشر لا يقوم على أساس من هذا التفسير الشامل لا يقوم على جذوره الطبيعية، وهو نظام مصطنع لا يمكن ان يعيش طويلاً. وهو مصدر شقاء للبشر طوال مدة قيامه فيهم، حتى تحطمه فطرتهم وترجع إلى الأصل السليم القويم. وهذا التفسير الذي يتضمنه ذلك المنهج الإلهي هو - وحده - التفسير الصحيح. لأنه من صنع خالق الوجود، وخالق الإنسان، العليم بحقيقة الوجود وبحقيقة الإنسان... وكل تفسير آخر للوجود، ولمقام الإنسان فيه، ولغاية الوجود الإنساني من صنع الإنسان نفسه، هو تفسير قاصر، لأن الوجود اكبر من الإنسان. فهناك استحالة في أن يصنع له الإنسان تفسيراً شاملاً. ولأن تحديد غاية الوجود الإنساني تحتاج إلى علم خالق هذا الإنسان وما أراده من خلقه. كما تحتاج إلى تجرد من الهوى في تحديد هذه الغاية! الأمر الذي لا يتيسر للإنسان أبداً. والذي يراجع سجل الفلسفة التي حاولت تفسير الوجود، وتفسير مكان الإنسان فيه، وتفسير غاية الوجود الإنساني، يقع على ركام عجيب. فيه من المضحكات الساذجة بقدر ما فيه من السخف والافتعال. حتى ليعجب الإنسان. كيف تصدر هذه التصورات عن "فيلسوف"!! لولا أن يتذكر أن هذا الفيلسوف إنسان؛ لا يملك إلا أداة العقل البشري. وأن هذا ليس مجال العقل البشري. وأن هؤلاء الناس "الفلاسفة" ! هم الذين زجوا بأنفسهم في مجال لا منارة لهم فيه، إلا تلك الذبالة الموهوبة لهم من الله لشأن آخر غير هذا الشأن. ولمجال آخر غير هذا المجال. شان تملك فيه أن تجدى، ومجال تملك فيه ان تنير … ذلك هو شأن الحياة الواقعية وذلك هو مجال الخلافة في الأرض وفق المنهج الإلهي . من التطلع إلى فضل الله وعونه، فيما يمده به من تفسير شامل للوجود، ولغاية الوجود الإنساني... وقوله الفصل وهو الحق... وقد تضمن منهجه ذلك التفسير بالقدر الذي يقوم عليه التصور الإنساني الصحيح. وبالقدر الذي يقوم عليه كذلك نظام حياته على جذوره الطبيعية. فنحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج، ليقوم نظام الحياة البشرية على جذوره الطبيعية. وليس هنالك منهج آخر، تتوافر فيه هذه الخاصية التي لا بد منها. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ونحن أخيراً ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج لأنه - وحده - المنهج الذي يتناسق مع نظام الكون كله. فلا ينفرد الإنسان بمنهج لا يتناسق مع ذلك النظام. على حين أنه مضطر ان يعيش في إطار هذا الكون، وان يتعامل بجملته مع النظام الكوني. والتناسق بين منهج حياة الإنسان ومنهج حياة الكون هو وحده الذي يكفل للإنسان التعاون مع القوى الكونية الهائلة؛ بدلاً من التصادم معها. وهو حين يصطدم معها يتمزق وينسحق، ولا يؤدي وظيفة الخلافة في الأرض، كما أرادها الله له. وحين يتناسق مع نواميس الكون ويتوافق، يملك معرفة أسرارها، وتسخيرها، والانتفاع بها في حياته. لا ليحترق بنار الكون ولكن ليطبخ ويستدفئ ويستضيء!!!. والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون... فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس، فانه لا يصطدم مع الكون الهائل فحسب، بل يصطدم أيضاً بفطرته التي بين جنبيه، فيشقى ويتمزق ويحتار ويقلق، ويحيا كما تحيا البشرية اليوم في عذاب نكد، على الرغم من جميع الانتصارات العلمية، وجميع التيسيرات الحضارية المادية. إن هذه البشرية تعاني من الشقاء والقلق والحيرة والاضطراب، وتهرب من واقعها النفسي بالأفيون والحشيش والمسكرات. وبالسرعة المجنونة، والمغامرات الحمقاء؛ "وبالتقاليع" السخيفة… وذلك على الرغم من الرخاء المادي والإنتاج الوفير والحياة الميسرة، والفراغ الكثير… لا بل إن الخواء والقلق والحيرة لتتضاعف كلها كلما تضاعف الرخاء المادي والتيسيرات الحضارية... إن هذا الخواء المرير يطارد البشرية كالشبح الرهيب. يطاردها فتهرب منه. ولكنها تنتهي كذلك إلى خواء مرير. وما من أحد يزور البلاد الغنية الثرية المترفة بالتيسيرات الحضارية - وفي مقدمتها أمريكا والسويد- حتى يكون الانطباع الأول في حسه أن هؤلاء قوم هاربون ! هاربون من أشباح تطاردهم. هاربون من ذوات أنفسهم... وسرعان ما ينكشف له الرخاء المادي والمتاع الحسي والإشباع الجنسي إلى حد التمرغ في الوحل... سرعان ما ينكشف له هذا كله عن الأمراض العصبية والنفسية، والشذوذ الجنسي، والقلق العصبي، والمرض والجنون، والجريمة الشاذة، وفراغ الحياة من كل تصور إنساني كريم. لقد أحرزت البشرية - عن طريق العلم - انتصارات ضخمة في عالم الصحة والعلاج من الأمراض الجسمية. فكشفت من الأدوية ووسائل التشخيص والعلاج ما يعد انتصارات رائعة. وبخاصة بعد كشف مركبات السلفا والبنسلين والمايسين... ولقد حققت في عالم الصناعة والإنتاج ما يشبه الخوارق... وما تزال في طريقها صعدا في هذا المجال. ولقد أحرزت انتصارات باهرة في كشوف الفضاء، والأقمار الصناعية، ومحطات الهواء. ومراكب الفضاء... وما تزال في الطريق... ولكن ما أثر هذا كله في حياتها؟ ما أثره في حياتها النفسية! هل وجدت السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلام؟ كلا! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف... إنها لم تتقدم كذلك في تصور أهداف الحياة الإنسانية، وغاية الوجود الإنساني. وحين يقاس تصور الرجل "المتحضر" لغاية وجوده الإنساني، إلى التصور الإسلامي لهذه الغاية، تبدو الحضارة الراهنة لعنة تنحط بالشعور الإنساني إلى الحضيض، وتصغر من اهتماماته وأشواقه وإنسانيته كلها!. إنهم في أمريكا مثلاً يعبدون آلهة جديدة؛ يتصورونها غاية الوجود الإنساني. إله المال. وإله اللذة. وإله الشهرة. وإله الإنتاج! ومن ثم لا يجدون أنفسهم لأنهم لا يجدون غاية وجودهم الإنساني! وكذلك الحال في الجاهليات الأخرى. التي تعبد آلهة مشابهة، لأنها لا تجد إلهها الحقيقي!. من اجل هذا كله نحن ملزمون بمحاولة تحقيق ذلك المنهج الإلهي للحياة البشرية. لنرد البشرية إلى إلهها الواحد؛ وإلى غاية وجودها اللائقة بالإنسانية؛ وإلى الناموس الكوني الذي يشمل الكون كله ويشملها. وهذه هي الحقيقة التي يقررها القران الكريم، وهو يستنكر مسلك الذين يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله، ومنهجه في الحياة، مخالفين بذلك عن كل شيء في هذا الوجود الكبير. " أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً، وإليه يرجعون ". وصدق الله العظيم |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
منْهَجٌ مُيَسَّـر ثم يقول قائل: ولكن البشرية لم تصبر طويلاً على هذا المنهج السامق الفريد. فقد تفلتت منه الجماعة التي حققته في الأرض فترة من الزمان، وقد اتجهت البشرية بعده إلى مناهج أخرى لا ترتفع إلى تلك القمة السامقة، ولكنها لا تكلف البشرية هذا الجهد الشاق!. وقد يبدو هذا القول صحيحاً للوهلة الأولى. فقد حرص كثير من الكتاب على تثبيت هذا المعنى في النفوس؛ وعلى الإيحاء بان هذا المنهج غير عملي ولا واقعي؛ ولا تطيقه طويلاً فطرة البشر؛ وإنما هو دعوة "مثالية" إلى أفق غير مستطاع! وكان لهم من وراء تثبيت هذا المعنى غرض ماكر؛ هو إشاعة اليأس من إمكان استئناف الحياة في ظل هذا المنهج؛ وتخذيل الجهود التي تبذل لرد البشرية إلى هذا المنهج القويم. ووجد هؤلاء الماكرون في الفتنة التي بدأت بقتل عثمان - رضي الله عنه - وما تلاه من الخلاف بين علي- كرم الله وجهه- ومعاوية، وما أعقب هذا الخلاف من إحداث... وجدوا في هذه الفتنة مادة خصبة؛ وفي الروايات الصحيحة والزائفة عنها فرصة سانحة، لمحاولة تثبيت ذلك المعنى الخبيث. طوراً بالتلميح. وطوراً بالتصريح. حسبما واتتهم الظروف!. وساعدهم في هذا المكر - عن غير قصد وبحسن نية - جماعة من المخلصين الذين ساءهم أن تعترض هذه الفتنة خط المد الإسلامي الصاعد في تلك الفترة التاريخية العظمية. وأن يقع بعض الانحراف في تصور سياسة الحكم عما كان عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والشيخين بعده. وان يقع بعض الانحراف في سلوك بعض الأمراء أيضاً.. ومن ثم يحسون بسبب إرهاف مشاعرهم، أن المد الإسلامي كله قد توقف بعد فترة الخلافة القصيرة! وينادون بهذه النظرية في حرارة إخلاصهم وشوقهم للقمة السامقة! وحماستهم للصورة الوضيئة الفريدة!. وهذا كله يحتاج إلى إعادة النظر؛ وإلى دقة النظر؛ وإلى تقدير العوامل البشرية. مع تقدير طبيعة هذا الدين؛ وطبيعة منهجه لقيادة خطى البشرية في الزمن الطويل؛ وفي مختلف البيئات ، ومختلف الظروف. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * إنه ليس صحيحاً -ابتداء- أن هذا المنهج الإلهي، يكلف النفس البشرية جهداً أشق من أن تطيقه أو أن تصبر طويلاً عليه. إنه منهج سامق فعلاً. ولكنه في الوقت ذاته منهج فطري. يعتمد على رصيد الفطرة، وينفق من هذا الرصيد المذخور. وميزته أنه يعرف طريقه منذ اللحظة الأولى إلى هذا الرصيد!. إنه يعرف طريقة إلى النفس البشرية منذ اللمسة الأولى. يعرف دروبها ومنحنياتها فيتدسس إليها بلطف؛ ويعرف مداخلها ومخارجها فيسلك إليها على استقامة، ويعرف قواها ومقدراتها فلا يتجاوزها أبداً؛ ويعرف حاجاتها وأشواقها فيلبيها تماماً؛ ويعرف طاقاتها الأصيلة البانية فيطلقها للعمل والبناء... وعلى كل رفعته ونظافته وسموه وسموقه... هو نظام "للإنسان". لهذا الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض. نظام يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها. وخصائص تكوينه وتركيبه بكل مقتضياتها. وحين تستقيم النفس مع فطرتها؛ وحين تلبي حاجاتها وأشواقها، وحين تطلق طاقاتها للعمل والبناء، فإنها تجري مع الحياة في يسر وطواعية؛ وتمضي مع خط الفطرة الصاعد، إلى القمة السامقة؛ وهي تجد الأنس والاسترواح والطمأنينة والثقة في خط سيرها الطويل. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * وبعض الذين يتشككون ويشككون في إمكان تحقيق هذا المنهج تروعهم "أخلاقية" هذا المنهج؛ وأصالة العنصر الأخلاقي في تكوينه وتهولهم تكاليف هذه "الأخلاقية" فيه؛ ويتصورونها قيوداً وكوابح دون انطلاق الإنسان إلى ما يشتهي؛ وإلى ما تدفعه إله نوازعه الفطرية وأشواقه. وهذا وهم ناشئ من عدم إدراك طبيعة هذا الدين. إن أخلاقية الإسلام لا تتمثل في مجرد مجموعة من القيود والكوابح والضوابط الرادعة. كلا! إنها في صميمها قوة بناءة، وحركة دافعة إلى النمو المطرد؛ وانطلاق إلى الحركة وتحقيق الذات في هذه الحركة.. ولكن في أسلوب نظيف.. إن العمل والإيجابية صورة أخلاقية في هذا المنهج. فالتبطل والسلبية صورة غير أخلاقية، لأنها تنافي غاية الوجود الإنساني - كما يصورها الإسلام - وهي الخلافة في الأرض؛ واستخدام ما سخره الله للإنسان من قواها وطاقاتها في التعمير والبناء. والجهاد لتحقيق الخير ومكافحة الشر صورة أخلاقية؛ تنطلق فيها طاقات أساسية في الكيان الإنساني؛ بينما هي في اعتبار الإسلام طاعة يتمثل فيها العنصر الأخلاقي في صورة رائعة. وحتى حين نأخذ الصور الأخلاقية التي تبدو في ظاهرها قيوداً كوابح، فإننا نجدها من الجانب الآخر تمثل صوراً من الانطلاق والتحرر ... والحركة. نأخذ مثلاً صورة ضبط النفس عن الاندفاع مع الشهوات الجنسية المحرمة.. إنها في ظاهرها تبدوا كبتاً وكبحاً.. ولكنها في حقيقتها تمثل التحرر من العبودية لهذه الشهوات؛ والإنطلاق من عقالها، واستعلاء الإرادة الإنسانية، بحيث "تختار" مواضع هذه الشهوات؛ في حدود النظافة التي يوفرها الإسلام، وفي دائرة الطيبات التي أحلها الله. كذلك نأخذ صورة أخرى من صور الأخلاقية.. صورة الإيثار. إنها قد تبدو تكليفاً للنفس، وكفاً لها عن التمتع بكل ما تملك؛ لتؤثر به نفساً أخرى... ولكنها في صميمها انطلاق من الشح، واستعلاء على الحرص، وسعة في الشعور بالخير العام، الذي لا ينحصر في إطار الذات.. فهي في حقيقتها انفلات وتحرر وانطلاق. و لا نملك المضي في عرض الأمثلة الكثيرة على هذا النحو. فحسبنا هذه الإشارة، لفهم حقيقة "القيود" الأخلاقية في المنهج الإسلامي. إن الإسلام يعتبر الآثام والرذائل قيوداً وأغلالاً، تشد النفس الإنسانية وتثقلها وتهبط بها إلى الوحل. ويعد الانطلاق من إوهاق الميول الهابطة تحرراً وانطلاقاً، وكل "أخلاقيته" تقوم على هذا الأساس. ذلك انه يعتبر أن الأصل في الفطرة هو الاستعداد للخير، فالإنسان خلق في أحسن تقويم. وإنما يرتد أسفل سافلين حين يستسلم لغير منهج الله: " لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". ومن ثم فان المنهج الذي يلائم الفطرة، هو الذي يعينها على الانفلات من القيود الطارئة على الفطرة الخيرة، والتحرر من ربقة الشهوات المقيدة!. والإسلام يحرص على قيادة المجتمع البشري، والهيمنة عليه، لينشيء فيه حالات وأوضاعاً تطلق الأفراد من الانحرافات الدخيلة على الفطرة، وتسمح للقوى الخيرة البانية في الفطرة بالظهور والتحرر والتفوق ، وتزيل العوائق التي تحول بين الفطرة والانطلاق إلى الخير الذي فطرت عليه. والذين يظنون أن "أخلاقية" الإسلام تجعل منه عبئاً ثقيلاً على البشرية، تحول دون تحقيقه في حياتهم، إنما يستمدون هذا الشعور مما يعانيه الفرد المسلم، حين يعيش في مجتمع لا يهيمن عليه الإسلام.. وحين يكون الأمر كذلك يكون الإسلام بأخلاقيته عبئاً ثقيلاً فادحاً بالفعل، يقصم ظهور الأفراد الذين يعيشون بإسلامهم النظيف، في المجتمع الجاهلي القذر؛ ويكاد يسحقهم سحقاً!. ولكن هذا ليس هو الوضع الطبيعي الذي يفترضه الإسلام، وهو يفرض "أخلاقيته" الرفيعة النظيفة السامقة على الناس... إن الإسلام نظام واقعي. ومن ثم فهو يفترض أن الناس الذين يعيشون بمنهجه، يعيشون في مجتمع يهيمن عليه الإسلام. وفي هذا المجتمع يكون الخير والفضيلة والنظافة هي "المعروف" الذي يعرفه ويصونه كل القائمين على هذا المجتمع. ويكون الشر والرذيلة والقذارة هي "المنكر" الذي تطارده كل القوى المهيمنة على هذا المجتمع أيضاً!. وحين يستقيم الأمر - على هذا النحو - يصبح المنهج الإسلامي للحياة منهجاً ميسراً شديد التيسير. بل تصبح الصعوبة الحقيقية هي مخالفة الأفراد لهذا المنهج؛ ومحاولتهم الاندفاع مع الشهوات الهابطة، ومقارفة الشر والرذيلة . لأن كل القوى المهيمنة على المجتمع حينئذ- مضافاً إلها قوة الفطرة السليمة المستقيمة - تقف في وجوههم، وتجعل طريقهم المنحرف شاقاً عسيراً!. ومن هنا يحتم الإسلام أن تكون الهيمنة المطلقة على الجماعة البشرية لله ولمنهج الله؛ ويحرم ان تكون هذه الهيمنة المطلقة لأحد من خلق الله، ولمنهج من صنع غير الله. ويعد هذا كفراً صريحاً أو شركاً كاملاً - كما أسلفنا في مقدمات الفصل السابق- فالإسلام له صورة واحدة،؛ هي إفراد الله سبحانه بالألوهية .. أي إفراد منهجه بالهيمنة على الحياة البشرية. لأن هذا هو المعنى المباشر القريب لشهادة ان لا إله إلا الله كما أسلفنا. كذلك يفترض الإسلام قيام مجتمع إسلامي يعيش في ظله الفرد المسلم بدينه هذا، وبخلقه الذي يفرضه هذا الدين. ذلك ان الشعور الإسلامي للوجود كله، ولغاية الوجود الإنساني، يختلف اختلافاً جوهرياً عن جميع التصورات الجاهلية - وهي التي يصوغها البشر لأنفسهم في معزل عن هدى الله في أي زمان وفي أي مكان - وهو اختلاف رئيسي لا مجال فيه للالتقاء في منتصف الطريق... فلابد إذن من وسط خاص يعيش فيه هذا التصور، بكل قيمة الخاصة. لابد له من وسط غير الوسط الجاهلي، ولابد له من بيئة غير البيئة الجاهلية. هذا الوسط الخاص يعيش بالتصور الإسلامي، وبالمنهج الذي ينبثق منه؛ ويتنفس أنفاسه الطبيعية في طلاقه وحرية، وينمو نموه الذاتي بلا عوائق من داخله تؤخر هذا النمو أو تقاومه؛ وبلا عوائق من خارجه تسحقه أو تطغى عليه. وفي هذا الوسط يحيا الفرد المسلم حياة طبيعية مريحة؛ لأنه يتنفس أنفاسه الطبيعية؛ ويجد على الخير أعواناً، ويجد في إتباع "الأخلاقية" الإسلامية راحة شعورية، وراحة اجتماعية. وبغير هذا الوسط تصبح حياة هذا الفرد متعذرة - أو شاقة على الأقل- ومن هنا ينبغي أن يعلم من يريد ان يكون مسلماً، أنه لا يستطيع أن يزاول إسلامه إلا في وسط مسلم، يهيمن عليه الإسلام. وإلا فهو واهم إذا ظن أنه يملك أن يحقق إسلامه، وهو فرد ضائع أو مطارد في المجتمعات الجاهلية!. إن المنهج الإسلامي ميسر، حين يعيش في وسطه هذا. وهو يفترض أن هو الوسط لابد من وجوده. ويقيم توجيهاته كلها على هذا الأساس. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * كذلك ليس صحيحاً أن هذا المنهج يكلف البشرية جهداً أشق من الجهد الذي تبذله وهي تحيا في ظل المناهج الجاهلية. إن المناهج الجاهلية - وهي التي يتخذها البشر لأنفسهم في معزل عن هدى الله في أي زمان وفي أي مكان - تتسم حتماً بشيء من نتائج الجهل البشري والضعف البشرى والهوى البشرى - وذلك في احسن حالاتها - فهي من ثم تصطدم بالفطرة البشرية اصطداماً كلياً أو جزئياً. ومن ثم تشقى بها النفس بقدر ما فيها من التصادم مع فطرتها!. ثم إنها تتسم كذلك بالعلاجات والحلول الجزئية للمشكلات البشرية. وكثيراً ما تعالج جانباً بإيذاء الجانب الآخر، وتلك هي الثمرة المباشرة للرؤية الناقصة التي لا تلم بجميع الجوانب في الوقت الواحد.. فإذا عادت إلى علاج الداء الجديد الذي أنشأه العلاج للداء الأول، أنشأت داء جديداً ... وهكذا دواليك.. كما تشهد بذلك دراسة التقلبات والأطوار التي أنشأتها النظم البشرية والمناهج البشرية... الجاهلية... وهذا وذلك يكلف البشرية - ولا شك - جهوداً أشق من الجهد الذي تبذله للمنهج الكامل الشامل المستقيم مع الفطرة؛ الذي ينظر إلى مشكلاتها كلها من جميع الجوانب، ويضع لها العلاج الكامل الشامل، المنبثق من الرؤية الكاملة الشاملة. والذي يراجع سجل الآلام البشرية، الناشئة من مناهج الجاهلية، في تاريخها الطويل، لا يجرؤ على القول بان هذا المنهج الإلهي بكل تكاليفه، وبكل "أخلاقيته" يكلف البشرية من الجهد مالا تكلفه لها المناهج الجاهلية!. وأيسر ما في هذا المنهج أنه - وهو يضع في حسابه البلوغ إلى القمة السامقة - لا يعتسف الطريق، ولا يستعجل الخطى، ولا يتخطى المراحل... إن المدى أمامه ممتد فسيح؛ ولا يحده عمر فرد، ولا تستحثه رغبة فان يخشى أن يعجله الموت أو الفوت عن تحقيق غايته البعيدة؛ كما يقع لأصحاب المذاهب والمناهج الأرضية من البشر الفانين؛ الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد؛ ويتخطون الفطرة الهادئة الخطى، ليقفزوا إلى تحقيق صورة براقة تخايل لهم؛ ولا يصبرون على الخطو الطبيعي الهادئ المطمئن البصير ... وفي الطريق المعتسف الذي يسلكونه تقوم المجازر، وتسيل الدماء، وتتحطم القيم، وتضطرب الموازين... ثم يتحطمون هم في النهاية تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها الأجهزة المصطنعة العسوف!. فأما المنهج الإسلامي فيسير هيناً ليناً - مع الفطرة - يوجهها من هنا، ويذودها من هناك، ويقومها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها ولا يجهدها كذلك. إنه يصبر عليها صبر العارف البصير، الواثق من الغاية البعيدة المدى، الأكيدة التحقيق... والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية، والذي لا يتم في الجولة الثانية يتم في الجولة الثالثة... أو العاشرة... أو المئة... أو الألف! كل ما هو مطلوب هو بذل الجهد والمضي في الطريق!. وكما تنبت الشجرة الباسقة، وتضرب بجذورها في أعماق التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك... كذلك ينبت هذا المنهج في النفس والحياة. ويمتد في بطء، وعلى هينة... وفي ثقة وطمأنينة... ثم يكون ما يريد الله أن يكون.. إن الإسلام يلقى بذوره، ويقوم على حراستها؛ ويدعها حينئذ تنمو نموها الطبيعي الهادئ وهو واثق من الغاية البعيدة.. ومهما يحدث من البطء أحياناً، ومن التراجع أحياناً، فان هذا شأن الفطرة.. والزارعة قد تسفى عليها الرمال… وقد يأكل بعضها الدود.. وقد يحرقها الظمأ. وقد يغرقها الري. وقد تصاب بشتى الآفات … ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل. فلا يعتسف، ولا يقلق. ولا يحاول أن ينضجها بغير وسائل الفطرة الهادئة اليسيرة... ومن ثم يصاحبها اليسر، وتسهل تكاليفها على النفوس.. على أننا لا نحتاج - اليوم- إلى الحديث عما تعانيه البشرية من اعتساف المناهج الجاهلية وأصحابها. وحسبنا ما تجأر به من الشقوة في مشارق الأرض ومغاربها. و ما يجهر به بقية العقلاء من صيحات الإنذار والخطر في كل مكان.. وأخيراً فانه ليس صحيحاً أن هذا المنهج لم يعش طويلاً- كما يقول بعضهم في خبث وكيد؛ وبعضهم في حماسة وغيرة! فان البناء الروحي والاجتماعي والسياسي، الذي قام على أساس هذا المنهج السامق الفريد، والذي لم يستغرق بناؤه سوى قرن واحد من الزمان - بل نصف قرن في الحقيقة - قد ظل يقاوم جميع الآفات التي تسللت إليه، وجميع العداوات التي ساورته، وجميع الهجمات الوحشية التي شنت عليه ... اكثر من ألف عام. وقد ظلت هذه العوامل الرهيبة تساوره وتهاجمه وتتسلل إلى قواعده في إصرار... ووراءها جميع قوى العالم الجاهلي.. فلا تبلغ أن تحطمه من أساسه. ولكنها مع تطاول الزمان، ومع التجمع والترصد، ومع الإصرار والاستمرار؛ ظلت تنقص منه شيئاً فشيئاً، وتنحرف به عن أصوله شيئاً فشيئاً حتى أثخنته فعلا وهددته تهديدا خطيرا .. ومع هذا كله فإنها لم تستطع - حتى اللحظة - تشويه أصوله النظرية، فما تزال هذه الأصول قادرة على البعث الجديد، حين يعتنقها جيل جديد!. ولكي ندرك قيمة هذه الحقيقة التاريخية، ينبغي ان ننظر إلى بناء آخر، قام على منهج جاهلي... ذلك هو بناء الدولة الرومانية.. لقد استغرق هذا البناء قرابة ألف عام.. ثم تحطم فيما لا يزيد على قرن واحد تحت ضربات الهون والقوط.. ولم يقم بعد ذلك أبداً.. ولا بقيت في أصوله بقية ينهض عليها بعث جديد!. وهذا هو الفارق الأساسي بين منهج الله ومناهج العبيد!. نعم إنه كانت هناك فترة فارعة في تاريخ هذا المنهج - وفي تاريخ البشرية كله - ظلت تتراءى في التاريخ البشري كله، كالقمة السامقة، تتطاول إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأنظار؛ وهي في مكانها السامي هناك!. .... وهي فترة قصيرة فعلاً .... ولكن هذه الفترة ليست هي كل العهد الإسلامي... إنما هي منارة أقامها الله، لتظل البشرية تتطلع إليها، وتحاول ان تبلغها كذلك؛ وتتجدد آمالها في بلوغ القمة السامقة، وهي تدرج إليها في المرتقى الصاعد. ويقسم الله لها ما يقسم من المدارج في هذا المرتقى. وهي تتطلع دائماً إلى المنارة الهادية!. حقيقة ان هذه الفترة لم تكن وليدة معجزة لا تتكرر، وأنها كانت ثمرة الجهد البشري الذي بذلته الجماعة المسلمة الأولى، وأنها ممكنة التحقيق حين يبذل مثل ذلك الجهد مرة أخرى... ولكن هذا الجهد الذي بذلته طائفة مختارة من البشر، قد يكون مرصوداً لكثير من الأجيال البشرية القادمة - لا لجيل واحد - وقد يكون تحقيق تلك القمة الفريدة في ذلك الجيل الواحد، قدراً من أقدار الله، لكي يقوم هذا النموذج في صورة واقعية تمكن محاولتها ، وتمكن معرفة خصائصها ... ثم يترك للبشرية بعد ذلك في أجيالها المتتابعة، ان تحاول بلوغها من جديد. وقد ظل المنهج يؤدي دوره، فيما بعد هذه الفترة، في مساحات واسعة من الحياة البشرية، وظل يفعل في تصورات البشرية وتاريخها وواقعها أجيالاً طويلة؛ وترك من ورائه آثاراً وتيارات في حياة البشرية كلها، لعلها هي التي تجعلنا نأمل اليوم، في إمكان البشرية ان تتطلع إلى المحاولة من جديد. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
منْهَجٌ مُؤَثِّـر على ان هذه الاشراقة اللامعة، بلغت من التأثير الدائم في واقع الحياة البشرية، قدر ما بلغته من البهاء والرفعة، ومن العظمة والكمال. وخلفت في واقع البشرية التاريخي من الاثار الباقية، ما قد يجعل الجيل الحاضر من هذه البشرية اليوم أقدر على المحاولة من سائر الأجيال التي خلت - بعد تلك الصفوة المختارة من رجال الصدر الأول - وذلك بمساعدة التيارات التي أطلقتها، والرواسب التي خلفتها، في التصورات والقيم، وفي النظم والأوضاع سواء. وسنحاول في هذا الفصل أن نلم - في اختصار وإجمال يناسبان طبيعة هذا البحث المجمل المختصر- بلمحات عن آثار هذه الاشراقة الوضيئة الفريدة، لا في تاريخ الأمة الإسلامية وحدها، ولكن كذلك في تاريخ البشرية بجملتها. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * لقد استطاعت تلك الفترة ان تنشيء في واقع الحياة البشرية عدداً كبيراً من الشخصيات النموذجية، تتمثل فيها الإنسانية العليا، بصورة غير مسبوقة ولا ملحوقة. صورة تبدو في ظلها جميع الشخصيات البشرية التي نشأت في غير هذا المنهج، أقزاماً صغيرة، أو كائنات لم تستكمل وجودها بعد، أو كائنات غير متناسقة على كل حال!. ولم تكن هذه الشخصيات النموذجية التي أخرجها المنهج الإلهي في تلك الفترة القصيرة آحاداً تعد على أصابع اليدين؛ إنما كانت حشداً كبيراً؛ يعجب الباحث كيف انبثقت هكذا سامقة ناضجة إلى هذا المستوى العجيب، في هذه الفترة القصيرة المحدودة. ويعجز عن تعليل انبثاقها على هذا النطاق الواسع؛ وعلى هذا المستوى الفارع، وفي مثل هذا التنوع من النماذج... ما لم يرد هذه الظاهرة الفريدة إلى فعل ذلك المنهج الفريد. والمهم أن نعرف ان هؤلاء الناس، الذين تمثلت فيهم نماذج الإنسانية العليا: النماذج التي ظلت فريدة في سموقها، وظلت سائر النماذج على مدار القرون تبدو في ظلها أقزاماً صغيرة، أو كائنات غير تامة الوجود... المهم أن نعرف ان هؤلاء الناس الذي حققوا ذلك المنهج الإلهي في حياتهم على هذا النحو العجيب، قد ظلوا - مع هذا - ناساً من البشر لم يخرجوا عن طبيعتهم، ولا عن فطرتهم؛ ولم يكبتوا طاقة واحدة من طاقاتهم البانية، ولم يكلفوا أنفسهم كذلك فوق طاقتهم… لقد زاولوا كل نشاط إنساني، وأصابوا من الطيبات كل ما كان متاحاً لهم في بيئتهم وزمانهم… لقد أخطأوا وأصابوا، وعثروا ونهضوا ، وأصابهم الضعف البشري أحياناً - كما يصيب سائر البشر - وغالبوا هذا الضعف، وانتصروا عليه أحياناً أخرى... والمعرفة بهذه الحقيقة ذات أهمية قصوى. فهي تعطي البشرية أملاً قوياً في إعادة المحاولة؛ وتجعل من واجبها - بل تجعل من حقها - أن تتطلع إلى هذه الصورة الوضيئة الممكنة، وأن تظل تتطلع. فهي صورة من شانها أن تزيد من ثقة البشرية بنفسها، وبفطرتها، وبمقدراتها الكامنة، التي يمكن - عندما يوجد المنهج الصالح- ان تبلغ بها إلى ذلك المستوى الإنساني الرفيع الذي بلغته مرة في تاريخها … فهي لم تبلغه بمعجزة خارقة لا تتكرر . إنما بلغته في ظل منهج من طبيعته ان يتحقق بالجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية. ولقد انبثق ذلك الجيل الفارع العظيم، من قلب الصحراء، الفقيرة الموارد، المحدودة المقدرات الطبيعية والاقتصادية والعلمية... وعلى كل ما كان في هذه البيئة من الموافقات المكونة لهذا الانبثاق الهائل العجيب، فان البشرية - اليوم وغداً- ليست عاجزة بفطرتها، ولا عاجزة بمقدراتها، أن تنجح مرة أخرى في المحاولة، إذا هي اتخذت ذلك المنهج قاعدة لحياتها. ولقد ظل هذا المنهج - على كل ما ألم به على مدى الزمن من انحرافات ومن خصومات ومن هجمات - يبعث بنماذج من الرجال، فيها من ذلك الجيل الأول الفارع مشابه، وفيها منه آثاراً وانطباعات... وظلت هذه النماذج تؤثر في الحياة البشرية تأثيرات قوية، وتؤثر في خط سير التاريخ البشري، وتترك من حولها ومن ورائها تيارات ودوامات هائلة تطبع وجه الحياة، وتلون سماتها. وما يزال هذا المنهج قادراً في كل حين، على ان يبعث بهذه النماذج، كلما بذلت محاولة جدية في تطبيقه وتحكيمه في الحياة. على الرغم من جميع المؤثرات المضادة، وعلى الرغم من جميع المعوقات من حوله وفي طريقه. والسر الكامن فيه هو تعامله المباشر مع الفطرة؛ واستمداده المباشر من رصيدها المكنون. وهو رصيد هائل، ورصيد دائم. وحيثما التقى مع هذا المنهج تفجرت ينابيعه الثرة، وفاض فيضه المكنون!. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * واستطاعت هذه الفترة ان تقرر في واقع الحياة البشرية مبادئ وتصورات، وقيما موازين، لم يسبق أن تقررت في تاريخها كله، بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحيوي كله. ولم يقع كذلك ان تقررت هذه المبادئ والتصورات والقيم والموازين في واقع البشرية مرة أخرى - وفي ظل أي منهج وأي نظام في الأرض كلها - بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحيوي كله... ثم- وهذا هو الأهم- بمثل هذا الصدق والجد والإخلاص والتجرد الحقيقي العميق. وقد تناولت هذه المبادئ والتصورات، وهذه القيم والموازين، كل قطاعات الحياة الإنسانية، تناولت تصور البشرية لإلهها، وعلاقاتها به. وتصورها لهذا الوجود الذي تعيش فيه وعلاقتها به، وتصورها لغاية وجودها الإنساني ومكانها في هذا الكون ووظيفتها... كما تناولت - تبعاً لذلك- تصورها لحقيقة الإنسان، وحقوقه وواجباته وتكاليفه، والقيم التي توزن بها حياته ونشاطه ومكانته، والتي تقوم عليها علاقاته بربه، وعلاقاته بأهله، وعلاقاته بأبناء جنسه، وعلاقاته بالكون والأحياء والأشياء. ومما تناولته... الحقوق والواجبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. والأنظمة والأوضاع والروابط التي تنظم هذه الحقوق والواجبات وبالجملة كل قطاعات الحياة الإنسانية في شتى صورها وجوانبها الكثيرة. وقررت في هذا كله حكمها الذي يفردها ويميزها، ويجعل لها طابعها الرباني الفريد.. وقد تم هذا كله في وسط محلى معاد لمثل هذه المبادئ والتصورات، ولهذه القيم والموازين... وفي وسط عالمي منكر لأساس هذه المبادئ والتصورات والقيم والموازين.. وفي ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وعقلية ونفسية - محلية وعالمية - من شأن ظواهرها ان تصادم هذه الاتجاهات التي قررها الإسلام في واقع الحياة البشرية، للمرة الأولى، أو على الأقل لا تساعدها على الحركة الطليقة. معتمداً في نجاحه - قبل كل شيء - على رصيد الفطرة البشرية من الاستعداد للاستقامة على المنهج الإلهي- الموافق في صميمه لهذه الفطرة - قبل ان تغشيها المؤثرات السطحية- وعلى استثارة هذا الرصيد، واستنقاذه من الركام الذي ران عليه. وهو رصيد ضخم، يكفي - حين يوجد المنهج الذي يستنقذه من التبدد والانطمار - لمقاومة تلك المؤثرات السطحية ، التي يظن بعض قصار النظر أنها تمثل كل شيء في حياة الإنسان... والإسلام لا يغفل هذه المؤثرات ولا يهمل آثارها في الحياة البشرية، ولكنه لا يقف أمامها مستسلماً، باعتبارها "أمراً واقعاً" لا فكاك منه. بل يلجأ إلى استنقاذ رصيد الفطرة؛ وتجميعه ، وتوجيهه، لتعديل الواقع، في رفق وتؤدة- على نحو ما بينا من طريقته في العمل في الفصل السابق- وينتهي إلى مثل ما انتهى إليه في تلك الفترة، في مواجهة تلك الظروف المناوئة، المحلية والعالمية، وتحويلها إلى ظروف مواتية. كما حدث بالفعل في الجزيرة العربية. وفيما وراءها كذلك!. والبشرية اليوم قد تكون - في بعض الجوانب - أحسن حالاً وظروفاً منها يوم جاءها هذا المنهج، واحدث فيها - في فترة قصيرة- ذلك الانقلاب الشامل، وتلك الثورة العظمى- في رفق ويسر وانطلاق- وقد تكون أقدر على العمل بهذا المنهج- للأسباب التي سنبديها في فصل تال - وقد تكون طاقتها اليوم على حمله اكبر. وبخاصة حين نعرف ان رصيد الفطرة الإنسانية- على الرغم من كل ما يرسب فوقه من ركام الفساد والشر والانحراف ؛ وعلى الرغم من كل ما يبدده ويسحقه من الأوضاع المادية والمؤثرات الاقتصادية والفكرية - قادر على ان ينتفض، ويتجمع، ويعمل، حين يفلح المنهج في استنقاذه وتجميعه وتوجيهه، وإطلاقه في الخط المتناسق مع فطرة الإنسان، وفطرة الكون، كما خلقها الله. وان هذا الرصيد من الأصالة، والعمق، والضخامة، بحيث يرجح سائر العوامل الأخرى، التي تأخذ صورة "الواقع" ... فما بال إذا كان بعد هذه العوامل اليوم في صفه وفي اتجاهه؟ ان "الواقع" الخارجي يتراءى، لمن لا يعرفون طبيعة هذا المنهج، كما لو كان هو الحقيقة التي لا سبيل إلى تغييرها، ولا سبيل إلى زحزحتها، ولا سبيل إلى التمرد عليها!. ولكن هذا ليس إلا وهماً كبيراً. فالفطرة البشرية "واقع" كذلك. وهي ليست على استقامة مع هذا الواقع الظاهري؛ بدليل أنها تشقى به في مشارق الأرض ومغاربها. وحين تصطدم الفطرة بوضع من الأوضاع، أو بنظام من النظم، فقد تغلب في أول الأمر، لأن وراء هذا الوضع أو هذا النظام قوة مادية تفرضه فرضاً، ولكن الذي لا شك فيه ان الفطرة أقوى واثبت من كل وضع طارئ عليها، ومن كل قوة تسند هذا الوضع الطارئ. ولابد لها من أن تغلب في النهاية. وبخاصة حين يقودها منهج طبيعته من طبيعتها.. وقد حدث هذا مرة يوم واجه ذلك المنهج الإلهي "واقع" الجزيرة العربية، وواقع الأرض كلها. فانتصر على هذا الواقع انتصاراً رائعاً، وبدل قوائمه التصورية والعملية، وأقامه على أسس جديدة. وهذا الذي حدث لم يتم بمعجزة خارقة لا تتكرر. ولكنه تحقق - وفق سنة الله الدائمة- بجهد بشري، وفي حدود الطاقة البشرية... فدلت هذه السابقة على إمكان تكرار هذه الظاهرة. فما بال إذا كانت التيارات التي أطلقتها تلك الفترة، والرواسب التي خلفتها، في حياة البشرية، وفي الواقع التاريخي، كلها عوامل مساعدة في المحاولة الجديدة؟ * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * واستطاعت تلك الفترة ان تقر في حياة البشرية تقاليد عملية، وأوضاعاً واقعية- تستند إلى تلك المبادئ والتصورات والقيم والموازين- لم تمت وتذهب بانقضاء تلك الفترة. ولكنها امتدت في صورة تيار متحرك، مندفع إلى مسافات بعيدة في الأرض، والى أحقاب متطاولة من الزمان. وتأثرت بها الحياة البشرية كلها - على صورة من الصور- وأصبحت رصيداً للبشرية كلها، تنفق منه وتستمد اكثر من ألف عام.. رصيداً يؤثر في تصوراتها، ويؤثر في أوضاعها، ويؤثر في تقاليدها، ويؤثر في علومها ومعارفها، ويؤثر في اقتصادها وعمرانها، ويؤثر في حضارتها كلها تأثيرات متفاوته، ولكنها مطردة فاعلة في كل ركن من أركان الأرض. وما تزال بقايا من ذلك التيار تعمل في واقع الحياة البشرية حتى اليوم، على الرغم من جميع القوى التي وقفت في وجه هذا المد الغامر، وعلى الرغم من النكسة أو النكسات إلى الجاهلية والإغريقية والجاهلية الرومانية، في العالم الغربي، الذي سيطر على مقاليد الأرض أحقاباً متطاولة!. وقد استقرت في حياة البشرية من وراء هذه التأثيرات الواقعية مبادئ وقيم، ونظريات وأوضاع، قد تجهل البشرية اليوم مصدرها الأصيل، وقد تردها إلى مصادر أخرى غير ذلك المنهج المؤثر. ولكنه ليس من المتعذر معرفة اصلها الأول، والرجوع بها إلى فعل المنهج الإلهي، وآثاره في الحياة البشرية. وسنشير في فصل تال إلى بعض الخطوط العريضة التي انتهت البشرية إلى إقرارها اليوم، وكانت منكرة لها اشد الإنكار يوم جاءها بها الإسلام، أول مرة، منذ نيف وثلثمائة وألف عام!. ولعله من شأن استقرار هذه الخطوط العريضة في حياة البشرية وأوضاعها الحاضرة، بعد الإنكار الشديد لها يوم جاءها بها الإسلام أول مرة، ان تكون البشرية اليوم اقرب - بصفة عامة - إلى تفهم هذا المنهج، وأقدر كذلك على حمله، ولديها منه رصيد واقعي، خلفته موجة المد الأول، لم يكن لديها يوم جاءها أول مرة! ولديها كذلك رصيد من تجاربها الخاصة، في فترة التيه والشرود عن هذا المنهج، وما أصبحت تعانيه اليوم من أثار هذا التيه وهذا الشرود- مما سبقت الإشارة إليه باختصار- فهذه وتلك قد تكون من العوامل المساعدة على تقبل المنهج الإلهي، والصبر عليه في الجولة القادمة... بإذن الله... * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * ولعله يحسن الآن - وقد وصلنا إلى هذا الحد من الإشارات المجملة - ان نفصلها بعض التفصيل، بذكر شيء من مدلولتها الواقعية في الحياة البشرية، من خلال الواقع التاريخي، وبتفصيل شيء من رصيد الفطرة الذي واجه به الإسلام واقع البشرية فانتصر عليه، وقرر منهجه في وجه ذلك الواقع.. |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
رصيد الفـطـرة يوم جاء الإسلام أول مرة وقف في وجهه "واقع" ضخم. واقع الجزيرة العربية، وواقع الكرة الأرضية!... وقفت في وجهه عقائد وتصورات؛ ووقفت في وجهه قيم وموازين؛ ووقفت في وجهه أنظمة وأوضاع؛ ووقفت في وجهه مصالح وعصبيات.. كانت المسافة بين الإسلام- يوم جاء- وبين واقع الناس في الجزيرة العربية وفي الكرة الأرضية، مسافة هائلة سحيقة، وكانت النقلة التي يريدهم عليها بعيدة بعيدة... وكانت تسند "الواقع" أحقاب من التاريخ؛ وأشتات من المصالح؛ وألوان من القوى؛ وتقف كلها سداً في وجه هذا الدين الجديد؛ الذي لا يكتفي بتغيير العقائد والتصورات، والقيم والموازين، والعادات والتقاليد، والأخلاق والمشاعر... إنما يريد كذلك - ويصر- على ان يغير الأنظمة والأوضاع، والشرائع والقوانين، وتوزيع الموال والأرزاق. كما يصر على انتزاع قيادة البشرية من يد الطاغوت والجاهلية، ليردها إلى الله وإلى الإسلام!. ولو أنه قيل لكائن من كان - في ذلك الزمان- ان هذا الدين الجديد الذي يحاول هذا كله، في وجه ذلك "الواقع" الهائل، الذي تسنده قوى الأرض كلها، هو الذي سينتصر، وهو الذي سيبدل هذا الواقع في أقل من نصف قرن من الزمان، لما لقى هذا القول إلا السخرية والاستهزاء والاستنكار!. ولكن هذا "الواقع" الهائل الضخم، سرعان ما تزحزح عن مكانه، ليخليه للوافد الجديد. وسرعان ما تسلم القائد الجديد مقادة البشرية ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويقودها بشريعة الله، تحت راية الإسلام!. كيف وقع هذا الذي يبدو مستحيلاً في تقدير من يبهرهم "الواقع" ويسحقهم ثقله، وهم يزنون الأمور والأوضاع؟!. كيف استطاع رجل واحد. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم… أن يقف وحده في وجه الدنيا كلها، أو على الأقل في وجه الجزيرة العربية كلها في أول الأمر ؟ أو على الأقل في وجه قريش سادة العرب كلهم في منشأ الدعوة؟ وأمام تلك العقائد والتصورات، والقيم والموازين والأنظمة والأوضاع، والمصالح والعصبيات، ثم ينتصر على هذا كله، ويبدل هذا كله؛ ويقيم النظام الجديد، على أساس المنهج الجديد، والتصور الجديد؟ انه لم يتملق عقائدهم وتصوراتهم، ولم يداهن مشاعرهم وعواطفهم، ولم يهادن آلهتهم وقيادتهم.. لم يتمسكن حتى يتمكن... انه أمر ان يقول لهم منذ الأيام الأولى، وهو في مكة، تتألب عليه جميع القوى: " قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد، لكم دينكم ولي دين ".. فلم يكتف بان يعلن لهم افتراق دينه عن دينهم، وعبادته عن عبادتهم، ومفاصلتهم في هذا مفاصلة كاملة لا لقاء فيها. بل أمر كذلك ان ييئسهم من إمكان هذا اللقاء في المستقبل. فكرر عليهم: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد "... وباطراد المفاصلة في هذا الأمر، الذي لا التقاء فيه! " لكم دينكم ولي دين ". وهو كذلك لم يبهرهم بادعاء ان له سلطاناً سرياً، ولا مزايا غير بشرية ولا موارد سرية. بل أمر ان يقول لهم: " قل: لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول لكم إني ملك. ان اتبع إلا ما يوحى إلي "... (الأنعام: 50) ولم يوزع الوعود بالمناصب والمغانم لم يتبعونه، حين ينتصر على مخالفيه: قال ابن إسحاق: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على القبائل في الموسم - موسم الحج- يقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به". قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري: أنه أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه. فقال رجل منهم يقال له: بيجرة بن فراس: والله أو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب! ثم قال له: أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: " الأمر لله يضعه حيث يشاء". قال: فقال له، أفتهدف نحورنا للعرب، فان أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه"... كيف اذن وقع الذي وقع؟ كيف قوى ذلك الرجل الواحد على قهر ذلك "الواقع"؟ انه لم يقهره بمعجزة خارقة لا تتكرر. فقد أعلن - صلى الله عليه وسلم- انه لا يعمل في هذا الحقل بخارقة؛ ولم يستجب - مرة واحة- لطلبهم للخوارق.. إنما وقع الذي وقع وفق سنة دائمة تتكرر كلما أخذ الناس بها واستجابوا إليها. لقد وقع الذي وقع من غلبة هذا المنهج، لأنه تعامل - من وراء الواقع الظاهري- مع رصيد الفطرة المكنون. وهو رصيد - كما أسلفنا- ضخم هائل، لا يغلبه هذا الركام الظاهري؛ حين يستنقذ ويجمع ويوجَّه، ويطلق في اتجاه مرسوم! * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * كانت المعتقدات الفاسدة والمحرفة ترين على ضمير البشرية، وكانت الآلهة الزائفة تزحم فناء الكعبة كما تزحم تصورات الناس وعقولهم وقلوبهم . وكانت المصالح القبلية والاقتصادية تقوم على كواهل هذه الآلهة الزائفة، وما وراءها من سدانة وكهانة، ومن أوضاع في حياة الناس، مستمدة من توزيع خصائص الألوهية بين العباد؛ وإعطاء السدنة والكهنة حق الاشتراع للناس، ووضع مناهج الحياة!!! وجاء الإسلام يواجه هذا "الواقع" كله بلا اله إلا الله. ويخاطب الفطرة التي لا تعرف لها إلهاً إلا الله. ويعرف الناس بربهم الحق، وخصائصه وصفاته التي تعرفها فطرتهم من تحت الأنقاض والركام. " قل: أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم؟ قل: إني أمرت ان أكون أول من أسلم. ولا تكونن من المشركين. قل: إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه، وذلك الفوز المبين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير. وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. قل: أي شيء اكبر شهادة؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم، وأوحى إلى هذا القران لأنذركم به ومن بلغ. أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟ قل: لا أشهد قل: إنما هو اله واحد، وإنني بريء مما تشركون ". (الأنعام: 14-19) " قل: انى نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله: قل: لا اتبع اهواءكم، قد ضللت اذن وما انا من المهتدين. قل : انى على بينة من ربي. وكذبتم به، ما عندي ما تستعجلون به. ان الحكم الا الله، يقص الحق وهو خير الفاصلين. قل: لو ان عندي ما تستعجلون به لقضى الأمر بيني وبينكم،والله أعلم بالظالمين. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين.وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار،ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى، ثم اليه مرجعكم،ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون،وهو القاهر فوق عباده،ويرسل عليكم حفظة،حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون.ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق.ألا له الحكم،وهو أسرع الحاسبين.قل:من ينجيكم من ظلمات البر والبحر،تدعونه تضرعا وخفية:لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.قل:الله ينجيكم منها ومن كل كرب،ثم أنتم تشركون.قل: هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم،او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض.انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ".... ( الأنعام: 56-65) واستمعت الفطرة الى الصوت القديم،الذي يخاطبها من وراء ركام الواقع الثقيل،في التيه العريض.وثابت الى الهها الواحد.وانتصرت الدعوة الجديدة على الواقع الثقيل! * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * وعندما ثاب الناس الى إله واحد.امتنع ان يعبد الناس الناس ووقف الجميع رافعي الرؤوس امام بعضهم البعض.يوم انحنت كل الرؤوس للإله الواحد القاهر فوق عباده. وانتهت اسطورة الدماء المتفاضلة، والأجناس المتفاضلة، ووراثة الشرف والحكم والسلطان... ولكن كيف وقع هذا ؟ لقد كان هناك "واقع" اجتماعي، وراءه مصالح طبقية وعنصرية، مادية ومعنوية. واقع سائد في الجزيرة العربية، وسائد في الأرض من حولها. واقع ليس محل اعتراض احد، لأن المنتفعين به لا يسأمونه، والرازحين تحته لا ينكرونه!. كانت قريش تسمى نفسها "الحمس" وتفرض لنفسها حقوقاً وتقاليد ليست لسائر العرب. وتقف في الحج بالمزدلفة حين يقف الناس جميعاً بعرفات! ويقيمون على هذه الامتيازات منافع اقتصادية يفرضونها على سائر العرب. فيحتِّمون عليهم ألا يطوفوا بالبيت الا في ملابس يشترونها من قريش؟ وإلا طافوا بالبيت عراة؟ وكانت الأرض كلها من حول الجزيرة تعج بالتفرقات القائمة على اختلاف الدماء والأجناس وتفاضلها... " كان المجتمع الايراني مؤسساً على اعتبار النسب والحرف. وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر، ولا تصل بينها صلة. وكانت الحكومة تحظر على العامة ان يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير. وكان من قواعد السياسة الساسانية ان يقتنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه. ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها. وكان ملوك ايران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم. وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها على بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع". "وكانت الأكاسرة ملوك فارس يدعون انه يجري في عروقهم دم الهي. وكان الفرس ينظرون اليهم كآلهة، وينشدون الأناشيد بألوهيتهم، ويرونهم فوق القانون، وفوق الانتقاد، وفوق البشر، لا يجري اسمهم على لسانهم، ولا يجلس أحدهم في مجلسهم؛ ويعتقدون أن لهم حقاً على كل انسان ،وليس لإنسان حق عليهم. وأن ما يرضخون لأحد من فضول أموالهم وفتات نعمهم فإنما هو صدقة وتكرم، من غير استحقاق، وليس للناس قبلهم الا السمع والطاعة. وخصصوا بيتاً معيناً - هو بين الكياني- فكانوا يعتقدون أن لأفراده وحدهم الحق أن يلبسوا التاج، ويجبوا الخراج. وهذا الحق يتنقل فيهم كابراً عن كابر، واباً عن جد، لا ينازعهم ذلك الا ظالم، ولا ينافسهم الا دعى نذل،. فكانوا يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك، لا يبغون به بدلاً، ولا يرون عنه محيصاً . فإذا لم يجدوا من هذه الأسرة كبيراً ملكوا عليهم طفلاً. وإذا لم يجدوا رجلاً ملكوا عليهم امرأة. فقد ملكوا بعد "شيرويه" ولده "أردشير" وهو ابن سبع سنين. وملك "فرخ زاد خسرو بن كسرى أبرويز" وهو طفل. وملكوا بوران بنت كسرى. وملكت كذلك ابنة كسرى ثانية يقال لها: "أزرمى دخت" ولم يخطر ببالهم ان يملكوا عليهم. قائداً كبيراً، أو رئيساً من رؤسائهم، مثل "رستم" و "جابان" وغيرهما. لأنهم ليسوا من البيت الملكي!. وكان نظام الطبقات في الهند من اعنف وأبشع ما يصنع الانسان بالإنسان. "وقبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارة البرهمية، ووضع فيها مرسوم جديد للمجتمع الهندي، وألف فيه قانون مدني سياسي اتفق عليه، واصبح قانوناً رسمياً، ومرجعاً دينياً، في حياة البلاد ومدنيتها، وهو المعروف الآن: "منوشاستر"... "يقسم هذا القانون الأهالي الى اربع طبقات متميزة. وهي: (1) البراهمة: طبقة الكهنة ورجال الدين. (2) شترى: رجال الحرب (3) ويش: رجال الزراعة والتجارة. (4) شودر: رجال الخدمة ويقول "منو" مؤلف هذا القانون: "ان القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشترى من سواعده وويش من أفخاذه، والشودر من أرجله! ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم. فعلى البراهمة تعليم "ويد" او تقديم النذور للآلهة. وتعاطي الصدقات. وعلى "الشترى" حراسة الناس، والتصدق وتقديم النذور ودراسة "ويد" والعزوف عن الشهوات. وعلى "ويش" رعى السائمة والقيام بخدمتها وتلاوة "ويد" والتجارة والزراعة. وليس "لشودر" الا خدمة هذه الطبقات الثلاث!. "وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقاً ألحقتهم بالآلهة. فقد قال : ان البراهمة هم صفوة الله، وهم ملوك الخلق، وان ما في العالم هو ملك لهم، فانهم أفضل الخلائق وسادة الأرض، ولهم ان يأخذوا من مال عبيدهم شودر - من غير جريرة - ما شاءوا. لأن العبد لا يملك شيئاً، وكل ماله لسيده. وان البرهمي الذي يحفظ "رك ويد" (الكتاب المقدس) هو رجل مغفور له، ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه واعماله: ولا يجوز للملك حتى في اشد ساعات الاضطرار والفاقة ان يجبي من البراهمة جباية، او يأخذ منهم أتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعاً، وان استحق برهمي القتل، لم يجز للحاكم الا ان يحلق رأسه، اما غيره فيقتل!. " اما الشترى فان كانوا فوق الطبقتين (ويش وشودر) ولكنهم دون البراهمة بكثير. فيقول: "منو" ان البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشترى الذي ناهز مئة، كما يفوق الوالد ولده!. " أما شودر "المنبوذون": فكانوا في المجتمع الهندي - بنص هذا القانون المدني الديني- احط من البهائم، وأذل من الكلاب. فيصرح القانون بأن "من سعادة شودر ان يقوموا بخدمة البراهمة، وليس لهم اجر او ثواب بغير ذلك. وليس لهم أن يقتنوا مالاً، أو يدخروا كنزاً فان ذلك يؤذي البراهمة! وإذا مد أحد من المنبوذين إلى برهمي يدا أو عصا ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه في غضب فدعت رجله، وإذا هم أحد من المنبوذين أني يجالس برهميا فعلى الملك أن يكوى إسته، أو يحرمه وينفيه من البلاد. واما اذا مسه بيد، أو سبه، فيقتلع لسانه. وإذا ادعى انه يعلمه سقى زيتاً فائراً. وكفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة. ورجل من الطبقة المنبوذة، سواء !!!". اما الحضارة الرومانية الشهيرة فقامت على اساس الترف، الذي يوفره ثلاثة ارباع سكانها من العبيد، للربع الباقي من الاشراف! وعلى اساس التفرقة في نصوص القانون بين السادة والعبيد. وبين الطبقات الكريمة والوضيعة: جاء في مدونة جوستنيان القانونية الشهيرة: " ومن يستهو ارملة مستقيمة او عذراء، فعقوبته - ان كان من بيئة كريمة - مصادرة نصف ماله، وان كان في بيئة ذميمة فعقوبته الجلد والنفي من الأرض". وبينما كان هذا "الواقع" سائداً في الأرض كلها، كان الاسلام يخاطب "الفطرة" من تحت ركام الواقع. الفطرة التي تنكر هذا كله ولا تعرفه. وكانت استجابة الفطرة لنداء الاسلام أقوى من هذا الواقع الثقيل. استمعت الفطرة الى الله - سبحانه- يقول للناس جميعاً. " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر هو أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله أتقاكم "... [الحجرات:13] واستمعت اليه -سبحانه- يقول لقريش خاصة: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "... [البقرة:199] واستمعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول للناس جميعاً: " يا أيها الناس. ان ربكم واحد، وان اباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على ابيض ولا لأبيض على احمر فضل الا بالتقوى ". واستمعت إليه يقول لقريش خاصة: " يا معشر قريش.. اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، ما اغنى عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي ، لا اغنى عنك من الله شيئاً ". [متفق عليه] استمعت الفطرة الى النداء المستجاب، وأزاحت عنها ركام "الواقع" وانطلقت مع المنهج الإلهي.. ووقع ما وقع وفق سنة الله المطردة، القابلة للوقوع في كل حين. * * * |
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * * وكان النظام الربوي هو السائد في الجزيرة العربية، وعليه يقوم اقتصادها الأساسي. ولا يحسبن أحد انها كانت مجرد معاملات فردية في حدود ضيقة. فقد قامت لقريش تجارة ضخمة مع الشام في رحلة الصيف، ومع اليمن في رحلة الشتاء. وكانت توظف في هذه التجارة رؤوس أموال قريش. ولا يجوز ان ننسى ان قافلة ابي سفيان التي ترصد لها المسلمون في غزوة بدر، ثم أفلتت منهم، وقسم الله لهم ما هو خير منها، كانت تحوى ألف بعير موسوقة بالبضائع! ولو كان الربا مجرد معاملات فردية محدودة، لا نظاماً شاملاً للحياة الاقتصادية ما استحق من الله - سبحانه - هذه الحملة المفزعة المتكررة في القران، ولا متابعة تلك الحملة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه!. هذه الأموال، وهذه الحركة التجارية، وهذا الاقتصاد الذي يقوم عليها، كان يقوم كله على اساس النظام الربوي. وفيه تجمعت اقتصاديات البلاد تقريباً قبيل البعثة، فكذلك كانت تقوم الحياة في المدينة. وأصحاب اقتصادها هم اليهود. والربا قاعدة اقتصاد اليهود!. وكان هذا "واقعا" اقتصادياً تقوم عليه حياة البلاد!. ثم جاء الاسلام.. جاء ينكر هذا الأساس الظالم الجارم؛ ويعرض بدله اساساً آخر: أساس الزكاة والقرض الحسن والتعاون والتكافل. " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، فلهم اجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس. ذلك بأنهم قالوا: انما البيع مثل الربا. واحل الله البيع وحرم الربا. فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، وأمره الى الله. ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربى الصدقات. والله لا يحب كل كفار أثيم. ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات. واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، لهم اجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين. فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون، وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون. واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ". [البقرة: 274-281] ووجدت الفطرة ان دعوة الله خير مما هي فيه. واشمأزت من الأساس الهابط الذي يقوم النظام الربوي عليه. ومع مشقة الانتقال في الأوضاع الاقتصادية التي تقوم عليها حياة الناس، فقد كانت استجابة الفطرة أقوى من ثقل " الواقع" ، وتطهر المجتمع المسلم من تلك اللوثة الجاهلية. وكان ما كان. وفق سنة الله التي تتكرر كلما دعيت الفطرة فانتفضت من تحت الركام والأنقاض!. * * * |
الساعة الآن 05:10 PM |
Powered by Nile-Tech® Copyright ©2000 - 2025