المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


ايمان حسن
07-13-2009, 11:14 AM
بيني و بين كلماته نوع من الغرام ..

أثر علي كثيراً .. كنت أقرأ تجاربه و أضع نفسي مكانه فأنبهر بذكائه و بساطته و طيبته.. و قلبه الكبير الذي حمل متسعاً لكل الآخرين ..

مقالاته البسيطة أحب إلي من أكثر الكتب دسامة و امتلاء.

من الصعب أن يحتل أحدهم مكانة في قلبك عبر حبر و أوراق .. و تشعر بأنك رأيته كل يوم .. كأنه أحد أفراد أسرتك التي تحبها .. إذا قرأت له .. شعرت أنه يروي لك حكاية لا بد أن تسمعها .. تشعر بأنه يعنيك أنت في كل كلمة .. و كأنه يلقي النظر على حياتك من بعيد .. أؤمن أن من لم يقرأ كلماته خسر الكثير مما كان يمكنه أن يتعلمه منه .. و لو استطعت لوزعت كتبه على كل الشباب و الفتيات .. ربما وجدوا فيها بعض ما فقدوه .. أو بعض ما احتاجوه و لم يجدوه ..

و من أجمل ما تميز به عبد الوهاب مطاوع هو مناداته لكل من يقرأ له بكلمة ( يا صديقي ) مما يقربه من القاريء الشاب الذي يحتاج إلى هذه الكلمة كثيراً.. فيلقى الحكي أثره في نفسه.



عكفت على شراء كتبه التي تحتوي على مقالاته الإنسانية منذ سن مبكرة كلما أتيحت لي الفرصة ، و لم أحاول أن أشتري مختاراته من بريد الجمعة بجريدة الأهرام التي كانت تطبع في كتب و قد يرد ذلك إلى أنني أصاب بالحزن وحدي و لا أحتاج إلى جرعات أكبر منه لأحزن على آخرين يعانون من مشاكل تفوق تفاهاتي ومعوقات حياتي الصغيرة .. و لأنني صراحة كنت أشعر بالخجل من مدى تفاهتي أمام تلك المشاكل التي يعيش فيها آخرون يتحلون بصبر و حكمة و قوة لم أتحل بها يوماً .



كتب عبد الوهاب مطاوع كثيراً عن شخصيات أحبها و لم يرها أبداً..

و قد تعرف بهذه الشخصيات عن طريق كتب لعظماء أو أدباء ..

و من أكثر الشخصيات التي لفتت انتباهي بشكل شخصي أنا أيضاً هي شخصية وردت في الجزء الثالث من أحب كتب الدكتور طه حسين إلى نفس عبد الوهاب مطاوع .. ألا و هو سيرته الذاتية الأيام .. فورد في كتابه (( إندهش يا صديقي )) ما يلي :


" كتب طه حسين عن هذه الشخصية أنه كان زميلاً له في دراسة الليسانس بالسوربون في باريس و انه كان شابا ًمجتهداً طيب النفس يدرس و يكد و لكنه يعاني من عقدة مع اللغة اللاتينية. و قد تقدم للامتحان أكثر من مرة فما أن يمسك بورقة اللاتينية التي ينبغي عليه أن يترجمهاإلى الفرنسية و يقرأها حتى ينهض و يسلم ورقة الإجابة بيضاء من غير سوء و هو يردد لنفسه بيتاً من الشعر اللاتيني عن اليأس و الرجاء و ينصرف غير محبط و لا منهار و هو يؤكد لنفسه أنه لا بد من نيل درجة الليسانس و إن طال العناء ، ثم يعيش حياته العادية بلا حزن و لا اكتئاب و يواصل دراسته في انتظار الفرصة القادمة ، و في إحدى هذه المرات تقدم معه طه جسين للامتحان و كان قد تزوج قبلها بشهور و أقام في شقة متواضعة بالدور السادس من بيت ليس به مصعد بالقرب من السوربون ، فكرر الصديق نفس القصة و غادر الامتحان يردد بيت الشعر اللاتيني .. أما طه حسين فقد واصل الامتحان .. و انتظر نتيجة الليسانس مشفقاً من الفشل و ذات مساء كان في شقته الصغيرة .. حين ظهرت نتيجة الامتحان و نجح هو و رسب صديقه ، فإذا بهذا الصديق الوفي يقطع المسافة بين السوربون و بيت طه حسين جرياً و يصعد الأدوار الستة قفزاً و يدق الجرس فتفتح له زوجة صديقه فيزف إليها البشرى في سعادة طاغية و هو يلهث و يرفض الدخول ليستريح و إنما يستدير من فوره ليهبط الدرج مسرعاً .. فتلاحقه بكلمات الشكر و هو يهبط ثم تتذكر أنه زميل زوجها فتسأله عن نتيجته فيجيبها بنفس النبرات المبتهجة التي أبلغها بها خبر نجاح شريك حياتها : رسبت .. و لكن غداً يوم جدبد !
و تعود الزوجة الشابة إلى زوجها متعجبة لهذه الروح العالية و تتمنى لزميل زوجها التوفيق ، أما هو فإنه ياصل كفاحه بلا ملل .. و بلا لوم للظروف .. و بلا إحساس بالنقص .. و بلا غيرة لمن تقدموا عليه و كان هو من يتقدمهم .. لأنه لا لوم إلا لنفسه و يتقدم للامتحان مرة بعد مرة حتى إذا تسلم ورقة اللاتينية ذات امتحان يعرف على الفور أن يومه المنتظر قد جاء فلا يتركها إلا و قد أتم ترجمتها على أحسن ما يرام و ينال درجته التي طال انتظاره لها و استحقها بكفاحه و صفاء نفسه و ترفعها على الحقد و الغيرة و الكراهية ثم ينفتح الطريق بعد ذلك أمامه و يحصل لى الدتوراه و يعود لبلاده ليعمل أستاذاً في جامعاتها و قد اقترن اسمه باسم الجامعة التي أمضى سنوات طويلة و هو يجاهد ظروفه فيها لينال شهاداتها .. فإذا باسمه الذي يتصدر مؤلفاته العلمية و مقالاته بعد ذلك و إلى أن يرحل عن الحياة هو الدكتور صبري السوربوني "


لفت نظر عبد الوهاب مطاوع علو نفس الدكتور صبري ..
نفسه التي لم تنصرف عن أهدافها إلى لوم الآخرين أو الحقد عليهم ..
و هذا نادر جداً.
و عكف عبد الوهاب مطاوع على زرع الأمل في نفوس قرائه الذين اعتمدوا على كلماته ليستمدوا بعض القوة التي تعينهم على المضي قدماً في حياتهم واقفين على أقدامهم و سائرين بعزم و همة نحو ما قد تخبئه لهم الأيام من ألم أو بسمة .
و ذكر في كتاب له أنه عندما كان تلميذاً بالصف الثالث الابتدائي و تحديداً في فصل ثالثة ثان كان يسمع مدرس فصله يعقد مقارنة بين تلاميذ فصله و بين تلاميذ فصل آخر يدعى ثالثة أول ، فبينما يركض و يصرخ و يلعب أبناء فصل ثالثة ثان بين الحصص يجلس أبناء فصل ثالثة أول في هدوء يفتحون كتبهم و يحضرون للحصة المقبلة ، و بينما تلاميذ ثالثة ثان همجيون يتدافعون نحو الباب بعد سماع جرس نهاية اليوم المدرسي ينصرف تلاميذ ثالثة أول بهدوء و نظام نحو باب الفصل حيث يتمنى كل منهم لزميله يوماً طيباً بصحبة والديه .
و أثارت مقارنة المدرس و حديثه عن ثالثة أول العديد من التساؤلات في نفس عبد الوهاب الصغير فيسأل نفسه عن حكمة الخالق في أن خلقه من جنس ثالثة ثان ليكون منحطاً همجياً – على حد قوله – و لم يخلقه من جنس ثالثة أول هؤلاء الملائكة الأذكياء.. !
و مرض عبد الوهاب في إحدى الأيام فتعذر عليه الذهاب إلى المدرسة ، ثم أتى بعد شفائه بشهادة مرضية كان يجب عليه أن يسلمها للناظر و كان قد أعياه التفكير في تلاميذ ثالثة أول و أثار فضوله أن يراهم ، فعرج عليهم في طريقه إلى الناظر فرأى مجموعة من الأطفال يتدافعون و يتعاركون و يتصارخون و يتصافعون كأنهم شياطين صغار ، فلم يرَ كتباً مفتوحة و لا أحداً يتمنى يوماً طيباً للآخر!
ثم مضى في طريقه إلى مكتب الناظر و دخل إليه فوجد أستاذه هناك يحدثه ولم ينتبه لتواجد عبد الوهاب ، فسمع أستاذه يشكو للناظر من سوء سلوك تلاميذ ثالثة أول الذين لا يمكن السيطرة عليهم و عندما علل الناظر ذلك بضعف إشرافه قال المدرس أنه مشرف على تلاميذ ثالثة ثان و هم ممتازون و أذكياء..!
أدرك عبد الوهاب في هذه اللحظة درساً هاماً بعدما اهتزت بداخله الكثير من الأشياء ألا و هو أنه لا يوجد أبناء ثالثة أول المثاليون السعداء أبداً ، و كبر و ترسخ ذلك المفهوم بداخله و استنتج أن كل الناس ثالثة ثان صدقوا ذلك أو لم يصدقوه ، فتعلم ألا يتمنى لنفسه حياة غيره و أن يجتهد بالمتاح مؤدياً واجبه بكل ما استطاع من طاقة و إتقان و إخلاص ثم يدع المستقبل بعد ذلك لما تقضي به إرادة الله.. و يقول عبد الوهاب مطاوع :


" كل البشر يتصورون أن الآخرين أسعد حالاً منهم و يعذبون أنفسهم ليس فقط بطلب السعادة لأنفسهم و إنما أيضاً بالأمل في أن يكونوا أكثر سعادة من الآخرين .. و هو أمل يرى المفكر الفرنسي مونتسيكو أنه مستحيل لسبب هام هو أننا نعتقد دائماً أن الآخرين أسعد حالاً مما هم عليه في الواقع "


كان دائماً يدفع الآخرين نحو اكتشاف أنفسهم و الثقة بقدراتهم لأنه يثق بأن المستقبل بهم و باجتهادهم ، بإيمان الجميع بقدرتهم على تخطي الحواجز و العقبات فيقول مخاطباً شباب القارئين بمقاله :


" إعرف قدراتك جيداً يا صديقي و حاول أن توجهها إلى الطريق الذي تلمع فيه و تنمو ، و لن يتحقق لك ذلك إلا إذا عرفت بدقة نقاط قوتك و تميزك الحقيقية و نقاط ضعفك ، ليس من الضروري أن يكون كل الناس عباقرة و لا موهوبين و إنما من الضروري فقط أن يختار كل إنسان لنفسه المجال الصحيح الذي يعبر فيه عن نفسه و تنطلق فيه قدراته فأنت إنسان أولاً و أخيراً و الإنسان كما كان يقول شكسبير على لسان هاملت هو أعجب مخلوقات هذا الكون ما اعظمه .. و ما أغربه ... فما أعظمك يا صديقي إذا عرفت حدود قدراتك و ما أضعفك و ما أغربك إذا عميت عنها و غرقت في أوهامك .... "

و يقول أيضاً :
" كل إنسان يستطيع أن يجد مهاماً عظيمة يؤديها للبشرية إذا أدى واجبه بإخلاص و جعل من نفسه كائناً بشرياً مفيداً لمن حوله و لمجتمعه الصغير و الكبير .. بل و يستطيع ذلك أيضاً إذا كف أذاه عن الآخرين و حافظ على الحياة و أضاف إليها .. فإماطة الأذى عن الطريق أي رفعه عنه شعبة من شعب الإيمان . كما يقول الحديث الشريف .. و عمل له قيمة ، فما بالك بكف أذى الإنسان عن غيره .. و خدمة الحياة بالعطاء لها في أي مجال ؟ "



نصح كثيراً بالترفع عن أخطاء الآخرين بحقنا و بالسمو على ما قد يسببونه لنا من أذى أو ألم أو سوء و سئل في إحدى المرات عن أفضل وسيلة للانتقام ممن يسيئون إلينا فأجاب أن أفضل وسيلة للانتقام منهم هو ألا نصير مثلهم فلا نسلك سلوكياتهم المريضة الجاهلة في حياتنا فنترفع عن الرد عليها مما سيزيد شعورهم بحقارتهم و تفاهة شأنهم و ضآلتهم و انحراف أخلاقياتهم .
قدم عبد الوهاب مطاوع كتاباً اسمه (( قدمت أعذاري )) و ضم هذا الكتاب عدداً من مقالات الثقافة الدينية المطروحة برقة و بساطة و جمال و رشاقة ندر أن يستخدمها كاتب في هذا النوع من المقالات و ينجح في إيصال المعلومة الراقية بسهولة و يسر .. و قال عن كتابه هذا ..


" هذا كتاب يختلف عن كل ما أصدرت من كتب جاوزت حتى الآن الثلاثين عدداً ! فهو ليس مجموعة مختارة من قصص بريد الجمعة كما هو شأن بعض كتبي ، و لا هو محموعة من الصور الإنسانية و المقالات الأدبية كحال كتبي الأخرى ، و لا هو أيضاً مجموعة من القصص الرومانسية القصيرة كحال بعض كتبي الأخيرة ، و إنما هو – إذا صح التعبير- تسبيحة خاشعة بعظمة الخالق سبحانه و تعالى ، و عريضة استغفار و استرحام أتقدم بها إلى الأعتاب الإلهية راجياً بها عفو ربي و مغفرته و رحمته التي وسعت كل شيء و لا امل لأمثالي من المقصرين في غيرها يوم العرض العظيم ..
عبد الوهاب مطاوع "


و من أجمل فكر هذا الكتاب فكرة فهم الإنسان لدينه و أثر ذلك على حياته :
" كلما ازداد الإنسان فهماً لدينه ازداد إقبالاً على الحياة و انتفاعاً بها .. و استمتاعاً بمتعها المشروعة العديدة ، و قويت همته أيضاً على استثمار رحلته القصيرة في الأرض فيما يقربه من ربه و يرشحه للسعادة الأبدية في الدار الآخرة "

و عن صورة المؤمنين في ذهنه يقول :
" المؤمنون الحقيقيون يفرحون بتوبة التائب كما تفرح بها السماء و لا يعيرون أحداً بما كان منه في ماضي الزمان .
و هم أهل ظرف و سماحة و ذوق رفيع في التعامل مع الآخرين و ليسوا أبداً أهل غلظة و جفاء و كآبة و قتامة . يعملون و يتعبدون و يخدمون الحياة و يغرسون نخيلاً لا تجني ثماره إلا الأجيال القادمة كما يحثهم على ذلك دينهم .. و يستمتعون بأوقاتهم و بالصداقة الخالصة لوجه الله و يروحون عن قلوبهم ساعة بعد أخرى حتى لا تكل قلوبهم لأن القلوب إذا كلت عميت .. "


الحكي عن عبد الوهاب مطاوع و الوقوف على ما كتب يستحق أكثر بكثير مما قيل و مما نقول و مما سيقال..

و المقام هنا أكبر من أن يقول أمثالي أي شيء .. لقد كان الأستاذ العظيم عبد الوهاب مطاوع مخلصاً شديد الإخلاص.. من هؤلاء النادرين الذين يغارون على الوطن و الأمة و يحملون على أكتافهم همومها و هموم أبنائها بلا كلل و لا ملل و لا حتى أدنى شكوى .. !

أعلم أن الأسطر تلك لا تفيه حقه .. و لكننا يجب أن نكتب لنشكره من أعماق قلوبنا .. و من خلايا عقولنا التي احتاجت له و لأمثاله كثيراً.. طوال سنوات عطائه السابقة .

منقول

فوكس
07-13-2009, 08:24 PM
فعلا من اجمل ما قرانت واستمتعت ببريد الجمعة خصوصا باسلوبه المميز الجميل
رحمه الله واسكنه فسيح جناته وخفف عنه كما كان يخخف على اصحاب الهموم

هشام حلمي شلبي
07-17-2009, 07:53 AM
بـريــد الأهــرام

44783‏السنة 133-العدد2009يوليو17‏24 من رجب 1430 هـالجمعة
غلطة العمر

http://www.ahram.org.eg/archive/2009/7/17/44783_20m.jpgلا أقصد من رسالتي هذه أن أكفر عن ذنبي فقط‏,‏ أو أعلن عن خطيئتي وندمي وتوبتي‏,‏ ولا أن أحذر كل فتاة مما تعرضت له‏,‏ نعم أنا أريد وأتمني من قلبي كل هذا‏,‏ ولكني أمد يدي مستجيرة بك لعلك تنقذني من الضياع الذي يجرفني ويشدني كما الموج القاسي‏,‏ وبعد أن أغراني بالعوم والسعادة‏,‏ يدعوني إلي السقوط في الأعماق‏.‏

حتما لا أريد أن أضع أمامك ألغازا‏,‏ ولكنها حالتي المتشابكة‏,‏ غلطة عمري الغائم‏,‏ هي التي تصعب علي البوح والاعتراف‏.‏ وليشهد الله علي أن كل كلمة أقولها هنا صادقة‏,‏ ولم أحذف من حكايتي إلا ما يخدش الحياء‏,‏ ومن حقيقتي إلا تغيير بعض المعلومات التي قد تكشف عن شخصيتي‏.‏

ولأبدأ بمن أنا‏,‏ لعل هذا يفسر لك‏,‏ لماذا أخطأت‏,‏ وأقول يفسر ولا يبرر‏,‏ فالفرق بينهما كبير‏!‏

أنا فتاة عمري‏28‏ عاما‏,‏ تربيت في أسرة بسيطة‏,‏ أب موظف شريف‏,‏ وأم متعلمة كانت تعمل ــ حتي سنوات قريبة ــ في وظيفة معقولة‏,‏ أعانت أبي في رحلة كفاحه‏.‏ لي شقيق يكبرني بخمس سنوات‏,‏ وشقيقة تسبقني بعامين‏,‏ كما تتفوق علي في الجمال وفي نوع الكلية التي تخرجت فيها‏.‏

إذن أنا الصغري‏,‏ وإن لم أكن المدللة‏,‏ فلم أكن متفوقة في دراستي منذ صغري‏,‏ علي عكس شقيقتي‏,‏ أضف إلي هذا فارق الجمال بيني وبين شقيقتي‏,‏ هذا الفارق الذي كان يثير في نفسي الغيرة والغضب بسبب التعليقات السخيفة التي كنت أسمعها طوال عمري من الأهل والجيران والأصدقاء‏,‏ تخرج شقيقي في الجامعة ووفقه الله بالسفر إلي الخليج بعد تخرجه بسنوات قليلة‏,‏ وعاد ليتزوج ويعود بزوجته ليمن عليه الله بالذرية الصالحة‏.‏ ولم يطل بقاء شقيقتي بعد تخرجها‏,‏ فتزوجت هي الأخري وانتقلت إلي حياة أفضل وأنجبت طفلة جميلة مثل أمها‏.‏

بقيت أنا وحدي‏,‏ بمؤهلي الجامعي المرطرط مع أمي الطيبة وأبي الذي خرج علي المعاش‏..‏ بحثت كثيرا عن وظيفة مدرسة‏,‏ سكرتيرة‏,‏ أي شئ‏,‏ ولكني فشلت‏.‏

هل تعرف سيدي معني أن تجلس فتاة متخرجة في الجامعة‏,‏ متوسطة الجمال‏,‏ لاتعمل‏,‏ مع أبوين علي المعاش‏,‏ في منطقة شعبية؟

معناه ملل علي ملل‏,‏ وإحباط ويأس ووحدة‏..‏ معناه عنوسة وإحساس بالفشل ووجع من كل نظرة عطف أو شفقة أو دعاء بالعدل من أمي أو قريباتي‏.‏

غرفتي هي ملاذي الوحيد‏,‏ مع جهاز كمبيوتر وكاسيت يمنيني بالحب وأوهام السعادة مع فارس تؤكد لي الأيام التي تتسرب أمام عيني أنه لن يأتي أبدا‏!‏

مللت من ألعاب الكمبيوتر‏,‏ ومن كل الأفلام القديمة والجديدة‏,‏ وهربت من قراءة القصص العاطفية ولم يبق أمامي إلا هو‏!..‏ كان شيء ما يباعد بيني وبينه‏,‏ ربما الخوف من المجهول أو تربيتي الدينية أو من ضعفي‏,‏ ولكن ذهبت إليه‏,‏ إلي عالم النت‏,‏ إلي الشات‏,‏ ليس بحثا عن متعة أو إثارة‏,‏ ولكنه الملل ياسيدي‏.‏

نصحتني صديقتي أن أسلي نفسي‏,‏ وألا أكشف عن شخصيتي ففعلت‏!‏

أختي العالية‏..‏ أعجبني أسلوبك في الكتابة‏..‏ يشرفني إضافتي علي إيميلك‏..‏ الوحيد المعذب‏,‏ جملا طاردتني وأغرتني‏,‏ حتي إخترت أكثرهم أدبا وذكاء‏..‏ كان ناعما مثل جلد الأفعي‏..‏ نجح في فهمي بسرعة شديدة‏,‏ احتواني‏,‏ منحني الأمان‏,‏ فاستسلمت تماما له‏.‏

سيدي‏..‏ لك أن تتصور مدي حرصي‏,‏ تراجعي‏,‏ ولكني فجأة أصبحت منشغلة بشخص يهتم بي‏,‏ يسليني ويسمعني‏.‏ طبعا في البداية لم أكشف له عن شخصيتي‏,‏ أما هو‏,‏ وثقة بي‏,‏ ولأنه بدأ يتعلق بي ووجد في فتاة أحلامه‏,‏ عرفني بنفسه‏,‏ محام أعزب‏,‏ عمره‏38‏ عاما‏,‏ غير متزوج‏,‏ يعيش في شقة فاخرة بمفرده‏,‏ يبحث عن بنت الحلال‏.‏ الطبيعي أن أري في نفسي هذه العروس التي أوشكت ــ إن لم تكن ــ تصبح عانسا‏,‏ ولأنه ماهر ومحترف‏,‏ ترك لي هاتفه كما ترك لي حرية الاتصال به والكشف عن شخصيتي‏,‏ ولم ينتظر طويلا‏.‏ أيام قليلة وأصبح يعرف عني كل شيء‏.‏

كان محترما لأقصي حد‏..‏ لم ينطق بكلمة واحدة خارجة‏,‏ ولكنه بدأ في الإلحاح بأن يراني‏,‏ كما رأيته‏,‏ فقد أرسل لي صورة عبر الإيميل الخاص بي‏,‏ فاستجبت له‏,‏ وأرسلت له صوري‏.‏ لم أصدق نفسي وأنا أسمع كلمات الإطراء منه‏,‏ لأول مرة أسمع جملة أنت أجمل فتاة رأيتها‏,‏ لاتغيب عن أذني كلماته التي تصف جمال عيني أو براءة ضحكتي‏..‏ كلمات لم أسمعها من قبل‏,‏ كانت تجعلني مثل قطعة الثلج التي تذوب من دفء الشمس‏.‏

ها أنا ولأول مرة في مواجهة نفسي‏:‏ أنثي‏.‏

تغيرت حياتي كما تغيرت ملامح وجهي وأصبحت مرآتي أكثر جمالا‏..‏ خشيت علي سري فلم أحك حتي لصديقتي‏.‏ بدأ يعلمني أشياء لم أكن أعرفها‏,‏ لا أنام إلا علي صوته وهو يدغدغ مشاعري فيجعلني أشعرللمرة الأولي بجسدي‏.‏

خطوته التالية كانت شديدة القسوة‏,‏ اختفي تماما‏,‏ لا يرد علي الهاتف‏,‏ ولا يظهر علي شاشة النت‏.‏ فقدت صوابي وبكيت كما لم أبك من قبل‏,‏ لماذا يختفي بعد أن يحادثني عن الزواج وعن حياتنا القادمة‏.‏

وكما اختفي فجأة‏,‏ ظهر فجأة‏,‏ وحكي لي أسبابا تبدو لأي عاقل كاذبة ومختلقة‏,‏ ولكني كالمنومة صدقته وقبلتها‏,‏ ولكن وهذا هو الأهم‏,‏ صرت لعبة في يديه‏,‏ يفعل بي ما يشاء‏.‏ طلب مني أن أشتري ويب كام حتي نري بعضنا البعض ونتحادث‏,‏ خاصة أني رفضت أن ألتقي به وهو لم يضغط علي‏,‏ بل أكد لي أن هذا زاده احتراما لي‏.‏

أراك ـ سيدي ـ فهمت ما حدث بعد ذلك‏,‏ نعم حدث ما قد تتخيله أنت وقراؤك‏..‏ مكالمات وضحكات وحنان وكلام دافيء وأجواء مثيرة وتحرر متدرج من الأفكار كما من الملابس‏..‏ كنت أسيرة له‏,‏ أفعل ما يريد‏,‏ وربما كنت أحتاج إليه‏,‏ كنت أرضيه‏..‏ ربما‏..‏ في البداية ندمت وعاتبته واعتذر لي‏,‏ ثم عدنا‏,‏ وكان طلبه التالي أن أذهب إليه في شقته ولكني رفضت بإصرار‏.‏

شيء ما تغير بدأ يلفت انتباهي‏,‏ نبرة صوته أصبحت أكثر جفافا‏..‏ الحديث عن الزواج أصبح يثير سخريته‏,‏ غيابه أصبح أمرا عاديا‏,‏ فإذا عاتبته سمعت ما لا يرضي أحدا‏..‏ قلت له سنقطع علاقتنا ففاجأني‏:‏ في ستين داهية‏.‏

انهرت يا سيدي أياما‏,‏ لا أفارق غرفتي‏,‏ ولا أستجيب لسؤالات أمي أو توسلاتها بأن أخرج للجلوس معها ومع والدي‏.‏ تمنيت أن تعود حياتي إلي ما قبل معرفته‏,‏ فقد كانت جنة مقارنة بما أنا فيه‏.‏

لم أفق مما أنا فيه إلا علي صدمة أكبر‏,‏ فوجئت برسالة منه علي إيميلي‏,‏ فتحتها لأجد كارثة‏,‏ إنها مشاهدي وأنا عارية‏..‏ لم أصدق نفسي انتهيت‏,‏ سارعت بالاتصال به‏,‏ وقبل أن أصرخ فيه‏,‏ وبصوت ثلجي بادرني‏:‏ إيه رأيك في القمر ده‏,‏ سببته و‏..‏ قبل أن أكمل فوجئت به يطلب مني مبلغ‏5‏ آلاف جنيه‏,‏ وإلا أرسل هذه المشاهد لكل المواقع‏,‏ توسلت إليه‏,‏ رجوته أن يمحوها ويتركني في حالي‏,‏ ولكنه كان قذرا‏,‏ وحتي لا أطيل عليك ولأني أوشكت الآن وأنا أكتب رسالتي علي السقوط‏,‏ بعت بعض مجوهراتي‏,‏ وأرسلت إليه المبلغ المطلوب في حوالة بريدية‏,‏ معتقدة أن الأمر قد انتهي عند هذا الحد‏.‏

لكن المفزع هو ما حدث منه بعد ذلك‏!!..‏ اتصل بي وهددني اذا لم أذهب إليه في شقته سيرسل سي دي عليه صوري ومشاهدي إلي والدي في البيت‏,‏ ولك أن تتخيل ما حدث لي بعد فشلي في إقناعه بأن يتركني حتي لا أقتل نفسي‏,‏ ولكني كنت أتحدث إلي إنسان بلا قلب رجل ميت الضمير‏.‏

سيدي‏..‏ لقد طلبت منه أن يمهلني أياما حتي يذهب والدي عند شقيقتي‏,‏ وإن كنت لن أفعل ذلك حتي لو انتحرت‏,‏ فالموت كافرة أفضل عندي بكثير من أن أرتكب هذه الخطيئة‏.‏

أعرف أني أخطأت‏,‏ وخطأي كبير‏,‏ ولكني أستجير بك‏,‏ انقذني‏,‏ ارشدني ماذا أفعل مع هذا الذئب‏,‏ فقد أوشكت علي الجنون من عدم النوم‏,‏ والخوف القاتل‏,‏ هل أنتحر‏,‏ أهرب من البيت‏,‏ أم أقتله حتي لا يفعل ذلك مع أخريات وإن كنت أثق في أني لم أكن الضحية الأولي ولن أكون الأخيرة‏!‏

{‏سيدتي‏..‏ أخطاؤنا حتما هي نتائج لمقدمات طويلة تنتج عبر السنين في تفاصيل تبدو في وقتها صغيرة وقد تكون عظيمة التأثير والضرر‏.‏

وفي قصتك ما يكشف عن هذا‏,‏ وما ينير الطريق للآباء كي يلتفتوا إلي أسلوب تعاملهم مع أبنائهم خاصة في سني عمرهم الأولي‏..‏ فعلي الرغم من نشأتك وسط أسرة متوسطة الحال‏,‏ مكافحة‏,‏ نجحت في تربية ثلاثة من الأبناء وإلحاقهم بمراحل التعليم المختلفة حتي المرحلة الجامعية‏.‏ ولكن يبدو أن صعوبة الحياة وانشغال الأبوين لتوفير ضروراتها‏,‏ حالت دون الالتفات إلي تفاصيل أخري لا تقل عن التعليم أهمية‏,‏ وهي بناء جسور الثقة داخل الأبناء‏,‏ مثلما حدث معك‏,‏ فمن الواضح أن الفارق في الشكل بينك وبين شقيقتك كان مثار تعليقات متكررة تركت أثرها السييء والسلبي في نفسك منذ الصغر‏,‏ فهدمت ثقتك بنفسك‏,‏ ودفعتك إلي إهمال دراستك وكأنك تعاقبين الجميع علي رؤيتهم وإهمالهم لك‏.‏

كثير من الآباء والأمهات يفعلون ذلك غالبا عن دون قصد ولا يلتفتون إلي أن مثل هذه السلوكيات تهزم الأبناء وتخلخل جدران صلابتهم الداخلية‏,‏ فتضعف مناعتهم الانسانية في الكبر‏,‏ فلا يستطيعون مواجهة الحياة خاصة عندما تقسو‏,‏ ويصبحون فرائس سهلة للذئاب التي تنقض علي أمثالهم بكل يسر وبلا أي ضمير‏.‏

هذا لا يعني تبريرا للخطأ ـ كما قلت في بداية رسالتك ـ ولكنه تفسير لما آلت إليه حياتك‏,‏ وإن تشابهت المقدمات فهذا لا يعني حتما تشابه النتائج‏,‏ فهناك من البشر بما منحه الله من عقل من يتعلم مما عايشه أن ينجو بنفسه ويصلح من عيوبه النفسية ويسعي إلي الارتقاء بمستواه حتي يضع نفسه إلي ما يحب أو يرضي‏.‏

ولكنك يا عزيزتي استسلمت لفكرة الفشل‏,‏ فشل في مستوي التعليم وفشل علي مستوي الشكل الخارجي‏..‏ لم تستعيني إلي تنمية نفسك انسانيا بالبحث عن مواطن الجمال في داخلك‏,‏ عن قيمتك كإنسانة‏,‏ ولا تطوير نفسك علي المستوي المهني بمحاولة دراسة جديدة مثل اللغات أو السكرتارية تتيح لك فرص عمل أكثر‏,‏ وبالتالي فرص الالتقاء ببشر قد يكون بينهم شريك الحياة المنتظر‏.‏ فلا جدوي من الجلوس في غرفة مغلقة‏,‏ ولا يتساوي أبدا اليأس مع الكفاح والأمل‏,‏ وإذا كانت نتائج اليأس معروفة‏,‏ فإن أقل مكاسب الأمل أفضل بكثير‏.‏

سيدتي‏..‏ لا أعتقد أنك تحتاجين مني أو من غيري الحديث عن أخطائك المتتالية وسوء استخدامك للتكنولوجيا‏,‏ والتي كان يمكن أن تساعدك بصورة إيجابية في التثقيف أو البحث عن عمل أو التواصل الإيجابي مع الآخرين‏.‏ وأعتقد أن في قصتك عبرا ودروسا كافية ـ بدون تعليق ـ لكل فتاة أو شاب‏,‏ في أي مرحلة عمرية‏,‏ أعزب أو متزوجا‏,‏ كي يحذر أو يراجع نفسه إذا كان قد أقدم‏,‏ فلدي مثل قصتك العديد والتي دفع أصحابها من الجنسين أثمانا فادحة‏.‏ ولا أريد أيضا التوقف طويلا أمام هذا الذئب الذي يعتقد أنه أقوي من الآخرين‏,‏ ينقض علي فريسته عندما يري الطريق خاليا‏,‏ ولكنه لا يعرف أن مصيره هو السجن إذا لم يكن الموت‏,‏ فكثيرون دفعوا حياتهم ثمنا لمثل هذه الأفعال ولتشهد علي ذلك صفحات الحوادث في الصحف‏.‏

عزيزتي‏,‏ لا تستسلمي لهذا الذئب‏,‏ وسارعي بالتوجه إلي الادارة العامة للمعلومات والتوثيق بوزارة الداخلية‏,‏ وثقي بأنك ستكونين في مأمن‏,‏ سيحفظون سرك وسيصلون إلي المجرم بأسرع مما تتوقعين وسيدفع جزاء ما ارتكب‏,‏ فلا تتأخري ولا تترددي‏,‏ فإذا خفت أو عجزت عن ذلك‏,‏ أرجو أن تبادري بالاتصال بي لأكون حلقة الوصل مع وزارة الداخلية‏.‏ وبعد خروجك من هذه الأزمة ـ بإذن الله ـ سيكون لنا كلام آخر فيما هو قادم من الأيام‏

ايمان حسن
07-17-2009, 09:22 AM
رحيق السعادة‏أنا رجل في الثانية والأربعين من عمري حاصل على مؤهل عال تزوجت منذ عشر سنوات من فتاة من أسرة طيبة‏..‏ وكنت حينذاك اعمل محاسبا بمستوصف خاص بإحدى دول الخليج‏,‏ وارتبطت بهذه الفتاة وعقدت قراني عليها في مدينتي الصغيرة بالوجه البحري‏,‏ وسافرت هي إلي حيث أقيم لإتمام الزفاف توفيرا للنفقات‏.‏ وبعد خمسة شهور من زواجنا من الله سبحانه وتعالي علينا بحمل زوجتي في توءم‏,‏ ومضت شهور الحمل الأولي عادية إلي جاء الشهر السادس‏,‏ وتطورت الظروف واحتاجت زوجتي فجأة إلي إجراء جراحة كبري لها‏..‏ وكان مطلوبا أن يتوافر عدد كبير من المتبرعين لها بالدم لإنقاذ حياتها خلال الجراحة‏,‏ والحمد لله فلقد تجمعنا أنا وعدد كبير من زملائي بالعمل في المستشفي وتقدمنا جميعا للتبرع بالدم المطلوب‏,‏ وأبلغني الأطباء أنهم يسعون إنقاذ حياة الزوجة علي حساب حياة التوءم وكان قراري وبإجماع زملائي كلهم هو أن إنقاذ حياة الزوجة هو الأهم‏..‏ أما التوءم فهما في ذمة الخالق العظيم وهو الذي خلقهما بقدرته العليا‏..‏ وهو الذي يستطيع أن يعوضنا عنهما بإرادته حين يشاء واستراح ضميري وضمير زملائي جميعا لهذا القرار‏,‏ واستغرقت العملية الجراحية عشر ساعات‏,‏ كنت خلالها عاكفا في مسجد المستوصف أسجد لله خوفا وأملا أتضرع إليه أتلو آيات الذكر الحكيم‏,‏ وخاصة سورة ياسين‏,‏ إلي أن خرج الأطباء وقالوا لنا أنهم قد فعلوا كل ما يستطيعون‏..‏ ولم يبق إلا الأمل في رحمة الله‏.‏ فنقلت زوجتي من غرفة الجراحة إلي العناية المركزة‏,‏ وأخذنا التوءم اللذين لم يكتب لهما أن يريا الحياة واستودعناهما عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه‏.‏ وظلت زوجتي في العناية المركزة شهرا كاملا‏..‏ وكانت قد سألتني عن توءمها حين أفاقت ولم أجد ما يدعو إلي إخفاء الحقيقة أو التهرب منها فصارحتها بأنهما أمانة عند الخالق العظيم وسيكونان شفيعين لها بإذن الله يوم القيامة‏,‏ فتجلدت زوجتي واسترجعت‏..‏ وقالت هو من أعطي وهو من أخذ فاللهم آجرني واجر زوجي عنهما يوم الحساب‏.‏ وخرجت زوجتي من المستشفي وسط دهشة كثيرين لم يصدقوا احتمال شفائها أو نجاتها من الموت بعد أن أكد الأطباء من قبل أن نسبة نجاح تلك الجراحة الكبرى ضئيلة للغاية‏.‏ وعدنا لحياتنا الطبيعية وبعد فترة ليست طويلة‏,‏ بدأت زوجتي تشعر ببعض الألم والمغص في البطن‏..‏ وبدأنا نتردد علي المستشفي فيعطيها الأطباء بعض المسكنات ويذهب الألم‏..‏ ثم لا يلبث أن يعود من جديد‏..‏ إلي أن قرروا إجراء جراحة استكشاف للبطن للكشف عن أسباب هذا الألم‏,‏ وامتثلنا لقرار الأطباء وأجريت الجراحة ووجدوا أن الأمعاء بها التهاب لا يحدث إلا بنسبة الواحد في المليون في مثل هذه الظروف‏,‏ واتخذ الأطباء قرارهم بإجراء جراحة ثالثة لها لفصل الأمعاء إلي جزأين.‏ وبعد الجراحة توجهنا لأداء العمرة‏..‏ والابتهال إلي الله أن ينعم عليها بنعمة الشفاء‏,‏ ورجعنا إلي مصر لقضاء فترة الإجازة السنوية فرجعت نفس الآلام والمشاكل مرة أخري‏..‏ واحتاجت زوجتي إلي إجراء جراحة رابعة كبري في أحد المعاهد المتخصصة في مصر‏..‏ وتقبلنا أنا وزوجتي كل ذلك بصبر وامتثال وبحمد الله علي نعمه والثناء عليه‏.‏ ثم عدنا إلي مقر عملي بالبلد الخليجي‏,‏ واستقرت الحالة الصحية لزوجتي وانتهت الآلام إلي غير رجعة والحمد لله‏..‏ ومارسنا حياتنا الطبيعية إلي أن انتهت فترة عملي بالغربة‏,‏ ورجعنا للاستقرار في بلدنا‏,‏ وكنت خلال ذلك قد استخدمت كل أو معظم مدخراتي في الغربة في بناء شقة بمنزل أبى وتجهيزها ورجعت إلي عملي كموظف بالحكومة‏..‏ وبعد عودتنا بفترة بدأت المشاكل من جانب آخر هو جانب والدتي يرحمها الله واخوتي‏,‏ وكان مثار كل تلك المشاكل هو الحديث عن الجراحات الأربع التي تعرضت لها زوجتي ومدي تأثيرها علي فرصتها في الإنجاب,‏ ورغبة أبي وأمي في أن يريا لهما حفيدا مني‏,‏ وكنت في كل تلك المشاكل أقول دائما لأبي وأمي واخوتي أن الإنجاب كالرزق والعمر وعلم الساعة كلها من أمر ربي وحده‏,‏ ولكن دون جدوى فلا يمر يوم دون أن أرجع من عملي وأجد زوجتي تبكي بكاء مريرا بسبب كلمة أو إشارة وجهت إليها في هذا الشأن‏,‏ أو خبر نما إليها عن ضغط أهلي علي لكي أطلقها لأتزوج من أجل الإنجاب.‏ وتحت ضغط هذه الظروف كلها اضطررت لمصارحة أبى وامي بالسر الذي كنت اكتمه عنهما وهو انني انا أيضا اعاني من سبب عضوي يضعف من فرصتي في الانجاب‏..‏ وان حمل زوجتي الأول قد تم خلال فترة كنت اتلقي فيها علاجا مكثفا لحالتي‏,‏ اما الآن فانني احتاج إلي عملية زرع انسجة‏,‏ وهي مكلفة جدا ولا طاقة لي بها‏,‏ وبالتالي فإن ظروفي وظروف زوجتي متشابهة وهذه هي حياتنا ونحن راضيان بها‏,‏ لكن ابي وامي لم يقتنعا بذلك وفسراه علي طريقتهما‏,‏ بإنني انسب إلي نفسي العجز عن الانجاب لكي يتوقفا عن الضغط علي للزواج مرة أخري‏,‏ واستمرت الضغوط القاسية بلا هوادة‏..‏ وبعد فترة فوجئت بابي وأمي يضعانني امام خيار صعب هو إما أن اطلق زوجتي هذه واتزوج من أخري علي أمل الانجاب منها‏..‏ وأما أن اغادر الشقة التي بنيتها بشقاء العمر في الغربة‏,‏ وابحث لنفسي عن مسكن مستقل خارج نطاق الأسرة‏.‏ وبالرغم من قسوة الاختيار فإني لم اتردد لحظة في اتخاذ قراري وهو التمسك بزوجتي والبحث لنفسي عن سكن آخر‏,‏ بعد أن أعيتني كل الحيل مع أهلي‏,‏ وبعد أن استشرت أهل الذكر ورجال الدين فاجمعوا كلهم علي ان ما يطلبه مني ابي وامي هو تدخل في أمور خاصة بقدرة الله وحده‏,‏ وليس لي ولا لزوجتي يد فيها‏.‏ وقبلت بالقرار الصعب وغادرت شقتي في منزل الأسرة‏,‏ لكيلا اغضب أبوي وأهلي واقترضت من البنك علي مرتبي لكي ادفع مقدم ايجار لشقة صغيرة استأجرتها بمائة وخمسين جنيها كل شهر‏..‏ وكل مرتبي لا يزيد علي مائتين وسبعين جنيها‏,‏ وزوجتي وهي حاصلة علي بكالريوس التجارة لا تعمل‏.‏ وانتقلنا للشقة الجديدة‏..‏ ووجدتني ادفع اكثر من نصف مرتبي كل شهر كايجار لها ولي في نفس الوقت شقة خالية بنيتها بعرقي وكفاحي في منزل الأسرة‏,‏ ثم رحلت أمي عن الحياة فجأة يرحمها الله‏..‏ وبعد فترة الحداد حاولت مع أبي جاهدا أن أعود إلي مسكني‏..‏ وتدخل بعض الصالحين بيني وبينه في ذلك‏,‏ فإذا به يتمسك بالرفض النهائي ومازال علي موقفه هذا إلي الآن‏.‏ وبالرغم مما نعانيه من ضيق العيش وجفاف الحياة ونفقات الأطباء المختصين بأمر الانجاب بالنسبة لزوجتي ولي‏,‏ فلقد أزداد تمسك كل منا بالآخر واقتناعه به وحاجته إليه‏..‏ واستشعاره الراحة والسعادة بين يديه‏..‏ وفي نهاية كل يوم يجد كل منا قلبا مفتوحا للآخر يقدم له العطاء والتضحيات ويتحمل العناء من أجله والحمد لله علي ذلك حمدا كثيرا‏,‏ وأنني أكتب لك هذه الرسالة لكي أعلق بها علي رسالة الأرض الخصيبة للزوج الشاب الذي يئس من عدم إنجاب زوجته حتى زهدها‏,‏ وأقول له إنه علي قدر صبر الإنسان تكون جوائز السماء التي يبشر بها صاحب ‏««‏بريد الجمعة‏»»‏ الصابرين والمبتلين‏,‏ ولأرجوه أن يصبر وألا ييأس من روح الله‏,‏ كما أفعل أنا مع تمنياتي للجميع بالسعادة وتحقيق الأمنيات إن شاء الله‏.‏ ‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول ‏
ظننت في البداية أنك قد كتبت رسالتك هذه لكي تطلب مني في ختامها أن أناشد أباك أن يخفف من غلوائه ويسمح لك بالعودة إلي مسكنك الذي بنيته بشقاء الغربة بدلا من معاناتك لشظف العيش في شقة مستأجرة لا يسمح لك دخلك بتحمل عبء إيجارها,‏ فإذا بكبرياء الحب الذي جمع بينك وبين زوجتك وصمد لكل الأحوال والتحديات‏,‏ يحول بينك وبين ذلك‏,‏ وإذا بك تختتم رسالتك بأنشودة بليغة وقليلة الكلمات عن السعادة وسكون القلب إلي جوار من يحب والرضا بكل ما تحمله له أعاصير الحياة والصبر عليها والاستعانة بالحب الصادق والعطاء المتبادل والتضحيات المشتركة علي اجتياز العقبات واحتمال جفاف الحياة‏..‏ وإذا بك تهدي تجربتك في الصبر علي ما جرت به المقادير والتطلع الدائم إلي الأمل في رحمة الله‏,‏ إلي كاتب رسالة الأرض الخصيبة راجيا له جوائز السماء للصابرين والمحتسبين‏,‏ وطالبا منه الا ييأس أبدا من روح الله وأن يصبر علي ظروفه كما تفعل أنت‏!‏ يا إلهي‏..‏ لقد القيت علينا درسا جديدا في معني السعا

ايمان حسن
07-17-2009, 09:29 AM
الدور العلوي‏!‏


أنا سيدة في الثلاثينيات من العمر‏,‏ جامعية ومثقفة إلي حد ما‏,‏ أحب القراءة والكتابة‏..‏ وتصورت في فترة من الفترات أنني سوف أصبح كاتبة‏,‏ لكن الحياة غيرت اتجاهي بعد أن تزوجت وانشغلت بحياتي العائلية‏.‏
ولقد قرأت الرسالة التي نشرت في هذا الباب منذ بضعه أسابيع بعنوان الأب الرسمي للفتاة التي ضمها جدها وجدتها إليهما منذ طفولتها فنشأت مرتبطة بهما وبعيدة عن أبيها وأمها‏,‏ ورفضت العودة للحياة بينهما وشجعها الجدان علي ذلك‏,‏ إلي أن بلغت سن الزواج وتوقعت من أبيها الرسمي أن يسهم في نفقات زواجها بقدر معقول‏,‏ فإذا بالأب يرفض المساهمة في ذلك نهائيا لأنها ابتعدت عن أبويها وكان منطقه في ذلك أنه مادام جداها قد شجعاها علي عدم العودة إليهما فليتكفلا دونه بنفقات زواجها ولقد أثارت هذه الرسالة أشجاني وأريد أن أروي لها قصتي لعلها تجد فيها بعض ما يرشدها إلي سواء السبيل‏..‏ فلقد جئت إلي الحياة لأبوين رزقا قبلي بأربع فتيات‏,‏ وتركزت كل آمالهما في أن يجيء المولود الخامس ولدا‏,‏ فاذا بي أولد بنتا فاستقبلاني بالحزن والاكتئاب‏..‏ ولأننا كنا في ذلك الوقت نعيش في بيت من دورين باحدي مدن القناة‏,‏ ويقيم في الدور العلوي من البيت عمي وخالتي وهما زوجان رزقا ببنت غير مكتملة النمو العقلي‏,‏ فلقد عرضا علي أبي وأمي أن يضماني إليهما وأنا طفلة وليدة ويتكفلا بتربيتي وتنشئتي دونهما‏,‏ لكي يحلا لأبي وأمي مشكلة طفلتهما الخامسة من ناحية‏,‏ ولأنهما‏,‏ كما أدركت فيما بعد ـ أرادا أن يربياني ويتكفلا بي فأصبح أختا لابنتهما المسكينة وأرعاها حين أكبر وأتحمل مسئوليتها من بعدهما‏.‏
وهكذا وجدت نفسي بين أب وأم وأخت مسكينة ينمو جسمها ولا ينمو معه عقلها‏..‏ ويقيم تحتنا عمي وخالتي وبنات عمي وخالتي الأربع‏,‏ ومازلت أذكر من ذكريات طفولتي حين كانت تسألني بعض السيدات اللاتي يزرن الأسرة بالطابق العلوي‏..‏ كيف حال ماما؟‏..‏ فأتعجب لماذا تسألني عن أمي وهي تجلس إلي جوارها‏!‏ وبالرغم من ذلك فلقد كان هناك شيء غامض لا أدري كنهه يجذبني إلي الطابق الأرضي الذي يقيم به عمي وخالتي وبناتهما وأشعر بحنين عجيب إليهم جميعا‏,‏ ومضت بي الأعوام والتحقت بالمدرسة ولم ألتفت كثيرا لاختلاف اسم الأب في أوراقي الرسمية عن اسمه في الحياة‏,‏ فلقد قيل لي ان اسمه في الورق هو الاسم الرسمي‏,‏ وان اسمه في الحياة هو اسم الشهرة‏,‏ فأحببت اسم الشهرة أكثر مما أحببت الاسم الرسمي‏,‏ إلي أن بلغت سن الصبا وبدأت أشعر بتغير غير مفهوم في معاملة أمي لي‏..‏ وتفاقم هذا التغير حتي بدأت أشعر بعدم حبها لي‏,‏ ولأنني لم أكن أدرك دوافع هذا التغير من جانبها تجاهي فلقد كرهتها لمعاملتها السيئة لي‏,‏ وأحببت أبي كل الحب الذي يمكن أن يتسع له قلب فتاة مثلي‏,‏ لأنه لم يتغير تجاهي بعد أن كبرت وظل يغمرني بحبه وعطفه إلي النهاية‏,‏ وخلال ذلك كانت الدنيا قد فرقت بيننا وبين أسرة عمي وخالتي وبناتهما الأربع وانتقلنا نحن للاقامة في القاهرة‏,‏ وتخرجت في كليتي وارتبطت بمن زختارني واختارته‏,‏ وبدأنا الاستعداد للزواج فإذا بأبي يصر علي أن يستأذن عمي وخالتي في زواجي وأن يحصل أولا علي موافقتهما قبل أن يعلن قبوله‏,‏ وتساءلت عن ضرورة ذلك‏,‏ فعرفت الحقيقة التي خفيت عني كل هذه السنين وهي أن هذا العم وهذه الخالة هما أبواي الحقيقيان‏,‏ وان هؤلاء الفتيات الأربع هن أخواتي‏,‏ أما هذه الفتاة المسكينة التي أعيش معها فهي ابنة عمي وابنة خالتي‏,‏ وأدركت في هذه اللحظة فقط سر تغير مشاعر من كنت أظنها أمي تجاهي بعد أن كبرت وصرت فتاة في بداية سن الشباب‏..‏ فلقد كانت الحسرة تنهش قلبها الحزين وهي تري ابنتها الحقيقية تنمو جسما وعقلها لايتجاوز عقل طفلة عمرها خمس سنوات‏,‏ في حين استوت الفتاة الأخري التي تكفلت بها شابة تجذب الأبصار‏,‏ ويشيد بها الجيران‏,‏ وانفجر بركان الغضب في قلبي تجاه أبي وأمي الحقيقيين‏..‏ كيف تخليا عني وتركاني لغيرهما حتي ولو كان هذا الغير هما عمي وخالتي؟‏,‏ ولماذا كرهاني وأنا طفلة وليدة ولا ذنب لي في مجيئي للحياة بعد أربع فتيات؟‏..‏ وراح أبي وأمي الحقيقيان يحاولان بكل جهدهما أن يبررا لي ماحدث ويؤكدان لي أنهما مظلومان مع عمي وخالتي لأنهما كانا في حاجة لابنة طبيعية بعد أن رزئا بابنتهما المسكينة‏,‏ وانهما اغتصباني منهما بالالحاح وبالاحراج والضغط النفسي عليهما‏,‏ ولم أصدق هذا التبرير ولم أقتنع به واستمر الشرخ في داخلي لفترة طويلة حتي كرهت نفسي‏,‏ وظل هذا الشرخ يفسد علي حياتي لفترة طويلة إلي أن تزوجت وتكفل بنفقات زواجي بل وبشقتي كذلك من تكفل من قبل بتربيتي وتنشئتي وهو أبي بالتربية وعمي بالصلة الرسمية‏,‏ وانشغلت بحياتي العائلية وأسرتي الجديدة عن ذكريات الماضي وأحزانه‏..‏ ولهذا فإني أقول لهذه الفتاة التي ابتعدت عن أبويها ورفضت العودة إليهما وفضلت الحياة بين جديها علي الحياة في بيت أبيها وتلوم أباها لرفضه القيام بأي دور في زواجها‏..‏ أقول لها لماذا لم تبحثي عن هذا الدور قبل الآن‏..‏ ولماذا لم تقدر احتياج أبويها إليها كما تقدر الآن احتياجها إلي أن يقوم والدها بأي دور في زواجها؟‏..‏ انك أيتها الفتاة لن تدركي عمق حزنهما لموقفك منهما إلاحين تصبحين أما وتعرفين معني الأمومة‏..‏ ولقد كان الأفضل لجديك مهما يكن حبهما لك ألايجعلا انتماءك الأول إليهما وليس لأبويك‏,‏ أما مسألة زواجك فإن من واجب جدك أن يتكفل به دون أن يزعج الأب الرسمي بذلك مادام قد شجعك من البداية علي مفارقته والبعد عنه‏,‏ ولكي يكمل المشوار الذي بدأه معك وهو القادر علي ذلك‏,‏ أم تراه يريد أن يجني العسل بغير أن يدفع الثمن؟‏..‏ لقد استأثر بك علي غير رغبة أبويك حتي ولو كانا قد رضيا في البداية بحضانته لك لانشغالهما في العمل‏,‏ لأنه حين سمحت لهما الظروف باستردادك شجعك علي عدم العودة إليهما‏..‏ ولم يقدر احتياجهما إليك‏.‏
وفي النهاية فاني أناشد كل الآباء وكل الأمهات ألايتخلوا عن أبنائهم لغيرهم مهما تكن أسبابهم لذلك‏,‏ ومهما يكن هؤلاء الغير منهم‏,‏ لأنه لاشيء يعوض الأبناء عن صحبة الأبوين ورعايتهما وحبهما لأبنائهما والسلام‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏
مهما تكن دوافع الأبوين للتخلي عن أحد أطفالهما للغير حتي ولو كان أقرب الناس إليهما‏,‏ ومهما تكن ظروف الحياة المادية الأفضل التي يقدمها هؤلاء الغير للطفل‏,‏ فإنه لايغفر لأبويه أبدا حين يدرك حقائق الحياة تخليهما عنه لغيرهما‏,‏ ولا يخفف شيء مادي قدمته له حياته الجديدة من مرارة احساسه بالنبذ العاطفي من جانب أبويه‏,‏ وبأنه لم يكن مرغوبا فيه لديهما‏.‏
لهذا لم أعجب ياسيدتي حين انفجر بركان الغضب الكامن في أعماقك علي أبويك حين اكتشفت الحقيقة التي خفيت عنك سنين طوالا‏,‏ كما لم أعجب كذلك لعدم اقتناعك بدفاعهما المتهافت عن نفسيهما ومحاولتهما لإيهامك بأنهما كانا مغلوبين علي أمرهما مع عمك وخالتك اللذين اغتصباك منهما بالاكراه المعنوي‏.‏
فلا شيء حقا يمكن أن يقنع عقل الابنة أو الابن بأنه شيء يمكن التنازل عنه للغير بمثل هذه المبررات الواهية‏,‏ ولا شيء كذلك في الحياة كلها يمكن أن يعوضه عن احساسه الثمين بأنه ثمرة القلب بالنسبة لأبيه وأمه وانهما علي استعداد للتفكير مجرد التفكير في نبذه أو التخلي عنه‏,‏ ولعلي لهذا السبب قد أدركت حين قرأت رسالة الأب الرسمي أن بعض أسباب رفض كاتبتها للعودة إلي أحضان أبويها حين سمحت لهما ظروفهما باستردادها من جديها‏,‏ لايرجع فقط إلي اعتيادها الحياة بين جديها منذ نعومة أظافرها‏..‏ ولا فقط إلي استنامتها إلي تدليلهما لها وحنانهما عليها مما قد لايتوافر لها بنفس القدر الزائد في بيت أبويها ووسط اخوتها الآخرين‏,‏ وانما يرجع أيضا إلي رغبة عقلها الباطن في معاقبة أبويها علي تخليهما عنها في طفولتها المبكرة لجديها‏,‏ وهي رغبة قد لاتدركها هي نفسها‏,‏ لكن ذلك لاينفي وجودها ولا تأثيرها الغامض علي موقفها من أبويها بعد أن شبت عن الطوق‏,‏ فنحن نعرف أن العقل الباطن تترسب فيه الخبرات المؤلمة التي يؤلمنا تذكرها‏,‏ ونرغب في نسيانها والتخلص منها‏,‏ وهذه الخبرات قد يخيل إلينا بالفعل أننا قد نسيناها إلي أن نفاجأ بها تطل علينا بأعناقها من جديد وتدفعنا في بعض الأحيان إلي مواقف وسلوكيات لاتتضح لنا نحن أنفسنا دوافعها ومبرراتها المنطقية‏,‏ فإذا استرجعنا بعض ذكرياتها البعيدة وحاولنا الربط بين أجزائها المتناثرة وتحليلها تحليلا منطقيا‏,‏ قد تتكشف لنا بعض الدوافع التي مالت بنا لاتخاذ هذه المواقف غير المبررة لنا أو للآخرين في حينها‏.‏ وفي هذا النطاق قد اعتبر كذلك نفور هذه الفتاة من الاقامة بين أبويها واحساسها بالغربة النفسية بينها وبين اخوتها كما ذكرت في رسالتها نوعا من رد الفعل اللا ارادي لنبذهما المبكر لها في الطفولة بنبذ عاطفي مماثل لهما وهي في سن الشباب‏,‏ وكل ذلك من تداعيات هذه الرغبة الكامنة في عقلها الباطن لمعاقبتهما معنويا علي تلك الجريمة التي لايغتفرها كما قلت طفل لأبويه‏.‏
علي أي حال ياسيدتي فإن الإنسان حين يروي قصة حياته للآخرين كما فعلت في رسالتك هذه فلابد له أن يجد فيها مايسعده أن يتذكره وما يؤلمه أيضا أن يتذكره‏,‏ وأسعد الناس هم من حظوا في حياتهم بطفولة سعيدة هيأتهم للتفاعل مع الحياة علي نحو سليم‏..‏ وأسعد الناس كذلك من يستطيعون أن يقولوا ماقالته الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي في مقدمة مذكراتها‏:‏ لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره وغمست قلمي في مغطس سعيد ليخرج منه بحفنة من الذكريات المحلاة بطعم السكر‏!..‏ بمعني أنها قد تذكرت مايسعدها تذكره ونسيت كل مايؤلمها أن تسترجعه فعسي أن تجعلي من حياة أطفالك كلها ترنيمة جميلة لبهجة الحياة يسعدهم حين يسترجعون ملامحها وهم كبار أن يتذكروا كل تفاصيلها الجميلة فلا يجدون فيها إلاكل مايزيدهم رضا عن أبويهم وحياتهم بين أحضانهما حتي خرجوا إلي الحياة أشخاصا أسوياء فهذا هو أفضل مايقدمه أبوان لأطفالهما‏..‏ وهذا هو أفضل مايقدمه كل أبوين للحياة بوجه عام‏..‏

اوسو
07-18-2009, 09:44 AM
السلام عليكم , بجد بجد ولا اروع انا فى مرة شوفت واحد كان بيشترى الاهرام اول حاجه عملها كان بيدور على مقاله انا مكنتش اعرفه بصراحه ساعتها لكن شغف الرجل ده حرك فضولى ان اشوف مين الكاتب ده بس وطبعا اكتشفت ان ليه حق فى الشغف ده لانه المدرسة اللى ممكن تشوفى فيها فصول لشكسبير وتشيكوف وتشارلز ديكنز وغيرهم ده غير طبعا تدينه يعنى بصراحه تشكيلة ثقافية . وشكرا على الموضوع الهايل وجزاكما الله كل خير وجعلكما زخرا للامة وبس .

هشام حلمي شلبي
07-24-2009, 12:27 AM
بـريــد الأهــرام

44790‏السنة 133-العدد2009يوليو24‏2 من شعبان 1430 هـالجمعة
سوء الاختيار

http://www.ahram.org.eg/archive/2009/7/24/44790_23m.jpgأكتب إليك ياسيدي وأنا في قمة ألمي وعذابي‏,‏ وأحتاج حقا إلي نصيحتك ومشورتك‏.‏ فأنا سيدة مطلقة في الخامسة والعشرين من عمري‏,‏ ولي طفل عمره عام وثمانية أشهر‏,‏ نشأت والحمد لله في أسرة ميسورة الحال‏..‏ أب حنون بكل معاني الكلمة‏,‏ وأم متفاهمة‏,‏ ولي أخان وأخت تخرجوا في كليات مرموقة‏,‏ لكن مشكلتي منذ صغري ـ كما كان يقول أصدقائي عني أنني طيبة وأتعامل مع جميع الأشخاص بطبيعتي‏,‏ لا أعرف الزيف ولا الكذب‏.‏ لم أكن أشعر وقتها بأن هذه مشكلة‏,‏ فقد رباني والدي علي هذا وكان يغرس في دائما أن جميع البشر يتمتعون بالطيبة والأخلاق الحميدة‏,‏ وعلي أن أتعامل معهم هكذا‏,‏ فنشأت أحب الحنان والطيبة ولا أشعر بأنهما عيب

وعلي الرغم من حبي للتعامل واللعب مع الأطفال كثيرا لم تكن لي علاقة بأي زميل أو صديق‏.‏ كنت أؤمن بأنني مادمت قد حافظت علي نفسي فسوف يرزقني الله بشخص محترم يكون زوجا لي‏,‏ وتخرجت في إحدي الكليات النظرية ثم تقدم لي أحد الأشخاص كنت أراه شخصا محترما متدينا يصوم السنن باستمرار‏,‏ ويداوم علي تأدية فروضه‏,‏ فتمت خطوبتنا لفترة قصيرة تزوجنا بعدها وأنا أحلم بحياة العائلة‏,‏ وأحلم بالأطفال والزوج واللمة‏,‏ ولكني فوجئت بشخص آخر‏..‏

شخص يحب نفسه أولا وأخيرا مهما قال إنه يحبني‏,‏ فهذا كلام فقط بدون فعل‏,‏ فهو لا يراعي احتياجاتي‏,‏ ولا يتحدث معي‏,‏ ودائم الإهانة لي‏,‏ حتي عندما يهينني أحد من أسرته الذين كنا نسكن معهم لا يتحرك له ساكن‏,‏ لكني مع هذا كنت أحبه وأحب أسرته كأسرتي‏,‏ ولكني لا أعرف ماذا يريدون‏!‏ أقوم بمودتهم لكنهم يطلبون المزيد وأنا لا أتذمر‏,‏ يتدخلون في جميع شئون حياتنا حتي عندما تحدث مشكلة بيني وبينه مثل أي زوجين أجده يحكي لأهله كل شيء‏,‏ ووالده يحكي للجيران

وهكذا حتي أجد كل تفاصيل حياتي مع جيراني‏,‏ حتي عندما تحدث أي مشكلة كبيرة يتدخل فيها الأهل والجيران تخيل أنني أجد زوجي والد طفلي نائما وأنا جالسة في مجلس الرجال أحكي لهم تفاصيل المشكلة وهم يحلونها مع والده‏,‏ بينما هو نائم‏,‏ وكأنني لست زوجته أم طفله‏,‏ لكن كنت أحاول أن أرضيه‏,‏ فهو والد طفلي‏,‏ كنت أدبر كل شيء في المنزل حتي عندما ينتهي المصروف كنت أقترض من والدتي ولا أجعله يقترض حتي تظل رأسه مرفوعة‏.‏

فوجئت به ذات مرة هو وأهله يقررون طردي من المنزل ومعي طفلي بدون سبب ظاهر‏,‏ وأقسم بالله العظيم أننا كنا نائمين بدون أي مشكلات‏,‏ وإذ بي أستيقظ علي إهانة وطرد‏,‏ وقتها عرفت لماذا كان أصدقائي ينتقدونني بسبب معاملتي للأشخاص بحسن نية‏,‏ فللعيش في هذه الدنيا قوانين أخري لا أعرفها ولا أريد أن أعرفها‏,‏ وذهبت لوالدي وفوجئت بوالده يتصل للاتفاق علي تفاصيل الطلاق‏,‏ وفي أول مكالمة قال بالحرف الواحد‏:‏ نحن لا نريد الطفل‏,‏ فابني سوف يتزوج وينجب من هو أحسن منه‏,‏ هذا كلام جد طفلي‏,‏ وكنت في هذه الفترة في ذهول‏,‏ وكنت أنتظر من زوجي أن يتصل وبمجرد أن يعتذر سأسامحه‏,‏ لكن مر الآن عام ونصف عام علي طلاقنا ولم أسمع صوته منذ هذا الوقت‏.‏

سيدي أنا أتألم كل يوم أكثر من مليون مرة في الثانية‏,‏ ليس بسبب الطلاق‏,‏ ولكن كلما أري طفلي أتعذب كثيرا‏,‏ فلم ير الطفل والده منذ عام وأكثر‏,‏ ولم يطلب رؤيته وتزوج وعاش حياته وهذا حقه‏,‏ وأنا أعلم أن الله شاهد علي كل منا وسوف يعوضني خيرا‏,‏ فأنا والحمد لله بشهادة جيراني وكل من حولي حاولت معه الكثير من أجل الحفاظ علي بيتنا‏,‏ لكنه هو وأهله‏(‏ سامحهم الله‏)‏ لم يريدوني‏,‏ لكن طفلي لا ذنب له في سوء اختيارنا لبعضنا بعضا‏,‏ أنا أترجاه لكي يأتي ويري طفله‏,‏ لكن والده يأبي هذا‏,‏ وكأنني كنت متزوجة من والد زوجي‏

أريد لطفلي حياة سوية حتي ولو علي حساب نفسي‏,‏ لا أعلم هل أشتري له حب والده وأتنازل عن نفقته مقابل أن يراه والده كما قال‏,‏ تخيل أن والد طفلي كان يذهب إلي حفلة يوم اليتيم‏,‏ هذا الوالد الذي لم يفكر خلال عام ونصف عام أن يري طفله في أي من العيدين أو عيد ميلاده‏,‏ مهما كان لا يحبني فهذا ليس ذنب طفله وإلا لكنت كرهته أنا أيضا لما مر بي مع والده‏,‏ لكن طفلي هو نور حياتي أحبه أكثر من أي شيء حتي ولو كان والده هو من ظلمني‏,‏ وافتري علي‏,‏ لكنه فلذة كبدي وأريد له كل سعادة وهناء في الدنيا

حتي لو كنت أخطأت فنحن بشر وسوف يحاسبني الله ولا ذنب للطفل في هذا‏,‏ أريد أبا لطفلي‏..‏ أريد لطفلي أن يتربي تربية سوية ويستمتع بكلمة بابا فماذا أفعل؟

*‏ سيدتي‏..‏ وضعت يدك بنفسك علي موطن الأزمة أو المشكلة الأزلية في العلاقات الزوجية التي لا يدفع ثمنها الآباء فقط‏,‏ لكن الثمن الأكبر يدفعه الأبناء‏.‏

سوء الاختيار‏,‏ نعم ياسيدتي لوكان ما جاء في رسالتك صادقا فإنك تكونين قد أسأت الاختيار‏,‏ وارتضيت بشريك حياتك لمجرد إتيانه بمظاهر دينية قد لا تعكس بالضرورة تدينا حقيقيا‏,‏ فالتدين وممارسة الفرائض والسنن لابد أن يعبرعنها سلوك راق وملتزم‏,‏ وهذا يستدعي أسئلة وتتبعا لسلوك العريس وأسرته‏,‏ والأمر نفسه بالنسبة للعريس‏,‏ لكنها العجلة والرغبة في الزواج والفهم القاصر لمعني القسمة والنصيب‏.‏

أخطأ والدك بحسن نية وطيب خلق عندما رباك وغرس فيك أن جميع البشر يتمتعون بالطيبة والأخلاق الحميدة‏,‏ لأن علينا أن نربي أبناءنا علي ما هو قادم من الأيام ونعلمهم كيف يتعاملون مع الطيب والشرير‏,‏ فالحياة لم تكن أبدا لفريق واحد‏,‏ وبما أننا نحياها فلابد أن نؤهل للتعامل مع كل طباع البشر‏,‏ لأن الابن إذا نشأ علي مفاهيم واحدة ثم اصطدم بعكسها فإنه يفقد قدرته علي التدبر والتفكير واختيار أسلوب التعامل الملائم‏.‏

سيدتي‏..‏ منذ بداية زواجك اكتشفت الوجه الآخر لزوجك‏,‏ وإهانات دائمة‏,‏ وعدم تحمل للمسئولية‏,‏ وإقحام أسرته‏,‏ خاصة والده‏,‏ في كل تفاصيل حياتكما‏.‏

أصبحت حياتكما الخاصة علي الهواء مباشرة مع أسرته‏,‏ ومع الجيران‏,‏ وأمام مجالس الحكماء‏,‏ كل هذا وأسرتك غائبة‏,‏ أين والدك ياعزيزتي؟‏!‏ لماذا لم يتدخل أحد منذ البداية؟ ولماذا تعجلتما الإنجاب وعلاقتكما متوترة منذ بداية الزواج‏,‏ ألم يكن الأفضل لكما ولهذا الطفل التأني والتأكد من أن هذه الحياة الزوجية ستستمر قبل أن تظلما من ليس له ذنب؟‏!‏

الكلام ليس لك وحدك ياسيدتي‏,‏ بل تجاوزك‏,‏ لكنه لكل اثنين تزوجا علي عجل واكتشفا أن مستقبلهما الزوجي مهدد‏,‏ لعلهما يرجئان الإنجاب حتي ترسو السفينة علي الشط أو يرحل قائداها كل إلي حيث يريد ويستريح‏.‏

ولأن ما حدث قد حدث‏,‏ فإني أتفق معك تماما في أن الطفل في حاجة إلي والده وجده‏,‏ ومن حقه ألا يعاقب بسبب أخطائكم جميعا‏,‏ لذا فإنني أناشد والده أن يتقي الله المنتقم الجبار‏,‏ فسؤاله واهتمامه بابنه لن يكلفه شيئا‏,‏ وهو مكلف شرعا بالإنفاق عليه‏,‏ فإذا غرته الأيام بشبابه وبقدرته علي الإنجاب‏,‏ فإن يوم الانتقام آت لاريب فيه‏,‏ في يوم قد يحتاج إلي كلمة أو لمسة أوسؤال من ابنه ولا يجده‏.‏

طفلك ياسيدي لم يرتكب ذنبا في حقك‏,‏ تزوج من جديد‏..‏ افعل ما تشاء لكن وفر لابنك حياة طبيعية بالسؤال عنه‏,‏ والإنفاق عليه‏,‏ وهذا لن يكلفك الكثير‏,‏ واسأل نفسك ماذا لو كان والدك‏,‏ الذي يدعمك ويحرضك الآن‏,‏ قد أهملك وتجاهلك ماذا كنت ستشعر تجاهه؟

لا تقل لنفسك‏:‏ عندما يكبر سأحتويه‏,‏ فما نغرسه في نفوس أطفالنا في الصغر من غياب وعلقم هو الشوك الذي يدمينا في الكبر‏,‏ فعد إلي ضميرك والتزم بمعني ومفهوم التدين لا بمظاهره‏,‏ ولا تظلم امرأة وطفلا ولاك الله عليهما وحملك مسئولية لم تكن جديرا بها حتي الآن‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.

هشام حلمي شلبي
07-31-2009, 07:18 AM
بـريــد الأهــرام

44797‏السنة 133-العدد2009يوليو31‏9 من شعبان 1430 هـالجمعة
النظرات الحزينة


http://www.ahram.org.eg/archive/2009/7/31/44797_48m.jpg*‏ أكتب إليك بعد أن ضاقت بي السبل وأعيتني الحيل‏,‏ فأرجو أن تصبر علي حتي انتهي من رسالتي ولاتصدر علي حكما قبل أن تنتهي من قراءة آخر جملة فيها‏,‏ فأنا رجل قاربت الستين‏,‏ من عائلة معروفة بتدينها ولها باع كبير في الدين والتجارة‏,‏ رحلت عني زوجتي الحبيبة بعد حادث سيارة‏,‏ تاركة فراغا فظيعا‏,‏ ولي و‏3‏ أولاد متزوجون الآن جميعهم‏,‏ يشغلون مناصب عليا بحمد الله‏,‏ ولدي من الأحفاد ماشاء الله‏,‏ مما يجعلهم قرة عيني‏,‏ أسعد لحظات حياتي وأنا معهم ألعب مع أحفادي وأنصت لأحاديث أولادي وأنصح أحدهم بنصيحة أو أقوم بحل مشكلة بين ابنتي وأهل زوجها‏,‏ فأنا ياسيدي أقوم بدور الأب والأم معا‏,‏ لكن ياسيدي لي احتياجاتي ولست من النوع الذي يغضب الله‏,‏ فقررت الزواج من أرملة لديها أطفال لكن أولادي كانوا يعاملونها ويعاملون أولادها بمنتهي القسوة‏,‏ وصبرت معي وتحملت الكثير‏,‏ وأولادي لديهم مبررهم فهم لايريدون رؤية أحد مكان والدتهم ـ رحمها الله ـ فكانت منبوذة دائما‏..‏ فلم تصبر وصممت علي الطلاق‏,‏ عشت مرة أخري وحيدا الي ان بدأت أبحث من جديد ولكن علي سيدة بدون أطفال ولا أخفي عليك أمرا‏,

‏ كانت السيدات تتهافت علي‏,‏ الكل يريد إرضائي حتي أتزوجه‏,‏ منهن الأرملة ومنهن المطلقة حتي الآنسات كانت تريد ودي‏.‏

لم أرد أن أتزوج من هي أصغر مني بكثير لأني لا أريد أولادا مرة أخري ولا أكبر مني لأنني أؤمن بأن الرجل لابد وأن يكبر زوجته علي الأقل بخمس سنوات ليكون قواما عليها ولاتتحكم فيه‏,‏ ظللت أبحث الي أن قام أحد معارفي بتعريفي علي سيدة مطلقة لاتنجب‏,‏ ينقصها الشعور بالأمان في زمن قل فيه الأمان‏,‏ تعمل صباحا ومساء‏,‏ ووافقت ولكني لم أصارحها بما يشعر به أولادي تجاه أي امرأة تدخل حياتي وقمت باستئجار شقة تقيم فيها بعيدا عن المدينة التي يسكنها أولادي‏,‏ فعرفوا الأولاد وقاموا بمساعدة شياطين الأنس والجن بتضييق الخناق علي فأصبحت ممنوعا من أصطحابها الي أي مكان توجد فيه العائلة مجتمعة فكانت صابرة وكنت أهون عليها بأن الزمن كفيل بتليين قلوبهم‏,‏ ولكن صبري عليهم زادهم عنادا فكانوا اذا قابلونا بمحض الصدفة في الشارع لايلقون عليها السلام‏,‏ واذا صادف وقامت بالرد علي الهاتف الخاص بي قاموا بإغلاقه في وجهها بغير كلمة فكنت أخجل منها لأنني أنا بين فكي الرحي‏,‏ ناهيك ياسيدي عن المناسبات الدينية التي كانوا يصرون علي احيائها معي فكنت أتركها مستشعرا بتأنيب الضمير‏.‏

لانريد أحدا مكان أمنا كانت هذه جملتهم وشعرت بظلمي لها فخيرتها بين الانفصال عنها أو أن تقبل العيش معي في تلك الظروف‏,‏ فقبلت لأنها لاتستطيع مواجهة المجتمع بلقب المطلقة مرة أخري وكنت واثقا من هذا‏,‏ وسعدت وظننت أن صدري استراح لكن أصبحت نظراتها حزينة مليئة بالانكسار‏,‏ فعند ذهابي لمناسبة أو حفل أدعو فيه كل أقاربي تساعدني في ارتداء ملابسي وترافقني الي الباب مودعة وأكاد أسمع بكاءها وأنا أنزل السلم‏,‏ أما عني فأري كل أقاربي مع زوجاتهم بجانبهم إلا أنا فوحدي أصيبت زوجتي بارتفاع بضغط الدم‏,‏ حاصرها المرض فطلبت مني الانفصال وسرحتها سراحا جميلا ولم أخسر شيئا لأنها لم تشترط شيئا عند زواجي منها‏.‏

باتت بدعواتها التي كانت تدعوها طيلة الليل في فترة زواجي بها تلاحقني أينما ذهبت وتشعرني بالظلم فيما سعد أولادي جدا بطلاقي قائلين الحمد لله عدت لنا يا أبي وتزينت النساء مرة أخري ممن يصغرني ومن يكبرني ولكني أصبحت عازفا عن الزواج لكي لا أظلم أحدا مرة أخري‏,‏ فأنا أخاف الله والمشكلة أن الوحدة تعذبني وأريد زوجة في الحلال زواجا شرعيا لكن شريطة أن تتحمل ظروفي‏,‏ سأوجد لها شقة وأطعمها وكل أسبوع سأقوم بتزيينها والذهاب بها الي السينما‏.‏

ولكن عليها ان تعرف ان المناسبات العائلية والاجتماعية الموجود فيها أولادي محرمة عليها والدعوات والأفراح والأعياد سأقضيها معهم ومع أحفادي ويجب عليها أن تكون أصغر حتي أتوكأ عليها في كبري‏,‏ فمن تري نفسها قادرة علي هذا أرجو أن تكونوا طريقها الي‏.‏

*‏ سيدي‏..‏ صبرت عليك حتي نهاية رسالتك‏,‏ ومع كل سطر يسلمني لآخر كان يزداد غضبي وعتابي لك حتي التبس علي الأمر‏,‏ وشككت أنك تريد دمية أو عروسا إليكترونية لا إنسانة لها حقوق وعليها واجبات‏.‏

تقول ان أسعد لحظات حياتك مع أولادك وأحفادك فلماذا لاتكتفي بمالديك من سعادة‏,‏ خاصة أنك حريص كل الحرص علي الحصول علي كل حقوقك‏,‏ حقوق الأب وحقوق الجد فلماذا تسعي الي مالا تقدر عليه؟‏!‏

ما تطلبه ياسيدي ليس زوجة تشاركك حياتك‏,‏ بحلوها ومرها‏..‏ لتصبح لك سكنا ويكون بينكما مودة ورحمة‏,‏ بل تطلب امرأة تلبي احتياجاتك الذكورية بطريقة شرعية‏,‏ تذهب إليها تقضي وطرك بعد أن تستمتع بكل مالديك من أبناء وأحفاد وعائلة‏,‏ أما هي واحتياجاتها وحقوقها فلايهم‏,‏ طالما يطاردونك مطلقات وأرامل وآنسات‏..‏ ألا تري في سلوكك هذا أنانية وظلما وضعفا‏.‏

نعم ضعف ياسيدي‏,‏ فأنت عاجز عن مواجهة أبنائك المتزوجين بحقك في الزواج بأخري‏..‏ عاجز عن إلزامهم باحترامها‏,‏ فسمحت لهم بإيذاء زوجتك وأبنائها‏,‏ والأغرب أنك تري لهم مبررا‏,‏ فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تؤذي وتظلم الآخرين؟ كنت أعتقد ان تربيتك الدينية وعائلتك التي لها باع كبير في الدين‏,‏ سيجعلانك أكثر حرصا علي العدل‏,‏ وأكثر فهما لمعني الزواج‏,‏ الميثاق الغليظ الذي تلاعبت به‏,‏ فطلقت زوجتك بعد أن ظلمتوها جميعكم‏..‏ وبدلا من أن تلتقط أنفاسك‏,‏ وتفتح حوارا عاقلا مع أبنائك لإقناعهم بحقك في الزواج وحقك عليهم في احترام رغبتك واحترام شريكة حياتك‏,‏ خدعت امرأة أخري‏,‏ امرأة وحيدة كل أملها في الحياة هو الإحساس بالأمان الذي قبلت الزواج منك بحثا عنه‏,‏ فماذا فعلت وأنت تتحدث عن القوامة‏,‏ هل كنت قواما عليها؟

لاياسيدي‏,‏ عزلتها في سجن وعرضتها للإهانة تلو الأخري‏,‏ واستمرأت تخاذلك وضعفك أمام أولادك خاصة بعد أن قبلت الاستمرار معك وأنت تعرض عليها الطلاق موقنا أنها سترفضه‏.‏

ماذا فعلت أمام نظراتها الحزينة وانكسارها ومرضها‏,‏ اكتفيت بالشعور بأنك ظالم‏,‏ لكنك لم تسع لرفع الظلم عنها‏,‏ بل طلقتها بدون أي خسائر فهي لم تشترط شيئا عند الزواج‏,‏ طلبت فقط الأمان وهو للأسف آخر شئ تملكه‏.‏

سيدي‏..‏ لقد أدمنت اللعبة‏,‏ وأعتذر لك عن هذا التعبير‏,‏ ولكن ماتفعله في هذا العمر ليس زواجا وإنما عبث بحياة ومشاعر أخريات لم يرتكبن إثما‏,‏ يبحثن عن حلال الله ولكنك بكل أسف تقودهن لأبغضه‏.‏

وللمرة الثانية وبدلا من أن تراجع نفسك وتصحح أخطاءك وتواجه أبناءك تفكر بنفس الطريقة التي ستقود حتما الي الطلاق‏..‏ فالنساء مرة ثالثة يتزين لك‏,‏ فتأتينا بحثا عن عروس جديدة فلماذا لاتختر من تعذبها وتطلقها ممن بين يديك؟

تريد زوجة حبيسة لن تشاركك في أي تفاصيل للحياة‏,‏ ستغيب عن مناسباتك العائلية‏,‏ تختفي في الأعياد والأفراح والمناسبات‏,‏ هي فقط للمتعة‏,‏ متعة سيادتك وتشترط أن تكون صغيرة لتتكئ عليها في كبرك ويكفيها أنك ستسكنها شقة في منطقة نائية‏,‏ وستطعمها ثلاث وجبات وقد تزيد‏.‏ ستزينها وتذهب بها الي السينما مرة في الأسبوع‏,‏ ما هذا الاستعلاء ياسيدي وما كل هذا الفهم الخاطئ للزواج‏.‏

أسف سيدي ليس لدينا ماتطلب ولاننصح أي امرأة بقبول الزواج بمن يفكر بهذا الأسلوب ومن يكرر اخطاءه بنفس الطريقة‏.‏

سيدي‏..‏ لاتتزوج وتفرغ لسعادتك مع أولادك أو أحفادك‏,‏ وان قررت ان تفعلها فليكن بالاتفاق والتفاهم معهم‏,‏ واختر من تناسبك في العمر والثقافة علي أن تكون واثقا من أنك لن تظلمها ولن تغرس الحزن في عينيها أو تصيبها الأمراض قهرا وضعفا‏,‏ فما أقسي أن تجتمع عليك دعوات من ظلمتهن‏,‏ فنحن لانحب لك ولا لنا الظلم‏,‏ أنار الله قلبك وأعادك الي صواب الحق والي اللقاء ـ بإذن الله‏.‏

هشام حلمي شلبي
07-31-2009, 07:21 AM
بـريــد الأهــرام

44797‏السنة 133-العدد2009يوليو31‏9 من شعبان 1430 هـالجمعة
..‏ وبدا حزينا منهكا‏!‏

‏حادث قد يبدو بسيطا ولكنه آلمني بشدة‏,‏ فذات مرة أرسلنا في طلب أنبوبة غاز من بائع يسير بدراجة يحمل عليها مجموعة من الأنابيب ولاحظت انه يسير بتهالك ويبدو عليه الضعف الشديد‏,‏ حتي انني تساءلت كيف يعمل بهذه المهنة وكيف سيحمل الأنبوبة الي الطابق الثالث‏,‏ مما جعلني أهبط اليه من الطابق الثالث لأساعده في حمل الأنبوبة‏,‏ وحينما نزلت سألني عن الطابق الثالث فرأيت امارات الاحباط علي وجهه وبدا حزينا منهكا فحملتها عنه الي الطابق الثالث ثم وجدت نفسي أقوم بتركيبها وكذلك حملت الفارغة ونزلت بها الي موضع الدراجة‏,‏

ثم لاحظت انه يلتقط انفاسه بصعوبة بالغة وبصوت مسموع مما جعلني أسأله هل تعاني من شئ؟ فأخبرني انه مريض بالقلب‏!!!‏ تخيل ياسيدي‏,‏ مريض بالقلب ويعمل بائع أنابيب يصعد أحيانا للطابق الثالث والرابع حاملا أنابيب ممتلئة وفارغة يكاد بعدها يخر مغشيا عليه في كل مرة‏,‏ ومما زادني الما انه حدث ماتوقعت وعلمت انه بعد ذلك مرض وانتابته نوبة قلبية ودخل علي أثرها المستشفي‏,‏ ثم زارني في منزلي طالبا المساعدة‏,‏ حيث تقاعد تماما عن العمل خشية اصابته بنوبة قلبية قاتلة لأن هذه المهنة في غاية الخطورة علي مريض بالقلب‏,‏ ثم ناقشته في سبل الاناق علي أسرته التي علمت منه أنها تتكون منه وزوجته وولد وبنت بالجامعة‏,‏ فاخبرني ان صافي المعاش الذي يعيش به هو وأسرته‏300‏ جنيه لست ادري هل تكفي مواصلات الأبناء الي الجامعة فضلا عن المأكل والمشرب والملبس والأدوية لمريض بالقلب والكهرباء والمياه والإيجار‏..‏

سيدي‏..‏ لقد شعرت ساعتها كم نحن مقصرون في حق الله تعالي وفي شكر نعمه سبحانه علينا‏..‏ واضع أمر هذا المسكين بين ايديكم وايدي القراء الأعزاء عسي ان تتحرك القلوب الرحيمة لمساعدة هذه الأسرة المسكينة وعائلها المريض‏..‏

ايمان حسن
08-17-2009, 11:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إليكم
مجموعة لم تنشر من قبل للراحل
عبدالوهاب مطاوع اردت ان اتشاركها معكم
وللعلم الموضوع منقول للافادة
---------------
http://img145.imageshack.us/img145/6504/resizeofpicture000xz5we4.jpg

قدمت أعذارى (http://www.4shared.com/file/32037363/5f889eb3/__online.html)

http://img201.imageshack.us/img201/1967/resizeofpicture000sa5hp8.jpg

صور من حياتهم (http://www.4shared.com/file/32162703/3ab93d0e/___online.html)

http://img262.imageshack.us/img262/8608/resizeofpicture000fy7qq7.jpg

أهلاً مع السلامة (http://www.4shared.com/file/32228287/ef6f85fe/___online.html)

http://img165.imageshack.us/img165/4844/resizeofpicture000uf0oq1.jpg

هتاف المعذبين (http://www.4shared.com/file/33095372/775a44fa/__online.html)

http://img405.imageshack.us/img405/3170/resizeofpicture000tt6af0.jpg

خاتم فى إصبع القلب (http://www.4shared.com/file/35869946/1188c9c8/___.html)


http://img245.imageshack.us/img245/6947/picture000kf7.jpg
سائح فى دنيا الله (http://www.4shared.com/file/38924974/79ca375f/___.html)




كتب منقولة

العصافير الخرساء (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=007162.pdf)
افتح قلبك (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=010753.pdf)
اندهش يا صديقي (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=000447.pdf)
ارجوك لا تفهمني (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=008479.pdf)
ازواج و زوجات او صراع الديكه (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=010055.pdf)
صديقي ما اعظمك (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=005229.pdf)

.......





لجميع عشاق الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع

http://img521.imageshack.us/img521/757/picturexy1.jpg

هذه الإسطوانة (كتاب مسموع) تحتوى على
مقطع فيديو للكاتب الراحل يحكى فيه عن رحلته مع بريد الأهرام
و ايضا
عشرات من مشاكل بريد الأهرام المقروءة و رد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع عليها

الأسطوانة على ستة روابط

الجزء الأول (http://rapidshare.com/files/95431965/eshret_omr.part1.rar)
الجزء الثانى (http://rapidshare.com/files/95438490/eshret_omr.part2.rar)
الجزء الثالث (http://rapidshare.com/files/95444099/eshret_omr.part3.rar)
الجزء الرابع (http://rapidshare.com/files/95449348/eshret_omr.part4.rar)
الجزء الخامس (http://rapidshare.com/files/95455038/eshret_omr.part5.rar)
الجزء السادس (http://rapidshare.com/files/95460297/eshret_omr.part6.rar)

يجب تنزيلهم جميعا ثم وضعهم فى فولدر واحد و فك أول ملف فقط (extract to eshret_omr" و سيتبعه فك كل الأجزاء
ثم يتم نسخ محتوى فولدر (لا الفولدر) على إسطوانة

و الإسطوانة ذاتية التشغيل


ارجو ان ينال الموضوع رضاكم
والشكر لمن بذل الجهد فى رفع هذه الكتب
حتى نستمتع بها
مع تحياتى.

هشام حلمي شلبي
10-16-2009, 09:14 AM
‏في هذا الزمن الذي للأسف الشديد نسمع فيه ونقرأ الكثير عن عقوق الابناء لآبائهم وأمهاتهم‏,‏ حتي وصل الامر إلي حد الضرب‏,‏ بل والقتل ـ والعياذ بالله ـ أرجو التكرم بنشر هذه القصة التي رواها السيد ماهر أبو طير في مجلة الوطن العربي‏,‏ ففيها من العبرة والعظة ما قد يردع الكثيرين ممن لايراعون آباءهم وأمهاتهم عندما يصلون إلي خريف العمر‏,‏ ويكونون في أمس الحاجة إلي عون وعطف أبنائهم‏,‏ لاهين عن حقيقة مهمة تقول‏:‏ كما تدين تدان‏,‏ وغافلين عن قوله تعالي‏:‏ إن الله سريع الحساب في الدنيا قبل الآخرة‏.‏

وإليك القصة‏:‏
يروي قبل سنوات‏,‏ أنه حدث في عاصمة عربية‏,‏ أن والدا عجوزا كان يضربه أولاده يوميا‏,‏ بسبب أو بدون سبب‏,‏ يعود الاولاد سكاري إلي المنزل آخر الليل‏,‏ ولايجدون سوي الاب لإخراج كل تلك القاذورات التي عششت في رءوسهم‏,‏ حتي وصل الاب إلي مرحلة بان فيها ضعيفا جدا ومريضا‏,‏ مما دفع الابناء العاقين إلي الاتفاق علي حمله ليلا ورميه عند حاوية نفايات في ذلك الحي الشعبي‏,‏ وقد حصل فعلا ما اتفقوا عليه‏,‏ إذ حملوه ليلتها وهو يرجوهم أن يتركوه‏,‏ وذهبوا إلي الحاوية ورموه عندها‏,‏ قائلين له‏:‏ مت هنا‏.‏ وخرج الجيران علي صوت الاولاد وهم يقهقهون علي أبيهم‏,‏ في ظل محاولة أخيرة منهم لرميه داخل الحاوية‏.‏ وهب الجيران هبة رجل واحد من أجل إنقاذ الرجل العجوز‏,‏ إلا أن المفاجأة كانت فيما قاله الاب الملقي جانب الحاوية‏.‏ إذ طلب من الجيران تركه عند الحاوية وطلب من أولاده أن ينصرفوا إلي شأنهم‏,‏ وبدأت دموعه بالتساقط بغزارة‏,‏ قائلا للجيران‏:‏ اتركوني هنا فهذا عدل السماء‏.‏ فقبل أربعين سنة‏,‏ كنت أضرب والدي العجوز‏,‏ ووصل بي الامر أنني حملته بتحريض من زوجتي‏,‏ جراء مرضه آنذاك وقرف زوجتي من خدمته‏,‏ وقمت بحمله ورميه في مزبلة القرية‏,‏ حيث مات

ليلتها وكانت عيناه شاخصتين الي السماء تدعوان‏,‏ بعد أن كان مشلولا لاينطق لسانه‏,‏ وما ترونه الليلة سداد دين أبي‏,‏ وانتقام الله مني‏,‏ فاتركوني‏..‏ وقد كان مأسويا أن يموت الأب ليلتها قرب حاوية النفايات‏,‏ مثلما عق والده قبل عقود ورماه علي مزبلة القرية إرضاء لزوجته المصون‏.‏ انتهت القصة والتي تحمل من العبرة والخوف وخشية الله في تعامل الابناء مع الآباء والامهات ما تشيب له الرءوس‏,‏ إذ إن ما يفعله الابناء اليوم مع آبائهم وأمهاتهم سيرتد حتما عليهم يوما ما في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ إن خيرا فخير‏,‏ وان شرا وعقوقا فشر وعقوق من أبنائهم في المستقبل عندما يحل خريف العمر بهم‏.‏ ذلك أن عقوق الوالدين يعتبر من الكبائر التي حذر منها الله ورسوله بعد الشرك بالله‏.‏ فحتي كلمة أف نهانا الله عنها في قوله تعالي‏:‏ ولا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما‏,‏ فما بالنا اليوم بكثيرين من الابناء لايزورون آباءهم وأمهاتهم إلا مرة واحدة كل شهر أو كل أسبوع‏,‏ ولايتفقدون أهلهم حتي بمكالمة هاتفية‏,‏ ناهيك عن معاملتهم بجفاء‏,‏ فهل أمنوا غضب الله عليهم وتقلب الأيام والليالي؟ أم أمنوا مكر الله‏,‏ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون‏.‏ إنسداد الدين آت آت ولو بعد حين‏

هشام حلمي شلبي
11-20-2009, 09:58 PM
بـريــد الأهــرام

44909‏السنة 133-العدد2009نوفمبر20‏3 من ذى الحجة 1430 هـالجمعة
هـذا الوحـش‏!‏

http://www.ahram.org.eg/archive/2009/11/20/44909_13m.jpgسـيدي‏..‏ أرجو أن تتذكرني‏,‏ ويتذكرني قراء بابك الأعزاء‏,‏ فأنا صاحبة رسالة الانتقام التي نشرت بجريدتكم في‏2006/11/17,‏ نعم أنا التي كتبت لك عن والدي‏,‏ الذي كان يعاملنا ـ أنا واخواتي وأمي ـ معاملة مهينة حتي فقدت أمي الحياة‏,‏ كمدا‏,‏ ورفض تسلم جثتها ودفنها‏,‏ ثم تزوج بعدها عدة مرات‏,‏ وبعد أن ذهب لأداء العمرة‏,‏ انقطعت أخباره عدة سنوات حتي صدر قرار المحكمة بفقده‏,‏ وحصلنا علي ميراثه‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله أن أجده مصادفة بعد سنوات‏,‏ عجوزا منهكا‏,‏ فاقدا للذاكرة‏,‏ يمسح سلالم العمارات‏,‏ ويتسول ثمن طعامه‏,‏ ودوائه‏,‏ بعد ان كان في رغد من العيش‏,‏ يحرمنا نحن منه‏,‏ ويهيننا في أعمال مرهقة لننفق علي أنفسنا‏!‏

سيدي‏...‏ قرأت ساعتها ردك علي رسالتي‏,‏ ونصيحتك لنا ـ أنا واخواتي ـ بالعفو‏,‏ وإطفاء نار الانتقام‏,‏ الذي لن تدوم لذته سوي لحظات‏,‏ فجمعت أخواتي‏,‏ وأخذتهم ومعنا المحامي وذهبنا لنري أبي الذي عاد‏..‏ سألنا عليه‏,‏ فدلنا أولاد الحلال علي مكانه‏,‏ وعلمنا انه تم نقله الي أحد المستشفيات الحكومية‏,‏ فذهبنا اليه هناك‏,‏ ورأينا مشاهد مؤلمة‏,‏ فقد كان ينام علي مرتبة متهالكة‏,‏ في حجرة كئيبة‏,‏ بها كثير من المرضي‏,‏ الذين أخبرونا أنه يذهب كثيرا في غيبوبة‏,‏ وأن الاطباء يريدون ان يخرجوه‏,‏ ولكنهم لايعرفون أهله حتي يتسلموه‏.‏

ذهبنا للطبيب لنسأل عن حالته‏,‏ فقال انه يعاني من أمراض كثيرة‏:‏ ضغط وسكر ومياه علي الرئة‏,‏ وتليف بالكبد‏,‏ ودوالي بالمريء‏,‏ نقلناه الي أحد المستشفيات النظيفة بالقاهرة علي مسئولية المحامي‏,‏ وعندما أفاق من الغيبوبة بكي بشدة‏,‏ وقال‏:‏ وحشتوني‏,‏ لماذا لم تأتوا الي منذ فترة‏,‏ بكينا سيدي من هذه الكلمات‏,‏ ومن حالته المأساوية‏,‏ ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة‏,‏ كان يقول هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح‏,‏ وكأنه كان يشعر أننا أولاده‏!!‏

بعد أيام‏,‏ طلب منا الاطباء الاهتمام بعلاجه‏,‏ ونظافته‏,‏ ومعيشته‏,‏ وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من المستشفي لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها غالية الثمن‏,‏ وسامح الله شقيقتي‏,‏ فقد قالت له‏:‏ انت في حجرة متحلمش بيها أخفي وجهه في الملاءة‏,‏ وقال لي‏:‏ اخرجيني يا ابنتي من هنا‏,‏ واقرضيني ثمن العلاج‏,‏ وسوف أسدده لك إن شاء الله‏,‏ فقالت له أختي‏,‏ ومن أين ستسدد؟ قال‏:‏ سوف أعمل‏,‏ سأنظف البيوت‏,‏ وأمسح السلالم‏,‏ هذا هو عملي‏,‏ وان لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج‏,‏ أمسح سلالم شققكم‏,‏ وأنظفها‏!‏

لم تعط شقيقتنا لنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف‏,‏ فعلي الفور قالت له‏:‏ لقد كان لنا أب‏,‏ لكن لم يرحمنا‏,‏ ولم يرحم أمنا‏,‏ حتي وهي مريضة‏,‏ فكان يجبرها علي العمل ويقول لها اشتغلي بلقمتك علي الرغم من أنه كان يمتلك كثيرا من الأموال‏,‏ ولكنه اليوم علي استعداد للعمل عند أولاده‏,‏ يخدمهم‏,‏ ليسددوا نفقات علاجه‏,‏ وهنا تدخلت أنا‏,‏ وأخبرته أننا ننفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفية‏,‏ فأنت مثل والدنا‏,‏ نهرتني أختي قائلة‏:‏ متطمعهوش فينا‏,‏ انت السبب‏,‏ ربنا ياخدك معاه‏,‏ كان لازم تقابليه‏,‏ وترجعيه تاني‏.‏

أصر أحد أخوالي علي الذهاب الي أعمامي‏,‏ ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد‏,‏ وأنه حي‏,‏ لم يمت‏,‏ ويعالج في المستشفي‏,‏ فكذبوه‏,‏ وحضروا إلي المستشفي‏,‏ وحدثت بيننا خناقة كبيرة وضربونا‏,‏ وكانت فضيحة في العائلة‏,‏ ولكن خالي ذهب الي قسم الشرطة‏,‏ وعمل محضرا ضد أعمامي‏,‏ وجاء أمين الشرطة للمستشفي ليسأل العجوز‏:‏ انت مين؟‏..‏ قال‏:‏ أنا معرفش حاجة‏,‏ هؤلاء البنات ساعدوني‏,‏ وأحضروني للمستشفي للعلاج‏,‏ وقال للاطباء اني فاقد للذاكرة‏,‏ ولكني لو كنت فعلا أباهم‏,‏ فأنا مش عاوزهم يعرفوني تاني‏..‏ قالها سيدي‏,‏ وهو يبكي بحرقة‏,‏ فكيف لأب ان يضرب بناته‏,‏ ويعذبهم‏,‏ بل ويكون سببا في وفاة أمهم‏,‏ هل كنت أنا هذا الوحش‏,‏ ان كنت كذلك‏,‏ فلا أريد أن أذكرهم بما عانوه معي‏!!‏

خرج الرجل من المستشفي‏,‏ بعد علاجه‏,‏ وعلم اننا بناته‏,‏ وكان كلما يري واحدة منا يداري وجهه‏,‏ وهو يبكي ويقول اللهم قصر أيامي فأقول له انت مش مبسوط انك عرفت ولادك‏,‏ فيقول كان نفسي أكون مبسوط ولكن ذكرياتي معكم ذكريات موت ولهذا لن استطيع العيش معكم‏,‏ سأعود إلي حجرتي الصغيرة‏,‏ أكنس وأمسح السلالم‏,‏ والبيوت‏,‏ ولكن كل ما أطلبه منكم يا ابنتي هو ان تسامحوني‏..‏ سامحوني أرجوكم‏!!‏

كررها سيدي أكثر من مرة‏...‏ سامحوني‏,‏ فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا‏,‏ فمن يسامحك في حق أمي؟‏...‏ فقال وهو يبكي يا ابنتي‏..‏ ياويلي من عذاب الله‏,‏ فلا أدري ماذا أقول لربي عندما يسألني‏,‏ لماذا لم تنفق علي بناتك‏,‏ وقد رزقتك مالا كثيرا‏,‏ لماذا تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن علي أنفسهن؟

..‏ ماذا سأقول لربي إذا سألني لماذا لم تتسلم جثة زوجتك‏,‏ وتدفنها؟‏!‏

أخذته أختي الوسطي بعدها ليعيش معها‏,‏ ولكنها ـ سامحها الله ـ كانت تعطي له العلاج علي معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة‏,‏ وكان أول طعامه هو العيش الناشف فكان يطلب منها ان تبلل له العيش ليستطيع مضغه‏,‏ فكانت تغرق العيش في الماء حتي يتفتت‏,‏ فيلملمه بأصابعه الضعيفة‏,‏ وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك‏,‏ وكانت كلمته التي يرددها دائما أهي أكلة والسلام‏!‏

لا استطيع ان أنسي مشهده‏,‏ سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما‏,‏ فوجدته جالسا عند باب الشقة من الداخل‏,‏ حزينا وخائفا فسألته ماذا جري؟ فأخبرني أنه تبول لا اراديا علي مرتبة السرير وان شقيقتي قد نبهت عليه الا يفعلها مرة أخري‏,‏ بكي بشدة وترجاني ان ارحل به من عندها‏,‏ فأخذته وذهبت به الي اختي الاخري‏,‏ فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة‏,‏ فأنا أعيش منفردة‏,‏ وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته‏,‏ وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات اتركيه يتبهدل عند ولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها‏..‏ أعرف انكم جميعا ستدعون بأن ينتقم الله مني‏,‏ وقد قلتها بالفعل لنفسي‏!!‏

عندما دخلنا علي أختي باغتته بسؤال‏:‏ انت لسه عايش‏,‏ وكمان هتعيش معايا‏!‏ تعلق الرجل في يدي‏,‏ وبكي‏,‏ واستحلفني الا أتركه‏,‏ وأصطحبه معي‏,‏ فأخبرته أنها أيام قليلة‏,‏ ثم يعود إلي حجرته الأصلية‏,‏ تركته سيدي‏,‏ ولكن ظلت نظرة عينيه لا تفارقني دقيقة‏,‏ وهو يتوسل لي ألا أتركه‏,‏ فعدت بعد أسبوع لزيارته‏,‏ فوجدته نائما علي كنبة ببلكونة المنزل‏,‏ وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل‏,‏ ومسحه‏,‏ وكأنه خادمة‏,‏ حتي إن زجاج الشباك أصاب إصبعه‏,‏ فلم تكلف نفسها عناء علاجه‏,‏ وتركته ينزف ويعاني‏!!‏

أمسك بيدي ورجلي‏,‏ وترجاني أن أعود به إلي حجرته‏,‏ ووعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في علاجه‏,‏ أخذته‏,‏ وذهبت به إلي حجرته الصغيرة التي يسكن بها في مدينة طنطا‏,‏ وأعطيت أموالا لشيخ المسجد لكي يقوم علي رعايته‏,‏ ثم سافرت‏,‏ وما إن نزلت في محطة القطار‏,‏ إلا ووجدتني أعود مرة أخري‏,‏ وأستقل القطار العائد إلي طنطا‏,‏ وعندما دخلت عليه انهار في البكاء‏,‏ وقال كنت أعلم أنك ستعودين‏,‏ أنت فقط من أشعر بك‏,‏ استلقيت في حضنه ـ لأول مرة ـ إنه أبي يأخذني في حضنه الدافيء‏,‏ بكيت علي كتفيه‏,‏ غمرت وجهه الدموع‏,‏ ثم سألني‏:‏ هل سامحتيني‏..‏ فرحت في صمت عميق‏,‏ ولكنه ليس علامة عن الرضا‏!!‏

لم أستطع أن أتركه بعد كل ذلك‏,‏ واصطحبته معي إلي شقتي‏,‏ كنت أبحث عن رضا ربي‏,‏ قبل أي شيء‏,‏ علي الرغم من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي مما فعله معنا‏..‏ عشنا معا فترة شعرت فيها ـ لأول مرة ـ بطعم أن يكون لك أب يربت علي كتفيك‏,‏ يحنو عليك‏,‏ كنت أدخل الشقة فأجده واقفا في الشباك ينتظرني‏,‏ ويطمئن علي‏,‏ كان يطلب مني أن آخذه إلي مقبرة والدتي‏,‏ وعندما وقف أمامها‏,‏ بدأ في قراءة القرآن‏,‏ وبكي كثيرا‏,‏ ثم طلب منها أن تسامحه‏,‏ وأن تشفع له عند الله ليسامحه‏.‏

لا أنسي هذه الأوقات التي كان يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل‏,‏ ثم نبدأ في اللعب علي الكمبيوتر‏,‏ لم أعد أحتمل البيت بدونه‏,‏ فقد كان يذهب لزيارة حجرته‏,‏ التي كان يسكن بها‏,‏ فلم أتحمل هذه الساعات‏,‏ وذهبت فورا لإحضاره‏,‏ لا أخفي عليكم سيدي‏,‏ أنه حتي النوم أصبح له طعم في وجوده‏,‏ فكنت أستغرق في النوم‏,‏ وأنا مطمئنة أن أبي معي في المنزل‏,‏ يحرسني بدعواته التي لا تنقطع‏,‏ ربنا يكفيك شر عباده يا بنتي‏!!‏

في هذه الأوقات قررت أن أذهب لقضاء العمرة‏,‏ وعندما أخبرته‏,‏ ضحك‏,‏ وقال‏:‏ أوعي تفقدي الذاكرة‏..‏وبكي‏,‏ وقال لي‏,‏ ومن سيزورني‏,‏ ثم بدأ يوصيني بالدعاء‏,‏ ووعدته بأن أصطحبه معي في المرة القادمة‏,‏ سافرت بعد أن أعطيته تليفونا محمولا لكي أطمئن عليه‏,‏ وبعدها علمت أنه مرض‏,‏ ولم يجد أحدا يدخله المستشفي‏,‏ وبعد أن قضيت عمرة رمضان‏,‏ عدت‏,‏ وأخذته إلي المستشفي‏,‏ كان يعاني في هذه المرة‏,‏ يبتسم كثيرا‏,‏ ويبكي أكثر‏,‏ ويشرد بناظريه أكثر وأكثر‏..‏ وكان يردد دائما‏:‏ تري يا ربي هل خففت عذابك عني‏,‏ تري هل تقبلت دعوتي؟‏..‏ هدأته‏,‏ وقلت له‏:‏ ارحم نفسك‏,‏ ولأول مرة نبض قلبي بالدعاء له‏,‏ أن يشفيه‏,‏ تركته في اليوم التالي‏,‏ وذهبت لعملي‏,‏ وعدت مسرعة بعد أن اتصلت بي الممرضة‏,‏ لتخبرني أنه في غيبوبة‏,‏ فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة‏,‏ ورميت نفسي فوق صدره‏,‏ وبكيت‏,‏ كما لم أبك من قبل‏,‏ وصرخت بأعلي صوتي‏..‏ يارب‏,‏ دعه يشعر بي‏,‏ ولو لحظة واحدة‏,‏ لكي أقول له‏:‏ سامحني‏..‏ سامحني علي كل لحظة عاملتك فيها بجفاء‏,‏ فقد كان كل ذلك رغما عني‏..‏ جلست عند قدميه‏,‏ وقبلتهما‏,‏ ثم قبلت رأسه‏,‏ واستحلفته ألا يتركني‏,‏ وطلبت منه
أن يغفر لي‏,‏ ثم ذهبت لأصلي‏,‏ وما هي إلا لحظات‏,‏ وحضرت الممرضة‏,‏ لتقول لي‏:‏ البقاء لله‏!...‏

رحل أبي‏,‏ ورحت أنا في غيبوبة‏,‏ وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم‏,‏ فدفنه خالي في مقابر العائلة‏,‏ بجوار أمي‏,‏ التي رفض ـ سابقا ـ استلام جثتها‏,‏ وياللقدر ياسيدي‏,‏ فربما تكون قد سامحته هي الأخري‏!‏

الآن سيدي لم أعد أجد من ينتظرني بالمنزل‏,‏ لم يعد هناك من يدعو لي‏,‏ أصبحت أعيش في وحشة الوحدة‏,‏ ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معنا‏..‏ نعم سيدي لقد بدأ انتقام الله معي‏,‏ وأخواتي‏,‏ فقد مرضت بهوس نفسي‏,‏ كنت أقطع هدومي‏,‏ وأجري في الشارع‏,‏ وأصرخ‏,‏ وأبكي‏..‏ أضحك‏,‏ وأرقص‏,‏ ثم أعود لأصرخ‏:‏ أبويا مات‏..‏ ياناس‏,‏ أبويا مات‏!!‏

أما شقيقاتي‏,‏ فسوف أقول لك ماحدث لواحدة منهن فقط‏,‏ وهي التي كانت تطعم أبي العيش الناشف فقد أصابها مرض البهاق في جسدها كله‏,‏ ولم يتحملها أحد‏,‏ حتي أولادها‏,‏ وزوجها‏,‏ وطلبوا مني أن آخذها لتعيش معي‏!!‏

سيدي‏..‏ قل ما شئت لنا‏,‏ فنحن في انتظار كلماتك‏,‏ أيقظ ضمائرنا‏,‏ ولكن قبل ذلك كله مازال لدي سؤال أبحث له عن إجابة‏:‏ هل سامحني أبي؟‏!‏

*‏ سيدتي‏..‏ نعم أتذكرك جيدا‏,‏ فمثل تلك القصة لا يمكن أن تمحي من الذاكرة‏!‏ هل تصدقيني لو قلت لك أني أحكي تلك القصة حتي الآن لكثير ممن ألتقي بهم‏,‏ كما يسألني كثير من الأصدقاء والقراء عن حالة الأب أو بماذا انتهت حكايتكم‏,‏ وها أنت جئت بعد سنوات لتضعي كلمة النهاية‏,‏ ولكن هل انتهت قصتكم أم بدأت؟

سبق وحذرتكم ـ ياعزيزتي ـ من أن المنتقم يرتكب نفس خطيئة المنتقم منه‏,‏ وأن والدكم عندما عاد لم يكن هو هذا الوحش القديم الذي عذبكم وأهان والدتكم‏,‏ بل هو انسان عائد بفطرته الأولي‏,‏ بخيره ومحبته وسلامه‏..‏ نعم نحن بشر ولسنا ملائكة‏,‏ قد نجنح إلي الانتقام‏,‏ ولكن الله سبحانه وتعالي وضع ضوابطه لكبح جماح النفس وتهذيبها‏,‏ فطالبنا بالعفو عند المقدرة‏,‏ ووعد الصابرين والعافين عن الناس بجنات وخير كثير‏,‏ ونهانا عن معصية الوالدين وأمرنا بطاعتهما وألا نقول لهما أف ولا ننهرهما ونصاحبهما في الدنيا معروفا حتي لو كان جهادهما للإشراك به سبحانه وتعالي‏.‏

من عاد إليكن ياسيدتي ليس والدكن قاسي القلب‏,‏ متجرد المشاعر‏,‏ الأناني المتغطرس‏..‏ من عاد هو رجل مسن بائس‏,‏ قادكن العلي القدير إليه لترين انتقامه وليكن درسا لكن تتعلمن منه وتوقن بأنه سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل‏..‏ وبدلا من تأمل قدرة الله وفهم رسالته العظيمة‏,‏ تحرك الوحش في داخلكن‏,‏ واستمتعتن بالشر‏,‏ ووجدتن لذة مرضية في إيذاء رجل عاجز فاقد للذاكرة‏,‏ ليس فيه من والدكن إلا الجسد فبالغتن في إهانته وإذلاله‏,‏ وهو التائب النادم علي أشياء لا يذكرها بل ينكرها علي أي أب‏,‏ يخجل منها ويلتمس لكن العذر في الإساءة إليه‏.‏

سيدتي‏..‏ إنها النفس الأمارة بالسوء‏,‏ التي أخرجت الوحش الكامن فيكن حتي أشقائه‏,‏ خشوا علي ما ورثوه عنه‏,‏ وتجاهلوا أنه حي يرزق‏,‏ وأن ماامتلكوه هو مال حرام سيحرق حتما قلوبهم وأولادهم‏,‏ ولو كنت منهم الآن لتصدقت بكل ما ورثوه علي روحه‏,‏ فعليهم أن يسارعوا بتوبة إلي ربهم لعله سبحانه وتعالي يغفر لهم ويتقبل منهم‏.‏

سيدتي‏..‏ الحمد لله أن ضميرك قد استيقظ قبل رحيل والدك‏,‏ فجعلك تستمتعين بوجوده معك‏,‏ لذا هوني علي نفسك‏,‏ اطلبي المغفرة والتوبة‏,‏ صلي من أجله‏,‏ تصدقي وادعي له بالرحمة‏,‏ وثقي في مغفرة الله فأبواب التوبة مشرعة للتائبين‏,‏ وما يطمئنك أنه مات وهو راض عنك‏,‏ محبا لك‏,‏ ملتمسا كل الأعذار لما فعلته معه من تصرفات لا تليق بأبنة تجاه والدها في مثل هذه الظروف‏.‏

الأزمة الحقيقية ـ ياعزيزتي ـ في شقيقتيك وقلبيهما المتحجرين‏,‏ فقد نقلت لنا ما لحق باحداهما من انتقام إلهي‏,‏ ولم تذكري إذا كانت أفاقت من غفلتها واستقبلت الرسالة الإلهية‏,‏ أم مازال قلبها غلفا ؟‏..‏ لعلها تلحق بنفسها وتستغفر الله وتتوب إليه وكذلك شقيقتك الأخري‏,‏ فانتقام الله قادم لا محالة ومن يقتل الوحش بداخله فقد نجا‏,‏ أما من يستسلم له‏,‏ فلن يجني إلا عذابا في الدنيا والآخرة‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.

حسام هداية
08-25-2011, 04:33 PM
ماكينــة الخياطــة‏!‏


‏السنة 128-العدد 2004 فبراير 27 ‏7 من محرم 1425 هـ الجمعة

هل تذكر هذه الرسالة القصيرة المرفق صورتها والتي نشرتها لي في بريد الأهرام منذ‏22‏ عاما؟ لقد كنت وقتها طالبا بالسنة الثانية بطب الأزهر‏,‏ وشكوت لك من أن المدينة الجامعية رفضت قبولي بحجة أنني لم أكن مقيما بها في السنة الأولي‏,‏ في حين أن إمكاناتي لا تسمح لي بالسكن خارجها لأن نصيبي من معاش أبي لا يزيد علي‏12‏ جنيها واخوتي مثقلون بأعبائهم‏.‏

لقد كان هذا حالي بالفعل‏,‏ فلقد نشأت في أسرة بسيطة مكونة من‏3‏ أشقاء وشقيقتين وكنت الابن قبل الأخير لأبي ـ الذي حرمت منه وأنا في التاسعة من عمري ثم من أمي التي لحقت به بعد‏25‏ يوما كأنما لم تحتمل الحياة من بعده‏..‏ ونشأت في رعاية اخوتي إلي أن حصلت علي الثانوية العامة‏,‏ وجئت من مدينتي بالوجه البحري إلي القاهرة الواسعة لألتحق بطب الأزهر‏..‏ وأقمت أول سنة دراسية مع بعض أبناء بلدتي ثم تفرقوا‏,‏ فتقدمت للمدينة الجامعية للإقامة بها‏,‏ ورفضتني إدارة المدينة للسبب الذي أشرت إليه‏,‏ ولم أجد امامي سوي بابك فشكوت لك ونشرت الشكوي‏,‏ وللأسف لم تستجب إدارة الجامعة لرجائي‏..‏ لكن الرسالة بالرغم من ذلك لم تذهب سدي‏,‏ فقد حققت أثرا آخر لم يخطر في فكري وكان له أثر باهر في حياتي ومستقبلي‏,‏ فلقد تلقيت عقب نشرها خطابا من أحد قراء بريد الأهرام الأفاضل كان يعمل وقتها في الإمارات العربية‏,‏ يقول لي فيها‏:‏ إنه أخ مصري لي يعمل بالإمارات وأنه تأثر كثيرا بحالتي‏,‏ ويرجوني أن أقبل منه هذا المبلغ البسيط وهو شيك بمائة جنيه مرسل علي بنك القاهرة فرع الأزهر كما يرجوني أن ألجأ إليه كلما احتجت إلي شيء إذ إننا جميعا اخوة‏,‏ ولقد رزقه الله الرزق الوفير‏,‏ ثم يخيرني بعد ذلك بين أن يرسل إلي كل عدة شهور مبلغ مائتي جنيه لنفقات الدراسة والكتب‏,‏ أو ان يرسل إلي مبلغا شهريا منتظما قدره ثلاثون جنيها إلي أن انتهي من دراستي‏.‏

فشعرت بأن الله سبحانه وتعالي قد ارسل إلي ملاكا من السماء يأخذ بيدي ويعينني علي تحقيق أحلامي واحلام اسرتي‏,‏ وكتبت إليه أشكره وأدعو له بالخير والصحة والسعادة‏,‏ وابلغه أنني أفضل أسلوب المساعدة الشهرية لكي اضمن موردا يعينني علي الاستمرار في الدراسة‏.‏

وبالفعل بدأ الرجل الفاضل يرسل إلي كل شهر حوالة بمبلغ ثلاثين جنيها بانتظام‏..‏ ويكتب إلي من حين إلي آخر رسائل يشجعني فيها علي الاجتهاد والصبر علي ظروفي‏..‏ ويحرص فيها حرصا شديدا علي ألا يجرح مشاعري أو يشعرني بفضله علي‏..‏ فالتهمت دروسي التهاما لكيلا اتأخر في التخرج ونجحت بفضل هذه المساعدة الكريمة وانتقلت إلي السنة الثالثة ثم الرابعة‏..‏ وفي هذه السنة شعرت بأنني قد اثقلت علي الرجل كثيرا‏,‏ خاصة أنني كنت قد تحدثت عنه إلي زملائي بالكلية فكتب بعضهم إليه يطلبون مساعدته لسوء أحوالهم‏..‏ فلم يخذلهم وارسل إليهم بالفعل مساعدات مشابهة دون أن يشير إلي ذلك في خطاباته إلي‏,‏ وشعرت أنا بالحرج وبأنني قد ورطته في المزيد من الأعباء وكنت قد نجحت في الالتحاق بالمدينة الجامعية‏,‏ فقر قراري علي شيء عزمت علي تنفيذه‏,‏ ولقد نسيت أن اقول لك إنني خلال دراستي في المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية كنت أعمل في ورشة للخياطة لكي اساعد أسرتي علي اعباء الحياة‏,‏ فتعلمت وأجدت خياطة ملابس الرجال والنساء علي السواء فاشتريت بمدخراتي القليلة من مساعدات الرجل الفاضل ماكينة خياطة واحضرتها إلي غرفتي بالمدينة الجامعية التي يشاركني فيها ثلاثة زملاء آ خرين‏..‏ وبدأت اعمل عليها وأفصل البنطلونات لزملائي في الكلية وفي الجامعة وبأجور متهاودة‏,‏ وسبحان الله انني لم اتسبب بالرغم من ذلك في أي ازعاج لزملائي في الغرفة‏..‏ وانهم لم يتضرروا من عملي علي الماكينة وسطهم‏,‏ ولم يشك أحدهم مني لإدارة المدينة‏..‏ بل كانوا أول زبائني وجلبوا لي زملاء لهم لأفصل لهم البنطلونات واغراهم بذلك حسن التفصيل من ناحية‏..‏ ورخص الأجرة من ناحية أخري‏,‏ بل إن المشرفين علي المدينة الجامعية أنفسهم لم يتوانوا عن تشجيعي علي الاستمرار تقديرا لظروفي‏,‏ بعد أن تأكدوا أنني لا أسبب إزعاجا لأحد‏,‏ ونظرت بعد بدء ممارستي للتفصيل بشهر فوجدت في يدي مبلغا يكفي لمطالب حياتي ودراستي‏..‏ وشعرت بأن الوقت قد حان لكي أطلب من الرجل الفاضل أن يتوقف عن إرسال المبلغ الشهري الي بعد ان أصبحت قادرا علي توفير نفقاتي من عائد عملي الي جانب نصيبي من معاش ابي‏..‏ فكتبت إليه أشكره علي ما فعل معي‏..‏ وأرجو أن يعتبر إجمالي المبلغ الذي تلقيته منه دينا علي أسدده إليه حين استطيع ذلك‏,‏ وأؤكد له أنني لن انسي ما حييت ما كان له من فضل في استمراري في الدراسة وفي حياتي‏.‏

واستجاب الرجل لطلبي‏..‏ ولعله وجه مساعدته لي لطالب آخر أكثر حاجة‏,‏ ومضت الأيام وأنا أدرس الطب واستذكر دروسي وأخيط البنطلونات والملابس حتي تخرجت‏..‏ وعملت‏..‏ وبدأت مشوار الحياة العملية‏..‏ وتوقفت عن الخياطة لكي أتمكن من الاستمرار في دراساتي العليا واستقرت أحوالي المادية‏..‏ وتزوجت وأنجبت ورويت لزوجتي ثم أولادي بعد ذلك قصة هذا الرجل الذي مد لي يد المساعدة في أشد فترات حياتي ضيقا‏..‏ وسافرت للعمل في السعودية حيث أقيم الآن‏,‏ وأنعم الله علي بالرزق‏,‏ ورضيت عن نفسي وعن حياتي غير أنه يشغلني الآن شئ شديد الأهمية بالنسبة لي هو‏:‏ أين هذا الرجل الفاضل الكريم الذي أعانني في شدتي منذ‏22‏ عاما؟‏..‏ وكيف أصل إليه‏..‏ ورد بعض دينه علي‏,‏ أنني مهما فعلت فلن استطيع أن أوفيه حقه‏,‏ لكني أريد أن أقدم إليه أو الي أي انسان ينتمي له أو يمت اليه بصلة قرابة جزءا مما أنعم الله به علي وأريد أن أتكفل باستضافته هو ومن معه في السعودية وبجميع نفقات الحج له ولمن يشاء من اسرته‏,‏ فهل تساعدني في العثور عليه وتحقيق هذا الحلم الجديد لي‏,‏ كما ساهم بريد الاهرام من قبل في تحقيق حلمي القديم بالاستمرار في الدراسة‏..‏ لقد كتبت اليك اسمه‏..‏ واسم الشركة التي كان يعمل بها بالإمارات وهي ليونار إلكترو واسمي ورقم تليفوني لتتفضل بالاتصال بي اذا توصلت الي شئ وشكرا لك مقدما‏..‏ وشكرا لكل من يبذر بذور الخير والعطف والنماء في الارض الطيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏






ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

يا إلهي‏..‏ ما أسرع ما تجري أمور الحياة‏!‏ فلكأني أكاد أتذكرك وأتذكر رسالتك القصيرة التي كان لها هذا الأثر في حياتك‏!‏
فأما الرجل الكريم فهو يعرف نفسه ولعله يتذكرك فيمن يتذكر ممن مد اليهم يد العون ذات يوم‏,‏ ولعله يتفضل بالكتابة الي أو الاتصال بي ليعطيني عنوانه أو رقم تليفونه لأرسله اليك‏,‏ فتتواصل معه من جديد وتعبر له عن عرفانك بجميله وامتنانك له؟

أن كثيرين يتحرجون من الاشارة الي ما قدمت ايديهم وماتلقوا الشكر عليه‏,‏ لكن العرفان علي الناحية الأخري فضيلة من أقدس الفضائل‏,‏ والشكر علي المنة والاقرار بفضل صاحبها من سمات الأصلاء والأوفياء‏.‏
ولقد حدث أن أصر بعض أهل الفضل علي تكريم شيخ جليل بالرغم من تحرجه من هذا التكريم‏,‏ وتباري الحاضرون في الإشادة بفضله وعلمه وصلاحه ومواقفه الكريمة‏,‏ ثم طلبوا منه أن يلقي كلمة فنهض محرجا وقال‏:‏ جاء في الأثر‏:‏ احثوا في وجوه المداحين التراب‏!‏وسكت للحظات‏,‏ بهت خلالها الحاضرون واستشعروا الحرج ثم قال‏:‏ غير أنه جاء في الأثر أيضا‏:‏ أن المؤمن اذا مدح في وجهه ربا الايمان في قلبه‏,‏ وبهذا المعني فإني اتقبل تكريمكم وأشكركم عليه وأذكركم بما قاله ابن عطاء الله السكندري من انه‏:‏ من مدحك فانما مدح مواهب الله فيك‏..‏ فالشكر لمن وهب وليس لمن وهب له فانفرجت اسارير الحاضرين‏..‏ وصفقوا بحرارة للشيخ الجليل‏.‏

وهذا صحيح‏..‏ فالإنسان اذا استشعر حسن ظن الآخرين به وإشادتهم به‏,‏ أحب ان يستزيد من الفضائل والأعمال التي استوجبت مدحه والإقرار بفضله وهذا هو المقصود بزيادة الإيمان في قلبه‏.‏
كما أنها حقيقة نفسية اكدها علم النفس الحديث بعد‏1400‏ سنة حين قال علماء النفس إن الانسان يميل دائما لأن يكون عند حسن ظن الآخرين به‏..‏ وإنك اذا أشعرت إنسانا ما بأنه أمين وأهل للثقة وعلي خلق كريم ويستحق الإعجاب‏,‏ فانه قد يراجع نفسه عدة مرات قبل أن يقترف ما يخدش هذه الصورة المثالية لديك‏..‏ ولقد يتوقف تدريجيا عما يتناقض معها من سلوكيات علي مدي الأيام‏..‏ حتي يصير بالفعل أمينا وأهلا للثقة‏.‏

ولأن الشكر هو الحفاظ للنعم‏,‏ فإنك تسعي للتواصل مع هذا الرجل الفاضل الذي أعانك علي أمرك في أشد فترات حياتك احتياجا للمساعدة‏,‏ وبمنطق مدح المؤمن في وجهه ينبغي له هو أن يتقبل شكرك وعرفانك ومحاولتك لرد بعض دينه اليه‏..‏ فلا يتواري وراء ستار التحرج والخجل‏,‏ ولا يبخل عليك بهذا الفضل الجديد ان شاء الله‏,‏ خاصة أنك انسان تستحق الإشادة والإعجاب لكفاحك الشريف في الحياة ولتعففك عن الاستنامة الي الاعتماد علي مساعدته الشهرية الي ما لا نهاية‏,‏ فلقد سعيت الي الرزق الشريف وانت طالب طب مثقل بأعباء الدراسة والحياة‏..‏ ونجحت في الاعتماد علي نفسك والاستغناء عن مساعدته في الوقت المناسب‏..‏ واحسب ان اللحظة التي كتبت اليه فيها تشكره علي فضله وتطلب منه التوقف عن إرسال المساعدة الشهرية كانت لحظة فارقة في حياتك وانها قد عمقت احترام هذا الرجل لك ولكفاحك واشعرته بأنه قد وجه مساعدته لمن كان يستحقها بالفعل‏,‏ غير أنك تستطيع ان تعبر عن عرفانك له بطريق آخر الي جانب استضافته هو أو بعض أفراد اسرته ودعوته للحج علي نفقتك‏,‏و لعلك تكون قد بدأت هذا الطريق تلقائيا منذ أن استقرت احوالك وأجزل الله سبحانه وتعالي لك العطاء وهو أن تكرر سيرة هذا الرجل معك في محنتك السابقة‏,‏ مع طالب آخر أو أكثر فتعينه علي أمره‏..‏ كما أعانك هو من قبل علي أمرك وتعيد اليه الأمل في الحياة والمستقبل‏..‏ كما أحيا هذا الأمل في قلبك فهكذا يتواصل غرس بذور الخير والحب والنماء الي ما لا نهاية‏.‏

وهكذا تتأكد بفضل الفضلاء من امثال هذا الرجل وأمثالك خيرية الحياة‏.‏
أنني أترقب أن يكتب ألي هذا الرجل الفاضل أو يتصل بي‏,‏ وأرجو أن أتمكن من تحقيق التواصل بينكما خلال وقت قريب بإذن الله‏.‏









42823 ‏السنة 128-العدد 2004 مارس 5 ‏14 من محرم 1425 هـ الجمعة

ماكينة الخياطة

إلي الطبيب كاتب رسالة ماكينة الخياطة في الطريق إليك خطاب مني يحمل رقم تليفون الرجل الكريم الذي وقف بجانبك خلال مرحلة الدراسة‏,‏ فلقد اتصل بـ بريد الأهرام رجل فاضل قال إنه ابن هذا الشخص‏,‏ وأنه قرأ رسالتك وتشكك في أن يكون والده هو المقصود بها‏.‏ فاتصل به حيث يقيم‏,‏ وسأله عما يعتقده فحاول كعادة الفضلاء في إنكار الذات ألا يجيب علي السؤال‏,‏ ثم تحت ضغط الابن اعترف بأنه فعلا ذلك الرجل‏,‏ ولقد تبين أنه مازال مقيما بالإمارات حتي الآن أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والسعادة‏.‏
وشكرا للابن الفاضل الذي اهتم بالاتصال بنا وإبلاغنا بهذه المعلومات

حسام هداية
08-25-2011, 04:46 PM
رحلة الأيام

بـريــد الأهــرام
السنة 127-العدد 42788
30 يناير 2004

‏8 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أنا رجل من الخامسة والأربعين من العمر‏,‏ نشأت في أسرة متوسطة بين أمي التي نهضت بمسئوليتي بعد وفاة أبي وأنا طفل صغير‏,‏ وثلاث شقيقات ولقد مضت بنا رحلة الأيام وتخرجت في كلية العلوم وبدأت اخطط لحياتي ولتحقيق نجاحي في الحياة العملية‏..‏ فكان أول ما فعلت هو أن تزوجت من فتاة من أسرة ثرية تكبرني بخمس سنوات‏,‏ تعرفت عليها خلال دراستي الجامعية لأنها كانت كثيرة الرسوب حتي ادركتها وهي لم تتخرج بعد‏..‏ وشعرت بأن زواجي منها سيفتح لي أبواب النجاح والثراء‏,‏ وبالفعل فقد كان اهلها كرماء معي وعرضوا علي وظيفة ذات مرتب عال لكني اعتذرت كيلا أكون تحت وصايتهم‏,‏ وعملت في إحدي الهيئات وبدأت أتطلع لممارسة العمل التجاري الحر إلي جانب الوظيفة‏,‏ وجمعت مبلغا مقبولا من المال يمكن أن يصلح كبداية للعمل‏,‏ كان حصيلة ما ادخرته واقترضته من أمي‏.‏ كما حصلت علي جزء منه من زوجتي‏,‏ ثم قدمته إلي شخص كان يمارس التجارة وكان يهتم بأمري ويمد لي يد العون‏,‏ فرحب بمشاركتي له بهذا المبلغ البسيط وأفسح لي المجال للعمل معه وتعلم أسرار التجارة والسوق‏.‏


وواصلت العمل معه أو من خلاله بحماس شديد‏,‏ ونفذت بعض العمليات التجارية لحسابي الخاص‏..‏ فبدأت احوالي المادية في التحسن‏.‏



وعاما بعد عام أصبح هذا النشاط التجاري هو عملي الأساسي‏..‏ وتفرغت له وحققت نجاحا ماديا كبيرا‏,‏ فاشتريت لنفسي سيارة بدلا من اعتمادي علي سيارة زوجتي‏,‏ واشتريت لنفسي شقة ممتازة بدلا من الإقامة في شقة زوجتي وانتقلت إليها مع ابنتي وزوجتي‏.‏


وأغراني النجاح والطموح فأردت أن تكون لي شركتي الخاصة‏,‏ وأن اتوقف عن العمل تحت مظلة شركة ذلك الإنسان الذي مد لي يد العون في البداية‏,‏ ونفذت قراري برغم محاولته اثنائي عنه‏,‏ وأسست شركتي وجاء وقت الانفصال عن شريكي القديم فتركته وأخذت معي معظم أعمال الشركة القديمة‏..‏ ولم أتأثر برجائه الحار لي أن اترك له بعض هذه الأعمال كيلا تتعثر أعماله هو بعد انفصالي عنه‏,‏ وانتابني الجحود تجاهه بشكل غريب‏,‏ ولم اشعر بأي تعاطف معه‏..‏ حتي وهو يودعني نادبا وقائلا‏:‏ حسبي الله ونعم الوكيل‏!.‏



وبدأت العمل في شركتي الخاصة بحذر ولازمني التوفيق فتوسعت في أعمالها شيئا فشيئا‏,‏ حتي افتتحت فرعا آخر لها‏,‏ وتدفق الربح علي فشعرت بأنني قد ملكت الدنيا وما عليها‏..‏ ولاحظت خلال ذلك أنني قد أصبحت عدوانيا وسليط اللسان بشكل غريب‏,‏ وأنه لا يكاد ينجو من لساني أحد ابتداء من زوجتي إلي موظفي الشركة‏.‏ كأني لا أطيق نجاحي وأريد أن أعبر عنه بالعدوان علي الآخرين‏..‏


ولم لا أفعل وقد أصبحت ثريا ولدي الخدم والحشم وفيلا وسيارات‏..‏ إلخ وفي غمرة نجاحي هذا فوجئت بابنتي الكبري تشكو من آلام لا تحتمل‏,‏ وهرولت بها إلي الطبيب فبدأنا دورة الفحوص والأشعات التي انتهت بالحقيقة المرة وهي إصابة ابنتي الحبيبة بالمرض العضال‏.‏



واجريت لها جراحة عاجلة واصطحبتها بعد الجراحة إلي الخارج لإجراء فحوص جديدة‏,‏ فتبين منها للأسف أن المرض مازال كامنا في جسمها‏,‏ وخضعت الابنة للعلاج الرهيب‏,‏ وعشت أسود أيام حياتي وأنا اري أثر هذا العلاج القاسي علي ابنتي وهيئتها‏,‏ ثم ادركتها رحمة الله سريعا فأراحتها من عذابها‏..‏ ورحلت عن الحياة وتركتني أتساءل ما قيمة أي شيء في الحياة إذا حرم الإنسان من أحب البشر إليه؟‏..‏ وماذا صنع لي المال الذي كدحت طوال السنين لجمعه‏..‏ هل حمي ابنتي من المرض؟‏..‏ هل خفف عنها الألم؟ هل أبعد عنها شبح القضاء المحتوم؟‏..‏


وبعد فترة اكتئاب شديد عدت للعمل من جديد وشغلت نفسي به ودفنت احزاني فيه‏..‏ وأصبحت اقضي معظم ساعات اليوم في مكتبي حتي بدأت جراحي تندمل تدريجيا‏..‏ وبدأت الأحزان تهدأ وإن كانت لا تموت‏,‏ ومضي عامان علي غياب ابنتي الكبري ثم لاحظت فجأة أن زوجتي وابنتي الأخري تخرجان معا في المساء كثيرا وتترددان علي عيادات الأطباء‏,‏ مرة بدعوي فحص الأم‏,‏ ومرة بدعوي فحص الابنة‏,‏ كما لاحظت علامات الإعياء علي وجه ابنتي‏,‏ وأحسست بشيء يجري في السر ولا أعلم به‏.‏ وسألت زوجتي عما يجري فإذا بها بعد تردد طويل تصارحني بأن ابنتنا الأخري قد أصيبت بنفس المرض العضال الذي أودي بحياة اختها‏,‏ وتقول لي‏:‏ إنها حاولت بقدر الإمكان تأجيل علمي بالخبر إشفاقا علي‏,‏ ولم اسمع بقية كلماتها لأني سقطت مغشيا علي ونقلت إلي المستشفي‏.‏



وفي المستشفي زارني كثيرون‏..‏ وفوجئت بزيارة شريكي القديم لي وكانت أول مرة آراه فيها منذ عشر سنوات‏,‏ وتوجست لحظات من أن يكون قد جاء شامتا في‏,‏ لكني لاحظت صفاء نيته‏,‏ كما لاحظت أيضا سوء أحواله المادية من مظهره وحديثه‏,‏ وبعد حديث المجاملة المألوف‏..‏ وجدتني فجأة أطلب منه السماح والعفو عما فعلت معه‏..‏ وعن مقاطعتي له طوال السنوات السابقة ونسياني أو جحودي لفضله علي في بداية حياتي‏,‏ وإذا بالرجل يقول لي في سماحة إنه قد فوض أمره إلي الله فيما حدث بيننا منذ زمن طويل‏,‏ وأن كل شئ نصيب‏..‏ والأرزاق دائما بيد الله وحده‏,‏ وشعرت بالارتياح بعض الشئ بعد أن تركني‏..‏ وغادرت المستشفي بعد بضعة أيام واصطحبت زوجتي وابنتي في رحلة إلي الخارج لإجراء المزيد من الفحوص والتحليلات‏.‏


ولكن الخوف استقر في أعماقي وأصبحت كثير البكاء‏..‏ ودائم التفكير في حال شريكي السابق وأطلب من الله العلي القدير أن يسامحني كل من ظلمته خلال رحلة العمل والطموح في مال أو في قول‏,‏ وأن يدعو الله وتدعو أنت وقراؤك لابنتي الكبري بالرحمة وللصغري بالشفاء والنجاة من الوحش الذي يترصدها‏.‏



إنني أخرج زكاتي كاملة وأتصدق كثيرا‏,‏ وأعول بعض الأيتام‏,‏ وأرجو أن يشفع ذلك لابنتي في مرضها ولي في محنتي‏,‏ كما أرجو أيضا أن تسامحني زوجتي من كل ما بدر مني تجاهها خلال رحلة العمر فهل يتقبل الله سبحانه وتعالي مني؟‏..‏


وهل هناك ما أستطيع أن أفعله لكي يعفو الله سبحانه وتعالي عني‏,‏ ويترفق بي‏..‏ وابنتي؟‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


نعم يا سيدي هناك ما تستطيع أن تفعله أكثر مما فعلت قربي إلي الله سبحانه وتعالي‏,‏ عسي أن يحفظ عليك ابنتك‏,‏ ويخفف عنك أحزانك وآلامك ويحقق لك السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة‏..‏ تستطيع أن تعين شريكك القديم علي تحسين أحواله المادية التي تدهورت بانسحابك من عملكما المشترك مستوليا علي معظم أعمال الشركة القديمة‏,‏ وتاركا إياه للتعثر ومواجهة الصعاب‏..‏ فتستطيع إن شئت أن تعينه علي النهوض مرة أخري‏,‏ كما أعانك هو في بداية حياتك العملية‏,‏ وتستطيع أن تشاركه بجزء من مالك فتوفر له فرص الكسب والعمل واستعادة النشاط دون أن تخسر شيئا‏..‏ أو دون أن تخسر الشئ الكثير في أسوأ الأحوال‏,‏ وها قد علمتك رحلة الأيام بالدروس المؤلمة أنه لا قيمة للمال في حد ذاته إذا كان الإنسان مؤرق الضمير معذبا‏,‏ ولا أمان للأيام إن لم يتسلح المرء لها بالعدل مع الجميع‏..‏ واجتناب الظلم وإيلام الآخرين والعدوان علي حقوقهم‏,‏ وبالأعمال الصالحات التي يرجو بها المرء وجه ربه ويتشفع بها لديه في أن تحميه من غوائل الأيام‏.‏


لقد وضعت أقدامك علي هذا الطريق بعد رحيل ابنتك الغالية رحمها الله وعوضها عن شبابها في جنات النعيم إن شاء الله‏..,‏ ولم يبق إلا أن تواصله حتي النهاية بإذن الله مرددا قول الخليفة المعتصم في مرضه الأخير‏:‏ اللهم أنك تعلم أنني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك‏,‏ وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي‏.‏



كما تستطيع أيضا أن تراجع مشوار حياتك العملية وتتحري أن كان ثمة من ظلمته أو بخست حقه أو أسأت إليه عامدا متعمدا فتصلح ما فعلت‏,‏ وترد الحقوق لأصحابها ولو بطريق غير مباشر كنوع من التعويض والتكفير عن نثار الطريق الذي أصاب بعض العيون بالأذي خلال انطلاق جواد الطموح الجامح إلي أهدافه‏.‏ إننا جميعا نحتاج إلي هذه الوقفة مع النفس من حين لآخر‏,‏ لكي ننقي الثوب من أدرانه السابقة‏,‏ ونواصل الرحلة بضمير غير مثقل بالذنوب‏,‏ وأنه لتشتد حاجتنا إلي مثل هذه المراجعة كلما كابدنا أحزان الحياة وآلامها‏,‏ وكلما تعاملنا مع همومها الحقيقية‏.‏


أما ابنتك الصغري فلسوف يحفظها الله سبحانه وتعالي عليك بقدرته وهو جل شأنه من أمره بين الكاف والنون‏..‏ وأما زوجتك وشريكة رحلتك فلقد سامحتك بالفعل علي كل ما بدر منك تجاهها‏,‏ لأن الألم مطهر للنفوس الخيرة‏,‏ ولقد كابدت محنة الثكل أعانها الله علي تحملها ورفع بها من درجاتها فليس لأي شئ آخر قيمة تستحق أن تحزن من أجلها‏,‏ وأما رحلة الأيام فستمضي بك وبأسرتك في أمان وسلام بإذن الله ولسوف تسعد باكتمال شفاء ابنتك الغالية واستوائها يوما بعد يوم وردة زاهية تنجب لك الأحفاد وتملأ حياتك بعطر الحب ودفء القلوب إن شاء الله‏.‏



فواصل الطريق الذي بدأته ياسيدي‏,‏ واسترجع دائما الدعاء الذي قيل إن بعض الصحابة قد سمع رجلا غريبا يردده في المسجد النبوي‏,‏ ووصفوه للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه‏,‏ فقال ما معناه‏:‏ هذا أخي جبريل‏..,‏ وهو‏:‏ اللهم اغفر لي مامضي من ذنوبي‏..‏ واعصمني فيما بقي لي من عمري‏,‏ وارزقني أعمالا زاكية ترضي بها عني‏.‏


وما أحوجنا جميعا إلي ترديد هذا الدعاء كل حين وإلي العمل به‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 04:47 PM
ثــــورة البركــان

بـريــد الأهــرام
42788
‏السنة 127-العدد
2004
يناير
30
‏8 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أرجو ان يتسع صدركم لمشاركتي مشكلتي العائلية‏,‏ وان تساعدوني برأيكم فيما أعانيه في حياتي‏,‏ فأنا طبيب أبلغ من العمر‏54‏ عاما وقد نشأت في أسرة فقيرة جدا‏,‏ وتوفي والدي العامل بإحدي المؤسسات الحكومية وانا في الخامسة عشرة بعد صراع مرير مع المرض‏,‏ وتولت والدتي تربيتي وشقيقاتي البنات الثلاث حتي أتممنا دراستنا الجامعية‏,‏ ولا يخفي عليكم كم عانت والدتي وهي تواجه الحياة ونفقات تعليمنا بمعاش ابي الهزيل‏,‏ وفي عامي الأخير بالكلية تعرفت علي زميلة لي لها نفس ظروفي الاجتماعية وحظها من الجمال بسيط‏,‏ وجمعنا الفقر والمعاناة فأحببنا بعضنا واصبحنا لا نفترق‏,‏ وعرفتها بأسرتي واستقبلوها بترحاب وفرحة‏,‏ ولكن اهلها رفضوا بشدة مبدأ ان تتزوج ابنتهم انسانا فقيرا‏,‏ غير أننا اصررنا علي الزواج وتم زواجنا بالفعل علي أسنة الرماح واقمنا في سكن حكومي بالوحدة الصحية التي عملنا بها وكان كل جهازنا في بيت الزوجية دستة اطباق ودستة ملاعق وملاءتين للسرير فقط ومع ذلك فلقد كنا في منتهي السعادة‏.‏


وبعد عام واحد من الزواج اكتشفت ان زوجتي التي اكن لها حبا عظيما ليست إلا قنبلة موقوتة او بركانا قابلا للثورة في اي وقت وأمام أي شخص ولأتفه الأسباب‏,‏ ويرمي بحممه في كل الاتجاهات دون أي محاذير أو ضوابط‏,‏ ولقد انفجر هذا البركان حتي أمام امي وشقيقاتي اكثر من مرة فساءت العلاقة بينهن واصبحت امي وشقيقاتي هن الهدف الرئيسي لحمم البركان حتي ولو كانت ثورة البركان لأي سبب آخر لا علاقة لأسرتي به‏.‏



وبعد نحو أربع سنوات من زواجنا حصلنا علي عقد عمل باحدي الدول العربية وبدأت حالتنا المالية تتحسن ورزقنا الله بولد وبنت‏,‏ حاولنا تربيتهما أفضل تربية‏,‏ ولكن كان هناك دائما اختلاف في وجهات نظرنا تجاه تربية الأولاد‏.‏ فأنا أومن بأهمية الشدة والحزم معهما احيانا اذا تتطلب الأمر ذلك وهي تؤمن بحرية الأولاد المطلقة وبأنه لا مكان علي الإطلاق للشدة والحزم‏,‏ وخوفا من ثورة البركان فقد كنت اتنازل لها عن كل شيء يتعلق بتربية الابناء وكانت النتيجة ان الابن الكبير ضحي باحدي كليات القمة للالتحاق بأحد المعاهد الفنية‏,‏ ولم اعترض بل باركت ما فعل‏,‏ ومع ذلك فهو متعثر في دراسته و أدمن شرب الخمور أما الابنة فإنها عنيدة بشكل رهيب وورثت طبع أمها البركاني تجاه كل الناس‏,‏ ففقدت القدرة علي تكوين صداقات‏,‏ ومرت بنا سنوات العمر علي نفس المنوال‏..‏ ثورات بركانية رهيبة لا تبقي ولا تذر لأي اختلاف بسيط في وجهات النظر‏,‏ ولا أخفي سرا انني في بداية زواجنا كنت أتفاعل مع هذه الثورات حتي مددت يدي عليها مرتين أو ثلاثا دفاعا عن نفسي ولمنع ايذائها البدني لي أو نتيجة لاستثارتها وإهانتها الشديدة الشديدة لي ولأهلي بلا أي سبب‏,‏ وكانت بعد كل ثورة بركانية منها أو بعد كل انفجار قاتل تقوم بمنتهي العذوبة بمحاولة مصالحتي‏,‏ ومرات أرفض التصالح واترك المنزل لعدة أيام وأقيم في منزل والدتي حتي تصفو نفسي‏,‏ وفي أحيان أخري كنت اقابل مصالحتها لي بأحسن منها‏.‏



وبعد ان تحسنت حالتنا المالية قمت بشراء شقة فخمة في احد احياء القاهرة الراقية بدلا عن الشقة المتوسطة باحدي المدن بمحافظتها‏,‏ واصرت زوجتي علي كتابة الشقة الفاخرة باسمها ووافقت في الحال وحين اشترينا بعد ذلك فيلا صغيرة في احدي المدن الجديدة اصرت علي كتابة نصفها باسمها ووافقت كذلك دون اي مناقشة‏,‏ كما أصرت ايضا علي ان تكون السيارتان باسمها وكذلك الأموال السائلة ولم اعارض لأني علي علم أن حبنا مازال قائما رغم كل ما نعانيه‏,‏ ولأنه لا رغبة عندي في الثروة او التملك فكل ما أجمعه من ثروة هدفه الوحيد اسعاد ابنائي بعد مماتي‏.‏



وهكذا مضت حياتنا طوال الأعوام السبعة والعشرين وفي كل مرة كانت تنفجر فيها كانت تعيد علي مسامعي كل ما حدث مني تجاهها في الماضي‏,‏ مكررة في كل مرة أنني قد اعتديت عليها بالضرب ذات يوم منذ عشرين عاما ولا تذكر سبب اعتدائي عليها‏,‏ وتقوم خلال انفجارها بسبي بأبشع الألفاظ وكذلك سب شقيقاتي وأمي رحمها الله‏,‏ ومنذ‏15‏ عاما اصبحت لا اتفاعل علي الإطلاق مع انفجارها وإنما اغادر المنزل لفترة قصيرة وأعود حين تهدأ أعصابها أو أغلق علي نفسي احدي الحجرات أو أقوم بوضع قطعة القطن في اذني حتي لا أسمع ما تقول‏,‏ وفي كل انفجاراتها طوال‏27‏ عاما كانت تصر علي ان تكون فضيحتنا علي الملأ وتقوم بفتح كل النوافذ علي مصراعيها‏,‏ وحين أقوم بإغلاقها تفتحها مرة أخري‏,‏ وتقف بالنافذة وتصرخ وتسب بكل ما أوتيت من قدرة علي الصراخ حتي اصبحت سيرتنا علي ألسنة الجيران‏,‏ في الحي الراقي الذي نسكنه‏,‏ وكل هذا وانا لا أرد بكلمة واحدة حتي لا تزداد ثورة وعنفا‏,‏ غير أن ما حدث في الانفجار الأخير للبركان لم يخطر لي علي بال أو فكر أو توقع من قبل‏,‏ فقد كنا قبل امتحانات الأولاد بحوالي‏3‏ أسابيع وكان المفروض انه بعد اسبوع بالضبط سوف نستقبل أحد الشباب مع أهله لطلب يد ابنتي وهو شاب ممتاز يعمل في مهنة مرموقة ويشهد له الجميع بمستقبل باهر في مهنته‏,‏ ولقد قابلني وزوجتي واتفقنا معه علي حضوره مع اهله لإتمام الاجراءات المعروفة وتحديد موعد لخطبة ابنتنا له‏,‏ ولكن قبل‏7‏ أيام فقط من هذا الموعد وكان يوم جمعة صحت زوجتي من نومها متعكرة المزاج وبدأت الأبخرة والغازات التي تسبق الانفجار في التصاعد بشكل سريع جدا وبدون أي اسباب علي الإطلاق وجاءت لحظة الانفجار الرهيب حين رأت ابنتنا تتصفح الجريدة اليومية فانفجرت فيها متهمة إياها بأنها تشبه اباها في اضاعة وقتها في قراءة الجرائد والكتب‏,‏ ثم بدأت الحمم في التناثر في كل اتجاه وأصابت كالعادة شقيقاتي وأمي رحمها الله‏,‏ ونالتي من الحمم أكثرها إيلاما مع ذكر كل ما مرت به من مآس وصعاب خلال رحلة الأعوام السبعة والعشرين وانتابتها حالة هياج عصبي شديد‏,‏ وأنا لا أقوم سوي بمحاولة تهدئتها مذكرا إياها بالعشرة والحب‏,‏ طالبا منها أن تتقي الله في نفسها قبل اتقائه فينا‏..‏ فما كان منها إلا أن ألقت بالقنبلة القاتلة في وجهي خلال هياجها فقالت لي أمام ابنائنا انها كانت تخونني في كل مرة كانت تحس فيها بالإهانة ولما لم أصدق أذني كررت نفس الكلام أمام ابننا البالغ من العمر‏23‏ عاما وابنتنا البالغة من العمر‏20‏ عاما وأسقط في يدي ولم ادر ماذا أفعل كرد فعل لما تقوله وأصابني الذهول مما اسمع حيث كنت أتوقع منها أي شيء إلا هذا‏,‏ خاصة وانني لم أشك لحظة واحدة طوال سنوات زواجنا في أي سلوك من جانبها‏,‏ فضلا عن انها علي درجة كبيرة من التدين وتؤدي كل فرائض دينها وتفعل الخير الكثير للآخرين‏..‏ وبعد أن عدت إلي تفكيري المنطقي بعد لحظات الذهول الأولي ادركت انها محاولة منها لإيلامي كعادتها في كل مرة‏,‏ ولكن هذه المرة كانت مدمرة‏,‏ ودخلت غرفتي لترتيب افكاري والوصول إلي قرار بشأن ما قالته‏..‏ ثم استقر رأيي علي إبلاغ أخواتها بما حدث منها واستدعائهم من المحافظات البعيدة التي يسكنون فيها لمحاولة معرفة أسباب قولها الخطير هذا‏,‏ وبعد نحو نصف ساعة اتصلت بها احدي شقيقاتها تليفونيا تستفسر منها عما حدث وتوصيها بتقوي الله في نفسها واسرتها‏,‏ وفوجئت بردها علي أختها وكنت بالمصادفة موجودا أثناء المحادثة فقد قالت لاختها أنها لا تدري كم مرة طاوعت الشيطان وكم مرة قاومته‏.‏ وهنا وسوس الشيطان لي إنها قد تكون صادقة فيما قالت بالرغم من استبعادي لهذا الفعل منها‏,‏ وحضرت أخواتها وحاولن إفهامي انها كانت تغيظني


فقط بهذا القول وجئن بها أمامي وقالت إنها لم تكن تعني ما قالته‏,‏ ولكن كل هذا لم يجد نفعا معي فقد ركبني الشيطان وتملكتني الوساوس‏,‏ وفي محاولة مني لوضع حد لهذا العذاب فقد طلبت منها أمام أخواتها أن تقسم علي كتاب الله بأن كل ما قالته كان غير حقيقي ولكنها رفضت نهائيا القسم بحجة أن في هذا اهانة لها وان القسم معناه أنني أشك فيها‏,‏ وهذا أمر مرفوض فأصررت علي موقفي‏,‏ فما كان منها إلا أن غادرت المنزل إلي منزل آخر لنا ومعها الأبناء‏,‏ وبعد ذلك حاولت استرضائي كعادتها بعد كل انفجار بركان‏,‏ لكنني رفضت تماما إلا إذا أقسمت بأن كل كلامها كان غير صحيح ومازالت ترفض القسم حتي الآن‏.‏


إنني أعتقد إلي حد كبير أنها لم تكن تعني ما تقول ولكن تلك الوساوس تتملكني وانا علي ثقة تامة بأنها لن تقسم علي كتاب الله كذبا‏,‏ وأنا الآن في حالة يرثي لها من حيث شكوكي فيها وضاقت السبل أمامي وأصبحت أعتقد أن الحياة لا تستحق أن نعيشها‏,‏ حيث إن كل أمالي في أسرة هادئة سعيدة ناجحة لم يتحقق أي شئ منها بسبب تعنت زوجتي وعواصفها البركانية‏..‏ لقد تحملت كل انفجاراتها طوال‏27‏ عاما‏,‏ فهل يكون جزائي بعد كل ذلك هو ايلامي بهذا الشكل‏,‏ وهل هذا جزاء الوفاء والإخلاص والتفاني والتحمل؟ انها الآن تطلب الطلاق لأني أشك فيها بعد ما قالته وبسبب اصراري علي أن تقسم بالله وأنا لا اتخيل بيتي محطما خاصة ان الطلاق سوف يؤدي الي ضياع مستقبل الأولاد خصوصا مع تعثر ابني في دراسته وأيضا إبنتي الأن في سن الزواج‏,‏ فكيف يكون موقفها أمام خطيبها اذا حدث الطلاق بين ابيها وامها بعد‏27‏ عاما من الزواج ارجو ان تساعدني في التفكير واتخاذ القرار مع عظيم شكري وتقديري لك مقدما‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


قد يكون لزوجتك بعض الحق في أن تغضب لكرامتها وتستشعر الإهانة‏,‏ إذا كنت قد بادرتها بالشك في وفائها لك دون آية شواهد يمكن أن تثير مثل هذه الشكوك‏,‏ أما أن تعلن هي علي رءوس الأشهاد وأمام أبنها الشاب‏,‏ وهي في قمة ثورتها البركانية أنها كانت تخونك كلما شعرت بالإهانة من جانبك لها‏,‏ وتتعلل بعد ذلك بأنها لم تكن تعني ما تقول‏,‏ وتدافع عنها شقيقاتها بانها كانت تقصد إيلامك وإغاظتك في حمأة استسلامها لشياطين الغضب‏,‏ وترفض هي أن تطمئن خواطرك بالقسم علي كتاب الله علي كذب ما ادعته علي نفسها‏,‏ ثم تغضب بعد كل ذلك لأن طائفا من الشك في إخلاصها قد ألم بك؟ فهذا مالم اسمع به من قبل ومالم أتعامل معه علي كثرة ما تعاملت مع هموم البشر‏,‏ وعرفت ولمست من غرائب النفس البشرية‏!‏


فالمرأة السوية اذا استسلمت مرة لشياطين الغضب قد تحاول إيلام زوجها بأي وسيلة إلا أن تقترب‏,‏ وهي في قمة غضبها من المنطقة المحرمة‏,‏ وهي منطقة الشرف‏..‏ شرفها هي أولا ثم شرف زوجها من بعدها‏,‏ ولقد تدين نفسها بكل سبة‏,‏ لكنها وأبدا لايمس شرفها وشرف زوجها علي هذا النحو الذي يكشف عن طبيعة سادية شديدة القسوة‏.‏



أما غضبها بعد ذلك لمجرد استسلامك لبعض وساوس الشك في أن يكون ما صرحت به في عنفوان ثورتها عليك صحيحا‏,‏ وليس كما تقول شقيقاتها فليس إلا نوعا من التجبر والكبرياء الجوفاء التي لا سند لها من الواقع والحقيقة‏.‏


ولو كان لدي زوجتك أي قدر من الحكمة لأدركت أنها قد أخطأت بما قالت خطأ لاتغسله مياه البحر‏,‏ ولا يجدي شئ في تبريره حتي ولو كانت الرغبة السادية في الإيذاء النفسي لزوجها‏.‏



بل ولأدركت كذلك أن من حقك أن تتردد بعض الوقت بين تصديق ما صرحت به عن نفسها‏,‏ وبين الاقتناع بأنه ليس سوي حلقة جديدة ولكن مبتكرة في محاولة إيلامه وجرح كرامته وإشعاره بالهوان معها ولعرفت كذلك انك لو لم تفعل ذلك وتفكر في هذا الأمر بجدية لكنت مفرطا في كرامتك كرجل وكزوج‏,‏ ولنهضت لإزالة أسباب هذا الشك من نفسك بكل الحيل ولو تطلب الأمر أن تقسم علي مصاحف الدنيا كلها‏,‏ ليس فقط تهدئة لخواطرك‏,‏ وإنما أيضا صيانة لشرفها وكرامتها‏,‏ واستردادا لاعتبارها أمام ابنها الشاب الذي أصابت كرامته في مقتل بهذا التصريح الشائن‏.‏


والحق أنني لا أري فيما حدث‏,‏ سواء كانت صادقة أو كاذبة فيما ادعته علي نفسها‏,‏ الا فصلا جديدا من فصول القهر النفسي التي تعيشها معها منذ زواجك منها‏,‏ فأنت مقهور معها منذ زمن طويل وتحملت منها الكثير والكثير حتي اعتادت منك الخنوع التام‏,‏ فما أن حاول عقلك التمرد مرة واحدة‏,‏ وطلب الدليل علي عدم صحة ما قالته عن نفسها‏,‏ حتي انتفضت غاضبة وهي الملوم في الأصل وهجرتك وطلبت الطلاق‏,‏ فبأي منطق تفكر هذه السيدة؟



وبأي شريعة تستحل مالك وأملاكك التي قهرتك علي تسجيلها باسمها دون اعترض من جانبك؟


يا سيدي أنني أري لك أن تتمسك بموقفك وبمطلب القسم علي كتاب الله أمام جميع أفراد أسرتها لكي تزيل هي آثار الشك الذي بذرته في نفسك بتصريحها المعيب ذاك‏,‏ وبأن تتنازل عن تجبرها وكبريائها الأجوف وتخضع لعلاج منتظم لدي طبيب للأمراض العصبية يحاول أن يخلصها من نوباتها البركانية أو يقلل من معدلها أو يخفف من أثقال حممها وشظاياها‏,‏ فإن لم يكن هذا ولا ذاك‏..‏ فلترد عليك أملاكك ومالك بعد استقضاء حقوقها الشرعية كاملة‏..‏ ولتطو أنت هذه الصفحة من حياتك وتضع كلمة النهاية غير نادم لحياة زوجية لم تكن مودة ولا رحمة‏,‏ وأما الخوف علي مستقبل الابن المتعثر في دراسته‏,‏ وحرج الابنة الشابة أمام خطيبها وأصهارها اذا أنفصل أبواها في هذه المرحلة من العمر‏,‏ فهو حرص حميد علي صالح الابناء لكنه ينبغي له ألا يقتصر علي أحد الأبوين دون الآخر‏,‏ بل إن الأولي بالهم به هي الأم التي ينبغي لها أن تكون عماد الأسرة وحاميتها من الانهيار والكوارث‏..‏ ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 04:49 PM
أيـام مســــــــروقة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
‏15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أنا شاب في الرابعة والعشرين من عمري‏,‏ نشأت في أسرة بسيطة واقتضت ظروفي العائلية والمادية أن اخرج للعمل منذ سن الثامنة‏..‏ فعملت كل صيف في إحدي المهن كصبي‏,‏ لكي أستطيع مواصلة تعليمي‏..‏ وعملت في بعض السنوات خلال الدراسة فكنت أغادر المدرسة إلي العمل مباشرة ولا أرجع إلي البيت إلا في العاشرة مساء‏,‏ لكي أزدرد بعض الطعام وأنام كالقتيل‏.‏


وظل الحال علي هذا النحو حتي عملت منذ عدة سنوات في شركة تجارية صغيرة‏,‏ وبدأت فيها من البداية صغيرا‏..‏ ثم تقدمت وازداد اعتماد صاحب العمل علي تدريجيا حتي أصبحت بمثابة نائبه أو وكيله في أداء الأعمال التجارية التي يكلفني بها‏..‏ ثم رحل صاحب العمل عن الحياة منذ عامين فجأة‏,‏ وترك كل شيء في يدي‏..‏ وحزنت علي رحيله حزنا شديدا‏..‏ ووجدت أنني استطيع إذا أردت أن أخفي بعض الأموال التي لايعلم أحد عنها شيئا سواي‏,‏ وأن أظهر البعض الآخر‏..‏ لكني خشيت الله سبحانه وتعالي وقررت ألأ اخون الأمانة وألا أمد يدي إلي حرام‏.‏



وبعد انتهاء المراسم الحزينة بأيام ذهبت إلي بيت صاحب العمل والتقيت بأرملته وقدمت لها كل ما لدي من مال وأوراق ومستندات تخص العمل‏,‏ ومن بينها كمبيالات علي بعض العملاء‏..‏


وشكرتني السيدة كثيرا وامتدحت أمانتي وطلبت مني الاستمرار في العمل واعتبار نفسي المسئول عنه‏,‏ ومداومة الاتصال بها وزيارتها كل يوم لإبلاغها بنتائج العمل ومشاكله‏..‏ ورحبت بذلك‏,‏ وعدت لمواصلة عملي وقد أصبحت المسئول الأول عنه‏..‏ ووفقني الله في الحفاظ علي عجلة العمل دائرة‏,‏ وفي تحصيل بعض الديون من بعض العملاء‏,‏ وفي تصريف بعض البضائع الراكدة منذ فترة‏..‏ واطلعت ارملة صاحب العمل علي كل ذلك فسعدت به كثيرا وأثنت علي همتي ودعت لي بالخير‏,‏ وابتهاجا بهذه الاخبار السعيدة دعتني لتناول الغداء معها ومع أطفالها يوم الجمعة التالي‏,‏ وذهبت إليها في الموعد المحدد‏,‏ فشممت رائحة البخور المعطرة تفوح من الشقة‏..‏ ودخلت فوجدتها في أبهي صورة‏,‏ واستقبلتني بابتسامة ساحرة‏,‏ وقدمت لي عصير البرتقال‏,‏ وجلسنا في الانتريه بعض الوقت نتحدث ونتسامر ونداعب أطفالها الذين يمرحون حولنا‏,‏ ثم انتقلنا إلي مائدة الغداء التي أعدتها السيدة التي تدير شئون البيت‏,‏ واستمتعنا بأكلة شهية وتواصل الحديث بيننا علي المائدة بلا انقطاع‏,‏ وكادت الجلسة تمضي عادية لولا شيء واحد أعطاني مؤشرا مهما‏..‏ فلقد أمسكت السيدة بقطعة من اللحم ووضعتها بيدها في فمي‏..‏


وابتسمت‏..‏ فرددت علي ابتسامتها بمثلها‏,‏ وأدركت أو تأكدت مما كنت أشك فيه قبل أسابيع‏,‏ وهو أن هذه السيدة تفكر في كرجل‏..‏ وليس فقط كمدير لعملها التجاري‏,‏ وسعدت بذلك في قريرة نفسي‏,‏ لكني لم أقدم علي أية خطوة علي طريق الاقتراب منها لعلمي أنها تكبرني بثلاثة عشر عاما‏,‏ ولخوفي من أن يسئ البعض‏,‏ خاصة أقاربها وأقارب زوجها الظن بي ويتصوروا انني طامع في مالها‏,‏ كما أن أبي وأمي لن يرحبا أبدا بزواجي من أرملة تكبرني في السن وذات أبناء ولو كانت من اغني الأغنياء‏.‏


وهكذا واصلت العمل والدراسة وكنت قد بلغت السنة النهائية من دراستي الجامعية‏..‏ وانشغلت بالمذاكرة والامتحانات‏,‏ فتخلفت عن زيارة صاحبة العمل عدة مرات‏,‏ واعتذرت لها بمشاغلي‏,‏ وظهرت النتيجة وحصلت علي شهادتي ففوجئت بها تقدم لي ساعة ثمينة هدية النجاح وتدعوني من جديد للغداء‏,‏ وتكرر ما حدث في الدعوة السابقة‏..‏ لكن شيئا جديدا قد طرأ‏,‏ هو أنها دخلت الحمام وتركتني وحيدا في الانتريه لفترة طويلة‏,‏ فجاءت السيدة التي تعمل لديها بالشاي ووضعته أمامي ثم نظرت إلي نظرة معبرة وسألتني بطريقة مباشرة‏:‏ لماذا لاتطلب يد السيدة فلانة؟‏!..‏ وهي الجمال كله والأدب كله والأخلاق كلها‏,‏ وذهلت لما سمعت وترددت في الإجابة‏,‏ ثم قلت لها انني شاب عمري‏24‏ سنة وخريج جديد لم يحصل علي عمل رسمي بعد‏,‏ وظروفي المادية سيئة‏,‏ فبأي شيء أتقدم لمثل السيدة فلانة؟‏..‏



فرمقني بنظرة جانبية وقالت‏:‏ بشبابك‏..‏ ومستقبلك‏..‏ وأمانتك‏!‏ تتقدم ولا تحمل هم الأعباء المادية لأننا لن نكلفك شيئا‏.‏ أو دعني اتحدث باسمك حين تخرج السيدة من الحمام وأعلنها برغبتك فيها‏!.‏


وسكت موافقا‏,‏ وجاءت السيدة فقابلتها مديرة البيت بزغرودة‏,‏ واعلنتها ان هذا الشاب الخجول يطلب يدها علي سنة الله ورسوله‏,‏ لكنه يخشي ألا تقبلي به لظروفه‏..‏ فأشادت السيدة بأخلاقي وكيف أنها لا تقدر بمال الأرض وأعلنت موافقتها علي الفور‏..‏



وبدأنا بعد ذلك الحديث في التفاصيل وحددنا موعدا لعقد القران بعد أيام‏,‏ وطلبت منها شيئا واحدا هو أن نتكتم هذا الزواج عن أهلي‏,‏ لأن أبي وامي لن يوافقا عليه ولن يدعاني لحال سبيلي إذا علما به‏.‏


وطلبت هي أن نتكتم الزواج عن أهل زوجها الراحل لكليلا يثيروا لها المتاعب خاصة بالنسبة لأولادها‏,‏ واتفقنا علي ألا يعلم به إلا أخوتها ووالدتها‏..‏



وبدأت حياتي الزوجية معها‏..‏ وغرقت في طوفان عاطفتها وشوقها‏,‏ وأصبحت أتناول الغداء معها كل يوم وأرجع للعمل وأعود إليها في المساء لقضاء السهرة‏,‏ وارجع للبيت في منتصف الليل واعتذر لأمي وأبي بالعمل‏,‏ أو أزعم لأمي أنني سأتسلم بضاعة طوال الليل‏,‏ وأقضي الليل مع زوجتي‏..‏


وبالرغم من المجهود الذي ابذله في العمل فلقد تحسنت صحتي‏..‏ وازداد وزني‏..‏ بفضل التغذية الجيدة والسعادة‏,‏ فأنا أحب زوجتي وحريص عليها وهي تحبني حبا كبيرا وتعتبرني هدية السماء لها‏,‏ وانا سعيد معها وأتفجر حماسا للعمل‏..‏ وأصبحت احصل علي نسبة‏5%‏ من أرباحه إلي جانب مرتبي مقابل إدارتي له‏..‏ وجرت النقود في يدي وأصبح يتوافر لدي لأول مرة أكثر من احتياجاتي‏,‏ واعطيت أمي مائتي جنيه هدية لها فسعدت بها كثيرا‏..‏ شيء واحد فقط ينغص علي هذه السعادة هو خوفي من أن يعلم أبي وأمي بزواجي من السيدة التي ادير تجارتها‏,‏ خاصة أمي‏..‏ لأن أبي يمكن بعد ثورته الأولي وسخطه أن أتفاهم معه‏,‏ أما أمي فلن يهدأ لها بال إذا علمت إلا بعد أن ترغمني علي طلاقها‏,‏ وترك العمل معها وتحرم علي رؤيتها‏,‏ لأنها كأي أم تريد لابنها ان يتزوج فتاة بكرا وأصغر منه‏,‏ وليست ارملة تكبره بـ‏13‏ عاما ولديها ثلاثة أبناء‏..‏ وأنا أعرف عن نفسي أنني لن اتحمل غضب أمي علي‏,‏ اذا غضبت وافكر في اليوم الذي ستنفجر فيه المشكلة وادعو الله أن يبعده إلي أقصي حد ممكن‏..‏ وأن يؤجل المتاعب لأجل بعيد‏.‏



ولكن الي متي سأظل خائفا اتلفت حولي كالمشبوه وأنا أتسلل إلي بيت زوجتي‏..‏ أو أغادره في الليل؟


وماذا تقترح علي أن أفعل لأتخلص من هذا الخوف الثقيل علما بأنني قد كتبت لزوجتي مؤخر صداق كبيرا لا استطيع الوفاء به‏,‏ كما لا استطيع تحمل بقية اعباء الطلاق الذي لا ارغب فيه؟‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


ماذا فعلت بنفسك أيها الشاب؟


لقد تزوجت زواجا محكوما عليه بأن يكون مؤقتا‏,‏ وان ينتهي مخلفا وراءه جراحا علي الجانبين طال المدي أو قصر‏,‏ إن لم يكن بسبب زوال غشاوة الرغبة والشوق والاندفاع إلي الارتواء العاطفي بعد حين‏,‏ فلقد يجئ الانهيار لأسباب خارجية لا يمكن تفاديها إلي الأبد‏,‏ كثورة الأهل علي هذا الزواج غير المتكافئ من كل الوجوه‏,‏ خاصة أهل الزوج الراحل الذين سيتشككون بالضرورة‏,‏ ولهم بعض العذر في ذلك‏,‏ في دوافعك المادية للارتباط بهذه السيدة‏,‏ وسيتهمونك بالطمع في ثروة الأرملة وابنائها‏,‏ وقد ينهضون لمنازعة زوجتك في حضانة الأبناء وحق الوصاية عليهم بعد ظهور رجل غريب في حياة أمهم يخشي منه علي ثروة الأبناء ومستقبلهم‏,‏ خاصة وهو ليس رجلا متوسط العمر مستقرا ماديا وناضجا ويبحث عن الأمان والاستقرار‏,‏ وإنما شاب طموح يصغر زوجته بـ‏13‏ عاما‏,‏ فماذا تفعل زوجتك إذا خيرت بين حضانة ابنائها والوصاية عليهم‏..‏ وبين التخلي عن هذا الزواج الذي لا تستطيع الدفاع عنه أو تبريره أمام أهل زوجها الراحل؟‏.‏



هل تراها تضحي بأبنائها من أجلك؟


ان الجواب معروف‏,‏ولا يحتاج إلي بيان‏..‏ لهذا فإن زواجك هذا هو مهلة مسروقة من الزمن قد تكون لعدة أسابيع وقد تطول بالشهور والسنوات‏,‏ لكنه في كل الأحوال سوف تمارس قوانين الحياة الطبيعية تأثيرها علي كل الأطراف في الوقت المناسب فتكتشف أنت بعد الري والشبع والارتواء انك قد تسرعت في الزواج من هذه السيدة التي تكبرك كثيرا في العمر ومثقلة بأعباء الأبناء‏,‏ وتكتشف هي أنها قد خرجت علي المألوف وتجاهلت الاعتبارات العائلية والاجتماعية العديدة‏..‏ فأساءت الي نفسها وعرضت ابناءها لخطر انتقال حضانتهم والوصاية عليهم لغيرها‏..‏ فتندم علي انسياقها وراء مشاعرها المحرومة عقب وفاة زوجها وتتمني لو لم تكن قد ضعفت أمام نداء الرغبة علي هذا النحو‏.‏



علي أية حال فإن بعض الحقيقة خير من أي زيف‏,‏ كما يقولون‏,‏ ولا مفر إذا اردت أن تتخلص من الخوف والإحساس الباطني ـ بأنك ترتكب خطأ لا تستطيع مواجهة الآخرين به ـ من مواجهة الحقائق بدلا من الهروب منها وتحمل تبعات المواجهة بشجاعة أيا كانت النتائج‏,‏ فابدأ بأبيك وصارحه بما فعلت وتحمل ثورته وغضبه‏..‏ ثم اطلب منه النصيحة فيما تفعل‏..‏ وكن أمينا معه في الحديث عن نفسك ومشاعرك وطموحك وحقيقة رغبتك في هذه السيدة‏..‏ وتدبرا معا اذا تقبل ابوك حقيقة زواجك كيفية تخفيف وطأة القصة علي والدتك‏..‏ واصمد للأعاصير والعواصف والرعود والبروق المتوقعة‏..‏ فإذا نجحت في الصمود لهذه الأهوال‏,‏ فمن يدري ربما تكون الاستثناء من القاعدة وينجح زواجك ويطول عمره بعض الوقت‏..‏ قبل أن ينفجر من ناحية الزوجة ومنازعات أهل زوجها معها‏..‏


وفي كل الأحوال فإنك ايها الشاب كما قلت لك في البداية راكب قطار سيصل إلي محطته الأخيرة طال الوقت أو قصر‏,‏ ولو كنت من أهل الحكمة لبادرت أنت علي الفور بتصحيح هذا الوضع الذي يخالف قوانين الحياة بدلا من انتظار انهياره المحتوم‏,‏ وتفاهمت مع زوجتك وديا علي الانفصال بلا تبعات مادية مراعاة لظروفك وسابق خدمتك لها‏,‏ ثم انسحبت من العمل معها وبحثت عن مستقبلك في طريق آخر بلا اجتراء علي مخالفة المألوف‏..‏ ولا تحد لقوانين الحياة الطبيعية‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 04:52 PM
الطاعة المقدسة‏!‏

بـريــد الأهــرام

42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
‏15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

أنا سيدة في منتصف العشرينيات من عمري ونحن ثلاثة ابناء أنا الكبري بينهم وقد نشأنا بين أبوين متعلمين تعليما جامعيا‏.‏ وعلي أن الكلمة الأولي والأخيرة بالنسبة لجميع شئون حياتنا هي لوالدتي‏,‏ وقضينا زهرة سنوات حياتنا في الدول العربية‏,‏ ولذلك حصلت علي الثانوية العامة من إحدي دول الخليج‏,‏ وعدت بعدها الي مصر‏,‏ حيث التحقت باحدي كليات القمة بجامعة الإسكندرية‏,‏ والحمد لله رب العالمين فقد أنهيت دراستي بالجامعة دون أي مشاكل‏,‏ وفي العام الأخير من الكلية تقدم لي العديد من الشباب للزواج مني‏,‏ الا أن أمي كانت ترفضهم لأسباب تراها هي‏,‏ الي ان تقدم لي منذ نحو عام ونصف العام شاب من الوجه البحري لاصلة لنا به ولا نعرفه ولا يعرفنا‏...‏ ولكن والدتي رأت فيه أنه الشاب المناسب لي من جميع الوجوه المادية والاجتماعية والأدبية‏..‏ لكن هذا الشاب الممتاز من وجهة نظر والدتي ليس من ابناء الإسكندرية‏,‏ ولذلك فقد اشترطت عليه الإقامة بالإسكندرية‏,‏ فوافق أهله برغم أنه وحيدهم‏,‏ وذلك رغبة منهم في سعادته‏,‏ ودون دخول في تفاصيل كثيرة فقد تسارعت خطوات الزواج‏..‏ حتي تم زفافنا في الأسبوع الأخير من سبتمبر سنة‏2002‏ في شقة بالإيجار علي أطراف مدينة الإسكندرية‏,‏و برغم حدوث بعض المشاكل البسيطة في الطريق إلا أنها مرت جميعها بسلام‏...‏ لكن والدتي صنعت منها سجلا اسودا لأهل زوجي‏.‏



وبعد انتقالي لمنزل الزوجية ومعايشتي لزوجي وجدته إنسانا فاضلا يحبني ويقدرني ويغير علي من كل شيء‏...‏ ووجدت معه كل معاني الحب والسعادة والهناء‏.‏


ومع بداية زواجنا بدأ زوجي يطلب مني ان اراعي بعض الأمور كأن أغطي رأسي حيث كنت لا أضع اي غطاء علي رأسي‏,‏ كما أنني كنت أرتدي البنطلون‏..‏ فطلب مني عدم ارتدائه‏,‏ وأضع المساحيق علي وجهي فطلب مني عدم وضع المساحيق علي وجهي خارج المنزل لأنني كما يقول أجمل بدونها‏,‏ ورحبت انا بكل ذلك واقتنعت به وبأحقية زوجي في طلبه مني‏,‏ الا أنني فوجئت بوالدتي الحبيبة تثور علي أنا وزوجي وتطلب مني عدم طاعته بدعوي أنه بذلك سوف يلغي شخصيتي‏!‏ واحترت ماذا أفعل؟ وحلا لهذا الإشكال كنت أرتدي أمام زوجي ما يرضيه عني‏..‏ وبعد انتهاء إجازته وسفره الي عمله وعودتي لمنزل والدي أرتدي ما يرضي والدتي‏.‏



وبعد نحو عشرة شهور من الزواج لاحظت أن زوجي يتعب كثيرا عند نزول الاجازة‏...‏ حيث يحضر الي الإسكندرية وبعد يوم أو يومين نسافر معا الي أهله في مدينتهم لنمضي معهم جزءا من الاجازة‏,‏ ولذلك اقترح علي زوجي ان ننقل إقامتنا من الإسكندرية الي مدينتهم حتي يشعر ببعض الاستقرار والراحة خلال اجازته‏..‏ فقلت له إنني مقتنعة تماما بحقه في ذلك‏,‏ ولكن عليه أن يعرض الموضوع علي والدتي لكي توافق علي هذا الاقتراح‏,‏ وذهبنا الي والدتي لعرض الأمر عليها‏...‏ وبمجرد سماعها للفكرة تكهرب الجو وثارت علينا ثورة عارمة‏...‏ وتوعدتنا بالويل والثبور وعظائم الأمور إن تم ذلك النقل‏,‏ وقالت بصيغة الأمر النهائي‏...‏ إما أن نظل في الإسكندرية وإما أن يتم الطلاق بيني وبين زوجي‏,‏ وحجتها في ذلك أمران‏:‏


الأول‏:‏ إن اثاث منزلي أفخم من ان ينقل الي الأقاليم‏,‏ علما بأنني عندما زرت بعض زملاء زوجي وأصدقائه وجدت عند بعضهم أثاثا أفخر من أثاث منزلي‏.‏



الثاني‏:‏ إنه لا يوجد في الإقاليم مدارس أجنبية‏..‏ وهي تريد أن يتعلم أبنائي في مدارس أجنبية‏,‏ علما بأنه لايوجد عندنا من تعلم في مدارس أجنبية كما أن مدينة زوجي بها مدارس خاصة‏.‏


وأنا الآن حائرة بين الطرفين والدتي وزوجي‏,‏ فكيف أوفق بين الرغبتين المتعارضتين؟ وكيف احافظ علي حياتي الزوجية من أجل زوجي وطفلي الوليد ونفسي‏,‏ ان والدتي تتوعدني بغضب الله علي إن خالفتها‏...‏ وهي تقول لي بمنتهي البساطة إن الحل الأمثل لمشكلتي هو طلاقي‏,‏ كأن الطلاق أمر غاية في السهولة واليسر علي المرأة وأيضا بكل بساطة تقول لي الآن‏...‏ إنها سوف تطلقني‏..‏ وبعد انتهاء العدة‏...‏ سوف تزوجني ممن هو أفضل من زوجي مادمت أطيعها‏..‏ لأن طاعة الأم أمر مقدس عند الله‏!‏ فهل خراب البيوت والطلاق أمر هين لهذه الدرجة؟‏...‏ إنني لاأتخيل الحياة مع رجل آخر غير زوجي‏,‏ كما لا أتخيل الحياة لحظة واحدة دون ابني فلذة كبدي‏..‏ فماذا أفعل؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


تمسكي يا سيدتي بزوجك وحياتك الزوجية ودافعي عنها حتي الرمق الأخير‏,‏ لكي يسعد طفلك بحياة آمنه مستقرة بين أبوين متفاهمين متحابين‏..‏ أما اغراءات والدتك لك بالطلاق ووعودها المسمومة بأن تزوجك ممن هو أفضل من زوجك الحالي ووالد طفلك‏,‏ وبشراها لك بتأكيد ذلك كمكافأة من السماء لك لأنك قد أطعت أمك ودمرت حياتك الزوجية ومزقت طفلك الوليد بين أبويه‏,‏ حيث إن طاعة الأم أمر مقدس‏..‏ فكل ذلك ليس سوي ابتزاز عاطفي لك لكي تخضعي نهائيا لإرادتها وترفضي الانتقال مع زوجك الي مدينته‏,‏ ولو تطلب الأمر هدم حياتك الزوجية رغم سعادتك بها‏,‏ والحق أني أعجب لأم لا تشجع ابنتها علي طاعة زوجها الذي تحبه ويحسن معاملتها‏,‏ وتطالبها بالطلاق منه لأنه قد فكر مجرد تفكير في نقل مقر اقامته بعيدا عن مدينة الأم‏..‏



إن كل انسان مسئول عن حياته واختياراته‏,‏ وانت زوجة وأم وتملكين ارادتك وحياتك‏,‏ ومن واجبك ان تلحقي بزوجك حيث يقيم‏,‏ والطاعة المقدسة التي تشير اليها والدتك لكي تظل ممسكة بقياد حياتك وتوجهه كيف تشاء‏,‏ لاتنسحب علي ما يتعارض مع الشرع والدين والحكمة والمصالح المشروعة للبشر‏,‏ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وزوجك أحق بطاعتك له في هذا المطلب العادل المشروع‏,‏ وهو الانتقال إلي مدينته‏,‏ وقصة المرأة الأعرابية التي ارسلت تستفتي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الخروج من بيتها لزيارة أمها المريضة معروفة‏,‏ فقد أمرها زوجها قبل سفره بألا تغادر البيت قط خلال غيابه ثم مرضت أمها وارادت زيارتها للاطمئنان عليها‏,‏ فأرسلت تستفتي الرسول الكريم هل يجوز لها ان تزورها خلافا لأمر زوجها‏,‏ فأجابها الرسول صلوات الله وسلامه عليه بما معناه أن‏(‏ أطيعي زوجك‏),‏ وحين لاقت الأم منيتها قبل عودة الزوج بعث الرسول الي المرأة الأعرابية من يبشرها بحسن المآل جزاء وفاقا لطاعتها لزوجها في احلك الظروف‏.‏



يا سيدتي ان البر بالأبوين لايعني ابدا ان يمحو احدهما شخصية الابن أو الابنة‏,‏ أو ان يتسلط تسلطا تاما علي حياته‏,‏ فلايخطو خطوة في اي اتجاه الا بإذنه وقبوله‏,‏ ولا يعني أن يتخذ احد الأبوين القرارات المصيرية دونه خاصة اذا كان الابن راشدا وقادرا علي إدارة حياته‏..‏ والانسان يحتاج دائما الي مشورة المخلصين من حوله في أمره‏,‏ وليس هناك من هما أحرص علي مصالح الابن من أبويه‏,‏ لهذا فإن مشورتهما في أمور حياة المرء لها الأولوية القصوي‏,‏ ولكن بشرط ان يكون الناصح متجردا من الهوي‏,‏ وتكون النصيحة خالصة لوجه الله وليست من نوع نصائح الطاعة المقدسة‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 04:54 PM
الاعتـراف

بـريــد الأهــرام
42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

لقد قرأت اليوم الرسالة التي أرسلها رجل طلق بالخلع تحت عنوان السلاح السحري التي يشكو فيها الرجل من سوء استغلال الطفلة كسلاح لإذلاله وانعكاس ذلك علي نفسية الطفلة‏!!‏ ووصفه زوجته او خليعته بأنها ضعيفة الشخصية كوالدها‏.‏


للأسف الشديد فأنا والد هذه الزوجة الذي وصفه الزوج المخلوع بالرجل عديم الشخصية‏!!‏



نعم أنني لا استطيع ان أعارض زوجتي ولقد قاطعت جميع أهلي خوفا من بطشها‏,‏ وسيطرت علي تماما ومنذ زمن بعيد‏..‏ ففي صدر شبابي طلقتها وتركتها في بيت والدها بالقاهرة لمدة عام‏,‏ وكانت وقتها حاملا في ابننا الأول وتدخل شقيقها وتم الصلح بشرط ألا يزورني أحد من أشقائي أو يتصلوا بنا وقبلت من أجل الطفل‏..‏ وتوالت التنازلات حتي أنني كنت أترك عملي لأرعي الأطفال في حين تنزل هي إلي العمل ولم تهتم بي ولا بالأطفال‏,‏ وكرست حياتها للعمل مهملة بيتها حتي وصلت إلي اعلي المناصب‏,‏ ولقد انجبنا‏3‏ أبناء والتحقوا جميعا بكلية الطب‏,‏ وبعد تخرج الولدين سافرا إلي القاهرة للعمل هناك‏,‏ حيث إن لوالدتهما شقة قامت بشرائها لتأمين مستقبلها‏..‏ ونحن ندفع لهما الإيجار وقمنا بطلاء الشقة‏(‏ أو بمعني أصح والدتهماوهما بعيدان عنا كل البعد ولم يتصلا بنا طوال إقامتهما بالقاهرة سوي مرات معدودة؟‏!‏ وكانت الأم مشغولة بعملها ولم يبق معي بالمنزل سوي ابنتي التي صرت اعشقها لحد الجنون‏,‏ حيث انها كانت تملأ الفراغ الذي تتركه الأم بغيابها عن المنزل في عملها واجتماعاتها‏.‏


وهكذا نشأت ابنتي في منزل لا توجد فيه الأم سوي لساعات قليلة ونائمة‏..‏



منزل لم يعرف عما أو عمة أو ابناء العموم أو العمات‏,‏ ـ منزل لا يعرف سوي صوت الأم العالي‏..‏ وهكذا كانت القدوة‏..‏ فالأم هي قدوة للبنت ولم تعلم زوجتي ابنتها الوصايا الحميدة التي أوصت بها الأعرابية ابنتها عند الزواج عندما قالت لها‏:‏ لقد خرجت من دار غير دارك‏..‏ فكوني لزوجك أمة يكن له عبدا‏..‏ وكوني له فرشا يكون لك سماء‏.‏


وهكذا فإن ابنتي لم تكن ضعيفة الشخصية كما صورها زوجها السابق ولكنها كانت تحاول أن تقلد أمها؟‏!‏



أما أنا فليس لي من أهل أو أقارب بعد أن قاطعتهم منذ أمد طويل‏..‏ حتي أن لي شقيقة مريضة وطريحة الفراش لم أزرها ولم أتصل بها‏,‏ ولا استطيع أن أفعل خوفا من بطش زوجتي‏..‏ وما يقول عنه صاحب الرسالة فهو صحيح لأن زوجتي تقوم بتلقيني درسا في إثارة حفيظة الرجل‏,‏ كما تقوم بتلقين الطفلة درسا مماثلا‏,‏ وبعد عودتنا من رؤية الأب تسأل الطفلة ماذا فعلت؟ فإن كان غير ما أمرتني به تكون ليلة سوداء ومعركة وسبابا‏.‏ ولذلك ونظرا لكبر سني أحاول أن اتفادي الصدام معها ـ فهي كما وصفها فولاذية ذات شخصية متسلطة ـ وأقوم بتنفيذ ما تطلبه مني حتي يكره الرجل طفلته وتكرهه الطفلة‏.‏


بل وأكثر من ذلك لقد ألحقنا الطفلة بمدرسة أجنبية‏,‏ وقمنا برفع دعوي في المحكمة لمطالبته بالنفقات‏,‏ وهكذا تحاول أن تجعل حياته جحيما‏.‏



إنني اكتب لك اليوم لعلي استريح من حمل ثقيل لم استطع أن أبوح به لأحد من قبل‏,‏ وهذا بمثابة اعتذار للرجل الذي اتابع نجاحاته من الزملاء‏..‏ ولأنه ليس في العمر بقية‏,‏ حيث وصلت من العمر ارذله‏,‏ أرجو منه أن يسامحني حتي ألقي ربي وهو راض عني‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


انت تقر ياسيدي بكل ما قاله زوج ابنتك السابقة في رسالته‏,‏ لكنك تبرره بمبرر وحيد هو انك مقهور الإرادة مع زوجتك‏,‏ وانها تفرض عليك اداء هذا الدور البغيض مع حفيدتك في بث كراهية ابيها في نفسها لكي تستقر في اعماقها منذ الصغر‏.‏


وإذا سلمنا بأنك لا تستطيع لأسباب تتعلق بضعف الشيخوخة وضعف الإرادة وطلب السلامة ان تواجه زوجتك وترغمها علي الكف عما تفعل‏,‏ فإنك تستطيع علي الأقل ان تتحايل علي عدم تنفيذ تعليماتها الصارمة بأن تدع الأبنه خلال جلسة الرؤية وحدها مع ابيها‏,‏ وألا تبث السموم في نفسها تجاهه‏,‏ بحيث تتيح للأب حقه العادل في التواصل مع طفلته دون مؤثرات سلبية من جانبك‏,‏ وتتفادي في نفس الوقت غضب زوجتك المتجبرة‏..‏ نعم تستطيع أن تفعل ذلك كما تستطيع ايضا ان تكف دائما عن ترديد البهتان علي مسامع الطفلة لكي تكره اباها‏..‏ لأنه لن يدفع ثمن ذلك في النهاية إلا هذه الابنة نفسها‏..‏ كما أنه امر ليس من العدل والدين والتربية الصحيحة في شيء‏,‏ وشكرا‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:15 PM
الخروج من الشرنقة


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

هل تذكرني؟ إنني صاحب رسالة الحب الزائفالتي تفضلت بنشرها في يونيو عام‏2000,‏ وشكوت لك فيها من أمي ورفضها القاطع لزواجي من أي فتاة أو سيدة‏,‏ لأني ابنها الوحيد الذي ترتبط به وتعتمد عليه خاصة بعد زواج شقيقاتي‏,‏ وحكيت كيف كانت كلما هممت بخطبة فتاة تمرض أو تتمارض وتلازم الفراش‏,‏ ويبدو كما لو أنها علي وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة‏,‏ فنضطر لتأجيل الخطبة وأتفرغ لملازمتها ورعايتها الي أن يمضي موعد الخطبة‏..‏ فتسترد علي الفور دماء الصحة والعافية وتنهض من فراش المرض وهي في قمة السعادة‏..‏ كما رويت لك كيف تأجلت آخر خطبة لي عدة مرات لنفس السبب‏,‏ حتي ضاق بنا أهل الفتاة واعتذروا عن إتمام الارتباط‏,‏ إلي أن يئست تماما من أن أجد حلا لمشكلتي فكففت عن محاولة الزواج بعد أن أصبحت لي سمعة غير مستحبة في بيوت العائلات الكريمة من جراء ما حدث في محاولات الخطبة العديدة السابقة‏,‏ وأذكر أنك بعد أن حللت موقف أمي مني ووصفت حبها لي بأنه حب زائف‏,‏ لأنه حب أناني لا يضع سعادة الابن المحبوب في الاعتبار‏,‏ وأن كل ما يهدف اليه هو استمرار الاستئثار به وتملكه دون بقية النساء‏..‏ قلت لي إنه لا مفر من أن تسعي الي الارتباط بفتاة مناسبة في سرية تامة بعيدا عن والدتك لكيلا تفسد عليك المشروع ثم تتزوج وتضع والدتك أمام الأمر الواقع وتتحمل صواعقها وعواصفها وحمم براكينها الي أن تخمد النار وتسلم بما حدث‏,‏ مع تأكيدك لي بضرورة الفصل بين أمي وزوجتي في المسكن‏...‏ لكيلا يحدث الاشتباك المتوقع بينهما‏,‏ وبعد نشر الرسالة ساءت حالتي النفسية للغاية وانقطعت عن زيارة الاصدقاء أو استقبالهم وأصبحت أخرج بعد صلاة الفجر الي عملي وأعود إلي البيت في المساء منهكا فأجد أمي تتفجر شبابا وحيوية تتحدث في التليفون مع إحدي بناتها وتطلق ضحكاتها العالية‏..‏ فأدخل غرفة نومي محسورا ولطبيعة عملي فلقد كنت أسافر الي عاصمة المحافظة التي تقع فيها مدينتي عدة مرات كل اسبوع وأتردد علي مسجد قريب من العمل لأصلي فيه‏,‏ وفي هذا المسجد رأيت رجلا سمح الوجه وقورا‏,‏ لاحظت أنه ينظر الي ويراقبني‏,‏ ربما لأنني وجه غريب يظهر في المسجد فتبادلنا النظرات والابتسامات والتحية ثم حدث في أحد الأيام وكنا نستعد لأداء صلاة المغرب‏..‏ أن سمعت صوت سقوط جسم علي الأرض في أحد أركان المسجد‏,‏ ورأيت المصلين يهرولون ناحيته فهرولت معهم‏..‏ فوجدت هذا الرجل وقد أصيب بأزمة صحية مفاجئة‏,‏ فقد معها توازنه وساعدناه علي النهوض فطلب


مني أنا بالذات أن أوصله إلي بيته القريب‏,‏ ففعلت وأحضرت له طبيبا وصرفت الدواء من الصيدلية ومكثت معه حتي صلاة العشاء وودعته بعد الاطمئنان عليه وهو يشكرني بحرارة ورجعت إلي مديتني الصغيرة‏.‏



وبعد أسبوع لاحظت أنه لم يظهر بعد في المسجد منذ ذلك اليوم‏,‏ فتوجهت إلي بيته للسؤال عنه‏,‏ وطرقت الباب ففتحته لي فتاة شابة فارتبكت لأني لم أر من قبل أحدا معه في بيته وكنت أظنه أرمل وحيدا وهممت بالرجوع لكنه ناداني من الداخل ورحب بي‏,‏ وفسر لي وحدته في المرة السابقة بأن زوجته وبناته الأربع كن حين رجعت معه الي بيته يحضرن درسا دينيا لداعية مشهورة واستشعارا مني بحرج الموقف حاولت الانصراف بعد فترة قصيرة‏,‏ لكنه أصر علي أن أبقي معه حتي نتناول معا طعام العشاء‏..‏ وعرفت منه أنه رجل بالمعاش عمل مديرا بوظيفة سيادية كبري‏,‏ وطلب مني أن أحكي له قصتي لأنه يلاحظ نظرة حزن غريبة في عيني‏,‏ فوجدتني أروي له كل شئ بصراحة تامة‏,‏ وأحكي له مالم أصرح به لانسان قبله‏,‏ فربت علي كتفي وطلب مني الصبر علي والدتي والدعاء لها بالهداية‏,‏ ثم سألني‏:‏ مارأيك في ابنتي الكبري التي فتحت لك الباب‏..‏ هل تراها مناسبة لك‏,‏ فأجابته علي الفور بالإيجاب‏,‏ ولم أفكر في أن أطلب مهلة للتروي والتفكير في الأمر‏,‏ فشجعه ذلك علي أن يدعوها ويبلغها أن هذا الشاب الطيب يطلب يدك



فماذا تقولين؟ وخفق قلبي خوفا من الحرج وفوجئت بها توافق حتي بعد إطلاعها علي جميع الظروف التي تحيط بي‏,‏ وطلب مني الرجل ألا أبوح بما حدث لأحد إلا من اثق به ثقة كاملة حتي لايتسرب الخبر الي والدتي‏,‏ وبالفعل لم ابح لأحد بسري سوي خالي وزوج إحدي شقيقاتي‏,‏ وخلال ذلك خطرت لوالد فتاتي فكرة كان لها أثر السحر في إتمام الارتباط‏,‏ فقد اقترح علي إرسال أمي لأداء العمرة عارضا ان يتكفل هو بنفقاتها كاملة‏,‏ وخلال غيابها فيها يتم عقد القران والزفاف والانتقال الي بيت الزوجية في بلدتي‏..‏ وترجع أمي من عمرتها فتجدني زوجا ورب أسرة مع حرصي علي مراعاتها ورعايتها وتحملها خلال فترة الثورة الأولي‏,‏ ونفذنا الفكرة بالفعل‏..‏ ورحبت امي بها ولم تسألني عن مصدر النقود التي دفعتها للعمرة‏,‏ ولعلها اعتبرتها آخر مدخراتي التي كنت قد ادخرتها للزواج‏,‏ واطمأنت بذلك الي اني لن اتمكن من الزواج ذات يوم‏,‏ وسافرت والدتي الي العمرة ورجعت واستقبلتني بالقبلات ثم عرفت بما تم في غيابها‏,‏ ولك ان تتخيل ماحدث وماجري بعد ذلك‏,‏ وكيف بعد ان بح صوتها من الصراخ والعويل هاجمتها جميع امراض الأرض حتي عجزت عن الحركة ولازمت الفراش؟ وتفرغت أنا وزوجتي لخدمتها ورعايتها وتمريضها‏,‏ وصرنا ننام علي الأرض بجوار فراشها لنجيب نداءها في أية لحظة‏,‏ ونصحبها الي الأطباء لعلاج أمراض لاندري عنها شيئا‏,‏ وهكذا طوال ثلاثة أشهر كاملة‏..‏ فاذا استأذناها في العودة لبيت الزوجية في مساء أحد الأيام لكي نبدل ملابسنا ونرتب أمورنا‏..‏ واذنت لنا علي مضض لم نكن نستقر في البيت ساعة حتي يلاحقنا الجيران بالتليفون‏:‏ عودوا والدتك تموت‏!‏



فنرجع مهرولين‏..‏ ونجدها في نفس الحال‏..‏ ونسلم أمرنا الي الله‏..‏ وهكذا عشت شهور الزواج الأولي كلها في جو الإرهاب المعنوي هذا‏..‏ والويل لزوجتي اذا ارتدت فستانا نظيفا في البيت‏,‏ والويل لي ولها اذا تبادلنا الحديث امامها بكلمة‏,‏ لأن الكلام ينبغي له ألا يوجه إلا لها هي‏,‏ واخيرا ظهرت بارقة امل في ان تخفف امي من موقفها هذا من زواجنا‏,‏ فلقد تحركت ثمرة الحب في أحشاء زوجتي‏,‏ وأملنا ان تسعد امي بالخبر وابلغتها به امام خالي‏,‏ فلم أنس تعبير وجهها حين سمعته ولا كيف اسود وجهها واظلم كانما قد أبلغتها بأسوأ خبر في الوجود‏,‏ وانقضت من شهور الحمل ثلاثة أشهر وزوجتي برغم كل شيء دائمة الابتسام في وجه أمي وحريصة علي خدمتها وتجاهل إساءاتها‏..‏ ثم خرجت ذات يوم لأصلي العصر في المسجد القريب ورجعت فوجدت زوجتي مستلقية علي الأرض والدم يغرق فستانها وامي تحاول مساعدتها علي النهوض‏,‏ وسمعت روايتين تفسيرا لماحدث‏,‏ الأولي من أمي وتقول ان زوجتي داخت من الحمل وسقطت علي الكرسي ثم علي الأرض‏,‏ والثانية من زوجتي علي انفراد وتقول ان أمي ألقت علي الأرض عامدة قشر الموز وبعض الزيت لكي تتزحلق عليها‏,‏ وانها جمعت قشر الموز من الأرض ومسحت الزيت قبل وصولي بدقائق‏,‏ ثم تظاهرت بمساعدتها علي النهوض وطلبت زوجتي أن تذهب الي بيت أهلها لتستريح فترة تسترد خلالها عافيتها بعد ان فقدت جنينها فوافقتها علي ذلك‏.‏



وشفيت امي من كل امراضها بقدرة قادر بمجرد ان رحلت زوجتي الي بيت أهلها‏..‏ وتحركت في البيت وتزينت وارتدت اجمل ملابسها البيتية وغطت الابتسامة وجهها‏,‏ وبعد أسابيع اخري حملت زوجتي من جديد‏..‏ فحرصنا علي تكتم الخبر عن أمي هذه المرة‏,‏ فلم تعلم به إلا بعد ان لاحظت انتفاخ بطن زوجتي‏,‏ ولم تعلق سوي بالسباب واللعنات‏..‏ ثم بدأ مسلسل الأمراض والأزمات الصحية‏..‏ فحرصت علي إبعاد زوجتي عن أمي بقية شهور الحمل‏,‏ وتحملت انا كل العبء وحدي في رعايتها‏,‏ وحين جاء موعد الولادة نقلت أمي الي المستشفي لاشتداد الأزمة عليها وحرت في رعايتها ورعاية زوجتي التي علي وشك الوضع‏,‏ واستعرت سيارة صهري لأتنقل بين الاثنتين‏,‏ ووضعت زوجتي طفلا وطفلة فرحت بهما فرحة طاغية‏,‏ وهرولت لأطمئن علي أمي التي دخلت العناية المركزة‏,‏ فوجدتها قد تحسنت وغادرت العناية‏,‏ ولم تسألني عن زوجتي ولا عن مولودها‏,‏ وأرادتني ان ابقي إلي جوارها ليل نهار وأدع زوجتي لنفسها‏.‏


ومضت الأيام بطيئة وكئيبة ورجعت أمي لبيتها وزوجتي لبيت اهلها لفترة ثم إلي بيت الزوجية‏,‏ ولم استطع أن احتضن طفلي وطفلتي واداعبهما طوال شهرين سوي مرة أو مرتين لأنه مطلوب مني ألا اتحرك بعيدا عن امي خطوة واحدة‏..‏ وطوال ذلك لم تسألني هي ولو من باب المجاملة هل وضعت زوجتك أم لا‏..‏ وماذا انجبت طفلا أم طفلة؟‏!.‏



وبعد عدة أسابيع انشغلت بعض الشيء بالطفلين وبزوجتي‏,‏ ودخلت أمي المستشفي لإجراء جراحة دقيقة فسلمت زوجتي طفليها لأهلها ونهضت لخدمة أمي في المستشفي ثم في البيت‏,‏ فما أن عادت اليه حتي شكت أمي لشقيقاتي من زوجتي ومن إهمالها لها وتأخيرها مواعيد الدواء‏..‏ الخ‏,‏ وإذا بشقيقاتي يتأثرن بهذه الادعاءات ويقاطعنني ويقاطعن زوجتي‏,‏ وعبثا حاولت مصالحتهن وارضاءهن لكيلا يقطعن صلة الرحم معي ومع الطفلين اللذين بلغ عمرهما عشرة شهور ويعيشان كالمنبوذين من أهلي‏,‏ فلا يفرح بهما احد ولا يداعبهما أحد‏,‏ و قالت لي اختي الصغري انهن يعرفن جيدا ان امي تظلم زوجتي فيما تدعيه عليها‏,‏ لكنهن لا يردن إغضابها ولا عصيان اوامرها لهن بمقاطعتنا فسلمت امري إلي الله‏..‏ وكلما اشتد حولنا الحصار والمقاطعة ازددت انا وزوجتي اقترابا والتصاقا وحاول كل منا تعويض الآخر عما ينقصه من عطف وحنان‏.‏


والآن يا سيدي فإني في حيرة من أمري‏,‏ فلقد حاولت مجددا الاتصال بشقيقاتي أو زيارتهن فواصلن مقاطعتي‏,‏ ما عدا ازواجهن الذين يقدرون ظروفي‏..‏ فماذا أفعل لكي اصون صلة الرحم التي قطعتها شقيقاتي‏..‏ ولكيلا ينشأ اطفالي منبوذين بلا أهل؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


كل ما تعانيه الآن هو من جراء تجرؤك علي الخروج من الشرنقة التي أرادت لك والدتك ان تحيا فيها محنطا إلي ما لا نهاية‏,‏ غير أنه لم يكن هناك مفر من هذا الخروج لتعيش حياة طبيعية‏..‏ وتنعم بالزواج والإنجاب وممارسة إحساس الأبوة وإحساس المسئولية عن أسرة صغيرة يسودها العطف والحنان‏,‏ فتحمل اقدارك يا صديقي وواصل حياتك‏..‏ وأرض بما تدفعه من ثمن لامتلاكك لزمام أمرك من جديد‏..‏ واختيارك للحياة السوية ضد رغبة أقرب الناس إليك‏.‏ والحق انه لم يعد بمقدورك ان تفعل أكثر مما فعلت للحفاظ علي صلة الرحم بينك وبين شقيقاتك‏,‏ فان كان ثمة ما تستطيع أن تضيفه إلي جهودك السابقة لرأب الصدع‏,‏ فهو فقط أن تتعالي علي جرح مقاطعة شقيقاتك لك‏,‏ وتتعامل معه بروح الفهم والتسامح‏,‏ لأنك تدرك جيدا انه ليس موقفا نابعا منهن‏,‏ وانما هو خنوع للأم وخضوع لرغبتها في مقاطعتهن لك‏,‏ ومداراة لها‏,‏ محاولة لتجنب إغضابها إشفاقا عليها مما تعتبره هي هزيمة لها في صراع الاستئثار بك دون غيرها من النساء‏.‏


وفهم كل شيء يؤدي إلي التسامح مع كل شيء كما يقولون‏.‏ ولهذا فلقد تستطيع إبلاغ شقيقاتك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‏.‏ انك تتفهم موقفهن‏,‏ بل وتلتمس لهن بعض العذر في الضغوط التي تمارسها عليهن أمهن‏,‏ وتدرك انه لايعبر عن حقيقة مشاعرهن تجاهك‏,‏ وتنتظر في صبر ان تنكسر القيود التي تحول بينهن وبينك‏,‏ وسواء تحقق ذلك في المدي القريب أو البعيد‏,‏ فلسوف تظل دائما الأخ المخلص المحب لهن‏..‏ والحاضر دوما حين يحتجن اليك‏.‏



اما شقيقاتك فاني اذكرهن بانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وان قطع صلة الرحم من اكبر الكبائر‏,‏ وانهن يستطعن ان يعفين أنفسهن من وزرها دون التعرض لغضب الأم بالتحايل علي أوامرها‏,‏ والتواد عن بعد مع شقيقهن ولو سرا في بيوت بعض الأهل من حين لآخر‏,‏ أو في المناسبات أو عبر الأزواج أو بأي وسيلة للاتصال‏,‏ مع الالتزام بأوامر الأم بعدم زيارة بيته أو استقبال زوجته في بيوتهن إلي أن يغير الله من حال إلي حال‏.‏


أما والدتك فإني اعجب كيف لم يرق قلبها لهذين الطفلين اللذين جاءا إلي الحياة منذ عشرة شهور فلم تطلب رؤيتهما ولم تشعر بأي رغبة في ذلك حتي الآن؟



لقد حدث في كثير من القصص المماثلة ان كان مرأي الحفيد من الابن أو الابنة الخارجة علي طاعة الأهل لأول مرة بعد سنوات المقاطعة‏..‏ أثر السحر في إذابة جليد الجفاء والخصام بين الأبوين وبين الأبناء‏.‏


وكثيرا ما نصحت بعض من استشاروني في قصص مماثلة بأن يحملوا أطفالهم الرضع ويتوجهوا بهم إلي الأب الغاضب أو الأم الغضبي‏,‏ ويطرق أحدهم باب الشقة رافعا طفله بين يديه كأنما يحتمي به مما ينتظره فما ان يفتح الباب‏,‏ حتي يضع طفله بين يدي امه أو ابيه‏,‏ ويقول له انه يتقبل منه كل عقاب لكن هذا الطفل البرئ لاذنب له فيما فعل وهو يحتاج إلي جده وجدته كما يحتاجان اليه‏..‏ فهل يرفضانه؟



فتكون الاستجابة في معظم الحالات‏,‏ ان لم يكن في كلها‏,‏ هي الترحيب والدموع والاحضان والتجاوز عن الأخطاء وفتح صفحة جديدة في علاقة الطرفين‏.‏


فتري هل لو نفذت هذه النصيحة يمكن ان يكون لها بعض الأثر في تغيير مشاعر والدتك الصخرية تجاه طفليك؟ الحق انني لست علي ثقة من ذلك لكنه لابأس من التجربة ولو من باب استنفاد آخر الوسائل اذ لعل وعسي الله الذي ألان الحديد لعبده ونبيه داود عليه السلام‏,‏ يلين قلب والدتك لهما‏..‏ ولو انصفت لفعلت ولما حكمت علي نفسها بالحرمان من حفيدين جديدين يمكن أن يضيئا حياتها الخاوية ولو ادركت والدتك ان عاطفة الابن تجاه أمه لاتتعارض ابدا مع عاطفته تجاه زوجته واطفاله لما وضعت نفسها كطرف نقيض مع زوجتك وطفليك ولما اتخذت هذا الموقف المتعسف من زواجك منذ البداية‏.‏



فمكانة الأم سامية وراسخة في عمق اعماق القلوب حتي ولو لم يع البعض ذلك بوضوح واثرها في وجدان الانسان مما لا يمحوه‏,‏ الزمن‏,‏ فكيف تنزل بعض الأمهات عن هذه المكانة العليا الي محاربة طواحين الهواء والتنافس والتجاذب مع شريكة الحياة حول الابن المحبوب؟


لقد تذكرت وانا أقرأ رسالتك ماكان يحدث في الصين في الأزمان القديمة‏,‏ حين كانت العادة ان يعتزل الشاب الحياة فترة طويلة اذا مات احد ابويه وخاصة أمه‏,‏ فيترك كل متاع الدنيا ويتردد علي قبرها كل يوم ويمضي النهار الطويل الي جواره يتأمل في الحياة والموت‏,‏ ويشعر بأنه يؤدي بذلك واجبا تجاه امه أو يكفر عن تقصير سابق في حقها عليه‏.‏



وحين ماتت والدة حكيم الصين كونفوشيوس وكان في الرابعة والعشرين من عمره وزوجا وأبا ظل يتردد علي قبرها‏27‏ شهرا انصرف خلالها عن زوجته‏,‏ وانتهي به الأمر الي طلاقها بعد‏4‏ سنوات فقط من الزواج بسبب حزنه علي امه وإهماله لزوجته‏..‏ واختصر احد المؤرخين القصة في عبارة تقول‏:‏ ماتت امه فطلق زوجته‏!‏


فهل تدرك بعض الأمهات قيمتهن الحقيقية‏..‏؟ وهل يترفعن عن التناحر مع زوجات الأبناء حول مكانتهن في قلوب الأبناء‏.‏؟

حسام هداية
08-25-2011, 05:19 PM
التحول الكبير


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


فكرت كثيرا قبل أن أمسك القلم وأكتب اليك فأنا شاب متعلم مثقف متوسط الدخل لم استسلم للبطالة فتعلمت وتخرجت وفور تخرجي التحقت بوظيفة خاصة وكانت هي‏..‏ زميلتي‏..‏ انسانة متوسطة الجمال‏,‏ اعجبني فيها التواضع والقناعة وقبل كل هذا كانت من نفس مستواي الاجتماعي أي فقيرة مثلي فربط الحب بيننا ودون أي تفكير تقدمت لطلب يدها علي أن أقيم بعد الزواج في منزل اسرتي‏,‏ وتمت الموافقة من الطرفين وبمساعدة الأب تمت الخطبة ومن بعدها الزواج وبدأت حياتي وسط جو أسري سعيد وكانت أولي المفاجآت أن زوجتي لابد وأن تمر بفترة علاج لكي تنجب ورضيت بقضاء الله وبدأنا رحلة العلاج التي أثمرت في النهاية حورية من حوريات الجنة ومع قدومها تغيرت حياتي فقد فتح الله لي أبواب الرزق لأجد انفسي قد التحقت بالعمل الحكومي ويرزق الله والدي بميراث ليضعه في يدي وأبدأ مشروعا صغيرا ويرزقني الله بطفلتي الثانية ومعها رزقني الله رزقا وفيرا وأصبحت أبا لطفلتين كنت أقضي معهما أوقات فراغي ألعب وأمرح وأعيش عالم الطفولة والبراءة وانسي كل هموم الدنيا‏..‏ اذن أين المشكلة انها تتلخص في كلمة واحدة هي‏..‏ زوجتي‏..‏ نعم زوجتي‏..‏ الانسانة المتواضعة القنوعة اذ انه مثلما حدث التحول لي من العسر الي اليسر حدث لها هي الأخري تحول كبير ولكن الي الأسوأ‏..‏ فلقد بدأت تفتعل المشاكل بينها وبين أسرتي وأهملت الاهتمام بأطفالي وذهب الاحترام من نفسها للجميع فلم تعد تبالي احدا فراحت تثير المشاكل بينها وبين أمي بل بينها وبين أبي أيضا وأنا حائر في سر هذا التغير وحاولت اصلاحها ولم أفلح وراحت هي تهين أمي وأبي فانفجر بركان غضبي وطردتها من المنزل الي منزل اسرتها‏..‏ نعم فكل شيء يهون إلا أبي وأمي ولا أدري هل يسر الحال يحول الانسان الي النقيض أم يجعله يشكر الله علي نعمته‏..‏ لقد اتفقت مع ابي حلا للمشاكل أن أقوم بتأجير شقة سكنية لاعيش فيها مع أطفالي وكان نعم الاتفاق لكن تجارتنا تعثرت واحتاج والدي‏..‏ وقبل ان ينطق بها سلمته كل ما معي من مال علي أن أحصل عليه عندما تتحسن السوق وأجلت فكرة الشقة لحين تحسن الأحوال وأصبحت زوجتي تقيم اقامة كاملة عند اسرتها وانا عند اسرتي وأصبحت حياتي جحيما لبعد أطفالي عني‏..‏ إن زوجتي تأتي يوميا وقد انهارت تماما وتريد أن تعود وأنا رافض أن تدخل منزل الاسرة لسوء معاملتها لأبي وأمي ولكن بعد أطفالي مثل الخنجر يمزق قلبي‏..‏ ماذا أفعل بالله عليك‏..‏ لقد حاولت اصلاحها من ناحية أسرتي ولم أفلح وهي مصممة انها علي حق وأسرتي تعاملها بقسوة رغم أن كل هذا افتراء وكذب‏..‏ انها انسانة مستفزة من الدرجة الأولي فماذا أفعل‏..‏ هل انهي حياتي الزوجية وأبحث عن زوجة تقدر دور الأب والأم أم أصبر وأجمع ما أخذه والدي من مال وأحصل علي مسكن خاص بي؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


أنت محق في غضبك لكرامة ابيك وأمك‏,‏ لكنك قد بالغت في رد فعلك لخلافات زوجتك معهما حين طردتها من البيت وباعدت بينك وبين أطفالك‏..‏ فالزوجة مطالبة بالفعل باحترام أهل الزوج وبنفس القدر الذي يطالبون به باحترامها ومراعاة خصوصياتها اذا كانت تجمعهما حياة مشتركة‏..‏ لكنه علي الجانب الآخر فان المثل الانجليزي يقول يحتاج الأمر الي شخصين لكي تقع مشاجرة‏!‏


ومعني ذلك ان مسئولية المشاجرة تتوزع غالبا علي طرفين أو أكثر وخلافات الزوجة مع الأبوين خاصة في الحياة المشتركة لابد أن تؤخذ دائما بقدر كبير من التفهم والادراك لحقيقة أن احتكاكات الحياة اليومية لابد أن تفرز بعض الشظايا من حين لآخر‏,‏ فتطالب الزوجة بالصبر والحرص الأبدي علي احترام أبوي زوجها وأهله‏,‏ ويطالب الأبوان بالرفق بزوجة الابن‏..‏ والتجاوز عن بعض هناتها‏..‏ وتقدير متاعبها مع أطفالها ومسئولياتها‏,‏ ويطالب الزوج بالحكمة في التعامل مع شكوي الأبوين من زوجته‏,‏ وشكوي الزوجة من أهل زوجها والسعي الدائم للتهدئة‏,‏ مع تجنب التورط في عقد المحاكمات العائلية‏..‏ واجراء المواجهات التي يجد الزوج فيها نفسه ممزقا بين وفائه لابويه‏,‏ وبين مشاعره تجاه زوجته‏.‏



علي أية حال فإذا كنت تبحث عن سر التحول في شخصية زوجتك بعد أن تحسنت أحوالكم المادية بعض الشيء فأغلب الظن أنه اعتقادها أنك قد أصبحت الآن قادرا علي توفير مسكن مستقل لها ولأطفالها‏..‏ يعفيها من الاقامة في حياة مشتركة مع ابويك إلي مالانهاية وحلم المسكن المستقل حلم مشروع لكل زوجة‏,‏ وهي إن قبلت الاقامة في بداية الزواج في كنف أبوي زوجها فباعتبار ذلك حلا مؤقتا الي حين تتوافر الامكانات المادية لتحقيق الحلم المنشود‏.‏


ولقد لاحظت زوجتك أنك بعد تحسن أحوالك المادية لم تقدم علي أية خطوة علي طريق الاستقلال بحياتكما الزوجية‏,‏ وأرادت ان تذكرك بانها ليست سعيدة بالحياة المشتركة مع والديك‏,‏ فبدأت في استفزازهما وتوالت المتاعب والمشاكل‏.‏



فطمئنها علي أنك جاد في نية الحصول علي مسكن مستقل لكما حين تسمح الأحوال بذلك‏,‏ واصفح عنها مكتفيا بفترة العقاب السابقة وأعد أطفالك إلي أحضانك‏,‏ واطلب من والديك أن يعتبرا زوجتك ضيفة مؤقتة في بيتهما الي أن تستقل بحياتك الزوجية بعيدا عنهما خلال وقت قصير إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:22 PM
الرسالة السادسة


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة



أنا رجل أبلغ من العمر‏40‏ عاما نشأت في ريف الدقهلية لأب موظف وأم ربة بيت وأسرة محافظة مترابطة متدينة‏,‏ توفي والدي وأنا خارج مصر حيث أعمل لأبني مستقبلي‏,‏ وحضرت بعد‏3‏ سنوات وتم تجنيدي بالمؤهل فوق المتوسط‏,‏ وتم تعييني بمصلحة مرموقة‏,‏ وحصلت خلال عملي علي المؤهل العالي والدراسات العليا والدورات التدريبية التي يرشح لها أفضل العناصر‏,‏ وتوفيت أمي الصدر الحنون وتزوجت من انسانة ريفية هي صغري أخواتها‏,‏ وللعلم فهي الثامنة من اخوتها‏,‏ وانا الرابع‏,‏ وكلهم في مراكز مرموقة والحمد لله ومازلنا مترابطين متماسكين نحب بعضنا حبا صادقا أخويا عظيما‏,‏ والكبير يحترم الصغير سواء في أسرتي أو أسرتها وتزوجت منذ‏13‏ عاما وأنجبنا ثلاثة أولاد في التعليم وزوجتي تحمل مؤهلا متوسطا وموظفة‏,‏ ومنذ أيام تشاجرت معها بسبب خروجي مع بعض الأصدقاء‏,‏ وهم محترمون وعلي خلق ومراكزهم مرموقة ولا نفعل شيئا يغضب الله تعالي إنما نجلس بعض الوقت في المساء وزوجتي بطبيعتها تنام من العاشرة مساء‏,‏ ووصل الأمر الي أنني سببتها وتخاصمنا‏,‏ وفي اليوم الثاني أحسست بدوخة ولم أذق طعم النوم في هذه الليلة وذهبت الي معمل التحليل‏,‏ وفي المساء فوجئت بأن عندي السكر‏,‏


ولأريد شيئا من الدنيا إلا رحمة ربي‏,‏ والحمد لله أنني أخذت من الدنيا كل شيء بل وأعطيت اشياء كثيرة والحمد لله ابتغاء مرضاة الله‏,‏ ولكن زوجتي هذه لماذا وهي نائمة ترتدي بيجامة وفوق البيجامة قميصا منزليا‏,‏ ولماذا أسير في المنزل فأدوس علي دبابيس وبنس شعر ومشابك غسيل ولماذا لا يوجد ترتيب في المنزل‏,‏ ولماذا عدم المبالاة‏..‏ أنني لا ينقصني شيء وما أريده ويريده الرجال هو سيدة تحافظ علي ترتيب بيتها وترتدي ما يرضي الزوج وترضي بالحياة خاصة ونحن ميسورون‏,‏ أم تري هل الزوجة عندما تطيع زوجها يغضب عليها الله‏,‏ أو هل الزوجة عندما تعطي لزوجها أقل حقوقه تغضب الله‏,‏ هل الزوجة عندما تنظف نفسها وبيتها تغضب الله‏,‏ هل الزوجة عندما تكون سعيدة وبشوشة في وجه زوجها تغضب الله وهل معقول ان تنام الزوجة‏18‏ ساعة في اليوم بعيدا عن فراش الزوجية؟‏!.‏



أريد حلا لأنني يئست من الحياة وبدأت في التفكير في البعد عن المنزل لولا أولادي‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


هذه هي الرسالة السادسة التي اتلقاها منك في الشكوي من زوجتك‏..‏ وتعداد مناقبها‏!‏



والحق أنني اري ان معظم عيوب زوجتك قابلة للإصلاح بشيء من الجهد والنصح والصبر‏..‏ كما أن بعضها الآخر يمكن التجاوز عنه والقبول به كأمر واقع‏..‏ كما نتقبل ما لا نستطيع تغييره من ظروفنا الإنسانية أو الصحية أو الاجتماعية‏..‏ ونتعايش معه راضين أو كارهين‏,‏ فهون عليك يا صديقي وحاول الاستعانة بوالدي زوجتك علي حثها علي الاستجابة لما تريده منها‏,‏ ومحاولة إصلاح أمرها‏..‏ وعاتبها برقة فيما تراه مقصرة فيه بدلا من أن تطوي صدرك علي المرارة تجاهها فتتراكم المرارات‏,‏ وتقوم كالسد بينك وبينها‏..‏ وفي انتظار الرسالة السابعة لأعرف منها آخر التطورات‏,‏ وأرجو لك التوصل الي صيغة مريحة للطرفين مع زوجتك والسعادة وراحة البال‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:23 PM
الحلــم المتأخــر


بـريــد الأهــرام
42823
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
5
‏14 من محرم 1425 هـ
الجمعة



قرأت رسالة الخروج من الشرنقة للشاب الذي يشكو من محاولات والدته السابقة لإفساد أي مشروع زواج يقدم عليه‏..‏ ثم من محاولاتها بعد أن تزوج للاستئثار به دون زوجته‏,‏ ومحاولتها إجهاضها بعد أن حملت‏,‏ إلي آخر ما جاء في رسالته‏..‏ وقد دفعتني هذه الرسالة لأن أروي لك قصتي عسي أن تستفيد بها بعض الأمهات اللاتي يحتجن إلي النصيحة‏,‏ فأنا سيدة تزوجت من محاسب عمل لفترة طويلة بالخارج‏..‏ وصاحبته في مقر عمله بضع سنوات في البداية‏,‏ ثم حين تقدم الأبناء في مراحل الدراسة استقر رأينا علي أن أرجع بهم إلي مصر ليواصلوا دراستهم وأتفرغ لرعايتهم‏..‏ علي أن يأتي زوجي إلينا كل ستة أشهر‏,‏ ويقضي معنا شهر الإجازة الصيفية‏..‏ أو نذهب إليه نحن فيها‏..‏


واستقرت حياتنا علي هذا النحو‏..‏ وارتبطت خلال هذه الفترة بابني الاثنين ارتباطا شديدا حيث أصبحت بمثابة الأب والأم والمرشد والصديق لهما‏,‏ ولأنني قوية الشخصية بطبعي فلقد فرضت عليهما سيطرتي الكاملة‏..‏ بحيث لا يخطوان خطوة دون استشارتي وقبولي‏..‏ وإذا غضبت علي أحد منهما أنزوي خجلا وراح يستعطفني أن أسامحه وأعفو عنه‏,‏ أما زوجي فكان قد استسلم لسيطرتي عليه منذ البداية‏..‏ وراح يستجيب لكل طلباتي المادية والعائلية‏..‏ ورحت أنا أنفق ببذخ علي نفسي وبيتي وأشتري أشياء ربما لا أحتاج إليها‏,‏ لكني أتلذذ بعملية الشراء نفسها‏,‏ وأشعر بالفخر وأنا عائدة من الشارع محملة بأكياس الحقائب الجلدية والأحذية والملابس والاكسسوارات‏,‏ وتسعدني تعليقات الجارات والصديقات علي كثرة مشترياتي‏..‏



وواصل الابنان دراستهما إلي المرحلة الجامعية‏..‏ وتخرج الأبن الأكبر‏..‏ وكالعادة أحب ابنة الجيران وأراد أن يتزوجها وفاتحني في ذلك فرفضتها علي الفور لأنها من أسرة عادية وليست ثرية‏,‏ ولم اقتنع بما قاله لي من أنه يحبها ولن يجد سعادته إلا معها‏,‏ لأنني لا أعترف بالحب ولا أومن به‏..‏ وأؤمن فقط بأن الزواج لابد أن يكون متكافئا بين الطرفين في المال‏..‏ وحبذا لو كانت العروس أكثر ثراء لكي تشتري أثاثا فاخرا وتسهم بدخلها في نفقات الحياة‏..‏


ولم يقتنع ابني برأيي‏..‏ وصدمت لمخالفته لي لأول مرة‏..‏ لكني لم أستسلم للغضب حين ألح علي بالموافقة علي اختياره ومساعدته علي خطبة فتاته‏,‏ وقررت أن أتبع معه طريقة أخري‏,‏ فأقنعت أباه بأن نسايره ونتظاهر بالموافقة علي اختياره‏,‏ ثم أقوم أنا بطريقتي الخاصة بتدمير هذه العلاقةوإنهائها‏..‏ وفعلنا ذلك وسعد ابني كثيرا بتغير موقفي وصحبناه إلي بيت أسرة الفتاة لقراءة الفاتحة وتقديم الدبلة ـ وتظاهرت بالفرح والابتهاج بخطبة ابني‏.‏



ومن الأيام التالية علي الفور بدأت في التخطيط لإفشال هذه الخطبة‏..‏ وكان سلاحي هو الاستعلاء والتكبر علي أسرة الفتاة‏,‏ وانتهاز كل فرصة لإشعارها بتكبري عليها وبالفارق الاجتماعي والمادي بيننا وبينها‏..‏ وافتعال المشاكل معها‏..‏ ومحاولة الإيقاع بين ابني وفتاته‏,‏ لكنهما صمدا للعجب أمام كل هذه المحاولات وازدادا تمسكا ببعضهما بعضا‏..‏ فلم أجد في النهاية من وسيلة لتشويهها هي وأسرتها سوي الادعاء بأنهم طامعون في مالنا لأنهم فقراء‏.‏ ورحت أردد هذا الكلام في كل مكان لكي يصل إلي أسرة الفتاة‏..‏ وعاتبني بعض الأهل علي ذلك فلم أستجب لهم‏..‏ وواصلت حملتي علي أسرة الفتاة‏..‏ حتي حققت أغراضها وشعر والدها بجرح كرامته‏,‏ وتحدث إلي ابني أكثر من مرة‏..‏ وعاتبني ابني‏,‏ فأنكرت‏,‏ ولم يتحمل والدها الإهانة فبادر هو بفسخ الخطبة وحبس ابنته في البيت ومنع ابني من زيارتها أو الاتصال بها‏..‏ وشعرت أنا بالزهو والانتصار‏..‏ وتظاهرت بالأسف لفشل الخطبة‏,‏ ووعدت ابني بأن أرشح له من هي أفضل منها‏..‏ ولم يرق قلبي له وأنا أراه حزينا مكتئبا ويشعر بالإهانة‏,‏ وأنزوي ابني في غرفته لا يغادرها إلا إلي العمل‏,‏ وتوقف عن الكلام معي ومع أبيه‏..‏ ولم يعد يتحدث مع أحد سوي شقيقه الذي يصغره بعامين‏,‏ وبعد عدة شهور تزوجت الفتاة بإلحاح من أبويها من شاب مناسب وانتقلت إلي مسكن الزوجية‏,‏ وعلم ابني بذلك فازداد صمتا وانطواء وبعدا عنا‏,‏ وبعد شهور أخري فوجئنا به يجمع ملابسه وأشياءه الخاصة‏,‏ ويقول لنا إنه قد تعاقد للعمل في احدي الدول العربية وسيسافر إليها الليلة‏!‏



ودهشنا كيف لم يبلغنا بذلك من قبل‏,‏ وسألناه عن عنوان عمله ومسكنه في البلد العربي فأجاب باقتضاب بأنه لا يعرفهما بعد‏,‏ وأن مندوبا من الشركة سينتظره في المطار وينقله إلي استراحة الشركة‏..‏ ثم يستقر بعد ذلك في مسكن‏..,‏ إذن كيف نتصل بك‏..‏ ومتي ستتصل بنا لتطمئننا عليك؟ فيجيب بأنه سيتصل بشقيقه ويبلغه بكل شيء‏..‏ وسافر وأنا في شدة الضيق والعصبية والغم‏..‏ فلقد خرج عن نطاقي نهائيا‏,‏ وأصبح يفكر ويخطط ويتصرف وحده‏.‏


وانتظرت أن يتصل بنا بعد وصوله إلي مقر عمله‏..‏ فلم يتصل‏,‏ وعلمت أنه يتصل بشقيقه علي التليفون المحمول من حين لآخر‏,‏ ويطمئنه علي أخباره‏,‏ لكنه لايسأل عن أبيه وأمه خلال الاتصال‏,‏ ولا يعطي أخاه عنوانه أو رقم تليفونه لكيلا نعرفه منه‏..‏ ولكي يكون صادقا أقسم لنا أنه لا يعرفهما ومضت بنا الأيام‏..‏ وجاء اليوم الذي فاتحني فيه ابني الأصغر برغبته في الزواج‏..‏ ورحبت بذلك ووعدته بأن أختار له عروسا ممتازة له‏..‏ ولأنه قد تعلم من درس تجربة أخيه فلم يعارض وإنما استسلم لكل رغباتي ووافق علي الفتاة التي اخترتها له وقبل بكل ما أمليته عليه من خطوات وشروط‏..,‏ وأبدي أهل الفتاة قدرا كبيرا من المرونة فلم يتمسكوا بشيء اعترضت عليه أو رفضته‏..‏ وكأنما قد خبروا قدرتي علي الهدم والتدمير فخشوا أن استخدمها معهم‏.‏



وتم زواج ابني الأصغر تحت إشرافي ووفقا لشروطي‏..‏ وإبني يستجيب لكل ما أقرره طلبا للسلام‏,‏ وامتثلت زوجته لأوامري في كل شيء حتي مواعيد حضورها مع ابني للزيارة كما أردتها‏..‏ ولأوامري لها بعدم زيارة أهلهاإلا مرة واحدة لبضع ساعات كل شهر‏,‏ وبدا أن الجميع سعداء وراضون بسيطرتي وأوامري‏..‏ لكني فوجئت بعد عدة شهور بابني الأصغر يبلغني بأنه سيسافر بعد غد إلي البلد العربي الذي يعمل به شقيقه‏,‏ لأنه تعاقد للعمل بإحدي الشركات هناك بمساعدة أخيه‏,‏ وأنه سيقيم معه لفترة في البداية‏,‏ ثم يتخذ لنفسه مسكنا مستقلا ويستدعي زوجته بعد أن تضع حملها خلال أسابيع‏!‏ يا ربي متي حدث كل ذلك؟ ولماذا لم تبلغني به في حينه‏,‏ ولماذا أفاجأ دائما بنبأ رحيل ابني قبل موعد الطائرة بساعات؟ وبغير أن يجيب أدركت أنا أنه قد عمل بوصية شقيقه الأكبر له‏,‏ بأن يتكتم نية السفر عني وعن أبيه لكيلا أعترض أو أثير له المشاكل أو أضيع عليه الفرصة‏,‏ كما أضعت علي ابني الأكبر حلمه بالزواج من فتاته‏.‏ وثرت ثورة هائلة وصببت جام غضبي علي رأس ابني وزوجته التي اتهمتها باللؤم والخبث وسوء الطوية والتخطيط لانتزاع ابني من أمامي‏,‏ وانهلت باتهاماتي علي أهلها وأسرتها‏..‏ حتي زوجي لم ينج مني بالرغم من قسمه لي بأنه لم يعرف بالخبر إلا مني‏.‏



وتحمل الجميع ثورتي لكن زوجة ابني بكت طويلا وشعرت بالمهانة وأقسمت ألا تدخل لي بيتا مرة ثانية‏,‏ فلم أتوان عن طردها من البيت أمام زوجها‏,‏ وسافر ابني وهو ممرور مني لإهانتي له ولزوجته ومنعتني كبريائي من أن أطلب منه أن يتصل بنا للاطمئنان عليه وابلاغنا برقم تليفونه‏..‏ وآثرت الاستعلاء علي إظهار أي ضعف أمومي تجاهه‏.‏


ومضت الأيام والأسابيع وهو لايتصل بنا‏..‏ وتصورته وهو يروي لشقيقه في الغربة ما فعلته معه‏..‏ ويشتركان معا في مهاجمتي وانتقادي فامتلأت نفسي سخطا وغضبا‏,‏ وقررت أن أتحدي الضعف وأثبت للجميع أنني لم أخسر شيئا‏..‏ وانما الخاسر هما ابناي‏..‏ فنهرت زوجي حين اتهمني بتطفيش الابنين والقسوة عليهما حتي ابتعدا عنا‏..‏ وطلبت منه ألا يعود للحديث في هذا الموضوع مرة أخري‏,‏ وبدأت أكثر من الخروج وحدي أو مع زوجي في زيارات عائلية واجتماعية وإلي النادي‏..‏ وفرضت علي زوجي أن نسافر في رحلات سياحية إلي أجمل الأماكن في مصر من شرم الشيخ إلي الغردقة إلي الأقصر وأسوان وأنفقت بجنون‏..‏ وغيرت سيارة زوجي التي أقودها نيابة عنه‏,‏ وجددت أثاث الشقة واندمجت في شلة صديقات جدد بالنادي‏,‏ وأصبحنا نقضي وقت الضحي والظهيرة معا ثلاث مرات اسبوعيا بالنادي‏..‏ وبدوت أمام الجميع دائما سيدة قوية وميسورة الحال وسعيدة بحياتها وزوجها ويعمل أبناؤها بالخارج‏,‏ وخلال ذلك ترامت إلي أنباء غريبة‏..‏ فلقد سمعت أن الفتاة التي كان ابني الأكبر يريد أن يتزوجها قد فشلت في حياتها الزوجية التي فرضت عليها وطلقت من زوجها ومعها طفلة في الرابعة من عمرها وليس في ذلك شئ عجيب في


حد ذاته‏..‏ أما العجيب حقا فهو أن ابني قد علم بوسيلة أو بأخري بطلاقها‏,‏ فاتصل بأهلها وسأل عن موعد انتهاء العدة واتصل بالفتاة‏..‏ وفي الموعد المناسب جاء لمصر وتقدم لأهلها وحده دون أي فرد من عائلته وقبل به أهلها علي هذا النحو لسابق تجربتهم معي‏,‏ وعقد قرانه عليها‏..‏ وعاد من حيث جاء‏,‏ ولم يقض في مصر سوي‏48‏ ساعة‏,‏ لم يتصل خلالها بنا ولم يزرنا‏..‏ وبعد أسبوعين سافرت إليه فتاته القديمة مع طفلتها وبدآ حياتهما الزوجية التي تأخرت خمس سنوات بسببي‏!‏


وشعرت بغصة شديدة في حلقي ومرارة أشد في قلبي‏..‏



إلي هذا الحد نسي ابني الأكبر أمه وأباه‏..‏ وكره أن يراهما أو يتحدث إليهما‏,‏ وما ذنب أبيه وهو كما يعرف عنه مغلوب علي أمره معي‏,‏ ولم يرد له ما حدث‏,‏ ألم يشعر بالشوق إلي أبيه بعد ثلاث سنوات من الغياب‏.‏


لقد علم والده بما جري بعد عدة أسابيع فحزن حزنا شديدا واشتدت عليه وطأة المرض حتي لازم الفراش‏,‏ ولم يعد قادرا علي مغادرته إلا إلي الحمام وبصعوبة شديدة‏,‏ ووجدت نفسي أقضي معظم أوقاتي إلي جواره أرعاه وأحاول تعويضه عما جنيته عليه‏,‏ وفي هذه الفترة بدأت ولأول مرة في حياتي الاقتراب من الله‏,‏ فانتظمت في الصلاة ولم أكن أواظب عليها من قبل‏..‏ وبدأت أقرأ القرآن كل يوم لمدة نصف ساعة‏..‏ وأستمع إلي إذاعة القرآن الكريم التي لايسمع زوجي سواها‏,‏ وكنت أضيق بها من قبل‏..‏ وبدأت أشياء كثيرة داخلي تتغير‏..‏ فندمت علي تكبري علي الآخرين وغروري واحتقاري للضعفاء والبسطاء‏,‏ وعلي بعدي عن الله في معظم سنوات عمري‏,‏ وأسفت أشد الأسف علي ما فعلت بأسرة فتاة ابني الأكبر وادعاءاتي عليها وعلي ابنتها بالباطل‏,‏ وعلي تدبيري لإفشال خطبته لها وقسوتي علي ابني الأصغر وزوجته‏,‏ ونظرت في المرآة فوجدت الجمال الذي كنت أتيه خيلاء وغرورا به قد بدا يذبل‏,‏ والقوة التي اعتززت بها تتحول إلي ضعف ووحدة‏..‏ وأيام وليال موحشة وكئيبة لايزورنا خلالها أحد ولا يسأل عنا أحد حتي أقرب الناس إلينا وهما ابناي‏..‏ انني نادمة علي كل ما فعلت وأريد أن يعرف ابناي ذلك وأن


يتصلا بأبيهما المريض الذي يبكي كل يوم وهو يتحدث عنهما ويتشوق إليهما‏,‏ ولن أفرض نفسي عليهما إذا أرادا ألايتكلما معي‏..‏ لأن المهم هو أن يتحدثا إلي أبيهما ويعيدا إليه البسمة والأمل في الحياة‏..‏ فهل يفعلان وهل تكتب لهما كلمة تناشدهما فيها أن يفعلا ويعفوا عما سلف ويفتحا معي ومع أبيهما صفحة جديدة خالية من المرارات؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


النجاح الحقيقي لأي أم حكيمة هو أن تملك أبناءها بالحب والعطف والفهم‏,‏ والعطاء المستمر لهم من ينبوع الحنان الدافق في أعماقها من البداية للنهاية‏,‏ وفي مقابل هذا العطاء الدائم يرتبط الأبناء بالأمهات والآباء ارتباطا أبديا يسري في شرايينهم‏..‏ فتقطر حبا وعطفا وبرا ووفاء للأبوين‏,‏ أما امتلاك الأبناء بالتسلط وقهر إرادتهم وفرض رغائبنا وأفكارنا نحن عليهم دون تبصر أو مراعاة لرغباتهم وارادتهم واستقلاليتهم‏..‏ فهو نجاح مزيف ومؤقت‏,‏ إذ لا يلبث أن ينكشف عن فشل تام في إنشاء العلاقة السوية العميقة مع الأبناء‏..‏ ولايلبث أن ينكشف عن بركان من التمرد والنفور والعدوانية تجاه الأم المسيطرة أو الأب المسيطر‏,‏ بمجرد أن يملك الأبناء مقاديرهم ويستطيعوا الاستغناء عن الاعتماد علي الأبوين في متطلبات حياتهم‏..‏ بل إن بعضهم قد يبدأ هذا التمرد وهو مازال معتمدا علي أبويه من الناحية المادية‏..‏ معتمدا علي قدرته علي ابتزازهما والحصول علي ما يريد منهما‏..‏


ولأن الأمر كذلك فلقد عجبت وأنا أقرأ في رسالتك إنك قد شعرت بالزهو والانتصار حين نجحت في تدمير خطبة ابنك الأكبر وحرمانه من حلمه بالزواج منها‏,‏ لغير شئ سوي أنه قد اختار لنفسه بدلا من أن يواصل الاعتماد عليك في اختيارات الحياة‏,‏ كما كان الحال وهو فتي‏,‏ وبدعوي أن الفتاة من أسرة عادية وليست ثرية‏..‏ وكان عجبي لإحساس الانتصار في حرمان ابن طيب لم تبدر منه أية بادرة سوء تجاه أبويه من حبه وحلمه في الزواج والسعادة حتي ولو كان أبواه غير مقتنعين تماما بأنه قد اختار الأفضل لنفسه‏,‏ فلقد كان من حقه أن يحقق أحلامه ويخوض تجربته مادام الاختيار في النهاية في الإطار العام المقبول وليس في الفتاة أو في أسرتها مثالب واضحة تدين اختياره؟



إن بعض مواقف الحياة قد تجرفنا‏,‏ إن لم نتنبه لذلك ـ إلي تحديات مع أقرب البشر إلينا يكون انتصارنا فيها أكثر إيلاما لنا في الحقيقة من هزيمتنا‏,‏ لأننا لاننتصر فيها للأسف إلا علي فلذات الأكباد‏,‏ ولأننا نتجرع مرارة هزيمتهم قبل أن يتجرعوها‏,‏ كما أن الانتصار الحقيقي هو الذي يتحقق علي أهواء النفس وأنانيتها وميلها الغريزي للتسلط علي الأحباء‏,‏ وليس علي ثمرات القلب وأحلامهم البسيطة‏.‏


لقد فاتتك يا سيدتي أشياء كثيرة خلال رحلة الحياة‏,‏ ولقد تفكرت طويلا في أسباب ذلك فلم أجد تفسيرا له سوي في اعترافك ببعدك معظم سنوات الرحلة عن الله سبحانه وتعالي‏,‏ واعتزازك بأعراض الدنيا الزائلة‏,‏ وتكبرك وغرورك بمالك وجمالك وسطوتك علي زوجك وابنيك‏.‏



والحكمة القديمة تقول إن الاستبداد هو الأب الشرعي للمقاومة‏..‏ ولهذا فلقد شق عليك ابنك الأكبر عصا الطاعة وابتعد عنك وعن أبيه لإحساسه بالقهر معك وإيمانه بمسئوليتك عن تدمير خطبته السابقة وحرمانه من السعادة مع فتاته‏,‏ وتلاه ابنك الأصغر لإهانتك له ولزوجته واستبدادك بهما معا‏,‏ وفرضك عليهما أسلوب حياتهما ومواعيد زيارتهما لك ولأهل الزوجة وغير ذلك من أمور الحياة‏..‏


ولاعجب في ذلك فالكأس الممتلئة تفيض بما فيها فجأة ودون سابق إنذار‏.‏



انني لا أقر مقاطعة ابنيك لك ولأبيهما بالرغم من تفهمي لأسبابها والتماسي لبعض العذر لهما فيما فعلاه‏...‏ لأن هذه القطيعة التامة هي في النهاية جنوح عن جادة الرحمة والعدل‏,‏ يوقعهما في إثم عقوق الوالدين‏,‏ وهو إثم لو تعلمون عظيم‏..‏ ولقد كان في مقدور الابن الأكبر أن يبقي علي شعرة معاوية مع أبويه مهما كانت مرارته من أمه‏,‏ وأن يطلعهما علي عنوانه ووسيلة الاتصال به‏,‏ ويعفي ضميره من الإحساس بالذنب بالكتابة إليهما كل حين أو الاتصال بهما كل فترة‏,‏ ودون أن يسمح بما يخشاه من محاولتك استعادة السيطرة أوإملاء إرادتك عليه‏..‏ وبذلك يدفع عن نفسه وزر العقوق والإحساس بالذنب‏..‏ ويحتفظ باستقلاليته كما يشاء‏,‏ خاصة أنه قد تحرر بالفعل من قيود الأم الحديدية وحقق حلمه المتأخر بالزواج من فتاته‏..‏ فلماذا يفسد سعادته بتحمل وزر قطع صلة الرحم مع أبويه؟


أما بالنسبة لابنك الأصغر‏..‏ فلقد مضت شهور منذ سافر غاضبا شاعرا بالإهانة لنفسه وزوجته‏..‏ فلماذا لم تسعي أنت للإصلاح بينك وبين زوجته قبل أن تلحق به في الغربة‏..‏ ولماذا لم تحصلي منها علي عنوانه أو عنوان ابنك الأكبر‏,‏ لقد فاتك ذلك أيضا ضمن ما فاتك خلال انغماسك في تحدي مشاعر الأمومة وإنكار الضعف ومحاولة التظاهر بأنك لم تخسري شيئا‏..‏ وعلي أية حال فإن الزمن خير دواء للجراح‏..‏ ولابد أن تكون نفس ابنك قد برأت الآن من المرارة والغضب‏..‏ وأصبح مستعدا نفسيا للتجاوز عما حدث‏..‏ كما أنني أحسب أن ابنك الأكبر وقد حقق لنفسه ما أراده ما عاد يسعده أن يصم نفسه بقطيعة أبويه وعقوقهما‏..‏



والمشكلة فقط هي فيمن يبدأ الخطوة الأولي‏..‏ غير أن المنطق يقول إن هذه الخطوة لابد أن تجئ من الابنين لسبب بسيط‏,‏ هو أنهما يعرفان كيف يتصلان بأبويهما ــ في حين يعجز الأبوان عن القيام بمثل هذا الاتصال‏..‏ وإني علي ثقة من أنهما سوف يتجاوزان عما جري‏,‏ ويحرران نفسيهما من وزر العقوق وقطع الرحم‏..‏ ويفتحان صفحة جديدة مع أبويهما خالية من المرارات والأحزان‏.‏


فكل شئ إلي زوال‏.‏ ولا يبقي إلا العمل الصالح‏,‏ ولا معني لأي نجاح يحققه الإنسان وهو محروم من الأهل والأحباب والمشاعر الأبوية والإنسانية الصادقة‏.‏



ولقد روي الأديب والمفكر الفرنسي أندريه مالرو في مذكراته أنه في نهاية حوار طويل في أواخر الحرب العالمية الثانية بين الزعيم السوفيتي ستالين والزعيم الفرنسي ديجول عمن سوف ينتصر في الحرب قال ستالين‏:‏


ــ في نهاية الأمر لاينتصر إلا الموت‏!‏



فإذا كان الأمر كذلك‏,‏ فلماذا نبدد فرصة العمر القصيرة في القطيعة والخصام واجترار المرارات؟

حسام هداية
08-25-2011, 05:26 PM
الذكريـــات المريـــرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42830
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
12
‏21 من محرم 1425 هـ
الجمعة


قرأت رسالة ماكينة الخياطة للطبيب الذي يروي قصة كفاحه في الحياة حتي استطاع أن يكمل تعليمه ويصنع نجاحه بمساعدة رجل فاضل‏,‏ كان يرسل اليه علي غير سابق معرفة مبلغا شهريا خلال دراسته للطب‏..‏ إلي أن استطاع أن يعتمد علي نفسه ويكسب رزقه من تفصيل البنطلونات للطلبة علي ماكينة خياطة في غرفته بالمدينة الجامعية‏..‏ وكيف يبحث الآن عن هذا الرجل الكريم ليرد له أو إلي أي فرد من أسرته دينه عليه‏.‏ ولقد حسمت هذه الرسالة ترددي في أن أكتب لك بالرغم من مراودة الفكرة لي منذ فترة طويلة‏..‏ ففي قصتي مع الحياة أنا أيضا ما قد يفيد بعض القراء‏..‏


وأبدأ من البداية فأقول لك إنني نشأت ابنا وحيدا لأب يعمل موظفا حكوميا‏..‏ وأم لا تعي الذاكرة منها إلا أطيافا غائمة‏..‏ لأنها رحلت عن الحياة وأنا في السادسة من عمري‏,‏ وعشت وحيدا مع أبي الطيب‏..‏ يرعاني ويهتم بأمري ويصاحبني في أوقات المذاكرة‏,‏ ويصطحبني معه في زياراته لشقيقه‏..‏ وشقيقته أو أصدقائه‏..‏ ولا يطمئن إلا إذا كنت أمام ناظريه‏..‏ فحتي حين يذهب إلي المقهي ليلعب الطاولة مع بعض أصدقائه كان يجلسني إلي جواره‏.‏



وهكذا عشنا معا صديقين متلازمين حتي بلغت سن الثالثة عشرة‏,‏ وعدت من المدرسة ذات يوم فوجدت مسكننا يعج بالرجال والسيدات‏..‏ ومن بينهن عمتي التي استقبلتني بالبكاء‏..‏ واحتضنتني وأبلغتني أن أبي قد توفاه الله فجأة وهو جالس إلي مكتبه في عمله‏..‏ وأنني الآن قد صرت رجلا وطالبتني بألا أبكي‏..‏ وأن أقف بين الرجال لتلقي العزاء في أبي‏..‏ وبالفعل فإنني لم أبك حين عرفت بما حدث‏,‏ وانما أصابني الذهول‏..‏ وراح جسمي ينتفض لا إراديا طوال اليوم واستضافتني عمتي في بيتها لفترة نعمت خلالها بعطفها علي وحنانها‏..‏ ثم قيل لي إنني يجب أن أنتقل للإقامة في بيت عمي‏,‏ لأن زوج عمتي يتضرر من وجودي بين بنتيه اللتين تكبرانني ببضع سنوات‏,‏ وانتقلت إلي بيت عمي الذي تولي الوصاية علي‏..‏ وكان أبي قد ترك لي معاشا ضئيلا لا يتجاوز‏11‏ جنيها ونصيبا علي المشاع في فدان من الأرض كان قد ورثه مع عمتي وعمي‏,‏ وفي بيت عمي هذا أدركت معني اليتم الحقيقي وافتقاد النصير‏,‏ فلقد واجهني من اليوم الأول بأنه لا مكان لي للمبيت سوي الأرض في غرفة ابنيه‏,‏ لأن الفراش لا يتسع لغيرهما‏..‏ والغرفة الأخري مخصصة لبنتيه‏,‏ فلم أعترض لكن ليالي الشتاء القاسية كانت تشق علي فطلبت منه أن يشتري لي مرتبة صغيرة أنام عليها‏,‏ فرفض بحجة أن الحالة لا تسمح بذلك‏,‏ وشيئا فشيئا وجدتني أتحول تدريجيا إلي خادم للأسرة وليس عضوا فيها من دمها ولحمها‏..‏ فزوجة عمي تنتظر عودتي من المدرسة لتكلفني بأعمال البيت وشراء الخضار وكي ملابس ابني عمي وابنتيه‏..‏ وغسل الأطباق‏,‏ ناهيك عن يوم التنظيف الاسبوعي الذي يتعين علي فيه أن أمسح تحت اشرافها الشقة كلها‏,‏ وابناؤها يتسلون بمشاهدة التليفزيون‏..‏ فإذا خلوت من كل الواجبات وبدأت أذاكر دروسي في الصالة لم أسلم من لومها لي لإسرافي في استخدام الكهرباء‏,‏ وشكواها من فاتورتها‏..‏ فاختلس ساعة للمذاكرة علي الأكثر وأسرع بإطفاء النور‏..‏ وقد تقطع علي مذاكرتي بتكليفي بالخروج لشراء شيء للبيت أو للأولاد‏.‏



أما عمي فقد رفض أن يعطيني مصروفا يوميا أو اسبوعيا‏,‏ بحجة أنني أتناول الطعام والشراب في البيت‏..‏ في حين كان أبناؤه جميعا يحصلون علي مصروفهم وينفقونه علي شراء الحلوي والأشياء الصغيرة‏..‏ وحتي الحلاقة كان يرفض أن يعطيني أجرتها‏..‏ ولما طال شعري كثيرا وأصبح منظري منفرا أحضر شفرة حلاقة وطلب مني أن أحلق لنفسي مستعينا بوضع الشفرة علي حد المشط وتمريره فوق شعري‏..‏ ولم أجد مفرا من أن أفعل ذلك‏..‏ أما الكتب والكراريس فلقد قال لي صراحة إن معاشي ونصيبي من الأرض لا يكفيان لطعامي وشرابي‏,‏ وعلي أن أتصرف في بقية احتياجاتي‏,‏ فكنت أجمع الكشاكيل القديمة لابني عمي وأنزع منها الصفحات البيضاء وأصنع منها كراسات‏..‏ وأستعير الكتب من زملائي‏..‏ وأعرض خدماتي يوم الجمعة كل أسبوع علي محال المكوجية والبقالة والفاكهة لأعمل لديها مقابل‏5‏ قروش‏..‏ بل لقد عملت في محل لتصليح الأحذية أربع جمع مقابل اصلاح حذائي المخروق بالمجان‏..‏


ناهيك عن أنني أمضيت السنوات الثلاث الأولي من إقامتي عند عمي دون شراء أية قطعة ملابس حتي صغرت علي ملابسي بشكل فاضح‏,‏ لأن الشاب ينمو جسمه بسرعة خلال هذه المرحلة‏..,‏ ورجوت عمي مرارا أن يشتري لي بنطلونا وقميصا مناسبين لطولي وحجمي دون جدوي‏,‏ وزاد الطين بلة أن جسمي ابنيه بالرغم من أن أحدهما يماثلني في السن والآخر يصغرني بسنة‏,‏ ضئيلان بحيث لا أستطيع الاستفادة من ملابسهما القديمة‏,‏ وحين أصبح منظري مثيرا للرثاء توجهت إلي عمتي وشكوت لها حالي‏,‏ فبكت وقدمت لي جنيهين هما كل ما تستطيع مساعدتي به‏,‏ فأخذتهما وتوجهت إلي سوق الكانتو واشتريت بهما بنطلونا وقميصا من مخلفات المعسكرات‏,‏ ومضت بي الحياة علي هذا النحو‏..‏ وزاد من معاناتي أنني لم أتعثر دراسيا في حين كان ابنا عمي ينجحان سنة ويرسبان أخري‏..,‏ وبدلا من أن يعترف لي عمي وزوجته باجتهادي برغم ظروفي القاسية ازدادا نفورا مني حتي لم يعد أحدهما يطيق النظر في وجهي‏.‏



وجاءت اللحظة الفاصلة حين عدت ذات يوم من مدرستي فوجدت عمي وزوجته وأبناءه علي هيئة مجلس للعائلة يتناقشون بصخب وعمي ثائر لكثرة المصروفات وزوجته تدافع عن نفسها‏,‏ بأنها تفعل المستحيل لتدبير معيشة الأسرة بأقل التكاليف‏,‏ لكن ابن أخيك يسرق الطعام من المطبخ في الليل‏..‏ ويأكل كثيرا‏..‏ ولو لم يكن يفعل ذلك لما نما جسمه علي هذا النحو الهائل‏!‏


ياربي‏..‏ أسرق الطعام؟ إنني أحافظ علي صلاتي منذ كنت في السابعة من عمري وأصوم رمضان وصيام التطوع وكثيرا ما صمت يومي الاثنين والخميس‏,‏ وكثيرا ما اكتفيت بوجبة واحدة وتغاضيت عن تفضيل زوجة عمي لأبنائها بأطايب الطعام والقائها لي ببقاياه‏..,‏ وكثيرا ما تحلب ريقي وهي تجمع أبناءها في غرفة الأولاد في المساء ليتناولوا عشاء خاصا‏,‏ وأنا جائع في الصالة ولا يفكر أحد في دعوتي للانضمام إليهم‏..‏ وبعد ذلك أتهم بسرقة الطعام‏,‏ كان هذا آخر احتمالي فانهرت باكيا‏,‏ وقلت لعمي وللجميع إنني تحملت الذل صابرا في هذا البيت مراعاة لظروفي ويتمي‏,‏ لكن أن يصل الأمر إلي حد هذا الاتهام المقزز فلا‏..‏ ولسوف أغادر البيت وأرجع إلي شقة أبي وأواجه حياتي معتمدا علي نفسي وأريد منه أن يعطيني معاشي كل شهر لأدفع إيجار الشقة وتكاليف الحياة‏.‏



وجمعت ما تبقي لي من هلاهيل وكتبي ومددت يدي إلي عمي وكنا في منتصف الشهر طالبا نصف المعاش‏,‏ وبعد عذاب قبل بمغادرتي لمسكنه‏,‏ لكنه رفض أن يعطيني معاشي كاملا وهو‏11‏ جنيها‏,‏ وقال لي إنه سيخصم منه ثلاثة جنيهات كل شهر مقابل نفقاتي الاضافية خلال إقامتي لديه‏!‏


ولم أجد مفرا من القبول‏..‏ وأخذت مفتاح شقة أبي‏..‏ وتوجهت إلي صاحبة البيت التي تقيم في الدور الثاني منه‏,‏ وكنت أمر عليها من حين لآخر وأشرب لديها الشاي وتعطف علي‏,‏ فرويت لها ما حدث وقلت لها إنني سأعيش وحدي في الشقة بغير مورد سوي ثمانية جنيهات سأدفع لها منها أربعة مقابل الايجار وأعيش بالباقي‏,‏ وسأعمل لأغطي بقية نفقاتي‏,‏ فبكت وترحمت علي أمي وأبي وطلبت ألا أدفع لها الإيجار إلي حين تتحسن أحوالي وأصبح قادرا علي ذلك‏.‏



ووحيدا تماما من الأهل والأقارب واجهت الحياة في هذه الشقة الصغيرة‏..‏ وشعرت برغم قلة الدخل وجفاف الحياة بالأمان والاستقرار‏,‏ وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير يؤهلني للالتحاق بكلية الهندسة‏..‏ وسعدت بذلك‏..‏ وخلت نفسي من الشماتة لنجاح ابن عمي بمجموع ضعيف لا يؤهله إلا للالتحاق بأحد المعاهد‏..‏


وتفضل عمي‏,‏ الذي كان يراوغني كل شهر في دفع المعاش وأطارده عدة مرات حتي يدفع‏,‏ بزيارتي في مسكني زيارة خطيرة لينصحني من أجل مصلحتي بالاكتفاء بهذا القدر من التعليم والبحث عن وظيفة كتابية‏..‏ أو الالتحاق بأي معهد لمدة سنتين والعمل‏,‏ وشكرت له حرصه علي مصلحتي وأكدت له أنني سأفعل ما فيه صالحي بإذن الله‏.‏



وفي اليوم التالي قدمت أوراقي لمكتب التنسيق وحددت رغبتي الأولي وهي كلية الهندسة‏.‏ وقبلت بها‏..‏ ولن أروي لك عما تكبدته من عناء وحرمان وكفاح خلال دراستي للهندسة مستعينا بالعمل في المساء في مكتب هندسي‏..‏ وفي هذا المكتب نشأت صداقة حميمة بيني وبين زميلين بنفس الكلية والمكتب أصبحنا بفضلها أخوة مخلصين وتعاهدنا علي أن يساعد أحدنا الآخر إذا حقق نجاحا يسمح له بذلك‏.‏


وحصلت علي بكالوريوس الهندسة بتقدير جيد جدا‏,‏ وعينت معيدا بنفس الكلية وبدأت التحضير للماجستير في حين رفض صديقاي العمل في مصر‏..‏ وسافرا لاستكمال دراستهما العليا والعمل في أمريكا‏.‏



وفي غمرة سعادتي بتوفيق الله سبحانه وتعالي لي وشكري له علي أن أعانني علي تحمل ظروفي حتي وصلت إلي بر الأمان‏,‏ زارني عمي لا ليهنئني بالنجاح والتعيين‏,‏ وانما ليطلب مني أن أرد له الجميل بخطبة ابنته الكبري التي صادفها حظ عاثر في زواجها وطلقت من زوجها ولديها طفلة في الثالثة من عمرها‏..‏ مؤكدا لي أن هذا هو واجبي نحوه وابتسمت رغما عني وقلت له انني اعتبر ابنته أختا لي ولا أستطيع التفكير فيها أبدا كأنثي‏..‏ لهذا فاني أشكره علي حسن ظنه بي واعتذر عن هذا الشرف الذي لا أستحقه‏..‏ وعبثا حاول إقناعي فوجدني صامدا لا أتغير فغادرني ناقما علي جحودي‏!‏


وحصلت علي الماجستير وبدأ صديقاي المقيمان في أمريكا يكتبان إلي طالبين مني اللحاق بهما‏..‏ وأرشداني إلي جامعة قريبة من مقرهما لأكتب لها طالبا منحة دراسية لدراسة الدكتوراه فيها‏..‏ فكتبت إليها وفوجئت بقبولها لي فاعددت أوراقي للسفر وسافرت واجتمع شملنا من جديدا وأقمت معهما في شقتهما‏..‏ والتحقت بالجامعة‏,‏ وتوالت الأحداث سريعة بعد ذلك‏,‏ فحصلت علي الدكتوراه‏,‏ وألح علي صديقاي بالبقاء في أمريكا والعمل في احدي جامعاتها وقلبت الفكرة في رأسي فتساءلت‏:‏ لمن أعود في مصر وليس لي فيها أب ولا أم ولا أخ‏..‏ ولا عم ولا خال‏,‏ ولماذا لا أستمر هنا بضع سنوات حتي إذا ثقلت علي الغربة رجعت إلي بلدي في أي مرحلة من العمر؟



وهكذا راسلت بعض الجامعات فتلقيت عرضا بتعييني أستاذا بجامعة أخري بنفس المدينة‏,‏ واستمرت بذلك صحبتنا نحن الثلاثة‏..,‏ وبعد أن استقرت أحوالنا بحثنا عن أقرب مسجد لمدينتنا لكي نؤدي فيه صلوات الجمعة بعد أن كنا نؤديها في بيت أحد المصريين المهاجرين‏,‏ واهتدينا إلي مسجد علي بعد‏40‏ كيلو مترا من مدينتنا‏,‏ فأصبح قبلتنا وواحتنا‏,‏ نتوجه إليه يوم الجمعة وفي الأعياد والمناسبات‏..‏ ونطهو الطعام في رمضان في مسكننا ونحمله إليه لنتناول افطارنا مع رواده‏,‏ وجمعتنا صداقة متينة بإمام المسجد وهو مصري مهاجر منذ‏30‏ عاما ومثقف ويجيد الانجليزية‏,‏ وفي احدي جلسات الصفاء معه رويت له ذكرياتي المريرة في بيت عمي ويتمي وقلة حيلتي وهواني علي الناس‏..‏ فربت علي كتفي وقال لي إنه لا بأس بأن أتذكر ذلك من حين لآخر لكي أدرك نعمة الله التي أسبغها علي الآن وأقدرها حق قدرها‏,‏ ولكن بشرط ألا تفسد علي هذه الذكريات صفاء نفسي أو تدفعني لكراهية رموز هذه الذكريات ومحاولة الانتقام منهم‏.‏


والحق إن هذه الكلمات قد أثرت في كثيرا‏..‏ وغالبت نفسي لكيلا تحمل الحقد أو الكراهية لأحد مهما فعل بي في الماضي‏,‏ بل إنني سامحت عمي وزوجته وأبناءه فيما فعلوه معي‏,‏ ولقد تزوجت بواسطة هذا الشيخ الفاضل من فتاة مصرية طيبة متدينة أرشدني إليها الشيخ‏,‏ ورجعت إلي مصر بعد أن وفقت أوضاعي في أمريكا‏..‏ ومع كليتي السابقة في مصر ودفعت راضيا الغرامة التي يدفعها من لا يعود للكلية بعد الحصول علي الدكتوراه‏,‏ وزرت أهل هذه الفتاة في بلدة صغيرة بجوار طنطا‏..‏ وقدمت نفسي لوالدها بأنني من طرف الشيخ فلان في أمريكا‏..‏ فرحب بي وكان علي علم بمقدمي ودخلت الفتاة تحمل صينية الشاي فوقع القبول في قلبي من أول وهلة‏.‏



والآن فلقد مضت سبع سنوات علي زواجي أنجبت خلالها ولدين‏..‏ وأحيا حياة سعيدة مع زوجتي الطيبة القنوع‏..‏ وطفلاي يملآن حياتي بهجة وسرورا ونعيش في بيت صغير جميل له حديقة اشتريته بالتقسيط‏,‏ وأركب سيارة فارهة وأخواي اللذان عوضني بهما ربي عن وحدتي قد تزوجا وأنجبا وأصبحنا عصبة عائلية واحدة نلتقي عائليا بانتظام‏,‏ ولقد رجعت إلي مصر خلال هذه الفترة عدة مرات وأقيم كل مرة في شقة أبي القديمة التي جددتها وأعدت تأثيثها‏..‏ وأحرص علي زيارة صاحبة البيت الطيبة وتقديم الهدايا لها‏..‏ ولقد رفعت بمبادرة مني ايجار الشقة من‏4‏ جنيهات الي‏40‏ جنيها وأدفع لها الإيجار لمدة سنة مقدما‏.‏


وأزور عمي وزوجته وابناءه حاملا لهم جميعا الملابس والهدايا وأرقب فرحتهم بها وأراهم جميعا يتهللون لرؤيتي‏,‏ وأري ابناء عمي الذين لم يسمحوا لي بالاقتراب منهم أو صداقتهم يتوددون الي‏,‏ فتطوف بي الذكريات المريرة لكني أسارع بنفضها من رأسي لكيلا تفسد علي استمتاعي باللحظة‏.‏



وفي كل مرة انفح عمي مبلغا محترما من المال ليستعين به علي زواج ابنائه‏..‏ فيرفع يديه بالدعاء لي كما تركت له نصيبي من الأرض‏,‏ أما عمتي الطيبة‏,‏ فقد رحلت عن الدنيا‏,‏ وأنا مازلت ألاطم أمواج الحياة خلال دراستي للهندسة‏..‏ وكم تمنيت لو كانت قد عاشت حتي تراني‏,‏ وقد صنعت نجاحي واصبحت قادرا علي إعالة نفسي وأسرتي‏,‏ غير أنني أعوض غيابها ببر ابنائها وزيارتهم حين أجيء الي مصر وتقديم الهدايا والمنح المالية لهم‏..‏


وأريد أن أقول في النهاية لمن يواجهون ظروفا صعبة في حياتهم انه بالايمان والصبر والجلد والكفاح وانتظار الفرج لابد أن يعبروا هذه الظروف أويتخففوا منها‏..‏ وأن المهم دائما هو ألا يحمل الانسان مشاعر الحقد والكراهية لأحد حتي ولو كان ممن أساءوا اليه أو قسوا عليه خلال ضعفه‏..‏



ويكفي ان يمضي الانسان نحو اهدافه في الحياة لا ينشغل بغيرها فيعينه ذلك علي النجاح وتحقيق الأحلام مهما تكن‏,‏ ذكريات الماضي مريرة‏..‏ أو مؤلمة‏.‏


وهذا ما فعلته وهذا ما أردت ان اضعه تحت أنظار قرائك لعلهم يجدون فيه بعض مايستفيدون به ـ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


خير ما ننتقم به ممن أساءوا الينا وظلمونا ونفروا منا ونحن في ضعفنا وشدة حاجتنا إلي العون والمساندة‏,‏ هو أن نصنع حياتنا بغير الاعتماد عليهم ونحقق اهدافنا ونجاحنا معتمدين علي أنفسنا‏,‏ حتي ليشعروا بالندم علي أنهم لم يشاركوا ولو بالكلمة الطيبة فيما حققناه من نجاح‏..‏ ولم يكن لهم أي فضل فيما أصبنا من توفيق‏,‏ ولم يعد يحق لهم ان يعتزوا بدورهم في مساندتنا‏..‏ وأن يشاركونا بعض ثمراته‏.‏


والحق أن من أهم العوامل المساعدة علي النجاح وتحقيق الأهداف‏,‏ الي جانب الايمان بالله سبحانه وتعالي‏,‏ والصبر والجلد والكفاح الشريف‏,‏ ألا يبدد الانسان بعض طاقته النفسية في بغض من أساءوا اليه والانشغال بالتفكير في رد الاساءة إليهم‏,‏ او اجترار المرارات التي تجرعها منهم‏..‏



فكل ذلك يخصم من تركيز الانسان علي أهدافه في الحياة‏..‏ ويضعف من قدراته علي النجاح ويسمم روحه وافكاره حتي اذا حقق لنفسه كل أو معظم ما أراده لها لم يجد نفسه سعيدا بما حقق‏,‏ لأن مراراته القديمة قد انعكست علي الأشياء من حوله وأفسدت عليه قدرته علي الابتهاج بالحياة‏,‏ لهذا قال أحد الحكماء إن الحقد هو ثروة الحاقدين‏,‏ التي لا يجنون سواها‏,‏ في حين يجني المترفعون عنه والمتسامحون مع البشر والحياة بصفة عامة ثمار التوفيق في الدنيا ورحيق صفاء النفوس‏,‏ وكان العادل العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعو ربه بقوله‏:‏ رب قدرني علي من ظلمني لأجعل عفوي عنه شكرا لقدرتي عليه‏..‏ وأي شكر لما أنعم الله سبحانه وتعالي عليك أعظم من أن تبر عمك الذي ظلمك وقتر عليك ولم يترفق بك وأنت في ضعفك ويتمك وقلة حيلتك؟


وأي شكر له سبحانه وتعالي أجل من أن تكون يدك وأنت من كنت المنبوذ منهم هي العليا فوق ايديهم جميعا‏..‏ حتي ليتهللوا لرؤيتك ويخطبوا ودك‏,‏ وقد كانوا من قبل لايسمحون لك بالاقتراب منهم؟



لقد صنعت حياتك بيدك ومعتمدا علي نفسك بلا أي معين أو نصير سوي الله سبحانه وتعالي الذي لا يضيع أجر الصابرين‏,‏ فكنت كمن وصفه الشاعر القديم الطغرائي بقوله‏:‏


وإنما رجل الدنيا وواحدها


من لا يعول في الدنيا علي رجل‏!‏



وشققت طريقك وسط الصخور فذكرتنا بما قاله نابليون بونابرت ذات يوم أنه تستطيع بالإبرة أن تحفر بئرا بشرط الجلد والمثابرة وطول النفس‏.‏


لقد كنت تستطيع ان تجفو عمك وزوجته وابناءه الي الأبد وتقطع مابينك وبينهم‏,‏ ولربما أيدك في ذلك بعض من يعرفون تاريخهم معك أو لم يستنكروه‏,‏ لكن أصحاب النفوس الكبيرة لايفعلون ذلك‏,‏ ولا يقطعون رحم من قطع رحمهم أو أساء اليهم‏..‏ ويتذكرون دائما الحديث الشريف الذي يقول‏:‏ ليس الواصل المكافيء بمعني انه ليس من يصل رحم من قطع رحمه أو باعده‏,‏ كمن لا يصل إلا رحم من يصله فيكافئه علي الوصل بالوصل‏,‏ ويطلبون لأنفسهم دائما أجر الواصل لأنه أكبر واعظم‏,‏ كما أن كل اناء ينضح بما فيه في النهاية‏..‏ ومن كان إناؤه ممتلئا بالشهد الصافي لا ينضح إلا العفو والخير والعطاء‏,‏ ومن كان إناؤه ممتلئا بالحقد والبغض والكراهية لا ينضح إلا السم الزعاف‏.‏



فهنيئا لك ياصديقي ما أصبت من توفيق في الحياة بكفاحك الشريف وصبرك علي المكاره‏..‏ وثقتك في قدراتك‏,‏ وصفاء نفسك وخلوها من الأحقاد والمرارات‏..‏ وشكرا لك علي هذه الرسالة المفيدة‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:29 PM
العطر الفواح


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة





أنا طبيب اعمل مدرسا مساعدا بقسم الجراحة في احدي الوحدات التخصصية بواحدة من أقدم جامعات مصر‏,‏ وقد دفعني للكتابة إليك بطل هذه القصة‏,‏ الذي لم ار مثيلا له في إخلاصه لعمله ورعايته لحدود ربه في التعامل مع مرضاه ومع مرءوسيه وتلاميذه ومع الجميع‏.‏


فلقد عين هذا الاستاذ معيدا ثم مدرسا مساعدا في نفس القسم‏,‏ ويذكر من زاملوه في هذه الفترة أنه كان شعلة من النشاط والاخلاص الي جانب الالتزام الديني والأخلاقي الكاملين فاذا به يكتشف انه قد أصيب بالمرض الخطير في تجويف البلعوم الأنفي وفي الغدد الليمفاوية‏,‏ ولقد جاء اكتشاف المرض بمحض الصدفة‏..‏ فبدأ رحلة العلاج الكيماوي والإشعاعي وتحمل صابرا تأثيرات العلاج علي الصحة العامة والتركيز والحالة النفسية مع إدراكه جيدا كطبيب ان النتائج في مثل حالته ليست مطمئنة‏,‏ ولم ييأس الاستاذ لحظة واحدة من أمل الشفاء واعتمد في مقاومته للمرض علي شيئين‏:‏ العلاج الذي يصفه المتخصصون‏,‏ والدعاء والابتهال الي الله ومناجاته طلبا للشفاء‏,‏ فكان يناجي ربه قائلا‏:‏ رب ان كنت قد وقفت يوما الي جانب مريض فقير وساعدته فاعف عني برحمتك وساعدني ولقد كانت حياته حافلة بمساعدة المرضي البسطاء ورعايتهم وحسن معاملتهم حتي يلهجوا بالدعاء له كلما رأوه‏..‏ وتغمره السعادة وينشرح صدره ويبش في وجوههم كلما رآهم‏.‏



وفي شدة معاناته للمرض والألم أكمل دراسته للدكتوراه‏,‏ ونوقشت رسالته في يوم مشهود ونال درجته العلمية متفوقا علي كل الأقران وقاهرا اليأس والقنوط‏..‏ ثم استجاب الله لدعائه ودعاء مرضاه ومحبيه واسرته‏,‏ فشفي بإذن الله من مرضه تماما ولم يؤكد له الأطباء المعالجون ذلك إلا بعد ان كرروا الفحوص والاشعات واثبتت كلها شفاءه‏..‏ فزفوا اليه البشري وقالوا له إنه قد أصبح انسانا طبيعيا ويستطيع ان يعمل اي ساعات عمل يريدها وان يسافر الي اي مكان لانه قد اصبح صحيح الجسم باذن الله‏,‏ فسافر الي مكة للعمل كاستشاري باحد المستشفيات وواصل اجتهاده حتي اصبح رئيسا لقسمه في هذا المستشفي‏,‏ وحرص خلاله علي السفر دوريا الي الخارج لإجراء مسح لحالته المرضية فيتأكد له كل مرة شفاؤه التام فيرجع من الخارج الي الكعبة ليؤدي العمرة ويطيل الصلاة شكرا لربه وعرفانا‏,‏ ويقضي الرجل في غربته عشر سنوات ادي خلالها فريضة الحج عشر مرات وقام بعدد كبير من العمرات شكرا لربه علي ان من عليه بالشفاء والصحة ويرجع في النهاية الي قسمه في مصر‏,‏ فيقدم لمن يتعاملون معه من المرضي او الأطباء الصغار او اعضاء هيئة التمريض مثالا نادرا للعمل الذي يرعي صاحبه حدود الله في حياته ومثالا اكثر ندرة للتواضع الجم والرحمة بالمرضي ومن هم أقل منه‏..‏ ويجمع الممرضين والممرضات العاملين بالقسم ويقول لهم إن من يحافظ منهم علي المال العام‏,‏ ويرعي حق المريض ويعتبره وديعة لديه يحاسبه الله عنها سبحانه وتعالي‏..‏ فإنه يضع التراب الذي يدوس عليه فوق رأسه وينحني له شكرا وتقديرا‏,‏ ومازال هذا الاستاذ ينشر حوله الخير والعطف والخوف من الله سبحانه وتعالي ويهتم بكل شئون المرضي بنفسه‏..‏ ويحرص علي تدفئة غرفتهم في الشتاء القارس‏,‏ ويراقب بنفسه نظافتها وحالة الأسرة فيها واعمال الكهرباء والسباكة‏,‏ بغير ان يكلف احدا من صغار الأطباء بالقيام بذلك نيابة عنه ـ كما انه يشجع الأطباء الشبان ويساعدهم بجدية علي تقديم رسائلهم العلمية ويعتبر طلبة الكلية ابناءه‏.‏



وكلما عاتبه بعض زملائه الكبار علي إرهاقه لنفسه بالعمل وقيامه بما يستطيع غيره من صغار الأطباء القيام به نيابة عنه‏..‏ أجابه بالاجابة الدائمة التي تكشف عمق تدينه فيقول‏:‏ أفلا اكون عبدا شكورا ذلك انه يعتبر كل مايقوم به من عمل ومايقدمه للمرضي والطلبة وصغار الأطباء قربي الي الله وشكرا له علي ان انعم عليه بالشفاء من مرضه الخطير‏.‏


هذا هو استاذي الذي اردت ان اكتب لك قصته مع الشفاء والأمل وصالح الأعمال‏..‏ عسي ان يستفيد بها قراء بريد الجمعة‏..‏ فهل تراني محقا في ذلك؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


كان الكاتب المسرحي تيرانس راتيجان يقول‏:‏ في العالم ظلام كثير‏,‏ لهذا فإنه يرحب بأية شمعة ولو كانت صغيرة‏!‏


والشمعة التي رويت لنا قصة صاحبها ليست صغيرة بكل التأكيد‏,‏ لأنها تبدد مساحة كبيرة من ظلام اليأس والقنوط‏,‏ وتنشر الخير والرحمة والعطف حولها‏,‏ وتؤكد خيرية الحياة‏,‏ وقدرة كل إنسان لو أراد علي ان يجود ـ كما يقول الشاعر أمادو نرفو ـ بشيء ما مهما كان صغيرا قد تكون ابتسامة وقد تكون يدا تربت علي آلام الآخرين‏,‏ وقد تكون كلمة تقوي عزمهم‏.‏



واستاذك الذي رويت لنا قصته مع المرض والأمل والشفاء ورعاية حدود ربه في عمله‏,‏ تقدم لنا مثالا يرفع المعنويات‏,‏ ويذكرنا بألا نيأس أبدا من رحمة الله‏,‏ مهما تكثف الظلام حولنا‏,‏وان نؤمن دائما بأن في الغد دائما متسعا لكل شيء‏..‏ وان التعلق الأبدي بالأمل في رحمة الله لابد ان يكشف الضر ذات يوم عن المهمومين كما كشفه سبحانه وتعالي عن عبده أيوب عليه السلام‏,‏ وحين تلقي البشري في امره الإلهي له‏:‏ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فضرب أيوب الأرض برجله فنبعت له عينان‏,‏ شرب من إحداهما واغتسل من الأخري‏,‏ فذهب بلاؤه بإذن الله‏,‏ وماكل وسائل العلاج برغم ضرورتها سوي أسباب علينا اتخاذها ترقبا لهذا الأمر الإلهي ومادعاء المبتلين وابتهالهم لربهم ومناجاتهم له إلا استنزال أو استعجال لهذا الأمر‏.‏


ولقد من الله سبحانه وتعالي علي استاذك بالشفاء استجابة لدعائه ودعاء محبيه ومرضاه البسطاء‏,‏ فأحسن شكر نعمة ربه عليه بالاستمرار في نهجه العادل في العمل وفي رحمته بالمرضي ورفقه بتلاميذه‏,‏ وحرصه علي رعاية حدود ربه في عمله‏,‏ فهنيئا له كشف الضر عنه‏..‏ وعقبي لمن ينتظر‏.‏



وسلاما وأمانا علي من يرعون حدود الله في حياتهم‏.‏


فيكونون كالعطر الفواح‏..‏ ينفث الجمال‏..‏ ويطرد العطن من اي مكان يوجدون فيه‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:30 PM
الأمــل الأبــدي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة


أنا سيدة أبلغ من العمر‏40‏ عاما ومتزوجة من مهندس مدني عمره‏47‏ عاما‏,‏ وجميلة وذات قوام ممشوق وبيضاء البشرة ولقد كنت أسكن في حي شعبي قبل الزواج وكان زوجي جارا لنا في الشارع المجاور‏,‏ وبعد حصولي علي البكالوريوس ارتديت الحجاب خوفا من الله وبدون طلب من أحد‏,‏ لأنني عندما كنت فتاة كانت نظرات الناس لي تثير خوفي من الله‏,‏ ولذلك ارتديت الحجاب وحمدت الله كثيرا وكنت قبل ذلك ملتزمة تماما منذ صغري بالصلاة ثم تزوجت زوجي هذا‏,‏ وبدأت معه من الصفر واعطيته مصوغاتي البسيطة لكي يبدأ مشروعا صغيرا‏,‏ وكانت لي حكمة أومن بها الي الآن وهي أن فقرا بلا دين هو الغني الكامل وبدأ زوجي حياته العملية بعد الزواج ونجح وبدأنا نصعد السلم درجة درجة‏,‏ وانتقلنا من الشقة البسيطة الي شقة أخري أجمل وأوسع وتم تجديد الأثاث‏,‏ ومن الله علينا بابن وابنة وأصبح الأبن الأكبر الآن تلميذا بالصف الأول الثانوي والابنة بالصف الأول الإعدادي‏,‏ وهما والحمد لله متفوقان واتفقنا منذ البداية علي أن نقسم مسئوليتنا فزوجي يهتم بعمله وأنا أرعي الابناء من الألف الي الياء من حيث التربية والتعليم وتلبية طلباتهم الخارجية‏,‏ وأثرت دائما ان أكون في حالي والا أحتك بجارة لي أو انشيء صداقات مع أحد‏,‏ وأن أرعي زوجي في كل شيء وأسمع كلامه كما أمرنا الله سبحانه وتعالي‏,‏ وعندما تم تعييني بعد‏12‏ عاما من تخرجي في وزارة التربية والتعليم مدرسة اعدادي علوم رحب زوجي بذلك لكنه طلب مني أن أحصل علي إجازة رعاية طفل لمدة ست سنوات متواصلة حتي يكبر الابناء‏,‏ وبعد ذلك يسمح لي بنزولي مجال العمل كمدرسة‏,‏ ووافقت علي ذلك علي الفور مادام هذا في مصلحة زوجي وابنائي‏,‏ ومشكلتي الآن هي ان زوجي عندما أصبح ميسور الحال الي حد ما بدأت تراوده فكرة الزواج من أخري‏,‏ وقد خاض تجربتين انتهتا بالفشل من قبل ان تبدآ وهذا بفضل أولاد الحلال وقبلهم الله سبحانه وتعالي‏,‏ وعلمت بذلك وحزنت حزنا شديدا وسألته لماذا يفعل ذلك ولماذا لا يحمد الله علي النعمة التي بين يديه فاعتذر لي ووعدني بآلا يتكرر ذلك مرة أخري‏,‏ ولم يعلم أحد من أسرتي بالأمر‏,‏ وعاملته معاملة حسنة جدا ونسيت ما صدر منه الي أن حدث زلزال كبير في بيتي منذ عام أو أكثر عندما كان ابني في الشهادة الأعدادية وابنتي في الشهادة الابتدائية فقد تعرف علي سيدة مطلقة لديها ابنتان احداهما في أولي جامعة والأخري في الثانوية العامة وعمرها‏42‏ عاما‏,‏ وعندما طلقت هذه السيدة تركت


المحافظة التي كانت تقيم فيها وجاءت الي محافظتي وهي الإسكندرية وأقامت في منزل خالتها في حجرتين علي السطح‏,‏ وهذا المنزل بجوار منزل أسرتي يفصلهما جدار واحد مشترك‏,‏ كما أنني أعرف هذه السيدة جيدا‏,‏ وكانت بداية التعارف بينها وبين زوجي هو بناء قطعة أرض تمتلكها في محافظة مطروح‏,‏ وتطورت هذه العلاقة حتي وصلت الي الاتفاق علي الزواج‏,‏ وعلمت بهذا وعندما واجهت زوجي نفاه وزعم انها مجرد علاقة عمل فقط لا غير‏,‏ وأعطاني رقم تليفونها في العمل لكي أتصل بها وأطلب قطع أي علاقة بينها وبين زوجي إثباتا لحسن نيته وفعلا حدث ذلك واتصلت بها فراوغتني واتهمتني بأنني أتوهم اشياء لا أصل لها‏,‏ وأنهيت المكالمة وأنا في قمة غضبي من هذا الرد وأخبرت زوجي بما حدث ولم يعلق بشيء سوي أنه سوف يلغي عمله معها‏.‏



ومرت الأيام وانتهت الامتحانات ونجح ابني وابنتي في الشهادتين الإعدادية والابتدائية بتفوق بفضل الله وفضل رعايتي لهما رعاية كاملة وصبري الشديد وتحملي‏,‏ وبعد شهر من النتيجة وفي الصيف الماضي عرفت أن هذه السيدة تقوم بنقل اثاثها الي سكن آخر‏,‏ وتقول أنها سوف تتزوج المهندس‏(‏ فلان‏)‏ زوج السيدة‏(‏ فلانة‏)‏ التي هي أنا‏,‏ فأنهرت وأحسست أن رحلة عمري قد انتهت ولكنني تماسكت وواجهته بذلك واذا به يفجر في وجهي قنبلة ثانية هي أنه تزوجها بالفعل منذ‏8‏ أشهر تقريبا وأنها نزوة وسوف يطلقها من أجلي وأجل ابنائي‏,‏ وسألته يومها هل هي حامل فنفي ذلك بإصرار وحمدت الله ولكنها كانت طعنة كبيرة في صدري وانتهي الأمر بأن طلقها‏,‏ لكن هذه السيدة أرسلت لي رسالة مع قريبة لي ملخصها هو لماذا هذه الثورة الهائلة وهي ليست أول زوجة يتزوج عليها زوجها ولا آخر زوجة سيتزوج عليها‏,‏ ولقد قبلت أن أكون زوجة ثانية ولو بنسبة‏5%‏ ويكون لها نسبة‏95%,‏ فماذا يغضبها في ذلك ؟‏!‏ المهم أنني صممت علي أن احتفظ بزوجي لنفسي وقلت إنني لن أقبل بزوج الاثنتين أبدا‏,‏ واذا أراد تلك المرأة فليتركني لحالي أنا وأولادي أرعي الله فيهما وسوف يجزيني الله كل خير ان شاء الله‏,‏ وانتهي الأمر بأن انفصل زوجي عنها خوفا علي بيته وأسرته‏,‏ وتحدثت الي نفسي اذا كان الله يسامح ويغفر فلماذا لا يصفح العبد ويغفر؟ وبدأت معه من جديد وأعطيته كل اهتمام ورعاية أكثر مما سبق وكأنني زوجة جديدة‏,‏ وكأنه زوج جديد في كل شيء وبعد أربعة أشهر فوجئت بأنه ردها وأنها حامل في الشهر الرابع‏,‏ وفي هذه اللحظة كان قراري الذي لا رجعة فيه هو أن يتركني لحالي ويذهب الي هذه السيدة ويعيش معها‏,‏ وكان رده أنني لن أستطيع أن أعيش بدونك ولو لحظة واحدة‏,‏ وأن هذا الحمل كان قدرا من الله ولن نستطيع ان نعترض علي مشيئة الله‏,‏ وأنني لابد وأن أرضي بالأمر الواقع وسوف تكون له زوجة بالاسم فقط لأنه يوجد طفل قادم‏,‏ أنني سيدة مجروحة من زوجي الي أبعد حد‏,‏ حيث انه يقول إنه لم يعش مرحلة شبابه لأن حياته كلها شقاء وتعب وهو يريد أن يتمتع ويعيش من جديد ولكنه يفشل في كل مرة لأنني أقف كحاجز من فولاذ بينه وبين أي امرأة أخري‏,‏ حتي ولو أنجب منها بسبب حبه لي الشديد وعشرتي الطيبة‏,‏ وقد وصل به الأمر الي أنه تعثر في عمله هذا العام بالكامل وتراجع بعض الشيء وعندما وجد مني هذا الإصرار علي الانفصال تماما كان قراره بأنه سوف يطلقها غيابيا لأنها رفضت حضور الطلاق‏,‏ وأحضر لها شقة واسعة وأفضل بكثير مما كانت فيها وانتهي من تشطيبها وسوف يحضر لها بعض الأثاث الجديد ويتولي هو مسئولية الطفل القادم من الألف الي الياء ولن يبخل عليه بشيء أبدا‏,‏ لقد فقدت خلال سنوات زواجي من وزني عدة كيلوجرامات وأصبح وزني‏54‏ كجم بعد أن كان‏62‏ كجم في بداية زواجي‏,‏ وفقدت بعض حيويتي وأنوثتي وكان تعليقه بعد طلاق هذه المرأة أنه سوف يعتبرني انسانة مريضة وانه يتقبلني بهذا الشكل من أجل الابناء وأنني ظالمة وجبارة وغير رحيمة به‏,‏ وغير ذلك من كلام لا أستطيع أن اتحمله من رجل أعطيت له كل شيء فاذا به يتهمني الآن بأنني صاحبة مشاعر جافة وأهتم في المقام الأول بالأبناء ثم به بعد ذلك‏,‏ وما فيه هو الآن أنا السبب فيه حيث كان قد طلب مني كثيرا أن أنجب طفلا ثالثا ورفضت واكتفيت باثنين‏,‏ مع العلم أنني ضعيفة ولا أستطيع أن اتحمل الإنجاب مرة ثالثة‏.‏



فماذا أفعل الآن يا سيدي؟ هل أنا فعلا ظالمة مع هذه المرأة؟ إنني في حيرة من أمري وأشعر بأنني مكسورة النفس‏,‏ جريجة مما وصلت اليه‏,‏ وأقسم بالله ان كل كلمة كتبتها في هذه الرسالة كانت صادقة ولم أتجن علي أحد‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


من حق كل زوجة مخلصة لزوجها وابنائها وأسرتها أن ترفض أن تشاركها في زوجها امرأة أخري‏,‏ حتي ولو كانت نسبة المشاركة كما تزعم تلك السيدة هي‏5%‏ فقط‏..‏ فجوهر الزواج هو قصر الطرف والاكتفاء بشريكة العمر ما لم تكن هناك رخص شرعية تبرر للزوج الزواج عليها‏..‏ والزوج حين يقترن بزوجته فإنه يعاهدها ضمنيا علي الاخلاص لها والاكتفاء بها دون غيرها من النساء‏..‏ ولم يحدث ذات يوم ان عاهد زوج زوجته وهو يقترن بها علي أنه سوف يتزوج عليها في أول مفترق للطرق‏,‏ ولو فعل ذلك لرفضته شريكته من قبل البداية‏..‏ ولهذا منح الشرع الحنيف المرأة حق الاشتراط علي زوجها في وثيقة القرآن ألا يتزوج عليها‏,‏ وخيرها اذا تزوج عليها زوجها بين قبول الأمر الواقع والرضا به أو الاصرار علي الانفصال عنه وبالتالي فإنك لست ظالمة كما يحاول زوجك إيهامك لتمسكك بحقك المشروع في ألا تشاركك في زوجك امرأة أخري مهما كانت الأسباب والمبررات‏,‏ وان كان ثمة ظلم في القصة كلها فلقد جناه زوجك وتلك السيدة علي الجنين القادم من عالم الغيب وهو المظلوم الحقيقي في هذه القصة‏..‏ ولقد ظلمه زوجك بنزوته ورغبته في الاستزداة من المتعة بعد أن يسر الله أموره وبدل احواله إلي الأفضل‏,‏ وظلمته ايضا تلك بتطلعها إلي مشاركة زوجة وأم في زوجها واغتصاب حقها فيه‏,‏ ولو كانت هي نفسها في موقعك لاختلف منطقها وجأرت بالشكوي من غدر زوجها بها‏.‏



ان المثل الإنجليزي يقول‏:‏ خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي‏!.‏


والمشكة هي أن زوجك قد بدأ ما لم يكن يعرف كيف ينتهي منه ذات يوم بلا خسائر أو بأقل قدر منها‏..‏ لهذا فقد ظلمك وظلم جنينه وزاد المشكلة تعقيدا بهذا الطفل المرتقب‏..‏ وعليه أن يتحمل تبعات جريه وراء أهوائه ويكف عن محاولة تبريرها باتهامك بجفاء المشاعر والقسوة‏,‏ فلقد كان الطريق واضحا امامه منذ البداية لو اراد حقا أن يلتزم العدل معك‏,‏ وهو أن يخيرك قبل أن يقدم علي الزواج بين القبول به أو رفضه والانفصال عنه‏,‏ لكن المشكلة هي أن من يتورط في مثل هذه النزوة يتعلق دائما بأمل أبدي في أن ينجح ولأطول فترة ممكنة في الجمع بين الحسنيين الزوجة المخلصة المتدينة والأسرة المستقرة والحياة العائلية المحترمة‏,‏ ثم زواج العشق السري أو العلني ومتعته اللاذعة وأوقاته المسروقة من حساب الزمن‏,‏ واحساس المغامرة المثير للمشاعر والغرائز وممارسة إثبات الذات وإقناع النفس بأن صاحبها مازال قادرا علي أن يصول ويجول في عالم المرأة والعشق ويحقق الانتصارات المشهودة‏!.‏



لهذا كله فإني أؤيدك في موقفك ولاأراك ظالمة لأحد‏,‏ بالرغم من أن مقدم هذا الطفل سوف يزيد الأمر صعوبة‏..‏ ويربط زوجك بتلك السيدة حتي ولو استمر في طلاقها برباط أبدي‏..‏ وذلك من خلال رعايته والإشراف علي تربيته وتحمل مسئوليته مما يتطلب منك أكبر قدر من المهارة والحرص علي احتواء زوجك واشباع كل احتياجاته النفسية والعاطفية‏..‏ ليظل صامدا أمام نداء المرأة الأخري‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 05:35 PM
الوقوف علي الشاطيء‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة



طلقت زوجتي بعد‏17‏ عاما من الزواج‏,‏ وذلك لوجود هوة سحيقة بيني وبينها فكريا ونفسيا بل وثقافيا أيضا‏!!‏


وخرجت من هذه الزيجة بــ‏3‏ ابناء‏(‏ ولدان وبنت‏),‏ احببتهم ورعيتهم وحنوت عليهم لأقصي درجة‏,‏ لكن‏(‏ جريمتي‏)‏ هي أن إمكاناتي المادية كانت ضعيفة جدا‏,‏ إذ كنت مدرسا بوزارة التربية والتعليم لا املك من الدنيا سوي راتبي‏,‏ وامانتي وإخلاصي في العمل‏.‏ اما عن السفر للخارج والإعارات فكانتا لفترات وجيزة لاتسمن ولاتغني من جوع‏.‏



ولقد تزوجت ـ بعد طلاقي ـ بأخري وجدت نفسي معها وانجبت منها ولدا‏,‏ كما تزوجت مطلقتي هي الاخري وانجبت ولدا‏,‏ لكن اولادي ظلوا معي‏,‏ فحفظتهم في جفوني ورعيتهم ليل نهار‏,‏ بكل ما أوتيت من قوة وقدرة ووعي لمدة‏10‏ سنوات ولم امنعهم قط طيلة هذه الفترة من زيارة والدتهم وجميع افراد اسرتها ومرت الايام والسنون وتحملتها بمشكلاتها المريرة الثقيلة‏,‏ اذ مهما كانت زوجة الاب مثالية‏,‏ فهي في نظر الابناء والمجتمع زوجة اب ليس الا‏,‏ غير اني كنت احاول دوما ان اعدل بين الجميع قدر استطاعتي‏.‏


وفي سن الحادية والعشرين فضلت ابنتي والتي تبلغ من العمر الآن‏23‏ عاما ان تقيم مع والدتها‏,‏ فوافقت فإذا بها تبتعد عني نفسيا وعاطفيا شيئا فشيئا‏,‏ لتقترب اكثر واكثر من امها واخوالها مع اني خلال هذين العامين لم ادخر وسعا في تدبير معظم نفقاتها‏,‏ خاصة التعليمية حتي تخرجت في كلية التربية الفنية بتقدير جيد جدا ثم تقدم لخطبة ابنتي وهي في كنف والدتها وزوج والدتها وهو رجل طيب حقا من اعجبها واعجبته وتوافقا معا من عدة نواح‏,‏ خاصة من الناحية المادية اذ ان اسرته ميسورة الحال‏,‏ وهنا بدأت معاناتي فلقد فوجئت باخوال ابنتي يأخذون بزمام الأمور وتقرهم علي ذلك ابنتي ـ كما لو كنت انا الخال وهم الاب فهم يتصرفون كما لو كانوا هم المسئولين عن المشروع فيرسمون تفاصيله ودقائقه ويتبادلون الزيارات واللقاءات مع العريس واهله دون ان يعيروني اي اهتمام فإذا غضبت لكرامتي اشركوني في الامر وكشكل تكتمل به الصورة وإذا ماتحدثوا معي اقتصر حديثهم علي اين سيقام العرس‏,‏ ومتي‏,‏ ومن الذي سوف يدعي اليه وكم سأدفع لجهاز ابنتي الخ‏,‏ لكن اين هو المال الذي استطيع ان اجهز به ابنتي ؟



ان الخلاضة هي ان ابنتي غير راضية عني لانني غير راض ولا أقبل بالتهميش او ان يقوم غيري باداء دوري وأنا الولي الطبيعي الذي اعطي وضحي وربي وشقي وصبر واوفي‏,‏ اما الخطبة والزواج فتسيران علي قدم وساق‏,‏ بموافقتي او دون موافقتي وطبعا بواسطة الام والاخوال الذين يبدو انهم اقنعوا الخطيب واسرته بانه لم يكن لي اي دور في تنشئة اولادي او الانفاق عليهم لا في الماضي ولا في الحاضر‏,‏ مع ان ابنائي حين كانوا صغارا لم يكن اخوالهم او والدتهم يهتمون بهم او يتحملون القدر اليسير من المسئولية المالية او الادبية تجاههم‏,‏ والله علي ما اقول شهيد‏,‏ فماذا افعل هل اقطع صلتي بابنتي ؟ وهل تعتبر هي ابنة عاقة وهل اذا تزوجت دون موافقتي يكون هذا الزواج صحيحا شرعا؟‏.‏



ولكاتب هذه الرسالةأقول‏:‏


فهمت من رسالتك ان السبب الجوهري لعدم رضاء ابنتك عليك هو امتناعك عن المساهمة المادية في تكاليف زواجها وانك ربما تتعلل بتهميش دورك في اجراءات الزواج لكي تنفض يدك من المسئولية وتنسحب من الموقف‏,‏ فان كان مافهمته صحيحا فاني انصحك بأن تبذل كل ماتستطيع من جهد للاسهام في تكاليف زواج ابنتك بقدر يتناسب مع امكاناتك المادية حتي ولو ارهقت نفسك بعض الشيء‏..‏ فبقدر تحملنا مسئوليتنا عن ابنائنا‏,‏ ووقوفنا الي جوارهم في مناسباتهم المصيرية بقدر مايحترمنا هؤلاء الابناء وتصفو لنا مشاعرهم وقلوبهم‏..‏ ويتعمق ولاؤهم لنا‏..‏ اما الوقوف علي الشاطيء‏..‏ والاكتفاء بلوم الذين يكافحون الموج وحدهم لانهم لم يستشيرونا في طرق الابحار‏,‏ فليس مما يكسبنا محبتهم وولاءهم ولاحبهم‏,‏ ولهذا فاني انصحك بأن تنحني للعاصفة مادام الزواج سيتم سواء قبلت به ام رفضته‏,‏ خاصة ان ابنتك ترغبه وتؤيدها في ذلك والدتها واخوالها كما انصحك بالا تعترض عليه لمجرد ان خطواته الاولي قد بدأت في غيابك‏,‏ ذلك ان هذا السبب وحده ليس كافيا لرفض زواج مستوف لشروط النجاح والفلاح باذن الله‏..‏ وبان تشارك بما تستطيع المشاركة به في نفقات الزواج وسوف تجد نفسك وبلا اي جهد من جانبك في قلب الدائرة وليس علي هامشها‏,‏ وسوف تحفظ لك ابنتك هذا الجميل وتظل الابنة المخلصة لك إلي النهاية بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:01 PM
الظلم المركب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة




أنا زوجة وأم لابناء وبنات كبار اتموا تعليمهم‏,‏ وعملوا‏,‏ وتزوجوا‏,‏ واستقلوا بحياتهم‏,‏ وخلت الشقة علي أنا وزوجي‏,‏ وكلانا بالمعاش‏.‏


ولأن الرحلة قد أنقضت بخيرها وشرها‏,‏ فإنني لاأكتب لك شكوي من بخل زوجي‏,‏ وإنما فقط لأمهد بما أرويه لك عن طبائعه‏,‏ لما أريد مناقشته في نهاية الرسالة فزوجي قد حرمني طوال سنوات زواجنا من التمتع بمرتبي‏,‏ وأجبرني علي انفاقه كله تقريبا علي البيت والأبناء وكانت مساهمته في نفقات الأسرة ضئيلة للغاية‏,‏ وينفق معظم مرتبه علي ملذاته الشخصية من سجائر وأشياء أخري محرمة‏,‏ وينفق بكرم علي أصدقائه وزميلاته ومعارفه‏,‏ ويحرمني من أي مصروف‏,‏ ولا يشتري لي شيئا علي الإطلاق‏,‏ ولا يعرف كيف يجاملني في أي مناسبة‏,‏ فإذا دعونا أحدا علي العشاء أصر علي أن تكون تكاليف العزومة مناصفة بيني وبينه‏,‏ وأدفع النصف المفروض علي‏,‏ ويظهر أمام الضيوف وكأنه حاتم الطائي‏,‏ وكذلك فإننا إذا خرجنا معا لزيارة ابنتنا تكون المواصلات مناصفة بيننا‏,‏ والمجاملات مناصفة كذلك حتي ولو كانت لشقيقته‏.‏



فهل يكون من العدل أن يحصل مثل هذا الزوج علي معاشي بالكامل بعد وفاتي‏,‏ كما ينص علي ذلك القانون الجديد الذي يتحدثون عنه‏!.‏


أنني أتصور أن يحصل الزوج علي معاش زوجته بعد وفاتها بشروط واضحة وعادلة‏.‏



‏*‏ أن يكون عائلا لأطفال أو أبناء لم يبلغوا سن العمل‏.‏


‏*‏ أن يكون عاجزا عن الحركة أو مريضا‏.‏



‏*‏ أن يكون معاشه ضئيلا لا يفي بالاحتياجات الأساسية له‏..‏ أما وأن يكون كزوجي يعيش بمفرده بعد زواج الأولاد‏,‏ وفي صحة مقبولة‏,‏ ومعاشه يساوي معاش زوجته تقريبا‏,‏ ويحصل علي معاش زوجته بالكامل‏,‏ فاعتقد أن هذا هو الظلم المركب‏,‏ لأنه يكون قد ظلم زوجته في حياتها‏,‏ وسوف يظلمها أيضا بعد وفاتها‏.‏


فلماذا لا يعاد النظر في هذا الموضوع‏,‏ ولماذا لايعطي الزوج جزءا من المعاش حسب ظروفه التي أوضحتها والباقي يعود للدولة وذلك حتي لا نساعد مثل هذا الزوج‏,‏ الذي يحصل علي معاش كبير‏,‏ ولا يعول أحدا‏,‏ وفي صحة جيدة‏.‏ علي التصرف في هذا الدخل الكبير تصرفا ضارا به في هذه السن‏.‏



أنني لا أخشي الموت‏,‏ بل أرحب به في أي لحظة حتي ألقي وجه ربي الكريم‏,‏ لكني الآن أشعر بالأسف والظلم‏,‏ ولن أكون راضية إذا حصل هذا الزوج علي أي مليم من معاشي‏.‏


ألست معي في أن هذا القانون سوف يظلم الكثيرات من الزوجات المضحيات مثلي‏,‏ واللآتي لم يحصلن علي كلمة شكر واحدة في حياتهن من أزواجهن؟‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


ومن أدراك يا سيدتي أنك ستسبقين زوجك إلي لقاء ربك‏,‏ وأنه سوف يستمتع بمعاشك‏,‏ وقد ينفقه فيما يضره في هذه المرحلة من العمر؟‏,‏ ومن يضمن ألا يسبقك هو إلي العالم الآخر‏,‏ وتحظين أنت بمعاشه وتعوضين به بعض بخله‏,‏ وتقتيره عليك في حياته؟‏.‏



وهل بلغ بك السخط علي زوجك أن أصبحت تفضلين أن يذهب كل أو معظم معاشك إلي خزانة الدولة‏,‏ علي أن يستمتع به زوجك البخيل من بعدك؟‏,‏ وكيف يمكن تطبيق القواعد التي تقترحينها لصرف معاش الزوجة الراحلة للزوج‏,‏ وبعضها يمكن التحايل عليه‏,‏ ويفتح الباب للحيل والألاعيب والفساد؟‏.‏



لقد ظل الأزواج علي مدي أكثر من‏50‏ عاما يطالبون بحقهم في معاش الزوجة الراحلة أسوة بما تحصل عليه الزوجة إذا رحل عنها زوجها‏,‏ وكانوا يرون أن حرمانهم من نصيب الزوج في معاش زوجته الراحلة ظلم بين له‏,‏ حتي استجابت الدولة أخيرا‏,‏ وأعدت القانون الذي يسمح للزوج بنصيبه من معاش زوجته‏,‏ والمؤكد هو أن المشرعين الذين أعدوا مواد هذا القانون لم يخطر لهم في بال أن تجئ المعارضة له من جانب بعض الزوجات اللاتي شقين بأزواجهن وحياتهن الزوجية‏,‏ ويطلبن وضع ضوابط علي صرف معاش الزوجة الراحلة لزوجها لحرمان بعض الأزواج من أن يعيشوا في سعة بعد رحيل زوجاتهم‏.‏ أن الفكرة رغم غرابتها تثير التأمل‏,‏ وتدعونا لإحسان عشرة شريكات الحياة حتي لا ينتقمن منا بعد رحيلهن بحرماننا من معاشاتهن‏,‏ كما تطالب كاتبة هذه الرسالة؟‏..‏ وشكرا لها‏!.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:02 PM
الإحساس المرير‏!‏


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة الحال بين أب يكافح لتعليم ابنائه الخمسة‏,‏ وأم ربة بيت طيبة‏,‏ وتركز كل جهدها علي ان يخرج الابناء إلي الحياة متمتعين بالخلق الكريم والأدب الحميد‏.‏ ولقد حقق الله سبحانه وتعالي لأبوينا مرادهما‏,‏ فتعلمنا كلنا وحصلنا علي شهاداتنا‏,‏ واحسب أننا قد تسلحنا جميعا بالأخلاق الحميدة‏,‏ وبعد انتهاء دراستي وفقني الله إلي عمل مناسب‏..‏ ومضت ثلاث سنوات لم يتقدم لي خلالها أحد بالرغم من جمالي المتوسط‏..‏ إلي أن جاء يوم دعتني فيه احدي زميلاتي بالعمل لحضور عيد ميلاد ابنها‏..‏ واستأذنت أمي في الذهاب إليه فأذنت لي وفي الحفل ووسط مرح الأطفال لاحظت ان هناك شابا لايكاد يرفع عينيه عني‏,‏ وانه يحدق في باهتمام‏,‏ وبعد يومين من الحفل التقيت بزميلتي هذه فاذا بها تبادرني بتسليمي ورقة صغيرة مكتوبا عليها اسم شخص وبياناته وعنوانه ومكان عمله‏..‏ الخ‏,‏ وسألتها عما يعني ذلك؟ فقالت ان هذه هي بيانات الشاب الذي كان يحدق فيك طوال الحفل‏,‏ وصارحتني بأنها كانت قد دعته خصيصا لكي يراني‏,‏ عسي أن ألقي القبول لديه فيتقدم الي اسرتي‏..‏ وطلبت مني أن أكلف أبي بالسؤال عنه اعتمادا علي هذه البيانات‏.‏


وعدت إلي البيت سعيدة وأبلغت امي بما حدث فدعت لي بالخير‏..‏ وقام أبي بالسؤال عن الشاب فجاءت النتائج طيبة للغاية‏,‏ وتمت الخطبة واستمرت‏4‏ أشهر كانت من أسعد أيام حياتي‏,‏ واكتشفت في خطيبي الكثير من المزايا وأولاها الأخلاق النادرة والبر بأبويه والعطف علي اخوته‏,‏ فانعكس كل ذلك علي علاقتي بأسرته التي أحببتها وأحبتني حبا جما‏,‏ خاصة والدته حيث عاملتني كابنة مدللة لها وتزوجنا في شقة مناسبة وعشت مع زوجي أسعد أيام عمري‏,‏ وأحسست دائما بأنني فرد من أفراد اسرته‏,‏ وبعد خمسة أشهر من الزواج حدث أن زارتني والدة زوجي وسألتني برقة شديدة عما إذا كنت حاملا أم لا فأجبتها بالنفي‏,‏ فطيبت خاطري وعرضت علي أن تصحبني إلي طبيب متخصص فلم امانع‏,‏ وبدأت رحلة العذاب من تحاليل وأشعة وعلاج‏,‏ ثم علمت والدتي بالأمر فاقترحت أن يعرض زوجي نفسه كذلك علي طبيب عسي ان يكون الأمر مرتبطا به‏,‏ ففعل وأكدت النتائج انه سليم تماما وقادر علي الإنجاب وواصلت انا علاجي حتي وصلت الي المرحلة الأخيرة منه فإذا بي اصدم صدمة العمر بأني اعاني من عيب خلقي يستحيل معه أن أحمل‏..‏ وانهرت باكية وحزينة‏,‏ ولم يخفف عني بعض آلامي سوي زوجي ووالدته الحنون واسرته التي لم تتغير علاقتها بي علي الإطلاق بعد معرفة هذه الحقيقة المؤلمة‏.‏


وبرغم سعادة زوجي معي فلقد وجدت نفسي بعد فترة أحس احساسا مؤلما بالذنب تجاهه‏,‏ خاصة انني اعرف عنه حبه الشديد للأطفال‏..‏ أما هو فقد ازداد حبا لي وتعلقا بي وراح يواسيني ويطلب مني الرضا بقضاء الله وقدره‏,‏ وعدم الاعتراض علي مشيئته‏,‏ غير أنه بعد فترة أخري اشتد علي الاحساس بأني قد أجرمت في حقه واني أظلمه بحرمانه من الإنجاب فعرضت عليه الانفصال لكي يتزوج من أخري وينجب ويري اطفالا‏,‏ فرفض هذه الفكرة رفضا قاطعا‏,‏ ورفضتها بأشد منه والدته الطيبة فعرضت عليه ان يتزوج مع استمراري في عصمته وعلي ان اعيش معه ومع زوجته في نفس الشقة‏,‏ وأكون خادمة له ولزوجته واولاده منها الذين سيكونون بالتالي ابنائي‏,‏ فرفض ذلك بإصرار وطلب مني أن نحيا حياتنا كما ارادها لنا الله‏,‏ وقال لي إنه يجد في ابناء إخوته ما يحتاج اليه من ممارسة احساس الابوة ولا يحتاج الي خوض تجارب لايضمن نتائجها‏,‏ وفي هذه الاثناء رحل والد زوجي عن الحياة يرحمه الله‏,‏ فانتقلت للإقامة مع والدة زوجي لفترة العزاء ثم فترة طويلة بعدها‏..‏ فعرضت عليها خلال ذلك ان يتزوج ابنها في شقتي‏..‏ وان استمر أنا في الاقامة معها علي أن يزورني زوجي في بيتها من حين لآخر‏,‏ فرفضت لكنها وبعد إلحاح شديد مني قبلت ان تعرض عليه الفكرة بحياد ودون أن تؤيدها أو ترفضها‏,‏ وعرضتها عليه‏,‏ فرفض أيضاوأخيرا خطر في ذهني ان أسئ معاملته لكي يملني ويطلقني‏,‏ وحاولت ذلك بالفعل فلم احسن التمثيل وابتسم بعد ان عرف مقصدي‏..‏ في حين إنهرت أنا باكية واعترفت له بأنني احبه وأتعذب من أجله‏..‏ ولا أطيق الحياة بدونه‏,‏ لكن ماذا أفعل وقد شاءت إرادة الله ألا استطيع الإنجاب له‏..‏ فبماذا تنصحني ان افعل ياسيدي؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


إلحاحك علي زوجك بأن يتزوج عليك لكي ينجب قد يعكس إحساسا مريرا بالذنب تجاهه لما تتصورينه من مسئوليتك عن حرمانه من الأطفال‏,‏ لكنه يعكس علي جانب آخر احساسا اخر أشد ايلاما بالخوف من المستقبل والتحسب الزائد لأن يجئ يوم ينصرف فيه زوجك عنك الي زوجة أخري‏,‏ ولا غرابة في ذلك لأن الخوف القوي المسيطر لديك من فقد زوجك بسبب عجزك عن الإنجاب له قد ترجمه عقلك الباطن الذي يضيق بهذا الخوف‏,‏ إلي ما يسميه علماء النفس برد الفعل العكسي للأشياء‏..‏ وهي حيلة من الحيل النفسية التي يلجأ اليها العقل الباطن للدفاع عن النفس والتخفف من الآلام‏,‏ كأن يشتد حزن الانسان مثلا لضياع فرصة ثمينة كان يتطلع اليها بلهف‏,‏ ويضيق عقله الباطن بهذا الحزن فيترجمه برد الفعل العكسي إلي محاولة التهوين من قيمة هذه الفرصة نفسها‏..‏ والزعم بأنها ما كانت لتضيف اليه شيئا‏,‏ وبدلا من ان يعبر الانسان عن الحزن لضياعها نجده ينطق بعبارات تزعم للنفس ان ضياعها أفضل من مجيئها‏,‏ وأنه الآن اسعد حالا منه لو كان قد فاز بها‏..‏ إلخ‏.‏


ولأنك تضيقين في أعماقك بخوفك الشديد من فقد زوجك ذات يوم‏,‏ فلقد عبرت عن هذا الخوف القاهر برد الفعل العكسي في مبادرتك انت علي طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع‏,‏ باقتراح الانفصال عن زوجك‏,‏ فلما رفضه الرجل النبيل تعددت اقتراحاتك عليه بالزواج من أخري للإنجاب وتوالت التيسيرات والتسهيلات التي تقدمينها له لكي يقبل بها‏.‏



ولست اعني بذلك أنك لست صادقة في هذه العروض العديدة التي تقدمينها لزوجك‏,‏ فالحق انها عروض صادقة وتعكس روحا مضحية وبعيدة عن الأنانية‏,‏ وانما اقصد فقط أن الخوف الكامن في أعماقك من المستقبل هو المحرك الأساسي لها وبغير وعي منك‏,‏ فثقي في نفسك ياسيدتي وفي جدارتك بان يكتفي بك زوجك ويسعد بك ومعك دون أطفال‏,‏ وتخلصي من هذا الخوف القاهر الذي يكبل إرادتك ويحرمك من الاستمتاع بالأوقات الخالية من الأكدار‏..‏ وتخلصي قبل كل ذلك وبعده من الإحساس القاتل بالذنب تجاه زوجك‏,‏ لأن الانسان لايلام علي أمر قد قدر عليه‏,‏ ولم تكن له فيه حيلة‏,‏ كما أن الرجل يعفيك من كل مسئولية عن حرمانه من الأطفال‏,‏ ويرضي بأقداره ويطالبك بالرضا بها فاقبلي عافية وعيشي حياتك معه في سلام‏,‏ ولا تتعجلي الهموم والأكدار‏..‏ ولا تستدعيها الي حياتك قبل موعدها المقدور في عالم الغيب‏,‏ وتعاملي مع الأمر علي طريقة الصوفية الذين يقولون درءا للهموم واتقاء للتحسب الزائد للمستقبل لك الساعة التي انت فيها‏..‏ ولو اردت التخفيف عنك أكثر من ذلك لقلت لك إن تقدير الأسوأ يحرر الانسان من الخوف الشديد مادام قد عرف اقصي ما يمكن ان تنتهي اليه الأمور وتهيأ نفسيا للتعامل معه أو القبول به‏,‏ وأسوأ العواقب في مثل ظروفك هذه هو ان يجئ يوم بعد عدة اعوام أو أكثر ويشعر زوجك بحاجة ملحة عليه في الإنجاب فيتزوج بمشورتك وموافقتك من أخري‏,‏ فما الجديد اذن في الأمر وقد تحسبنا له منذ البداية وطالبناه به فرفضه من قبل حبا وإكراما لنا؟



ان مشكلتك الحقيقية هي أن زوجك قد تقبل أقداره ورضي بها‏,‏ في حين أنك أنت التي لم تتقبلي في أعماقك بعد أقدارك ولم ترضي عنها‏,‏ لهذا فهو يعيش في سلام نفسي معك‏..‏ وانت تحترقين بالإحساس بالذنب تارة وبالخوف من فقد زوجك تارة أخري‏..‏ وبتقديم اقتراحات الزواج اليه إبراء للذمة من ذنبه تارة ثالثة‏..‏ فتقبلي أقدارك أولا ياسيدتي‏,‏ ولسوف تتغير اشياء كثيرة في حياتك وشخصيتك وعلاقتك بزوجك الي الأفضل‏,‏ ولقد كان القطب الصوفي ابوبكر الشبلي يقول من توكل علي الله رضي بفعله وكان الامام حسن بن علي رضي الله عنهما يقول من رضي بحسن اختيار الله له لم يعدل به شيئا‏.‏


فارضي بما إختاره لك ربك‏..‏ ولسوف تتحسن الأحوال كثيرا بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:03 PM
الطــــــريـــــق المنحــــــدر


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




تفتحت عيناي علي أب حنون وأم قاسية لا تحبني‏,‏ ولم أكد أبلغ سن الشباب حتي توفي والدي‏,‏ وتركني لوالدتي التي كانت تعاملني أسوأ معاملة‏,‏ ولأن أبي كان قد زرع في الحب والحنان‏,‏ فلم أنحرف‏,‏ بل بالعكس نجحت دراسيا‏,‏ والتزمت دينيا وأخلاقيا‏,‏ وعندما أتي العريس كانت أهم صفة مطلوبة فيه من وجهة نظري أن يكون علي خلق وملتزم دينيا‏,‏ وقلت في نفسي سأبدا حياة جديدة من صنعي أنا‏,‏ فلقد كانت خبرتي في العلاقات الزوجية صفرا‏.‏


وقد تزوجت إنسانا توسمت فيه كل الصفات الممتازة من وجهة نظري‏,‏ وشعرت تجاهه بأنه المنقذ الذي سينقذني من سجن أمي ومعاملتها السيئة لي‏,‏ وسيعوض لي حنان أبي الذي فقدته لكني‏,‏ منذ البداية وجدت زوجي لا يقدر أهمية المشاعر‏,‏ فزوجته عليها إطاعة أوامره‏,‏ وتنفيذ رغباته حتي بدون أن يقول لها كلمة شكر‏,‏ وكان يحاسبني علي أي خطأ‏,‏ وكأن هذا الخطأ مصيبة كبري‏,‏ ولا يجد عيبا في أن يحرجني أمام الناس في أثناء حديثي‏,‏ كأن يلفت نظري إلي أن ما أقوله تافه‏,‏ ولا يصح‏,‏ وشعرت بخيبة أمل كبيرة فكل ما أحتاج إليه كلمة حلوة‏,‏ ولا أجدها‏,‏ وبذلت كل جهدي حتي لا يجد زوجي خطأ في تصرفاتي يلومني عليه‏,‏ ووضعت همي في عملي وتربية أولادي حتي أصبح بيتي من أفضل البيوت ظاهريا‏,‏ أما ما لم استطع أن اتغلب عليه فهي مشاعري ناحية زوجي‏,‏ الذي لم استطع التجاوب معه‏.‏



وعشت حياتي أفرغ مشاعري فيمن حولي‏,‏ أخدم الجميع‏,‏ وأحب الجميع‏,‏ ويحبني كل أصدقائي وزملائي‏,‏ ويستشيرونني في حل مشاكلهم‏,‏ أما زوجي فهو مستمر دائما في أن يشعرني بأنني مخطئة في كذا‏,‏ ولم أفعل كذا إلي آخر اللوم الذي لاينتهي‏,‏ ومنذ نحو أربع سنوات نقل إلي مقر عملي زميل جديد‏,‏ وفي البداية تنافسنا في العمل لأنه في نفس الكادر الوظيفي‏,‏ ولكن مديرنا استطاع بذكاء أن يجعلنا نتعاون فكنت أعمل معه عدة ساعات يوميا‏,‏ وتعرفت بأسرته لأنه كان غريبا عن القاهرة‏,‏ وساعدته في إنجاز بعض المهام‏,‏ وأصبحت علاقتنا عائلية‏,‏ وأصبح أولادي وأولاده أصدقاء‏,‏ أما زوجته فهي إنسانة طيبة وبسيطة جدا لا تعرف من دنياها سوي أن تخدم أولادها‏,‏ وكان زميلي يشكو لي اهتمام زوجته بكل شئ ما عداه‏,‏ وحاولت أن ألفت نظرها لذلك وعلمتها الكثير كطريقة الطهي‏,‏ وترتيب المنزل‏,‏ وكان يسعدني جدا أن أجد هذا الزميل يثني علي الطعام أو يشكرني علي أمر علمته لزوجته‏,‏ بل كان يستشيرني هو وزوجته في أمور كثيرة‏,‏ وأصبحت أجد أهميتي في تلك الأسرة‏,‏ وبدأت تتجمع الأسرتان في المناسبات المختلفة‏,‏ فكان ما يكدرها أن زوجي لايتكيف أبدا مع هذه الأمور‏,‏ كما أني كنت أري نظرات الاشفاق في عين زميلي علي كلما أحرجني زوجي أمام الموجودين‏,‏ المهم أنني كنت أتجاوز هذه الأمور‏,‏ ولا أعلق عليها‏,‏ ولكنها كانت تترك داخلي الأثر النفسي الذي يجعلني أرفض العلاقة الزوجية‏,‏ وفي أحد الأيام كنت في مكتبي أبكي نتيجة مشادة حدثت بيني وبين زوجي في الصباح‏,‏ ودخل زميلي المكتب‏,‏ ولم أشعر به فإذا به يربت علي رأسي ويواسيني ثم خرج‏,‏ وشعرت بدفء عجيب لأول مرة في حياتي‏,‏ ولم أنم ليلتها‏,‏ وقررت أن أدفن رأسي في حضن زوجي النائم بجواري‏,‏ لكن لم أجد في هذا الحضن غير عظام لم تشعرني بأي شئ‏,‏ وبخاصة أنه لم يتحمل رأسي كثيرا‏,‏ بل بدأ يتململ‏,‏ ويطلب مني الابتعاد عنه‏,‏ ووجدت نفسي في اليوم التالي أذهب للعمل‏,‏ وأنا انتظر أن أري زميلي‏,‏ ولكن عندما رأيته عنفته علي ما فعل‏,‏ واعتذر لي أنها كانت غلطة ولن تتكرر‏,‏ وظل بعدها فترة يتحاشي التعامل معي‏,‏ وبعدها سمعت في أحد الأيام صوت ضجيج أمام مكتبي فخرجت لأستطلع الأمر فوجدت زميلي هذا مغمي عليه‏,‏ ويحاول الجميع إفاقته فانخلع قلبي‏,‏ وتقدمت بسرعة أحاول معهم مساعدته حتي أتت سيارة الإسعاف‏,‏ ونقلته إلي المستشفي‏,‏ وهناك كنت معه وعندما آفاق ورآني ابتسم لي‏,‏ وبالرغم أنه كان


هناك الكثير من الزملاء والزميلات شعرت بأنه يكلمني أنا وحدي‏,‏ ويخرج الجميع من الحجرة‏..‏ أما أنا فيقول لي أرجوك انتظري حتي يعرفني ما سأفعله في العمل في فترة غيابه‏,‏ وبمجرد خروج الزملاء من الحجرة يمسك يدي ويقبلها عدة مرات‏,‏ ويقول لي إنني حاولت ألا أضايقك لكن كان ذلك علي حساب أعصابي‏,‏ وهذه هي النتيجة‏.‏


ولم استطع أن أقول له شيئا سوي أن أطلب منه الاهتمام بصحته‏,‏ وخرجت من الحجرة لا أعرف كيف أسير‏,‏ والآن هل يمكن لسيدة قاربت الخمسين‏,‏ ورجل في السن نفسها أن يمرا بهذه المشاعر أم هي العشرة الطويلة بيننا؟‏.‏



آلاف الأسئلة تدور داخلي لا أجد لها إجابة‏,‏ وعدت لبيتي وبدأت أتكلم مع زوجي وأطلب منه أن يراعي مشاعري‏,‏ وسألته لماذا لا تقول لي كلمة حلوة تسعدني‏,‏ فالكلمة الحلوة لن تكلفك شيئا‏,‏ ولماذا نتعامل كأزواج بدون أن تكون هناك مقدمات عاطفية‏,‏ وسألته ألا يسعدك أن تكون العلاقة الزوجية سبب سعادة لنا نحن الاثنين‏,‏ وكانت النتيجة كما سبق فلقد اتهمني بأنني السبب‏,‏ وانني زوجة خائبة‏,‏ وشعرت بأن ماء باردا سكب علي رأسي‏..‏ ولا فائدة‏.‏


المهم ظل زميلي في المستشفي عدة أيام كنت أذهب إليه لأطمئن عليه يوميا‏,‏ وعندما خرج من المستشفي ظل عدة أيام بالمنزل‏,‏ ولم أكن استطيع أن أذهب إليه حتي لا أضعف والآن فهو مازال في إجازة مرضية‏,‏ وقد يعود إلي العمل في أي وقت وحتي تتخيل الوضع فنحن في مكتبين متجاورين نقضي معا نصف اليوم ويستدعينا مديرنا في بعض الأعمال‏,‏ ويعرف أننا عندما نعمل معا يصبح العمل علي أعلي مستوي‏,‏ ونحقق أفضل النتائج دائما‏,‏ فماذا أفعل عند عودته إنني أكتب لك مشكلتي لكي يقرأها كل زوج يظن أن نجاحه في الزواج‏,‏ وإثبات رجولته هو أن تطيع زوجته أوامره فقط وتنفذها وأن يراجع كل زوج نفسه‏,‏ ويسألها هل أراعي مشاعر زوجتي‏,‏ وأقول لها كلمة حلوة؟‏,‏ وهل زوجتي تشعر بحبي؟‏,‏ أم أن حياتي معها مجرد عشرة خالية من المشاعر‏,‏ وأنا علي ثقة من أن زوجي لن يشك لحظة في أن هذه الرسالة رسالتي فهو مغرور‏,‏ ويظن أنني لا أجرؤ علي فعل أي شئ ضد إرادته‏,‏ كما تعود‏,‏ لكن صدقني أن ضميري هو الذي يمنعني من الخطأ‏,‏ وأنا أقاوم هذه المشاعر بكل قوتي خوفا من غضب الله الذي أنا حريصة علي رضاه‏,‏ كما أني أخاطب كل فتاة مقبلة علي الزواج أن تعرف جيدا وتتعلم كيف تعيش حياة زوجية ناجحة‏,


‏ فهذا ليس ضد الأدب‏,‏ وألا تدفن رأسها في الرمال ظنا منها أن الكلام في هذه الموضوعات عيب سوف يسقطها من عين زوجها‏.‏


وأقول لها إن هذه الموضوعات في احتياج لكل من الرجل والمرأة‏,‏ ويجب أن يشبع‏,‏ وألا ستجد نفسها داخل قفص بابه الوحيد يؤدي إلي النار‏,‏ كما أشعر أنا الآن‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


مع أنك لست مؤهلة لنصح أحد بعد أن خطوت بالفعل بضع خطوات علي الطريق المنحدر الا أنني أنشر رسالتك عسي أن يستفيد بها البعض وأقول لك إن كل ما ذكرت عن زوجك لا يبرر لك التساهل مع زميلك في العمل أو التفريط معه فيما ينبغي للزوجة المحصنة ألا تفرط فيه‏,‏ وأشير هنا خاصة إلي ما حذفته من رسالتك المؤسفة هذه‏.‏ فلقد يكون زوجك مقصرا في الاهتمام باللفتات العاطفية في علاقته بك‏..‏ وقد يكون تقديره خاطئا في عدم الاهتمام بالمشاعر والكلمة الرقيقة والتجاوب العاطفي مع زوجته‏..‏ لكن الفضليات يا سيدتي لا يحللن المشكلة بالتورط في علاقات غرامية مع زملاء العمل ولا بالتساهل معهم‏,‏ بحيث يسمحن لهم بلمسهن والتعبير لهن عن لواعج أشواقهم‏,‏ وإنما يحاولن بعث الدفء في حياتهن الزوجية ويغرين أزواجهن بالتجاوب معهن والاهتمام بمشاعرهن‏,‏ فإن نجحن في ذلك كان بها‏,‏ وإن عجزن سلمن أمورهن لخالقهن ورضين بحياتهن كما هي وقبلن بنواقصها دون أن يتطلعن إلي أي تعويض خارج المؤسسة الزوجية‏,‏ فإذا كنت حقا تقاومين الخطأ كما تقولين‏..‏ فإن أول خطوة جدية علي هذا الطريق هي أن تطلبي نقلك من هذا المكتب الذي يجمع بينك وبين زميلك وأن تكفي عن زيارته والاتصال به‏..‏ وتتفرغي بكل مشاعرك واهتمامك لزوجك وأبنائك‏.‏


وتذكري دائما أن الطريق المنحدر الذي بدأت السير فيه‏,‏ تزداد منحدراته خطورة كلما تسارعت خطواتك عليه‏,‏ وانك كلما سرت علي دربه تراجعت فرص نجاتك من الهاوية التي ينتهي إليها‏,‏ وتعذرت عودتك إلي الطريق القويم‏..‏ فتوقفي الآن‏..‏ وراجعي نفسك فيما فعلت وفرطت‏,‏ كما تطالبين الأزواج بأن يراجعوا أنفسهم في علاقاتهم بزوجاتهم‏..‏ وتطهري من إثم هذه العلاقة قبل أن تفسد عليك روحك واحترامك لنفسك وتدمر حياتك وتصمك بما لا ترضاه السيدة الفاضلة لنفسها‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:04 PM
دائرة الاختيار‏!‏


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




ترددت كثيرا في الكتابة اليك لكني في النهاية توكلت علي الله العلي القدير‏,‏ وقررت ان ابث اليك شكواي التي أرجو من الله ان اجد لديك المشورة والنصح فيها‏...‏ فأنا سيدة متزوجة منذ مايقرب من ثلاثين عاما واشغل انا وزوجي مناصب رفيعة المستوي في الدولة‏,‏ وقد بدأت مشكلتي حينما رزقت بابنتي بعد ولادة عسرة واتضح ان الولادة اثرت بدرجة طفيفة علي مستوي ذكائها‏..‏ وبعد استشارة الأطباء ذكروا ان الولادة اثرت علي درجة الذكاء بدرجة طفيفة ولكن بالجهد والمثابرة سوف تجتاز هذه المرحلة‏..‏ والحمد الله فقد تعاونت انا وزوجي علي مساعدتها في التعليم وأدخلناها أفضل مدارس اللغات‏,‏ واستطاعت بحمد الله ان تحصل علي الثانوية العامة بدون ان ترسب في اي عام من الاعوام والتحقت بالجامعة وانهت دراستها ووفقها الله في العمل بإحدي هيئات الدولة المميزة‏,‏ والي هنا ليست هناك مشكلة وانما بدأت المشكلة منذ بلوغ ابنتي سن الزواج‏,‏ فنظرا لمستوي عائلتي تقدم لخطبتها العديد من الشباب لكني ترددت كثيرا في قبولهم حيث إن ابنتي لايشعر احد انها أقل قليلا من أقرانها الا بعد معاشرتها لفترة طويلة ولذلك خشيت عليها من الارتباط ثم يحدث الانفصال لاقدر الله‏..‏ ولااستطيع ان اذكر لاحد حالتها لانه لايشعر بها احد إلا بعد فترة‏,‏ وكذلك لكيلا أجرح مشاعرها‏,‏ ووالدها يري ان نقبل الشخص المناسب لها وأنا اري انه من الأفضل ان نقبل شخصا له نفس مواصفاتها ومستواها التعليمي والثقافي والاجتماعي والاسري‏,‏ ولكن ما باليد حيلة فكيف يحدث هذا؟ إن ابنتي علي درجة عالية من الثقافة وتتعامل مع التقنيات‏,‏ الحديثة من حاسب آلي وموبايل بسهولة ويسر ويمكن الاعتماد عليها في إدارة البيت فهل أنتظر حتي يجيء الشخص الموافق لها ولا أعلم متي يجئ؟ ام اوافق علي ارتباطها بشخص عادي في الظروف العادية كما يري والدها؟ إني حائرة ولا اعرف ماذا أفعل والأيام تمر سراعا واريد ان أطمئن عليها واري الفرحة في وجهها فماذا افعل ؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول


إذا اخذنا بالحلول النظرية فإن الأفضل لابنتك هو ان ترتبط بمن تتوافق ظروفه مع ظروفها‏,‏ وليس من المحتمل ان ينكر عليها ذات يوم هذا الفارق الطفيف الذي يميزها عن قريناتها‏,‏ لكن المشكلة هي كيف يمكن العثور علي مثل هذا الشاب المنشود الذي يتكافأ معها عائليا واجتماعيا وثقافيا‏..‏ ويختلف اختلافا طفيفا عن اقرانه في مستوي الذكاء؟ والي متي يطول انتظاره؟


لهذا فلقد يكون من الأوفق ألا تحصري دائرة الاختيار في هذه الفئة التي تتوافق ظروفها مع ظروف ابنتك‏,‏ وان تتسع الدائرة قليلا وتقبلوا بشئ من المخاطرة المحسوبة‏,‏ عسي ان يوفق الله ابنتكم الي شريك حياة متفهم ويقدر بقية مزاياها الأخري‏,‏ وهي لاشك عديدة‏,‏ كما ان اجتياز ابنتك لكل مراحل الدراسة بمدارس اللغات ثم الجامعة واستقرارها في عملها بهيئة مميزة من هيئات الدولة ـ كما تقولين ـ يؤكد أن الأثر الذي تركته الولادة العسرة علي مستوي ذكائها كان طفيفا بالفعل‏..‏ وفي كل الأحوال فإن من ترتبط به لابد ان يعرف كل ظروفها ويقبل بها‏..‏ لتكون احتمالات النجاح والسعادة هي الأغلب والأعم باذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:05 PM
الانسحاب الثاني‏!‏


بـريــد الأهــرام
42851
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
2
‏12 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أكتب رسالتي هذه ردا ونصحا لطرفي رسالة الطريق المنحدر التي نشرتها بـ بريد الجمعة وسيتضح لك ولهما أن قصتي بدأت حيث انتهي طريقي المنحدر‏,‏ والذي بدأ بعودتي للعمل في نفس المستشفي الذي بدأت فيه حياتي العملية كطبيب بعد نحو ثماني سنوات من التنقل للخدمة بأكثر من مستشفي حسب ما تقتضيه وظيفتي وتخصصي‏,‏ فكان أن التقيت ثانية بالفتاة التي أحببتها في بداية حياتي العملية ومنعتني ظروف لا ذنب لي أو لها فيها من الارتباط بها‏,‏ وكانت تلك مشيئة الله‏,‏ إذ كيف لطبيب مبتدئ لايملك سوي مرتبه أن يتقدم لفتاة أعلي منه ماديا واجتماعيا؟ وكيف لشاب في بدء حياته أن ينجح في الارتباط بتلك الفتاة‏,‏ وقد شاء قدرها أن تترمل وهي لم تبلغ بعد الثالثة والعشرين‏,‏ وصار لديها ولدان صغيران‏,‏ وهو لايملك أي خبرة في الحياة ولا يملك أسباب القيام بأعباء أسرة كتلك أو أن يعولها؟‏!‏ فكان انسحابي المخجل رغما عني‏,‏ وبرغم حبي الشديد لها‏,‏ وكذلك برغم إيماني بضرورة وجودي إلي جانبها‏,‏ وقد آثرت أن أفسح المجال لمن يقدر ولمن يستحق‏,‏ هكذا تصورت وقتها وهكذا قررت استكمال حياتي بعيدا عنها‏,‏ وقد شاء الله عز وجل أن يرزقني بمن ترتضيني زوجا‏,‏ وجعل لي معها السكن والمودة فسارت بي الحياة بعد ذلك زوجاوأبا ورزقتي الله من فضله النجاح في العمل والشهرة في مجالي كطبيب‏,‏ حتي صارت لي عيادتي الخاصة والتي أضحت قبلة لكثير من المرضي سواء من مصر أو خارجها‏,‏ وأراد الله من فضله وبمشيئته أن أكون سببا في شفاء الكثيرين منهم‏..‏ وكانت تلك نعمة من الله من نعم كثيرة أفاض بها علي عز وجل وهي لاتعد ولا تحصي‏..‏



وبعودتي للخدمة بالمستشفي الذي بدأت به حياتي العملية وبعد بعثة بالخارج التقيت بها ثانية‏,‏ فإذا بها قد ازدادت جمالا وتألقا وقد تزوجت ثانية بعد ترملها وبعد انسحابي من حياتها‏,‏ إلا أنني قرأت في عينيها نظرة العتاب واللوم خاصة بعد أن علمت ممن حولها بمشكلاتها مع زوجها‏.‏


وهنا بدأ الشيطان وساوسه فصور لي ضرورة رفع هذا العتاب‏,‏ وأن أشرح لها ما حال بيني وبين ارتباطي بها في الماضي‏,‏ وأنني وإن كنت فيما سبق لم أستطع الوقوف بجانبها في معترك الحياة‏.‏ فإني أستطيع الآن وبما صار لي من مكانة علمية ومادية مساندتها ودعمها‏..‏ ومن هنا بدأ طريقي المنحدر والذي بالطبع لم يكن يبدو لي كذلك‏,‏ بل بدا طريقا نحو القمة وسلما إلي السماء‏,‏ وحاولت أن أفتح حوارا معها بشتي الطرق حتي نجحت‏,‏ ثم صار ذلك الحوار أحاديث طويلة حتي تقبلت عذري وتفهمت أسباب انسحابي من حياتها في الماضي‏,‏ ولم أكتف بذلك وإنما سولت لي نفسي أن أمارس معها دور الفارس النبيل الذي جاء علي حصانه الأبيض لينتشلها من متاعبها الحالية مع زوجها ومع الحياة كلها‏,‏ ويقف بجوارها‏.‏ فكان أن انفجر بركان الحب القديم في قلبي وقلبها وتجاوز هذا الانفجار حدود وضعنا الاجتماعي كزوج لأخري وكزوجة لآخر‏,‏ وكان عذرنا اننا نحاول تصحيح ماكان من قبل وإعادة المياه إلي مجاريها‏,‏ ودعني أعترف بكل مرارة وندم لعلي أكفر عن نفسي ما لن أغفره لها‏..‏ ذلك أني لم أكتف بذلك وإنما رحت أضغط عليها وأمارس معها كل الحيل التي تجعلها تميل نحوي وترفض حياتها مع زوجها متعللا أمام ن


فسي كذبا وافتراء بأنها لا تجد مع زوجها السعادة أو الحب الذي تستحقه حتي خضعت المسكينة وصارت لقاءاتنا هي محور حياتي‏,‏ وأهملت أسرتي وعيادتي وأنا في كل ذلك أمضي كالأعمي ناسيا لربي وفضله علي‏,‏ قاتلا لضميري‏..‏ وهكذا سقطت أنا وأسقطتها معي حتي صرت سلواها الوحيدة وأملها الوحيد‏,‏ ولك أن تتخيل ما كانت تفعله هذه الكلمات وهي تلقي همسا في أذني بل ويزيد عليها أنني رجلها الوحيد‏,‏ وهي التي كانت لي ذات يوم أملا بعيدا وحلما نائيا‏,‏ فإذا بها بين يدي وأمام عيني وأكثر من ذلك‏!!‏


وهنا كان لابد ــ من رحمة الله ــ أن تدركنا حتي لانتمادي أكثر في الخطأ والخطيئة وأن يجئ العقاب الإلهي الذي استحقه كل الاستحقاق ومن حيث لم أحتسب أو أتوقع‏..‏ وجاء هذا العقاب منا نحن الاثنين‏,‏ ولم يأت من غيرنا‏..‏ وبدأ بوقفة مريرة أمام نفسي وضميري‏,‏ رأيتني فيها لا أملك ما يستر خطيئتي ولايبرر فعلتي‏..‏ وإذا بزلزال عنيف يطبق السماء فوق رأسي ويضيق الأرض علي بما رحبت‏..‏ فكيف فعلت ذلك وتماديت فيه؟ وكيف غاصت أقدامي في هذا الوحل وأنا الذي أنعم ربي علي بما لا يعد ولا يحصي من النعم؟‏..‏ وكيف أوقعت بتلك المسكينة حتي سقطت معي؟‏!..‏ لايمكن أن أصف في سطور ما أنا فيه سوي أنني لا أحيا إلا بمرارة الاحساس بالذنب والشعور القاتل بالندم‏,‏ ويعلو أنيني أمام ربي في جوف الليل لعله يتقبل توبتي‏..‏ وإذا بي وأمام هذا الاستيقاظ المتأخر لضميري أجدني مضطرا للانسحاب مرة أخري من حياتها ودون أية مقدمات‏,‏ وألم المعصية يعتصرني‏..‏ وإذا بي وبفعلتي وأفعالي هذه أدمر حياتها وهي حبي الوحيد‏,‏ وينتهي بها الحال للطلاق والعودة لمعاناة ويلات الحياة وحيدة ضائعة حتي فقدت صوابها‏,‏ وحاولت الانتقام مني بفضح علاقتنا أمام زوجتي حتي في أدني تفاصيلها المخزية


‏,‏ ولكن انتقامها جاء متأخرا فقد انفصلت عن زوجتي لأنني لم أحتمل استكمال الحياة مع من لم أر منها إلا كل خير‏,‏ فكان انتقامها مجرد تأكيد لهذا الانفصال‏.‏ فكيف انتهي بنا الحال إلي هذا وقد ابتدأ بمجرد اعتقاد موهوم بأنني الصدر الحنون أو الأمل المفقود الذي يمكن أن يخفف عن إنسانة ما متاعبها في الحياة‏..‏ إنني الآن علي مشارف الأربعين من العمر‏,‏ وأشعر بأنني في نهاية العمر‏..‏ لا أري أملا أو غاية سوي عفو الله ومغفرته‏..‏ وقد أرسلت لك هذه الرسالة معترفا بكل أخطائي ومدركا تمام الإدراك أنني استحق ما أنا فيه‏,‏ بل وأراه قليلا‏,‏ ولكن الأهم والذي أرجوه هو أن تكون نصحا لكل من يقرأها لكي يحذر الوقوع والانحدار إلي ما انحدرت إليه‏,‏ ولكيلا ينتهي به الحال لما انتهي بي وبها‏,‏ وقد أرسلتها أيضا كحلقة صغيرة‏,‏ وأرجو السماح والعفو من كل من آذيتهم وتسببت في إيلامهم‏..‏


وأخيرا فإني أدعو الله القادر العظيم عز وجل أن يقبل توبتي وهو القائل سبحانه وتعالي‏:‏ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون‏..‏


صدق الله العظيم



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


لو تحدث أحد ساعات طويلة عن عواقب الاستجابة لهوي النفس والانحراف عن الطريق القويم‏,‏ لما استطاع أن يقنع سامعية بأبلغ مما تفعل رسالتك هذه‏!.‏ فهي تقدم لنا نموذجا مثاليا لتبعات الضعف الأخلاقي والجري وراء الأوهام والانخداع بدعاوي الحب القديم الذي انتفض فجأة كالمارد بعد سنوات طويلة من آخر لقاء‏..‏ وغير ذلك من الترهات التي يخدع بها نفسه من يضيق بالحياة العائلية الهادئة والمحترمة‏,‏ ويتوق إلي تجربة الإثارة والمغامرة والمتعة اللاذعة‏,‏ وكلها بطبيعتها مؤقتة وقصيرة الأمد مهما طالت‏..‏ولهذا قالت شاعرة أمريكية‏:‏ متعة الحب تدوم لحظة‏..‏ وشجن الحب يدوم إلي الأبد‏!‏ أي تبعاته وعواقبه‏.‏


ولنراجع معا ما حققته مغامرتك الخطيرة بإحياء العلاقة القديمة التي كانت بينك وبين سيدة لم تستطع أن ترتبط بها في بداية شبابك لأسباب مادية واجتماعية؟



لقد رأيت في عينيها كما تقول نظرة العتاب لخذلانك السابق لها وانسحابك من حياتها‏,‏ مما أدي بها بعد فترة للزواج من غيرك والشقاء في زواجها‏,‏ فقررت أن تشرح لها أسبابك‏..‏ ثم انتقلت من رفع العتاب وشرح الأسباب إلي مداعبة مشاعرها العاطفية القديمة ومحاولة إحيائها حتي استجابت لك‏,‏ فخطت بذلك خطوة واسعة علي الطريق المنحدر إياه‏..‏ ولم تكتف بذلك وإنما واصلت فحيحك وهمسك المسموم لها حتي تمادت معك في نفس الطريق الذي تقود كل خطوة عليه إلي نقطة أبعد عن الطريق القويم‏,‏ حتي وصلتما معا إلي السفح‏.‏ وحينئذ فقط استشعرت الندم علي ماكان من أمركما معا وأحسست بالذنب والإثم فانسحبت للمرة الثانية من حياتها‏,‏ وعاودت خذلانها من جديد بعد أن كانت حياتها قد تأثرت تأثرا مدمرا بعلاقتها بك‏..‏ فطلقت بعد انسحابك من زوجها‏,‏ وامتد الأثر المدمر إلي حياتك العائلية كذلك فتهدمت أسرتك الصغيرة وطلقت أنت زوجتك‏.‏


فأي ثمن باهظ لمتعة عابرة‏..‏ وإثارة موقوتة‏..‏ ومغامرة محفوفة من قبل البداية بالمخاطر؟



ولماذا وقد خلا الطريق أمامك بطلاقها من زوجها وطلاقك من زوجتك ـ التي لم تر معها باعترافك إلا كل جميل ـ لم تفكر في تصحيح الوضع الخاطئ وتعويض تلك السيدة عما خسرته بالزواج منها‏,‏ وهي التي كانت ــ كما تقول ــ حلمك القديم؟


قد تعلل ذلك بأن العلاقة بينكما قد خسرت بعد انسحابك الثاني من حياتها‏,‏ وأن مشاعرها تجاهك قد تحولت إلي العداء لك حتي رغبت في الانتقام منك بالاساءة إليك لدي زوجتك‏,‏ لكن انتقامها جاء متأخرا لأنك كنت قد طلقت زوجتك‏.‏



وقد تشعر بأنك قد أدركت بالتجربة أن ماكنت تعتقد أنه حب العمر الذي حرمت من جني ثماره في بداية الشباب‏..‏ قد تكشف لك عن وهم لا يصمد لاختبارات الحياة فعزفت عن الارتباط بصاحبته‏..‏ وقد يكون هذا السبب أو ذاك صحيحا في بعض جوانبه‏..‏ لكن هناك سببا آخر خفيا‏..‏ هو الدافع الحقيقي لك للانصراف عن فكرة الارتباط بها الآن‏.‏ إنه دافع باطني يمور في داخلك‏,‏ قد تخجل من الاعتراف به حتي لنفسك‏,‏ ذلك انك لاتثق في أعماقك في أخلاقيات هذه السيدة التي مضت معك في الطريق المنحدر حتي الهاوية وهي زوجة لرجل آخر‏,‏ ولا تأتمنها علي عرضك وشرفك واسمك‏.‏


فإذا أردت تصويرا صادقا لنوع العلاقة التي كانت بينكما حتي في أوج اشتعال الحب بينكما لما وجدت أبلغ مما صاغه الروائي الفرنسي لاكلو في روايته علاقات خطرة واصفا به علاقة مركيزة فاجرة بعشيق لها يشاركها التآمر علي مركيز شاب كان عاشقا سابقا لها وخانها‏,‏ فقال‏:‏



مثلهما مثل لصين يعملان معا‏,‏ يجمعهما تقدير متبادل من أحدهما للآخر في عمله‏,‏ لكنه تقدير لايرقي أبدا ولن يرقي ذات يوم إلي حد الثقة‏!‏


وهكذا كان الحال بينك وبين تلك السيدة خلال العلاقة وبعدها‏,‏ وهكذا هو الحال في معظم العلاقات الآثمة المشابهة التي تخون فيها زوجة وأم زوجها بدعوي الحب والضعف العاطفي‏..‏ كما أنه أيضا الدرس الحقيقي لقصتك هذه التي ترغب في أن تكون نصحا للآخرين‏.‏



إن لكل شئ ثمنا في الحياة‏..‏ للمتعة والتحلل من القيود الأخلاقية ثمن‏..‏ ولرد النفس عن أهوائها وإلزامها بالطريق القويم ثمن كذلك‏..‏ وكل إنسان يجني في النهاية ثمرة ما غرس‏..‏


إنني أرجو في النهاية أن يكون ندمك صادقا وحقيقيا‏,‏ وأن تتطهر روحك من إثم هذه العلاقة ــ السابقة‏,‏ وأن تحاول تحجيم خسائرك فيها بمحاولة السعي للإصلاح بينك وبين زوجتك السابقة‏,‏ وإعادة شملكما وأطفالكما معا‏..‏ كما أرجو أن تكثر من الاستغفار وتدعو الله كثيرا أن يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏,‏ وإثم تخبيب امرأة علي زوجها كما جاء في مضمون الحديث الشريف الذي يقول ليس منا من خبب امرأة علي زوجها أي أفسدها عليه حتي ضاقت بالعيش معه ورغبت في هجره‏.‏



والله سبحانه وتعالي في النهاية هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو وإليه المصير صدق الله العظيم الآية‏3/‏ غافر‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:08 PM
الأشواك الدامية‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة




بعد أن قرأت رسالة الحلم المتأخر ومن قبلها الخروج من الشرنقة‏..‏ والتي وضح فيهما دور الأم المتسلطة علي ابنها ومحاربتها لفكرة زواجه‏,‏ خطر لي أن أعرض عليك نوعا آخر من التسلط‏..‏ هو تسلط الأبناء‏,‏ وأزواج الأبناء‏..‏ وأرجو أن تصدقني في كل كلمة أقولها‏,‏ لأنه ليس هناك ما يدعوني للكذب‏..‏ فأنا طبيبة من أسرة عريقة من ناحية التعليم والمركز الاجتماعي والمادي والأصل‏,‏ وفوق كل هذا وأهم منه السيرة الحسنة‏..‏ ولحسن حظي تزوجت من قريب لي‏,‏ فعشت معه بنفس الأخلاق والمباديء التي صحبتها معي من بيت والدي‏,‏ وأنجبنا ولدا وبنتا‏,‏ تربيا علي شاكلتنا‏,‏ ودارت الأيام دورتها‏,‏ وسافر ابني مهاجرا‏..‏ ثم توفي زوجي رحمه الله‏,‏ وعشت مع ابنتي‏,‏ وكان يتقدم لها الكثيرون‏..‏ ولكنها كانت دائمة الرفض لفرص كثيرة ترضيني كأم ولم أضغط عليها مطلقا‏,‏ إلي أن حدث وتعلقت بأحدهم‏..‏ وحكت لي عنه وعن عائلته ما أسعدني‏,‏ ورحبت به مبدئيا‏,‏ إلي أن بدأنا التعارف أكثر‏..‏ فوجدت كل الظروف غير مشجعة علي الإطلاق‏,‏ فالأسرة مفككة إلي أبعد الحدود ولا أحد يحترم الآخر‏,‏ وأشياء أخري كثيرة‏,‏ ودون الدخول في التفاصيل‏,‏ فقد كنا نتفوق عليهم في كل شيء‏,‏ كل شيء‏..‏ وكلما اقتربنا عائليا أكثر‏,‏ اكتشفت اتساع الهوة بيننا‏..‏ ولست أحب أن أذكر تفاصيل دعت كل من عرف بجزء بسيط منها لأن يستنكر هذا الزواج‏..‏ فرفضت الموافقة عليه‏,‏ لكن ابنتي وقفت مني موقفا عدائيا‏,‏ بدعوي أن الانسان لا شأن له بعائلته لأنه لم يخترها‏,‏ وإنما هي مفروضة عليه‏,‏ وعندما قلت لها إن كل هذا ينعكس علي الانسان بعد ذلك‏,‏ رفضت الاقتناع بمنطقي وداومت علي اتصالها بهذا الشخص‏,‏ وتمسكت به لأقصي درجة‏,‏ إلي أن قالت لي ذات يوم إنني لا أريدها أن تتزوج لأني أخاف الوحدة‏,‏ وأريدها أن تظل بجانبي‏..‏ ففوجئت بكلامها‏..‏ ولا أدري من أين أتتها هذه الفكرة‏,‏ برغم أنني كنت موافقة قبل ذلك علي أشخاص آخرين‏,‏ وكان منهم من سيأخذها للخارج معه‏..‏ لم أكن في حياتي بهذه الأنانية التي تصورني بها‏..‏ وبعد هذه الطعنة‏,‏ راحت تشير أكثر من مرة إلي أنها بالغة‏,‏ وهو الآخر مثلها‏,‏ ويستطيعان الزواج بنفسيهما‏,‏ وخفت عليها وعلي نفسي من الفضيحة‏,‏ وتعجبت كيف انحدرت ابنتي إلي هذا المستوي في التفكير‏..‏ فوجدت نفسي مرغمة علي الموافقة علي الخطبة‏..‏ وتكرر من أهل العريس المزيد من التصرفات غير المحتملة‏,‏ بعد أن وجدوا أننا قد قبلنا بالخطبة‏,‏ كل


ذلك وابنتي راضية وسعيدة‏,‏ ووقفت أمام فرحتها‏,‏ وراجعت نفسي‏..‏ لماذا أريد أن أكسر قلبها كما يقولون‏..‏ وقررت أن أتناسي كل شيء وأتجاهل ما فعله أهله‏,‏ وقلت لنفسي أليس من الجائز أنني إذا عاملت هذا الشخص كابن لي فقد يثمر هذا معه؟ وأكسبه إبنا لي وأسعد ابنتي؟ وأقسم لك بأنني كنت صادقة في نيتي هذه‏..‏ وقررت أن أقف معهما‏,‏ وأساعدهما قدر استطاعتي‏..‏ لعلهما يقدران لي هذا تقديرا معنويا‏,‏ بمعني أن أتمتع بحبهما ومشاركتهما فرحتهما‏..‏ وبدأت أشترك معهما إلي حد ما في مشاهدة الأثاث وباقي المستلزمات‏..‏ وكنت أرحب بخطيبها عند قدومه للبيت لبعض الوقت‏,‏ ثم أتركهما يتحدثان معا‏,‏ ولكني لاحظت أن نزولي معهما وجلوسي معهما يضايقهما وأنهما يتعمدان أن يتهامسا في وجودي‏,‏ وأنا انسانة حساسة‏..‏ لاأتحمل شعوري بأنني غير مرغوب في وجودي‏..‏ فبعد أيام قليلة أخذت أعتذر عن عدم الخروج معهما لانشغالي في عملي‏,‏ وعند حضوره للبيت‏,‏ بانشغالي في أعمال المنزل‏.‏ أو متابعة التليفزيون في حجرة أخري‏,‏ كما لاحظت أيضا أن هذا الشخص سريع الغضب ومعظم وقته غاضب‏..‏ لا أدري لماذا أو من من؟‏!..‏ وابنتي تمضي الساعات في محاولة استرضائه‏..‏ ووجدت أن هذه طريقته للضغط عليها حتي تنفذ رغباته‏..‏ كما أنه يكرر الكلام والآراء التي أقولها بأسلوب مختلف‏,‏ مع استعمال نفس الكلمات‏,‏ ولكن بما يجعلني دائما متهمة بأني قلت كذا وكذا‏..‏



كما أنه لاشيء يعجبه أبدا‏,‏ إلا الذي يختاره هو‏..‏ وبرغم كل هذه العيوب التي عايشتها بنفسي‏..‏ لم أر ابنتي معترضة علي أي شيء‏..‏ وبالتالي لم يكن باستطاعتي أن أعترض‏..‏ ولكني أصبت بحالة من الإحباط‏,‏ فقد لاحظت أن ابنتي ألغت شخصيتها تماما‏,‏ وأصبحت تعيش في فلكه ولا تفهم ولا تعي إلا ما يقول‏..‏ وما يقول هذا هو دائما الصواب لأنه لايخطيء أبدا‏..‏


ومرت الأيام‏,‏ وجاء وقت الزواج وتصورت أن ما كان منه من عيوب ربما كان سببه مشاكله العائلية الكثيرة‏,‏ ومنها تخلي أهله عنه تماما‏,‏ وعدم مساعدتهم له‏,‏ وأن استقراره بعد الزواج سيحسن نفسيته‏,‏ إذ إن فترة الخطبة أحيانا تكون ممتلئة بالمشاكل لأسباب مختلفة‏..‏



ويوم الزواج‏,‏ احتضنته وقبلته‏,‏ وقلت له لقد أصبحت ابنا لي بالفعل‏,‏ وكنت صادقة في ذلك تماما‏..‏ وتناسيت كل ما كان منه ومن ابنتي ومن أهله‏,‏ وقررت أن أبدأ معهما من جديد‏,‏ فابنتي كانت تدافع عن حبها‏,‏ برغم العنف والقسوة التي دافعت بها‏..‏ وانتظرت أن يقدرا لي وقوفي بجانبهما‏..‏ ومحاولة مساعدتهما قدر استطاعتي‏,‏ دون أن أشير اطلاقا إلي أي ناحية مادية‏,‏ وأنه هو شخصيا سيقدر لي أنني قبلت به برغم ما بدر من أهله‏..‏ ولكن‏,‏ بعد الزواج‏,‏ فوجئت بأسلوب التعامل معي‏..‏ فلقد أخذا في التباعد عني‏..‏ ووضعا حدودا للصلة بينهما وبيني‏..‏ مع أنني تعمدت ألا أذهب لزيارتهما بعد الزواج كما تفعل الأم‏..‏ حتي لا أسبب لهما حرجا‏,‏ لأني أحسست بقلب الأم وشعور المرأة‏..‏ بأن هناك شيئا ما‏..‏ وانتظرت من ابنتي أن تفصح عنه‏..‏ فلم تتكلم‏,‏ وأشرت من بعيد جدا لهذا الموضوع بعد نحو اسبوعين أو أكثر‏,‏ فكذبت علي‏,‏ ولم أكرر السؤال مرة أخري‏..‏ وبعد فترة قصيرة‏..‏ علمت من مصدر بعيد بأنني كنت محقة في شعوري‏.‏ وبعد رجوعهما من شهر العسل‏,‏ كنت أعد لهما الطعام وأرسله‏..‏ كما تفعل كل أم مع ابنتها العروس‏,‏ وأطلبهما مرة واحدة كل يوم أو يومين تليفونيا‏,‏ ولمدة دقائق‏..‏ لأني أعلم أنهما مشغولان بحياتهما الجديدة‏,‏ فإذا بابنتي تقول لي‏:‏ لابد ان تبحثي عن شيء تشغلين نفسك به سوانا‏!‏ ثم كرر زوجها نفس الكلمات بعدها بيوم أو اثنين‏,‏ وصدمت صدمة عنيفة لأنني لم أثقل عليهما‏,‏ ولم أدخل بيتهما‏,‏ ثم أنني امرأة عاملة وليس لدي وقت طويل من الفراغ‏..‏ ولم أتدخل أو أوجه أي سؤال شخصي لهما‏,‏ ومن يومها‏,‏ وحتي الآن‏..‏ مر أكثر من سنة ونصف السنة‏..‏ لم أرفع السماعة لأطلبهما‏..‏ بل أنتظر حتي تطلبني ابنتي‏..‏ ولا أذهب لزيارتها إلا كل شهرين أو أكثر‏..‏ أو قل في المناسبات فقط‏..‏ وهما لا يأتيان لزيارتي إلا بعد أن أطلب ذلك أكثر من مرة‏,‏ وإذا جاءت ابنتي وحدها‏,‏ لابد أن يكون عندهما مشوار مهم‏..‏ أو زيارة‏..‏ أو أي حجة بحيث يمر عليها بعد حضورها بدقائق لتنزل معه‏,‏ ولأن عمله قريب من منزلي‏,‏ فقد طلبت منه مرتين متباعدتين أن يحضرها معه‏..‏ ثم يمر عليها بعد عمله‏..‏ ولكنه يرد علي في كل مرة‏:‏ أنها مشغولة‏..‏ برغم أنها لا تعمل‏..‏ وأنا الآن لم أعد أطلب هذه الزيارات‏..‏ التي كنت أحس أنها مرغمة عليها‏..‏ وأصبحت الآن لا تأتي لزيارتي بالشهر‏..‏ برغم أن المسافة بيننا نحو ربع الساعة‏.‏ أما سياسة الرفض‏,‏ فهذا موضوع آخر‏..‏ فأي طعام أعده لهما‏..‏ فهو لا يحبه‏..‏ وهو لا يعجبه‏..‏ برغم أننا عائلة مشهورة بإجادتنا للمطبخ‏,‏ أما الملابس‏..‏ والهدايا‏..‏ وما يخص البيت‏..‏ فكل هذا أيضا لايعجبه‏..‏ إذ أن له ذوقه الخاص‏!!‏



والمشكلة الأكبر‏..‏ هي آرائي‏..‏ حتي وإن كانت في المواضيع العامة التي لا تمسه من قريب أو بعيد‏..‏ فهي دائما خطأ‏..‏ وهو متحفز دائما‏,‏ ودائم الهجوم والمهاجمة‏..‏ وبالتالي‏,,‏ لا يمكن لابنتي أن تسألني عن شيء لئلا يغضب‏,‏ وإذا احتاجت لنصيحة في أي شأن من شئون البيت‏,‏ كان عليها أن تسأل صديقاتها أو حماتها‏,‏ وأعرف بذلك‏..‏ وأحس بالانقباض في صدري‏,‏ وبالمرارة في حلقي‏,‏ لماذا كل هذا الجفاء؟ ماذا فعلت؟‏..‏ هل هكذا تكون البنت مع أمها؟‏..‏ لقد كانت علاقتي بأمي مختلفة تماما‏..‏ فقد كانت هي مرجعي في كل شيء حتي أواخر أيامها‏..‏ لكن ابنتي تتعمد أن تشعرني بالتجاهل‏..‏ وأن تنقل إلي الإحساس بأنني غير موجودة‏.‏


وبعد سنة من الزواج‏,‏ حملت ابنتي‏.‏ وكان حملها بالنسبة لي فرحة‏..‏ إذ إنني سأكون جدة للمرة الأولي‏..‏ وهنا‏..‏ قلت لنفسي‏,‏ ربما يغير هذا الحفيد ما في نفسيهما‏..‏ ربما نشترك معا في حبه ورعايته مما يقربنا بعضنا بعضا أكثر‏,‏ وقد عايشت فرحة أمي بميلاد ابني‏..‏ أول حفيد لها‏,‏ وعايشت الكثير من صديقاتي وأقاربي‏..‏ عندما صرن جدات‏..‏



ولكن‏,‏ بدأت الحرب ضدي من اتجاه آخر‏..‏ فأنا ليست لي خبرة أو فهم في أي أمر يخص الطفل‏..‏ ولا أعرف ماذا يلبس‏..‏ أو ماذا يأكل أو كيف يتربي‏..‏ وليس من حقي الاشتراك في اختيار أي شيء يخصه؟‏..‏ ثم أنهما يفكران من الآن فيمن يتولي رعايته إذا احتاجا مثلا للخروج متجهين بفكرهما إلي الأصدقاء‏,‏ متناسين وجودي تماما‏..‏ يبدو أنني لا أؤتمن علي ابنهما‏..‏ وقد أذهلني هذا التفكير‏..‏ لقد كنت في سنهما يوما ما‏..‏ ولم آمن اطلاقا علي أولادي إلا وهم في حضن أمي‏..‏ ولكنه نفس أسلوب الهجوم والتجاهل‏,‏ أو التلطيش‏..‏ الذي اعتاداه معي‏..‏ فما من مرة التقينا معا إلا وهوجمت خلالها‏..‏ وسمعت ما لا يرضيني‏..‏ أما آخر صيحة هذه الأيام‏..‏ وهي التي يرددها بكثرة‏..‏ فهي أنني لم أعرف كيف أربي ابنتي؟‏..‏ هل تعرف لماذا؟‏..‏ لقد كنت أجهز لها طعام الإفطار أيام أجازتها قبل أن أنزل إلي عملي‏..‏ وكان الواجب أن أتركها سواء تناولت افطارها أم لا‏..‏ كما تربي هو‏..‏ أما أيام الدراسة‏..‏ فلأن اليوم الدراسي طويل‏..‏ فقد كنت حريصة علي أن تشرب كوبا من اللبن قبل أن تنزل إلي المدرسة‏..‏ وهذه أيضا غلطة كبيرة‏..‏ لماذا أطلب منها أن تشرب اللبن؟‏..‏ من أجل الكالسيوم؟‏..‏ أنه موجود في أشياء أخري‏..‏ وهو يحدثني في هذا وأنا طبيبة‏..‏ أعرف أكثر منه ما ينفع وما هو ضروري‏..‏ لكن طبعا‏..‏ لا أحد يفهم غيره‏..‏ أنا أعرف سبب مهاجمته لأسلوبي الخاطيء في التربية في هذا التوقيت‏..‏ فهو يريد أن يقول لي لا تتدخلي في تربية ابني القادم‏..‏ وأنا أفهم هذا جيدا‏..‏ واستوعبه‏..‏ واعتزمه‏..‏ بل أعد نفسي له‏..‏ وكلما تمر الأيام‏,‏ تزداد الفجوة‏,‏ وتتسع الهوة حتي اسودت الدنيا كلها في عيني‏..‏ وصارت نفسي حزينة‏..‏ لم يعد شيء يفرحني‏..‏ هل هذا مصيري بعد أن أمضيت عمري كله الانسانة المحترمة العاقلة‏,‏ سواء في بيت أبي أو زوجي أو بين أقاربي وزملائي؟‏..‏



لقد أصاباني بحالة شديدة من اليأس والإحباط‏..‏ برغم أنني أفهم كل دوافعه‏..‏ وأعرف أن كل هذه عقد نقص‏..‏ وأنه يفرغ في كل طاقاته المكبوتة وكراهيته لظروفه التي لست المسئولة عنها‏..‏ لقد أخذا علي عاتقهما أن يحولا كل سبب للفرحة في حياتي‏.‏ إلي حزن وكآبة‏..‏ فإلي متي سيظل زوج ابنتي يصارع‏..‏ ما الذي يريد أن يثبته لي؟‏..‏ وحتي متي ينتقم من كل ظروفه في شخصي؟‏..‏


إنني أنظر حولي‏..‏ فلا أجد أمهات كثيرات يهتممن بأبنائهن‏..‏ وأري أبناء يتمنون لو كان لديهم من يهتم بأمرهم‏..‏ وأنا شخصيا سمعت هذا أكثر من مرة‏..‏ فكنت أفهم أن يقدر هو هذا الاهتمام الذي حرم منه شخصيا‏,‏ أما الذي يحزنني بالأكثر‏..‏ فهو موقف ابنتي‏..‏ وكيف أنها لا تستطيع التمييز ولا تذكر لأبيها وأمها أي شيء جيد فعلاه معها؟‏..‏ هل هي عقدة عند بعض الناس‏,‏ أن يتذكروا فقط بعض الهفوات‏..‏ وألا يرد إلي ذهنهم أبدا التضحيات الكثيرة؟‏.‏ إن شريط الذكريات يمر أمامي‏..‏ كيف تعبت معهم؟ كيف أنني لم أقصر أبدا في حقهم؟‏..‏ ولم أهملهم ولم أتركهم للشغالة أو للشارع‏..‏ مواقف كثيرة جدا تدور في مخيلتي‏..‏ أري نفسي فيها أما محبة‏..‏ مضحية‏..‏ وأسأل نفسي‏..‏ لماذا لا تسأل ابنتي نفسها‏..‏ هل كانت ستصير كما هي الآن لو لم أكن قد أحسنت تربيتها؟


لقد أطلت عليك سيدي‏..‏ فأرجو المعذرة‏..‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


يجب أن نوطن أنفسنا علي عدم التأثر بجلافة بعض من تفرض علينا ظروفنا التعامل معهم والتسليم بوجودهم في دائرة تعاملاتنا الانسانية‏,‏ إذ إننا مادمنا قد خبرناهم وعرفنا طبيعتهم البرية وادركنا جيدا أنها لن تتغير أو تتبدل‏,‏ فانه لا يكون من الحكمة أن نتعذب إلي ما لا نهاية بغلظتهم وفظاظتهم وجفائهم غير المبرر‏..‏ وإنما علينا أن نقصر تعاملاتنا معهم علي أضيق الحدود‏,‏ ونتفادي بقدر الإمكان أشواكهم التي تدمينا‏,‏ كما تدمي أشواك القنفذ من يربت علي ظهره غافلا عن أذاها‏,‏ أو كسب مشاعرهم أو إقناعهم بحسن نياتنا‏,‏ لأننا لن ننجح في ذلك ولن نسلم من جرحهم لمشاعرنا بتصرفاتهم الفظة وكلماتهم الدامية‏.‏


وكل ذلك ينطبق علي زوج ابنتك الذي لم يغفر لك قط سابق اعتراضك عليه كمرشح للارتباط بابنتك‏.‏ ومازال يجتر مراراته ضدك بسبب هذا الموقف‏,‏ وبسبب ما يتوهمه من رغبتك في التدخل في حياة زوجته أو السيطرة عليها‏,‏ ولو أنصف لتعامل مع سابق تحفظك عليه بتسامح أكبر‏..‏ وبفهم أعمق لدوافعك كأم تطلب لابنتها دائما الأفضل والأرفع‏..‏ وقد تصيب أو تخطيء في تقديرها لكنه يشفع لها دائما حسن النية والرغبة الصادقة في إسعاد ابنتها‏,‏ وما أكثر الأزواج الذين اعترضت عليهم أم الزوجة في البداية وتفهموا دوافعها وكسبوا حبها وثقتها وفتحوا لها قلوبهم بعد حين‏,‏ وما أكثر الأزواج أيضا الذين صدقت فيهم فراسة الأم‏,‏ واقتنعت الابنة بصواب حكمها عليهم بعد فوات الأوان‏..,‏ لهذا فلقد كان من واجب زوج ابنتك أن يقنعك بحسن معاملته لك وحثه لزوجته علي أن تصلك وتقترب منك وتستعين بك علي مواجهة أعباء الحياة‏,‏ بخطأ تقديرك السابق له‏..‏ لا أن يؤكده لك بجفائه وغلظته ونفوره وتحريضه لزوجته علي تحجيم علاقتها بأمها في أضيق الحدود‏.‏



أما ابنتك فاني أنصحك بألا تستجدي مشاعرها وبألا تظهري دائما بمظهر المتلهفة عليها التي تخطب ودها علي الدوام‏..‏ وبأن تتماسكي بعض الشيء في التعامل معها‏,‏ ذلك أن إلحاحنا بالحب والاهتمام علي بعض الأشخاص‏,‏ إن لم يصادف أهل الفضل الذين يفهمون حقائق الحياة حق فهمها‏,‏ فانه يثير فيهم البطر والنفور منا‏..‏ بدلا من أن يجتذبهم إلينا‏..‏ تماما كالدنيا التي يقول بعض الصالحين انك إذا أقبلت عليها أدبرت عنك‏,‏ وإذا ادبرت عنها أقبلت عليك‏,‏ وإن كنت لا أغفر لها تحفظها معك‏..‏ وبرود مشاعرها تجاهك‏,‏ وإبعادها لك عن حياتها حتي لتستشير الأغراب في أمرها‏..‏ ولا تلجأ إلي أمها التي ينبغي أن تكون سندها الأول في الحياة‏.‏


ولقد ذكرتني رسالتك هذه بأبيات من الشعر لشاعر عربي قديم يشكو جفاء ابنه له حتي ليتمني عليه أن يعامله كما يعامل الجار جاره إن عز عليه أن يعامله كأب‏,‏ فيقول‏:‏



تخاف الردي نفسي عليك وانها


لتعلم أن الموت وقت مؤجل


فلما بلغت السن في الغاية التي


إليها مدي ما كنت فيك أومل


جعلت جزائي غلظة وفظاظة


كأنك أنت المنعم المتطول


فليتك إذ لم ترع حق أبوتي


كما يفعل الجار المجاور تفعل



وفي عبارة كأنك انت المنعم المتطول وصف لحالة بعض الأبناء الذين يسيئون فهم عطاء الآباء والأمهات النفسي لهم ويضيقون به أو يتلقونه كارهين‏,‏ وكأنهم هم المنعمون علي آبائهم وأمهاتهم بقبوله وليس العكس‏!‏ مع أن اهتمام الآباء والأمهات بأبنائهم مهما بلغوا من العمر عطاء وتكريم متجددان لهم‏..‏ والمثل العربي القديم يقول لا يأبي الكرامة إلا لئيم والمقصود بكلمة الكرامة هو التكريم والإعزاز والتقدير‏.‏


فهوني علي نفسك يا سيدتي ولا تحزني لما تشهدينه من تلميحات جارحة عن تربية الأطفال‏,‏ وليسعد كل انسان بما يعتقده في نفسه وفي الآخرين‏..‏ ووالله الذي لا إله سواه أنك لو كنت أما مشغولة بنفسها وعملها وحياتها عن ابنتها المتزوجة لجأرت هي بالشكوي من إهمال أمها وشح عطائها الأمومي لها‏,‏ ولأيدها زوجها في شكواها هذه ورسخها في نفسها‏,‏ لكن هكذا تمضي أمور الحياة في بعض الأحيان‏.‏ فاصبري وانتظري ولسوف تحتاج إليك ابنتك وزوجها وطفلهما المرتقب في قادم الأيام‏..‏ ولسوف يجيء يوم يرجوانك فيه أن ترعي طفلهما في غيابهما لكي يخفف الزوج عن أبويه في بعض الأحيان عبء رعايته‏,‏ أو لاضطرارهما للسفر أو غير ذلك من شواغل الحياة‏..‏ والمهم دائما هو ألا تستجدي المشاعر وألا تتلهفي علي تقديم العطاء‏,‏ بحيث يزهد فيه من يتلقاه أو يتقبله في أنفة وكبرياء وكأنه هو المنعم المتطول‏!‏

رمضان رشاد
08-25-2011, 06:17 PM
مشكوره علي هذا المجهود وهي احسن هديه علي العيد والاستاذ عبد الوهاب مطاوع لايختلف عليه اثنين

حسام هداية
08-25-2011, 06:18 PM
الفرصة الأخيرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة




هذه ليست أولي رسالاتي اليك فقد سبقتها‏3‏ رسائل ولم تنشر‏,‏ ولقد قرأت رسالة الأمل الأبدي واريد أن اكتب تعليقا عليها وأروي قصتي انا الأخري مع زوجي‏,‏ وفي البداية فأنني مع هذه السيدة العظيمة التي ترفض ان تشاركها زوجة أخري في زوجها ولو بنسبة‏5%,‏ لأنها لم تقصر يوما ما في حق زوجها‏,‏ وكانت له نعم الزوجة‏,‏ ولأولاده نعم الأم وعانت وتحملت نزوات زوجها‏,‏ وأنتهز هذه الفرصة وأرسل عبر بريدكم رسالة الي ضمير كل سيدة تشارك أخري في زوجها هي‏..‏ لماذا تدمرين أسرة سعيدة وتكونين سببا في شقائها‏,‏ هي هل قلة عدد الرجال ؟‏!‏أنني أدعو علي كل سيدة تسرق رجلا ليس من حقها ان تتجرع نفس الكأس التي سقت منها غيرها‏,‏ اما قصتي فأنا سيدة متدينة وعلي خلق والحمد لله ومعروفة في عائلتي بلقب العاقلة‏,‏ وعمري الآن خمسون عاما وقد تزوجت منذ‏25‏ عاما بعد قصة حب وخطبة استمرت ثلاث سنوات اي ان علاقتي بزوجي عمرها‏28‏ عاما أو أكثر‏,‏ ولي منه ابن شاب خريج جامعة وابنة في بداية التعليم الجامعي‏,‏ وقد عشنا في سعادة وتفاهم دائمين وكنت ارعي الله في زوجي وأولادي‏,‏ ولن أحكي لك عن قصة الكفاح المعروفة دائما وكيف بدأنا حياتنا في منزل والد زوجي وسافرنا وتحملنا الكثير‏,‏ وانا راضية وفي منتهي السعادة لأننا نحلم معا ونحقق معا ما نحلم به‏,‏ ولم يبخل علي زوجي بأي شيء من ماله أو حبه‏,‏ وكنت أنا أتفاني معه في كل شيء الي ان تحقق لنا ما نحلم به من شقة جميلة وسيارة وأولاد يعشقون آباهم ويعشقهم هو‏,‏ الي ان دخلت حياتنا‏(‏ حية‏)‏ لاأعرف كيف استطاعت ان تسرق مني زوجي‏,‏ لكنني فوجئت به بعد‏25‏ سنة من الزواج يخبرني انه اخطأ خطأ فادحا وتزوج وسوف يصلح هذه الغلطة في أسرع وقت‏,‏ ولن أكتب الآن عن آلامي وشقائي وانهياري النفسي والأمراض التي أصبت بها‏,‏ والتي جعلت زوجي يدعي كذبا أنه‏(‏ طلق هذه الحية‏)‏ ثم اكتشفت كذب ذلك ثم طلقها مرتين بلفظ الطلاق أمامي‏,‏ وسألت أهل الافتاء هل يصح ذلك وأجمعوا علي صحة ذلك‏,‏ ولكنه كان يردها في كل مرة دون ان تعلم هي بأي شيء‏,‏ ولما اكتشفت أن العلاقة مازالت مستمرة صممت علي ان يختار بيني وبينها‏,‏ كما كان موقفي من البداية‏,‏ وكان قد مر علي ذلك سنة ونصف السنة وأمام ابني الشاب الخريج وقف زوجي وطلق هذه السيدة الطلقة الثالثة وفرحت لذلك ومضت الأيام‏,‏ واذا بي اكتشف ان علاقته بها مازالت مستمرة‏,‏ وان هذا الطلاق الأخير والذي سمعته انا وأبني كان مزيفا‏,‏ وان زوجي تعمد أن ينطق به وينفي في نفس الوقت بصوت خافت ما يقوله بصوت مسموع‏,‏ كل هذا حدث دون أن يعرف أحد من أهلنا أي شيء سوي الأخت الكبيرة لزوجي والتي كنت أقيم معها في كل مرة أكتشف فيها أن زوجي يكذب علي‏,‏ وهكذا تحولت حياتي لجحيم وانا الآن‏(‏ أقف علي حافة الطلاق‏)‏ فإما أنا أو طلاق هذه الحية‏,‏ وفي انتظار وعد جديد من زوجي الذي أصبح أسهل شيء عنده أن يعد وإلا يفي بالوعد حتي سقط من نظر أولاده ومن نظري‏,‏ لكني مازلت مصممة علي ألا يشاركني فيه أحد مهما كانت الظروف‏,‏ وانتظر الوعد الأخير والفرصة الأخيرة أمامنا لكي يستمر هذا البيت الذي بنيته علي الحب والإخلاص منذ أول يوم وكان زوجي كذلك قبل أن يتسلل اليه سم هذه الأفعي التي هي أقل مني في كل شيء‏,‏ وليست فيها أي ميزة تجعلني ألتمس له العذر في الاندفاع نحوها‏,‏ أنني أعيش اتعس أيام عمري ولكني حتي لا ألوم نفسي أو يلومني أولادي فأني اعطي هذه الفرصة الأخيرة لزوجي حتي يترك هذه الأفعي ويرجع كما كان وهو الرجل الذي تخطي الخامسة والخمسين من عمره ويشغل مركزا مرموقا‏.‏



إنني أرجو أن أواسي صاحبة رسالة‏(‏ الأمل الأبدي‏)‏ وأن تواسيني هي أيضا في صدمتي في زوجي بعد عشرة‏25‏ سنة‏,‏ وهو يعترف حتي الآن بحبه الشديد لي وتمسكه بي مهما حدث‏,‏ وكأن الحب لا يمنعه من أن يفعل بي كل ما فعل فما معني الحب اذن هذه الأيام؟‏!‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أرجو أن ينتهز زوجك هذه الفرصة الأخيرة ويبادر بتصحيح ما تورط فيه قبل أن تتفاقم تبعاته الوخيمة وتتعقد أكثر فأكثر اذا حملت منه تلك السيدة‏..‏ فليس عارا ان يخطيء الإنسان مرة‏,‏ لكن العيب كل العيب ألا يبادر بإصلاح الخطأ والاعتذار عنه‏,‏ وهو يعرف جيدا أنه قد أخطأ في حقنا ويسلم لنا ولنفسه بذلك‏.‏ لقد كان حكيم الصين كونفوشيوس يقول‏:‏ إن من يرتكب خطأ ثم لا يقوم بتصحيحه فإنما يرتكب خطأ ثانيا‏!‏


وكذلك يفعل زوجك حين يعدك بالتخلص من تلك النزوة العابرة ثم لا يفي بوعده‏..‏ أو يضعف عن تنفيذه‏,‏ فتمسكي بموقفك وتخييره بين تسريح الزوجة الغازية لحياتك الزوجية وتسريحك أنت بإحسان وهدم حياته العائلية المحترمة وتعريض صورته للاهتزاز الشديد أمام أبنائه‏..‏ والإطاحة بعشرة‏28‏ عاما من الحب والإخلاص والكفاح المشترك وذكريات العمر وطفولة الابناء ومناسباتهم السعيدة‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:19 PM
طيف الغائب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة



تعودت أن أحتفظ بصفحات بريد الجمعة لأرجع لقراءتها وأستعيد مابين سطورها بحثا عن السكينة والهدوء النفسي وتعزية لما يثقلني من هموم ومصاعب في رحلة الأيام‏.‏


فأنا أبلغ من العمر‏63‏ عاما قضيتها في صراع مع الحياة للتغلب علي الظروف الصعبة وتربية الأبناء‏.‏



وقد وفقني الله وأعانني علي أداء هذه الرسالة‏,‏ وأنهي الأبناء دراستهم وتزوج ابني الأكبر وابنتي وأخيرا ابني الثاني ياسر الذي استشهد في حادث سيارة برأس سدر في أثناء سعيه وراء الرزق بعد أن أوصدت أبواب الوظيفة أمامه‏,‏ وتخرجت ابنتي الأخري وحصلت علي ليسانس الحقوق وحصل ابني الآخر علي‏(‏دبلوم سياحة وفنادق‏)‏ والابن الاصغر علي دبلوم السيارات‏,‏ وبخروجي علي المعاش أصبحت أدير مشروعا تجاريا بسيطا استثمارا للوقت وتحقيقا لتوفير الرخاء والسعادة للأسرة لما أقدمه لهم من مساعدة بجانب المعاش‏.‏


ولقد استشهد ابني وعمره‏28‏ عاما وكان أعز الأبناء وصفوتهم لما يتميز به من أخلاق وطاعة وحب وانتماء‏,‏ وترك وراءه نهرا من الأحزان وترك الدنيا بمتاعبها وشقائها‏,‏ وكان عوني وسندي في مواجهة الأعاصير‏,‏ وكان الأمل والنور الذي نستضئ به ومميزا في تصرفاته وهدوئه وعقلانيته وذهب ليلقي ربه ومولاه ولله ما أعطي ولله ما أخذ‏,‏ وعندما قرأت رسالة اللحظات الرهيبة في بريد الجمعة‏4‏ أبريل‏2003‏ التي يصف فيها الأب اللحظات الأخيرة من وداع ابنه الراحل‏,‏ هدأت نفسي واحتسبته عند خالقه وأسأل الله أن يرزقنا الصبر عند الابتلاء وأن يعوضنا عوض الصابرين



فذكري ياسر باقية في القلب ولن تمحوها الأيام حتي انتهاء الأجل‏.‏حيث استشهد في‏2003/9/2‏ ومازالت صورته لاتفارق عيني‏,‏ وانني لأكتب اليك هذه الرسالة والدموع تنساب من عيني دون إرادة مني‏.‏


لقد رأيته في المنام ثلاث مرات وأزوره في قبره دون انقطاع وأدعو له بالرحمة وأصلي علي روحه الطاهرة ركعتين مع صلاة الفجر‏,‏ وأتصدق علي روحه‏,‏ ولكن الفراق صعب‏,‏ وتقاسمني في هذا الشعور أمه فقد كان حبها الوحيد‏,‏ وكذلك أرملته التي لم تهنأ بصحبته سوي أربعة أشهر ولا أملك الا الصبر عند الابتلاء‏,‏ إنا لله وانا اليه راجعون‏.‏



وما أطلبه منك هو أن أجد العزاء والسلوي في مواجهة هذه الصدمة وهذا الزلزال الذي أصابني في مقتل‏,‏ لقد كتبت له وصيتي قبل استشهاده‏,‏ والآن أصبحت شاردا غائبا عن وعيي بعد أن فقدت أغلي الأبناء والأخ والصديق‏.‏ وهكذا شاءت ارادة الله أن يغيب وأن يطويه القبر ويتوسده التراب‏..‏ وأن يتركني لدموع لا تتوقف وحزن لا ينضب‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


قدر الله وما شاء فعل ياسيدي‏,‏ ولسنا نملك في النهاية إلا الامتثال لمشيئته والتسليم بقضائه وقدره‏,‏ ومحاولة التخفيف عن أنفسنا والاقتناع بأنه لا جدوي لاستغراقنا في الحزن‏,‏ سوي أن تضعف مقاومتنا وتنهار صحتنا وتفترسنا الهموم والأحزان‏.‏


إن من يرحلون عنا لايغيبون عنا برحيلهم عن الحياة وإنما يعيشون دوما في وجداننا‏,‏ ويشاركوننا خواطرنا وأفكارنا‏,‏ وتطوف بنا أطيافهم فتهدئ لوعتنا وتخفف حسرتنا لفراقهم‏,‏ وتجفف بعض دمعنا عليهم‏,‏ خفف الله عنك وعن أمثالك من المكلومين وعوضكم جميعا عمن فقدتم خير الجزاء‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:20 PM
المشـــــوار الطويــل‏!‏


بـريــد الأهــرام
42865
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
16
‏26 من صفر 1425 هـ
الجمعة



أكتب إليك لأروي لك قصتي عسي أن يستفيد بها بعض قرائك‏,‏ وأبدأ بأن أعرفك بنفسي‏,‏ فأقول لك أنني سيدة في منتصف العمر‏..‏ نشأت في أسرة متوسطة مستورة‏,‏ وكان أبي ـ رحمه الله ـ أستاذا بأحد المعاهد الأزهرية‏,‏ وأمي مدرسة ثم ناظرة بالتعليم الاعدادي‏,‏ ولي أخوان يصغرانني‏,‏ وقد عشت طفولة سعيدة إلي حد كبير بالرغم من تشدد والدي في تربيتنا‏,‏ حيث كان يؤمن بأن الشدة مع الأبناء تزيدهم صلابة وتعدهم لمواجهة الحياة‏,‏ وأنهيت مراحل تعليمي كلها بتفوق وكذلك فعل شقيقاي‏,‏ وقبل تخرجي بشهور تقدم لي شاب يمت بصلة قرابة بعيدة لأبي‏,‏ ويعمل محاسبا بهيئة كبري‏,‏ وعرضت علي أمي الأمر فلم أستطع أن أبدي فيه رأيا محددا لأني لا أعرف هذا الشاب ولم ألتق به‏,‏ وعلي عكس تشدد أبي معنا فقد كان لا يفرض علينا شيئا في اختيارنا لنوع الدراسة أو في اختياراتنا لحياتنا‏,‏ فصارحني بأنه يوافق كأب علي هذا الشاب من الناحية العائلية والاخلاقية‏,‏ لكنه يدع لي حق الاختيار بحرية‏..‏ ثم نصحني بأن أعطي نفسي الفرصة لأتعرف عليه من خلال زياراته لنا قبل اتخاذ أي اجراءات رسمية‏,‏ وبالفعل تردد علينا هذا الشاب عدة مرات وجلست معه في الصالون تحت أنظار أبي وأمي‏,‏ وانتهيت إلي الارتياح إليه‏..‏ بل والاعجاب به أيضا‏,‏ فلقد بدا أمامي انسانا جادا وصادقا وراغبا في السعادة‏..,‏ وصارحني في أول أو ثاني لقاء بأنه يفضل أن تتفرغ زوجته لحياتها العائلية وبيتها وألا تعمل‏,‏ وصادف ذلك هوي قديما في نفسي فوافقته علي رأيه‏,‏ وخطبت إليه‏..‏ وتزوجنا بعد عام من الخطبة‏,‏ وجهزني أبي للزواج ولم يبخل علي بشيء في حدود قدرته‏..‏



وبدأت حياتي الزوجية مع زوجي‏..‏ ووجدت فيه انسانا طيبا إلي أقصي حد‏,‏ ويبحث عن الأمان والاستقرار‏..‏ ويساوره دائما شيء من الخوف من المستقبل‏,‏ وفهمت منه أن ذلك يرجع إلي نشأته كطفل يتيم حيث رحل عنه أبوه وهو في الخامسة من عمره‏..‏ وعانت أمه كثيرا لتربيته وحماية ميراثه عن أبيه من أطماع أعمامه‏..‏ وزادني ذلك حبا له وعطفا عليه‏.‏ ووضعت حملي الأول‏,‏ فكان طفلة جميلة سعد بها زوجي سعادة تفوق الوصف‏,‏ وأصبح لا يكاد يغادر البيت بعد عودته من العمل لكي يقضي معها أطول وقت ممكن‏.‏


وبعد عامين وضعت حملي الثاني فكان بنتا أيضا وبقدر فرحتي بها فلقد ساورني شيء من القلق أن يكون زوجي قد خاب أمله في أن ينجب ولدا‏,‏ لكنه لم يشعرني لحظة واحدة بذلك‏,‏ وبالغ في اظهار فرحته بالطفلة الجديدة‏.‏ وقال لي إنه يريد أن يكتفي بهاتين الطفلتين‏..‏ ولا يريد الإنجاب ثانية لكي يستطيع توفير أفضل الظروف لهما‏..,‏ ووافقته علي ذلك‏..‏ لكني في أعماقي تمنيت أن أنجب ولدا يحمي أختيه ويحمل اسم أبيه‏..,‏ وبعد عامين حملت من جديد ولم يعترض زوجي علي حملي ارضاء لي‏..‏ وأنجبت فإذا بي أنجب بنتا ثالثة‏..‏ وبكيت حين علمت ذلك‏,‏ فنهرني زوجي قائلا لي إن البنات يعمرن البيوت‏..‏ وأن من يربي ثلاث بنات ويحسن تربيتهن ويعلمهن دينهن يدخل الجنة‏..,‏ وتأكيدا لفرحته احتفل بسبوع المولودة الثالثة احتفالا صاخبا دعا إليه أبي وأمي وشقيقي وكل أفراد العائلة‏..‏



ومضت بنا الحياة هادئة وجميلة‏..‏ والزهرات الثلاث يملأن حياتنا بالبهجة والسرور والشواغل اللذيذة‏..‏ وترقي زوجي في عمله وانتدب للعمل في دولة عربية من هيئته لمدة عامين فرافقناه خلالهما‏,‏ ورفض أن يتركنا وراءه‏,‏ لأنه لا يطيق البعد عن زوجته وبناته‏..‏ وازدادت الحياة يسرا فاشترينا سيارة مستعملة‏..‏ وشقة صغيرة بالإسكندرية نقضي فيها اجازاتنا‏,‏ وبعد فترة أقامت الهيئة التي يعمل بها زوجي مشروعا لبناء شاليهات تعاونية بالاسماعيلية فاشترينا واحدا منها بالتقسيط علي عشر سنوات‏..,‏ وواصلت البنات التعليم حتي وصلت الكبري إلي نهاية المرحلة الابتدائية والوسطي إلي الثالثة الابتدائية‏,‏ والصغري إلي الصف الأول الابتدائي‏,‏ ثم سقط زوجي فجأة مريضا بمرض مزمن‏,‏ وخيم القلق والخوف علي حياتنا لأول مرة‏,‏ ودخلنا دوامة العلاج والأزمات المرضية الحادة ودخول المستشفيات لمدة عام طويل‏..‏ ثم رحل زوجي الحبيب عن الحياة وعمره لا يتجاوز الرابعة والأربعين‏..‏ وأنا في السادسة والثلاثين من العمر واسودت الدنيا أمام ناظري‏..‏


وبعد أن غادرنا الأهل والمعزون‏..‏ جلست لأفكر في المستقبل‏..‏ ووجدت معاش زوجي لا يكفي لنفقات حياتنا‏,‏ فقررت أن أواجه الواقع بغير الاستعانة بأحد‏..‏ وتذكرت شدة أبي رحمه الله معنا ونحن أطفال‏,‏ وكيف كان يقول أنه يعدنا بها لمواجهة الحياة‏,‏ واتخذت عدة قرارات أقسمت أن ألزم نفسي بها في المرحلة المقبلة‏.‏ وألا أتهاون أبدا في تنفيذها‏..‏ أولها ألا أتزوج مرة أخري بعد زوجي وألا أمد يدي إلي أحد مهما كانت الظروف والأحوال‏,‏ يستوي في ذلك شقيقاي وخالي وعما بناتي‏..‏ وثانيها بيع السيارة ووضع ثمنها في البنك بنصيب البنات ونصيبي ليساعدني عائده علي استكمال نفقات حياتي‏..‏ وثالثها اخراج بناتي من مدرسة اللغات وإلحاقهن بمدرسة حكومية وتعويض فارق المستوي بالمذاكرة لهن في البيت‏..‏ ورابعها الابقاء علي شقة الإسكندرية وشاليه الاسماعيلية لكي يساعدني ثمن بيعهما مستقبلا في تجهيز البنات للزواج حين يجيء الآوان‏,‏ مع محاولة الاستفادة منهما خلال ذلك بتأجيرهما من حين لآخر لزيادة الدخل‏,‏ أما أهم القرارات فهو ألا يعلم أحد من أهلي أو أهل زوجي بما يدور في حياتنا حتي ولو عشنا علي الخبز الحاف‏..‏ وأن نحرص دائما علي أن يكون مظهرنا لائقا أمام الجميع


‏.‏ وتحقيقا لهذا الغرض اشتريت ماكينة خياطة وحصلت علي عدة دروس في التفصيل ولم تمض شهور حتي كانت كل ملابسنا المنزلية وبعض ملابس الخروج من تفصيلي‏..‏ وأصبحت مهمتي الأساسية في الحياة هي أن أوفر لبناتي أفضل الظروف الممكنة في حدود قدرتي‏..‏ وأن أجعل أيامهن سعيدة بقدر الإمكان لكيلا يشعرن بيتمهن وحرمانهن‏..‏ وكلما لاحظت ملامح الانكسار علي وجه إحداهن ضاعفت من محاولاتي لارضائهن وتحقيق رغباتهن البسيطة‏,‏ وفي الليل أخلو إلي نفسي في حجرة نومي وأنظر إلي صورة زوجي الراحل وأستعيد ذكرياته‏..‏ ومداعباته‏..‏ ونظراته المتعلقة بي دائما وحبه لي ولبناته وتسيل دموعي‏..‏


وتوالت الأيام‏..‏ بعضها حلو وأكثرها مر‏,‏ ومرت بي مشاكل كثيرة‏,‏ وفي احدي الفترات ضاقت علي الحياة فإذا بي ـ أشعر بنقمة مفاجئة علي زوجي لأنه تركني لأحمل هذا الهم الثقيل وحدي‏..‏ وإذا بي أشعر أيضا ـ أستغفر الله العظيم ـ بما يشبه السخط علي أقداري وأتساءل لماذا كتب علي هذا العناء؟‏..‏ وفي قمة ضيقي وجدتني أتوقف عن الصلاة مع أني أواظب عليها منذ نعومة أظافري‏,‏ وأنظر إلي المشوار الطويل الذي ينتظرني لكي تصل البنات إلي بر الأمان ويتخرجن ويتزوجن وتنتهي أعبائي‏,‏ فأجده مشوارا بعيدا يصعب علي بعض الرجال أن يقطعوه فكيف أقطعه أنا‏,‏ وأنا المرأة الضعيفة؟ ومتي أضع حملي الثقيل عن كتفي وأستريح؟



وضاعف من حنقي أنني سافرت بالقطار إلي الإسكندرية لأسلم مفتاح الشقة لمستأجر يشغلها شهور الصيف علي أن أرجع لبناتي علي الفور‏,‏ فشاهدت الشواطيء مزدحمة بالسيدات والفتيات الضاحكات اللاهيات‏,‏ ووجدت المستأجر عريسا سيقضي مع عروسه‏3‏ أشهر في الإسكندرية‏..‏ وتعجبت لنفسي حين كان يجيء وقت الصلاة فأجدني جالسة في جمود ولا أتحرك للوضوء‏,‏ وشملت مشاعري السلبية كثيرين مع أن أهلي لم يقصروا معي منذ وفاة زوجي‏,‏ وكانوا دائمي السؤال عني وزيارتي‏,‏ وكثيرا ما عرض علي عما بناتي خدماتهما‏..‏ بل ومساعدتهما المادية فشكرتهما واعتذرت لهما‏,‏ وكذلك فعل مرارا خالي وشقيقاي‏..‏ واعتذرت لهم‏..‏ فلماذا إذن هذا السخط؟


وفي هذه الظروف زارتني فجأة عمتي المقيمة بالأقاليم‏,‏ وهي سيدة طيبة ومباركة‏,‏ وقد جاءت محملة بخيرات الريف كعادتها‏,‏ وقالت لي إنها رأتني في الحلم مرتين وحول رقبتي حبل ضيق‏,‏ فشعرت بالقلق علي وقررت زيارتي‏,‏ فما أن قالت لي ذلك حتي انفجرت في البكاء وارتميت علي صدرها‏.‏ وراحت هي تمسح علي رأسي وظهري وتتمتم بآيات القرآن الكريم‏,‏ حتي هدأت نفسي‏,‏ وحكيت لها عما أشعر به من اختناق وضيق وسخط‏..‏ فهدأتني وطلبت مني إحضار منقد البخور لأنها احضرت لي نوعا جيدا منه‏..‏ واحضرته فوضعت عليه البخور وفاح شذاه في الشقة‏,‏ فشعرت بشيء من الارتياح ثم أخذتني من يدي إلي الحمام وطلبت مني الوضوء ففعلت ورجعت بي إلي الصالة وأقامت الصلاة وأنا إلي جوارها فقرأت بصوتها الخاشع‏:‏ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون‏.‏ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون‏.‏ نزلا من غفور رحيم فلم أشعر بدموعي وهي تنساب رغما عني طوال الصلاة‏..‏ وبدأت أخرج من حالتي السيئة علي يدي عمتي الطيبة التي ألححت عليها ألا تسافر في اليوم التالي كما أرادت وأن تقضي معنا بضعة أيام‏,‏ وعدت إلي الصلاة بانتظام وقراءة القرآن كل ليلة قبل النوم‏,‏ وإلي حب زوجي بلا سخط عليه لأنه لا ذنب له في شيء‏..‏ وتقبلت أقداري واستغفرت الله العظيم فيما سلف‏..‏



وقد تسألني ولماذا لم يفكر أحد من أهلك في ترشيحك للزواج من رجل يشاركك تحمل مسئولية بناتك وحياتك‏..‏ وجوابي هو أنني قد حسمت هذه المسألة منذ البداية بألا أستطيع أن أتخيل نفسي زوجة لرجل آخر عدا زوجي الراحل‏,‏ ولا أستطيع أن أضع بناتي تحت رحمة أحد غيري ومع ذلك فإن أهلي لم يكفوا طوال السنوات التالية لرحيل زوجي عن ترشيح الأزواج لي‏..‏ ولا عن تدبير لقاءات الصدفة بيني وبين بعض المرشحين إلا بعد أن تيقنوا من أنني لا أرغب بالفعل في الزواج‏.‏


وكان عزائي دائما هو أن بناتي متفوقات في الدراسة ومهذبات وجادات لا يعرفن العبث ولا يخرجن إلا معي في زيارات للأهل أو للشراء‏,‏ كما أنهن جميعا يجدن أعمال المنزل‏..‏ ويشاركنني في شئون البيت‏.‏ وقد أسعدني كثيرا أن أسمع من جاراتي وأقاربي ثناءهن علي حسن تربيتهن وأدبهن والتزامهن الديني والخلقي‏.‏



ويوما بعد يوم‏,‏ وشهرا بعد شهر تقدمت البنات في العمر والدراسة ودخلت كبراهن كلية البنات‏,‏ ولحقت بها الابنة الوسطي بعد عامين ووصلت الصغري إلي الثانوية العامة‏,‏ وفي هذه الفترة كشرت ظروف الحياة عن أنيابها وكثرت المطالب والنفقات‏,‏ فحملت كل ما أملكه من مصاغ وبعته واستعنت بثمنه علي مطالب الفتيات‏.‏ وتحملنا شظف الحياة عدة سنوات أخري حتي تخرجت الكبري وعملت‏,‏ والوسطي وعملت‏,‏ وبلغت الصغري السنة الثالثة في كليتها‏,‏ وجاء دور الكبري للزواج فجاءني زميل لها يطلب يدها‏..‏ وتأكدت من ترحيبها به فصارحته بأنني قد خصصت لكل بنت مبلغا من المال للمساعدة في زواجها‏,‏ ولن أستطيع أن أقدم لها ما هو أكثر منه‏..‏ فأكد لي أنه يتمسك بها لأخلاقها وتربيتها وليس لأي شيء آخر‏..,‏ وجاءت اللحظة المنتظرة فسعيت إلي بيع الشاليه وشقة الإسكندرية وجهزت ابنتي بنصيبها‏,‏ وزفت إلي زوجها في ليلة سعيدة‏,‏ وتنهدت بارتياح وهي تمضي إلي جوار عريسها إلي عشها الجديد‏,‏ ولم يمض أكثر من عام حتي كنت أقضي ليلتي في المستشفي لأستقبل مولودها الأول وحفيدي‏,‏ ولم تمض شهور أخري حتي تكررت نفس القصة مع ابنتي الوسطي وتزوجت زميلا آخر لها وانتقلت إلي بيتها معززة مكرمة‏..‏


وفي الصيف الماضي تخرجت ابنتي الصغري‏,‏ وكانت فرحتي بتخرجها وانتهاء مشوار الدراسة في حياتي غامرة وعصيبة واختلطت فيها الدموع بالضحكات‏,‏ وقبل أن تعمل جاءني خاطب لها علمت أنها تريده وأسعدني أنه جاهز للزواج في أقرب فرصة‏,‏ فلم أضيع الوقت وسحبت المبلغ المخصص لها وجهزتها‏..‏ وزفت إليه وفي ليلتي الأولي التي أقضيها وحدي في شقتي بعد زواج آخر البنات‏..‏ تذكرت يوم رحل عني زوجي وكبري بناتي في الحادية عشرة من عمرها وصغراهن في الخامسة وكيف تساءلت متي ينتهي مشوار تربية هؤلاء البنات وتعليمهن وتزويجهن؟‏..‏ وكيف أقدر عليه وأنا امرأة وحيدة بلا زوج ولا سند؟‏..,‏ وتذكرت كل لحظة عناء مرت بي‏,‏ وكل ضائقة بكيت لها من القهر وأنا أشعر بالعجز عن تلبية بعض طلبات البنات الضرورية كشراء بعض كتب الدراسة‏,‏ أو شراء حذاء جديد أو حقيبة يد أو ساعة‏,‏ ناهيك عن حلق ذهبي أو أنسيال أو ملابس العيد‏,‏ أو رسوم رحلة ليوم واحد مع الكلية‏..‏ الخ‏.‏



وبالرغم من أنني أعيش وحدي الآن إلا أنني لاأشعر بالوحدة ولا بالملل‏,‏ فلقد ملكت وقتي وحياتي أخيرا بعد طول انشغالي بمعركة الحياة‏..,‏ وأعيش حاليا بنصيبي من معاش زوجي بعد انقطاع نصيب البنات لزواجهن‏,‏ ونصيبي الشرعي من ثمن الشقة والشاليه‏,‏ ويومي يبدأ بثلاثة اتصالات تليفونية من بناتي نتحدث خلالها عن كل شيء وقد تستشيرني احداهن فيما تقدمه لزوجها علي مائدة الغداء‏..‏ أو في شراء بعض الملابس أو إصلاح أحد الأجهزة المنزلية‏,‏ أو أي شأن من شئون الحياة‏,‏ وقد يتكرر الاتصال عدة مرات في اليوم‏,‏ ثم أعد طعامي وأرتب شقتي وأخرج في العصر للمشي والفرجة علي الفاترينات وشراء احتياجاتي‏,‏ وبعض احتياجات البنات نيابة عنهن‏,‏ وأعود قبل الظلام‏,‏فإذا بقي وقت قضيته في القراءة والصلاة ومشاهدة التليفزيون أو في طهو شيء للبنات يحببنه لإرساله إليهن‏..‏ ولا أنام إلا بعد تلقي اتصال المساء من بناتي وتتمني كل منا للأخري أن تصبح علي خير‏,‏ وكلما وقعت عيني علي صورة زوجي الراحل أقول له في سري‏:‏ اطمئن لقد قمت بواجبي تجاه بناتك وبناتي‏!‏ وفي يوم الجمعة يجتمع الأحباب كلهم في بيتي وحول مائدتي‏..‏ ويملأ حفيدي الدنيا علينا بهجة وصخبا‏,‏ وقد أصبح لي أنا المحرومة من إنجاب الذكور ثلاثة أبناء شباب يحبونني وأحبهم‏,‏ يعرضون علي دائما خدماتهم وفي النهاية أقول لكل من تضيق عليه الحياة‏,‏ ويستصعب ظروفه الآن أن الفرج لابد أن يأتي ذات يوم لمن صبر وكافح بإخلاص في الحياة‏,‏ وأن طول المشوار ينبغي له ألا يزرع اليأس في نفوسنا‏..‏ ويجب ألا نفقد أبدا ايماننا بالله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن نستعين به علي تخطي الصعاب وتحمل الظروف القاسية إلي أن تتحسن الأحوال‏,‏ ولقد كنت قد فكرت أن أكتب إليك هذه الرسالة تعليقا علي بعض قصص الكفاح في الحياة التي قرأتها في بريد الجمعة عقب زواج ابنتي الصغري مباشرة‏,‏ لكني شغلت بإعادة ترتيب حياتي بعد زواج البنات إلي أن جاءت اللحظة المناسبة لأكتب لك فيها هذه الرسالة‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


يقول بعض الحكماء انك إذا ضللت الطريق في الصحراء فلا تستسلم لليأس والقنوط‏,‏ لأنك إن فعلت ذلك فلقد قضيت علي نفسك بالهلاك‏,‏ وإنما واصل السير في خط مستقيم‏,‏ فان لم تصل إلي الغاية المنشودة فلسوف تصل علي الأقل إلي نقطة أفضل من تلك التي توقفت عندها حين اكتشفت انك قد ضللت الطريق‏!‏


وهكذا الحال مع الانسان في كل ظروف الحياة إن توقف وسلم بالعجز واليأس لم يبلغ الغاية‏,‏ وإن واصل السير برغم المشقة بلغ واحته المرجوة ولو بعد حين‏,‏ وإذا استهول الطريق شك في قدرته علي قطعه واستسلم للقنوط ونكص عن مواصلة المشوار‏.‏



لهذا فمن الأفضل دائما أن نواصل السير علي الدرب المؤدي إلي أهدافنا في الحياة مهما عانينا من أشواك الطريق وعثراته وصخوره‏,‏ وأن نؤمن دائما بأن عناية الله ترعانا وسوف تهدينا إلي غايتنا ذات يوم جزاء وفاقا لصبرنا وكفاحنا الشريف وسعينا لتحقيق غايات نبيلة في الحياة كتربية الأبناء وتعليمهم وتنشئتهم علي الدين والخلق والفضيلة‏..‏ إذ من أحق بعون الله سبحانه وتعالي له ممن يسعي بلا معين لتربية أبنائه وتقديمهم للحياة مثلا حية للقيم الأخلاقية والدينية‏.‏


كما أن واجبنا ألا نركز أنظارنا علي نهاية الدرب فنراها بعيدة عنا بعد الأرض عن السماء‏,‏ ويدفعنا ذلك لليأس من الحياة‏,‏ وانما علينا أن نحدد لأنفسنا أهدافا قصيرة المدي كعلامات الطريق بالنسبة للمسافر كلما بلغ احدها ازداد حماسا للوصول إلي ما بعدها‏..‏ وهكذا حتي يصل في النهاية إلي آخر الدرب‏,‏ فالاهتمام بالنهاية البعيدة خلال الرحلة الطويلة لا يحفزنا علي مواصلة السير والعطاء وإنما يفت في عضدنا ويغرس الإحباط في نفوسنا‏,‏ ولقد كان السير بادن باول مؤسس حركة الكشافة العالمية يقول‏:‏ حين نفكر في المستقبل يزداد احساسنا بهموم الحياة‏,‏ وكتب الفقيه الدستوري الكبير عبد الرزاق السنهوري ذات يوم قائلا‏:‏ ما تعبت لشيء في الحياة كما أتعب حين أفكر في المستقبل‏!‏



ولقد ذكرني تساؤلك الحسير حين اشتد بك الضيق فتساءلت متي ينتهي مشوار تربية هؤلاء البنات الثلاث وتعليمهن وتزويجهن بقصة جميلة لكاتب إنجليزي معاصر عن ثلاثة أشخاص يائسين من الحياة التقوا علي غير موعد فوق جسر لندن الشهير في ظلام الليل‏,‏ وقد جاء كل منهم مهموما بمشاكله ووقف فوق الجسر ينتظر خلوه من المارة لكي يلقي بنفسه في مياه النهر‏,‏ ويرقب بحذر شرطي الحراسة لكيلا ينتبه إلي غرضه فيلقي القبض عليه ويفسد خطته‏,‏ وفي انتظار خلو الجسر من المارة‏,‏ أشعل كل منهم سيجارة وانتظر حتي خلا المكان من المارة لكن الضوء الخافت المنبعث من سيجارة الرفيقين الاخرين أزعج كلا منهم لإشارته إلي وجود شخصين في المكان ينتظر انصرافهما‏..‏ ولما طال الانتظار تنبه كل منهم فجأة إلي أن الآخرين ربما يكونان قد جاءا إلي الجسر لنفس الغرض‏,‏ ويضيق الجميع بالانتظار ويقرر كل منهم أن يطلب من رفيقيه الابتعاد لكي يستطيع تنفيذ خطته‏,‏ ويقترب الثلاثة من بعضهم بعضا‏,‏ ويسأل كل منهم الآخر عن سبب وجوده في هذا المكان في ظلام الليل؟‏!‏ ويعترف كل منهم للآخر بالسبب الحقيقي لوجوده ويرجو صاحبيه الانصراف بهدوء ليستطيع الانتحار‏,‏ ونكتشف أن الأول شاب عاطل طالت فترة بطالته وتأخر في دفع إيجار شقته وفواتير الكهرباء والماء‏,‏ ويئس من تحسن الأحوال فقرر الانتحار‏,‏ وأن الثاني مريض بمرض مزمن ويئس من الحياة‏,‏ وأن الثالث كهل متزوج من زوجة شابة تخونه مع شاب مثلها ولا يجرؤ علي مواجهتها بالخيانة ولا علي الانفصال عنها فيقرر الانتحار‏,‏ ويتعاطف الثلاثة مع بعضهم بعضا‏..‏ ويكتشف كل منهم أنه قادر علي مناقشة مشاكل رفيقيه بمنطق مختلف عن منطق اليأس الذي ناقش هو نفسه مشاكله به‏,‏ فيتفقون علي تأجيل الانتحار يوما واحدا يعيدون خلاله التفكير في مشاكلهم بروح جديدة‏,‏ وأن يعطوا للصباح فرصة أن يطلع عليهم فلربما حمل إليهم بصيصا من الأمل في حل مشاكلهم‏..‏ وينصرف الثلاثة علي موعد للالتقاء فوق الجسر في العاشرة مساء الغد‏,‏ ويلتقي الشاب العاطل مع الكهل المخدوع في اليوم الثاني في نفس المكان‏,‏ ويصارح الشاب رفيقه أنه اكتشف أن صاحب البيت الذي يشكو منه ليس بالقسوة التي كان يتصوره عليها‏,‏ فلقد تفهم ظروفه ووافق علي إمهاله فترة طويلة لدفع الإيجار المتأخر‏,‏ وصارح الكهل الشاب بأنه قد نظر إلي مشكلته نظرة جديدة وأدرك أن الغدر هو عار الغادر وليس عار المغدور به‏,‏ وأن حبه المذل لزوجته الخائنة ليس بالقوة التي كان يظنه عليها‏,‏ ولهذا فهو يستطيع التخلص منها ولسوف يفعل ذلك في أقرب فرصة‏,‏ ويتنبه الاثنان فجأة إلي أن رفيقهما الثالث لم يأت إلي موعده‏..‏ ويطول انتظارهما له دون جدوي فيدركان أنه لابد قد رجع بعد انصرافهما وألقي بنفسه في النهر‏..‏ ومات‏,‏ أما هما فلقد نجوا من الموت لأنهما قد أعطيا الصباح فرصته لكي يحمل لهما شيئا من الأمل في تغير الأحوال إلي الأفضل ذات يوم‏..‏ وهكذا مات من استمسك بظلام الليل ونجا من تطلع إلي نور الصباح‏,‏ كما نجوت أنت من ظلام اليأس والسخط حين استرددت ايمانك بنفسك وعدت إلي ربك‏,‏ وانتظمت من جديد في الصلاة وتخلصت مما ألم بك في احدي مراحل العناء من سخط علي أقدارك وظروفك‏,‏ فأعانك الله سبحانه وتعالي علي أداء رسالتك علي أكمل وجه‏..‏ وحقق لك كل ما تمنيت لزهراتك الثلاث من نجاح في الدراسة وسعادة في الحياة بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:23 PM
بــداية التجـربة


بـريــد الأهــرام
42865
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
16
‏26 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أردت بهذه الرسالة ان تعرف ماتم في مشروع الرباط المقدس الذي بدأته منذ شهور الجمعية العامة لرعاية المرأة بالجيزة‏,‏ وقد كان لنشر رسالتنا في بابكم أثر واضح في إقبال القراء علينا‏,‏ وقد وفقنا الله حتي الآن في إتمام زيجتين‏,‏ وفي الطريق زيجة ثالثة إن شاء الله‏.‏ وقد تلقينا منكم عددا من الرسائل التي يطلب أصحابها الزواج واتصلنا تليفونيا بأصحابها وحضر بعضهم الي الجمعية ودون بياناته في الاستمارة التي أعددناها لذلك‏,‏ وأرسلنا لمن لم ترسل رقم هاتفها خطابا علي عنوانها‏,‏ ومن خلال المكالمات اتضح زواج واحدة من قرائكم بالفعل فسعدنا بذلك‏,‏ لكن تجربتنا حتي الآن قد كشفت لنا إحجام الشباب عن الاقبال علي نشاطنا‏,‏ حيث كان عدد الفتيات اللاتي تقدمن الينا كبيرا جدا‏,‏ وعدد الشباب وهم من سن‏30‏ الي‏48‏ سنة ضئيلا للغاية‏,‏ كذلك اتضح مغالاة الرجال في المواصفات المطلوبة من الطرف الآخر برغم أن بعضهم تجاوز الستين بكثير‏,‏ وبعضهم ممن لم يمن الله عليه بأطفال ويشترط ان تكون المرشحة للزواج منه أرملة لديها أطفال‏,‏ وليست مطلقة لديها أطفال‏,‏ ولانعرف لذلك سببا‏.‏ هذه هي حصيلة عمل شهور قليلة في هذا النشاط رأينا من حقكم علينا ان‏,‏ تعرفوها وقد تشاركوننا بعض النصح‏.‏ وشكرا لكم‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة اقول‏:‏


ملاحظتكم علي كثرة الفتيات والنساء من طالبات الزواج بالمقارنة باعداد الشباب ملاحظة سليمة‏..‏ وقد لاحظتها شخصيا خلال تعاملي مع رسائل القراء في بريد الجمعة ومع ماأتلقاه من رغبات القراء‏..‏ ففي مقابل كل عشرة فتيات يبحثن عن الزواج والأمان والاستقرار قد لايزيد ماأتلقاه من طلبات الشباب والرجال علي اثنين أو ثلاثة‏,‏ وهي نسبة مخيفة‏,‏ كما ان تفضيل بعض الرجال للأرملة ذات الأبناء علي المطلقة ذات البنين يرجع في تقديري الي اعتقادهم بأن مشاكل الأرملة أقل من مشاكل المطلقة التي يتصورون ان زوجها السابق قد ينازعها اطفالها‏..‏ أو يسعي لإعادتها إلي عصمته في أي مرحلة من العمر‏..‏ أو قد ينجح الأبناء في اعادة جمع شمل أبويهم بعد حين‏,‏ فضلا عن أن بعض الرجال لايطيقون وجود رجل آخر في الجوار كان زوجا لنفس الزوجة ذات يوم‏,‏ والي جانب مايظنه البعض من أن الأرملة كانت زوجة ناجحة لكن زواجها انتهي لأسباب قدرية لايد لها فيها‏..‏ أما المطلقة ـ من وجهة نظر هؤلاء البعض ـ فهي قد تتحمل جانبا من المسئولية عن فشل زواجها بما ينبئ بأنها قد لاتكون زوجة ناجحة‏..‏ وكلها ظنون وأسباب لاتصمد للمنطق ويمكن دحضها بسهولة‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:27 PM
العجلة الدوارة‏!‏






بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة



قررت بعد تردد طويل أن أروي لك ولقرائك قصتي‏,‏ فأنا سيدة في منتصف العمر نشأت في أسرة متوسطة‏,‏ وكنا خمسة من الأبناء يكافح والدنا لتوفير سبل الحياة لنا بمرتبه من عمله كموظف كبير‏,‏ وبرغم اجتهاده فلقد كنا كثيرا ما نشعر بجفاف الحياة‏,‏ وحين شببنا عن الطوق زادت مطالبنا‏,‏ وازداد شعوري أنا بالذات بما ينقصني فلقد كنت الابنة الكبري‏,‏ وكنت أنظر حولي بالكلية فأجد من ترتدي كل يوم فستانا جديدا‏,‏ ومن تأتي بسيارة والدها أو بسيارتها‏..‏ ومن تتحدث عن رحلات الصيف والشتاء‏..‏ وأنا أعيش حياة متقشفة‏,‏ ولا تسمح إمكانات أبي المادية لي إلا بشراء فستان كل حين‏,‏ كما أننا لا نعرف المصايف ولا المشاتي‏,‏ وأقصي رحلة لنا كانت إلي بلد أبي بالأقاليم في المناسبات الاجتماعية كالأفراح أو التعازي‏,‏ ونتيجة لذلك‏,‏ وأشياء أخري في حياتي‏,‏ ولأنني جميلة وكنت شديدة الاعتزاز بجمالي تعلقت روحي بحلم الزواج من رجل ثري يوفر لي كل امكانيات الحياة المادية‏..‏ ويغنيني عن التفكير في النقود باستمرار‏.‏ وهكذا وضعت لنفسي مقاييس متشددة بالنسبة لمن سوف أرتبط به‏..‏ وعزفت عن الاستجابة لمحاولات أي شاب من زملاء الكلية أو الجيران للارتباط العاطفي بي‏..‏ واعتبرتها كلها عبث أطفال لا يبشر سوي بالعناء والحمل والإنجاب وتدبير شئون البيت بجلباب ممزق قديم‏,‏ ومرتب أو دخل لا يكفي إلا للأساسيات‏,‏ ولا يتيح أي فرصة للترفيه والرخاء‏,‏ ومضيت في طريقي بإصرار‏,‏ فصددت أكثر من شاب حاول التودد إلي ولم أجد في ظروفهم ما يغريني بالتفكير في أمرهم‏..,‏ وقسوت بشدة علي شاب منهم كان يعاني بوضوح من حبه لي‏,‏ وحاول بكل الطرق استمالتي نحوه‏..‏ ووسط لدي كثيرين ومنهم أخته‏..‏ التي حاولت استعطافي وإقناعي بقبوله لكي يتقدم لأسرتي طالبا يدي‏,‏ فلم أتزحزح عن موقفي وقلت لها بصراحة إن شقيقها لا يرضي طموحي‏,‏ ولن يعدني الارتباط به سوي بالفقر والعناء إلي ما لا نهاية‏..,‏ وصدمت الفتاة صدمة كبيرة فانصرفت عني‏,‏ وكف شقيقها بعد ذلك عن التودد إلي‏..‏ وابتعد عني تماما‏.‏



وهكذا أنهيت دراستي دون أن ارتبط بأحد‏,‏ وعملت‏,‏ ومضت بضع سنوات رفضت خلالها أكثر من عريس لنفس السبب حتي غضب أبي‏..‏ وثارت أمي علي‏,‏ وقالت إن الأغنياء لا يتزوجون إلا من هم في مستواهم المادي‏,‏ وأنني سأحكم علي نفسي بالوحدة إذا استمررت في رفضي لفرص الزواج المعقولة‏,‏ وساء موقفي أكثر حين خطبت أختي التي تصغرني لشاب عادي أحبته وأحبها‏..‏ وبدآ يستعدان للزواج وبسبب نظرات الأهل لي في حفل زواج أختي رضخت كارهة لأمي حين عرضت علي شابا من أسرة طيبة وظروفه أفضل من ظروف عريس أختي‏,‏ لكنه ليس الفارس الثري الذي كنت أنتظره وتزوجنا بعد عام من الخطبة‏,‏ وأقمنا في شقة لا بأس بها في مدينة نصر‏,‏ في حين أقامت أختي في شقة بحي شعبي‏..‏ وبدأت حياتي الزوجية وأنا بين الرضا عن أن ظروفي أفضل كثيرا من ظروف أختي‏,‏ وبين السخط لأن زوجي في النهاية ليس ثريا ولا يملك إلا سيارة صغيرة متهالكة لاتساوي شروي نقير‏..‏


ومضت بنا الأيام وأنجبت ولدا وبنتا‏..‏ وتقدمت في عملي وتقدم زوجي في عمله‏,‏ وبالرغم من ذلك فلقد ضاقت حولي ظروف الحياة مع نفقات الطفلين ومدرستهما وتكاليف الحياة‏..‏ ولم أقصر في إشعار زوجي منذ البداية بأنه لم يكن طموحي الذي تطلعت إليه وأنا طالبة بالكلية‏..‏ وبأنه لم يحقق لي ما كنت أتمناه لنفسي من حياة رغدة ومريحة لا أحمل فيها هما للنقود‏,‏ ولا أمسك فيها ورقة وقلما لأحسب لكل شيء حسابه قبل الإقدام عليه‏..,‏ وكان زوجي يحزن في صمت حين أشعره بذلك ولا يخطيء في حقي أبدا‏,‏ وإنما يفاجئني بعد بضعة أيام بأن يضع في يدي مبلغا إضافيا من النقود حصل عليه من عمل إضافي أو من الحوافز في عمله‏..,‏ وفي بعض المرات اكتشفت أنه اقترضه من شقيقه‏!‏ وكل ذلك لكي أرضي‏..‏ وأكف عن التذمر والشكوي من ضيق الحال‏.‏



واستمرارا لمحاولاته لإرضائي حصل لنا علي عضوية ناد اجتماعي راق ليس بعيدا عن مسكني‏,‏ ودبر مصاريف الالتحاق به من أعمال خارجية‏..,‏ وبدأنا نتردد عليه ونقضي فيه يوم الجمعة من كل اسبوع‏..,‏ وبدأت أشعر بأن جزءا بسيطا من الحلم القديم قد تحقق‏,‏ وإن كان هناك الكثير الذي مازال بعيدا‏,‏ وفي هذا النادي أصبحت لنا صداقات جديدة‏..,‏ وكانت أهمها صداقتي لسيدة تعرفت عليها في حديقة النادي واستراحت كل منا للأخري‏,‏ وأصبحنا نقضي معظم وقتنا في النادي معا في غياب الزوجين‏.‏ وبالطبع فقد تعرفت علي زوجها وتعرف زوجي عليه‏,‏ وحدث شيء من التقارب بينهما ولاحظت من البداية علي صديقتي الجديدة أناقتها وملابسها الغالية‏..‏ وحسن اختيارها لها‏,‏ وسألتها ذات مرة بطريقة عابرة عن ثمن تايير جميل ترتديه‏,‏ فعرفت أنه يساوي مرتب زوجي في شهر‏..‏ فبلعت ريقي بصعوبة‏..‏ وفي المساء حكيت لزوجي القصة وأسمعته بضع كلمات ساخرة‏..‏ فاكتأب وقال حانقا إنه لا يعرف ماذا يفعل لكي يرضيني‏..‏


وتعمقت الصداقة بيني وبين صديقتي الجديدة وتبادلنا الزيارات‏,‏ وانبهرت بمسكنها الفاخر في شقة من دورين بعمارة فاخرة‏..‏ وبأثاثه الثمين والتحف الغالية الموزعة علي جوانبه‏..,‏ وترددت في دعوتها وزوجها إلي مسكني المتواضع‏,‏ لكنه لم يكن هناك مفر من رد الدعوة‏,‏ فدعوتهما واجتهدت قدر طاقتي في تجميل البيت وتزيينه وتنظيفه‏..‏ عند زيارتهما لنا‏.‏



وشيئا فشيئا وجدتني أتساءل‏:‏ أليس ما تعيشه صديقتي هذه هو ما كنت أحلم به لنفسي وأنا فتاة؟‏.,‏ وماذا تمتاز به عني لكي تفوز به دوني‏..‏؟ أنني أجمل منها كثيرا بشهادة الجميع‏..‏ بل وبشهادة نظرات زوجها المنبهرة لي منذ أول لقاء‏,‏ كما أن ظروفها العائلية مماثلة لظروفي‏,‏ ولم يكن والدها ثريا ولا هي وارثة لمال‏..‏ وكل ما تنعم به من عز بفضل زوجها رجل الأعمال‏,‏ ناهيك عن سيارتها الحديثة الخاصة ومدرسة الأولاد باهظة الرسوم‏..‏ والشغالة التي تتقاضي ما يزيد علي نصف مرتب زوجي‏,‏ والمجوهرات والملابس الفاخرة التي ترتديها‏...‏ الخ‏.‏


وبدأت أشعر بالغيرة الشديدة منها وبالسخط الأشد علي زوجي برغم أنه يشقي في العمل وفي الحياة لتلبية مطالبي‏..‏ وكثرت الاحتكاكات بيني وبينه‏,‏ وكثرت شكواي منه لصديقتي‏..,‏ وازدادت نظرات زوجها إلي عمقا وجرأة‏..‏



وفي لحظة ضيق بكل شيء أعطيته الاشارة لكي يخطو الخطوة الأولي‏,‏ فلم يتردد وبدأت الاتصالات الهاتفية بيننا بطلب خدمة منه أداها بحماس علي الفور‏,‏ ثم بالشكوي من زوجي وخلافاتي معه‏,‏ إلي آخر المعزوفة إياها‏,‏ التي تعرفها كل امرأة تريد أن تفتح الباب لطارق جديد‏,‏ وانتهي الأمر باعترافه بحبه الشديد لي ومجاراتي له في الاعتراف‏,‏ مع تحفظ واحد من جانبي هو رفضي النهائي لأي تلامس بيننا إلا في الحلال‏!‏ واستمر الحال بيننا علي هذا النحو طيلة عام كامل أغدق علي خلاله بالهدايا الذهبية التي أخفيتها عن الأنظار‏,‏ وكثرت خلاله الخلافات بين صديقتي وزوجها وانتهي الأمر بينهما بالطلاق الودي وبقاء الطفلين مع أمهما في نفس المسكن الفاخر مع منحها نفقة شهرية سخية‏,‏ وطالبني الرجل بالطلاق من زوجي لكي يتزوجني وفاء لوعدي له إذا طلق زوجته‏..‏ وبدأت معركتي مع زوجي للحصول علي الطلاق‏..‏ وخضت أهوالا كثيرة معه‏..‏ ومع أهلي وصلت إلي حد محاولة الانتحار بقطع شرايين يدي وإنقاذي في اللحظة الأخيرة‏..‏


واستسلم زوجي في النهاية فطلقني‏..‏



وبعد انقضاء شهور العدة تزوجت زوج صديقتي‏,‏ وأقمنا في شقة أخري اشتراها لي في نفس الحي‏,‏ وإن لم تكن بنفس مستوي شقته الأولي‏..‏ وبدأت أعيش الحياة التي طالما تمنيتها فاستقلت من عملي‏..‏ واشتري لي زوجي سيارة جديدة‏,‏ وملابس كثيرة ومجوهرات‏..‏ وعرفت لأول مرة الإقامة في فنادق الخمس نجوم‏,‏ والسفر إلي الغردقة والساحل الشمالي‏,‏ بل وإلي أوروبا ذات مرة‏..,‏ وغرقت في العز والنقود والحب الذي يغمرني به زوجي‏,‏ فلم ينغص علي حياتي سوي شيئين‏:‏ بعدي عن الطفلين واشتياقي لهما‏,‏ وقد كنت أعالج ذلك برؤيتهما في بيت أمي من حين لآخر‏,‏ ثم فراغة عين زوجي وغيرتي الشديدة عليه وخوفي من أن تسرقه مني امرأة أخري‏,‏ كما أخذته أنا من زوجته‏,‏ فهو ضعيف أمام النساء الجميلات‏,‏ وكثيرا ما احترقت بنار الغيرة كلما سمعت عن اهتمامه بامرأة من المتعاملات معه‏..,‏ وأصبحت حياتي مطاردة مستمرة له بالتليفون والسيارة‏..‏ وكبسات مفاجئة له في مكتبه أو النادي أو مطاعم الفنادق الكبري‏,‏ ثم صراخا وعويلا وضربا متبادلا ودما ينزف مني ومنه ويلوث ملابسنا‏..,‏ وفي كل مرة أصرخ فيه‏:‏ تخونني وأنا التي تركت زوجي وأولادي من أجلك؟ فيجيبني في حمأة الغضب بأنني تركتهم من أجل الفلوس قبل أن يكون من أجلي‏!..‏ وبعد تبادل الاتهامات والإهانات والشتائم‏..‏ نهدأ أو أهدأ أنا علي الأصح وأبدأ بمصالحته‏..‏ وأتذكر بمرارة أنني عشت مع زوجي الأول تسع سنوات لم يرفع خلالها صوته مرة واحدة علي ولم يجرحني بكلمة‏.‏



وتواصل الحياة طريقها‏,‏ وأعوض قهري بشراء المزيد من المصوغات الذهبية والألماسية والملابس‏,‏ وزيارة ابنتي وابني اللذين ألاحظ في كل مرة أنهما يزدادان بعدا عني وجفاء صامتا لي‏,‏ وأتهم والدهما بأنه وراء ذلك‏,‏ فيقسم لي صادقا بأنه لم يقل لهما كلمة سوء واحدة عني‏..,‏ وتوالت الأحداث فتزوج زوجي السابق من فتاة لم يسبق لها الزواج من أقاربه‏,‏ وانتقلت ابنتي وابني للحياة مع جدتهما لأبيهما‏..‏ وازدادا نفورا مني ولوما صريحا لي‏,‏ لأنني كما قالت ابنتي ـ سامحها الله ـ جريت وراء الفلوس علي حساب سعادتهما واستقرارهما بين أبويهما‏!‏ وبرغم حزني لجفاء مشاعرهما تجاهي‏,‏ فقد كنت أمني نفسي بأنني سأستطيع أن أكسب مودتهما بما أعطيه لهما من نقود خاصة حين يكبران وتزداد أهمية النقود في حياتهما‏,‏ ولكن حياتي ازدادت تعقيدا بزواج زوجة زوجي الأولي من رجل ممتاز وسفرها معه إلي مقر عمله بإحدي الدول العربية‏,‏ فأصبح لزاما علي كما طالبني زوجي أن أضم ابنه وابنته إلي حضانتي لينشآ مع أخيهما الذي أنجبته منه‏.‏ وبدأت مرحلة جديدة من المتاعب والمشاكل‏,‏ فالولد والبنت وخاصة البنت ـ يكنان لي كراهية صامتة شديدة‏..‏ وزوجي لايتحمل أية شكوي منهما ويتهمني علي طول الخط بضيقي بهما واساءة معاملتهما‏,‏ ويهددني بهدم البيت إذا شكا أحدهما مني‏.‏ وزاد الطين بلة أن تعثرت فجأة في هذه الفترة أعمال زوجي فنقصت السيولة بين يديه‏..‏ وأخذ مني سيارتي وباعها‏,‏ وأخذ مني معظم مجوهراتي وباعها‏,‏ وباع كذلك الشقة الفاخرة الأولي التي كنت أتطلع للانتقال إليها لكي تتسع للأولاد الثلاثة‏,‏ ووجدتني بعد قليل أكاد أعيش في ظروف مشابهة لظروفي مع زوجي الأول مع اختلاف مهم هو أنني كنت معه موضع الإعزاز والحب والتكريم والاسترضاء باستمرار‏,‏ في حين أنني مع زوجي الثاني موضع السخط واللوم والغضب في معظم الأحوال‏.‏



وتعلقت بالأمل في تحسن أحوال زوجي وتجاوزه لأزمته بعد قليل كما يحدث مرارا في حياة رجال الأعمال‏,‏ وصبرت علي ظروفي الجديدة كارهة‏,‏ فإذا بالصواعق تنقض فوق رأسي واحدة بعد أخري‏..‏


فلقد فوجئت ذات يوم بعشرة رجال يطرقون الباب ويسألون عن زوجي‏,‏ ولم يكن موجودا فلم يتورعوا عن تفتيش الشقة بحثا عنه‏..‏ وسألت عن السبب فقيل لي إنهم ضباط ومخبرون بوحدة تنفيذ الأحكام وأن زوجي قد صدرت ضده عدة أحكام نهائية بالسجن في قضايا شيكات بدون رصيد‏!‏ وانهرت مغمي علي فأمسك بي الضابط قبل سقوطي علي الأرض‏.‏



وتكررت زيارات ضباط الوحدة للبيت وللعمل وللنادي‏,‏ بحثا عنه وأصبح زوجي يختفي بالأيام‏,‏ ثم يأتي فجأة بعد منتصف الليل ويقضي معنا ساعات وينصرف مع الفجر‏..‏ فلا أراه إلا بعد أيام أخري‏,‏ وظل الحال هكذا لما يقرب من سنة تصالح خلالها مع بعض أصحاب الشيكات وعجز عن التصالح مع البعض الآخر‏,‏ ثم ضبطته وحدة التنفيذ في أحد الفنادق فساقته إلي السجن‏!‏ وهو الآن يقضي فترة العقوبة‏..‏ ومجموع الأحكام الصادرة عليه سبع سنوات وأتردد عليه في مواعيد الزيارة‏..‏ وأدوخ بين ضباط السجون والعساكر للحصول علي تصريح بزيارته زيارة خاصة في مكتب المأمور وليس من وراء الأسوار‏..,‏ وأحمل له الطعام والحلوي‏..‏ وأعيش أنا وابني منه بمبلغ بسيط كنت أنفقه أيام العز في‏3‏ أيام ويعطيه لي شقيق زوجي أول كل شهر‏,‏ وهو يكاد يرميه في وجهي ولسان حاله يقول بغير كلام‏:‏ إنني قدم الشؤم علي شقيقه‏,‏ أما ابنة زوجي وابنه فقد رفضا العيش معي بعد سجن والدهما وضمهما عمهما إليه إلي حين خروج أبيهما‏,‏ وفي هذه الظروف الكئيبة كنت أقف مع طفلي الصغير أمام النادي أنتظر سيارة ميكروباص لكي نرجع إلي البيت حين لمحت عن بعد صديقتي السابقة زوجة زوجي الأولي تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة أمام النادي ورجل الأمن والبواب يقفان احتراما لها ولزوجها ويتبادلان معهما الابتسام والتحية‏,‏ فأسرعت بادارة وجهي للناحية الأخري حتي لا تلمحني‏..‏ وانتظرت حتي دخلت النادي قبل أن أشير لسيارة ميكروباص قادمة‏,‏ وقلت لنفسي أنه يبدو أن للعز أناسا يجدونه تحت أقدامهم دائما حينما يمشون‏,‏وان للفقر والعناء أناسا آخرين لايجدون سوا هما كلما سعوا في الأرض‏!‏



وعدت إلي البيت مكتئبة وساخطة‏..‏ وأنا أفكر في أنني كنت أحيا حياة مستقرة وهادئة مع زوجي الأول فلماذا لم أرض عنها ولم أسعد بها‏..‏؟ وماذا جنيت من الجري‏,‏ علي حد تعبير ابنتي وراء الفلوس سوي بعد ابني وابنتي عني وجفائهما لي وفقدي لهما ولزوجي الأول ولحياة الكرامة والإعزاز والأمان معه؟


إنني وبعد ثماني سنوات من زواجي الجديد تمرغت خلالها في العز لمدة ستة أعوام وقلبت لي الدنيا ظهر المجن خلال عامين‏,‏ أقول لنفسي ولكل النساء والفتيات إنني قد خسرت زوجا كان يحبني ويحترمني ويقبل الأرض تحت أقدامي‏,‏ ويبذل كل ما في وسعه لإرضائي‏,‏ وخسرت ابنتي وابني وهما لا يقدران بمال وخسرت الكرامة والأمان والاستقرار وراحة البال وكل ذلك لأنني لم أكن قانعة بحياتي مع زوجي الأول ولم أرض عنها بالرغم من أن كثيرات غيري كن يتمنين حياة مثلها‏..‏ ولأنني تطلعت إلي ما لم يكن من حقي الحصول عليه واغتصبت زوج صديقتي السابقة ونفست عليها حياتها معه وثراءه‏,‏ ورأيت انني أحق به منها‏,‏ ولم يردني ضميري ولم يمنعني قلبي كأم من الإقدام علي ما أردت ولم أتوقف لحظة أمام حق زوجي وأبنائي علي‏,‏ ولا أمام حق صديقتي وحق أبنائها‏..‏ فدبرت خطف زوجها‏..‏ وانبهرت لفترة قصيرة بالثراء ثم توالت الكوارث‏.‏ إنني أعرف أن رأيك في سيكون قاسيا‏..‏ وأنك ستنهال علي باللوم‏,‏ لكني أردت بالرغم من ذلك أن أروي لك قصتي لكي أتطهر من بعض جريرتي‏..‏ ولكي أسألك ألا يغفر لي الله ذات يوم طمعي وسخطي علي حياتي السابقة‏..‏ وسرقتي لسعادة امرأة أخري كانت ذات يوم صديقة لي‏..‏ وماذا أفعل لكي يرفع الله عني مقته الذي يحيط بحياتي من كل الجوانب الآن؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


كان القطب الصوفي ابو بكر الشبلي يقول‏:‏ أن الزهد هو خلو القلب مما خلت منه اليد‏!.‏


وبذلك يكون الطمع بالمفهوم العكسي هو انشغال القلب بما في أيدي الغير مما تخلو منه اليد‏!‏



وأحسب يا سيدتي أن هذا كان حالك حين نفست علي صديقتك السابقة زوجها الثري وحياتها المرفهة وعيشتها الراضية‏..‏ فلم تفعلي كما يفعل الصالحون‏,‏ وهو أن تتمني لنفسك مثل حياتها وتدعي الله سبحانه وتعالي أن يوسع علي زوجك رزقه‏,‏ بحيث يكفل لك ما تشتهي نفسك من حلال‏,‏ وانما تطلعت إلي انتزاع ما في يد صديقتك والاستئثار به دونها‏..‏ فكان ما كان من أمرك‏..‏ وظننت أنك قد فزت بما تستحقين من حياة ناعمة ومال وفير‏..‏ وحققت ما كنت دوما ترين نفسك جديرة به‏..‏ والحق أنك كنت الخاسرة منذ البداية‏,‏ وليس فقط بعد تغير أحوال زوجك المادية في العامين الأخيرين‏,‏ فلقد خسرت ما لا يعوض بمال إذا فقده الانسان‏,‏ وهو حب ابنيك لك وارتباطهما بك‏..‏ وخسرت زوجا محبا عطوفا لم يكن يكل عن استجداء مودتك واسترضائك بكل الحيل‏..‏ ويحسن عشرتك ويحترمك‏,‏ وخسرت بكل تأكيد تأييد أهلك الأقربين لك بطلاقك منه وتمزيق ابنيك بينكما وثقة أهل زوجك الثاني الذين لن يغفروا لك تمزيق ابنيه بين أبويهما وبين بيوتهم‏..‏ ناهيك عن احترام الآخرين واحترامك أنت شخصيا لنفسك‏,‏ خاصة حين تكشفت القصة في النهاية عن عناء لا يقل وطأة إن لم يزد عن الحياة التي تمردت عليها في ظلال زوجك الأول وطفليك‏.‏



لقد تجددت مراراتك حين رأيت صديقتك السابقة تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة مع زوجها الجديد‏..‏ وأنت تقفين في الطريق في انتظار سيارة ميكروباص‏,‏ فتساءلت أحقا أن هناك من البشر أناسا يسعي الخير إليهم أينما يحلوا‏,‏ وبشرا‏..‏ يفر منهم الخير أينما يسعوا؟ وجوابي هو أن الله سبحانه وتعالي هو الرزاق الكريم‏,‏ وأننا لو جرينا في الدنيا جري الوحوش فلن ننال في النهاية إلا ما كتبه الله لنا‏..,‏ فإذا كنت تتعجبين كيف انتقلت صديقتك السابقة من حياة رغدة مع زوجها الأول إلي حياة أكثر رفاهية مع زوجها الثاني‏,‏ مع أنها أقل منك جمالا وأقصر باعا‏,‏ فلعلي أذكرك بأن الله سبحانه وتعالي قد أقسم في الحديث القدسي المرفوع بعزته وجلاله لأرزقن من لا حيلة له حتي يتعجب أصحاب الحيل أي حتي يعرف الجميع أنه وحده الرزاق المنعم‏..‏ وأن ثراء أي انسان أو نجاحه أو توفيقه في عمله برغم اجتهاده ليس راجعا إلي حيلته وحدها وإنما إلي أن الله سبحانه وتعالي قد أذن له أيضا بنجاح مسعاه ونيل ثمرته‏,‏ وبارك له في رزقه وفي حياته‏,‏ وتأكيدا لذلك فقد يغمر الله سبحانه وتعالي برزقه من لاترشحه قدراته للمنافسة في أي سباق‏,‏ وقد يقدر علي بعض ذوي الحيل والذكاء رزقهم فيعيشون في كبد حتي يأذن الله بتغير الحال‏.‏ لقد ذكرتني قصتك وعودتك إلي الحرمان بعد الرخاء كما يرجع مؤشر عجلة الحظ الدوارة إلي نقطة البداية بعد طول الدوران‏,‏ بالخرافة التي كتبها الحكيم الاغريقي ايسوب عن الأسد الجائع‏,‏ الذي رأي أرنبا نائما فهم بالتهامه ليسد به جوعه‏,‏ وقبل أن يفعل رأي غزالا قريبا‏,‏ فقال لنفسه إن لحم الغزال أطيب وأوفر‏,‏ ويكفي لسد غائلة جوعي ويفيض‏,‏ فانصرف عن الأرنب وطارد الغزال لينقض عليه‏..‏ وصرخ الغزال حين رأي الأسد صرخة مدوية واندفع جاريا بسرعته الشديدة‏,‏ والأسد يلاحقه إلي أن طالت المطاردة‏,‏ وابتعد الغزال كثيرا وأدرك الأسد أنه لن يلحق به فعاد أدراجه وقد قرر أن يكتفي بالأرنب‏..‏ فإذا به لا يجده في مكانه ويتلفت حوله باحثا عنه دون جدوي فيدرك في النهاية أن صرخة الغزال والأسد يطارده قد أيقظته من نومه فأسرع بالفرار‏!‏ وهكذا خسر الغزال‏..‏ والأرنب معا‏..‏ وظل الأسد يكابد جوعه‏!‏



فإذا كنت تتساءلين في ختام رسالتك وبنص كلماتك‏:‏ ألا يغفر الله لك‏,‏ طمعك وسخطك علي حياتك السابقة وسرقتك لسعادة امرأة أخري‏..‏ وماذا تفعلين لكي يرفع الله عنك مقته وغضبه اللذين تشعرين بهما في حياتك الخاصة الآن؟ فاني قبل أن أجيبك علي هذه التساؤلات أضيف إليها سؤالا آخر يبدو أنك قد نسيته في غمرة ضيقك بظروفك الحالية وهو‏:‏ وألا يغفر الله لي أيضا خيانتي لزوجي وأنا أحمل اسمه ومؤتمنة علي شرفه مع رجل آخر متزوج وله أبناء‏,‏ وتدبيري معه طلاقي من زوجي وطلاقه من زوجته وهدم أسرتين وتمزيق‏4‏ أبناء لكي يجتمع شملنا تحت راية أطماع الدنيا الزائلة‏:‏ هو في جمالي وأنا في ماله؟


هذا هو السؤال الناقص وجوابي عليه وعلي غيره من التساؤلات أن الندم الصادق من القلب ونتيجة لتغير الفكر وليس تغير الظروف يفتح دائما باب التوبة والمغفرة‏..‏ مع كثرة الاستغفار ومع النية الصادقة علي التطهر من الآثام‏,‏ وعدم العودة إليها مرة أخري‏,‏ ومحاولة تصحيح الأخطاء‏,‏ وأداء الحقوق‏,‏ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما



وبهذه المناسبة فانك تعيشين وحدك الآن مع طفلك الصغير‏,‏ فلماذا لا تفكرين في ضم ابنيك من زوجك السابق إليك ولو في فترة غياب زوجك عنك وبعد استئذانه في ذلك‏,‏ لكي تعويضهما عن بعض ما حرمتهما منه ولكي يقتربا من أخيهما الصغير‏..‏ فيكون ذلك بداية تعويض تقصيرك في حقهما؟ نعم ـ لماذا لا تحاولين ذلك حتي ولو رفض الابنان أو أهلهما في البداية‏,‏ ذلك أن مجرد ابداء هذه الرغبة يحمل نوعا من الاعتذار لهما والرغبة في تعويضهما‏..‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:30 PM
خطوات البرنامج‏!‏


بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة


تعليقا علي ما نشر في بريد الجمعة تحت عنوان بداية التجربة أود أن أوضح ان قلة عدد طلبات الزواج من الشباب قد يرجع أيضا إلي ضعف الإمكانات المادية عند الشباب‏,‏ مما يشعر الشاب بالعجز والضعف والخوف من تحمل المسئولية‏..‏ وذلك بعد أن أصبح الزواج من الرفاهيات بالنسبة له نظرا لما له من متطلبات رهيبة‏.‏


ولقد بدأنا بالفعل في السعي بخطوات ثابتة علي هذا الطريق‏,‏ ونحاول ان ننفذ هذا البرنامج لمساعدة الشباب علي الزواج بالخطوات التالية‏:‏



‏1-‏ تأجير شقة بالقانون الجديد ـ لفترة لاتقل عن خمس سنوات‏.‏


‏2-‏ تصنيع الأثاث عند من يرتضي لنفسه بهامش بسيط من الربح‏,‏ ولدينا من يساندنا بكل قوة في هذا المجال‏.‏



‏3-‏ تجهيز الشقة عن طريق كل من يستطيع المساهمة ولو بشئ بسيط مما يحتاجه أي بيت مثل‏(‏ نجفة وسجادة ومروحة وثلاجة‏..‏ الخ‏).‏


ثم اختيار شاب مثقف‏,‏ وليعلم الجميع أن المشاركة في مثل هذا العمل أو تنفيذه‏..‏ كل في محيطه‏,‏ يعد صدقة جارية تحتسب له مادام هذا البيت قائما‏.‏



وأنا أري والله أعلم أن إعفاف الشباب أفضل من تكرار الحج والعمرة للقادرين علي ذلك‏.‏


وأطرح عليكم وعلي قرائكم هذا البرنامج عسي ان يستفيد به بعض الراغبين في مساعدة الشباب علي الإعفاف‏..‏ فتتعاون مجموعة منهم علي تنفيذ هذا البرنامج مع شاب أو أكثر حسب قدراتهم وشكرا‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


الفكرة جديرة بالدراسة بالفعل‏..‏ وهي ان انتشرت فلسوف تساعد شبابا كثيرين علي إعفاف أنفسهم وتكوين اسرهم الصغيرة‏..‏ وتخفف من احساسهم بالحرمان واليأس من المستقبل‏,‏ وتفتح أبواب الأمل امام كثيرين‏,‏ وتحمي المجتمع من شرور عديدة‏..‏ انني اضع هذا البرنامج تحت انظار القراء ليستفيد به الباحثون عن مصارف للزكاة أكثر نفعا لمجتمعهم وأمتهم‏..‏ وشكرا لك‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:32 PM
أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة


عندما قرأت رسالة الأشواك الدامية شعرت وكأن شوكة دامية قد غرست في قلبي‏,‏ فالبعض لايدرك قيمة النعم التي رزقه بهاالله إلا عندما يفقدها‏,‏ وذكرتني قصة هذه الأم البائسة‏,‏ التي تشكو من قسوة ابنتها وزوج ابنتها عليها‏,‏ بأحدهم الذي جعل لأمه غرفة في البدروم وهي مريضة لاتقوي علي الحركة وبين الحين والأخر اسمع صراخها ونداءها لأي احد ان يرد عليها‏,‏ فتتألم نفسي وأتذكر جدتي الراحلة وكيف كانت تدعو لي كلما قضيت لها حاجة من حوائجها‏,‏ وأتمني لو أنها مازالت علي قيد الحياة لأنعم بدعائها وعطائها‏..‏


فكيف وهذه الأم تستجدي الحنان من ابنتها‏,‏ وكيف تقف هذه الابنة الجاحدة امام ربها يوم القيامة وهي مذنبة بكبيرة عقوق الأم والتي فضلها الله وجعل الجنة تحت أقدامها‏..‏ وما أري إلا أن غشاوة الحب المزعوم تخفي الحق عن عين هذه الابنة‏,‏ وماهي إلا فترة قصيرة وتواجه متاعب الولادة‏,‏ وساعتها لن تحتاج الي أحد بقدر ما ستحتاج الي أمها‏,‏ ولن تجد أحدا يساعدها سواء كانت صديقة أو أم الزوج ـ بقدر ماكانت ستفعل أمها‏..‏ أما لوظلت في غيها هي وزوجها بعد ولادة الطفل‏,‏ فلسوف تتجرع من نفس الكأس التي أذاقتها لأمها‏,‏ وسيأتي ابنها بعد ذلك ـ الذي تخاف من أمها عليه ـ ويبعدها عن حياته وهي في أمس الحاجة إليه‏..‏ ولا أظن في تقديري ان هذا سيحدث‏,‏ لأن هذه الابنة سرعان ما سوف تفيق علي حقيقة زوجها وتهرع الي أمها التي نبذتها يوما باكية بين يديها‏..‏ وأنا أقول لهذه الأم تمسكي بالصبر‏,‏ وكما نصحك صاحب البريد بألا تفرطي في استجداء مشاعرهم‏,‏ أنصحك أنا بخبرتي المتواضعة أن تفرغي شحنة أمومتك الطاغية لمن يحتاجونها من الأطفال الصغار الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم‏,‏ ودور الأيتام موجودة في كل مكان‏,‏ ويكفي ان تستمعي الي نداء‏(‏ ماما‏)‏ من عشرات الأطفال الذين سيسعدهم بالتأكيد حنانك الدافق‏..‏


وأنا من جانبي يسعدني الاتصال بك تليفونيا إذا شئت أن تتخذيني بنتا ثانية ـ وليست بديلة


من رسالة للقارئة



راضية مصطفي عشوش


الطالبة بكلية التربية بكفر الشيخ

حسام هداية
08-25-2011, 06:34 PM
الشــجرة الســـامقــة


بـريــد الأهــرام
42879
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
30
‏10 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة




أكتب اليك رسالتي هذه بعد أن قرأت رسالة الطريق المنحدر‏,‏ ثم رسالة الانسحاب الثاني فأنا طبيبة في منتصف الأربعين من العمر نشأت بين أبوين متحابين‏,‏ وعشت حياة هادئة وجهني فيها والدي المربي الفاضل الي طريق الايمان والالتزام الاخلاقي والحمد لله‏.‏


وقد مرت حياتي هانئة سعيدة في تفوق دراسي مستمر‏,‏ حتي وصلت للمرحلة الجامعية‏,‏ حيث الاختلاط‏,‏ وكثير ممن حولي لهم ارتباطات عاطفية مع بعضهم بعضا‏,‏ وعلي الرغم من شخصيتي الرومانسية وعواطفي الجياشة التي تسيطر علي فكري وحياتي‏..‏ فلقد عاهدت الله سبحانه وتعالي علي الالتزام الخلقي التام‏,‏ وعلي أن تكون كل عواطفي لشخص واحد فقط هو زوجي الذي سألتقي به ذات يوم‏.‏



وبعد تخرجي بفترة قصيرة تقدم لي طبيب شاب يكبرني بعدة سنوات وعلي خلق ودين‏,‏ ومناسب اجتماعيا‏,‏ ولكنه رقيق الحال من الناحية المادية‏,‏ كأغلب الشباب‏,‏ فتقبلته اسرتي بترحاب وارتياح ووافقتهم علي ذلك حيث لا تهمني الماديات مطلقا‏,‏ بقدر ما تهمني الحياة العاطفية التي طالما حلمت بها طوال حياتي‏.‏


وتم الزواج بهدوء‏,‏ وفوجئت بعده بالتباين الشديد في شخصياتنا‏,‏ فزوجي يتميز بالجدية الشديدة والهدوء الأشد وبعيد تماما عن الرومانسية‏,‏ وأنا علي العكس منه في ذلك‏,‏ فحزنت حزنا شديدا لتباين عواطفنا‏,‏ وتقبلت قدري بحزن‏,‏ واحساس باحتياجي الدائم للعواطف‏.‏



ومرت الأيام وإذا بي في فترة ما من حياتي العملية‏...‏ أصادف زميلا لي‏,‏ زادت بيننا الحوارات‏,‏ والمناقشات وتقاربنا وبدأ يفتح لي قلبه ويحكي لي عن مشاكله العديدة مع زوجته واختلافهما في جميع النواحي‏,‏ وبدأت أشعر بالتقارب والألفة بيننا‏,‏ ثم بدأ يطلب الاتصال تليفونيا بي بعد العمل لاستكمال الحوار‏,‏ فرفضت ذلك لأنه يفتح مجالا أكبر للتقارب‏,‏ وبدأ يتغير شعور الزمالة بيننا‏,‏ هنا تذكرت قول الله تعالي يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر‏,‏ فوقفت مع نفسي وقفة جادة وحازمة وقاطعة وسجدت لله أدعوه بكل قلبي ووجداني وأعاهده معاهدة خالصة بغض البصر تماما عن هذا الزميل‏,‏ وعن أي رجل أجنبي آخر‏..‏ وأن ألتزم التزاما تاما في كل مناقشاتي‏,‏ وأنهي أي حديث بعيد عن مجال العمل‏,‏ وصدقت في عهدي مع الله سبحانه والحمد لله ومع نفسي‏,‏ وبدأت اتجه الي زوجي بكل عواطفي وألح عليه بحبي اياما وأسابيع وشهورا بلا يأس‏,‏ وكل هذا وأنا وزوجي نعيش حياة صعبة بعض الشيء من الناحية المادية‏,‏ الي أن حدثت في حياتنا طفرة غريبة‏,‏ اذ رزق زوجي بعيادة في مكان جيد سعي اليه كثيرا حتي أذن الله له به في النهاية‏,‏ فكان بمثابة فتح مادي كبير في حياتنا‏,‏ وأكرم الله زوجي بالنجاح والتوفيق فيه‏..‏ وسبحان الله اذ أنه بعد هذا الارتياح المادي‏,‏ تغير زوجي تغيرا ملموسا‏,‏ وأصبح رجلا رومانسيا محبا عطوفا يغدق علي من الحب والحنان كل ما حلمت به وتمنيته طوال عمري‏,‏ حتي إنه بعد ذهابه للعيادة‏,‏ يرسل الي رنات حب علي المحمول‏,‏ وفي منتصف عمله يرسل الي رسالة حب أيضا علي المحمول‏,‏ وارد عليه بشوقي وحبي وانتظر عودته بلهفة‏,‏ وتحولت حياتنا إلي شهر عسل متصل ولله الحمد في الأولي والآخرة‏,‏ وسعدت بذلك كثيرا وقلت لنفسي انه ربما كانت مسئولية زوجي المادية قبل ذلك تحجب عنه الاهتمام بالتعبير عن عواطفه الكامنة وربما كان إلحاحي عليه بحبي السبب في هذا التغيير‏,‏ وسواء كان هذا او ذاك فإني سعيدة بما حدث وأوجه كلمتي الي كل من تمر بمحنة عاطفية من هذا النوع ان تفعل كما فعلت وتتجه الي الله بقلبها والي زوجها بمشاعرها‏[‏ ومن يتق الله يجعل له مخرجا‏..‏ ويرزقه من حيث لا يحتسب‏].‏


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


اذا صدقت نية الزوجة المحصنة علي الإخلاص لزوجها مهما يكن ما تنكره عليه او تعانيه معه فإن الله سبحانه وتعالي لا يتخلي عنها أبدا‏,‏ وانما يعينها علي أمرها ويجعل لها من أمرها رشدا‏.‏


وهذا هو درس قصتك الذي تؤكده كل يوم تجارب الحياة‏,‏ ومنها تجربتك الشخصية‏..‏ ولقد فعلت ما ينصح به العارفون اذا تعرضت الزوجة ذات يوم للضعف البشري‏,‏ وشعرت بميل عاطفي تجاه شخص آخر عدا زوجها‏,‏ وهو أن تجاهد نفسها وتقاوم هذا الميل داخلها وتصارعه حتي تصرعه وتمتنع عن كل فعل او سلوك يؤجج مشاعرها تجاه الآخر‏,‏ أو يعيد عليها ضعفها بدلا من ان يعينها عليه‏,‏ فتكف عن رؤيته والاتصال به والسماح له‏,‏ بالاتصال بها‏,‏ وتتجه بكل عواطفها الي زوجها وتلح عليه بها وتنبهه الي ما تنكره عليه في الجانب العاطفي من علاقتها به‏,‏ وتطالبه بالأهتمام باللفتات العاطفية واللمسات المعبرة عن الحب في علاقتهما الزوجية‏,‏ وتشجعه علي التعبير عن مشاعره تجاهها بالكلمات الي جانب الأفعال والتصرفات‏,‏ ولا بأس في هذا المجال من ان نقتبس التقليد الأجنبي الحميد الذي يقضي بما يسمونه تجديد العهود بين الزوجين كل عدد من السنين‏,‏ حيث يحتفلان بالمناسبة ويكرران صيغة الإيجاب والقبول بينهما في حضور الأهل والابناء كما لو كانا يتزوجان من جديد وبمراسم شبيهة بمراسم الزواج‏,‏ ويجددان العهد بينهما بأن يحب كل منهما الآخر ويصاحبه في السراء والضراء وفي الصحة والمرض وفي كل خطوب الحياة وتقلباتها‏.‏



وهو تقليد حميد بالفعل اذ إنه ليس أخطر علي الحب والزواج من البلادة العاطفية وأهمال الجانب العاطفي في العلاقة الزوجية‏,‏ وأخذ شريك الحياة للطرف الآخر كشجرة عميقة الجذور ترتوي بماء المطر ولا تحتاج الي رعاية مستمرة وخدمة متصلة وسقيا دائمة بماء العاطفة والاهتمام‏,‏ فالحق ان كل شيء قابل للتغير إلا قانون التغير‏,‏ كما قال ذات يوم فيلسوف إغريقي والشجرة السامقة اذا طال جفافها شاخت فروعها‏,‏ وجف جذعها وانهارت فجأة‏,‏ وليس من الحكمة أن نعتمد في علاقتنا مع شريك الحياة الي الاطمئنان الغافل الي أنه راض عن حياته علي هذا النحو‏,‏ ولن تتغير مشاعره تجاهنا مهما واصلنا تجاهل احتياجاته العاطفية‏,‏ أو إذكاء لهب الحب المشتعل بيننا بمزيد من قطع الخشب كل حين‏,‏ وكل انسان مهما يبلغ من الرشد والحكمة معرض للفتنة والضعف الانساني واغراءات النفس الامارة بالسوء‏,‏ ولا يعصمه من ذلك إلا ايمانه بربه وتمسكه بتعاليمه ونواهيه والتزامه بالقيم الأخلاقية والدينية‏.‏


فهنيئا مريئا لك يا سيدتي تجديد العهود بينك وبين زوجك‏,‏ وتجدد لهب الحب والعاطفة في حياتكما‏,‏ وثقي من ان ما تنعمين به الآن من راحة القلب والضمير انما هو جائزة السماء لك لانتصارك علي نفسك وردك لها عن الخطأ والخطيئة‏,‏ بعد ان حامت حوله وأوشكت ان تخالطه‏.‏



فلقد توقفت في الوقت المناسب تماما‏..‏ وقبل ان يصدق عليك حديث الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه‏:‏


من حام حول الحمي أوشك ان يقع فيه‏,‏ ومن يخالط الريبة يوشك ان يجسر‏!‏


فالحمد لله الذي حماك من الخطر‏..‏ وشكرا لك‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:35 PM
الإشارة الغامضة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42879
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
30
‏10 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة طيف الغائب للأب الفاضل الذي فقد ابنه الشاب‏,‏ وهو في طريقه إلي عمله برأس سدر‏,‏ فترقرق الدمع في عيني ووددت لو استطعت التخفيف عنه وتبادل المواساة معه‏..‏ فأنا رجل في الرابعة والأربعين من عمري أقيم في احدي قري الصعيد‏,‏ ومنذ أكثر من عام بقليل ذهبت إلي مقابر الأسرة في يوم عاشوراء لقراءة الفاتحة علي أرواح الأهل الراحلين‏,‏ وكنت صائما‏,‏ فإذا بي أجد ابني الطالب بالصف الثاني الثانوي هناك يزرع شجرة فيكس اشتراها من مصروفه‏,‏ فحييته ووقفت أقرأ الفاتحة وهممت بالانصراف‏,‏ وكنا وقت الأصيل والمسافة بين المقابر والبيت بعيدة‏,‏ فوجدت ابني هذا يقدم لي بضع تمرات ويقول لي إن أذان المغرب سيرفع وأنا في الطريق‏,‏ ويطلب مني الافطار علي هذه التمرات حتي أرجع إلي البيت‏,‏ فشكرته وأخذتها وانصرفت‏..‏ ولم يمض وقت طويل إلا وأذن لصلاة المغرب‏,‏ فكسرت صيامي بهذه التمرات وشعرت بالامتنان لولدي‏..‏ وبعد ذلك بثلاثة أيام فقط كان ابني هذا عائدا من مدرسته الثانوية فإذا بسيارة متوحشة تصدمه صدمة مروعة وترديه أرضا‏..‏


ونقل ابني إلي المستشفي في حالة خطيرة ولازمته فيه‏..‏ وبذل الأطباء جهودا مضنية لانقاذه بلا جدوي وحانت ساعة رحيله الأبدي وأنا إلي جواره علي نفس السرير‏,‏ وهو يكلمني وأقول له قل‏:‏ لا إله إلا الله فيرد‏:‏ محمد رسول الله‏,‏ ثم طلب مني ماء وفاضت روحه الطاهرة قبل آن آتيه به‏..‏ وهرول أطباء الطواريء إلي الغرفة وفعلوا ما يمليه عليهم واجبهم‏,‏ ونظر إلي أحد هؤلاء الأطباء في حزن وقال لي‏:‏ ربنا معك‏..‏ فقلت من فوري‏:‏ لقد مات رسول الله صلي الله عليه وسلم فاللهم اجعل ابني مع من أنعمت عليهم‏,‏ ولست أذكر للأسف اسم هذا الطبيب الانسان الذي واساني والذي كان قد تبرع بدمه لابني في محاولة لانقاذه فجزاه الله عني خير الجزاء‏.‏



المهم أنني لم أبك عند نقل ابني من أمامي‏..‏ ورحت أناجي ربي وأقول له‏:‏ لقد أخذت ابني مني فانعم عليه ياربي بالجنة والنعيم المقيم وهو من أهله لأنه لم يسيء إلي ذات يوم ولم يرفع صوته علي مرة ولم يتسبب لي في أية مشكلة طوال حياته القصيرة‏,‏ وكان طيب القلب عف اللسان‏,‏ ويارب اجعلنا من عبادك الصابرين ذلك أن من يتصبر يصبره له‏..‏ ويجعل له مخرجا وعدت إلي البيت وقد سبقني إليه النبأ الحزين ورأيت الدموع في عيون أمي وأبي الذي قارب التسعين ويحفظ القرآن الكريم كاملا حتي الآن ويؤم المصلين في المسجد‏.‏


واني لصابر علي ما جرت به المقادير وأدعو الله الرحيم الكريم أن ينزل السكينة علي قلوب المكلومين جميعا ويعينهم علي الصبر والنسيان‏,‏ ويرحم ابني الراحل وينعم عليه برضوانه في الدار الباقية‏,‏ وما أظن أن زيارته المفاجئة للمقابر قبل الحادث المؤلم بثلاثة أيام فقط وزرعه لشجرة الفيكس فيها إلا اشارة غامضة لقرب الرحيل‏,‏ وإن كنت لم أتنبه إليها في حينها‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


عزاء وصبرا يا سيدي أعانك الله سبحانه وتعالي بقدرته جل شأنه علي الصبر والسلوي‏,‏ ولقد كنت أقرأ قبل أن اطلع علي رسالتك هذه‏,‏ ما رواه الأديب الراحل مصطفي صادق الرافعي في كتابه الجميل وحي القلم عن الزاهد العارف بالله مالك بن دينار الذي فقد ابنة له كان يقرأ لها القرآن ويفسره لها فتسبقه في التفسير بفطنتها وحدة ذكائها‏,‏ ثم مرضت هذه الابنة فجأة‏..‏ وساءت حالتها حتي لفظت أنفاسها الأخيرة‏,‏ وحزن عليها أبوها كثيرا وأشتد حزنه‏,‏ إلي أن رأي ذات ليلة في نومه ابنته هذه تسقيه يوم الكرب العظيم ماء عذبا قراحا يروي ظمأه‏,‏ والناس من حوله يغطي العرق وجوههم ويتمني كل منهم لنفسه شربة ماء بلا طائل‏,‏ فنهض من نومه متصبرا وقرأ الآيات الكريمة‏:‏ يطوف عليهم ولدان مخلدون‏,‏ بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون‏19,18,17‏ من سورة الواقعة وكف منذ ذلك الحين عن الحزن علي ابنته وإن لم ينسها حتي رحل عن الحياة‏,‏ فلعل الله جاعل من ابنك الطيب هذا ساقيا من سقاة الجنة الذين يطوفون علي أهلهم يوم الكرب العظيم بآنية من ذهب وأكواب من فضة لايسقون بها إلا آباءهم وأمهاتهم‏..‏ والله علي كل شيء قدير‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:39 PM
الماء المقطر‏!‏


بـريــد الأهــرام
42886
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
7
‏17 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة




أنا رجل أبلغ من العمر‏45‏ عاما‏..‏ تزوجت وأنا في الخامسة والعشرين من عمري من مدرسة زميلة لي‏,‏ تبادلت معها في البداية نظرات الإعجاب ثم تقدمت لخطبتها بالرغم من معارضة أهلي لاختياري‏,‏ وتمت الخطبة بدبلتين فقط‏,‏ وتحدينا الصعاب الكثيرة المحيطة بنا‏,‏ وتم الزواج في أضيق الحدود‏,‏ وبدأت حياتي الزوجية في شقة شبه عارية إلا من الأثاث الضروري‏,‏ فلمست في زوجتي الطيبة والصدق والحنان‏..‏ ولم تلبث أن انتزعت حب أهلي وتقديرهم لها بمعاملتها الكريمة لهم وأخلاقها الدمثة‏,‏ ولقد كافحت لمواجهة ظروف الحياة‏,‏ فكنت أعمل عملا مسائيا في إحدي المنشآت التجارية بعد عملي الرسمي‏,‏ وكافحت زوجتي من جهتها لتدبير شئون الأسرة والإسهام معي في نفقات الحياة‏,‏ حتي تحسنت ظروفنا شيئا فشيئا وانتقلنا إلي شقة أكبر وفرشناها بأثاث جيد‏,‏ وكنا قد أنجبنا ابنتنا الكبري ثم رزقنا الله بطفلة ثانية‏..‏ فركزنا كل اهتمامنا عليها وربيناهما علي الأخلاق الكريمة وتأدية فرائض الله‏..‏ وحرصنا علي ألا نعرضهما لأية مخاطر‏,‏ فلم نسمح لهما أبدا بالذهاب إلي المدرسة أو العودة منها وحدهما‏,‏ وإنما كنت أتبادل دائما مع زوجتي توصيلهما للمدرسة وإعادتهما منها‏,‏ ولم نسمح لهما أبدا بالخروج من البيت وحدهما‏..‏ وإنما لابد من أن يصاحبهما أحدنا أنا أو زوجتي في أي مشوار لهما‏,‏ كما لم نسمح لهما أبدا باستعمال أية وسيلة مواصلات عامة خوفا من تعرضهما لمضايقات الزحام‏,‏ واستمر الحال هكذا حتي بدأت ابنتي الكبري مرحلة الدراسة الثانوية‏,‏ فتقدمت زوجتي بطلب نقل إلي مدرسة ابنتي القريبة من مسكننا‏,‏ وانتقلت إليها وبذلك أصبحت ابنتي الكبري تحت رعاية أمها داخل المدرسة‏,‏ إلي جانب رعايتها‏,‏ ورعايتي خارجها‏,‏ وساعدها ذلك علي النجاح والتفوق فحصلت علي مجموع‏90%‏ في الثانوية العامة والتحقت بإحدي الكليات‏,‏ واستمر نظامنا معها ومع أختها كما هو فلا خروج لأي منهما وحدهما‏..‏ ولا زيارات لصديقاتهما وزميلاتهما‏..‏ ولا ركوب للأتوبيس أو الميكروباص أو أية وسيلة مواصلات‏,‏ حتي أصبح الأهل والجيران يحسدوننا علي حسن تربية ابنتينا وهدوئهما وبعدهما عن عبث الشباب ومشاكساته‏.‏



إلي أن جاء يوم منذ نحو شهرين وكنت في عملي فشعرت فجأة بمغص شديد لم أستطع مقاومته وفشلت المسكنات في تهدئته‏,‏ فأذنت لي المديرة بمغادرة العمل والعودة إلي البيت للراحة‏..‏ وتوجهت إلي البيت وكنا نحو الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر‏,‏ وهو موعد مبكر بالنسبة لعودتي للبيت‏,‏ حيث لا أرجع إليه عادة قبل الرابعة والنصف‏,‏ ولا ترجع زوجتي من عملها قبل الرابعة‏,‏ فوضعت المفتاح في الباب فإذا بي أجده مغلقا من الداخل‏,‏ وتعجبت لذلك لأننا لا نغلق الباب من الداخل أبدا‏,‏ فدققت الجرس فلم يجبني أحد‏,‏ فواصلت رن الجرس بعصبية شديدة وأنا أكاد أهشمه‏,‏ فمضت ثلاث دقائق وكأنها ثلاث ليال ثم فتحت ابنتي الكبري الباب وهي في أشد الارتباك ووجهها تعلوه صفرة الموت‏,‏ فسألتها لماذا تأخرت في فتح الباب‏,‏ فقالت إنها كانت تغير ملابسها‏..‏ ولم أطمئن لهذا الجواب فاندفعت كالمجنون إلي حجرة نومها فوجدت فراشها مضطربا وغير منظم‏,‏ فخرجت كالمسعور أدور في الشقة كلها وافتشها فإذا بي أجد شابا مختبئا تحت مائدة السفرة‏,‏ فسحبته من تحتها وانهلت عليه ضربا وركلا وأصبته اصابات بالغة‏,‏ وهرولت إلي المطبخ لإحضار سكين وهددته بها إن لم يقل لي الحقيقة‏,‏ فحاول أن يؤلف لي قصة وهمية لاتدخل عقل طفل‏,‏ وتمالكت نفسي في النهاية بعد أن فكرت جديا في قتله‏,‏ ثم طلبت منه أن يكتب إقرارا بأنه المسئول الأول والأخير عما حدث لابنتي إن كان قد أصابها منه مكروه‏..‏ فكتبه ووقعه وهو يرتجف‏,‏ فطلبت أن يكتب إيصال أمانة بمبلغ خمسين ألف جنيه ليكون سلاحا ضده إذا هو أنكر ذات يوم مسئوليته‏,‏ فكتبه ووقعه بغير معارضة‏,‏ وفكرت بعد ذلك ماذا أفعل به وكيف يخرج من البيت ونحن نقيم في منطقة شعبية يعرف الجيران فيها كل شئ عن جيرانهم‏,‏ ويتشاركون في تناول الافطار أمام بيت أحدهم كل يوم‏,‏ وقررت أن أخرج معه وكأنما كان قد جاء معي أو جاء لزيارتي‏,‏ وبالفعل غادرت البيت وهو بجواري‏,‏ وحييت جيراني بطريقة حاولت أن تكون عادية إلي أن انحرفنا إلي الشارع العمومي فتركته ورجعت وأنا أفكر ماذا أفعل مع ابنتي التي ظننت انني قد أحسنت تربيتها وتنشئتها وأغدقت عليها الكثير من الرعاية والاهتمام والرقابة المستمرة‏..‏ وكنت قد عرفت أن هذا الشاب شقيق لإحدي صديقاتها وأنها قد اتصلت به وطلبت منه الحضور إليها لأنها وحدها في البيت‏,‏ وليس هناك أحد من أهلها‏,‏ ورجعت إلي المسكن لأحاسبها عما فعلت فإذا بي أجده خاليا منها‏..‏ فهرولت إلي الشارع ووجدتها تقف علي محطة المترو فرجعت بها‏,‏ ومن شدة الصدمة لم أضربها كما كنت أتوقع‏,‏ وإنما اصطحبتها علي الفور إلي طبيب لأمراض النساء ففحصها وطمأنني إلي أنها سليمة ولم يمسها سوء‏,‏ فرجعت وهموم الدنيا كلها تتكثف في صدري وقلت لها إنه لو كان الضرب يفيد في علاجها لأوسعتها ضربا‏,‏ ولكن ماذا أفعل معها وقد وفرت كل شئ لكي تكون ابنة صالحة فإذا بها تخذلني وتخذل أمها علي هذا النحو المشين؟‏.‏



وحانت ساعة عودة زوجتي إلي البيت فكتمت الأمر كله عنها خوفا عليها من مضاعفات الضغط العصبي الذي تشكو منه‏,‏ وكتمت سري في صدري‏..‏ وعافت نفسي الطعام فلم أذق لقمة واحدة طوال اليوم‏,‏ ولم أتناول طعام الافطار في اليوم التالي‏,‏ وخرجت إلي عملي فإذا بي أسقط في الشارع ويهرول بعض الجيران لمساعدتي وحملي إلي مستوصف خيري قريب‏,‏ فيتضح إنني أعاني من غيبوبة السكر‏,‏ وهو مرض الحزن والهم والغم‏,‏ وانتظمت في العلاج‏..‏ وكلما لاحظت علي زوجتي وجومي وحزني واكتئابي قالت لي إنها تشعر بأنني أخفي عنها شيئا جللا‏,‏ فأتعلل لها بمشاكل العمل ومتاعبه ومازلت منذ ذلك الحين حائرا في أمر ابنتي وفيما فعلت بشأنها‏,‏ وأسأل نفسي فيم قصرت معها حتي تفعل ما فعلت‏..‏ وهل كان ما فعلته معها خطأ أم صوابا‏,‏ وهل أصارح زوجتي بما حدث خاصة أنها تلاحظ علي حزني الدائم وصمتي المستمر‏,‏ وتجنبي للحديث مع ابنتي الكبري وتشعر بالقلق لكل ذلك؟


إنني أتعذب‏,‏ وقد ضاق صدري‏,‏ في الأيام الأخيرة‏,‏ وأصبحت قليل الاحتمال وكثير الغضب والشجار مع زملائي في العمل لأتفه الأسباب‏,‏ فماذ أفعل وكيف أتصرف مع زوجتي وابنتي؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


نحن نتمني دائما أن نحمي ابناءنا من كل أخطار الحياة ومضايقاتها‏..‏ ونتمني لو استطعنا تنشئتهم في بيئة معقمة لا يتنفسون فيها إلا الاكسجين المكرر‏,‏ ولايشربون إلا الماء المقطر المغلي زيادة في الحرص علي سلامتهم‏,‏ ولا يطعمون إلا الشهد الصافي‏,‏ ولا يسمعون إلا ترانيم الفضيلة والأخلاق الكريمة والسمو الروحي‏,‏ لكن ما نتمناه شئ وما يجري علي أرض الواقع شئ آخر ياسيدي‏,‏ ونحن مهما أجهدنا أنفسنا في تنشئة الأبناء وحسن رعايتهم وارساء القيم الدينية والأخلاقية في أعماقهم‏,‏ فليس من المستبعد أن يتورطوا في الخطأ ذات يوم‏,‏ ولا نملك حين يحدث ذلك إلا أن نتعامل مع أخطائهم بحكمة‏,‏ ونحاول جاهدين اعادتهم إلي الطريق القويم‏,‏ بل إن الخوف الشديد من جانبنا عليهم والحماية الزائدة لهم قد يكون لهما في بعض الأحيان أثر عكسي عليهم‏,‏ إذ يضعفان من خبرتهما بالخير والشر في الحياة‏,‏ لأننا بحمايتنا الزائدة عن الحد لهم قد سلبناهم بعض قدرتهم علي التمييز بين الخطأ والصواب‏,‏ فيسهل وقوعهم في الأخطاء‏..‏ لهذا فنحن مطالبون بالاعتدال حتي في الخوف علي الأبناء وفي حمايتنا لهم‏,‏ ومطالبون بإعانتهم علي الالتزام الأخلاقي والديني وتقديم المثل والقدوة لهم في ذلك‏,‏ ثم ندعو الله سبحانه وتعالي من قبل ذلك وبعده أن يكلأهم برعايته ويحميهم من شر أنفسهم وشرور الحياة الكثيرة‏.‏



والواضح ياسيدي هو أن مبالغتك أنت وزوجتك في حماية ابنتك الكبري والخوف عليها من كل شئ قد دفعاكما إلي فرض العديد من القيود علي حركتها‏..‏ فلم تسمحا لها بالحركة وحدها أبدا‏.‏ ولابركوب المواصلات ولا زيارة الصديقات أو استقبالهن فلم تحل هذه القيود كلها بينها وبين التفاعل مع إغراءات الشباب‏..‏ بل لعلها كانت دافعها إضافيا لها لمحاولة التجربة واكتشاف الأسرار المبهمة والتعرف علي المجهول الذي تفرض هذه القيود عليها لكيلا تعرفه‏,‏ كما أن بعدها عن الشبهات في رأي أبويها بالنظر للقيود العديدة المفروضة عليهما قد أغراها بالإقدام علي المغامرة دون خوف‏,‏ فكان ماكان من أمرها‏..‏ والآن فإنك تكابد الاحساس المرير بالحزن والهم ولوم النفس والتفتيش عن أسباب القصور في التربية التي سمحت لما حدث بأن يقع‏..‏ والحق أنك لم تقصر في رعاية ابنتيك وتنشئتهما حتي ولو كنت قد بالغت بعض الشئ في الخوف عليهما ومحاولة حمايتهما من الشرور‏,‏ وما حدث يمكن اعتباره زلة نجمت عن نزق الشباب وتطلعه للمغامرة‏,‏ والاثارة العاطفية وتجربة الأشياء المحرمة‏.‏


وكل ذلك يمكن تداركه وإصلاحه بأقل الخسائر بإذن الله‏,‏ ولابد أن ابنتك قد أدركت الآن فداحة الخطأ الذي ارتكبته في حق نفسها وأبويها وأختها الصغري التي ينبغي أن تكون المثل والقدوة لها‏,‏ ولابد أنها تحاسب نفسها علي ما جنته‏..‏ بيديها فأسقطت به اعتبارها في نظر أبيها وفي نظر كل من كان يظن فيها الالتزام الخلقي والديني‏.‏



غير أنني أري لك أن تقتسم همك بأمر ابنتك مع زوجتك‏,‏ ليس فقط لأنها شريكة حياتك وأم هذه الفتاة التي يهمها أمرها‏,‏ وإنما أيضا لكي تتخفف أنت كذلك من بعض ما تكتمه في قلبك ويجثم علي صدرك حتي لتسقط في الطريق غائبا عن الوعي‏,‏ ثم لكي تقوم الأم بدورها المهم مع ابنتها فتحتويها وتشعرها بخطئها وتعيدها إلي طريق الالتزام‏,‏ وتتفهم حقيقة مشاعرها وحقيقة ما بدر منها‏,‏ وتحدد إذا كان ما حدث مجرد نزوة عابرة أم شيئا أعمق من ذلك‏,‏ وفي هذه الحالة فلقد تجد من الملائم إذا كان ذلك الشاب مقبولا من الناحية العائلية والاجتماعية‏,‏ أن يتقدم لها ويضفي الشرعية علي ارتباطه بها إلي أن تسمح الظروف باتمامه‏,‏ وبذلك تؤدي البداية الخاطئة‏..‏ إلي نهاية مشروعة ومباركة بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:40 PM
الإجابة الصادقة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42886
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
7
‏17 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة أبلغ من العمر‏54‏ عاما‏..‏ تزوجت منذ نحو‏27‏ عاما من زميل لي جمعني به الحب الطاهر الشريف في مدرجات الكلية‏,‏ وشعر كل منا منذ رأي الطرف الآخر بأنه سيكون له معه شأن آخر‏,‏ وبعد أن أنهينا دراستنا تزوجنا في ظروف مادية صعبة‏,‏ حيث لم يكن لدينا شقة مستقلة للزوجية‏,‏ وعشت في البداية في بيت أهله الذين اعتبرتهم منذ اللحظة الأولي أهلي‏,‏ وبعد زواجنا بشهور قليلة حصل زوجي علي عقد عمل في إحدي دول الخليج وسافر إليها وشعرت وقتها بأن روحي فارقت جسدي‏.‏


وبعد سفره بأسابيع حصل لي علي عقد عمل آخر ولحقت به بعد أقل من شهر‏.‏



وعشنا في هذه البلدة سعيدين فرحين بحياتنا‏,‏ وكل من حولنا يعلم بحبنا ويباركه ونحن نفخر بهذا الحب أمام الجميع‏.‏


وبعد نحو عام قررنا استشارة الطبيب لعدم حدوث الحمل‏,‏ وبدأنا منذ مرور العام الأول رحلة الشقاء والعذاب في البحث عن حل لهذه المشكلة الأزلية التي تهدم أعتي البيوت وتدمر أقوي حب وهي الإنجاب‏,‏ ومرت السنة تلو الأخري ولا يري الأطباء أي سبب قوي مني أو في زوجي يمنع الحمل‏,‏ وتعرضت في هذه السنوات للعديد من عمليات المناظير والتلقيح الصناعي‏,‏ وفي كل مرة يجزم لي الطبيب انها ستكون الأخيرة والفاصلة ثم أصدم في نهاية الشهر بخيبة الأمل‏,‏ وأمر أنا وزوجي بفترة قاسية من الحزن الدفين في القلب‏,‏ وفي كل مرة نفشل فيها يشد زوجي الحبيب من أزري ويقول لي إن هذا أمر الله وأن علينا السعي فقط وأن المقدور لنا هو المكتوب وليس لنا حق الاعتراض‏,‏ في هذه الأثناء قال لنا أحد الأطباء إنه لو تزوج كل منا من آخر فكل منا سوف ينجب‏,‏ فعرضت عليه أن يتزوج من أخري ويعيش حياته ويتركني أواجه حياتي‏,‏ فرفض بشدة ذلك‏,‏ وسعدت بحبه ورحت ابذل الجهد في التوفيق بين عملي وبيتي والترويح عنه وأنا أشعر بأنني قوية بحبه لي‏,‏ وأحمد الله علي قوة إيمانه بالله سبحانه وتعالي وتسليمه بأقداره وعند بلوغي سن الأربعين استكانت الأمور وأوقفنا اللهاث وراء الأطباء وتأقلمنا مع حياتنا‏,‏ فقررنا ان نعيش سعداء بحبنا القوي‏,‏ وكنت كلما حدثته في أمر الزواج الآخر ينهي الحديث معاتبا‏,‏ وانشغلنا ببناء بيت تكون لنا فيه شقة جميلة حرصت علي ان اشتري لها أفخر الأثاث وأمني نفسي بيوم العودة للوطن لنعيش في هذا العش الجميل‏,‏ ومضت السنوات حتي بلغت السابعة والأربعين وأنا في قمة الاطمئنان والحياة السعيدة ومازلنا نعمل بنفس الدولة ونعود كل عام للوطن محملين بالهدايا للأهل وبأفخر التحف للمنزل الجديد‏.‏



وفي هذه الأثناء وبالمصادفة البحتة وجدت ما أكد لي أن زوجي قد تزوج بأخري مقيمة بمصر فكانت اللطمة والصدمة أقوي من أي احتمال‏,‏ وانهار زوجي واعترف لي بالزواج وبأنه غلطة وليس له أي غرض منه سوي الإنجاب وانني قد سمحت له من قبل بذلك‏,‏ ولكنه كان ينتظر لعل الله يرزقنا بمولود‏.‏ فسألته وماذا لو لم ينجب فطلب منحه فرصة لمدة عامين‏,‏ وإذا لم ينجب فسوف يطلقها وسمحت له بعد ذلك بأن يحصل علي اجازة في منتصف العام وينزل إليها لتكون لديه فرصة أكبر للقائها وكنت أعاني وهو غائب عني من التوتر وعدم النوم وخفقان القلب خاصة أنني لا استطيع أن اتحدث مع أحد عما أعانيه لأننا كتمنا الأمر عن كل الأهل والأصدقاء‏,‏ وكان دائما حبي له فوق أي اعتبار وأريد أن أحافظ له ولي علي مظهرنا وعلاقتنا‏.‏


وغير أنه مضت الآن سبع سنوات علي زواجه ولم ينجب ولم يطلقها ويعلل ذلك بأن وقت لقائه بها غير كاف رغم حسن اختياره للأوقات الملائمة للحمل‏,‏ وفي كل مرة أفاتحه في الأمر لا أسلم من توبيخه وبأنني أقف في طريقه وأنه يحبني وأنه من المستحيل ان يعيش معها ولا يمكنه أن يقضي معها ولو يوما كاملا‏,‏ انه لا يستغني عني وانه لو خسرني فسيكون قد خسر عمره كله وفقد الصدر الحنون الذي له في هذه الحياة وإلي ذلك من الكلام الذي كان يرضيني ويجعلني أرضخ وأصفح وتستمر الحياة‏,‏ ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير فقد جاءته مكالمة تليفونية ونحن في السيارة وسمعت صوتها عاليا وهي تضحك وتناديه بحبيبي‏,‏ وأنكر أمامي انها هي‏,‏ لكني شاهدت الرقم وتأكدت وسألته فأجابني بعاصفة من الكلام الجارح القاسي جدا وقال لي إنه لن يستغني عنها وأنه وجد في أهلها أهلا له علي عكس ما وجده عند أهلي رغم حب أهلي له حتي الآن‏.‏



وقال‏:‏ إنه بحاجة إليها كما أنه في حاجة إلي ولن يستغني عني‏,‏ وذكرته بما وعدني به وجعلني اتقبل الوضع حتي يأتي الولد الذي وعدني بأن يدعني اربيه لأنه لا يثق إلا في فلم يتزحزح عن موقفه‏..‏ انني لم أعد قادرة علي تحمل زوجة أخري لزوجي الذي أحبه بكل جوارحي‏,‏ وهو الحب الذي جعلني اتمسك به هذه السنوات السبع‏,‏ واشعر بالضغط الذي أخش منه علي سلامتي الصحية والنفسية فإلي متي سأتمكن من اخفاء الأمر عن أهلي وأهله واصدقائنا ولو عرفوا فلن استطيع العيش معه‏.‏


لقد اتهمني بالكبر وطالبني بتقبل الوضع وأنا لااستطيع ذلك‏,‏ وأخاف أن أنام حتي لا أصاب بجلطة أو شلل أو أمراض أخري أعرفها جيدا‏.‏



وأشعر بأنني لم أعد ذات قيمة لديه فأنا الآن عمري‏54‏ عاما وهي تصغرني وتصغره بعشرين عاما وهو يري أنه قد يحتاجها فيما بعد إذا مت أنا قبله‏,‏ ولم يجد من يرعاه‏,‏ ولا أعرف أي منطق هذا‏.‏


لقد حسمت أمري بالانفصال عنه حفاظا علي سلامتي النفسية والصحية‏,‏ ولم أعد أفكر في شقتي الجميلة التي صرفت عليها ثمرة شقاء السنين‏,‏ ولا أعلم كيف سأعيش ما تبقي لي من حياة وحيدة ومطلقة وقد كنت أعمل وأنفق كل ما اتقاضاه وليست لي مدخرات‏.‏


وأريدك ان تشاركني التفكير فيما اتخذته من قرار لأنني لا استطيع استشارة أخوتي ولا أحد من أهلي ولن أبوح لأحد بسبب انفصالنا حتي يظل بنفس الصورة التي يعرفها الناس عنه وهو الرجل المحترم‏,‏ ولا أرضي أن يجرحه أحد بكلمة أو يتقول عليه بشيء‏,‏ لكني أريد أن ابتعد عنه وأنا أحبه لكي اتركه يعيش حياته معها دون منغصات من جانبي كما يقول فماذا تري؟‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


يبدو لي أن علاقة زوجك بزوجته الجديدة قد تجاوزت حدود الارتباط بها من أجل الإنجاب‏..‏ إلي آفاق الرغبة الشخصية فيها وفي استمرار علاقته الزوجية بها إلي النهاية‏,‏ بدليل مرور سبع سنوات علي زواجه منها دون أن يحقق معها أمله في الإنجاب‏..‏ وتمسكه بها علي الرغم من ذلك ومطالبته لك بقبول الأمر الواقع ورجائه منك أن تدعيه يحيا حياته المزدوجة دون منغصات من جانبك وبلا اعتراض علي ارتباطه بالأخري التي تصغره وتصغرك بعشرين سنة‏..‏ ومعني ذلك بلا مواربة ان استمرار حياتكما الزوجية رهين بقبولك للأمر الواقع وتسليمك بوجود زوجة أخري أكثر شبابا في حياة زوجك‏,‏ فهل أنت علي استعداد لذلك؟‏.‏



إن عدم وجود أبناء ـ قد يفرضون علي الزوجة في بعض الأحيان القبول بما تكره حرصا علي مصلحتهم ـ يعفيك من التأثر بأية ضغوط من هذا النوع عند اتخاذ قرارك بشأن حياتك مع زوجك‏,‏ فلا يكون هناك من اعتبارات تراعي في مثل هذا القرار سوي اعتبارات العاطفة والحب والعشرة الطيبة‏,‏ ولهذا فلا لوم عليك إن واصلت رحلتك مع زوجك بالرغم مما تنكرينه عليه‏,‏ تأثرا بهذه الاعتبارات‏,‏ ولا لوم عليك أيضا إن شق عليك احتمال وجود امرأة أخري في حياة زوجك الذي تحبينه وقررت الانفصال عنه‏,‏ لكن الإنسان مطالب دائما بأن يسأل نفسه قبل الإقدام علي أية خطوة مصيرية أو اي تغيير حاسم في حياته‏,‏ هل هذا التغيير سيكون إلي الأفضل أم إلي الأسوأ؟‏..‏ وهل البديل الذي اخترته لما كنت فيه ارحم بي وأكثر رفقا أم أشد عنتا‏..‏ وهل سأسعد بحياتي أكثر مما كنت أم سأشقي بها؟‏..‏ وهل الشرب علي القذي أفضل أم الجفاف التام والعطش الشديد‏,‏ وهل العشرة الطيبة التي تتخللها بعض المنغصات ارحم لي‏,‏ أم الوحدة التامة في هذه المرحلة من العمر أفضل؟‏..‏ وعلي ضوء الإجابات الصادقة ودون خداع للنفس أو مكابرة يتخذ الإنسان القرار الذي يحقق صالحه الشخصي بلا تردد أو ندم‏.‏


فاسألي نفسك يا سيدتي هذه الأسئلة واجيبي عليها بصدق واتخذي قرارك الذي لاتندمين عليه بعد ذلك بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:45 PM
الفكرة السديدة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42886
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
7
‏17 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة


إنها ليست مشكلتي وحدي بل مشكلة آلاف من الأمهات مثلي‏..‏ فنحن أسرة بديلة لطفل يتيم من ابناء دور الأيتام‏..‏ وأنا سيدة أبلغ من العمر‏48‏ عاما‏,‏ ومنذ أكثر من أربع سنوات قررنا أنا وزوجي أن نتكفل بطفل يتيم نربيه ونعلمه في منزلنا‏,‏ ولجأنا الي وزارة الشئون الاجتماعية في ذلك الشأن وأخذنا الطفل وكان يبلغ من العمر وقتذاك أقل من أربعة أشهر‏,‏ وأصبح منذ هذا الوقت هو كل شيء في حياتنا وقد أدخلته العام الماضي سنة تمهيدية وهو الآن في السنة الأولي رياض الأطفال لغات‏,‏ وقد هيأت له كل شيء من الحب والحنان والرعاية والمستوي المعيشي المرتفع وأصبح جزءا لا يتجزأ من أسرتنا الصغيرة بل عائلتنا الكبيرة‏,‏ فالكل يحبه‏,‏ فهو أبن بمعني هذه الكلمة‏,‏ وكل ما أتمناه هو ان أراه رجلا يافعا يتحمل مسئولية نفسه ويكون أعظم الرجال‏,‏ وهذا ما أدعو به الله له في كل صلاة‏,‏ ولكن الشيء الذي يكدر علي صفو حياتي هو ماذا يفعل ذلك الطفل لوشاء الله لنا الرحيل وهو مازال صغيرا‏,‏ وكل ما ارجوه ويرجوه كثيرون غيري اعرفهم جيدا هو ان يكون لهؤلاء الأطفال جزء من معاش والديه اللذين يكفلانه أو احدهما فالمعاشات ستعود الي الدولة‏,‏ والدولة هي التي تتكفل بهؤلاء الأطفال ب


عدنا فلماذا لا يأخذ من هذا المعاش شيئا يكفيه اذا توفانا الله قبل بلوغه سن الـ‏26‏ سنة‏.‏



إنني أرجو نشر رسالتي وطرح هذا الموضوع ليس من أجلي وحدي وإنما من أجل كثيرين من الأيتام في أسر بديلة أخري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


الفكرة جديرة بالدراسة والتفكير فيها ـ واحسب ان السيدة الفاضلة الدكتورة أمينة الجندي وزيرة التأمينات الاجتماعية لن تبخل عليها بالاهتمام والدراسة‏,‏ خاصة أنها لو نفذت ذات يوم بعد وضع الضمانات الكافية لتحقيق أهدافها فلن تمثل عبئا ثقيلا علي الدولة في النهاية‏.‏



أما أنت يا سيدتي فيكفيك ما تقدمينه لهذا الطفل اليتيم من رعاية وحب واهتمام الآن‏,‏ ولا تفسدي عليك أوقاتك بالتفكير في أمر المستقبل بالنسبة له‏,‏ فالمستقبل أولا وأخيرا بيد الله سبحانه وتعالي‏..‏ وسوف يحظي طفلك هذا برعايتك واهتمامك الي ان يغدو رجلا يافعا بإذن الله‏..‏ ولربما نعمت برؤية احفادك منه ذات يوم إن شاء الله‏.

حسام هداية
08-25-2011, 06:50 PM
النظـــــرة البـــاردة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42893
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
14
‏24 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة




شككت في نفسي‏..‏ وأنا أقرأ رسالة الذكريات المريرة حتي خيل إلي أنني ربما أكون قد أرسلتها إليك بغير أن أدري‏.‏ فظروف كاتب الرسالة ذكرتني بظروفي‏.‏ وبعض ما كتبه عن معاناته في سنوات البداية يصف حالي في نفس الفترة‏..‏ ويعبر عن نفس مشاعري وقتها‏,‏ وأبدأ من البداية فأقول لك‏:‏ إنني إنسان شاءت له أقداره أن يكون آخر أبناء أب رحل عن الحياة وعمري عامان‏..‏ فنشأت في رعاية أمي الزوجة الثانية لأبي وتفتحت مداركي تدريجيا‏,‏ فعرفت من أمي أن أخوتي من أبي قد وضعوا أيديهم علي تجارة أبي الكبيرة وقاموا بتصفيتها وتقسيمها علي الورثة‏,‏ وأنهم خيروها حينذاك بين بيع البيت القديم الذي نقيم في شقة بالدور الأرضي منه‏,‏ وتوزيع ثمنه علي الورثة وهي من بينهم‏,‏ وبين أن يتنازلوا لها عن حصصهم فيه وتعتبره ميراثها عن أبيهم مقابل التنازل عن نصيبها في التجارة وبقية الأملاك‏..,‏ فقبلت بهذا الحل وكتبت لهم تنازلا عن كل شيء ما عدا البيت‏..‏ وكتبوا هم لها تنازلا عن أنصبتهم في البيت‏..,‏ فما أن حدث ذلك حتي انقطعت صلتهم بها‏,‏ واعتمدت هي في حياتها علي بعض المدخرات القليلة وإيجار الشقق الخمس التي يتكون منها البيت ولم يكن يزيد في مجموعه علي‏60‏ جنيها‏,‏ وواجهت أمي الحياة وحيدة‏..‏ وحاولت بقدر المستطاع أن توفر لي حياة مقبولة‏..‏ لكن السنوات سرعان ما توالت ونفدت المدخرات‏,‏ وتغيرت الحياة‏,‏ وأصبحنا نعيش علي الكفاف‏..,‏ وزاد الطين بلة أننا كنا نبدو أمام الناس مستورين ونحن في الحقيقة نعيش تحت خط الفقر‏..‏ وحاولت أمي أن تزيد من دخلها فعملت لفترة في مصنع للحلوي‏,‏ ولم تستمر طويلا بسبب طمع صاحبه فيها‏,‏ وعملت لفترة أخري في محل تجاري‏,‏ وتركته بعد حين لنفس السبب‏,‏ ويئست في النهاية من العمل فقرت في بيتها وحاولت التكسب عن طريق تفصيل ملابس للأطفال وبيعها للمحال فلم تحقق محاولاتها نجاحا‏..‏ وتراكمت علينا عوائد البيت حتي عجزنا عن دفعها وأصبحنا مهددين بالحجز علي أثاثنا‏..‏ وفي غمرة ضيقها ويأسها اصطحبتني وأنا في العاشرة من عمري إلي بيت بعيد قالت لي إنه بيت أخي الأكبر‏,‏ ودخلنا شقة واسعة فاخرة‏..‏ وجلسنا في الصالون ننتظر صاحب البيت حتي جاء‏,‏ فما أن رآنا حتي أكفهر وجهه وتجهم في وجوهنا وقابلنا أسوأ مقابلة‏,‏ وسأل أمي عما جاء بها فانحشر صوتها ولم تستطع أن تفاتحه فيما جاءت إليه من أجله‏,‏ وزعمت له أنها جاءت فقط لكي يتعارف ابنها علي أخيه العظيم الذي لا يعرفه‏,‏ ثم نهضت مغادرة فلم



يطلب منها البقاء‏,‏ ونظر إلي نظرة باردة كأنما يستطلع هذا الشيء الذي تزعم أمي أنه أخوه‏,‏ وبمجرد أن غادرنا باب الشقة انفجرت أمي في البكاء‏..‏ وظلت تبكي طوال الطريق وأنا مكتئب وخجلان ولا أعرف كيف أخفف عنها‏.‏



ولم تفكر أمي بعد هذا اللقاء البارد في أن تعيد الكرة مع بقية أخوتي رجالا أو نساء‏..,‏ ولم ينقذها من مشكلة العوائد سوي ساكن بالدور الثاني يعمل قانونيا بادارة الشئون القانونية باحدي الهيئات‏,‏ حيث تطوع بسداد العوائد المتأخرة عن أمي‏,‏ واتفق مع السكان علي أن يدفع كل منهم مع الايجار الشهري ثلاثة جنيهات تخصص لسداد الدين له لمدة سبعة أشهر‏..‏ وانزاح هذا الكابوس وشكرت أمي هذا الساكن الكريم طويلا‏,‏ وواصلت أنا دراستي وحصلت علي الشهادة الاعدادية بصعوبة والتحقت بالمدرسة الثانوية التجارية‏,‏ وفي عامي الأول بها تدهورت صحة أمي حتي كادت تعجز عن النهوض من الفراش وتلطمنا في المستشفيات الحكومية دون أي تقدم في حالتها‏,‏ ولاح المستقبل مظلما ومخيفا أمامي‏..,‏ ونهضت من نومي ذات صباح دون أن توقظني أمي للذهاب إلي المدرسة كعادتها‏..‏ فتعجبت لتركها لي نائما حتي كاد موعد المدرسة يفوتني‏,‏ وتوقعت أن يكون المرض قد اشتد عليها فدخلت عليها غرفة نومها فوجدتها نائمة في فراشها بلا حراك‏,‏ وهززتها برفق لتستيقظ فلم تستجب وناديت عليها فلم تسمع فوضعت يدي علي جبهتها لأختبر حرارتها فإذا بها باردة كالثلج‏..‏ فأدركت هول الكارثة التي حلت بي‏,‏ وصرخت صر


خة زلزلت البيت القديم‏..‏ وبكيت وانتحبت‏..‏ ودرت كالمجنون في الغرفة أبحث دون جدوي عن شيء يعيد إليها الحياة‏,‏ وأفقت علي دقات الجرس العالية ودخل الجيران واصطحبوني إلي خارج الشقة‏,‏ وقاموا أكرمهم الله بكل ما كنت سأعجز عن القيام به‏..,‏ وسألني أحدهم عن أقاربي فقلت لهم انني لا أعرف لي أقارب سوي أخوتي من أبي‏..‏ وأعطيتهم عنوان أخي الأكبر‏,‏ فجاء متأخرا بعد تشييع الجنازة‏,‏ وجاء معه اخوان آخران لي وأختان كنت أراهم لأول مرة وواسوني وقضوا بعض الوقت معي‏,‏ ثم انصرفوا في المساء‏..‏ وبرغم حزني الشديد علي أمي فلقد خفق قلبي لرؤية أخوتي بعد هذه السنين‏..‏ وتمنيت لو فتحوا لي أبواب قلوبهم لتنشأ بيننا علاقة الأخوة‏..‏ بعد أن فقدت كل من كانوا لي في الحياة‏..,‏ لكن الأيام مضت ولم تبد أي بادرة لتحقيق هذه الأمنية‏..‏ ولم يكرروا الزيارة أو السؤال عني ولا كيف أعيش وأنا فتي في السادسة عشرة لا أب لي ولا أم ولا مورد سوي ايجار البيت‏,‏ وواجهت مصيري وحدي معتمدا علي الله وعلي نفسي‏..‏ واعتزمت أن أنهي دراستي بلا تعثر لكي أبدأ حياتي العملية‏..‏ وكانت أمي قد عودتني منذ سن السابعة علي الصلاة بانتظام‏,‏ فحرصت علي أداء الفروض الخمسة في المسجد الصغير الذي يقع في أول شارعنا‏..‏ وراح سكان البيت يتعاملون معي بعطف ويؤدون لي الإيجار بانتظام‏,‏ وقد تكفل القانوني الفاضل الذي يقيم بالبيت بإنهاء اجراءات الوراثة‏,‏ وتعيين أخي الأكبر وصيا علي حتي أبلغ سن الرشد‏,‏ واستصدار ايصالات الايجار‏..‏ الخ‏.‏



ومضت بي الأيام وأنا أواجه الحياة بإيجار البيت المحدود وتتطوع بعض سيدات البيت بغسل ملابسي من حين لآخر لوجه الله الكريم‏,‏ وطعامي من الخبز والفول أو الطعمية أو الجبن إذا توافر‏,‏ وقد تنفد نقودي تماما قبل آخر الشهر فأذهب إلي المدرسة وأرجع منها ماشيا‏,‏ وآكل الخبز الحاف بالملح مع شرب كمية كبيرة من الماء‏..‏ خاصة في المساء‏.‏ وقد يفاجئني أحد الجيران الأفاضل بدعوتي للعشاء معه خبزا وفولا وطعمية‏,‏ ثم نتناول الشاي بعده فأشعر بأنني قد ملكت الدنيا بما فيها‏..‏ وأرجع للبيت للاستذكار‏.‏ وفي كل صلواتي أدعو لأمي بالرحمة ولأبي الذي لا تعيه ذاكرتي‏,‏ وأجدني أتذكر أخوتي البعيدين عني بشيء غريب من الحنين‏,‏ وأتعجب لذلك‏.‏ وأسأل نفسي‏,‏ لماذا أشعر تجاههم بهذا الحنين وهم لا يشعرون بوجودي في الحياة؟ ولا أعدو أن أكون بالنسبة لهم سوي ابن زوجة الأب الثانية المنبوذ منهم‏.‏ وذات يوم استسلمت لمشاعري وكنا أول أيام عيد الفطر ووجدت نفسي في بيتي وحيدا لا يقطع علي وحدتي أحد‏,‏ فقررت أن أقدم علي الخطوة التي فكرت فيها طويلا‏..‏ وخرجت من البيت مرتديا أفضل ملابسي وهي قديمة كلها‏..‏ وتوجهت إلي بيت أخي الأكبر ودققت الجرس ففتح لي الباب صبي وسيم سلمت عليه وسألته عن أبيه‏..‏ فغاب قليلا ورجع معه‏..‏ وقبل أن يكفهر وجهه أو ينظر إلي نفس النظرة الباردة التي استقبلني بها في زيارتي السابقة له مع أمي‏,‏ سارعت بالقول له إنني جئت لتهنئته بالعيد وكل سنة وأنت طيب والسلام عليكم‏,‏ واستدرت منصرفا وهو ذاهل‏..‏ وحين قال‏:‏ تعال‏,‏ كنت أسفل الدرج فلم أجب وغادرت البيت‏!‏



وفعلت نفس الشيء مع بقية الاخوة‏..‏ تهنئة بالعيد وتمنيات طيبة لهم علي الباب ثم الهرولة بعيدا عنهم‏..‏ ومنذ ذلك الحين أصبحت أحرص علي القيام بهذه الجولة كل عيد‏..‏ واختلفت مع مرور الأيام ردود أفعالهم خاصة حين وثقوا من أنني لا أريد منهم شيئا‏,‏ فأصبحوا يطلبون مني الدخول وشرب الشاي وتناول الكعك في العيد الصغير‏,‏ والحلوي في العيد الكبير‏,‏ واسترحت لنشأة هذه الصلة المحدودة بيني وبين أخوتي وأبنائهم وأرضاني أن أشعر بأن لي أخوة وأخوات وأبناء أخوة أنا عمهم‏,‏ وأبناء أخوات أنا خالهم‏,‏ ومن أجل هذه الصلة فرضت علي نفسي الحرمان من بعض القوت الضروري لعدة شهور لأشتري قميصا وبنطلونا وحذاء لائقا بالتقسيط من تاجر طيب بالحي يعرف ظروفي‏,‏ لكي أرتدي هذا الطقم حين أتوجه لأخوتي‏..‏


وأنهيت دراستي بالمدرسة التجارية وحصلت علي الدبلوم وخرجت أبحث عن عمل‏,‏ فتنقلت بين بضعة أعمال مؤقتة‏,‏ وقبلت بأقل المرتبات وأقسي ظروف العمل‏..,‏ وعملت في بعض الأحيان موظفا بشركة خاصة في الصباح‏,‏ وعاملا في محل ومطحن صغير للبن في المساء‏..,‏ وتحسن مظهري بعض الشيء‏,‏ وبدأت دماء العافية تجري في عروقي بعد تحسن تغذيتي نسبيا‏..,‏ وعملت في أحيان أخري في مقهي من السادسة مساء للسادسة صباحا حين فقدت وظيفتي بالشركة الخاصة بسبب وقف نشاطها‏..,‏ وكان مطحن البن قد أغلق أبوابه بسبب مشاكل مع الضرائب‏,‏ ولكبر سن صاحبه وعدم وجود أبناء ذكور له فخطرت لي الفكرة الجريئة‏..‏ وهي أن أشتري مطحنة البن القديمة التي كان صاحب المحل لا يشغلها لسوء حالتها‏,‏ وعرضت عليه شراءها بالتقسيط‏,‏ فرحب بذلك وحملتها فوق عربة يد إلي شقتي‏,‏ وتحايلت علي اصلاحها بمساعدة ميكانيكي من سكان الشارع‏..‏ ثم اشتريت‏3‏ كيلو جرامات من البن الأخضر وعددا من الأكياس الصغيرة من نفس التاجر الذي كان يتعامل معه صاحب المطحن‏,‏ وبدأت العمل وأجدته بعد بعض التعثر وقمت بتحميص البن وتعبئته في أكياس‏,‏ وطفت علي المحال التجارية التي تعاملت معها خلال اشتغالي بالمطحن‏..,‏ ونجحت الت



جربة الأولي بنسبة كبيرة فسددت قسط الماكينة‏,‏ واشتريت كمية أخري من البن‏,‏ وواصلت العمل ووفقني الله في الالتحاق بعمل جديد في شركة بمرتب سبعين جنيها‏,‏ فأصبحت أخرج منه إلي البيت لأمارس طحن البن وتعبئته وتوزيعه حتي منتصف الليل‏,‏ وشجعني كثيرون علي الاستمرار ومنهم صاحب المقهي الذي عملت به لفترة‏..‏ ويوما بعد يوم أصبحت أشتري كل شهر‏30‏ أو‏40‏ كيلو جراما من البن وأبيعه‏,‏ واستطعت بعد عامين من بدء تجارتي الصغيرة أن أشتري تريسكلا قديما لتوزيع البن علي المحال والمقاهي‏,‏ وذهبت إلي صاحب المطحن في البيت لأسدد القسط الأخير من ثمن الماكينة فوجدت معه فتاة مريحة الملامح تقدم له الشاي‏..‏ سألته عنها فقال لي إنها حفيدته اليتيمة التي يكفلها‏,‏ فوجدتني بغير تفكير أسأله إن كان يقبل مصاهرتي أم يراني أقل شأنا من أن أنال هذا الشرف؟‏..,‏ فرحب بي ووعدني بأن يعرض الأمر عليها‏..‏ وأن يساعدني علي إتمام الزواج إن هي قبلت بي‏..‏


وجاءتني البشري بقبولها فتقدمت إليها‏..‏ وشرحت لجدها كل ظروفي وصارحته بأنني موظف صغير بشركة خاصة‏,‏ وأعتمد في حياتي أساسا علي تجارة البن من داخل مسكني‏..‏ وشجعني الرجل علي الاستمرار‏..‏ فجددت شقتي وخصصت احدي غرفها للماكينة‏..‏ وحددنا موعد الزفاف‏..‏ وقررنا أن نقيم الحفل في سرادق بالشارع أمام مسكن الجد‏..,‏ وعز علي أن أزف إلي عروسي وأنا وحيد من الأهل والصحاب‏..‏ فتوجهت إلي بيوت أخوتي حاملا لكل منهم هدية من البن الفاخر من انتاجي وتحمل أسمي‏,‏ وقلت لهم إنني أريد منهم أن يحضروا زواجي ليشعروني بأن لي أهلا‏..‏ فوعدوني جميعا بالحضور وتم الزفاف وسعدت كثيرا بوجود اخوتي وزوجاتهم وأزواجهم وأبنائهم معي‏.‏



وحمدت الله كثيرا علي أن أعزني بأهلي بعد القطيعة‏,‏ ورزقني الرزق الحلال بعد الإملاق‏..‏ وازددت حرصا علي أداء فروضي الدينية والتعامل مع الآخرين بالحسني‏.‏


ومضت الحياة في طريقها وأنجبت طفلين حكيت لهما عن جدهما التاجر الكبير الذي رحل عن الحياة وأنا في الثانية من عمري‏,‏ أما جدهما الآخر جد زوجتي فكان قد رحل عن الحياة راضيا مرضيا يرحمه الله‏..‏ وبعد فترة أخري عرضت علي ورثته أن أشتري محل البن وأتفاهم مع مصلحة الضرائب علي تقسيط ديونها‏,‏ فرحبوا كثيرا واشتريته بثمن عادل رضي عنه الورثة‏..‏ وتفاهمت عن طريق محاسب مع الضرائب علي تقسيط المتأخرات واستعنت بشابين من زملاء الصبا علي العمل بالمحل‏.‏



وأصبحت تاجرا ناجحا للبن بالجملة والقطاعي‏,‏ أورد للمحال التجارية والمقاهي‏..‏ وأبيع للأفراد‏..,‏ وبعد فترة من العمل اطمأننت إلي أحوالي التجارية فاستقلت من العمل بالوظيفة الصغيرة في الشركة الخاصة وتفرغت للتجارة‏,‏ وحسبت حساباتي في بداية احدي السنوات فوجدتني قد بلغت النصاب الذي تستحق عنه الزكاة‏..‏ فسجدت لله شكرا وعرفانا وحمدت الله الذي أكرمني فجعلني من مخرجي الزكاة‏,‏ وقد كنت من قبل من مستحقيها‏..‏ وكان يوم توزيع أول زكاة لي يوم عيد في حياتي وحياة زوجتي‏,‏ وكان يوم شراء أول سيارة خاصة أمتلكها عيدا آخر‏,‏ ويوم سفري مع زوجتي والطفلين لقضاء أول اجازة صيف في حياتي بالساحل الشمالي عيدا ثالثا‏,‏ ويوم دعاني أخي الأكبر لحضور زفاف ابنته عيدا رابعا احتفلت به مع نفسي وحملت لابنته هدية ذهبية غالية‏,‏ ويوم دعاني أخي الذي يليه لحضور شبكة ابنه عيدا آخر توجته بهدية ثمينة أيضا للعريس‏,‏ والآن يا سيدي فلقد أجزل الله سبحانه وتعالي لي العطاء لصبري علي ظروفي القاسية وتمسكي بأهداب ديني في أحلك الظروف وبعد النعمة‏,‏ فأصبحت بعد‏15‏ عاما من بدء تجارتي أحد مستوردي البن والشاي الكبار‏,‏ وأصبح لدي أسطول من سيارات النقل الخفيف لخدمة التجارة‏..‏ ولتأجيرها للراغبين‏,‏ وسيارة مرسيدس لاستعمالي‏,‏ وسيارة هوندا لزوجتي الطيبة القنوع التي لا تطالبني بشيء وتستكثر علي نفسها كل شيء مع أنها بنت عز ولم تعان الحرمان مثلي كما أصبح لدي موظفون وموظفات‏.‏



ومع مرور الأيام أصبحت من حيث لا أدري نجم الأسرة بالنسبة لأخوتي وأخواتي وأبنائهم‏..‏ فأنا أدعي إلي الغداء في بيوتهم فأذهب حاملا الهدايا القيمة‏..‏ ويقدمونني لأصهارهم باعتباري التاجر الكبير‏..‏ ويفخر بي أبناؤهم‏,‏ ثم مرض أخي الأكبر واحتاج إلي اجراء جراحة خطيرة فقمت بواجبي تجاهه ووقفت إلي جواره وساندت زوجته وأبناءه وشددت من أزرهم‏..,‏ وكنت بجانبه بعد العملية حين نظر إلي ممتنا وقال لي بصوت ضعيف‏:‏ لقد كنت أنت أفضل منا يا فلان‏..‏ فسامحنا فيما سبق من جفونا لك في الماضي‏..‏ وتضاحكت مؤكدا له أن قلبي لا يحمل له ولأخوتي إلا كل الحب‏,‏ وأنني كنت أتلمس الطريق إلي قلوبهم ووفقني الله في ذلك‏..‏ أما أخي الذي يليه فلقد مال علي ذات يوم والعرق يكسو وجهه وقال لي إنه يواجه أزمة مالية طارئة تهدد أسرته‏..‏ ويحتاج إلي مبلغ معين علي أن يسدده علي‏4‏ أقساط‏,‏ فلم أدعه يكمل حديثه وطلبت منه أن يحدد المبلغ لأعطيه شيكا به‏.‏ وأما كبري أخواتي فلقد رجتني أن أساعدها في تعيين ابنتها في أي شركة من الشركات التي أتعامل معها لحاجتها للعمل‏,‏ فلم أهدأ حتي وفقني الله في ذلك‏,‏ وكذلك فعلت أختي التي تصغرها بالنسبة لابنها‏,‏ قد تسألني وأين كان اخوتك حين كنت تطعم الماء في الليالي القاسية؟ ولماذا تتهلل وجوههم الآن حين يرونك وقد كانوا يكفهرون حين يرونك مع أمك البائسة؟‏!‏ وأجيب بأنني حين تخطر لي هذه الفكرة أصرف ذهني عنها علي الفور إلي تأمل الجانب المشرق من الحكاية‏,‏ وهو أن الله قد أعزني بعد ذلة وجعلني‏,‏ محبوبا من الأهل بعد أن كنت منبوذا منهم‏..,‏ ألا يستحق ذلك أن أسعد به وأتناسي كل ما عداه؟



انك ستعجب حين تعرف أنني مازلت أقيم في نفس الشقة التي شهدت أيام معاناتي الطويلة مع أمي ثم وحيدا من بعدها‏..‏ وقد لامني بعض أخوتي وأصدقائي علي ذلك‏,‏ وطالبوني بالانتقال لمسكن آخر في حي راق أو فيللا في عمارة حديثة‏,‏ لكني رفضت ذلك بإصرار وفضلت أن أعيش في ملكي‏,‏ خاصة أن الشقة واسعة جدا بعد أن اشتريت الشقة الملاصقة لها من ساكنها السابق وفتحتها علي مسكني وأنفقت علي تجديد الشقة كلها وتشطيبها بالرخام والباركيه وبلاكارات الحائط وعلي تجديد البيت كله ما يزيد علي ثمنه ـ لو وجدت شاريا له يرضي بعائده القليل‏..‏ كما أن جيراني القدامي والجدد يحبوننا ويحترموننا ونشعر بالأمان بينهم‏,‏ فلماذا أغير مسكني مادام يحقق لي مطالبي منه؟


ولقد فكرت قبل ذلك أن أكتب لك قصتي حين انضمت زوجتي إلي فريق المطالبين لي بمغادرة المسكن والحي والانتقال إلي أحياء الأثرياء والقادرين لتحكم بيني وبينها بعد أن ارتضتك هي حكما بيننا‏,‏ لكن شاء الله سبحانه وتعالي أن تعدل زوجتي من نفسها عن هذا الطلب وأن تشاركني الرأي والاقتناع بأننا سعداء في هذا المكان‏,‏ وليس هناك داع لمغادرته إلا لو تصدع البيت‏,‏ وهو علي العكس متين في أحسن حال والحمد لله‏..‏ فهل كنت توافقني في ذلك؟ وهل توافقني في سياستي هذه مع أخوتي وأهلي؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


أوافقك بلا تردد في تفضيلك للاستمرار في نفس المسكن الذي شهد مولدك ومعاناتك‏,‏ ثم أيام سعدك وتوفيقك واقبال الدنيا عليك‏,‏ مادمت تشعر بالسعادة والأمان حيث تقيم‏,‏ إذ لا مبرر للتغيير لمجرد تغير الأحوال المادية إلي الأفضل بغير حاجة عائلية أو اجتماعية له‏,‏ ذلك أن الهدف الأساسي للإنسان هو السعادة المشروعة وليس أي شيء آخر‏,‏ وكل ما يحققها له من وسائل وسبل شريفة مطلوب ومرغوب‏,‏ كما أن السعادة في النهاية ليست بالمكان ولا بالجغرافيا وإنما بالبشر الذين نصاحبهم في رحلة الحياة ونحتاج إليهم لكي نري الحياة ولكي يشاركونا كل جوانبها علي حد تعبير الشاعر الفرنسي بول إيلوار‏,‏ ولقد يجد الانسان الآمان والاستقرار في بيت قديم بين جيران بسطاء وأوفياء‏,‏ ولا يجدها في عمارة شاهقة بين جيران متحفظين لا يعرف بعضهم بعضا ولا يتواصلون معه انسانيا‏,‏ فابق في بيتك القديم يا صديقي ما طابت لك الحياة فيه‏,‏ ولا تنفصل عن جذورك ولا عن جيرانك الذين كانوا أهلا لك حين باعدك الأهل وأنكروك‏,‏ ولا تغير مسكنك إلا إذا ضاق عن تلبية احتياجاتك واحتياجات أسرتك‏,‏ وما أظنه سوف يضيق بك ذات يوم وأنت تحمل هذه النفس الطيبة الراضية الخالية من المرارة والموجدة رغم ما عانت من قسوة الظروف من قبل‏..‏



إذ لاشك في أنك وزوجتك القنوع الطيبة ممن عناهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بقوله ما معناه‏:‏ يدخل الجنة أقوام أفئدتهم كأفئدة الطير أي كأفئدة الطير في الطهارة والنقاء والخلو من الأحقاد‏,‏ وجنة الأرض كما يقول لنا الأديب الراحل د‏.‏ لويس عوض هي سلام الإنسان مع نفسه ومع المجتمع ومع قوانين الطبيعة‏.‏


أما سياستك مع أخوتك فلقد أثبت بها ما يؤمن به الفضلاء ويترجمه عالم النفس الأمريكي الكبير وليم جيمس في قوله إنه لا تنمحي الكراهية أبدا بالكراهية وإنما بالحب‏!‏ بمعني أنك إذا بادلت من يكرهك كرها بكره فلسوف يظل لهب الكراهية مشتعلا بينكما إلي ما لا نهاية‏..‏ أما إذا أشعرته بالحب فلقد تذوي جذوة كراهيته لك بالتدريج حتي تخمد ذات يوم‏,‏ فإن لم يبادلك حبا بحب فلسوف يحمل لك علي الأقل مشاعر حيادية مسالمة‏.‏



فضلا عن أنك قد نلت بما فعلت مع أخوتك الأجر الأكبر لصلة الرحم‏,‏ وهو أجر الواصل الذي يصل رحم من يقطعون رحمه لقوله صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ ليس الواصل كالمكافئ‏,‏ بمعني أن أجر الواصل لرحم من يقطع الرحم معه أعظم كثيرا من أجر من يكافيء من يصل رحمه بوصل الرحم معه‏..‏ وأنت قد وصلت رحم اخوتك رغم قطيعتهم لها‏,‏ واقتحمت قلوبهم التي كانت موصدة في وجهك ربما تخوفا من احتمال حاجتك إليهم وربما لأنك كنت لهم بمثابة ابن زوجة الأب الثانية التي لم يرضوا عن زواجه منها‏..‏


فاستطعت بإصرارك علي وصل الرحم المقطوعة وحسن الخلق والنجاح العملي في الحياة أن تدفعهم دفعا للاعتزاز بك وبنجاحك وأخلاقك الكريمة‏,‏ ولا عجب في ذلك‏,‏ فالامام جعفر الصادق يقول لنا إنه إذا أحب الله عبدا رزقه حسن الخلق‏,‏ ولاشك أن الله سبحانه وتعالي قد أحبك لصبرك علي المكاره‏..‏ وتمسكك بأهداب دينك في وقت المحنة‏,‏ ووقت المنحة أي بعد أن اختبرت بالنعمة وكذلك لخلوك من الأحقاد والمرارات حتي علي من باعدوك وأنكروك‏,‏ فاسعد بحياتك وأسرتك وأهلك وعملك وتذكر نعمة الله عليك بالشكر الدائم والعرفان والتواضع لله سبحانه وتعالي‏,‏ والعطف علي المحرومين والاستمرار في الطريق القويم الذي تنتهجه واستمتع بطيبات الحياة المشروعة كما كابدت من قبل مرارة الحرمان من أساسيات الحياة الضرورية‏..‏ ولا غرابة في ذلك‏,‏ فمن عاني أعظم الألم يتعلم أيضا أن يسعد أعظم السعادة وشكرا‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:53 PM
الحقيقة الكاملة


بـريــد الأهــرام
42900
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
21
‏2 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة الانسحاب الثاني لذلك الطبيب الذي كان سببا في طلاق حبيبته السابقة من زوجها للفوز بها‏,‏ ثم انسحب من حياتها للمرة الثانية‏,‏ بعد أن كان قد انسحب من حياتها في بداية شبابهما‏,‏ ولم يتزوجها‏,‏ وقبل أن أبدأ في الكتابة إليك فوجئت برسالة الفرصة الأخيرة في الاسبوع التالي والتي كتبتها لك زوجتي‏,‏ وتعليقي عليها هو لماذا نفترض دائما عندما يتزوج أي رجل للمرة الثانية أن تكون هذه الزوجة الثانية هي الأفعي كما وصفتها زوجتي‏.‏ مع أن الواقع يقول لنا إنه كما أن هناك أفاعي تخطف الأزواج من زوجاتهم‏,‏ أيضا توجد ثعابين يخطفون الزوجات من أزواجهن مثلي تماما‏,‏ ومثل ذلك الطبيب صاحب قصة الانسحاب الثاني ولقد قرأت ردك علي رسالة زوجتي الذي أيدتها فيه والحق انك قلت رأيك هذا لأنك سمعت من طرف واحد‏,‏ وألتمس لك ولها العذر لأن كليكما لا يعلم الجزء المهم والخفي من الحكاية وهي الحقيقة كاملة والتي لابد لي أن أرويها حتي أرفع هما ثقيلا عن صدري‏,‏ وحتي يغفر الله لي ما اقترفته من ذنب‏,‏ وأذي لجميع من أحببتهم وأحبوني وليسامحوني بمن فيهم زوجتي الثانية والتي أطلقت عليها زوجتي الأولي وصف‏(‏ الحية أو الأفعي‏),‏ ولعل ما سأرويه الآن جزء خفي من حياتي لا يعلمه سوي زوجتي الثانية‏,‏ ولم أستطع أن أواجه به الجميع من أهلي وأولادي‏,‏ وليكن بعد ذلك ما يكون‏,‏ وكل ما سيقدره الله سوف أرضي به‏,‏ ولعلهم حين يقرأون ويعرفون يلتمسون لي العذر ويرون الأمور جميعها علي حقيقتها حين كنت أعد زوجتي الأولي بالانقطاع عن حبيبتي الثانية ولا أفي لها بالوعد حتي سقطت من نظرها ونظر أبنائي‏,‏ وأيضا سوف تتضح لزوجتي الثانية بعض الأمور والتي كانت تصفها بالغموض لأني كنت لا أحكي لها ما يدور في بيتي الأول من ضغوط لتركها‏.‏ وأبدأ من البداية فأقول لك‏:‏ إنني تزوجت زواج أقارب تقليديا بعد قصة حب فاشلة لي في الجامعة‏,‏ وكانت زوجتي والحق يقال سيدة فاضلة أحببتها فقامت بتربية الأبناء علي أفضل وجه ورعت الله في وفي بيتي‏..‏ ولكن نتيجة لبعض الأسباب ـ التي تعرفها هي وجميع المقربين منا ـ كانت تختمر في ذهني فكرة الزواج الثاني وكنت طوال هذه السنوات أبحث عن المرأة التي إذا وجدتها فلن أتركها أبدا‏.‏ وكنت أعمل بدولة عربية لفترة طويلة وقررت العودة إلي مصر حيث أعمل الآن منذ سبع سنوات‏..‏ فالتحقت بالعمل بشركة أجنبية كنت مديرها وكان علي اختيار الموظفين المطلوبين للعمل بمن فيهم السكرتيرة‏,‏ فقابلت مرشحات كثيرات


للوظيفة إلي أن دخلت علي سيدة فراودني احساس غريب بأن هذه السيدة هي التي كنت أبحث عنها طوال حياتي‏,‏ وانتابني شعور الحب من أول نظرة وكانت لديها الخبرة واللغات الكفيلة بتعيينها اضافة إلي جمال وجهها وأناقتها‏,‏ وكانت هذه السيدة متزوجة ولديها طفل وزوجها يعمل بدولة أوروبية‏.‏ وهي هنا بمصر لإدخال ابنها المدرسة‏.‏ ومن خلال علاقتي بها اكتشفت أنها غير سعيدة مع زوجها وأن بينهما خلافات كثيرة وأن مستواها الاجتماعي والثقافي أعلي من مستواه بكثير‏,‏ ومع كل هذا لم تفكر أبدا في الطلاق منه‏,‏ بل كانت راضية بما كتبه الله لها‏,‏ ووجهة نظرها في ذلك أنها يجب أن تتحمل هذه الظروف مادام هو بعيدا عنها ومادامت الخلافات لا تتجاوز حدود الهاتف‏,‏ كما كانت لا تريد أن تحمل لقب‏(‏ مطلقة‏)‏ فبدأت أنا من جانبي أتحامل دائما عليه في أي خلاف وأستغل ذلك وأحاول التلميح لها بحبي بأساليب مختلفة‏,‏ فكانت لا تفهم ما أقصده أو لا تتخيله لأنني أبدو بالنسبة لها انسانا سعيدا في حياتي العائلية ورجلا متدينا‏.‏



وبدأت أستغل نقاط خلافاتها مع زوجها وأقوم أنا بعمل العكس الذي يرضيها من وجهة نظرها‏..‏ وفي مرة سألتها هل توافقين علي أن تكوني نصف زوجة؟ فأجابت بأنها ترضي أن تكون حتي ربع زوجة‏,‏ لأن رؤيتها لزوجها مرتين في الاسبوع أفضل مائة مرة من رؤيتها له شهرا كل سنة‏,‏ وهي تحتاج لرجل يكون سندا لها وأمانا لأنها جميلة والطمع فيها كثير‏..‏ ومنذ أن سمعت ذلك قررت بداخلي أن أتزوجها‏..‏ وبدأت في تنفيذ ذلك‏,‏ تدريجيا‏,‏ ورحت أتعمد الاتصال بها مساء كل يوم بحجة أن آخذ رأيها في أمور تخص العمل وكانت تجيب وتتكلم بطريقة طبيعية‏,‏ وكانت مخلصة في عملها جادة في سلوكها‏,‏ وترفض جميع اغراءات العملاء الذين يحاولون استمالتها‏,‏ وكنت أغار عليها منهم‏,‏ وذات يوم كنت مسافرا إلي الخارج لعدة أيام وطلبت منها أن تتصل بي صباح اليوم الأول لتبلغني عن سير العمل‏,‏ وقامت بالاتصال بي‏,‏ وفي اليوم الثاني انتظرت مكالمتها في نفس الميعاد فلم تتصل‏,‏ فقمت أنا بالاتصال بها وأنا ثائر عليها ثورة عارمة بدون أن أدري وتعجبت هي لذلك حيث لم يكن هناك أي داع لهذه الثورة ولم يجد جديد يستوجب اتصالها بي‏..‏ وسألت نفسي ما هذا الذي يحدث بداخلي‏..‏ هل أحبها‏..‏؟ ووجدتني أعترف بأنني أحبها بكل كياني وبأنها فتاة أحلامي التي كنت أحلم بها طوال حياتي‏..‏ ففي داخلها أنوثة ومشاعر أنا فقط الذي أستطيع أن أحركها‏.‏ وعدت إلي مصر وقررت الاعتراف لها بحبي وكان ذلك مفاجأة لها‏,‏ وسألتني وماذا بعد ذلك وهي لا تريد انشاء علاقات في مجال العمل لأنها لا تحقق شيئا سوي المشاكل‏,‏ كما أن تركها لعملها يعني لها الموت لأنها تحتاج إليه معنويا وماديا‏..‏ فأجبتها بأنني سوف أتزوجها وسوف أحارب الدنيا كلها لأنالها لأنها جائزة السماء لي‏.‏



تسألني لماذا قررت ذلك بعد‏25‏ عاما من الزواج؟ وأجيبك بالآتي هناك أشياء كثيرة أفتقدها مع زوجتي الأولي لا داعي لسردها‏..‏ فالفكرة في رأسي منذ سنوات كثيرة ولكنها تأجلت إلي أن أحقق ذاتي في عملي وأصل بأبنائي إلي بر الآمان وأؤمن مستقبلهم جميعا بمن فيهم زوجتي‏..‏ فلماذا إذن بعد ذلك لا أتزوج بمن أحبها بشرط ألا يكون ذلك أيضا علي حساب زوجتي الأولي وأولادي وأن أعدل من الناحية المادية والوقت؟


ولم تكن المشكلة مقصورة فقط علي موقف زوجتي الأولي مني إذا علمت بنيتي للزواج‏,‏ وإنما كان عائق آخر مهم وهو زواج من أريدها‏,‏ فأصبحت أتعمد إظهار كل عيوب زوجها وأضخمها في نظرها وأستثير كرهها له وأجعلها دائما لا ترضي عنه ولا عن تصرفاته بدون أن تدري‏,‏ وأصبحت ألازمها وأشاركها جميع أمور حياتها وتعمدت أن أكون بجوارها دائما‏,‏ حين تمرض‏,‏ وحين تذهب لشراء شيء‏..‏ الخ إلي أن وقعت واستسلمت تماما وأحبتني بالفعل بعقلها قبل قلبها‏..‏



وحتي أصبحت لا تشعر بالأمان إلا عندما أكون في مصر ولا تطمئن علي نفسها إلا بجواري‏..‏


وكان لابد لإتمام زواجنا من خطة نتفق عليها‏,‏ وننفذها‏,‏ ولكل منا دوره في تنفيذها وكان من المنطقي أن يكون دورها هي الأول لأنه لابد أن يتم طلاقها أولا حتي نتزوج‏,‏ وإلي حين طلاقها قمت باعداد منزل الزوجية وتأثيثه وشاركتني هي في اختيار الأثاث وألوان الدهانات‏..‏ الخ‏..‏ إلي أن جاء موعد الطلاق وطلقت بالفعل بعد أن دفعت لزوجها مبلغا كبيرا من المال‏,‏ هو كل ما استطاعت ادخاره طول فترة عملها‏,‏ وذلك حتي يتم الطلاق‏,‏ واستطاعت أن تصمد بقوة وتواجه جميع المشاكل مع زوجها نتيجة الطلاق‏.‏



وبعد ثلاثة أشهر وانتهاء فترة العدة قررنا الزواج‏,‏ ولكن بعد أن تأكدنا من زواج زوجها الأول من أخري ومن أن صفحته انطوت تماما بالنسبة لنا‏..‏ وكان لها رأي في أمر إشهار زواجنا أمام عائلتي وهو أن نتركه للظروف ولا أقوم أنا بإشهاره‏,‏ حيث يكفي أن تعرف عائلتها لأنها تريد أن تعيش معي في سلام ولأنه إذا كان هناك أي مشاكل في بيتي الأول فستنعكس علي علاقتنا معا‏,‏ ووافقتها علي ذلك‏.‏ وكان ذلك منذ سنة ونصف السنة‏..‏ حينما قررنا الزواج بعد قصة حب دامت خمس سنوات‏,‏ وتم تحديد موعد عقد القران والزواج‏,‏ فإذا بخبر زواجي يتسلل إلي زوجتي وأبنائي قبل عقد القران بيوم واحد من أخي الوحيد‏,‏ ومنذ ذلك الوقت قامت الدنيا علي ولم تقعد من جانب أهلي وأقاربي‏,‏ فطلبت مني حبيبتي تأجيل عقد القران لمدة أسبوعين إلي أن تهدأ الأمور‏,‏ وخلال هذه الفترة انهارت زوجتي ومرضت كما مرض الأبناء‏,‏ وكانت حبيبتي أيضا لا تقل عنهم انهيارا‏..‏ وكان علي أن أضحي‏..‏ فقررت أن أضحي بحبيبتي وتركتها بالفعل‏,‏ لكنني أراها أمامي بالشركة وهي سكرتيرتي‏..‏ وألاحظ أنها لا تبالي بي فأحاول استمالتها لي مرة أخري‏,‏ وأغار عليها من أن يأخذها أحد مني‏..‏ تقول لي ماذا تريد؟ فأقول لك أنني أريد الاثنتين‏:‏ الزوجة الأولي والحبيبة الثانية‏..‏ وبعد‏6‏ أشهر من ذلك قررنا الزواج لأن كلينا لم يتحمل البعد والفراق‏,‏ فأنا أجري في دمها وهي كذلك‏..‏و بعد الزواج غير المعلن بالنسبة لزوجتي الأولي أخبرتها بأن الأخري سوف تترك العمل وتسافر مرة أخري ولا تعود‏,‏ وكنت خلال هذه الفترة أحاول التأثير علي زوجتي الثانية لكي تترك العمل بالفعل ولكنها رفضت رفضا شديدا إلا إذا أخبرت زوجتي بالزواج وعدلت بين البيتين‏,‏ وأخبرتني بأنها سوف تترك العمل بعد أن تجد عملا آخر وكانت بالفعل تبحث عن عمل ولكنها فشلت لأن راتبها كبير‏.‏



وكانت كلما اتصلت زوجتي الأولي في العمل وسمعت صوتها يجن جنونها‏,‏ لأنها مازالت موجودة إلي أن تمت بيننا مواجهة ذات يوم اعترفت فيها لها بزواجي‏.‏ ولن أحكي لك كيف كان تصرفها حين ثارت علي ولا كيف كان انهيارها وانهيار أبنائي‏.‏


واشتدت الضغوط علي من جميع الجوانب من بيتي الأول‏,‏ ولم تهدأ زوجتي الأولي حينما رأت ورقة طلاقي لزوجتي الثانية غيابيا‏,‏ لأني من الممكن ردها في أي وقت‏..‏ وأصرت علي أن أطلقها ثلاث مرات كما ذكرت لك في رسالتها‏,‏ أما زوجتي الثانية فقد فقدت أعصابها وصوابها وانهارت في العمل إذ كان خبر طلاقها مفاجأة لم تكن تتوقعها‏,‏ وكان وجودها في العمل مصدر قلق وخوف علي وعلي مستقبلي‏,‏ حيث إن مركزي بالشركة كبير وأي تصادم بينها وبين زوجتي سيدمرني أمام الجميع‏.‏ فاتخذت قراري بابعادها عن العمل‏,‏ وقمت بالضغط عليها وخيرتها بين تقديم استقالتها أو نقلها إلي مكان آخر لا تتحمله ظروفها‏,‏ واختارت بل أصرت علي الاستقالة‏,‏ وفي نفس شهر استقالتها فرضت علي زوجتي الأولي تعيين أخيها بالشركة حتي يكون رقيبا علي‏..‏ وفرضت علي أيضا تعيين سكرتيرة أخري من طرفها تطمئن لوجودها‏..,‏ لكنه علي الجانب الآخر كانت لي خطة ثانية وهي أن ابعاد حبيبتي بهذه الطريقة سيجعل زوجتي تطمئن وترجع الأمور إلي ما كانت عليه‏,‏ وبعد ذلك أستطيع العودة مرة أخري لزوجتي الثانية خلال أشهر العدة‏,‏ وصارحتها بذلك ففوجئت بها ترفض العودة لي بدعوي أنني خدعتها وغدرت بها وأني انسان ضعيف ولن


أستطيع المواجهة كما واجهت هي الجميع واتهمتني بأنني سبب تدمير حياتها وضياع شقاء عمرها‏..‏ ولكني لم أتخيل كيف تتركني وغيري يأخذها‏..‏ فالتفكير في ذلك يجعلني أموت قهرا‏,..‏ وهي التي أشعرتني برجولتي‏..,‏ وأشعرتني بطعم الحياة‏..‏ فقررت الاتصال بها مرة ثانية خلال فترة العدة وأردها رسميا قبل انتهائها‏.‏ ووافقت علي أمل أن أكون هذه المرة أكثر شجاعة إلي أن جاء آخر يوم من أيام العدة وطلبت مني تنفيذ ما اتفقنا عليه‏.‏ فطلبت منها اعطائي مهلة أخري لأن المواجهة مع زوجتي الأولي خطيرة وصعبة‏,‏ فثارت علي ثورة عارمة ووجدتها في اليوم التالي تتصل بزوجتي وأخي وابنتي وتخبرهم بخبر زواجنا وعودتها لعصمتي‏,‏ وأثبتت ذلك بتفاصيل كنت قد حكيت لها عنها في الفترة الأخيرة في بيتي الأول‏..‏ وكان عذرها في ذلك اني إما أن أكون لهما معا أو لا أكون لأي منهما؟ فقطعت بذلك كل الخيوط التي تربطنا معا وانقطعت عنها لفترة لم تحاول هي خلالها الاتصال بي‏.‏ وكاد يجن جنوني لذلك‏,‏ وزوجتي الأولي من ناحية أخري تحاول بكل وسيلة ارغامي علي طلاقها ثلاث مرات حتي لا تحل لي مرة أخري‏,‏ وكنت بالفعل أنطق بهذا اللفظ ولكن ليس بنية الطلاق وأردها في سري مرة أخري‏,‏ وحاولت كثيرا إرجاعها ولكنها هذه المرة فرضت علي شروطا مادية كبيرة حتي تطمئن إلي أني لن أغدر بها مرة أخري‏..‏ وعلمت زوجتي الأولي باتصالي بها ومقابلتها‏,‏ فقررت زوجتي إنهاء كل شيء وأن أعطي الأخري ما لها من مؤخر ونفقة أمام محام من طرفها حتي تطمئن نهائيا إلي قطع جذور الموضوع‏,‏ وكانت هذه هي‏,(‏ الفرصة الأخيرة‏)‏ التي أعطتها لي زوجتي‏,‏ والتي تحدثت لك عنها في رسالتها لك وخيرتني فيها بين الطلاق أو أن أكون لها وحدها وألا يشاركني فيها أحد‏.‏



ولقد اضطررت للخضوع لطلباتها‏,‏ في حين أكدت لي الأخري أنها لا تريد أية أموال لأنه لا شيء يعوضها عني‏,‏ وتحت كل هذه الضغوط رفضت رجاءها وقسوت عليها وقررت إنهاء الموضوع تماما كما طلبت زوجتي وبالطريقة التي ترضيها‏,‏ وذلك حتي لا ينهار بيتي ويتشرد أولادي‏.‏ وأعطيتها حقوقها المادية كما طلبتها هي وبما يؤمن لها حياة كريمة لمدة سنتين وتحملت عنها قسط قرض كانت قد أخذته من الشركة وأقوم أنا بسداده‏.‏


ولا أصف لك حالتها حين كنا معا عند المحامي ولا أصف لك مدي حزني علي تركها‏,‏ ولا مدي غيرتي عليها حين أتذكر أنها يمكن أن تكون لآخر‏,‏ ولكني للأسف ضعيف وصغير أمامها وأمام نفسي ولا أقوي علي حمايتها‏..‏ إنني أرجو ألا تحدثني عن أمور لا أحب أن أسمعها‏,‏ فأنا لست أول رجل يتزوج من اثنتين وإنما حدثني فقط عن الحلال والحرام‏.,‏ فحلال أن أتزوج ثانية‏,‏ وحرام كل الذي فعلته أنا في امرأتي الثانية‏.‏



وهذه السيدة التي وصفتها زوجتي‏(‏ بالأفعي‏)‏ لم تكن أفعي بل كنت أنا ثعبانا أو ذئبا‏.,‏ فهي سيدة فاضلة ولم أشعر أبدا خلال فترة زواجي منها بأي بادرة طمع في مالي أو مركزي كما قالوا وكل الجريمة التي عوقبت عليها هي أنها أحبت بصدق وإخلاص‏,‏ وضحت كثيرا للفوز بحبي‏,‏ ولم تطلب مني أكثر من يومين في الاسبوع لأكون بجوارها ولن أنسي أنني طلبت منها ذات يوم أن تعرف أملاكي وحقوقها بعد وفاتي فرفضت أن تعرف أي شيء‏,‏ ولم تجعلني أنطق بحرف‏,‏ وأكدت لي أنها لا تطلب من الدنيا سوي حبي وسعادتي ووجودي بجوارها‏.‏ إن الحقيقة الكاملة التي أردت أن أوضحها لك برسالتي هذه استكمالا للصورة هي أنني ظلمت زوجتي الثانية‏.‏ وحبيبتي ظلما لا أستطيع النوم بسببه إلا إذا سامحتني‏,‏ وهي كما قالت لي لن تسامحني أبد الدهر‏,‏ ولن تسير في جنازتي حين أرحل عن الحياة‏..‏ كما قالت لي أيضا أنه سوف يحدث لابنتي مافعلته أنا بها لأن الله عادل وسيقتص لها‏,‏ وأنها احتسبت الله في وفوضت أمرها في إليه فأنا جبان ولم أبال إلا بالخوف علي عملي ومركزي‏,‏ والخوف من زوجتي ولم أتحمل أبدا نظرات الاحتقار والتجاهل من قبل زوجتي وأولادي‏..‏


لقد تعمدت أن أكتب قصتي لكي أريح ضميري ولكي أفسر للجميع مدي صعوبة موقفي وحتي يفهموا ويتفهموا لماذا كنت حائرا ومترددا وأعد زوجتي ولا أنفذ ما أعد به‏,‏ وخوفا من القصاص فالله يمهل ولا يهمل فلدي أبناء أخاف أن يحدث لهم ما سببته لغيرهم من آلام‏,‏ وأرجو أن يسامحني الجميع‏..,‏ خاصة زوجتي الثانية التي تركتها تعاني ويلات الحياة وحيدة ضائعة‏..‏ لا أعلم عنها شيئا وهل وفقت في عمل آخر أم لا؟ لكني واثق من أن الله لن يتخلي عنها‏,‏ وسؤالي الأخير هو‏:‏ هل انتهي الموضوع علي ذلك‏..‏ أم أردها لعصمتي مرة أخري؟ لقد قصدت اخبار زوجتي وأولادي بالحقيقة كاملة لأنهم يهتمون بقراءة بريدك وحتي يفكروا بالطريقة التي يجب أن تكون‏,‏ ولأخلي مسئوليتي أمام الله في اتخاذهم أي قرار يخصهم ويخص حبيبتي الثانية عما إذا كنت سأستمر في الإجبار علي الطلاق أو يكونون أكثر رحمة وعدلا‏,‏ وأنني واثق من رأيك وواثق من ثقتهم في رأيك لأنك محايد‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


نعم كما أن هناك أفاعي وحيات هناك أيضا ثعابين وذئاب‏,‏ غير أن استياءك لوصف زوجتك الأولي لمطلقتك بأنها أفعي وإقرارك بأنك كنت الثعبان الحقيقي في القصة كلها‏,‏ لايغير من الحقائق المجردة شيئا‏..‏ وإنما تظل مطلقتك بالنسبة لزوجتك وأبنائك‏,‏ دائما المرأة التي قبلت أو سعت لأن تتزوج رجلا متزوجا وله أبناء وكانت حياته العائلية تمضي في طريقها المرسوم قبل ظهورها في الأفق‏,‏ كما تبقي أيضا المرأة التي عرفت رجلا متزوجا وهي زوجة لآخر وأم لأبناء منه‏.‏ وإذا كنت أنت تتحمل وزر تخبيب امرأة علي زوجها أي إفسادها عليه‏,‏ كما جاء في مضمون الحديث الشريف الذي ينهانا عن ذلك‏,‏ فهي تتحمل أيضا وزر طلبها الطلاق من زوجها دون بأس أي دون أسباب حتمية تفرض عليها ذلك‏,‏ كما جاء في مضمون الحديث الشريف الآخر الذي يحرم علي من تفعل ذلك رائحة الجنة‏,‏ إذ لو لم تظهر أنت في حياة هذه السيدة لكان زواجها الأول قائما حتي الآن ولظل أبناؤها ينعمون بالنشأة الطبيعية بين أبويهم إلي النهاية‏.‏


وإذا كان ثمة جناة وضحايا في هذه القصة فأنت جان ولست ضحية لأحد كما تتوهم انك ضحية الواجب العائلي وضغط شريكة العمر والأبناء‏,‏ والمرأة الأخري جانية مثلك لاجترائها علي حق شريكة عمرك فيك‏..‏ وتزيد عنك درجة هي أنها ضحية كذلك لضعفها أمام أهوائك‏..‏ وتدبيرك لإقناعها بالانفصال عن زوجها وبث كراهيته في نفسها وتعمد الظهور أمامها بعكس ما تنكره عليه‏,‏ لإفسادها عليه‏.‏



ومن عجب أنك تشعر بالعطف الشديد عليها وترثي لحالها وتتوجع لفراقها‏,‏ ولا تشعر ببعض هذا العطف علي زوجتك التي فجعت في وفائك لها بعد رحلة السنين‏,‏ ولا علي أبنائك الذين اهتزت مثلهم العليا وهم يرونك تحنث بالوعد تلو الوعد بهجر الأخري ولا تفعل‏.‏


إننا نفهم الضعف البشري والعاطفي‏,‏ ونعرف جيدا أنه لا يخلو بشر من الأهواء‏,‏ لكننا نعرف أيضا أنه ما يحفظ المرء من الزلل ليس انعدام أهوائه‏,‏ وإنما قدرته علي السيطرة عليها‏,‏ ولو ترك كل انسان لنزعاته وبدواته ورغباته البدائية لتحولت الدنيا إلي ماخور كبير لا يشغل الناس فيه سوي إشباع غرائزهم والاستجابة لأهوائهم وعواطفهم‏,‏ ولتدنينا إلي حياة أشبه بحياة الحيوان الأعجم الذي تتحكم فيه غرائزه‏.‏ وإنما نحن بشر بقدرتنا علي التحكم في أهوائنا وغرائزنا وعواطفنا وبشعورنا بالواجب الانساني العام والوازع الديني القوي‏,‏ لقد قيل إن الفيلسوف أرسطو مر ذات يوم بقبر فقرأ عليه هذه الكلمات‏:‏



ـ كل واشرب وامرح أي اشبع الغريزة الجنسية كما تشاء وغير ذلك لا يساوي فتيلا‏..‏ فتفكر قليلا ثم قال‏:‏ يا لها من حياة لاتليق إلا بخنزير‏!‏


ولهذا فإن ما تأسي عليه الآن وتعتبره من نقاط الضعف في شخصيتك التي حرمتك من مواصلة الاستمتاع بالحب مع الأخري هو للعجب من أبرز الجوانب الايجابية فيها‏,‏ وهو الحرص علي ألا تتهدم أسرتك‏..‏ وتفقد شريكة العمر والأبناء‏,‏ ارضاء لهوي قد يكون عابرا مهما بدا لك غير ذلك‏,‏ وهو أيضا العجز عن احتمال نظرة الاحتقار في عيون رفيقة الحياة والأبناء‏,‏ لأنه قوة ورجولة وضن بالنفس عن أن تكون موضع اللوم والاحتقار من أقرب البشر إليك وليس ضعفا ولا تخاذلا بأي من المقاييس‏.‏



وما كان الضعف إلا أن تضحي بشريكة الحياة واحترام الأبناء ومودتهم وحياتك العائلية كلها‏..‏ ارضاء لهوي قد يخمد بعد حين مهما طال‏,‏ وقد تدرك ذات يوم أنه لم يكن يستحق كل الثمن الغالي الذي تكلفه‏.‏


ففيم السؤال إذن في نهاية رسالتك عما إذا كنت ستظل مجبرا علي الانفصال عن الأخري أم سترحمك ذات يوم زوجتك وأبناؤك‏,‏ ويسمحون لك بالعودة للنهل من نبعها؟ وهل بعد كل ما ذكرت واعترفت به ترجو في أعماقك الرجوع إليها وتتلمس الرحمة لدي الزوجة والأبناء ليغضوا الطرف عما زلت تأمل فيه؟ وأين مجاهدة النفس‏..‏ ومغالبة الأهواء واستشعار الواجب العائلي والانساني وكيف تتوقع أن تمنحك زوجتك وابناؤك صكا يصرح لك بنسج قصص الحب والغرام مع امرأة أخري‏,‏ وقد تصوروا أنهم قد نجحوا بعد العناء في طي هذه الصفحة الكريهة من حياتهم؟



انك تطالبني بألا أحدثك عن أشياء تعرفها جيدا‏,‏ وأن أحدثك فقط عن الحلال والحرام‏,‏ واني لأفهم ما ترمي إليه وأقول لك إن الزواج الثاني حلال لا شبهة فيه‏,‏ ولا أحد ينازع في ذلك‏,‏ لكن من الحلال أيضا ما هو بغيض كالطلاق‏,‏ ومنه ما لا يليق بالفضلاء كمد اليد لأخذ الصدقة‏..‏ وهناك أمثلة أخري كثيرة لايتسع لها المجال‏,‏ وإذا كان الزواج الثاني حلالا مباحا‏..‏ فإن إكراه زوجة علي قبول حياة لا ترضاها ليس حلالا وإنما حرام مؤكد‏,‏ لهذا شرع لنا الشارع إن أردنا أن نتزوج علي زواجنا أن نصارح الزوجة والشريكة بنيتنا وأن نخيرها بين القبول والاستمرار دون ضغط ولا إكراه‏,‏ وبين الحصول علي الطلاق‏,‏ ولم يشرع لنا أن نتزوج خفية دون إبلاغ شريكة الحياة وتخييرها‏,‏ ولا أن نعدها بالانفصال عن الأخري ونحن نضمر نية الاستمرار‏,‏ ولا أن نطلقها ونحن نأمل في استعادتها خلسة بعد حين‏.‏


فإذا كنت تطلب العفو والسماح من مطلقتك عما جنيته عليها من اغوائها وتشجيعها علي هدم أسرتها في البداية ثم الانفصال عنها وتركها بلا معين في النهاية‏,‏ لكي يستريح ضميرك فلا بأس بذلك‏,‏ أما إذا كنت تمهد لمحاولة استئناف علاقتك بها فهذا شيء آخر‏..‏ وعسي الله أن يعوضها عن حياتها السابقة بما يحقق لها الأمان والاستقرار بعيدا عنك‏..‏ ولاشك في أنك قد اخطأت العنوان في طلب العفو والسماح‏,‏ إذ توجهت به إلي مطلقتك وحدها‏..‏ وكان الأصح أن تتوجه به أيضا إلي زوجتك التي شاركتك رحلة السنين وأبنائك الذين هلعوا لاحتمال فقدهم إياك‏,‏ ولاهتزاز رمز الأب في مخيلتهم‏.‏



ولقد ذكرني ذلك بما روي عن الجنرال الألماني هيلموت فون هوليتكه الذي استدعاه السلطان العثماني لتدريب الجيش التركي عام‏1914,‏ فلاحظ سوء أحد الضباط الأتراك وقال له‏:‏


ـ من أين تريد ان تحصل علي وسامك ياسيدي الضابط؟


من قومك علي هذه الناحية أم من أعدائك علي الناحية الأخري ؟‏!‏


ونفس السؤال موجه إليك‏..‏ واجابته لديك وحدك‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 06:57 PM
ساحة المعركة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42907
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
28
‏9 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




قررت بعد تردد طويل أن أروي لك قصتي‏,‏ فأنا مهندس عمري‏55‏ عاما‏,‏ نشأت في أسرة يسودها المحبة والاحترام‏..‏ وشققت طريقي في الحياة وتزوجت منذ‏27‏ عاما‏..‏ وجاء الأبناء سريعا‏..‏ فتشاغلت بهم وبعملي عما اعانيه مع زوجتي من شك وغيرة وعصبية شديدة تصل إلي حد الجنون‏,‏ وقد وجدت حياتي بعد ذلك عبارة عن أوامر مشددة من زوجتي لي‏..‏ ومشاجرات مستمرة‏..‏ وصوت كالرعد يسمعه كل الجيران في عمارتنا والعمارات المجاورة‏..‏ وأنا اتحمل من أجل الأبناء‏..‏ وامضي معظم الشهور والسنوات في غرفة الأبناء كما أجدني رب الأسرة والمسئول عن كل شيء في البيت حتي ولو كان من واجبات زوجتي‏,‏ انهض من نومي فأقوم بإعداد الإفطار لنفسي وللأبناء‏,‏ وزوجتي نائمة حتي الضحي وحين تستيقظ تقطع الوقت في إجراء المكالمات التليفونية‏..‏ أو الذهاب إلي النادي أو إلي الجمعيات الخيرية تاركة كل شيء للخادمة‏,‏ والويل لمن يفكر في توجيه أي انتقاد أو لفت نظرها إلي واجبها كأم وزوجة‏..‏ أما أهلي فهم ممنوعون بأوامر من زوجتي من دخول بيتي نهائيا ومنذ زمن طويل‏,‏ وقد ماتت أمي وهي حزينة علي حالي وبعد أن نصحتني مرارا أن اتزوج مرة أخري ما دمت لا أجد راحتي مع زوجتي‏,‏ وأكدت لي أنه ليس عيبا ولاحراما علي من كان في مثل ظروفي‏,‏ غير أنني لم اجرؤ علي الإقدام علي هذه الخطوة لأن زوجتي كانت كلما لوحت لها بأنني قد أتزوج إذا فاض بي الكيل تهددني بأنني لو فعلت فلسوف تحصل علي الطلاق مني وتتزوج بعد انتهاء العدة بيوم واحد وتشرد أولادي‏!‏ فاتراجع امام هذا الجبروت وأواصل الصبر والاحتمال‏,‏ ولقد اقسمت عليها أكثر من مائة يمين طلاق فلم تبر يمينا واحدا منها ولم تأبه لما اطلبه منها‏,‏ وإذا نبهتها إلي أنها ستندم علي إساءة معاملتي وستعرف لي قدري بعد رحيلي عن الحياة‏,‏ اجابتني في برود بأن معظم السيدات يتزوجن بعد رحيل أزواجهن وأنه لا أحد يموت حزنا علي أحد ولا ندما‏!.‏


سنوات وراء سنوات لم أشعر معها يوما بطعم الحياة ولا بفرحة عيد‏,‏ ولا بمناسبة عائلية‏,‏ ولم يخفف عني ما أعانيه سوي حبي لأولادي وحرصي عليهم وتعاطفهم معي خاصة ابنتي الكبري‏,‏ وقد نصحني ابنائي بالزواج أكثر من مرة فلم اجرؤ علي الاقدام عليه حبا لهم وخوفا عليهم‏..‏ ثم جاء خاطب لابنتي فاعترضت عليه زوجتي لأنه لا يعجبها أحد في الدنيا كلها سوي نفسها‏,‏ وكانت لي أنا أيضا بعض التحفظات عليه‏,‏ لكن ابنتي رحبت به واصرت عليه لكي تهرب من جحيم البيت ومن سوء معاملة أمها التي تعاملها كخادمة‏,‏ واضرب لك مثلا واحدا علي تحكمها في وفي الأبناء‏,‏ هو أنها كانت ومازالت تحرم علي ابنتي إذا ركبت معي السيارة أن تجلس إلي جواري لأن هذا مكان الهانم وحدها‏..‏ ويجب أن يظل خاليا وتجلس ابنتي في المقعد الخلفي والويل لنا إذا خالفنا الأوامر‏..‏ وبعد مناقشات طويلة ومشاكل عديدة تزوجت ابنتي ورحلت مع زوجها إلي الدولة العربية التي يعمل بها وخلت علي الدنيا من بعدها‏,‏ وازداد غمي واكتئابي بعد أن كانت تخفف عني‏,‏ وكان آخر ما طلبته مني أن اتزوج وألحق بها حيث تقيم لأبتعد عن المشاكل فلم استطع الاستجابة‏,‏ إنني ارعي الله في حياتي وأؤدي فروضي الخمسة في المسجد ورزقي كله حلال ولم أقرب الحرام‏,‏ واوفر لزوجتي حياة لم تكن تحلم بها من قبل ومع ذلك فلا انال الرضا ولا أظفر بالحياة الهادئة أبدا‏.‏



ولقد فاض بي الكيل منذ فترة فهددتها إن لم تنصلح أحوالها أن اتزوج واضرب عرض الحائط بكل الاعتبارات‏,‏ فإذا بها ترد علي بأنني قد عشت معها طوال السنين كالنعامة ولا يصلح لي أن أحاول الآن ارتداء ثوب الأسد‏!.‏


وفي وسط ذلك كله كنت اتردد علي صديق لي منذ الطفولة له أخت ارملة لها بنتان تقيم في شقة مستقلة بنفس البيت الذي يسكن به‏,‏ واجد راحتي في الحديث إليه وإلي اخته إذا تصادف وجودها عنده‏..‏ وذات يوم اخبرني صديقي أن هناك شخصا تقدم إليه طالبا يد اخته وأن ابنتيها توافقان عليه‏,‏ وسألني رأيي بصفتي صديقا للأسرة‏,‏ فشعرت وكأن خنجرا قد غرس في صدري‏..‏ وارتفع نبضي وغمرني العرق حتي خشيت أن يلحظ علي صديقي ذلك وسألته عن رأي شقيقته في الفكرة والشخص فأجابني بأنها قد طلبت مني ان يستشيرني في الأمر باعتباري اقرب الأصدقاء إليهم‏..‏ فشعرت بأنها إشارة موحية لي وازداد اضطرابي وطلبت منه ألا يتعجل الأمر وأن يدع لنا فرصة كافية للتفكير‏..‏ وعشت اياما شبه محموم افكر في هذه السيدة ليل نهار في البيت وفي العمل‏..‏ وفي كل مكان ثم اتصلت بها في موعد اعرف أنها تكون فيه وحدها وطلبت مقابلتها لأمر مهم‏,‏ وحاولت الاعتذار في البداية لكني ألححت عليها فالتقينا في مكان عام‏,‏ فما أن جلست أمامي حتي وجدتني أبكي بكاء شديدا كالأطفال واطلب منها الا تتخلي عني لأني احتاج إليها كما يحتاج الطفل إلي أمه‏,‏ ولن احتمل الحياة بدونها فاستجابت لي بعد تردد ووعدتني بالصبر علي ظروفي وبقبولي حين أتقدم إليها بغض النظر عن استمراري مع زوجتي أو انفصالي عنها‏,‏ فشعرت بفرحة لم أشعر بها منذ سنوات طويلة‏,‏ والآن فإنني استشيرك فيما أفعل هل أطلق زوجتي الأولي وأتزوج ممن شعرت لأول مرة بإنسانيتي معها‏,‏ أم هل اتزوجها سرا بعلم شقيقها واهلها واترك اكتشاف زوجتي للأمر للظروف؟ علما بأن زوجتي الشريرة لن تتراجع عن ايذائي فيمن لا يعنيني أمر أحد سواهم وهم أولادي وربما تنفذ تهديدها لي بالزواج وتشريد الأبناء‏..‏ لكني اتساءل‏:‏ أليس من حقي بعد كل ما تحملت طوال السنوات الماضية أن احيا مع سيدة صالحة اعرفها منذ كانت طفلة صغيرة ويشهد لها الجميع بالفضل‏,‏ حتي ولو تطلب الأمر أن اسعي للعمل في الدولة التي تعيش فيها ابنتي وألحق بها وابتعد عن زوجتي الأولي‏..‏



إنني أطلب مشورتك وأعرف مقدما رأيك في الزواج الثاني الذي لا تفرضه ضرورة شرعية لكنني استحلفك بالله العظيم ألا تظلمني وألا تطلب مني أن انسي هذه السيدة أو أن أعدل عن الفكرة وأواصل الصبر والاحتمال إلي ما لا نهاية من أجل الأبناء‏..‏ لأن هذا حرام والله العظيم ولأن الأبناء لم يعودوا صغارا الآن وهم يلمسون معاناتي ويرون بأعينهم ما أكابده ويقدرون ظروفي‏,‏ ولقد سبق أن قلت لك إن ابنتي الكبري كثيرا ما نصحتني بالزواج لحل لمشكلتي‏..‏ فماذا تقول لي؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


أمر محير حقا أن اشير عليك وأنت تستحلفني باستبعاد نصيحة معينة من حديثي إليك فتضيق علي بذلك دائرة التفكير والخيارات‏..‏ لكني سأحاول علي أية حالة أن أشير عليك بما لا يتناقض مع آرائي السابقة ولا يكلفك في نفس الوقت من امرك رهقا‏!.‏


يا سيدي استشر ابناءك فيما يشغل فكرك الآن وهم راشدون أو يقتربون علي الأرجح من سن الرشد‏..‏ ولا تعتمد في ذلك علي نصائحهم السابقة لك بالزواج لأنها ربما كانت وليدة اللحظة الانفعالية عند وقوع الأزمات بينك وبين زوجتك في حضورهم‏,‏ ولقد يختلف رأيهم لو طلب منهم الآن إبداء الرأي عند التفكير الجدي من جانبك في الزواج وبغير التأثر بضغوط الانفعال العابر‏,‏ بل إن رأي ابنتك نفسها وقد كانت أكثر الأبناء نصحا لك بالزواج قد يختلف الآن بعد أن تزوجت وخبرت مشاعر الزوجة التي يشقيها دائما أن يشاركها أحد في زوجها حتي ولو لم تكن الزوجة المثالية له‏.‏



وسواء أيدك الابناء في رغبتك في الزواج أوعارضوك فيها‏,‏ فإن التخفي بزواجك الآخر عن زوجتك وترك أمر اكتشافها له للظروف‏,‏ ليس مما يليق بالرجل الأمين الذي يشعر بأنه لا يقترف إثماولا يعتدي علي حق ويؤمن بعدالة موقفه‏,‏ فإذا أصررت علي عدم التخلي عن الفكرة فافعل كما يفعل الفضلاء‏,‏ وواجه زوجتك بما تعتزم‏,‏ وبرر لها رغبتك في الزواج من غيرها بما تعانيه وتفتقده في حياتك معها‏,‏ وخيرها بين الاستمرار معك بعد زواجك مع تحملك لكامل المسئولية عنها وعن أبنائك ومع العدل بينها وبين الأخري‏,‏ وبين الانفصال عنك وديا ونيل كل حقوقها الشرعية واستمرارك في تحمل المسئولية المادية والعائلية الكاملة عن أبنائك‏.‏


ولا مفر من ذلك ولا مهرب‏..‏ ذلك أن لكل اختيار تبعاته وضريبته واجبة الأداء‏,‏ وكما أن لاستقرار حياة الأبناء وأمانهم ونشأتهم الطبيعية بين أبويهم‏,‏ ثمنا هو معاناتك مع زوجتك وصبرك عليها‏..‏ فإن للاستمتاع بالحب والعاطفة والسعادة الشخصية ثمنا كذلك في مثل حالتك هو اضطراب حياة الأبناء العائلية وتمزقهم بين أبوين منفصلين أو متغاضبين أو متباعدين‏,‏ غير أن هناك بصيصا من الأمل لا ينبغي اغفاله بالرغم من وهنه وضعفه‏,‏ وهو أن زوجتك قد تستشعر لأول مرة جدية عزمك علي الزواج واختلاف الأمر هذه المرة عن التهديدات الكلامية السابقة‏,‏ فتحس بالخطر الحقيقي علي حياتها الزوجية وحياة ابنائها العائلية‏..‏ وتكف عن التحدي والمكابرة والتهديد بزواجها بعد الانفصال‏,‏ وتنهض لحماية حياتها العائلية من التصدع والانهيار ولاستعادة زوجها قبل أن يفلت من يدها للمرة الأخيرة‏..‏ وتصلح من شأنها فتسحب بذلك البساط من تحت قدميك فلا تجد مبررا للاستمرار في الشكوي منها وهي قادرة علي ذلك إن أرادت‏,‏ فماذا تراك سوف تفعل اذا حدث ذلك؟‏.‏



هل تصر علي مواصلة المشوار مع الأخري بعد زوال الأسباب‏,‏ فتفقد بذلك تأييد ابنائك لك وتعاطفهم معك‏,‏ أم تغالب نفسك ومشاعرك وتعتذر للأخري وتدعها لمن لا تثقله مسئولية زوجة وابناء مثلك‏,‏ فتهدأ مشاعرك بعد حين وتواصل حياتك العائلية في سلام؟‏.‏


إنها معركة لا مفر من خوضها إما مع نفسك‏..‏ أو مع زوجتك‏,‏ وربما مع ابنائك أيضا‏,‏ فاختر الساحة التي تخوض فيها وقديما قال شاعر الإنجليزية الأعظم وليم شكسبير‏:‏لاتدخل معركة‏..‏ ولكن إذا دخلت فاثبت‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:02 PM
التــوازن الصــعب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42907
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
28
‏9 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




انا فتاه عمري‏33‏ سنة‏,‏ جامعية وعلي مستوي اجتماعي وثقافي ومادي فوق المتوسط‏,‏ والدي طبيب ووالدتي موجهة لغة انجليزية وأخي وأختي جامعيان وانا اصغر اخوتي‏,‏وقد ولدت بإحدي الدول العربية حيث كان يعمل والدي ووالدتي وعشت هناك أجمل سنوات عمري حتي حصولي علي الثانوية العامة بمجموع كبير وعدت الي مصر والتحقت بجامعة القاهرة وتخرجت فيها‏.‏


ومنذ‏3‏ سنوات جاءت لي فرصة للعمل كسكرتيرة تنفيذية لمدير مشروع بشركة أجنبية باحدي المدن البعيدة‏,‏ وبعد معارضة واختلاف في وجهات النظر مع الأسرة كلها استطعت السفر والعمل هناك لكي أثبت لنفسي قدرتي علي العمل في أحلك الظروف ولكي اعتمد علي نفسي وأكون شخصية مستقلة‏,‏ وبعد فترة أحببت زميلي في العمل هناك بعد أن التقت نظراتنا منذ أول يوم التقينا فيه وصارحني بحبه وطلب مني الزواج‏,‏ واعترفت له بحبي ولكني خشيت رفض والدي له نظرا لضعف إمكاناته المالية وعلينا تأجيل مشروع الزواج حتي يستطيع تحسين ظروفه المالية‏,‏ وتعمق حبنا مع الأيام‏,‏ وأصبحنا لا نستطيع أن نفترق عن بعضنا‏,‏ ولعدم قدرتي علي فعل الحرام وخشيتي من أن أفعل أي شيء يغضب الله ونتيجة لحظة اندفاع غير محسوبة العواقب فقد تزوجنا عرفيا‏,‏ ولم أكن أعلم في ذلك الوقت أن زواج البكر حتي ولو كانت كبيرة السن لا يجوز بغير ولي‏,‏ وعشنا أنا وزوجي اياما غير محسوبة من الزمن وكانت أجمل أيام عمرنا وأقمنا معا بعد أن أخبرنا‏80%‏ من زملائنا بالعمل بحقيقة زواجنا كما علم أهله جميعا بالخبر وكذلك أصدقائي ولكن لم نحجب حقيقة زواجنا سوي عن أهلي‏.‏



وبعد انتهاء المشروع هناك وعودتنا الي القاهرة بفترة أخبرتني صديقتي أنها شاهدت أحد الدعاة يقول في التليفزيون ان الزواج بدون معرفة الولي يعتبر باطلا وبالتالي وبناء علي اتفاق مع زوجي توقفت تماما العلاقة الزوجية بيننا ولكن ظللنا علي حبنا وتعاهدنا علي أن نكون لبعضنا الي النهاية وعلي أننا سنتزوج عندما تتحسن الظروف ويجد فرصة عمل مناسبة‏,‏ ولم يكن حتي ذلك الوقت قد وجدها‏,‏ وحين وجد العمل واستطاع تحسين ظروفه وبدأنا الاستعداد ليتقدم لأهلي ويطلب الزواج مني علم والدي بأمر زواجنا نتيجة لتفاصيل كثيرة لا أستطيع ذكرها الآن‏,‏ وكانت كارثة الكوارث بجميع المقاييس إذ لا تتخيل مدي ما نالني من كل أفراد العائلة كما أقسم والدي بأنه لن يزوجني شرعيا من زوجي وحبيبي ما حييت حتي ولو كان آخر رجل في الدنيا‏,‏ وبأنني لو أردت الزواج منه فيجب أن أترك المنزل وسيغضب علي الي يوم الدين‏,‏ وأنه حتي يستطيع أن يسامحني بمرور الزمن فعلي أن ألازم المنزل وأنسي هذا الشخص تماما حتي أكفر عن ذنبي وحتي يقضي الله في أمرا كان مفعولا‏.‏


وأنا الآن لا أستطيع الاختيار فكلا الاختيارين مر كالعلقم‏,‏ لأنه يخيرني بين أن أبتر يدي اليمني أو أن أبتر يدي اليسري‏,‏ فأنا وزوجي نحب بعضنا ونريد الزواج شرعيا أمام كل الناس وان نواصل حياتنا معا‏,‏ ووالدي يرفض ويتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور لو فعلت ذلك وخرجت علي طاعته‏.‏ وحتي بعد أن اتصلنا بدار الإفتاء أنا وابنة عمتي وأخبرنا الشيخ بأن الشرع يحتم علينا الزواج وبعد أن التجأت لكل افراد العائلة وحاولوا إقناعه بلا جدوي مازال والدي مصرا علي موقفه ولا يتراجع عنه‏,‏ وبعد فترة قرر أنه من الممكن أن يزوجني من حبيب عمري علي أن يطلقني منه في اليوم نفسه‏,‏ ولكنني رفضت ورجوته أن يسمح لي بالزواج منه وألا يغضب علي‏,‏ وألا يدعو علي بالشر كما يفعل‏,‏ ولكن بلا فائدة فهو لا يريد أن يتزحزح عن موقفه‏.‏



إنني أرجوك أن تتحدث الي والدي وتحاول إقناعه بأن يسامحني ويغفر لي خطيئتي في حقه وحق أخي وحق الجميع‏,‏ وأخبره بأنني نادمة أشد الندم علي ما فعلت في حقه وأنني أدعو الله في كل صلاة أن يسامحني ربي ويسامحني والدي‏,‏ وأرجوك أن تناشده بأن يكرمني ويرضي بزواجي ويدعو لي بالخير وألا يغضب علي لعل الأيام تثبت له أن زوجي انسان أمين وسأكون سعيدة معه‏,‏ فهل تفعل؟‏..‏ إنه يقرأ لك ويقتنع بآرائك فهل تكتب له كلمة؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أسأت الي نفسك والي إأبيك وأهلك باقدامك علي هذه الخطوة المصيرية بعيدا عن الأهل وبغير اذن وليك الشرعي أو قبوله‏,‏ فلماذا اقدمت عليها وانت تدركين جيدا ماسوف يترتب عليها من تبعات ومشكلات؟


ولماذا لم تصبري علي نفسك الي ان يتقدم اليك فتاك بالسبل المألوفة وينجح في تذليل الصعاب التي تعترض طريق ارتباطه بك؟



إنك لست فتاة غرة في الثامنة عشرة من عمرها وإنما فتاة ناضجة تخطت الثلاثين‏,‏ وكان من واجبك ان تسلكي الطريق المألوف للزواج والارتباط‏,‏ وليس طريق الزواج العرفي السري بالنسبة للأهل‏,‏ ووالدك محق بكل تأكيد في غضبه منك واستشعاره لجرح الكرامة والخروج علي طاعته‏,‏ لكني بالرغم من ذلك سوف احاول ان اخاطب فيه الأب العادل الذي قد يغضب علي بعض ابنائه‏,‏ وقد يرضي عنهم‏,‏ لكنه في الحالين هو دائما من أهل الفضل الذين قال عنهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه انهم اذا رضوا لم يدخلهم الرضا في باطل‏,‏ واذا غضبوا لم يخرجهم الغضب عن حق‏,‏ واذا قدروا عفوا‏..‏ نعم ياسيدي واذا قدروا عفوا فهذا هو قدر الآباء الرحماء دائما قد يغضبون لكنهم ابدا لايسمحون لغضبهم ان يصل الي حد الانتقام‏,‏ وقد يألمون لكنهم ابدا لايسمحون لآلامهم أن تحرم أبناءهم مما يرون فيه سعادتهم وهناءهم حتي ولو لم يرضوا عن بعض اختياراتهم في الحياة‏,‏ ولا يستجيبون لانفعالات الغضب وجرح الكرامة إلي النهاية‏,‏ وإنما يتعالون بعد قليل علي جراحهم ويضحون ببعض اعتباراتهم‏,‏ ويواصلون العطاء لابنائهم‏,‏ وهم يحتسبون عطاءهم هذا عند ربهم‏,‏ ولأنه من أهل الفضل هؤلاء‏,‏ فإنني أناشد أباك أن يكتفي من العقاب لك علي فعلتك هذه بما مضي من الرفض والاستنكار‏,‏ وأن يعيد النظر في موقفه من ارتباطك بهذا الشاب‏,‏ ويحقق التوازن الصعب بين الاعتبارات العائلية والاجتماعية التي يحرص عليها‏,‏ وبين رغبتك فيمن تريدين مشاركته رحلة الحياة‏,‏ وليس ذلك بالأمر السهل لكنه أيضا ليس بالمستحيل علي أهل الفضل من الآباء‏,‏ وإني لأرجو ألا يرد رجائي وألا يطول الانتظار حتي يقرر الاكتفاء بما حدث حتي الآن‏,‏ ويمنحك مباركته لاختيارك مهما تكن تحفظاته عليه‏..‏ ويدع لك الفرصة لخوض التجربة في العلن وفي ظلال مباركة الأهل وتحت أنظارهم وليس بعيدا عنهم‏..‏ أو وأنت مقطوعة الصلة بهم‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:03 PM
الهـــالــــة الفضـــــية‏!‏





بـريــد الأهــرام
42907
‏السنة 127-العدد
2004
مايو
28
‏9 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




سيدي عندما قرأت رسالة العجلة الدوارة انتابني الاستياء الشديد تجاه هذه السيدة التي وهبها الله الزوج الصالح والأبناء والبيت الجميل الهادئ والأمان فتتمرد علي كل هذه النعم وتقسو علي هذا الزوج الطيب‏,‏ الذي يحاول إرضاءها بجميع السبل‏,‏ ولو كلفه ذلك الاقتراض لكي يرضي جشعها‏.‏


فقابلت كل هذا بالجحود والخيانة والتخلي عن فلذات الأكباد‏,‏ وتطلعت إلي زوج صديقتها الثري طمعا في ماله واختطفته منها وتزوجته‏,‏ فإذا بأحواله تتغير بعد بضع سنوات ويضيع المال ويدخل السجن‏,‏ وما جعلني أكتب إليك هو أن قصتي علي نقيض هذه القصة تماما برغم تشابه ظروف الأسرة التي نشأت فيها‏.‏



فأنا سيدة في منتصف العمر وهبني الله تعالي الجمال والخلق والأصل الكريم‏,‏ وقبل كل ذلك القناعة التامة والرضا بالمكتوب خيره وشره‏,‏ نشأت في أسرة متوسطة وكنا خمسة أخوة‏,‏ كافح والدنا الموظف الكبير لتعليمنا وكنت كبري أبنائه‏.‏ وحرصت منذ الصغر علي العلم وتفوقت في دراستي والتحقت باحدي كليات القمة‏,‏ وفي هذه الكلية نظرت فرأيت من ترتدي أحسن الثياب ومن تركب سيارة من أحدث موديل‏,‏ فلم يزدني هذا إلا إصرارا علي النجاح والتفوق وكنت بقناعتي أري نفسي أجمل وأشيك طالبة في الكلية‏.‏


وتعلمت الحياكة وبدأت أصنع ملابسي بنفسي بل وملابس بعض الزميلات أحيانا‏,‏ وكانت هذه الملابس الجميلة المحتشمة تبدو وكأنها أجمل من أي ملابس أخري‏,‏ حتي اشتهرت بأناقتي وذوقي الرفيع‏,‏ كما عزفت عن الاستجابة لمحاولات أي شاب من زملاء الكلية للارتباط العاطفي بي‏,‏ ليس لأنني أطمع في الارتباط برجل ثري وإنما لأنني طرحت هذا الأمر جانبا حتي انتهي من دراستي‏,‏ وأرد بعض الدين لوالدي ووالدتي‏,‏ وهكذا واصلت دراستي حتي تخرجت وعملت علي الفور واستطعت بتوفيق من الله أن أشارك في أعباء الأسرة‏,‏ وكانت أسعد لحظات حياتي حين أسمع أمي رحمها الله وهي تدعو لي بالخير‏,‏ وحين أري فرحة إخوتي كلما اشتريت لهم بعض حوائجهم‏.‏



وبعد تخرجي بثلاث سنوات تقدم لخطبتي موظف ميسور الحال من أصل طيب ارتحت له نفسيا ووافق والدي عليه‏,‏ أما أمي فكان رأيها أنني أستحق من هو أعلي منه مركزا وأكثر مالا‏,‏ فذكرتها بحديث رسول الله صلي اله عليه وسلم‏:‏ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏,‏ وكيف أنني لا أطمع في أكثر من الدين والخلق فوافقت ودعت لي بالسعادة والتوفيق‏.‏


وتزوجت في شقة متواضعة وكنت سعيدة جدا بها وبالزوج الطيب الذي رزقني الله به‏,‏ وازددت حرصا علي الصلاة والدعاء إلي الله بدوام هذه النعم ورزقنا الله بالأولاد وكانت حياتنا تمضي في هدوء‏,‏ وكان مستوي معيشتي بعد الزواج لا يزيد علي مستوي معيشتي في بيت أسرتي إلا قليلا‏.‏



ولم أتطلع في يوم من الأيام إلي الثراء لأنني أعرف أنه زخرف زائل‏,‏ وكانت كل دعواتي إلي الله بدوام الصحة والستر وصلاح الأولاد‏.‏ ثم انتقلنا الي مكان آخر في نفس الإقليم الذي أعيش فيه وترك زوجي الوظيفة وتفرغ لمشروع تجاري شاركته فيه بكل ما أملك من مال‏,‏ ونجح المشروع نجاحا ظاهرا‏,‏ في حين كبر الأبناء والتحقوا بالمدارس وكنا نواجه بين الحين والآخر بعض الأزمات المادية فأضطر إلي بيع بعض مصاغي ونعاود النجاح مرة أخري‏,‏ وأنا دائمة الشكر لله في السراء والضراء‏,‏ إلي أن جاءت الضربة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون وقضت علي الأخضر واليابس‏,‏ فقد تعرضت تجارة زوجي للإفلاس‏,‏ وفقد كل مايملك وأصبحنا علي حافة الهاوية ووجدت نفسي أواجه الحياة بمفردي والديون تلاحقني في كل مكان‏,‏ وزوجي بدون عمل والأبناء في المرحلتين الثانوية والجامعية‏,‏ ودخلي من عملي لايكاد يفي بكل هذه الالتزامات‏.‏ فبعت كل ما أملك لأسدد جزءا من الديون المتراكمة‏,‏ وعملت عملا آخر بالاضافة إلي عملي ولزم زوجي المنزل وانتابته حالة إحباط شديد وشعور بالذنب‏,‏ لأن ما وصلنا إليه من حال راجع إلي تقصير منه‏.‏ ووجدتني في هذه الظروف يزداد إيماني أكثر من ذي قبل‏,‏ ويطمئن قلبي دائما بذكر الله الذي يخرجني من كل ضيق وييسر لي كثيرا من الأمور العصيبة‏,‏ حتي أنني أحيانا وبعد الصلاة في الثلث الأخير من الليل أري في نومي إشارة لحل بعض مشاكلي وإلي من ألجأ‏,‏ وازدادت جرعة ايماني وكنت أختلي بنفسي كثيرا لأصلي وأقرأ القرآن وأحرص علي صلاة القيام والتهجد‏,‏ وأدعو الله آناء الليل وأطراف النهار وأدركت أنه ابتلاء من الله وحمدت الله كثيرا أنه ابتلاء في المال وليس في شئ آخر‏.‏



فلم يكن المال يمثل لي في يوم من الأيام غاية بل هو وسيلة للعيش والستر‏.‏ ووسط هذه الأعاصير الشديدة تمر سحابة صيف جميلة تنزل الغيث‏,‏ تروي الظمأ وتبدد الأحزان فيكرمني الله سبحانه وتعالي بين الحين والآخر بالطيبين والطيبات يمدون لي يد العون والمساعدة‏.‏


وأدعو الله أن يكرمني قريبا بتسديد بقية الديون وإخراج زوجي من أزمته‏,‏ وايجاد عمل مناسب له لأنه إنسان طيب القلب عطوف علي أهله‏,‏ ويساعد أي انسان يلجأ إليه ولو علي حساب نفسه‏.‏ وأنا علي يقين من أن الله سوف يخرجنا من هذه الأزمة أقوي وأصلب من ذي قبل‏,‏ ذلك أني لم أقصر في حق الله ذات يوم ولا حق زوجي ولا أولادي‏,‏ وأعطي كل ذي حق حقه وأرعي الله في جميع أعمالي ومعاملاتي مع الناس‏,‏ وأمد يد العون لكل إنسان يلجأ لي حتي في أحلك الظروف ولا أظهر لأحد ما أعانيه‏.‏



ومازلت حتي هذه اللحظة أواجه قدري بصبر وإيمان داعية الله سبحانه أن يأجرني في مصيبتي ويبدلني خيرا منها وهو سبحانه وتعالي يجزي من يبتلي بالهم والغم والحزن حسن الثواب في الآخرة وحتي الشوكة يشاكها المؤمن له ثواب‏.‏


إنني أدعو الله وأرجو من القراء الأعزاء أن يدعوه معي أن يكشف عني هذا الكرب‏,‏ ويأتي الفرج قريبا بإذن الله‏.‏



وأختم رسالتي بهذا الدعاء الجميل‏:‏


اللهم رضني بما قضيت لي‏,‏ وبارك لي فيما أبقيت حتي لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت‏.‏


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


هناك مثل انجليزي قديم يقول‏:‏ إن كل سحابة سوداء حولها هالة فضية‏,‏ بمعني أن كل محنة تواجه الانسان قد تحمل معها تباشير قرب انفراجها‏.‏ وما تواجهينه في حياتك الآن هو سحابة من هذا النوع‏,‏ لن يطول وقوفها في سمائكم‏,‏ وإنما سوف تتسع الهالة الفضية المحيطة بها وتملأ حياتكم ضياء ونورا قريبا بإذن الله‏,‏ فواصلي صبرك وكفاحك ياسيدتي وتمسكي بجميل الظن بالله سبحانه وتعالي إلي النهاية‏,‏ لأن حسن الظن بالله من شعب الإيمان‏,‏ ولسوف يكشف الله سبحانه وتعالي عنك هذه الغمة في القريب‏..‏ ويرجع الأمان والاطمئنان إلي حياتكم من جديد ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب صدق الله العظيم‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:06 PM
الأبــــواب المغـلقـــــــــة


بـريــد الأهــرام
42914
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
‏16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




أنا شابة عمري‏25‏ عاما ارتبطت بزوجي بعد قصة حب كبيرة وأنا سعيدة معه والحمد لله وهو يحسن معاملتي ويرعي الله في كل شئوني لكن مشكلتي هي علاقتي مع أهلي حيث أني تزوجت بدون موافقتهم بعد أن أعيتني الحيل معهم لاقناعهم بمن أحببته‏,‏ وزوجي والحمد لله متدين ومواظب علي الصلاة ومستواه العلمي والاجتماعي جيد ومقارب لمستوي أسرتي إلا أن والدي ووالدتي عاشا في دولة عربية لفترة طويلة فأصبح مستواهما المادي أفضل من مستوي أهل زوجي‏.‏ وقد تقدم فتاي إلي والدي وأنا في السنة النهائية من دراستي بإحدي كليات القمة‏,‏ إلا أن والدي طلب تأجيل هذا الموضوع إلي أن أكمل دراستي‏,‏ وسافر أبي وأمي إلي حيث يعملان في الدولة العربية وتركاني مقيمة في سكن للمغتربات كما اعتدت أن أفعل كل عام‏.‏ وكنت خلال تلك الفترة التقي بفتاي بعد أن تأكدت من حسن نيته ومن جديته‏.‏ واكتشفت في هذا الشاب صفات جميلة كثيرا ما حلمت بها‏.‏ إلا أن الرياح جاءت بما لاتشتهي السفن‏,‏ فقد علم زوج أختي أنني ألتقي بهذا الشاب عن طريق أحد أقاربه الذي رآنا معا فاستدعاني زوج أختي وطلب مني ألا ألتقي بهذا الشاب مجددا إلي أن يأتي والدي‏.‏ واستأت كثيرا من تدخل زوج أختي في هذا الموضوع الشخصي ولأني بشهادة الجميع انسانة عاقلة وراشدة كما أن علاقتي بفتاي لم تكن تشوبها أي شائبة فلم أستمع لكلامه واستمرت علاقتنا لكي نتعارف أكثر وتتم الخطبة بعد عودة والدي‏,‏ إلا أن زوج أختي استمر في فرض وصايته علي بتشجيع أختي حتي أنه منعني من الذهاب إلي الكلية ومنعني من الخروج أو التحدث بالهاتف لأي سبب وراحت أختي تشوه صورة هذا الشاب لدي والدي إلي أن وصل إلي مرحلة الرفض التام له‏,‏ ولأول مرة في حياتي رسبت في مادتين وأنا في السنة النهائية بسبب غيابي عن الكلية‏.‏ واعتقد والدي أن فتاي هو السبب في تأخر مستواي الدراسي علي عكس تفوقي السابق وزاده ذلك رفضا له وكانت أمي غير موافقة منذ البداية لأنها كانت تريد أن تزوجني من طبيب وتحلم لي بمستوي معين من الحياة‏.‏ وزاد الطين بلة أن أخي الأكبر كان مسافرا وعندما عاد أبلغته أختي بما كان من أمري‏,‏ فكره أخي فتاي قبل أن يراه أو يتعرف عليه وراح أخي يضربني كلما علم أني اتصلت به‏.‏ وبذلك أصبح الجميع ضدي دون أن يحاولوا معرفة هذا الشاب أو يلتقوا به‏,‏ وهو من ناحيته كان يحاول اقناع والدي‏,‏ وأبي يصده ويسوف في موضوع الارتباط ويؤجله إلي بعد امتحانات الدور الثاني أو بعد النتيجة إلي أن أخبرني عمي أنه قا



بل فتاي مع والدي وأن رأيه فيه أنه شاب جيد وطلب مني الانتظار حتي ظهور النتيجة وانتظرت والتزمت بوعدي لعمي بعدم مقابلة فتاي إلي أن يسمح لي بذلك‏,‏ وسافر أبي مرة أخري لعمله وأحسست أنه يتلاعب بمشاعري وساءت حالتي الصحية وأصبت بارتفاع ضغط الدم‏,‏ وهزل جسمي إلي أن رجع أبي وطلب فتاي مقابلته وفوجئت برده الحاسم بأنه يرفض زواجي من فتاي رفضا قاطعا جامعا وحاولت التحدث معه واقناعه بكل الوسائل بالكلام والصمت والبكاء والامتناع عن الطعام فلم يجد ذلك شيئا‏,‏ وكان مبرر أبي للرفض هو أن فتاي أقل من مستوانا وأني أستحق من هو أفضل منه‏.‏ واستمر الوضع هكذا لمدة عام ولم يخطر ببالي ذات يوم أنني يمكن أن أتزوج هذا الشاب بغير وجود أهلي ومباركتهم لزواجي‏..‏ لكني لم أجد مفرا في النهاية سوي ذلك وعقدت قراني عليه وتكتمت الأمر عن أهلي وبعد فترة واجهتهم بزواجي منه فقابلوني بعاصفة من الضرب والسب والاهانة حتي خشيت علي نفسي من تهور أخي الذي لم يكن قد علم بعد بزواجي فتركت البيت وتوجهت خائفة وحزينة إلي أهل زوجي بعد أن صارحهم زوجي أننا متزوجان وكانت لديهم خلفية عن رفض أهلي لابنهم فاستقبلوني بكل الحب وأحسست من أول لحظة أنهم أهل لي‏.‏ وتخلي والدي ووالدتي عني تماما ولم يتحملا أي شيء من تكاليف الزواج أو تجهيز شقة زوجي التي يمتلكها وتكفل والد زوجي الحبيب بكل تكاليف الأثاث وحتي أغراضي الشخصية ولم أحصل من أبي وأمي إلا علي ملابسي‏,‏ مع العلم أنهما قادران وجهزا شقيقتين لي علي أكمل وجه‏,‏ وحاولت اصلاح علاقتي بهما بعد انتقالي إلي منزل زوجي إلا أنني لم أجد منهما إلا الجفاء خاصة والدتي‏,‏ وبعد محاولاتي المستميتة تحسنت علاقتي بهما إلي حد ما‏.‏ إلا أن والدتي لم تأت لزيارتي في بيتي‏,‏ حتي الآن ورغم مرور‏3‏ سنوات علي زواجي وأنا الآن حامل ولدي طفل جميل وسعيدة جدا مع زوجي والحمد لله ولم أندم للحظة واحدة علي اختياري له غير أن أهلي وبالرغم من زيارتي لهم كل فترة لا يسألون عني أبدا وزوجي يشجعني علي زيارتهم دون أن تكون له أي صلة بهم فهل أنا مخطئة لأني اخترت حياتي كما أريدها؟‏!‏



إنني أعرف أنني أخطأت ولكني لم أكن لأرتكب هذا الخطأ لو كانوا وافقوا علي زواجي منذ البداية ولم يحرموني من رضاهم عن اختياري‏,‏ والسؤال الذي يقض مضجعي هو‏:‏ إلي متي سوف يستمر جفاؤهم لي وألا تشفع لي سعادتي مع زوجي لكي يسامحوني علي زواجي بغير علمهم ويعلموا أني لم أسيء الاختيار‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


بقدر عمق الجراح يتأخر الشفاء ويطول العلاج‏..‏ وإذا كانت جراح الجسم قد تبرأ في وقت معلوم‏,‏ فإن جراح النفس بطبيعتها بطيئة البرء والشفاء‏,‏ فاصبري علي أبويك إلي أن يداوي الزمن جراحهما‏..‏ ويذيب المرارة التي شابت نفسيهما تجاهك‏,‏ وواصلي سعيك الدءوب لاسترضائهما والاعتذار إليهما عن خروجك علي طاعتهما وزواجك بمن اخترت بغير إذنهما وفي غيبتهما‏,‏ وأشركي زوجك معك في محاولات الاصلاح ورأب الصدع فالحق أنه مدين مثلك بالاعتذار لأبويك عن زواجه منك بغير إذنهما ومباركتهما‏,‏ ومن واجبه تجاهك أن يشاركك الجهد في ترضية النفوس والإقرار لأهلك بخطئكما في حقهم والاعتذار عنه‏,‏ ولتكن سعادتكما معا‏,‏ وحسن عشرة كل منكما للآخر وانجابكما لطفلكما الأول والاستعداد لاستقبال الطفل الثاني خير شفيع لكما لدي أبويك لكي يتجاوزا عما حدث‏,‏ ويفتحا لكما أبواب قلبيهما المغلقة الآن دونكما ويكفيكما عقابا لكما علي ما فعلتما فترة الجفاء والتحفظ السابقة كما يكفيك أن حجب عنك أبواك مساندتهما لك عند الزواج‏,‏ فلم يتكفلا بأعبائه كما فعلا مع أختيك‏,‏و حتي اضطر زوجك لتحمل كل تكاليفه بغير مشاركة من أهلك‏,‏ وفي ذلك ما فيه من حرج لك ونقص في الاعتبار‏,‏ كما يكفيكما أيضا مرور ثلاث سنوات علي زواجكما لكي يعيد أبواك النظر في موقفهما منك‏..‏ ويعدلا عن التحفظ معك‏,‏ وتعود العلاقة الطبيعية بينكما‏,‏ واني لآمل ألا تحرمك والدتك من مودتها ومشورتها واهتمامها بأمرك كما تفعل مع بقية أبنائها‏,‏ كما آمل أيضا ألا يغلق والدك أبواب رحمته دونك وأن يرجع إلي سابق عهده معك راعيا وسندا لك في الحياة‏,‏ كما ينبغي للأب دائما أن يكون بالنسبة لأبنائه مهما تورطوا في حماقات في بعض الأحيان‏..‏



وأحسب أنه لن يطول الوقت قبل أن تشرق شمس حياتك برضا أبويك عنك وصفحهما عما كان من أمرك‏,‏ واغداقهما عليك بالعطف والرعاية كما هو قدر الآباء والأمهات دائما علي طول الزمان‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:07 PM
الثمن الغالي


بـريــد الأهــرام
42914
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
‏16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




أريد أن أعترف لك بإثم ارتكبته لكي أخلص ضميري من عبئه‏..‏ وإن كنت لم أنج من دفع ثمنه‏..‏ فأنا رجل متوسط العمر أعمل في منصب قيادي باحدي الهيئات‏,‏ ولي صديق تزوجت ابنته من شاب كان يعمل تحت رئاستي بالهيئة‏.‏ وبطبيعة الحال فقد سألني صديقي عنه قبل الارتباط فشهدت له بحسن الخلق والجدية والالتزام‏..‏ ثم تم الزواج ولأسباب لا أعرفها لم يوفق الزوجان في حياتهما معا ولم تطل عشرتهما‏..‏ ورغب الشاب في أن يطلق ابنة صديقي‏,‏ واستنجد بي الصديق فحاولت إقناع الشاب بالعدول عن الطلاق دون جدوي‏,‏ وتم الطلاق بالفعل فاستأت لعدم نجاحي مع هذا الشاب‏,‏ وكرهته‏,‏ ومضت الأيام ثم اتصل بي أحد المعارف ليقول لي أن هذا الشاب قد تقدم لخطبة فتاة من أقاربه ويريد أن يعرف رأيي فيه لابلاغه لأهل الفتاة قبل الرد عليه‏,‏ فوجدتها فرصة للتنفيس عن ضيقي بهذا الشاب وأبديت فيه رأيا سيئا للغاية وقلت فيه ما أعلم أنه ليس من صفاته‏,‏ ولا أدري لماذا قسوت عليه وظلمته علي هذا النحو‏,‏ وحمل الرجل رأيي إلي أهل الفتاة فرفضوه‏,‏ وشاءت الظروف أن تتكرر نفس القصة مرة ثانية بعد شهور إذ سألني عنه والد فتاة تقدم هذا الشاب إليها‏,‏ فلم أكتف بتجريحه والاساءة إليه فقط‏,‏ وإنما أعطيت أيضا والد الفتاة رقم تليفون ابنة صديقي مطلقة هذا الشاب ليتحري منها عنه‏..‏ فانتهزت هي الفرصة لتقطيعه‏,‏ واتصلت بي تشكرني علي أن أتحت لها هذه الفرصة‏..‏



ومرت سنوات ورحلت زوجتي يرحمها الله عن الحياة‏..‏ وواجهت الحياة وحيدا لفترة‏..‏ ثم ضقت بالوحدة وفكرت في الزواج مرة ثانية وتلفت حولي أبحث عن سيدة متوسطة العمر مطلقة أو أرملة تكون زوجة ملائمة لي‏,‏ فخطرت علي بالي ابنة صديقي المطلقة منذ بضع سنوات ولم تتزوج‏,‏ وتساءلت‏:‏ ماذا يمنعني من الارتباط بها و فارق العمر بيننا ليس بالكبير جدا؟ وتحدثت إلي صديقي فوجدت منه ترحيبا وتحدثت إليها فلقيت منها التشجيع‏,‏ وهكذا تزوجتها‏..‏ وبدأت حياتي معها‏,‏ فإذا بي ألمس بعد قليل سوء طباعها وسوء عشرتها وذهلت حين اكتشفت أنها تسرق نقودا من حافظتي دون علمي‏,‏ ولم أشأ أن أظلمها بغير بينة وأردت التأكد فعددت النقود الموجودة بحافظتي قبل النوم ونمت وفي الصباح عددتها فوجدتها ناقصة‏!‏ كما لاحظت كذلك أنها تسرق من نقود الزكاة الموضوعة في مظاريف بأسماء من ستوجه لهم رغم علمها بأنها نقود زكاة‏,‏ وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد‏..‏ أو ليته اقتصر علي حد إهمالها لبيتها ونظافته وسوء طهيها وصوتها العالي‏,‏ فلقد بدأت ألاحظ أن جرس التليفون يرن كثيرا في وجودي فإذا رددت عليه لم أجد سوي الصمت‏,‏ أما إذا ردت هي فإن الحديث يطول وتزعم لي أن المتصل إحدي صديقاتها‏,‏ فإذا تأكدت من أنه رجل زعمت أنه من الأهل‏.‏



فأدركت حينذاك فقط لماذا أصر زوجها السابق علي طلاقها ولم تفلح معه محاولاتي للعدول عن الطلاق‏..‏ وعرفت أنني قد ظلمته ظلما بينا حين افتريت عليه ما ليس فيه في شهادتي لمن سألوني عنه وأفسدت عليه زيجتين كان يسعي إليهما‏..‏


وإنني أشعر أنني قد أجرمت في حق هذا الشاب وقلت فيه بالباطل ما ليس فيه‏,‏ ولا يخفف من إحساسي بالاثم سوي أنني قد تجرعت من نفس الكأس التي أردته أن يواصل تجرعها للنهاية‏..‏ وإني لأرجو أن يغفر الله لي هذا الاثم‏..‏ وأكتب إليك هذه الرسالة لكي أقر بذنبي وأنصح غيري ألا يفعلوا ما فعلت لكيلا تؤرقهم ضمائرهم أو يدفعوا ثمنا غاليا كالذي دفعته‏..‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


من المؤسف حقا أن البعض منا يستهين بحرمة قول الزور عن الآخرين ولا يشعر باثمه ولا بخطورته‏,‏ مع أن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد نبهنا إلي أنه من أكبر الكبائر وليس مجرد كبيرة‏,‏ ففي الحديث الذي رواه أبوبكر أنه قال لأصحابه ذات يوم ألا انبئكم بأكبر الكبائر‏(‏ ثلاثا‏)‏ قالوا‏:‏ نعم‏,‏ قال‏:‏ الاشراك بالله وعقوق الوالدين‏,‏ وكان متكئا فجلس وقال‏:‏ ألا وقول الزور‏,‏ ومازال يرددها حتي قلنا ليته سكت‏..‏ كما نهانا الرسول الكريم أيضا عن قول السوء عن أحد وقال ما معناه انك إن قلت عنه ما فيه فقد اغتبته وإن قلت عنه ما ليس فيه فلقد بهته‏,‏ أي افتريت عليه وظلمته وآذيته أذي شديدا بلا ذنب جناه‏..‏



وأنت ياسيدي قد بهت ذلك الشاب الذي كان يعمل معك وآذيته أشد الأذي وحرمته ظلما وافتراء من فرصة الاقتران بمن تقدم لهما مرتين‏,‏ فلا عجب أن تدور دائرة الأيام وتكشف لك ما لم تكن تعلم‏,‏ وتندم علـي خطئك في حقه وتستشعر إثمه‏,‏ وقد قال لنا الفقهاء إن التوبة إذا كانت تتعلق بحقوق الله علي العبد فإنها تصح إذا توافرت لها ثلاثة شروط هي الكف نهائيا عما أثم المرء بفعله‏.‏ والندم الصادق عليه‏,‏ والعزم الأكيد علي ألا يرجع إليه أبدا‏,‏ أما إذا كانت تتعلق بحقوق الغير فإنه يضاف إلي هذه الشروط الثلاثة شرط رابع هو رد الحق إلي صاحبه‏,‏ فإذا كان حقا ماديا اعاده إليه أو أستسمحه فيه إذا كان حقا معنويا كأذي اللسان اعتذر له وطلب صفحه عنه‏,‏ وقد اختلف الفقهاء في الحقوق المعنوية‏,‏ هل ينبغي للتائب أن يصرح له بما قاله عنه ويطلب صفحه عنه أم يتكتم ما قاله عنه لكيلا يؤذيه مرة ثانية بتكرار ما قاله عنه في غيابه‏,‏ وربما لم يكن يعلم به‏,‏ فقال بعضهم إن عليه أن يعترف له بما قاله عنه وقال البعض الآخر إن في اعترافه له أذي معنويا هو في غني عنه‏,‏ وأخذ جمهور الفقهاء بالحل الوسط وقالوا إن الأفضل هو أن يعتذر له اعتذارا عاما بغير تعيين لما قاله عنه ويطلب منه عفوه رعاية لمشاعره وتفاديا لتكرار ايذائه من جديد‏,‏ وهذا ما ينبغي أن تفعله مع هذا الشاب إذا كنت صادقا حقا في ندمك علي ما آذيته فيه‏..‏ فهل تفعل؟

حسام هداية
08-25-2011, 07:08 PM
الضريبة الباهظة


بـريــد الأهــرام
42914
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
‏16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




أنا شاب مصري عمري‏40‏ عاما سافرت منذ‏15‏ عاما إلي فرنسا‏..‏ وبعد فترة قصيرة من اغترابي تعرفت علي فتاه فرنسية وتزوجنا وأنجبنا ولدا وبنتا هما كل حياتي الآن‏.‏


وفي بداية الزواج كنا نعيش في استديو صغير أي في شقة من غرفة واحدة ضيقة وحمام ومطبخ‏,‏ فعملت بجد واجتهاد لمدة‏12‏ ساعة يوميا وعلي مدي‏7‏ أيام كل أسبوع بلا راحة حتي وفقني الله في الانتقال بأسرتي إلي شقة أكبر‏..‏ وواصلت العمل بعد ذلك بنفس الجد حتي تمكنت بفضل الله من الانتقال إلي فيلا بحديقة كبيرة أقيم فيها الآن‏.‏ وبالطبع فقد كانت هنا في بداية الزواج مشاكل شهدتها حياتي مع زوجتي مثل اهتمامها الزائد بالريجيم والاجازات واهمالها لكل شئون البيت‏,‏ وبعد محاولات فاشلة لدفعها للاهتمام بالبيت‏,‏ حاولت أن أحثها علي ذلك بأسلوب آخر‏,‏ فكنت أرجع من عملي الشاق جدا مهدودا فلا أركن للراحة‏,‏ وإنما أبدأ في أداء الواجبات المنزلية التي لم تؤدها زوجتي‏,‏ مؤملا أنها حين تراني أفعل ذلك مع ارهاقي الكامل سوف تتحرك وتؤدي بقية الواجبات وتعفيني من العناء‏,‏ فكانت النتيجة أن استمر هذا الوضع‏14‏ عاما حتي الآن‏..‏ أرجع من عملي الشاق إلي البيت فأقوم بالواجبات المنزلية‏,‏ وإن لم أفعل ذلك‏,‏ فلا طعام لنا ولا نظافة للبيت ولا اهتمام بالأبناء‏,‏ وزوجتي لا تعرف شيئا سوي اعداد وجبات الرجيم لنفسها والقراءة في المجلات والاعداد للاجازة القادمة‏,‏ ولقد ح



اولت معها بكل الطرق أن تهتم بالبيت وشئون الأسرة والواجبات المنزلية دون جدوي‏,‏ وكانت عقب كل مناقشة من هذا النوع تغضب وتمنعني من نفسها‏,‏ ولولا أنني رجل متدين وأؤدي الفروض الدينية وأقوم بالحج سنويا لربما كنت قد انحرفت‏,‏ والآن وبعد‏14‏ عاما من الزواج استطيع أن أقول لك أنني لم أعش مع زوجتي هذه يوما واحدا هانئا ــ وإن كل حياتي معها كانت ومازالت عملا في عمل‏,‏ في المهنة الشاقة التي أمارسها‏..‏ وفي البيت بعد العودة لاعداد الطعام لنا والاهتمام بالأولاد‏,‏ وكل الفنون المنزلية التي تعرفها زوجتي هي طلب الطعام من أي مطعم بالتليفون‏!‏ ولا شئ آخر‏.‏


لقد نصحني أصدقائي القريبون مني ويعرفون ما أعانيه بأن أتزوج‏,‏ والحق أنني أشعر أني في حاجة بالفعل إلي الزواج لأني أعتبر نفسي لم أتزوج بعد‏,‏ مع أن زوجتي سعيدة للغاية بحياتها معي‏,‏ وحين أهددها بأنني سوف أتزوج لا تهتم بتهديدي لأنها تعرف مدي تعلقي بأولادي‏,‏ وأنا أريد أن أتزوج فعلا يا سيدي‏,‏ فهل أتزوج مصرية وأصطحبها معي إلي فرنسا‏,‏ أم هل أبقيها في مصر وأرجع إليها كل شهر أو شهرين مثلا‏,‏ مع مراعاة أنني لا أستطيع أن أستغني عن أولادي لحظة واحدة ولا آمن زوجتي عليهم أبدا‏,‏ فبماذا تنصحني وهل تساعدني في الزواج من مصرية علما بأني ملتزم دينيا وظروفي المادية جيدة؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


سمحت لي الظروف بالاقتراب من تجارب أصدقاء مصريين تزوجوا من فرنسيات كما فعلت أنت‏..‏ ومن واقع خبرتي الشخصية أستطيع أن أقول إن زوجتك الفرنسية قد تغفر لك أي شئ تفعله إلا أن تتزوج عليها امرأة أخري‏,‏ وأنها‏,‏ بمجرد أن تعرف بأمر هذا الزواج أو تكتشفه سوف تقاتل بضراوة ليس لاجبارك علي طلاقها كما قد تظن‏,‏ وإنما لكي تحصل علي الطلاق منك حتي ولو لم يكن لها مورد تستطيع الاعتماد عليه بعد الانفصال‏,‏ كما أنها سوف تتمسك بضم ابنائها إليها حتي ولو كانت قد أهملت شئونهم خلال حياتها الزوجية معك وسيساعدها القانون في بلادها علي ذلك‏.‏


فإذا كنت لا تأمنها علي ابنائك إذا انفصلت عنها وهو ما سيحدث حتما إذا اكتشفت أمر زواجك‏,‏ فإنك بذلك تعرضهم للقلاقل والاضطراب نتيجة لتعذر إشرافك الكامل عليهم بعد الانفصال‏,‏ ولعدم كفاءة أمهم وعجزها عن رعايتهم علي النحو المطلوب‏,‏ وبذلك لايصبح هناك مجال لتحقيق رغبة الزواج إلا إذا نجحت في تكتمه عن زوجتك‏..‏ والسؤال هو‏,‏ إلي متي سوف تستطيع التخفي بأمر زواجك الثاني عن زوجتك فلا تعلم به ولا تستشعر التغير الذي سيطرأ علي حياتك بعده؟ وماذا سيكون من أمرها معك حين تكتشف سره؟



لقد لجأ بعض زملائك الذين واجهوا نفس الظروف‏,‏ إلي الزواج في مصر وتأسيس بيت للزوجية يترددون عليه كل حين‏,‏ إلي جانب بيت الزوجية الأصيل في فرنسا‏,‏ وهو عناء مضاعف‏,‏ فهل أنت مستعد له‏..‏ وهل لديك من فائض الطاقة النفسية ما تبدده في تكتم سر زواجك بمصر عن زوجتك الفرنسية وابنائك‏,‏ وفي الاحتراز لكل كلمة أو تصرف أو اشارة تصدر عنك لكيلا ينكشف السر المكتوم‏.‏


وهل لديك فائض آخر من الجهد النفسي تبذله في ارضاء الزوجة الأولي لكي تظل مستنيمة لاطمئنانها إلي أنك لايمكن أن تتزوج عليها ذات يوم‏,‏ وفي إرضاء الزوجة الثانية واشعارها بتميزها وأفضليتها لكي تصبر علي غيابك لفترات طويلة عنها‏,‏ ورفضك لاصطحابها معك إلي حيث تعمل وتقيم؟



وماذا تفعل لو كانت الزوجة الثانية طموحا أو شديدة الغيرة أو صاحبة تطلعات مادية واجتماعية وأصرت علي أن يكون لها مثل ما لزوجتك الأولي من اقامة في فرنسا وفيلا لها حديقة‏..‏ وعدل في المبيت لديها ليلة بعد أخري؟


انه طريق محفوف بالأشواك والقلاقل‏..‏ ولم يسر فيه أحد بغير أن يتكبد ـ راضيا أو ساخطا ـ ضريبته الحتمية من العناء والجهد والتكاليف مهما تكن مهارته‏!‏



فهل أنت علي استعداد لدفع هذه الضريبة الباهظة؟


وهل ما تشكو منه وتنكره علي زوجتك وربما كنت قد ألفته ولم يعد يشكل لك مشكلة ملحة يستحق عناء التمزق بين زوجتين‏,‏ والقلق علي ابنائك لاحتمال حرمانهم من رعايتك الكاملة‏.‏ واستقلال أمهم بهم دونك إذا علمت بزواجك؟



إنه قرارك واختيارك‏..‏ ففكر في الأمر رويا‏..‏ وأبلغني بما يستقر عليه رأيك إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:10 PM
الهدية المباركة


بـريــد الأهــرام
42914
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
‏16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




أنا من قراء بابك وكثيرا ما تأثرت بتجارب الناس في هذه الحياة مستفيدا من ردودك عليهم‏,‏ ومنذ شهور فقدت أغلي الناس في حياتي وهي أمي وحزنت عليها كثيرا‏,‏ خاصة أنها كانت تتمني أداء العمرة قبل وفاتها وللأسف لم يمكنها المرض من ذلك وعاجلها الموت قبل تحقيق الحلم لذا أردت أن أحقق هذا الحلم لواحدة من الأمهات اللواتي لم يؤدين العمرة قبل ذلك ولا يستطعن أداءها لضيق ذات اليد وحبذا لو كانت من أهل المصائب والمحن حتي أكون سببا في تخفيف آلامها‏,‏ لهذا أرجو ترشيح أم طيبة من هذه النوعية الصابرة وابلاغي ببياناتها في أقرب وقت ممكن‏,‏ بغير اشارة إلي اسمي إلا لمن ستختارها‏,‏ وسأتحمل جميع نفقات السفر والاقامة والمعيشة بإذن الله وشكرا لك‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


حسنا تفعل حين تدعو أما حزينة أو مكلومة لأداء العمرة واسترواح النسمات العطرة في الحرمين الشريفين‏,‏ ولاشك أن اقامتك في المدينة المنورة سوف تيسر لك توفير أفضل الظروف الممكنة لهذه الدعوة الكريمة‏..‏ ولسوف أتصل بك قريبا لابلاغك ببيانات من يقع عليها الاختيار للتمتع بهذه الهدية المباركة بإذن الله‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:11 PM
أصدقاء علي الورق






بـريــد الأهــرام
42914
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
‏16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة‏(‏ الفرصة الأخيرة‏)‏ المنشورة في‏(‏ بريد الجمعة‏)‏ والتي أرسلتها زوجة تشكو من امرأة أخري تحاول أن تخطف زوجها وهي قد وصفتها بأنها أفعي وبأنها حية تسعي إلي خراب البيوت العامرة وتحاول بناء سعادتها علي أنقاض سعادة الآخرين‏.‏



وقد أعجبني ردكم علي هذه الرسالة واني أستأذنكم في تسجيل بعض الملاحظات‏:‏


‏1‏ ـ إذا كانت الشريعة قد أباحت للرجل الزواج مثني وثلاث ورباع فإن ذلك يكون بسبب مبررات قوية يعرفها الجميع وليس لمجرد أي نزوة عابرة تهدد استقرار الأسرة‏.‏


وإذا تزوج الرجل أكثر من واحدة فإن ذلك يكون مشروطا بتحقيق مبدأ العدل بين كل زوجاته وذلك من أجل استقرار كل أسرة‏.‏



‏2‏ ـ بعد الزواج إذا مال قلب الرجل نحو امرأة أخري فإن زوجته الأولي تتحمل جزءا من المسئولية إذا أهملت زينتها بعد الزواج أو ازداد اهتمامها بالبيت والأولاد علي حساب الزوج‏.‏



‏3‏ ـ إنني أحيي صاحبة الرسالة لأنها ظلت تدافع عن مملكتها بكل شراسة ولم ترفع الراية البيضاء منذ الجولة الأولي كغيرها من النساء اللاتي تسارع كل منهن بطلب الطلاق وبعد ذلك تجتر أحزانها بعد أن تترك لغريمتها الفرصة كي تواصل مشوار الحياة مع زوجها الذي خذلها وتنكر لها رغم أنها تحملت معه صعوبات البداية وضحت بالكثير من أجله‏.‏


من رسالة للدكتور سمير القاضي

حسام هداية
08-25-2011, 07:13 PM
العصــــــــا الســــــــحرية‏!‏


بـريــد الأهــرام
42921
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
11
‏23 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة‏.........‏ للشاب المكافح الذي كان اخوته ينكرونه ويجافونه لأنه ابن الزوجة الثانية لأبيهم الراحل‏..‏ والذي روي لك أنه صبر علي جفاء اخوته له وعلي ظروفه القاسية وحافظ علي صلة الرحم معهم بالرغم من نفورهم منه ـ وكافح كفاحا مريرا وعمل عاملا في محل لطحن البن ثم بدأ يتاجر فيه وتحسنت أحواله حتي تغلب علي ظروفه ـ وأصبح تاجرا ناجحا وثريا‏,‏ فاعترف به اخوته من أبيه وأصبحوا يرحبون به ويحترمونه بل ويقصدونه لطلب الخدمات أو القروض منه‏,‏ ولقد شجعتني هذه الرسالة علي أن أروي لك أنا أيضا قصتي التي تعكس وجها آخر للعلاقة بين الإخوة‏..‏ فإذا كان كاتب الرسالة هو الأخ الذي حرص علي صلة الرحم برغم إنكار اخوته له‏,‏ فلقد كنت أنا للأسف الأخ المبتعد عن اخوته الرافض للتقارب معهم‏,‏ وأرجع إلي البداية فأقول لك إنني ابن وحيد بين أربع بنات لأب كان يملك مشروعا تجاريا ناجحا‏,‏ وقد أنجبني بعد ثلاث من البنات فسعد بي سعادة طاغية‏,‏ واهتم بي اهتماما كبيرا‏,‏ وأغدق علي بالعطف والحب والحنان‏,‏ وأشركني معه في عمله وأنا مازلت صبيا لكي أتعلم أسرار العمل الذي سأخلفه فيه بعد عمر طويل‏,‏ وبعد عدة سنوات أراد أن أتوقف عن الدراسة لاتفرغ للعمل معه‏,‏ لكنني فضلت أن أواصل دراستي وأن أحصل علي شهادة تكون سلاحا لي حتي ولو عملت بالتجارة‏,‏ ولم يتمسك أبي برغبته طويلا فلقد كان حريصا علي ألا يغضبني‏,‏ وهكذا واصلت الدراسة والعمل معه حتي حصلت علي بكالوريوس التجارة‏..‏ وكانت هدية أبي لي يوم ظهور النتيجة سيارة صغيرة وتفرغت للعمل معه‏,‏ ووجدت بين يدي نقودا كثيرة فانسقت بعض الشئ وراء عبث الشباب ومغامراتهم‏,‏ وانزعج أبي كثيرا حين علم بذلك وكانت شقيقاتي الثلاث اللاتي يكبرنني قد تزوجن‏,‏ فألح علي أبي أن أسارع بالزواج لكي يطمئن علي‏,‏ وعرض علي ابنة صديق له من أسرة كريمة‏,‏ وجاريته في البداية لكيلا أغضبه‏,‏ وأنا أعتزم التسويف والمماطلة‏,‏ ووافقت علي أن أري الفتاة المرشحة لي في بيت عمتي ورأيتها‏,‏ فإذا برعشة كهربائية مفاجئة تسري في دمي‏,‏ وإذا بي أنجذب إليها وأعجب بها‏,‏ وخطبتها‏,‏ ووقعت خلال فترة الخطبة في غرامها فانصرفت عن عبث الشباب وأخلصت لها وشعرت بحبها الكبير لي‏,‏ وتزوجنا وسعدنا بحياتنا معا‏..‏



ورحل أبي عن الحياة بعد زواجي بشهور‏,‏ وخلفته في العمل وتحملت مسئوليته وأصبحت الأخ الأكبر الذي يرعي شقيقاته‏,‏ بالرغم من أن ثلاثا منهن يكبرنني‏.‏ وبهذا الاحساس وافقت علي زواج أختي الصغري من شاب تقدم لها وأشرفت علي إعداد جهازها وكل متطلباتها‏.‏



وكنت منذ وفاة أبي وإنهاء اجراءات الوراثة قد اعتدت أن أعطي لشقيقاتي ما يحتجن إليه من نقود خلال العام وأسجله لدي‏,‏ فإذا انتهت السنة وأجرينا حساباتها الختامية تحاسبنا فيكون لكل منهن مبلغ من المال كإيراد عن نصيبها في الشركة أو تكون قد استهلكته كله أو تجاوزته‏,‏ فيخصم الزائد من حساب السنة التالية‏,‏ وكانت أمي راضية عن ذلك وسعيدة به وتدعو لي بالفلاح والنجاح والسعادة‏,‏ إلي أن جاء يوم وفوجئت بزوج كبري شقيقاتي يحدثني بلهجة لم أسترح إليها عن نصيب زوجته‏,‏ ويريد أن يطلع علي حسابات العمل‏,‏ فثرت عليه ثورة هائلة واتصلت بزوجته غاضبا وعنفتها وقاطعتها بعد ذلك وشكوتها لأمي ولأخواتي‏..‏ ولم أكتف بذلك وإنما قررت أن أعاقبها عقابا رادعا‏,‏ علي سماحها لزوجها بهذا التدخل‏,‏ فأصررت علي اخراجها من الشركة وتصفية نصيبها فيها ودفع قيمته لها فلا تعود لها ولا لزوجها أية صلة بها‏..‏ وتعقدت الأزمة وفشل الأهل في التقريب بيننا‏,‏ وانتهي الأمر بعمل تسوية لنصيبها‏,‏ رفضتها هي في البداية وأصريت عليها ولم أستجب لأية وساطة‏..‏ كما لم أستجب أيضا لضغط زوجتي علي لكي أرجع عن تصميمي وأقبل بتعديل التسوية لصالح أختي التي رضخت في النهاية ووقعت علي التخارج من الشركة وقبضت المبلغ الذي حددته وهي تنذرني بأن الله لن يبارك لي في مالي ولا في عيالي لأني قد ظلمتها‏!‏



وتركت الأزمة آثارها علي علاقتي ببقية شقيقاتي‏,‏ فلقد أصبحن يخفن مني منذ هذا الحين‏,‏ وبدأت أنا أفتقد الحب الصافي الذي كنت أستشعره في علاقتي بهن‏,‏ غير أنني لم أهتم كثيرا بذلك‏,‏ فلقد ازدهر العمل وكثرت الشواغل‏..‏ وتباعدت اللقاءات بيني وبينهن وأصبحت أعمل‏14‏ أو‏15‏ ساعة في اليوم وأقطع البلاد من شمالها إلي جنوبها لأنها متطلبات العمل‏,‏ ثم بدأت مشروعا جديدا وانهمكت في تنفيذه فإذا بخاطر غريب يلح علي هو لماذا أوزع عائد جهدي وشقائي علي من لا يبذلون قطرة عرق واحدة في كسب هذا المال؟ صحيح أن لشقيقاتي حقا في هذا المال بقدر أنصبتهن في تركة أبي‏,‏ لكن المحصلة هو أنني أشقي وأتعب وحدي ويجني أزواجهن ثمرة شقائي بلا تعب ولا مجهود‏,‏ وهذا وضع ينبغي ألا يستمر طويلا‏,‏ وهكذا قررت إخراج شقيقاتي من الشركة وتعويضهن عن أنصبتهن فيها وأعلنتهن بذلك وعرضت عليهن تسوية رأيتها عادلة ورأينها هن وأزواجهن ظالمة‏,‏ فحزنت أمي كثيرا وحذرتني من ظلم اخواتي‏,‏ وغضبت الشقيقات الثلاث لكنهن لم يخرجن معي عن حدود الأدب‏..‏ وكان أقصي ما قلنه لي هو‏:‏ إنك تظلمنا بهذه التسوية لكن الظفر لا يخرج من اللحم‏,‏ ولن نشكوك إلا الي الله تعالي‏,‏ ولن نقطع صلتنا بك إكراما لأبينا وأمنا وزوجتك الطيبة التي لا ترضي عما فعلت معنا‏.‏



واهتززت قليلا حين سمعت منهن ذلك‏,‏ لكني قدرت أنهن سوف ينسين غضبهن مع الأيام وتعود العلاقة لسابق عهدها بيننا‏,‏ وتوقفت امام اشارتهن لموقف زوجتي وكيف أنها غير راضية عما أفعل‏,‏ وتعجبت كيف لها وهي تحبني حبا عميقا أن تخالفني في رغبتي في التحرر من الشركاء والانطلاق حرا في العمل‏,‏ بحيث تكون لي ولها وحدنا ثمرة شقائي وكفاحي‏,‏ وناقشتها طويلا في ذلك فلمست فيها الخوف من المستقبل ومن أن يضيع المال الذي أحرص علي أن يكون لنا وحدنا إذا تخلي الله عن توفيقه لنا‏,‏ وحاولت طمأنتها بلا جدوي وانهمكت في تنفيذ المشروع الجديد‏,‏ وأصبحت الأسابيع والشهور تمضي دون أن أري شقيقاتي‏,‏ ورحلت أمي عن الحياة وأنا موجود في أسوان فأسرعت بالعودة وقالت لي السيدة العجوز التي كانت ترعاها أن آخر كلماتها لها كانت‏:‏ قولي لفلان‏:‏ اخواتك‏!‏ والتقيت بشقيقاتي في بيت أبي‏,‏ وشعرت بجفائهن الصامت لي وحاولت ألا أتأثر‏,‏ وبدلا من أن ألتمس لهن العذر وجدتني أضيق بهن وأتهمهن بظلمي والانقياد لأزواجهن ضدي وعدم مراعاتي كأخ لهن‏,‏ واستأت من زوجتي لحرصها علي مودتهن بالرغم من أنهن لا يحرصن علي مودتي‏,‏ وتشاجرت معها ذات يوم وسألتها بأي وجه تزورينهن‏..‏ وكيف تسمعين منهن كلاما سيئا عني ولا تردين؟ فأجابتني باكية إنها تزورهن لأنها وحيدة أبويها ولا إخوة لها وتعرف قيمة الأهل مهما حدث بينهم‏,‏ كما أنهن يحرصن علي مشاعرها فلا تذكرني إحداهن بسوء أبدا أمامها‏,‏ ولم أقتنع بذلك ولم أطمئن إليه‏,‏ وعدت للانغماس في العمل من جديد‏,‏ وفجأة تعرض عملي لمحنة شديدة كادت تعصف بكل ما بنيته علي مدي السنين‏,‏ بسبب ظروف معاكسة نادرة الوقوع‏,‏ ولكنها وقعت معي وحدي للعجب‏,‏ وتعلق أملي في الخروج منها بأن أجد سيولة مالية كافية لتغطية المطلوب‏,‏ وبالصمود لأطول فترة والصبر علي المشروع الجديد حتي يؤتي ثماره‏,‏ واستخدمت كل ما لدي من مدخرات في هذه المحنة‏,‏ وبعت قطعة أرض للبناء واستعنت بثمنها علي انقاذ العمل‏,‏ وضاقت الحلقة حولي حتي عجزت عن النوم‏,‏ وشعرت بالاختناق وفي كل يوم مشكلة جديدة ومطالبة جديدة وبمتأخرات حتي كدت أسلم باليأس في بعض الأوقات واستسلم وأشهر إفلاسي‏,‏ وشعرت زوجتي بما أعانيه فلم تتردد في إعطائي كل مصاغها ومجوهراتها لأستفيد بثمنها في حل أزمتي‏..‏



كما جاءتني أيضا بما تملكه من شهادات إيداع لنفس الغرض‏,‏ وفي شدة ضيقي تذكرت شقيقاتي اللاتي ابتعدت عنهن وابتعدن عني وسألت نفسي هل تراني بالفعل قد ظلمتهن؟ وهل كان تقييمي لنصيب كل منهن في تركة أبينا عادلا أم مجحفا؟ ولماذا أجبرتهن علي الخروج من الشركة‏,‏ وقد كن جميعا رافضات لذلك؟


ولماذا لم أحرص علي مودتهن ورعايتهن كما يجدر بالأخ الوحيد أن يفعل مع شقيقاته‏..‏ إن الظروف المعاكسة التي واجهتها في العمل يندر أن تتجمع كلها في وقت واحد‏,‏ أو أن تقع واحدة بعد الأخري كما حدث معي‏,‏ فما هو تفسير ذلك؟ إلا أن يكون التوفيق الالهي قد حجب عني‏..‏ وبماذا استحققت هذا العقاب؟



وفكرت طويلا فيما حدث وراجعت موقفي من كل شئ‏,‏ وكان اليوم يوم الاثنين وأنا صائم صيام تطوع وقررت بيني وبين نفسي أن أنهج نهجا جديدا في الحياة أتحري فيه‏,‏ دإئما رضا الله سبحانه وتعالي قبل أي شيء آخر‏,‏ وعدت للعمل بأمل جديد وحرصت منذ ذلك الحين علي صيام يوم الاثنين من كل أسبوع‏,‏ وعلي أن أجدد العهد مع نفسي في هذا اليوم علي أن أصلح أخطائي‏,‏ وبدأت الخطوة الأولي علي طريق الاصلاح بزيارة مفاجئة لكبري أخواتي التي حاول زوجها مراجعة حساباتي وكانت قد مضت خمس سنوات كاملة علي القطيعة التامة بيننا‏,‏ حتي أنني رأيتها في وفاة أمي لم أتبادل معها كلمة واحدة‏..‏ وقد توجهت لزيارتها مصطحبا معي زوجتي كأنما أحتمي بها‏,‏ وفوجئت أختي بي أمامها فلم تتمالك نفسها وهجمت علي باكية واحتضنتني وانهالت تقبيلا علي رأسي ويدي‏,‏ فلم أشعر إلا ودموعي تنهمر من عيني‏..‏ وقبلت رأسها ويدها وطلبت منها السماح ووعدتها بتصحيح كل شيء وارضائها‏,‏ فإذا بها تقول إنها لا تريد مني شيئا إلا أن أكون أخا لها وخالا لأبنائها‏,‏ وأن يوم دخولي بيتها بعد هذه السنوات هو يوم عيد وأكدت ذلك بزغرودة فرح طويلة جاوبتها علي الفور زغرودة مماثلة من زوجتي‏..‏ وظللت طوال الجلسة دامع العين باسم الثغر‏,‏ سعيدا‏.‏



وبعدها بأيام تكرر نفس المشهد تقريبا في بيوت شقيقاتي الأخريات‏..‏ وخرجت من عندهن وأنا أتعجب كيف حرمت نفسي من مودة شقيقاتي هؤلاء وأبنائهن وأزواجهن طوال السنوات الماضية‏..‏ وعادت المياه إلي مجاريها بيني وبين أخواتي‏..‏ واكتشفت أنني أكثر قدرة علي مواجهة صعاب العمل من ذي قبل‏.‏ وأنني أعمل وأنا أكثر تفاؤلا بالمستقبل وأكثر أطمئنانا‏..‏ واتفقت مع أخوتي علي أن نجتمع كلنا رجالا ونساء وأطفالا علي الغداء في بيت أحدنا يوم الخميس من كل أسبوع لنتناول الطعام معا ونمضي فترة الأصيل في سمر عائلي ممتع‏..‏ وانتظمت هذه اللقاءات وكانت البداية في بيتي‏,‏ وبدأت السحب السوداء التي تجمعت في سماء العمل تنقشع تدريجيا واحدة بعد الأخري إلي أن زالت كلها في مدي عامين‏,‏ إن لم أكن قد حققت فيهما الربح المنتظر‏,‏ فلقد كسبت فيهما ما لا يقدر بمال وهو شقيقاتي وأزواجهن وأولادهن‏..‏ ثم نشطت عجلة العمل التي كانت تدور بصعوبة‏..‏ وتسارعت دورتها واطمأن قلبي إلي عبوري للأزمة بسلام وبدأت أجني الثمار‏,‏ وهنا قررت تنفيذ ما كنت قد عقدت العزم عليه وأنا في شدة المحنة‏..‏ فأعددت لشقيقاتي جميعا عقود مشاركة معي في المشروع القديم الذي ورثناه عن أبينا وتخارجن منه‏,‏ كل بقدر نصيبها الشرعي في التركة بغض النظر عن أنني قد دفعت لها من قبل قيمة نصيبها عند التخارج‏,‏ وفاجأتهن بهذه العقود وطلبت منهن توقيعها والاحتفاظ بنسخ منها لديهن‏..‏ وسعدن بذلك لكنهن تساءلن وكيف لنا أن ندفع نصيبنا في رأس المال‏,‏ وقد أنفقنا أنصبتنا التي حصلنا عليها ولا نملك ما ندفعه لك‏,‏ فأجبتهن بأن العقود تفيد أنهن قد دفعن بالفعل أنصبتهن ولا يحتجن إلي دفع أي شيء جديد‏,‏ فازددن سعادة‏..‏ وانهالت الدعوات الصالحات لي ولزوجتي وأولادي وحاصرتني نظرات الحب والشكر والعرفان‏.‏ وأريد أن أقول لك إنني لم أفعل ذلك طلبا لرضائهن ومودتهن‏,‏ فلقد أخلصن لي المودة بالفعل منذ عادت العلاقات بيننا‏,‏ لكني فعلته طلبا لرضاء المولي سبحانه وتعالي وتنفيذا لوصية أمي الأخيرة قبل أن تفارق الحياة‏,‏ ويا سبحان الله فكأنني قد عثرت بعد ذلك علي عصا سحرية أشير بها إلي العقبات والصعوبات فتزول عن طريقي بيسر وسهولة بأمر الله‏..‏ وتفتح لي الأبواب المغلقة في كل مجال‏,‏ فلقد ازدهر العمل‏..‏ وتضاعفت الأرباح ورسخت أقدامي في السوق‏,‏ وأصبح لي‏4‏ مساعدين متطوعين هم أزواج شقيقاتي أكلفهم بما أشاء من مهام العمل فيؤدونها في حماس وحب‏,‏ وأكلف هذا بالسفر إلي أسيوط وذاك بالسفر إلي الإسكندرية‏,‏ فيرحب بما أكلفه به‏,‏ وفي يوم الخميس نجتمع علي الغداء ونقضي بقية اليوم معا‏,‏ وكلما احتاجت أخت من أخواتي إلي مبلغ من المال سددته لها وخصمته من عائدها السنوي‏,‏ فإن كنت قد ندمت علي شيء فعلي أن أمي قد رحلت عن الحياة وعلاقتي بشقيقاتي‏,‏ شبه مقطوعة فلم تسعد برؤيتنا كما تحب كل أم أن تري أبناءها متحابين متراحمين‏,‏ أما زوجتي فاني أعجب لها حقا‏,‏ وأزداد حبا لها وإعجابا بها يوما بعد يوم‏,‏ فلقد جرت العادة علي أن نسمع الشكوي من سعي بعض الزوجات إلي إبعاد أزواجهن عن شقيقاتهم وتبادلهن الغيرة وسوء الظن معهن‏,‏ وزوجتي هذه كانت أكثر الناس تعاسة بجفائي لأخواتي في السابق‏,‏ وكثيرا ما حثتني علي مودتهن‏,‏ وأصرت علي أن تتزاور معهن طوال فترة الجفاء وعلي الاتصال بهن هاتفيا كل يوم تقريبا‏,‏ وهي الآن في قمة سعادتها بعودة المياه لمجاريها بيني وبين أخواتي‏..‏ وتسألني إذا لم يتواد الإنسان مع أهله وأخوته فمع من يتواد ويصاحب إذن؟



ولقد كتبت لك رسالتي لأقول لك إنني أفضل الآن حالا من كل الوجوه عما كنت حين أغراني طمع الدنيا بإخراج شقيقاتي من تركة أبيهن‏,‏ وأن مالي لم ينقص بما فعلت معهن بل نما وزاد‏.‏ وبارك الله لي فيه وفي أبنائي وزوجتي وصحتي وكسبت ما هو أهم من المال وهو راحة القلب والضمير‏.‏ ونصيحتي لكل إنسان أن يعدل مع ذويه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


العصا السحرية التي عثرت عليها وفتحت لك الأبواب التي كانت مغلقة من قبل في وجهك وأزالت العقبات والصعوبات عن طريقك‏,‏ هي راحة القلب والضمير والتحرر من الشعور بالذنب تجاه شقيقاتك‏,‏ ومن شكك أو يقينك بأنك قد ظلمتهن بإخراجهن من تركة أبيهن علي غير رغبتهن وقطعت عنهن موردا منتظما كن يعتمدن عليه للتوسعة علي أسرهن‏,‏ ولقد كان حالك وأنت تتساءل هل تراني قد ظلمتهن‏,‏ تجسيدا للإحساس بالإثم كما صوره لنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين قال ما معناه‏:‏ الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس‏,‏ والمؤكد أنه لم يكن يسرك بأي حال من الأحوال أن يطلع أحد علي سعيك لإخراج شقيقاتك من تركة أبيهن علي غير إرادتهن لكي تنفرد بعائدها وحدك‏,‏ ولا علي القيمة المالية التي قدرتها لكل منهن مقابل نصيبها واعتبرتها هي مجحفة‏,‏ ناهيك عن إحساسهن بالقهر والإرغام علي قبولها راضية كانت أم راغمة‏..,‏ وكل ذلك ليس مما يشعر معه أصحاب الضمائر الحية والوجدان الديني بالارتياح‏,‏ ولا هو مما يساعد الانسان علي الانطلاق في الحياة متحررا من المشاعر السلبية التي تبدد جزءا ثمينا من طاقته النفسية‏,‏ لأنك لابد أن تتوجس ممن ظلمته مقدرا أنه لابد يحمل لك مشاعر البغضاء والكراهية وتتحفز لكل خطوة أو اشارة منه متوقعا السوء من جانبه‏,‏ ولقد ينتهي بك الحال غالبا إلي كرهه لأنه يمثل عبئا نفسيا اضافيا عليك‏..‏



وكل ذلك يخصم من قدراتك ومن هنائك واستمتاعك بالحياة وبالنجاح‏,‏ وإذا كان مما ينغص صفاء المرء أن يشعر بأنه قد ظلم انسانا ما عن غير عمد ويستغفر ربه كثيرا علي ذلك‏..‏ فما بالك إذا كان قد ظلمه عامدا متعمدا‏..‏ وما بالك إذا كان المظلوم من أقرب الناس إليه ومن ذوي رحمه الأقربين؟ إن الشاعر العربي يقول‏:‏


وظلم ذوي القربي أشد مضاضة


علي النفس من وقع الحسام المهند



وهو أشد مضاضة علي نفس المظلوم‏,‏ كما هو أيضا كذلك علي نفس الظالم إذا كان من أصحاب الضمائر الحية والقلوب الحكيمة‏,‏ لهذا فاني أفهم جيدا ما كان يعتمل في نفوس شقيقاتك خلال فترة جفائك لهن‏,‏ وأفهم أيضا ما كان يضطرب من مشاعر في نفس زوجتك الطيبة وهي تراك تظلم شقيقاتك وتقطع رحمهن‏,‏ ذلك أنها لابد قد اعتبرت نفسها من أعوان الظلمة الذين يخشون أن يحاسبهم الله سبحانه وتعالي ليس عن ظلمهم لأحد‏,‏ وإنما عن عونهم بغير قصد‏,‏ لمن ظلموا غيرهم‏,‏ ولقد روي أن الامام أحمد بن حنبل حين سجن في فتنة خلق القرآن سأله سجانه ذام يوم عن الأحاديث الشريفة التي وردت عن أعوان الظلمة هل هي صحيحة؟


فأجابه بالإيجاب‏..‏ فعاد يسأله وهل تعتبرني من أعوان الظلمة؟



فقال له لا‏..‏ أعوان الظلمة هم من يخيطون لك ثوبك‏..‏ ومن يطهون لك طعامك‏,‏ ومن يحملون إليك الماء‏..‏إلخ أما أنت فمن الظلمة أنفسهم‏!‏


فلا عجب إذن أن قال أمير المحدثين أبو سفيان الثوري أن النظر في وجه الظالم خطيئة‏!‏ ولا غرابة في أن زوجتك لم تكن تريد لك أن تكون ظالما لشقيقاتك لكيلا تحمل هي أيضا بعض وزرك من حيث لا تدري‏.‏ فاحرص يا صديق علي هذه العصا السحرية التي عثرت عليها بعد تخبط لم يطل والحمد لله في سباق الحياة‏..,‏ وتذكر دائما أن الفوز بها هو الفوز العظيم حقا وصدقا ليس فقط من الناحية الايمانية‏,‏ بل وأيضا من الناحية العملية في الحياة‏,‏ لأن راحة القلب والضمير والعيش في إطار من الايمان بالله ووفق تعاليمه وهدايته يطلق قدرات الإنسان ويحرر طاقته النفسية من الإثم والخوف والإحساس بالذنب‏,‏ فيسعي في الحياة آمنا مطمئنا‏..‏ ويجعل له الله سبحانه وتعالي مودة ورحما في كل مكان بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:15 PM
رسالة إلي غائب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42921
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
11
‏23 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة




أنا شاب ولكن بالمرحلة الثانوية وسوف أحكي لك قصتي لو سمحت‏,‏ فهي رسالة إلي كل أب وأعتذر عن أي خطأ إملائي‏.‏ أنا الولد الكبير لأبي وأمي‏,‏ ثم جاءت أختي ونشأت أنا وأختي مع أبي وأمي‏,‏ وكل شئ نطلبه نجده وكبرنا‏,‏ وكبرت أحلامي معي‏,‏ وكانت أمي تحب أبي كثيرا وتمنع عنه أي شئ يضايقه‏,‏ ولقد شاهدت هذا الحب بعيني‏,‏ كما شاهدت إهانته لها وضربه لها‏,‏ وبدأت أسمع أنه أحب سكرتيرته وحاربت أمي ذلك بكل قوة ثم ذهبت هذه السكرتيرة وحمدت الله أنا وأختي‏,‏ وكل مرة أسمع من ماما تقول لبابا شوف عايز أرضيك إزاي وأنا حارضيك؟ ودائما كانت تبدأ بالاعتذار عن أي خطأ‏,‏ سواء منها أو من أبي‏.‏ ثم أحب أبي أخري‏,‏ ثم أخري‏,‏ ولا أعلم ماذا يجري إلي أن طردنا من شقتنا وبدأت أعرف معني الضياع‏,‏ وبدأت أمي في الصراخ والانهيار ثم بدأت تلجأ إلي الله بشكل أكبر‏,‏ وبدأت تعلمنا أن هذا اختبار من الله‏,‏ وتركنا أبي وحطم أحلامي ولم نعد نسمع منه ولا عنه أي شئ سوي إننا سمعنا أنه يرفع علي ماما قضايا كثيرة‏,‏ وبدأت الحرب علينا لماذا وهو الذي تركنا دون مأوي أو أي شئ نعيش منه؟ لقد أصبحت ماما تبيع أي شئ يمكن أن يباع وهي تدعو لنا أننا سوف نعوضها حين نكبر وأصبحت تحاول أن تنسي أبي‏,‏ ولكن أبدا لم تنس الإساءة منه‏,‏ والآن بعد سنة لم يتصل بنا خلالها سوي‏6‏ مرات فقط‏,‏ طلب منا أن نتصل بجدتي حرصا علي صلة الرحم‏,‏ مع أنني أعلم أنها كانت تكره أمي‏,‏ ولقد سمعتها وأنا صغير وهي تدعو علي ووالله أنها تكره نفسها قبل أن تكرهنا‏,‏ فهل هذا عدل‏,‏ هل يريد أبي أن أصل رحمي وهو لا يصل لحمه أنا أخاف أقول له ذلك‏,‏ لقد أحضر لي هدية أنا لا أريد هذه الهدية‏,‏ أنا أريده هو‏,‏ لقد حرمني حنان الأب مثل أصحابي‏,‏ لقد كرهت أصحابي حتي لا يسألوني أين بابا‏,‏ أيحضر لي هدية ولا يشتري لي ما آكله أو ألبسه‏,‏ وكل مرة يقول أمكم تتكلم عني بسوء‏,‏ وأقسم لك أن ماما برغم كرهها لبابا تقول أترك حقي لربي وهو الذي سينصفني‏.‏



أنا لا أكتب هذه الرسالة لأني محتاج لشئ‏,‏ ولكن لكي أقول لكل أب كيف تترك أولادك وتتزوج سكرتيرة ثم تريد منا أن نحبك‏,‏ لقد اخترت‏,‏ فاتركنا نحن أيضا نختار‏.‏ وأنا أقول إنه إذا أراد الأب أن يختار حياة أخري فله أن يختار‏,‏ ولكن عليه أيضا أن يترك لنا حرية العيش معه أو لا‏,‏ ويتركنا نقول للناس إنه مات أحسن من نظرة الناس لنا‏.‏


وماما بتقول خلوا قلبكم أبيض وهي تأخذ دروسا في الدين وبتقول إنها لكي تصالح نفسها علي نفسها‏,‏ ولكن عندما طلب بابا أن أكلم جدتي وأهله حرصا علي صلة الرحم عرفت يعني إيه ماما عايزة تصالح نفسها‏,‏ لماذا تطلب جدتي أن أكلمها ولماذا لا تكلمنا هي؟ هي سعيدة بأن بابا تزوج فتاة في سن أختي‏.‏



أنا باكتب لك لأن بابا يقرأ بابك دائما وأريده أن يعرف أنه أخطأ في حقي وحق أختي‏,‏ وأريد منك أن تقول لأمي إن البكاء لا يعيد ما فات وأتركي ظلمك لربك ونا أعاهدها أمامك وأمام كل قرائك أنني سوف أعوضها حين أكبر‏,‏ ويكفي أنها ترفض أن يصرف علينا أحد وتبيع كل شئ لها‏.‏ وزودت رصيد حب الناس لها أكثر‏,‏ فكانت من قبل محبوبة والآن أصبح الناس أكثر حبا لها‏,‏ وتقول إن الله معنا‏.‏


نسيت أن أقول لك إن السكرتيرة التي تزوجها أبي‏,‏ ماما هي التي اختارتها له بعد أن ترك السكرتيرة السابقة‏,‏ ولأن بابا وعدها كعادته أنه سوف يبتعد عن النساء وترك لها الاختيار فاختارت له من تزوجها وتركنا‏..‏ سامحه الله‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


آثرت أن أنشر رسالتك كما هي بتعبيراتها العامية لأنها صادقة‏,‏ وأني لأرجو أن تحقق هذه الرسالة الأثر المنشود في نفس أبيك‏,‏ وأن يبر ابنيه وزوجته ويعدل معهم إذا كان عاجزا عن تصحيح الأوضاع والعودة إلي الحياة العائلية الطبيعية‏,‏ أما أنا فلقد مللت الحديث عن هذه المشكلة ومللت تقريع بعض الأزواج الذين ينسقون وراء أهوائهم ويدمرون حياتهم العائلية ويضيعون أبناءهم طلبا لمتعة لاتدوم‏,‏ وسعادة وهمية لاتصمد للأيام‏,‏ ولايندمون علي ما أضاعوه ومن ضيعوهم‏,‏ إلا بعد فوات الأوان وقد لا يعودون إلي الطريق القويم إلا وهم يتسمعون أنغام الرحيل‏,‏ فيصدق عليهم قول بعض الصوفية لم يتركوا الذنوب إلا بعد أن تركتهم الذنوب أي إلا بعد أن عجزوا لأسباب تتعلق بالصحة وتأخر العمر عن ارتكاب المزيد منها‏..‏ وكل رجائي هو ألا يكون والدك من هؤلاء وألا تطول غيبته عنكم‏,‏ أما أنت فإن من واجبك بالفعل أن تصل رحم جدتك بغض النظر عما فعل أبوك‏,‏ ذلك أنها ليست مسئولة عما فعل‏,‏ ولأن ديننا يقضي لنا بألا نزر وازرة وزر أخري‏,‏ فلا تحمل نفسك وزر مقاطعة جدتك وابدأ أنت بصلتها ولسوف ترحب بك وتحرص عليك وتصل رحمك دائما إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:18 PM
بعد الأوان‏!‏






بـريــد الأهــرام
42921
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
11
‏23 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة



أنا سيدة أبلغ من العمر‏37‏ عاما مطلقة وأنا في التاسعة والعشرين من عمري وبعد زواج دام‏4‏ سنوات فقط وأثمر طفلة جميلة أكرس حياتي لتربيتها والإنفاق عليها وحدي‏,‏ وتبلغ الآن من العمر‏11‏ عاما وكانت بداية تعرفي بزوجي السابق كالمعتاد عن طريق الكلية‏,‏ وكان أول رجل في حياتي وقد تقدم لخطبتي واستمرت الخطبة عامين قمنا خلالهما بتأثيث مسكن جميل يحسدنا عليه كل من يراه‏,‏ ثم أتممنا الزواج‏.‏ وكأي علاقة زوجية تمر من آن لآخر بأزمات ولكنها تفاقمت في النهاية لتصل إلي الطلاق لثاني مرة وابنتي عمرها عامان فقط‏,‏ وعانيت الكثير منه ومن أهله حتي أنني قمت بالتوقيع علي ورقة بالتنازل عن جميع حقوقي وكذلك عن ابنتي إذا تزوجت من آخر‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله أن يقف معي أحد معارف مطلقي بالرغم من عدم معرفتي به ويعيد إلي هذه الورقة بعد أن نال ما لا يحمد عقباه من زوجي وأهله‏.‏ ولقد عانيت الكثير ومنه أخذ ابنتي مني ومروري علي المحاكم والأقسام لمدة‏19‏ يوما ولكن الجميع وقفوا إلي جانبي بفضل الله ودعاء الوالدين وعادت ابنتي إلي‏,‏ وبعدها توفي أبي ثم أمي في خلال‏83‏ يوما فقط‏,‏ وتزوج مطلقي ثانيا وأنجب ولدا ثم طلق زوجته وتزوج للمرة الثالثة ثم عرض علي أخيرا أن أعود إليه حتي يتسني له دخول منزلي في وقت متأخر ليري ابنتي‏,‏ وعلي أن أظل كما أنا في البيت لا علاقة لي به‏,‏ وإذا أردت علاقة زوجية فيمكنني أن أتصل به تليفونيا وساعتها أدركت كم أنه ضعيف ومسكين ويستحق الشفقة‏,‏ وأنني إذا وافقت علي ذلك فسيكون مصيري الطلاق الثالث لأنه أيضا لا يريد اشراك أحد من أهلي في هذا الموضوع‏,‏ المهم أنه في خلال هذه السنوات الثماني التي قضيتها وحدي من الله علي بحب الجميع لي في عملي وفي أهلي ومن جميع معارفي‏,‏ وتقدم إلي كثيرون منهم الطبيب والمهندس والمحامي والمحاسب والكيميائي ومنهم من لم يسبق له الزواج‏,‏ فكنت دائما أعتذر لهم مع احتفاظي بصداقتهم لأن كلا منهم يستحق أن يبدأ حياته مع آنسة وليس مع مطلقة لديها طفلة‏.‏ وكذلك لخوفي من زوجي إذا علم بزواجي مما سيترتب عليه أخذ الطفلة وقد حرم مطلقته الثانية من طفلها وأبقاه مع الجدة لأمه لأنها تزوجت وهذا هو شرطه‏,‏ ولكنها فضلت أن تعيش حياتها مع رجل آخر وتركت الطفل لوالدتها‏,‏ وفي السنة الماضية اعترف لي زميل عزيز بأنني أول امرأة أحبها في حياته وتمني الارتباط بها‏,‏ ولكن ظروفي وقتها كانت لا تسمح لي فتزوج هو ليكمل مسيرة حياته وأنجب طفلين من زوجة من الله عليه بها وهي علي خلق ودين وكذلك هو‏.‏



ظللت أقاومه وأؤكد له أنني لن أحتمل أن أظلم امرأة أخري لا ذنب لها‏,‏ وهو يقول أنه لن يظلمها مطلقا ولن يتخلي عنها أو عن الأولاد‏,‏ ولكنه يريدني كزوجة ثانية من غير علمها‏,‏ وسنحاول أن نحافظ علي هذا السر في حدود ضيقة تقتصر علي معرفة أهلي المقربين‏,‏ وفي نفس الوقت أحس أنني أريده فهو طيب الخلق وهاديء الطباع ويحنو علي ابنتي التي ترتبط به ودائمة السؤال عنه‏,‏ فأنا لا أريد زوجا كل الوقت حتي لا يضجر من تحمل مسئولية ابنتي التي أحس أنني يجب أن أتحملها كاملة‏,‏ كما أنه من المستحيل أن آخذه من زوجته‏,‏ فهذا هو سبب رفضي أولا وأخيرا‏.‏ وبالرغم من كثرة المتقدمين إلي ورفضي للجميع إلا أنني ملت إليه هو فقط ولا أستطيع أن أجازف بحياتي مع ابنتي إلا معه هو فقط‏,‏ توجهت إلي مشيخة الأزهر لسؤالي عن إثمي إذا تزوجته فأخبروني أن هذا ليس حراما بالمرة وأن علي فقط أن أظل حريصة علي عدم ظلم زوجته وأنه هو المسئول عن العدل بيننا بما أحله الله‏.‏


أريد الزواج ولكنني أخاف من الله إذا كان في هذا الارتباط ظلم لزوجته‏,‏ وأخاف من ضميري وفي نفس الوقت أريد أن أعيش بقية حياتي معه فما رأيك؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


ما قاله لك الشيوخ الأجلاء من أن زواجك منه ليس حراما وأن المهم هو العدل بين الزوجتين وهو مسئولية الزوج صحيح من الناحية الشرعية‏..‏ لكن ماذا يضطرك لأن تكوني زوجة ثانية وفي مقدورك أن تكوني الزوجة الوحيدة لرجل يكتفي بك وحدك ويملأ عليك حياتك‏..,‏ ولماذا تتخفين بزواجك وكأنك ستفعلين شيئا إدا‏,‏ خاصة أن السرية هنا ليس المقصود منها ألا ينزع منك مطلقك ابنتك وإنما تكتم الأمر عن زوجة من ترغبين في الارتباط به‏,‏ وإلي متي سوف تنجحين في الحفاظ علي سرية هذا الزواج‏,‏ وكل سر جاوز الاثنين شاع كما يقول الحكماء‏..‏ ولماذا تتسترين بزواجك ومن حقك أن تتزوجي في العلن وتنظمي مع زوجك حضانة ابنتك؟ إن ميل قلبك لهذا الشخص ليس أبديا ولا هو بالأصالة التي تتصورينها وإلا لما كنت قد رفضته وهو أعزب ولم يتزوج بعد‏..‏ فماذا جد عليه حتي أصبح الآن بعد زواجه الأمل والأمنية؟ يا سيدتي راجعي نفسك‏..‏ واختاري من بين من يتقدمون لك وهم كثيرون كما تقولين من لا يعدك الارتباط به بالمزيد من المشاكل والاضطرابات‏,‏ وأنت في مرحلة من العمر تستحقين فيها أن تسكني إلي رجل يكتفي بك ويحرص عليك وعلي ابنتك والسلام‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:19 PM
الإجـــــــازة الســــــعيدة‏!‏






بـريــد الأهــرام
42928
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
18
‏30 ربيع الآخر 1425 هـ
الجمعة



أشعر برغبة شديدة في أن أروي لك تجربتي الشخصية‏,‏ عسي أن يستفيد بها غيري ممن يواجهون نفس الظروف‏,‏ التي واجهتها من قبل‏,‏ فأنا رجل متوسط العمر نشأت في أسرة متحابة ومتراحمة‏,‏ وأنهيت تعليمي العالي في سلام‏,‏ ثم رحل أبي رحمه الله عن الحياة وأورثني عملا تجاريا صغيرا‏,‏ فآثرت التفرغ له واستقلت من وظيفتي الحكومية‏,‏ واتفقت مع أختي الوحيدة التي تشاركني ملكية هذا العمل‏,‏ علي أن أخصص لها مبلغا شهريا عادلا تنفق منه علي نفسها وتدخر بعضه لجهازها‏,‏ الي جانب تكفلي التام بإعالة والدتنا ونفقات البيت الذي يضمنا جميعا‏,‏ وبالفعل استفادت شقيقتي من المبلغ الشهري واشترت بمشورة أمي أشياء كثيرة لجهازها‏,‏ وادخرت الجزء الأكبر للأثاث ومتطلبات الزواج‏,‏ وفي الوقت المناسب تقدم لها ابن خالتها المهندس الشاب يطلب يدها‏,‏ فرحبت هي به وسعدت أنا أكثر بتقدمه إليها‏,‏ لأننا صديقان منذ الطفولة‏,‏ وتم الاتفاق علي كل شيء‏,‏ وتعمدت ألا أرهق صديقي بالمطالب المادية الكثيرة‏,‏ وأكدت له أنني لا أريده أن يبدأ حياته مع أختي بالديون‏,‏ ولذلك قبلت منه ما معه دون زيادة‏,‏ وتكفلت مدخرات أختي خلال الأعوام السابقة بتغطية التكاليف‏,‏ وتم زفافها لابن خالتها في ليلة سعيدة‏,‏ تذكرت خلالها ابي الراحل وتمنيت لو كان قد امتد به العمر ليسعد معنا بسعادة ابنته‏,‏ وبعد أقل من عام من زواجهما انجبت اختي ابنها البكر‏,‏ وسعدت به سعادة طاغية لولعي القديم بالأطفال‏,‏ حيث كنت دائما صديقا لأطفال العائلة‏,‏ وحثتني أمي علي الزواج بعد أن اطمأنت علي أختي واستقرت الأحوال في العمل‏,‏ وراحت تغريني بالاسراع بالزواج لكي أنجب طفلا أو طفلين يملآن علي حياتي ويشبعان لدي حنيني القديم للأطفال‏,‏ وفكرت في الأمر طويلا واستقر رأيي علي القبول‏,‏ وكنت منذ سن المراهقة معجبا بابنة عمتي وأستريح إليها‏,‏ ففكرت في التقدم لها‏,‏ لكني لم أكن واثقا من مشاعرها تجاهي‏,‏ وفكرت في جس نبضها فانتهزت فرصة زيارتي مع أمي لأسرتها وارسلت إليها رسالة بالنظرات المعبرة‏,‏ للاستفسار عن مدي استعدادها للارتباط بي‏,‏ فجاءني الرد بالنظرات المعبرة كذلك‏,‏ عن القبول ففاجأت عمتي وأمي خلال نفس الزيارة بطلب يدها‏..‏ ولم تتمالك أمي نفسها حين رحبت عمتي وابنتها بي‏,‏ واطلقت أول زغرودة لها بعد وفاة أبي‏,‏ وتمت الخطبة وتمكنت المشاعر العاطفية من قلب كل منا خلال فترة الخطبة‏,‏ حتي خيل إلي إنني كنت أكتم حبي لها منذ سنوات بعيدة‏,‏ وخيل إليها نفس الشيء‏,‏ وتزوجنا ورفضت أمي رفضا قاطعا أن تغادر مسكنها أو أن نقيم معها‏,‏ وأصرت علي أن يكون لي مسكن مستقل للزوجية وأن تحيا هي في شقة الأسرة مع سيدة ترعاها‏,‏ وأكدت ذلك بقولها إنها تريد أن يبقي بيت العائلة مفتوحا لترجع إليه ابنتها حين تشاء وأزورها فيه كلما سمحت ظروفي‏,‏ وبالفعل أصبح بيت العائلة أو البيت الكبير كما نسميه‏,‏ يجمع بيننا مساء يوم الاثنين ـ وطوال نهار يوم الجمعة كل أسبوع ـ واصبحت هذه اللقاءات هي أسعد أوقاتي حيث تجتمع زوجتي وأختي وأمي يتبادلن الحكايات والروايات‏,‏ والتقي بزوج أختي لنلعب الطاولة أو نتسامر ونتبادل الأخبار وألاعب ابنه البكر وابنته الوليدة وأسعد بذلك كثيرا‏.‏



ومضت بنا الحياة وترقبت أن تفاجئني زوجتي ذات يوم بالخبر السار‏,‏ الذي انتظره منذ الشهور الأولي للزواج وهو خبر حملها‏,‏ فتمضي الأيام ولاتبدو في الأفق أية بادرة تشير إليه‏,‏ وبعد عام من الزواج ازداد قلق أمي‏,‏ فاصطحبت زوجتي الي أحد الأطباء وتم اجراء كل الفحوص اللازمة وانتهت الي أنه ليس لديها ما يحول دون حملها وانجابها‏,‏ وانها طبيعية تماما‏,‏ فاتجهت الظنون إلي‏,‏ وتحرجت زوجتي من أن تحدثني في الأمر‏,‏ فحدثتني عنه أمي وطلبت مني اجراء الفحوص الطبية للتأكد من قدرتي علي الانجاب‏..‏ واهتززت بعض الشيء حين سمعت ذلك وتساءلت‏:‏ هل يمكن حقا أن أكون عقيما وأنا العاشق القديم لكل اطفال العائلة؟ وخفت بالفعل من مواجهة الاختبار وترددت عدة أسابيع‏,‏ ثم حزمت أمري وعرضت نفسي علي الأطباء‏,‏ فإذا بالفحوص تؤكد أنني سليم تماما وقادر علي الانجاب‏,‏ فلماذا إذن لم نسعد بإنجاب الأطفال وقد مر علي الزواج أكثر من عامين‏,‏ وتعلقت بالأمل في أن تحمل زوجتي ذات يوم الخبر السعيد‏.‏


وعشت علي هذا الأمل‏,‏ أؤدي عملي وأرعي أمي وزوجتي وأختي‏,‏ وافرغ حنيني للأطفال في طفلي أختي وأطفال الأسرة‏,‏ واهتم بعملي حتي نما واتسع والحمد لله‏,‏ وأصبحت الحياة جميلة من كل النواحي‏,‏ ماعدا هذه الناحية المفقودة وهي الإنجاب‏.‏



ويوما بعد يوم تعمقت العلاقة بيني وبين زوجتي حتي أصبحت تسري في دمي ولا أستطيع الحياة بدونها‏,‏ وأسعدني كثيرا حب أمي وأختي لها‏,‏ وتمتعها بمكانة كبيرة لديهما‏,‏ لطيبة قلبها وكرم أخلاقها وتدينها وحرصها علي مودة أهلي‏,‏ لكن لعنة الله علي وساوس الشيطان‏,‏ التي راحت تلح علي كل يوم بأن كل ذلك لا قيمة له بدون إنجاب الاطفال‏,‏ وانني مادمت سليما من الناحية الصحية وقادرا علي الانجاب‏,‏ فلابد أن يكون العيب في زوجتي‏,‏ ولابد أن تكون الفحوص التي أجرتها خاطئة أو ليست دقيقة‏,‏ ولم تكن تجارب أطفال الأنابيب قد شاعت في ذلك الوقت‏,‏ فأوعزت لزوجتي أن تعيد فحص نفسها‏,‏ واكتأبت هي للطلب‏,‏ لإدراكها ما وراءه واستجابت لي واجرت المزيد من الفحوص‏,‏ وتلقت العلاج بلا جدوي‏.‏


ووجدت نفسي قد تقدم بي العمر ولم أنجب بعد فبدأت وبالرغم من حبي الكبير لزوجتي أفكر في الزواج من أخري‏,‏ بغرض الانجاب‏,‏ وسألت أهل العلم فقالوا ان الرغبة في الانجاب مبرر شرعي للزواج مرة أخري‏,‏ وفاتحت أمي في الأمر‏,‏ فتمزقت بين رغبتها الدفينة في أن تري حفيدا لها من صلبي وبين اشفاقها علي مشاعر زوجتي التي تحبها وتشعر نحوها بالعطف‏,‏ وفاتحت أختي وزوجها فأيدني ابن خالتي بلا تحفظ‏,‏ وترددت أختي في الموافقة‏,‏ حرصا علي مشاعر زوجتي وفضلت ألا تبدي أي رأي في المشكلة‏.‏



لكني كنت قد حزمت أمري ولم يعد يجدي التردد‏,‏ فقد مضي علي زواجي تسع سنوات وليست هناك أي بادرة للحمل‏,‏ واصبحت المشكلة الرئيسية التي تواجهني هي كيف أفاتح زوجتي في رغبتي في الزواج من أخري بغير أن يؤثر ذلك علي حياتي معها‏,‏ أو أن يتأثر الحب الكبير الذي يجمعني بها وشغلني هذا الأمر أكثر من أي شي آخر‏.‏


وكنت قد استقر رأيي علي الارتباط بسيدة مطلقة ولديها طفل عمره ثلاث سنوات‏,‏ جاءت للعمل عندي قبل شهور‏,‏ وهي سيدة من أسرة بسيطة وقد استشعرت لديها الاستعداد للارتباط بي مع استمرار زواجي الأول دون تأثر‏,‏ كما أنها قادرة علي الانجاب بدليل انجابها لطفلها خلال زواجها الذي لم يطل أكثر من عام واحد‏,‏ غير أنني لم أفاتحها في الأمر‏,‏ انتظارا للحصول أولا علي إذن زوجتي‏..‏



وألحت علي الرغبة في الانجاب وحرت كيف أفاتح زوجتي‏,‏ وكلما هممت بذلك نظرت إليها فوجدتها منكسرة وحزينة فأشفق من إيلامها‏,‏ واستشرت زوج أختي فنصحني بأن أصطحب زوجتي في اجازة إلي أحد المصايف أو المشاتي وأن أمضي معها وقتا سعيدا وخلال رحلة العودة أفاتحها في الأمر وهي مازالت منتشية بذكريات الاجازة السعيدة‏,‏ وفعلت ذلك بالفعل واصطحبت زوجتي الي الفيوم وقضينا ثلاث ليال في منتهي السعادة‏,‏ وزرنا شلالات وادي الريان‏,‏ وسواقي الفيوم القديمة وعين السيلين‏,‏ وسعدت زوجتي بالاجازة سعادة كبيرة وأنا أرقبها خفية وأشفق عليها مما ينتظرها‏,‏ وركبنا السيارة عائدين الي القاهرة‏,‏ وأنا أتحين الفرصة لكي أفاتحها في الموضوع وأفكر في الكلمات التي أعبر بها عما أريد‏,‏ وكنا قد قطعنا نصف الطريق حين غالبت ترددي والتفت إليها لأصارحها بما أريد‏,‏ فإذا بي أراها وعلامات الامتعاض والمرض بادية علي وجهها وسألتها منزعجا عما بها‏..‏ فأشارت الي أن أتوقف بالسيارة فوقفت علي جانب الطريق‏,‏ فإذا بها تفتح باب السيارة وتفرغ معدتها علي الأرض وتبدو في غاية الارهاق والمعاناة وسألتها هل نرجع الي الفيوم لعرضها علي أحد الأطباء أم نسرع الي القاهرة ليراها طبيب الأسرة‏,‏ فرغبت في العودة للقاهرة‏,‏ وقدت السيارة مسرعا وقد طارت من رأسي كل الكلمات التي أعددتها لمفاتحتها في الأمر‏,‏ وتركز خوفي في أن تكون وجبة الاسماك التي تناولناها قبل السفر فاسدة وسممت زوجتي‏,‏ واسرعت الي طبيب العائلة في ميدان الدقي‏,‏ ورويت له ما حدث‏,‏ ففحص زوجتي فحصا دقيقا ثم ابتسم في وجهي وقال لي‏:‏ مبروك زوجتك حامل في أسابيعها الأولي‏..‏ ياسبحان الله العظيم‏..‏ حامل؟ وأنا الذي هممت باستئذانها في الزواج من أجل الإنجاب؟‏..‏ وشكرت الطبيب بحرارة واصطحبت زوجتي الي طبيب أمراض النساء‏,‏ فأكد لنا بعد فحصها حملها وقال إن كل شيء طبيعي وإنها لا تحتاج الي أية أدوية‏!‏



وهرولت الي أمي وأسعدتها بالخبر فنصحتني بشراء عشرين كيلوجراما من اللحم وطهوها وتوزيعها علي الفقراء شكرا لله تعالي‏,‏ وابلغت أختي في نفس اليوم أن زوجتي حامل وانني لم أفاتحها في الأمر‏,‏ ونفذت وصية أمي وقامت زوجتي وهي في قمة السعادة بطهو اللحم ووضعه مع الأرز في أرغفة الخبز‏,‏ وحملت الكرتونة الكبيرة التي تحوي أرغفة الخبز واللحم ووزعتها بنفسي علي كل من قابلته في الطريق من البسطاء‏..‏ وحمدت الله كثيرا علي أنني لم أتسرع بالحديث الي زوجتي في أمر زواجي‏,‏ واستقر رأيي علي الاستغناء عن خدمات السيدة المطلقة التي تعمل معي تجنبا للاحتمالات فدفعت لها تعويضا مناسبا وأوصيت بها أحد المتعاملين معي كي تعمل عنده فوظفها بالفعل لديه‏.‏


ورحت أعد الأيام علي موعد الولادة‏,‏ حتي جاء اليوم السعيد‏,‏ وجاء الي الوجود ابني البكر الذي لم أتردد في تسميته باسم ابي رحمة الله عليه‏..‏ وكأنما كانت قدرة زوجتي علي الانجاب مغلولة بالقيود وحين نزل الأمر الإلهي بفكها انطلقت بلا عقبات‏,‏ فلم يمض عام آخر حتي أنجبت لي ابني الثاني‏,‏ وشكرت ربي طويلا وقررت الاكتفاء بهاتين الهديتين اللتين هبطتا علي من السماء‏,‏ لكن زوجتي كان لها شأن آخر‏,‏ فلم يمض عام ثالث حتي كانت قد أنجبت طفلتي الجميلة الوحيدة وأصبح لدي ثلاثة أطفال خلال ثلاثة اعوام فقط‏.‏



وسبحانك ربي تهب الذكور لمن تشاء والاناث لمن تشاء وتجعل من تشاء عقيما‏..‏ وأنت القادر علي كل شيء‏..‏ تسع سنوات بلا أي بادرة للحمل دون وجود أية موانع‏..‏ ثم ثلاثة أطفال خلال ثلاث سنوات فقط لاغير‏..‏ فهل هناك دليل علي قدرة الله سبحانه وتعالي أكثر من ذلك؟‏!‏


لقد استقرت بي الحياة وأصبح أطفالي الثلاثة ينافسون أطفال أختي في إحداث الصخب والضجيج في بيت أمي في خلال لقاءاتنا المنتظمة‏,‏ والحمد لله علي نعمته‏,‏ فقد تفرغت للعمل‏..‏ وعشت هانيء البال لا يشغلني سوي أسرتي وعملي‏..‏ فتقدم العمل واستقر ورسخت دعائمه والحمد لله‏..‏ ولو انني كنت قد تعجلت أمري وتزوجت من تلك السيدة المطلقة وتمزقت بينها وبين زوجتي لاضطربت حياتي‏,‏ وتأثر عملي ولربما كنت لم أنجب من الزوجة الجديدة فطلقتها وجربت حظي مع ثالثة وربما رابعة‏,‏ ومضيت في طريق الزواج والطلاق والمشكلات المترتبة علي ذلك‏.‏



وقد مضت سبع سنوات الآن علي تلك الاجازة السعيدة التي رتبتها لابلاغ زوجتي بنيتي في الزواج عليها‏,‏ وقد صارحت زوجتي بكل شيء عنها بعد انجابها الطفل الثاني فصفحت عما حدث‏,‏ ولعلك تتساءل عما دفعني بعد هذه السنوات لأن أروي لك قصتي‏,‏ وأجيبك‏,‏ بأنه قد حدث ما جعلني استعيد شريط الذكريات كله وأجدد الحمد والشكر لله العظيم أن حماني مما كنت علي وشك التورط فيه‏,‏ فقد زارني منذ أيام صديقي التاجر الذي أوصيته بالسيدة المطلقة التي كانت تعمل عندي ووظفها لديه‏,‏ ووجدته في أسوأ حال صحيا ونفسيا وماديا‏,‏ وروي لي أنه تزوج تلك السيدة بعد عملها لديه ببضعة شهور سرا وأنجب منها ولدا‏,‏ واكتشفت زوجته الأولي الأمر فأصرت علي الطلاق منه وحرمته من ابنائه وشنت عليه حربا شعواء‏,‏ وأقامت ضده عدة قضايا كسبتها كلها وكلفته مبالغ مالية كبيرة أثرت بالسلب علي نشاطه التجاري‏,‏ ولم ترحمه الزوجة الجديدة في محنته وضاعفت ضغطها عليه لإعلان زواجه بها وتأمين مستقبلها ومستقبل ابنه منها‏,‏ حتي ضاق بكل شيء وطلقها وأراد الرجوع الي زوجته الأولي‏,‏ ووسط لديها كثيرين فأبت عودته الي بيت الزوجية إلا اذا كتب كل ما يملك باسمها واسماء أبنائه منها‏,‏ لتحرم ابنه من الأخري‏,‏ وهو حائر ومتخبط ولا يدري ماذا يفعل لينقذ عمله من الافلاس وحياته وابناءه من الضياع والاضطراب‏,‏ وقد نصحته بأن يتوصل مع زوجته الأولي الي حل وسط فيكتب بعض ما يملك باسماء ابنائه ويتعهد لزوجته في قسيمة الزواج الجديدة بألا يتزوج عليها مرة أخري‏,‏ وغادرني وأنا أحمد الله سبحانه وتعالي أن حماني من كل ذلك وجنبني المشكلات والاضطرابات العائلية والمادية‏,‏ وأوجه رسالتي الي كل شاب تأخر حمل زوجته ألا يتسرع في الحكم عليها وألا يتعجل الانفصال عنها أو الزواج عليها‏,‏ وأن يصبر علي ظروفه الي أن يأذن الله له بالانجاب أو يقضي في أمره بما فيه خيره وسعادته بإذن الله‏,‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


من سعادة المرء أن يكون ما اختاره له الله سبحانه وتعالي‏,‏ أفضل كثيرا مما اختاره هو لنفسه‏,‏ وأن يرضي بحسن اختيار الله له وألا يعدل به شيئا‏..‏ وقصتك الفريدة هذه خير دليل علي ذلك‏..‏ فقد كان اختيار الله سبحانه وتعالي لك أفضل مما كنت قد فكرت فيه ودبرت أمره‏,‏ ولو لم تكن ابنا بارا بأمك وأخا عادلا رحيما لأختك‏,‏ لربما كانت السماء قد تركتك لما اخترته لنفسك‏,‏ وشهدت عن قرب آثاره ونتائجه الوخيمة‏,‏ علي حياة صديقك التاجر العائلية وعلي عمله التجاري‏..,‏ فكأنما قد أراد الله سبحانه وتعالي أن يطلعك عمليا علي ما كنت تقود نفسك وحياتك إليه‏,‏ وأنت تسمع شكوي هذا الصديق مما حدث له‏,‏ أو كأنما أراد الله سبحانه وتعالي أن يقول لك من جديد إنه أرحم بعبده من نفسه التي تقوده أحيانا الي المهالك بتطلعها الي المفقود وتعجلها المنشود‏,‏ وفي هذا الشأن قال لنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ما معناه‏,‏ ان كل دعاء المؤمن مستجاب بأمر الله ما لم يعجل‏..‏ قيل له وكيف يعجل؟‏..‏ قال ما معناه‏:‏ يقول قد دعوت ودعوت ودعوت ولم يستجب لي‏,‏ فيكف عن الدعاء‏.‏


وأنت صبرت تسع سنوات علي الحرمان من الإنجاب‏,‏ ولم تتعجل الزواج من أخري‏,‏ ولم تفكر في الانفصال عن زوجتك‏..‏ فكان حقا علي الله سبحانه وتعالي أن يجنبك الاضطرابات العائلية‏,‏ بل انه سبحانه وتعالي‏,‏ قد ترفق بك أكثر فأرسل إليك إشارة البشري بالحمل قبل أن تتورط في مفاتحة زوجتك في أمر زواجك خلال رحلة العودة‏,‏ لكيلا تفسد عليها فرحة الحمل الصافية من الأكدار‏,‏ ولو أنك كنت قد تسرعت في مصارحتها لتكدرت فرحتها بحملها بعد طول الترقب والانتظار بتفكيرك في الزواج من غيرها‏..‏ ولتأثرت علاقتك بها ولو لفترة مؤقتة‏,‏ ولاهتزت ثقتها في حبك الكبير لها‏,‏ أما نعمته الجليلة عليك فقد تمثلت في أن حماك ربك من المضي علي طريق الزواج والطلاق والاضطراب العائلي الذي كاد يعصف بتجارة صديقك التاجر‏,‏ وقد كنت حكيما حين أبعدتها عن عملك وحياتك بعد أن تلقيت اشارة السماء بالاستجابة لدعائك لربك بأن ينعم عليك بالانجاب‏,‏ وكان ابعادها من مجال البصر والتعامل اليومي معا ضروريا بالفعل‏,‏ بعد أن فكرت فيها بالفعل كأنثي وأردت الارتباط بها‏,‏ إذ لم يكن من المستبعد أن تتجدد الرغبة فيها في أية مرحلة‏..‏ أو أن تسعي هي بعد أن استشعرت بطريقة أو بأخري رغبتك فيها‏,‏


لإغرائك بالارتباط بها في السر أو في العلن‏,‏ كما فعلت مع صديقك‏,‏ فأخذت بالأحوط واستهديت بالحكمة القديمة التي تقول‏:‏ خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي‏,‏ فنجوت من كل ما يكابده الآن صديقك التاجر الذي بدأ ولم يعرف كيف ينتهي‏.‏


ولعل ما حدث لك يذكرنا من جديد بالحديث الشريف الذي يقول لنا في مضمونه أن كل أمر المؤمن خير‏,‏ إن نالته سراء شكر فكان خيرا له‏,‏ وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له‏.‏



لقد صبرت علي الحرمان من الانجاب‏..‏ وشكرت علي نعمته‏,‏ فكان خيرا لك بإذن الله‏,‏ وإني لأشاركك الدعوة المخلصة الي ألا يتعجل من يواجهون نفس ما واجهته أنت من ظروف في السنوات الأولي من زواجك‏,‏ التفكير في الانفصال عن زوجاتهم‏,‏ أو في الزواج من أخري مع ما يترتب علي ذلك من اضطرابات عائلية‏,‏ لأن رحمة الله التي وسعت كل شيء قد تهبط عليهم في أية لحظة‏,‏ فتتحقق الآمال ويسعد المحرومون بما كانوا يتلهفون عليه‏,‏ وهو جل في علاه قادر علي كل شيء‏,‏ ويخلق ما لا تعلمون وفي أي وقت يشاء سبحانه وتعالي‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:20 PM
صيغة الاعتراف‏!‏


بـريــد الأهــرام
42928
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
18
‏30 ربيع الآخر 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة في العقد الخامس من العمر تزوجت منذ‏27‏ عاما من رجل يصغرني بعامين‏,‏ وكنت وقتها أعمل موظفة بخزينة بنك ولم أستكمل مدة الأشهر الستة اللازمة للتثبيت وتم الزفاف وأخذني زوجي معه إلي العراق وأنجبت ولدا وبنتا ثم عدنا الي وطننا الأم مصر‏,..‏ وأقمت حاجزا بيني وبين أهل زوجي فكنت اتجهم في وجوههم حتي لا يزورنا أحد منهم ثم رزقنا الله بولد وبنت آخرين وجاءت والدة زوجي لتقيم معنا فلم أحسن معاملتها خلال الأسبوع الذي أقامته معنا حتي هربت من هذا الجحيم‏..‏ ولم تستطع أن تقول أي كلمة لابنها الوحيد وأنني كنت ألازمهما إلي أن ينهضا للنوم‏..‏ وكبر الأبناء وانتقلنا إلي القاهرة وجاءت حماتي مرتين أو ثلاثا وفي كل مرة تحدث مشكلة كبيرة وتذهب لإحدي بناتها وذهب زوجي للعمرة فسأل فقيها في ذلك فقال له أن الأم لا تعوض أما الزوجة فيمكن تعويضها‏,‏ ومنذ ذلك التاريخ وهو يريد الزواج لكي تقيم الزوجة الثانية مع والدته لكني كنت أسعي لإفشال كل زيجة كان يتقدم اليها‏,‏ إلي أن مرض زوجي مرضا شديدا وطرد زوج اخته والدته بدعوي ان ابنها أحق برعايتها منه‏,‏ فأقام معها زوجي خلال الأجازة المرضية لمدة شهر ونصف الشهر في شقته الثانية بالمدينة الساحلية يخدمها ويرعاها ويغسل لها ملابسها ولم أذهب لزيارته أنا وبنتاي وولداي لكي نشد من أزره أو نساعده في هذه المحنة لاني لا أحب أحدا من عائلته‏,‏ وكان زوجي يئن طوال الليل من المرض والتعب ولم يقبل ادخال والدته دارا للمسنين واتفق في النهاية علي أن تقيم مع ابن ابنتها علي أن يعطيه مبلغا شهريا نظير ذلك‏,‏ وفي خلال هذه الفترة وعند سفره لإحدي الدول كتب لابنته الكبري توكيلا بالشقة الساحلية بحيث أذا جاء عريس لإحدي بناته تبيع الشقة وتجهز نفسها بثمنها‏..‏ ونسي هذا التوكيل بعد عودته علما بأنه عمل عقدا للشقة من صاحبة الملك‏,‏ وتوفيت وعمل بعد وفاتها عقد صحة بيع ونفاذ ولم يتمكن من تسجيلها باسمه في الهيئة العامة لتعاونيات البناء‏..‏ وحدث خلاف مع ابن اخته وتزوج زوجي بغير علمي من سيدة عمرها‏45‏ عاما لتخدم والدته‏..‏ وكنت أخطط خلال هذه الفترة لنقل ملكية الشقة الساحلية الينا وتم عمل توكيل من ابنتي لي وبالتعامل مع المحامين وبمعرفتي بالموظفين نقلت ملكية الشقة باسمي علما بأنني مقيمة بشقة تمليك في القاهرة يملكها زوجي وبها افخر الاثاث وحين ذهب زوجي لسداد قسط الشقة فوجيء بأنها ليست باسمه وكاد يجن وارتفع عنده السكر إلي‏550‏ وانا فرحة وسعيدة‏..‏ والان


أحاول نقل ملكية شقة القاهرة وقد لعبت في عقول الأولاد وأصبحوا يكرهون أباهم أشد الكراهية وهو يرسل لي المصروف الشهري للمنزل‏,‏ وعرفت أنه أجر الشقة الأخري بمبلغ كبير فذهبت للطلبة الساكنين فيها وحاولت طردهم حتي أحرمه من سداد إيجار شقته الجديدة علما بأنه قد أمن مستقبلي بمبلغ شهري وتأمين صحي إلا أنني حاقدة عليه وكلما عرفت رقم تليفونه الذي يغيره كل فترة اشفي غليلي واشتم كل من يرد علي بأصعب الألفاظ‏..‏ إنه يهددني الآن بطردي من سكن الزوجية وأنا لم أطلق بعد ويهددني بإبلاغ النيابة علي التزوير الذي تم في الشقة الساحلية فهل أنا علي حق علما بأنه لم يتزوج أحد من أبنائي حتي الآن؟‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أشك كثيرا في أنك كاتبة هذه الرسالة ويراودني الاحساس بأن كاتبها علي لسانك هو زوجك‏,‏ لأن اعترافك بكراهيتك لأهله وسوء معاملتك لوالدته واغتصابك لشقته لا يتفق ابدا مع تساؤلك في النهاية هل أنت علي حق فيما فعلت أم لا‏..‏ اذ لابد أنك تعرفين جيدا أن من يتصرف علي هذا النحو لا يكون علي حق أبدا كما انه لا يتحري العدل في حياته بحيث يهتم بأن يسأل أهو علي حق أم علي باطل‏.‏



ولهذا فلسوف أتعامل مع الرسالة باعتبارها شكوي من زوجك صيغت علي شكل اعترافات من جانبك بكل ما ينكره عليك‏..‏ وله أقول أن بره بأمه ورعايته لها وهمه بأمرها كل ذلك مما يحسب له ولسوف يجزيه عنه ربه خيرا كثيرا‏,‏ لكن هل كانت رعايتها هي الدافع الوحيد حقا لزواجه من أخري‏,‏ أم كانت لديه لهذا الزواج دوافع أخري؟ أولم يكن من الأكرم له ان يشركك معه في همه بأمر أمه‏,‏ ويخيرك بين القبول بإقامتها معكم وحسن رعايتها في شيخوختها‏,‏ وبين زواجه من أخري لكي تقيم معها وترعاها‏,‏ فإن قبلت انت بإقامتها معك كان بها وإن رفضت ذلك وأذنت له بالزواج من أخري لهذا الغرض حلت المشكلة بصيغة أخري في إطار التفاهم الودي بينكما فإن لم يكن هذا ولاذاك حق له أن يفعل مايشاء لايواء والدته ورعايتها‏..‏ وليس لأحد ان يلومه سواء تزوج من أخري أو لم يفعل



علي أية حال فالواضح أنك تتحملين الجزء الأكبر من المسئولية عن زواجه الثاني برفضك لاستقبال والدته المسنة في بيتك وسوء معاملتك لها ولأهله‏,‏ فان التمسنا بعض العذر لزوجك في زواجه الثاني اذا كان دافعه الوحيد اليه حقا هو توفير المأوي الآمن لأمه في هذه المرحلة من العمر‏,‏ فأي عذر يمكن أن نلتمسه لك إذا صدقت رواية زوجك في تعمدك إقامة الحواجز بينك وبين أهله وكراهيتك لهم‏,‏ وسوء معاملتك لأمه‏,‏ ورفضك لإقامتها معكم ولو علي سبيل التناوب بين بيتك وبيوت بناتها واي عذر يمكن التماسه لك أيضا في اغتصاب ملكية الشقة الساحلية وسعيك لاغتصاب شقة القاهرة كما يقول زوجك في هذه الرسالة المكتوبة علي لسانك؟

حسام هداية
08-25-2011, 07:21 PM
العقبة الرئيسية


بـريــد الأهــرام
42928
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
18
‏30 ربيع الآخر 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة متزوجة منذ عشرين عاما ولم يكن لي نصيب في الإنجاب‏,‏ وترجع الأسباب إلي عملية الزائدة التي أجريت لي قبل الزواج‏,‏ ونتج عنها انسداد في الأنابيب وهو ما لا ذنب لي فيه وبعد الزواج اجريت عمليات كثيرة منها بالأنابيب ومنها منظار للبطن ومنها طفل أنابيب أكثر من سبع مرات حتي ذهبت حصيلة كل عمل زوجي في المملكة العربية السعودية للعلاج بدون فائدة ومنذ ثلاث سنوات عرض علي زوجي فكرة أن نتكفل بطفلة وعملنا كل الأوراق وتقدمنا بها في دائرة المنطقة التي نسكن بها وطلبنا طفلة حديثة الولادة لكننا واجهنا صعوبات وجود كفيل يضمنا لكفالة الطفلة وفي العام الماضي أيضا تقدمنا ولكن وزير الصحة أصدر قرارا بألا يقل عمر الطفلة عن عامين وألا تكون حديثة الولادة ونحن نمتلك شقة في منطقة المعادي الجديدة ونستطيع ان نصرف عليها حتي تتزوج وأن نؤمن حياتها بإذن الله لكني أرجو العون من الله ومن السيدة وزيرة الشئون الاجتماعية والسيد وزير الصحة وأي مسئول عن هذا الموضوع بمناسبة يوم اليتيم علما بأني أملك شقة ايضا باسمي وموظفة بوزارة الداخلية وأقيم حاليا مع زوجي في السعودية وتقدمنا في طلبنا الأول لاصطحاب الطفلة معنا وقوبل الطلب بالرفض وفي العام الماضي قررت أننا إذا أخذنا الطفلة فسوف اقيم في مصر واترك زوجي في السعودية علي ان يعود إلينا علي مدار العام فهل يمكن تحقيق هذه الأمنية الغالية لنا؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


لا علم لي في الحقيقة بقرار منع تسليم الأطفال حديثي الولادة للراغبين في التكفل برعايتهم‏..‏ ولا ادري ما هي علاقة السيد وزير الصحة بذلك وفي حدود علمي فإن الوزارة المختصة بشئون رعاية الأطفال مجهولي النسب أو الابناء هي وزارة الشئون الاجتماعية والتأمينات وليست وزارة الصحة‏,‏ وعلي اية حال فإن استعدادك للعودة للاقامة بمصر مع الطفلة التي تتسلمينها من احدي دور رعاية الايتام يذلل العقبة الرئيسية التي كانت تحول بينك وبين تحقيق هذه الأمنية الغالية‏,‏ ذلك ان وزارة الشئون الاجتماعية تتحفظ كثيرا علي تسليم الأطفال الصغار لمن لايقيمون في مصر اقامة دائمة‏,‏ وحجتها في ذلك عادلة ومنطقية وهي تعذر إشراف الوزارة أو دور الايتام علي هؤلاء الأطفال وهم في كفالة اسرهم الجديدة‏,‏ الي جانب الحرص علي تجنب شبهة الاتجار في الأطفال المحرومين من ذويهم الطبيعيين وهو حرص حميد لايستطيع احد ان يلوم الجهات المعنية عليه‏..‏ ويبقي بعد ذلك أن اناشد الأستاذة الدكتورة امينة الجندي وزيرة الشئون والتأمينات الاجتماعية ان تأمر بتيسير تسليمك لطفلة صغيرة لتقومي برعايتها في سكنك بمصر بعد عودتك بإذن الله‏,‏ فاتصلي بي أو اكتبي إلي بعنوانك ورقم هاتفك والله المستعان علي كل امر عسير‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:22 PM
الزيارة المفاجئة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42935
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
25
‏7 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أكتب إليك لأني في أشد الحاجة لمن يسمعني ويشير علي‏,‏ فأنا رجل متوسط العمر نشأت في أسرة متوسطة‏,‏ بين أب موظف بالحكومة وأم تتفنن في تدبير حياة أسرتها وتلبية مطالب أبنائها الأربعة‏.‏ وشققت طريقي في الدراسة حتي حصلت علي ليسانس الحقوق‏,‏ ووجدت أبواب الوظائف مسدودة أمامي وليس لي نصير يوصي بتعييني في أي جهة حكومية فاتجهت إلي العمل بالمحاماة‏,‏ وبدأت بالتدريب لدي محام من أقارب والدتي‏,‏ وحصلت بعد فترة علي عضوية نقابة المحامين وانتقلت للعمل لدي محام أوسع نشاطا في حي العباسية‏,‏ وحصلت علي أول مرتب لي منه‏..‏ ثم تقدمت في العمل وأصبح يكلفني ببعض القضايا البسيطة نيابة عنه ويخصص لي نسبة من الأتعاب‏..,‏ فاستطعت أن أساعد أبي في تعليم اخوتي الصغار‏,‏ وظفرت لذلك بمكانة كبيرة لدي أبي وأمي وأسرتي‏,‏ ومضت بي الأيام‏,‏ وازدادت خبرتي بالعمل واتسعت دائرة معارفي وكثرت القضايا التي أباشرها‏,‏ فاستأذنت المحامي الكبير الذي أعمل معه في أن استقل بنشاطي في مكتب خاص بي‏..‏ ولم يعترض الرجل ولم يغضب لذلك‏,‏ وإنما قال لي إن هذه هي سنة الحياة ولابد للصغير من أن يكبر ذات يوم‏..‏ وأرشدني إلي مكتب لأحد المحامين شبه المعتزلين‏,‏ ونصحني باستئجار غرفة من مكتبه لبدء نشاطي الخاص فيها‏,‏ وتم ذلك بالفعل ووضعت لافتة تحمل اسمي علي واجهة العمارة التي يقع بها المكتب‏,‏ وبدأت أمارس عملي في مكتبي الجديد‏,‏ ومررت بفترة ركود في البداية حتي كدت أعجز عن دفع الإيجار‏,‏ لكني تمسكت بالأمل ولم أيأس‏,‏ ثم بدأ النشاط يدب تدريجيا في مكتبي وسددت الايجار المتأخر وديون تأثيث المكتب‏..‏ وبدأت أحاول تنظيم حياتي‏..‏ وكنت قد بلغت الثلاثين ولم أرتبط بأية علاقة عاطفية‏..‏ وخفت أن يسرقني العمر فلا أتزوج كما فعل المحامي الكبير الذي بدأت حياتي معه‏,‏ وكان أبي أمي يلحان علي بالزواج ويبحثان لي عن عروس مناسبة‏..‏ فرأيت أكثر من فتاة من الأقارب والمعارف‏..‏ ووافقت في النهاية علي التقدم لابنة موظف كبير يعرفه أبي‏..‏ وزرنا بيته واسترحت إلي شخصية هذه الفتاة‏,‏ وقرأنا الفاتحة‏,‏ وبدأنا نرتب لعقد القران‏,‏ وقبل أن نحدد موعده دخلت مكتبي في مساء أحد الأيام سيدة شابة وجميلة ولها شخصية مؤثرة‏,‏ ووكلتني في قضية ميراث لها‏,‏ فوجدتني أهتم بهذه السيدة وقضيتها‏,‏ وتكررت اللقاءات بيننا فعرفت أنها متزوجة ولها ابن في السابعة من عمره وزوجها يعمل بإحدي شركات البترول‏,‏ وحياتها العائلية مستقرة‏..‏ لكن شيئا ما



في عينيها أنبأني بأنه سيكون لي مع هذه السيدة شأن آخر بعيد عن قضيتها‏,‏ وصدق حدسي‏,‏ إذ وجدتها تتعمد إطالة زياراتها لي‏..‏ وتتجاوب معي في الحديث في أمور بعيدة عن مشكلتها القانونية‏,‏ وطلبتها ذات يوم هاتفيا لأبلغها بشأن يتعلق بالقضية‏,‏ فإذا بها ترحب بي بحرارة وتطيل الحديث معي وتنتهي المكالمة باعتراف متبادل مني ومنها بأن كلا منا في أشد الحاجة إلي الآخر‏..‏ وبدأت علاقتي بها من هذه اللحظة وتعمقت علي مدي الشهور التالية‏..‏ وشغلت تماما عن الفتاة التي قرأت الفاتحة مع والدها ورحت أتهرب من تحديد موعد القران‏,‏ وأبي وأمي يلحان علي في ذلك ويشكوان مما يواجهانه من حرج مع أسرة الفتاة‏..‏ إلي أن جاءت اللحظة التي جرأت فيها علي مصارحة أبي بأنني لا أعتزم إكمال مشروع الزواج من تلك الفتاة‏,‏ فغضب مني بشدة لكنه لم يملك لي شيئا‏..‏ وتفرغت بكل عواطفي لهذه السيدة الجميلة‏..‏ وبعد فترة بدأنا نتحدث عن الزواج فعرضت علي أن تطلب من زوجها الطلاق ونتزوج في أقرب فرصة‏,‏ وسعدت بذلك وشجعتها عليه وطمأنتها من ناحية ابنها بأنني سوف أكون أبا ثانيا له‏..,‏ فلم تعلق علي ذلك ولم يبد لي أنها مهمومة بأمر طفلها كثيرا وإنما بأمر زوجها الذي قالت إنه يحبها ولن يفرط فيها بسهولة‏..,‏ وبدأت هي المعركة مع زوجها وطلبت منه الطلاق فرفض بإصرار‏..‏ وهجرته إلي بيت أسرتها مصطحبة معها طفلها‏..‏ ونشط الوسطاء بين الطرفين لمحاولة الإصلاح دون جدوي‏..‏ وفي كل يوم يأتي وسيط حاملا عرضا جديدا للصلح وتتصل بي هي فأشير عليها بالرفض‏,‏ وأصبحنا نلتقي كل يوم ونفكر في مشكلتنا‏..‏ واستقر رأينا أخيرا علي أن أقابل زوجها وأواجهه بأن زوجته لا تريده وإنما تريد رجلا آخر وأنه من الأكرم له أن يسرحها بإحسان‏,‏ وإلا فإنني سوف أقيم دعوي طلاق باسمها ضده‏,‏ وسأتخذ كل السبل التي تحقق هذا الغرض‏..‏ وسألتني هي هل تستطيع بالفعل مواجهته بذلك حتي ولو تعدي عليك‏,‏ فأجبتها في ثقة انني أستطيع ذلك بغير شك‏..‏ وقابلته بالفعل وواجهته بكل شيء‏,



بصراحة قاتلة ولم أهتز حين قال لي إنني بذلك أهدم بيتا كان سعيدا قبل ظهوري في حياة زوجته‏..‏ وأمزق طفلا صغيرا بين أبويه وأحرمه من حياته التي كانت هادئة‏..‏ كما لم يؤثر في كثيرا قوله إن الله سوف يحاسبني حسابا عسيرا علي ذلك‏,‏ وقلت له إن هذا شأني مع ربي ولا دخل له به‏..‏ وانتهت الجلسة العاصفة بأن قبل بأن يطلقها ولكن علي شرط واحد لامحيص عنه‏,‏ وهو أن تترك له ابنها وأن توقع اقرارا بالتنازل عنه له‏.,‏ وفشلت كل محاولاتي معه لكي يتنازل عن هذا الشرط‏..‏ فرجعت إليها وأنا مشفق مما سيحدث حين تعرف بشرطه القاسي‏..‏ وتخوفت من أن تتراجع عن مشروع زواجها مني أمام هذا الشرط المعجز‏,‏ وبدأت الحديث معها بحذر شديد إلي أن وصلت إلي الشرط القاسي وفوجئت بها تتقبل الأمر باستهانة‏,‏ وتقول لي إن ابنها سيكبر ذات يوم وينفصل عنها سواء أقام معها أم مع أبيه‏,‏ كما أنه لن يعجز عن زيارة أمه في أي وقت وهو مع أبيه أو جدته‏..‏ وأنها قد اختارت أن تتزوج من تحب وسوف تدفع ضريبة ذلك راضية‏!‏



وتنفست الصعداء لاطمئناني إلي أن ارتباطنا سيمضي في طريقه المألوف‏,‏ لكني توقفت قليلا أمام تنازلها عن طفلها بهذه السهولة‏,‏ وتساءلت هل يكون ذلك دليلا علي عمق حبها لي ورغبتها في فقط‏,‏ أم هو مؤشر أيضا لضعف أمومتها‏..‏ وتفضيلها لسعادتها الشخصية علي أي اعتبار آخر ولو كان ابنها‏,‏ ولم أفكر طويلا في هذا الأمر‏..‏ ومضينا في الإجراءات‏..‏ وتم طلاقها وتوقيع التنازل عن ابنها‏..‏ وانتظرنا انتهاء فترة العدة في لهفة شديدة‏,‏ وتزوجنا وأقمت معها في شقتها التي ورثتها عن أبيها‏,‏ وكانت موضوع النزاع القانوني الذي عرفني بها وذلك إلي حين أستطيع تدبير مسكن آخر للزوجية‏.‏


ونهلنا معا من نبع الحب والعواطف الحارة‏..‏ وبذلت كل ما أملك من جهد لإسعادها‏..‏ وتعويضها عن حرمانها من ابنها‏..‏ وأنجبنا طفلا جميلا عمق الروابط بيننا‏..‏ وتحسنت أحوالي المالية كثيرا فدفعت مقدم ثمن شقة بمدينة نصر تليق بزوجتي‏,‏ وعشنا معا حياة جميلة معطرة بعبق الحب والعاطفة‏..‏ وقمنا برحلات سعيدة إلي المصايف والمشاتي‏,‏ وزرنا بيوت أهلها وأقاربها وبيوت أهلي وشهد لنا الجميع بأننا أسرة مثالية يجمعها الحب والتضحيات المتبادلة‏.‏ وأنجبت زوجتي بنتا أخري اكتملت بها سعادتنا‏,‏ وسعيت لدعوة ابن زوجتي من زوجها السابق لزيارتنا ليتعرف علي اخوته‏,‏ فلم أجد لديه ترحيبا بذلك بالرغم من موافقة والده‏,‏ ولم ينغص علينا حياتنا سوي جفاء هذا الابن لأمه‏,‏ لكنها بالرغم من ذلك تفهمت الأمر وقالت إنه سيأتي اليوم الذي يبحث هو فيه عن أمه‏,‏



ورحل عن الحياة المحامي المعتزل الذي كنت أستأجر غرفة في مكتبه‏,‏ فتفاهمت مع ورثته علي شراء المكتب كله ودفع ثمن معتدل له‏..‏ وتم ذلك بالفعل وسعدت به زوجتي كثيرا‏,‏ وأشرفت علي تنظيمه ووضع اللمسات الجميلة فيه‏..‏ وأصبح لي مساعدون وساع خاص‏..‏ وازداد نشاط المكتب فاشتريت أول سيارة لي‏,‏ وتسلمت شقة مدينة نصر وعرضت علي زوجتي الانتقال إليها لكنها فضلت البقاء في شقة والدها‏,‏ حيث يعرفها كل الجيران وأصحاب المحال التجارية المجاورة‏,‏ وتشتري ما تحتاج إليه بالتليفون وتجد دائما من يقضي لها طلباتها‏..‏ ولم أعترض علي ذلك‏,‏ لكن شيئا ما دفعني لأن أؤثث شقة مدينة نصر بالتدريج من باب الاحتياط‏,‏ فأصبحت كلما وجدت في يدي مبلغا طيبا من المال اشتري حجرة نوم مستعملة أو سفرة أو ثلاجة أو أنتريه‏,‏ حتي اكتمل تأثيثها علي مدي سنتين أو ثلاث سنوات‏,‏ وكبر ابني وابنتي والتحقا بالمدرسة الابتدائية ورحل أبي عن الحياة يرحمه الله‏,‏ ومن بعده بشهور والدتي‏,‏ ولم يبق في بيت العائلة سوي أصغر اخوتي الذي يدرس بالجامعة بعد زواج بقية الاخوة‏,‏ وفي هذه الفترة شكت زوجتي من أسنانها‏..‏ فاصطحبتها إلي طبيب شاب للأسنان عرفته خلال احدي القضايا التي كان طرفا فيها وهو شاب من أسرة غنية وطبيب ناجح وعيادته مزودة بأحدث الأجهزة‏,‏ وتطلب علاج أسنان زوجتي أن تتردد علي هذا الطبيب عدة مرات‏,‏ فتركتها تذهب إليه وحدها بعد أن عرفت الطريق إليه‏..‏ وشغلت بعملي وأسرتي‏..‏



ولاحظت بعد فترة أن زوجتي قد أصبحت فجأة ضيقة الصدر وكثيرة العصبية مع الطفلين ومعي‏,‏ وسألتها عما بها فلم تفدني بشيء سوي بأنها تشعر بالتعب من خدمة الطفلين والاستذكار لهما والواجبات المنزلية وملل الأيام المتشابهة في كل شيء‏..‏ فقدرت أنها ربما تكون قد افتقدت ابنها الذي أصبح مراهقا الآن‏,‏ فسعيت سرا لمقابلته وحدثته عن أمه وواجبه في أن يصل رحمها ويتواد معها‏..‏ الخ‏,‏ فوجدته مغلق القلب من ناحيتها تماما ويتهمها بالأنانية وبأنها ضحت به من أجل رجل هو أنا‏..‏ وتحدث معي بروح عدائية تحملتها صابرا عسي أن أستطيع إقناعه أو التخفيف من عدائه لأمه‏,‏ ولكن دون جدوي‏.‏


وأبلغت زوجتي بما حدث بغير أن أشير لروح العداء التي أبداها ابنها تجاهها وتجاهي‏,‏ ففوجئت بها تثور علي ثورة عارمة‏..‏ وتطلب مني ألا أستجدي مشاعر ابنها من أجلها مرة أخري‏,‏ وتقول لي إنه إذا كان لا يريد أن يري أمه فهي بالمقابل لا تريد أن تراه‏!‏ وجفلت من ثورتها‏..‏ وعجزت عن تفسيرها والتزمت الصمت لكيلا تتضاعف ثورتها وغضبها‏..‏ لكن شيئا ما كان قد فسد ولم يعد في الإمكان اصلاحه‏..‏ فلقد كثرت ثوراتها العصبية علي وعلي الطفلين لأتفه الأسباب‏,‏ وخاصمتني إثر ثورة من هذا القبيل لأول مرة منذ زواجنا وحرمتني من نفسها ولزمت غرفة الطفلين لأكثر من شهرين‏,‏ وأنا أحاول أن أعرف أسباب كل هذا الغضب وأراجع نفسي وما صدر مني فلا أجد سببا جديا للخلاف‏..‏



ومرت هذه العاصفة دون أن أعرف تفسيرا لها‏..‏ ثم تكررت الزوابع والعواصف بعد ذلك كثيرا ولغير أسباب واضحة‏,‏ حتي فوجئت بها ذات يوم توسط لدي عمها في أن أغادر البيت إلي شقة مدينة نصر حتي تهدأ أعصابها وتفكر بهدوء في حياتها ومستقبلها‏!‏


وحاولت التفاهم معها فلم تبد أي استعداد لذلك‏,‏ فقررت أن أستجيب لطلبها مؤقتا عسي أن تمضي هذه العاصفة في سبيلها وترجع حياتنا إلي سابق عهدها‏,‏ وانتقلت إلي مدينة نصر‏,‏ وأصبحت أزور الطفلين كل يوم في طريقي للمكتب‏,‏ فلا تتبادل معي زوجتي كلمة واحدة‏,‏ وإذا رأتني دخلت أي غرفة وأغلقت بابها عليها حتي أغادر الشقة‏..,‏ وإذا أرادت مني شيئا كتبت لي رسالة ووضعتها علي السفرة‏,‏ وإذا اتصلت بها تليفونيا لا تجيب‏,‏ وأنا حائر في أمري وأتساءل أين ذهب الحب الذي جمع بيننا‏12‏ عاما كاملة؟ وأين ذهبت التضحية من أجل الحب بأعز الأشياء؟إلي أن جاءت الصاعقة التي لم أتوقعها في أي يوم من الأيام‏,‏ وطلبت مني زوجتي الطلاق لماذا؟ لأنني لم أعد أحبك ولا أستطيع أن أحيا مع إنسان لا أحبه؟ وماذا فعلت حتي فقدت حبك لي؟ أنت مشغول عني بعملك وأصدقائك وأهلك ومعارفك‏,‏ ولا أسمع منك كلمة حب‏..‏ ولا تتذكر أنني زوجتك إلا حين ترغب في كامرأة‏,‏ كما أنك لاتقدم لي الهدايا ولم تشتر لي سيارة كما فعلت لنفسك‏..‏ ولم تقدم لي أية قطعة ألماسية أو ذهبية منذ زواجنا كما يفعل الأزواج المحبون‏,‏ ولا تذهب بي إلي الساحل الشمالي و‏..‏ و‏..‏ و‏..‏ الخ‏.‏



يا ربي أهذه هي كل شكواها مني؟ وماذا عن الأولاد؟‏..‏ وكيف تدمرين حياتهم العائلية من أجل مثل هذه الأشياء الصغيرة؟‏..,‏ وهل إذا فعلت كل ما تأخذينه علي تعدلين عن قرارك‏,‏ فيكون الجواب‏:‏ لا‏,‏ لأنه قد فات الأوان ولم يعد يجدي الآن أن تفعل أي شيء سوي أن تطلقني في هدوء إكراما للحب الذي جمع بيننا ذات يوم‏!‏


ورفضت الاستجابة لطلبها بالطبع وقدرت أنها قد تعيد النظر في موقفها ومسئوليتها تجاه الطفلين‏,‏ خاصة أنها قد جربت من قبل أثر الطلاق علي ابنها الأكبر‏,‏ ووسطت لديها أخوتي وإخوتها وكل أهلها بلا فائدة‏..‏ وقررت أن أصبر عليها إلي أن تراجع نفسها‏,‏ وأواصل الرفض لأطول فترة ممكنة أملا في الإصلاح وإنقاذ الأسرة‏..‏ إلي أن جاء يوم وفوجئت بزيارة مفاجئة لي في المكتب من طبيب الأسنان الشاب‏..,‏ لم أعرف سببها في البداية‏,‏ وظننته يريد أن يوكلني في قضية له‏..‏ فإذا به يحدثني عن زوجتي ويطلب مني أن أطلقها لأنها لا تحبني‏,‏ وإنما تحب رجلا آخر وتريد أن تتزوجه‏,‏ وهو هذا الطبيب نفسه‏!‏



وكدت أغيب عن الوعي وأنا أسمع حديثه‏..‏ وشعرت بأن كل كلمة نطق بها كانت خنجرا مسموما يحز في جسمي‏,‏ واسترجعت علي الفور موقفي المماثل من زوجها السابق وحديثي القاتل إليه بكلمات مشابهة‏..‏ وأدركت كم كنت قاسيا ومتجبرا وأنا أحدثه بمثل هذا الحديث‏,‏ وأطعنه بلا رحمة في كرامته وكبريائه‏.‏


ولولا خشيتي من الفضيحة لهجمت علي هذا الشاب وانهلت عليه ضربا وركلا ولكما‏,‏ لكني تمالكت نفسي بصعوبة بالغة وتعلقت بالخيط الأخير الذي أملت أن يعيد زوجتي إلي رشدها‏..‏ وتساءلت عن مصير الأبناء‏,‏ وقلت لهذا الشاب أنني لن أفرط في أولادي وسيكون الاحتفاظ بهم هو شرطي الوحيد للموافقة علي الطلاق‏..‏ وهونت عليه الأمر بأن هذا الشرط لن يحول بينها وبين ما تريد‏,‏ لأنها قد سبق لها أن تنازلت عن ابنها من زوجها الأول حين تزوجتني‏,‏ وغادرني الشاب محرجا‏..‏ وسلمت باليأس منها وأنا أتعجب لنفسي ولحال الدنيا‏.‏ فلقد دارت الأيام وتجرعت نفس الكأس المرة التي جرعتها أنا للزوج الأول لزوجتي‏..‏ وخبرت مشاعره وهو يسمع من رجل غريب أن زوجته تحبه ولا تريده هو‏..‏ وشعرت بالتعاطف الشديد معه بعد أن أصبحت مثله ضحية لهذه الغادرة التي تتقلب عواطفها كل بضع سنين‏..‏



وتم الطلاق بعد أحداث كثيرة ومريرة‏..‏ وظللت متمسكا بالأمل في أن تتحرك مشاعرها تجاه أطفالها في اللحظة الأخيرة وتعدل عن مشروعها وتواصل حياتها الزوجية معي‏..‏ بل وصل بي الحال إلي أن عرضت عليها أن تستمر كما هي زوجة لي وتقيم مع أطفالها وأعيش وحيدا في شقة مدينة نصر إلي أن تغير رأيها ولو طال الأمر لعدة سنوات‏,‏ ولم تقبل‏,‏ وأصرت علي الطلاق وتركت لي الطفلين ووقعت التنازل عنهما‏..‏ دون أن يهتز لها طرف وتزوجت طبيب الأسنان الشاب الثري ابن الأسرة الكبيرة‏,‏ الذي يملك شقة فاخرة وشاليها في مارينا وشاليها في العين السخنة‏,‏ وسيارتين أهداها واحدة منهما وقضيا شهر العسل في أوروبا‏..‏ وهي ناعمة البال‏,‏ وعشت أنا وحيدا في شقتي بمدينة نصر مع الطفلين أخدمهما وأرعاهما وأذاكر لهما دروسهما‏..‏ وأغسل ملابسهما‏,‏ وأمهما سعيدة بحياتها الجديدة ولا يشغلها أمر ابنيها في شيء‏,‏ ولا تطلب أن يزوراها‏..‏ بل أنا الذي أسعي لترتيب لقائهما بها في أحد بيوت الأهل لكيلا تتأثر معنوياتهما‏,‏ وأحرص علي ألا يكرها أمهما كما كرهها ابنها الأول‏,‏ حرصا عليهما هما‏,‏ وليس عليها‏:‏ وسؤالي إليك الآن يا سيدي هو‏:‏ ما هو تفسيرك لما حدث وماذا أفعل بحياتي ومع أبنائي‏..‏ وماذا تقول لي ولها؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


من لا تتردد في التخلي عن طفلها الوحيد استجابة لهوي النفس ودون أن تتريث أو تضع في اعتبارها مصلحة واستقرار حياته‏,‏ يسهل عليها أن تتخلي عن المزيد من أطفالها إذا فترت عواطفها تجاه الشخص الذي شردت ابنها الأول من أجله‏..‏ أو إذا تحركت مشاعرها المتقلبة تجاه فارس جديد ورغبت في أن تعيش معه أسطورة الحب الملتهب بضع سنين أخري‏,‏ وليس من المستبعد أن تترك بعد ذلك أطفالها منه جريا وراء حب جديد أو مغامرة عاطفية مفاجئة‏..‏ ولم لاتفعل وهي لا تؤمن ـ كما هو واضح مما ترويه عنها ـ بمسئولية الأم عن إسعاد أبنائها واستقرار حياتهم والتضحية من أجلهم باعتباراتها الشخصية‏,‏ وإنما يحكمها المنطق الفردي السائد في مجتمعات الغرب‏,‏ والذي يري أن هدف الإنسان الوحيد هو السعادة‏,‏ وأن كل ما يحقق له سعادته مطلوب ومرغوب بغض النظر عما يترتب عليه من إضرار بالآخرين أو تكدير لصفو حياتهم‏..‏ لأن المهم هو الأنا وليس الـ نحن‏,‏ والأهم هو سعادة الفرد وليست سعادة أبنائه أو صغاره أو من يتحمل المسئولية عنهم‏.‏ ومثل هذا المنطق ينكر بالطبع التضحية من أجل الأبناء أو من أجل أية اعتبارات عائلية وانسانية مهمة‏,‏ وقد أدي الإيمان به إلي ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات الغربية إلي ما يقرب من‏45‏ أو‏50‏ في المائة من حالات الزواج‏,‏ ولا عجب في ذلك إذا كان الجميع يبحثون عن سعادتهم الشخصية بغير أن يتوقفوا أمام مصلحة الأبناء وأمانهم‏,‏ مما يذكرنا بقول أديبة أمريكية شهيرة إن بعض الأمهات يتعاملن مع أبنائهن كما تفعل أنثي الضفدع مع صغارها‏,‏ إذ ما ان تضع الأنثي بيضها علي حافة المجري المائي وتخرج منه صغارها حتي تتركها لنفسها وتنصرف عنها وتدعها لتواجه أقدارها بلا حماية ولا رعاية من جانبها‏.‏



وهكذا تفعل في ظني كل من لا تضع مصلحة أبنائها في اعتبارها‏,‏ وهي تتخذ قراراتها المصيرية التي تنعكس عليهم بالضرورة سلبا وايجابا‏,..‏ وكل من تبرر لنفسها هدم عشها وتشريد أبنائها بزعم الحب الذي لا سلطان لأحد عليه‏..‏


وقصتك يا سيدي خير دليل علي ذلك‏,‏ فأسطورة الحب التي بررت لزوجتك السابقة ولك أيضا هدم حياة أسرة كانت هانئة وحرمان طفل صغير من أمه بدعوي الحب الذي لا حيلة لأحد فيه‏,‏ لم تصمد لأكثر من بضع سنين‏,‏ ولعلها كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة قبل هبوب العواصف والزوابع علي حياتك العائلية قبل ذلك بأعوام‏,‏ مما يعني في النهاية أن هذا الحب العظيم الذي زلزل الجبال قد ذوت جذوته بعد ثلاث أو أربع سنوات علي الأكثر ففترت العواطف‏..‏ وساد الملل‏..‏ وضعفت المناعة ضد الغزو الخارجي‏,‏ فكان ما كان من أمرها مع طبيب الأسنان‏.‏



إنني لا أريد أن أذكرك بدورك المؤسف في هدم حياة أم طفليك حين كانت زوجة لرجل آخر وأما لطفلها منه‏,‏ ولا أريد أن أذكرك أيضا بما فعلت مع زوجها الأسبق حين واجهته بحبك لزوجته ورغبتك في الزواج منها وهي مازالت عرضه وشرفه وشريكة حياته‏..‏ ولا أريد أن أذكرك بقسوتك عليه حين لم تترفق به‏..‏ ولم ترع حرماته ومشاعره باندفاع المسحور بالحب الزائف الذي لا يري في الحياة إلا هدفه وحده‏.‏


نعم لا أريد أن أذكرك بكل ذلك مراعاة لما تكابده الآن من مشاعر مؤلمة في وحدتك وحيرتك في أمرك وأمر طفليك بعد أن هجرتك بطلة الملاحم العاطفية إلي فارس جديد‏..‏ وأيضا لأن الحياة قد تكفلت بتلقينك درسها القاسي‏..‏ فتكررت معك نفس الزيارة المفاجئة من رجل غريب عنك ليحدثك في أدق شئونك الخاصة ويواجهك بما يكره كل إنسان في الوجود أن يواجهه في مثل هذا الموقف العصيب‏..‏ بلا تحسس ولا استحياء‏!‏ وإنما سأقول لك فقط انك قد أديت ثمن ما فعلت حين خببت امرأة أي أفسدتها علي زوجها وهو ما نهانا عنه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وحذرنا منه‏.‏



وانك تحملت عاقبة سوء تقديرك لشخصية زوجتك السابقة‏,‏ حين سعدت بتضحيتها بابنها من أجلك‏,‏ وغابت عن فطنتك في نفس الوقت دلالة هذه التضحية نفسها‏,‏ ومدي اشارتها إلي نمط شخصية زوجتك التي لاتعنيها إلا نفسها ورغائبها وأهواءها‏,‏ وإلي نوع القيم الأخلاقية التي تؤمن بها‏,‏ ولقد كان الأحري بك أن تشقي بهذه التضحية في حينها وتحترس من صاحبتها لا أن تسعد بها‏..‏ وتشعر بالنشوة المؤقتة والرضا عن النفس من أجلها‏.‏ والآن فإنك تسألني عما أقول لك ولها‏..‏ والحق أنني لاأريد أن أوجه إليها أية كلمة لأنه لن تجدي معها الكلمات‏,‏ وإنما أتوجه إليها فقط برجاء وحيد هو ألا تنجب المزيد من الأبناء في زواجها الثالث‏,‏ لكيلا تزيد عدد ضحايا تقلباتها العاطفية‏..‏ وقدرتها المذهلة علي نبذ الأبناء‏..‏ وبدء حياة جديدة مع رجل آخر كل بضع سنوات‏.‏ وهي لن تخسر شيئا كثيرا إن استجابت للتضحية‏,‏ فأمومتها من الأصل ضعيفة‏,‏ وصبرها علي عناء الأطفال قليل‏,‏ واستعدادها للتضحية بسعادتها من أجل سعادة الأبناء منعدم‏..‏ فلماذا تجيء إلي الحياة بالمزيد من الصغار الذين يتعرضون بعد قليل للحرمان من أمهم‏.‏


أما أنت‏,‏ فإن نصيحتي لك هي أن تطوي هذه الصفحة كلها من حياتك‏..‏ وأن تنزع من نفسك كل أثر لأي ميل عاطفي قديم تجاه زوجتك السابقة‏..‏ وأن تحاول بعد فترة مناسبة من النقاهة النفسية أن ترمم بنيان حياتك وترتبط بسيدة فاضلة لا تبحث عن المغامرات العاطفية‏,‏ ولا تريد أن تكون بطلة لأسطورة جديدة‏,‏ لتكون أما ثانية وربما أولي لطفليك‏,‏ وشريكة رشيدة لحياتك‏..‏ ورفيقة عطوفا لرحلة آمنة في الحياة بلا عواطف‏..‏ ولا زوابع ولا مغامرات‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:28 PM
النبـــع الصـــافي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42935
‏السنة 127-العدد
2004
يونيو
25
‏7 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا مدرس نشأت في أسرة متوسطة لأب قضي جل عمره في القوات المسلحة متطوعا ثم قدم استقالته وعمل سائقا لسيارة أجرة‏.‏


وقد ربانا أبي علي العزة والكرامة وتحري الحلال في كل كبيرة وصغيرة‏,‏ حيث إنه حاصل علي الإعدادية الأزهرية ومازالت ذاكرته تحفظ أكثر من ثلثي القرآن والحمد لله‏,‏



وقد تخرجت في كلية الآداب وعملت مدرسا للغة العربية والحمد لله‏,‏ فقد نجحت في عملي ولمع نجمي في مجال الدروس الخصوصية إلي حد أنني لم أكن أجد وقتا للنوم إلا في نفس الشقة التي ألقي فيها دروسي‏,‏ وأكرمني الله وتزوجت وأنعم الله علي بولد جميل ومضت الحياة بي كأجمل ما يكون‏.‏


ثم توالت البلايا بادئة بمشكلات زوجية شبه مختلقة لأني والحمد لله زوج لا أزعم أنني مثالي‏,‏ لكني أتقي الله في زوجتي‏,‏ فإن أحببتها أكرمتها وإن أبغضتها لم أظلمها‏,‏ واستشرت البعض في سبب هذه المشاكل المفتعلة فأشاروا علي بإخراج صدقات لوجه الله ففعلت‏.‏ وسألت بعض المشايخ فقالوا لي‏:‏ عليك بتحري الحلال في مأكلك ومشربك مع أني أبذل العرق والجهد في كل قرش أكسبه‏.‏



ثم كانت القشة التي قصمت ظهري يوم أن أصيب والدي في حادث بسيارته الأجرة ماتت علي إثره ابنة أختي ذات السنوات الثلاث وكانت إلي جواره عند وقوع الحادث‏,‏ وتلقيت الخبر بالتليفون فوقع علي كالصاعقة‏,‏ وطيلة الطريق وأنا أدعو أن ينجي الله والدي‏,‏ ودخل أبي حجرة العمليات وبقي فيها ست ساعات مرت علينا كالدهر‏,‏ وعلمنا من الأطباء أنه أجريت له عملية ترقيع للحجاب الحاجز ورفع للرئتين وخياطة للكبد‏..‏


ورافقت والدي في المستشفي ستة وعشرين يوما لا أفارقه‏,‏ فقد كان مثل طفل صغير يحتاج لمن يقوم علي أبسط حاجاته‏.‏


وذات يوم وأنا أري أبي يكابد الآلام أقسمت علي نفسي ونذرت ألا أعطي دروسا خصوصية أبدا‏,‏ لعل الله يرفع عنا هذا البلاء‏,‏ ثم من الله علي والدي بالشفاء وعادت الحياة تضغط علي بمطالبها وراتبي كما تعلم لايكفي‏,‏ وعرض علي أبي أن يساعدني بحزء من معاشه لكني اعتذرت له شاكرا لأن إصلاح السيارة التهم كل ما ادخره أبي من كده ومعاشه‏..‏ وسألت أهل الفتيا فقالوا من نذر أن يطيع الله فليطعه فاستمررت في رفض اعطاء أي درس وانسحبت من سوق الدروس الخصوصية‏,‏ وبالرغم من إنني أعاني إلا أنني والحمد لله مصر علي موقفي وثابت علي قسمي ونذري بارا به والحمد لله علي كل حال‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


لا بأس بما فعلت مادمت راضيا عن نفسك وتري أنك أفضل حالا بعده‏..‏ فالمهم هو أن يتوافق كل إنسان مع نفسه ومع أفكاره وأن يكون سلوكه متسقا مع ما يؤمن به من قيم ومبادئ حتي ولو لم يشاركه كثيرون فيها‏,‏ فينجو بذلك من ازدواج الفكر والسلوك‏,‏ فإذا كان باب الرزق من الدروس الخصوصية قد أغلق بالنسبة لك الآن‏,‏ فثق من أن الله سبحانه وتعالي سوف يعوضك عنه بمصادر أخري لا تستشعر أية غضاضة وأنت تنهل من نبعها الصافي بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:29 PM
الحـبل المقطـوع‏!‏


بـريــد الأهــرام
42942
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة


أنا سيدة تجاوزت الأربعين من العمر‏,‏ نشأت في أسرة مفككة‏,‏ وقد تعلمنا نحن الأبناء جميعا وتخرجنا في كليات القمة‏,‏ بالرغم من انشغال أبي بعمله وانصراف أمي عنا‏,‏ وخلال دراستي الجامعية التقيت بمن توهمت أنني قد أحببته‏,‏ وكان زميلا لي بالكلية وتزوجنا‏,‏ وتخرجت في كليتي وعملت في مكان محترم بالدولة‏,‏ في حين عجز زوجي عن انهاء دراسته الجامعية وتوقف عن التعليم دون أن يحصل علي الشهادة‏,‏ وعشنا في بداية حياتنا مع أبي ثم ترك لنا المسكن وانتقل هو إلي مسكن آخر‏,‏ وأنجبنا ابنة وابنا‏,‏ وحاول زوجي أن يعمل لكنه لم يستقر في عمل‏,‏ وتحملت عبء الأسرة وحدي أربع سنوات كاملة إلي أن عجزت عن تدبير نفقاته الخاصة وهي كثيرة‏,‏ إلي جانب مصاريف ابنتي وابني‏,‏ وجاء يوم ضربني فيه زوجي ضربا مبرحا أدي إلي نقلي إلي المستشفي لأنني لم أستطع إرضاء رغباته ومتطلباته المادية‏,‏ ولم أستطع الاحتمال أكثر من ذلك فطلبت الطلاق‏..‏ وبعد جهد جهيد تم الطلاق مع تنازلي عن جميع حقوقي المادية‏,‏ وتنازله هو عن حضانة الأبناء‏,‏ وعشت وحيدة مع ابني وابنتي أرعاهما وأدبر شئون حياتهما بغير معين سوي الله سبحانه وتعالي‏..‏ ثم من علي الله برجل متدين وعلي خلق ويشغل منصبا محترما‏,‏ واتفقنا علي الزواج‏,‏ غير أن أسرته رفضت ارتباطه بي لأني مطلقة ولي ابن وابنة‏,‏ ورفضت أسرتي كذلك هذا الزواج دون موافقة أهله‏,‏ وكانت ابنتي وقتها في الثامنة من عمرها وابني في الثالثة فتمسكنا بارتباطنا للنهاية‏,‏ وبعد صعوبات كثيرة تم الزواج دون علم الأهل علي الناحيتين‏,‏ ثم علم أهله وأهلي به وسلموا بالأمر الواقع‏..‏ ثم بعد فترة من الزمن باركوا زواجنا ورضوا عنه والحمد لله‏.‏



وأنجبت من زوجي الثاني بنتين‏,‏ ثم ولدا‏,‏ لكن العمر لم يطل به واختاره ربه وهو وليد إلي جواره فاستعوضت ربي فيه واستسلمت لمشيئته‏..‏ وصبرت علي بلائي وبعد ثلاث سنوات أخري وفي نفس اليوم الذي ولد فيه ابني الراحل‏,‏ أنعم الله علي بابن آخر كان ومازال نعم العوض لي عمن فقدت‏,‏ وخلال ذلك كان زوجي الأول قد تزوج بعدي خمس سيدات‏,‏ وهاجر إلي دولة أجنبية وحصل علي جنسيتها‏,‏ ثم رجع إلي مصر وابنتي في السادسة عشرة من عمرها وأقنعها بأن تتخلي عني وتذهب معه لكي يزوجها بمن يختاره لها‏..‏ واستجابت له ابنتي بالفعل وتركتني واصطحبها والدها معه وزوجها من تاجر عربي برغم رفضي الشديد‏,‏ حيث كنت أريد لها أن تتم تعليمها في مصر أولا قبل أن تفكر في أي مشروع للزواج‏,‏ لكن أباها سحرها بإغراءات الحياة في البلد الأجنبي والزواج‏..‏ الخ‏,‏ فانقادت له ولم تتردد في هجري ولم تراع مشاعري كأم ولم تترفق بي‏,‏ وبعد ذلك أراد مطلقي أن يضم ابني منه إليه‏..‏ وحاول إيذاء زوجي فاشتكاه في عمله ليسيء إليه ويجبره علي تسليم الابن إليه‏,‏ ونجح بالفعل في ضمه إليه واصطحبه معه إلي البلد الأجنبي وصبرت علي فراق ابني وابنتي وقلبي ينزف دما‏.‏


وتزوجت ابنتي قاسية القلب دون أن أشهد زفافها ودون أن أراها بفستان الفرح ودون أن تتصل بي أو تحرص علي صلتها معي‏,‏ في حين يحرص شقيقها العطوف أكرمه الله علي أن يتصل بي من الخارج بالرغم مما يكلفه هذا الاتصال من أعباء مادية‏.‏



ومضت بي الأيام وكلما تذكرت ابنتي الكبري التي قطعت كل صلة لها بي‏,‏ وابني الذي حرمت من حنانه وعطفه شعرت بالألم يعتصرني‏..‏ وحاولت أن أتشاغل عن حزني‏..‏ بأبنائي الصغار‏..‏ وبه هو نفسه‏..‏ وأعنت نفسي علي الصبر بتذكر أن الله سبحانه وتعالي قد عوضني بزوجي الحالي عما قاسيته وهو الزوج الصالح المتدين الذي يتقي ربه في كل معاملاته ويخدم والدته التي حرمت مثلي من ابنتها‏,‏ فكنت أنا لها نعم الابنة البديلة‏,‏ حتي اختارها الله إلي جواره وبكيتها طويلا ليس فقط لطيبتها وحنانها وإنما أيضا لأنها من أنجبت لي هذا الرجل الصالح زوجي‏.‏


وما دفعني للكتابة إليك هو أنني كما قلت لك من قبل موظفة ولي إيراد خارجي‏,‏ وأنفق دخلي الشهري علي أولادي من زوجي الحالي وبيتي ونفسي‏,‏ وزوجي ميسور الحال وكريم وقد أغدق علي الهدايا‏,‏ وكان نعم الأب لابني وابنتي من زوجي الأول خلال إقامتهما معنا لمدة تسع سنوات‏,‏ فكان يهتم بهما وبمذاكرتهما ويعلمهما الصلاة ويغدق عليهما النقود والهدايا‏,‏ إلي أن ضمهما إليه أبوهما واصطحبهما إلي حيث يقيم‏,‏ وسؤالي إليك هو‏:‏ هل يرثني ابني وابنتي من مطلقي الأول ويأخذان من مال زوجي بعد رحيلي؟



لقد مررت بأكثر من أزمة صحية ولم تسأل عني خلالها ولا بعدها ابنتي الكبري‏,‏ ولهذا فقد أوصيت زوجي بأن يعطي من ميراثي حين يجيء الأجل ابني من مطلقي مثلما ينال ابني منه‏,‏ أما ابنتي الكبري فإنني كلما تذكرتها لا أجد في قلبي تجاهها سوي المرارة والحسرة عليها لعدم رضائي عنها‏,‏ ولخشيتي من أن ألقي وجه ربي وقلبي غاضب عليها فماذا تقول لي؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


لأنه لا يعرف أحد من سيرث من فالأوفق هو ألا تشغلي نفسك كثيرا بما سوف يئول عنك إلي أبنائك بعد عمر طويل إن شاء الله‏...‏ والأفضل لك أن تنشغلي بحياتك وأبنائك وبكيفية رأب الصدع الذي حدث بينك وبين ابنتك‏,‏ من أن تنشغلي بتركتك وبمن سوف يستفيدون بها بعد عمر طويل‏..,‏ ولقد لام حكيم الصين كونفوشيوس أحد تلاميذه لأنه يشغل فكره كثيرا بالموت قائلا له‏:‏ إذا كنت لا تعرف الكثير عن الحياة فماذا تراك تعرف عن الموت؟


ولقد لفت نظري في رسالتك تساؤلك هل يحق لابنتك الجاحدة هذه أن تأخذ من مال زوجك في حين أنه لا مجال لمثل هذا التساؤل من الأصل‏,‏ لأن ابنتك هذه وشقيقها‏,‏ لايستحقان شيئا في مال زوجك ولا يرثانه لأنهما ليسا من صلبه‏,‏ وإنما يرثان عن أبيهما وأمهما الطبيعيين فقط‏..‏ وجحود الأبناء ليس من موانع الإرث التي تنحصر في ثلاثة موانع بالإضافة إلي مانع رابع مشروط بشرط محدد يكاد يبطله عمليا‏,‏ فأما الموانع الثلاثة فهي‏:‏ الرق والقتل العمد المحرم‏,‏ كأن يقتل الوارث مورثه ظلما‏,‏ واختلاف الدين بين المورث والوارث‏,‏ وأما المانع الرابع المشروط فهو اختلاف الدارين أي الوطن‏,‏ ولكن بشرط أن تكون شريعة الدار الأجنبية تحرم توريث الأجنبي عنها فتعامل بالمثل‏,‏ ولقد حرم الله جل شأنه الوصية إذا كان فيها إضرار بالورثة‏,‏ وروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصي جاف أي جار وظلم في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار‏,‏ وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة‏.‏



وتفكيرك في حرمان ابنتك من حقها في مالك بعد الرحيل‏,‏ ليس مما يتفق مع حدود الله سبحانه وتعالي‏,‏ التي أمرنا بالالتزام بها‏,..‏ تلك حدود الله فلا تعتدوها‏..‏ البقرة‏229,‏ ولقد حرم الله سبحانه وتعالي الإضرار عمدا بالورثة أو ببعضهم دون البعض الآخر لما في ذلك من مخالفة لأحكام الله عز وجل‏,‏ ومعاندة لما شرعه لعباده‏,‏ لهذا فإني أنصحك بألا تفكري في ذلك‏,‏ وأن تدعي أمر ابنتك لخالقها‏,‏ وللحياة التي ستلقنها دروسها القاسية‏,‏ وتعيدها إلي جادة العدل مع أمها والبر بها وبأبيها البديل الذي رعي الله فيها تسع سنوات وهي في كفالته‏,‏ ولسوف تعلمها الأيام بالضرورة ما لم تكن تعلم خاصة حين تنجب وتجرب شعور الأم ولهفتها علي فلذة كبدها‏,‏ وقلة صبرها علي فراقها‏,‏ وحسرتها علي جفاف عاطفة البنوة لديها إذا افتقدتها‏.‏


أما أنت يا سيدتي فلا تدعي المرارة المترسبة في قلبك تجاهها تدفعك إلي مخالفة أحكام الله سبحانه وتعالي‏,‏ أو معاندة شريعته‏..‏ وحاولي أن تتلمسي الطريق لوصل ما انقطع بينك وبين ابنتك‏,‏ ليس تكريما لها وإنما إشفاقا عليها من أن تواجه الحياة‏,‏ وهي موضع نقمة أمها وسخطها عليها‏..‏ ولعل ابنك البار العطوف يستطيع أن يفعل شيئا في هذا الشأن‏,‏ فيحث أخته المارقة علي أن تبر أمها وتحرص علي مودتها وتطلب صفحها عن خروجها علي طاعتها بلا تريث ولا تجمل ولا اعتذار‏,‏ ولو أنصفت ابنتك نفسها لفعلت ذلك‏,‏ ولما ترددت في رتق الحبل المقطوع معك والاتصال بك والاعتذار لك عن سابق جفائها معك‏,‏ ذلك أنها في حاجة إلي أمها بنفس القدر الذي تحتاجين به إليها‏,‏ ولربما كانت حاجتها إليك وإلي نصائحك لها واهتمامك بأمرها خاصة وهي في غربتها أشد وأكبر‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:31 PM
التجربة العارضة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42942
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا رجل أبلغ من العمر‏71‏ عاما ومتزوج منذ‏47‏ عاما من ابنة عمتي وهي في مثل عمري ولم تكن حياتنا الزوجية مستقرة إلا أننا رزقنا بثلاث بنات‏,‏ عكفت علي تربيتهن وتهذيبهن خلقيا ودينيا وتحملت الكثير من مضايقات هذه الزوجة وشتائمها لي ولوالدتي حتي بعد وفاتها‏,‏ إلي أن أديت رسالتي نحو بناتي بإتمام تعليمهن الجامعي وزواجهن من رجال أكفاء وإنجابهن لحفدة أعزاء وصل بعضهم إلي نهاية التعليم الجامعي بعون من الله وفضله‏.‏



ومنذ نحو ثلاث سنوات ونظرا لما كابدته من نفور من زوجتي وجدت نفسي عاجزا عن الاتصال الحميم بها‏,‏ مما دعاني للابتعاد عن مخدعها والنوم في حجرة أخري‏,‏ وبمرور الأيام وجدتني أفقد توازني العاطفي والشخصي وأتغير في تعاملي مع الناس عموما‏,‏ فحاولت العلاج بالأدوية المقوية ولكنها لم تأت بنتيجة مما زاد من همومي وانطوائي‏,‏ وفي هذه الأثناء وضعت الأقدار في طريقي آنسة في نحو الثلاثين من عمرها رأيت فيها ماقد يعيد لي مافقدته‏,‏ فعرضت عليها الزواج وقبلت بعد تريث وتفكير‏,‏ وأتممنا الزواج عند المأذون ودخلت بها في أمان الله وكانت إرادة الله أن تحمل ولكن لم يدم الحمل طويلا‏,‏ فتألمت كثيرا ثم صبرت واحتسبت‏.‏ ومرت تسعة أشهر ونحن نتقابل مرة واحدة في الأسبوع حفاظا علي شعور الزوجة الأولي‏,‏ ومدعيا علي غير الحقيقة وجودي في أماكن أخري‏,‏ وفي مساء أحد الأيام منذ أسبوعين إذا بزوجتي الأولي تباغتني بعد عودتي من لقائي بزوجتي الثانية بسؤالها أين كنت؟ وتصر إصرارا عجيبا علي معرفة الاجابة مما اضطرني لأن أصرح لها بالحقيقة المرة التي لم تتوقعها‏,‏ فهاجت وماجت واستدعت إخوتي واكبرهم يصغرني بنحو‏14‏ سنة لتعرض عليهم الأمر واعتبرتهم أهلها‏,‏ مما أساء لمش


اعري بصفتي الأخ الأكبر لهم وعميد أسرتهم‏.‏ وطلبت الطلاق مع إحتفاظها بالشقة والإقامة فيها وعدم وجودي فيها أيضا إلا إذا طلقت الثانية‏..‏وإنني الآن اسألك ؟



هل أنا مخطئ بزواجي الثاني مع وضع الظروف التي ألجأتني لذلك الزواج في الاعتبار؟ وهل من حقها الاحتفاظ بالشقة وأخذ حقوقها المادية كاملة أيضا؟ وهل من العدل تطليق زوجتي الثانية إرضاء للزوجة الأولي وبناتها الثلاث المتزوجات؟


وهل إذا تم طلاق الزوجة الثانية ستستقيم الأمور وتنصلح حالتي النفسية وكأن شيئا لم يكن؟ أم سأعود للهموم والإنطواء مرة أخري؟‏..‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


الزواج للمرة الثانية في هذه المرحلة من العمر وممن تصغرك بأكثر من‏40‏ عاما ليس مما يتفق مع طبيعة المرحلة‏..‏ ولا مع المكانة التي يحرص أب مثلك علي أن تكون له بين بناته وأزواجهن وأصهارهن‏,‏ ناهيك عن الأهل والإخوة الذين يصغره أكبرهم بـ‏14‏ عاما‏..‏ لهذا فلقد كان الأجدر بك وقد صبرت ـ كما تقول ـ علي حياتك الزوجية‏47‏ عاما أن تحتمل مابقي من العمر المقدور للإنسان‏,‏ بغير الإقدام علي مثل هذه المغامرة التي تهدد الحياة العائلية بالاضطراب والقلاقل في سن الجلال والاحترام‏.‏ إن لم يكن رعاية للزوجة والأم التي رافقتك مايقرب من نصف قرن‏,‏ فرعاية علي الاقل للبنات المتزوجات وحرصا علي تجنيبهن الحرج مع أزواجهن وأصهارهن‏,‏ وتفاديا لتكدير حياتهن بمشكلة تتعلق بأمهن وتفرض عليهن كل الظروف أن يتعاطفن معها فيها وينحزن إلي جانبها ضدك مع مايترتب علي ذلك من حرج معك‏,‏ أو كدر في العلاقة بينك وبينهن‏,‏ ولقد كن في غني عن كل ذلك لو كان أبوهن قد وضعهن في اعتباره بعض الشئ وهو يقدم علي هذه الزيجة الثانية‏,‏ كما أن الانسان لايكتسب مايستحقه من مكانة لدي أبنائه وأخوته وأهله بضعفه أمام رغائبه وانحصار تفكيره فيما يحقق له وحده المتعة دون النظر إلي أي شئ آخر‏..‏ وإنما بترفعه عما لايليق به ولا بالمرحلة التي يجتازها من العمر وبصبره علي بعض النواقص في حياته‏,‏ بغير أن ينزلق إلي مايخدش جلاله واحترامه لدي من يهمهم أمره‏,‏ وقديما قالت الحكمة البوذية إن العظمة الحقيقية هي في الصبر علي المكاره‏,‏ وليس العكس‏,‏ ولهذا فلن اناقش معك قانونية حق زوجتك الأولي في الانفراد بمسكن الزوجية دونك إذا رفضت أنت إنهاء هذه التجربة العارضة في حياتك‏,‏ لأن الأمر هنا لايتعلق بالحقوق ولابنصوص القانون‏,‏ وإنما يتعلق بما يليق بالفضلاء أن يفعلوه وما لايليق‏..‏ ومايليق بالفضلاء هو أنه إذا استجاب أحدهم لأهوائه وأقدم علي ما أقدمت عليه أنت وأصرت زوجته علي أن يطلق الأخري أو تنفصل عنه بعد عشرة‏47‏ عاما‏,‏ فإنه لايجد مفرا أمامه من أنهاء هذه التجربة العارضة‏..‏ وتعويض بطلتها ماديا عن ذلك إرضاء لنفسها ولأن الإغراءات المادية كانت بالضرورة أحد أسباب قبولها لها‏,‏ ثم العودة إلي الزوجة الأولي ومحاولة بعث الحياة في علاقته بها أو الرضا بحياته معها دون تطلع إلي ماينقصه فيها‏,‏ فإن لم يفعل ذلك وأصر علي الاستمرار في التجربة العارضة إلي آخر مدي‏,‏ فلا مفر أمامه في هذه الحالة من الاستجابة لمطلب زوجته الاولي بالانفصال‏..‏ وترك مسكن الزوجية لها رعاية لعشرة نصف قرن من الزمان أيا كانت تحفظاته عليها‏..‏ وإكراما لأبنائه الذين يشقون باضطراب حياة أمهم في مثل هذه المرحلة من العمر‏..,‏ ويزعجهم كثيرا أن تفقد أمهم استقرار حياتها وأمانها في أواخر العمر‏,‏ وذلك كله بغض النظر عن حق الزوجة في الشقة أو عدم أحقيتها فيها‏,‏ فهل تفعل مايفعله الفضلاء في مثل هذه الظروف؟‏!‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:32 PM
الأيام السعيدة


بـريــد الأهــرام
42942
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة



أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري‏,‏ لي ثلاثة من الاخوة والأخوات يصغرونني‏,‏ ويشغل أبي منصبا مرموقا يتطلب دائما ضميرا يقظا وحيا‏,‏ وهو يقدس عمله ويضع مصالح الناس فوق كل شيء‏,‏ ولا يسعي أبدا للحصول علي أية منفعة شخصية له أو لأسرته‏,‏ ويستحيي من أن يتوسط لدي أحد للحصول علي اي مصلحة شخصية له‏.‏ أما والدتي فهي سيدة فاضلة وهبت حياتها وصحتها لخدمتنا ورعايتنا فكانت‏,‏ برغم أنها تعمل‏,‏ تقوم بكل شيء لنا‏,‏ وكنا نستمتع معها بأيام سعيدة حافلة بالحب والمودة والرعاية‏..‏ إلي أن مرضت فجأة منذ أربع سنوات بالمرض اللعين شفاها الله وعافاها‏..‏ واضطربت حياتنا جميعا‏,‏ ودخلت أمي غرفة العمليات أكثر من مرة وفي كل مرة تخفق قلوبنا خوفا عليها‏,‏ وعولجت كيميائيا وشفيت وعادت كما كانت قبل محنة المرض‏,‏ ورجعت لنا البسمة والأيام السعيدة من جديد‏..‏ وعادت أمي تقوم بكل شئوننا كما تحب دائما أن تفعل‏,‏ مع استمرار المتابعة مع الطبيب المعالج الذي قرر وقف العلاج لأن حالتها كما قال طيبة للغاية‏.‏ ومنذ عام تقريبا عادت أمي تشكو من آلامها وعرفنا للأسف أن المرض اللعين قد تسلل للعظام‏,‏ وأصبحت لا تقوي علي الحركة وساءت حالتها كثيرا بعد أن تلقت جرعة مكثفة من جلسات العلاج بالاشعاع‏,‏ فعجزت تماما عن الحركة‏..‏ وأصبحنا نتذكر‏,‏ ونتحسر علي الأيام السعيدة التي كانت أمنا فيها تخدمنا وترعانا كالنحلة النشيطة في كل الأوقات ولا تجعلنا نحن الأبناء نقوم بأي شيء نيابة عنها‏..‏



وأنا أكتب إليك الآن من المستشفي حيث شعرت أمي منذ أسبوع بهبوط حاد وبعدم الرغبة في الطعام وغير ذلك من المضاعفات التي تتكرر كثيرا منذ عودة المرض‏..‏ أرجوك مساعدتنا في ارسال أشعة والدتي وتقاريرها الطبية لتقرير سفرها للعلاج بالخارج‏,‏ سواء إلي وزارة العدل إذا كان القرار يتعلق بجهة عمل والدي‏,‏ أو إلي جهة أخري تكون هي المختصة‏,‏ ولقد دفعني للتعلق بهذا الأمل أن صديقا لوالدي أصيب ابنه بنفس المرض وتم ارسال أشعاته وتقاريره وتقرر له السفر للخارج علي نفقة الدولة وشفي بأمر الله‏,‏ فهل نأمل أن تساعدنا في ذلك لأن والدي كما ذكرت لك يستحيي أن يطلب أي شيء لأسرته؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


سترجع الأيام السعيدة إلي حياتكم قريبا‏..‏ ولسوف يأذن الله سبحانه وتعالي لوالدتك بالشفاء ويكشف عنها الضر بقدرته التي لا تحدها الحدود إن شاء الله‏..‏ غير أنه التماسا للأسباب فإنه يجب عليكم التقدم بطلب للعلاج علي نفقة الدولة في الخارج‏.‏ ووالدك أقدر مني علي معرفة جهة الاختصاص وهل هي وزارة العدل أم لا‏,‏ ذلك اني أتصور أن هناك نظاما خاصا لعلاج المنتسبين إلي الجهات القضائية‏..‏ فإن كان تصوري هذا غير دقيق فإن الجهة التي ينبغي لكم التقدم إليها في هذه الحالة تصبح هي وزارة الصحة ـ ادارة شئون علاج المواطنين في الخارج‏..‏ والاجراءات معروفة وأستطيع مساعدتكم فيها بإذن الله إذا اتصلت بي خلال الفترة المقبلة‏..‏ مع دعائي لوالدتك بأن يعجل الله سبحانه وتعالي لها الشفاء‏..‏ لكي تعود إليكم الابتسامة والأيام السعيدة الماضية‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:34 PM
الشخص المناسب


بـريــد الأهــرام
42942
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة



دفعتني للكتابة إليك رسالة لقاء التعارف من الطبيبة زوجة الطبيب ومشكلة ابنها التي كنت الطريق المنير لمساعدتها في حلها‏.‏ ولي أمل أن تكون عونا لنا في مشكلة ابنتي ذات الـ‏23‏ ربيعا الطيبة الجميلة‏.‏ فأنا طبيبة وزوجة طبيب نقيم في دولة أوروبية وقد ربيت ابنتي علي التعاليم الاسلامية وتقاليد الحياة المصرية وابتعدنا كلية عن مظاهر الحياة الغربية‏.‏ ابنتي هذه مثل صاحبة رسالة لقاء التعارف لها ذكاء محدود واستطاعت أن تحصل علي ثلاث دبلومات عالية وهي تعمل موظفة في احدي الوزارات في الدولة التي نقيم بها ومشكلتها أنها تشعر بالوحدة الشديدة خاصة أننا لا نستطيع أن نتعرف علي أصدقاء في مثل ظروفها من الجنسين في البلد الذي نعيش فيه أو من مصر في فترات زياراتنا لها كل عام كما أنها لاتستطيع أن تجد الشخص المناسب الذي من الممكن أن تتعرف عليه ليكون زوج المستقبل‏.‏ وابنتي جميلة وطيبة وعلي خلق وتدين وترغب في مقابلة شباب من مصر في مثل عمرها من الجنسين حيث أننا نبني آمالا كبيرة علي أننا سوف نلتقي بشباب في كل مرة نذهب فيها إلي القاهرة‏.‏ ولكننا نفشل حيث نجد أنفسنا فريسة سهلة لكل من نحاول أن نتعرف عليه‏,‏ فهل أجد من بين قرائك من يستطيع أن يساعد ابنتي ليكون لها صديقات من مصر‏,‏ وكذلك مساعدتها في ايجاد الشاب المناسب الذي يسعدها وتسعده ويكون عونا لها في الحياة‏,‏ مع ملاحظة أننا سنكون في القاهرة من‏15‏ يوليو الحالي إلي‏25‏ أغسطس المقبل بإذن الله‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أرجو أن تسمح لي الظروف بمساعدة ابنتك الطيبة علي تحقيق ما تصبو إليه خلال وجودها بمصر في الاجازة المقبلة بإذن الله‏,‏ كما أرجو الاتصال بي بالأهرام عقب وصولكم إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:36 PM
المقامة الزوجية‏!‏


بـريــد الأهــرام
42942
السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة لي زوج غيور‏,‏ وجار حسود‏,‏ وعائلة شتتتها الأهواء‏,‏ وصحبة فرقتها الأيام‏,‏ وأخوة أصبح كل منهم مشغولا بحالة‏,‏ وولد هزيل‏,‏ وآخر يطعمه ربي من دمي‏,‏ وبدن سقيم‏,‏ وعظام وهنت قبل المشيب‏,‏ حصلت علي مؤهل عال رشحني للعمل بوظيفة خادمة في بيت زوجي‏,‏ فما أحسنت الخدمة ولا أحسن لي من أخدمه‏,‏ وجمعت بين سوء الحظ وسوء الخط‏,‏ فلا أجد عندي ما أباهي به غيري‏,‏ وكان لي في القلب آمال‏,‏ والعقل احلام فأصبحت آلاما وأوهاما‏.‏ مزجت دمعي بدمي وتمنيت أن أخفيه عن كل من حولي فخانني دمعي وباح بما ضاق بي صدري‏,‏ فكتبت إليك لأني في أحزاني غارقة أنتظر زورقا ينجيني مما أنا فيه لعله يكون كلمة تذكرني بها بما نسيت عن كشف الكرب‏,‏ والفرج الذي يأتي بعد الضيق‏,‏ والعسر الذي لايغلب يسرين‏,‏ والبسط الذي يعقب القبض‏,‏ والسلام بعد الحرب والأمان بعد الخوف‏.‏ فماذا تقول لي؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


صياغتك لرسالتك علي طريقة المقامات المعروفة في الأدب العربي تعكس قدرا كبيرا من السخرية المريرة والضيق بالحياة‏.‏



فما سر كل هذا الإحباط؟ هل هي علاقتك بزوجك‏,‏ أم الملل من حياتك الزوجية وافتقادك حرارة العاطفة فيها‏,‏ أم هو تباعد الأخوة والأهل وانكفاؤهم علي ذواتهم وتشاغلهم عنك؟



علي أية حال فأنت في حاجة ماسة إلي ما يجدد حياتك‏,‏ ويطرد الملل والاحباط منها ويبعث الحرارة في علاقتك بزوجك وأهلك والمؤكد أيضا أنك في حاجة إلي إجازة قصيرة من الواجبات المنزلية وإلي تغيير نمط الحياة والمكان والوجوه والأشخاص الذين تتعاملين معهم لفترة قصيرة من الزمن تقضينها خارج المدينة التي تعيشين فيها‏.‏ ولسوف تستردين حيويتك وإقبالك علي الحياة بعد هذه الإجازة المفيدة إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:36 PM
أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42942
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
2
‏14 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة العصا السحرية التي روي فيها شاب قصته مع شقيقاته وعودته عن ظلمه لهن‏,‏ بل وإكرامهن بأكثر من حقهن في ميراث أبيهن كنوع من تطييب خاطرهن وواستغفارالله للظلم الذي أوقعه بهن‏,‏ ولقد بكيت كثيرا عندما قرأت هذه الرسالة‏,‏ لأنني فتاة تعشق اخوتها كثيرا ودعوت الله ألا يفرقنا وألا يدخل الشيطان بينناولقد بعثت لك بهذه الرسالة لإبداء اقتراح صغير لكل الإخوة الذين يتشاركون بميراث عن والدهم أو والدتهم ويديره أحدهم‏,‏ بأن يخصص كل أخ من ميراثه نسبة معينة قلت أو كثرت‏,‏ وذلك حسب الاتفاق بينهم كنوع من الأجر لذلك الأخ الذي يشقي ويتعب ويعمل لأجل اخوته‏,‏ فإن أيا منهم لو استثمر ماله في أي شركة سيعطي من يستثمر له ماله ويعمل لأجله مبلغا من المال‏,‏ ولعل في ذلك سدا للذرائع التي قد تجوب في نفس الانسان من أنه يتعب ويشقي ويأتي الاخرون ليأخذوا عائد عمله حلالا طيبا‏,‏ وهو أيضا لو توخينا العدل حق له جزاء تعبه وجهده‏.‏


أما ثانيا فإنه علي الأخ الذي يدير أموال أشقائه أن يسد وساوسهم أو وساوس أزواجهن وزوجاتهم بأن يطلعهم سنويا علي حسابات هذا المال حتي يطمئنوا له وحتي يريح ضميره أمام الله وأمامهم وليعلم كل ذي حق حقه‏.‏


من رسالة للقارئة‏/‏ رحاب محمد ولي الدين



‏*‏قرأت رسالة الأخ الفاضل بعنوان النظرة الباردة والتي روي فيها قصة كفاحه وصبره علي جفاء اخوته له حتي صنع نجاحه وأصبح محبوبا منهم‏,‏ وأقول له هذا وعد الله فهو رب العالمين والمتكفل بهم والمنعم عليهم‏,‏ وهو الذي وعد بقوله فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ووالله لن يغلب عسر يسرين فله الحمد فهو صاحب الفضل وحده وكان فضل الله عليك عظيما وله الحمد‏,‏ فمن حكمته أعطي فضله لأهل الفضل فتفضلوا به علي غيرهم مع أنهم لم يحسنوا إليهم في يوم من الأيام‏,‏ لكن هذه أخلاق أهل الفضل‏.‏


أسأل الله ان يعينك علي الشكر الدائم المستمر الذي يليق به سبحانه وتعالي‏,‏ وبقي شئ مهم ألا وهو الحج الي بيت الله الحرام أنت والوفية شريكة الحياة‏,‏ جمعنا الله واياك ومن كان سببا في لقائنا هذا العام في أرض عرفات‏.‏


من رسالة للقارئ الشيخ‏/‏ عبده هتيمي


الامام والخطيب بالمطرية ـ دقهلية




‏*‏ قرأت رسالة القارئة فرات عبدالمعز عبدالستار بعنوان رحيق الخبرة ردا علي رسالة الماء المقطر ولا أملك الإ أن أقول لك بارك الله فيك وفي ذريتك وأكثر من أمثالك‏.‏ فنحن لانملك لأولادنا من الدنيا شيئا سوي الدعاء لهم بالتوفيق والنجاح بعد ان نحسن تربيتهم والباقي علي الله سبحانه وتعالي‏.‏ والا مااقتتل ولدا سيدنا آدم‏,‏ وما كفر ابن سيدنا نوح ـ عليه السلام ـ الذي قال فيه الله عز وجل إنه عمل غير صالح صدق الله العظيم وأقول لصاحب بريد الجمعة انه أحسن اختيار عنوان الرسالة الأولي الماء المقطر لأن من اعتاد علي الماء المقطر فأول شربة من ماء الصنبور ستصيبه بجميع الأمراض‏.‏


ولقد أخطأ الوالد صاحب الرسالة في حمايته الزائدة عن الحد لابنتيه‏,‏ فالطفل الصغير ان لم يشعر بحرارة النار فسيظل يسعي وراءها كلما رأي عود الكبريت مشتعلا‏.‏


من رسالة للدكتور مهندس‏/‏ مصطفي فرغلي




‏*‏أقول للسيدة صاحبة رسالة صيغة الاعتراف‏:‏ لايبارك الله لك ولا لأولادك في شئ أخذته عنوة من زوجك الذي أمضي معك‏27‏ عاما وتحمل ليكبر أولاده‏.‏


ودعائي علي كل سيدة تعامل أهل زوجها معاملة سيئة وتفتح الباب علي مصراعيه لأهلها فقط‏,‏ وسيحاسبك الله عن سرقة ماليس من حقك‏..‏


وكذلك عن غرس الحقد في نفوس أبنائك تجاه والدهم‏..‏


من رسالة للقارئ‏/‏

صلاح الدين إبراهيم سلامة

حسام هداية
08-25-2011, 07:43 PM
الخيال الجميل‏!‏


بـريــد الأهــرام
42949
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
9
‏21 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة


ترددت كثيرا في أن أكتب لك عن مشكلتي ولكن الذي دفعني إلي كتابتها هي قراءتي لمشكلة‏(‏ الزيارة المفاجئة‏).‏


فأنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها‏,‏ جميلة ومتدينة ومتزوجة منذ اثني عشر عاما ولي طفلان أحدهما في الحادية عشرة من عمره‏,‏ والآخر في السابعة‏,‏ وقد زففت إلي زوجي بعد أن تقدم لي بأربعين يوما فقط‏,‏ لأنه كان عريسا جاهزا ولقطة من وجهة نظر أبي‏,‏ ولم أستطع أن أرفض لأنني كنت قد فسخت خطبتي لعريس آخر بعد خطبة دامت ثلاثة أعوام‏,‏ وكنت حينذاك في عامي الأول الجامعي‏,‏ ومن وجهة نظر أهلي أنه عار أن أترك خطيبي مهما كانت الأسباب‏,‏ وساوموني إما أن أعود إلي خطيبي السابق الذي يحبني‏,‏ أو أتزوج عريس الغفلة هذا‏,‏ فاخترت عريس الغفلة لأنه وافق علي أن أكمل دراستي في الماجستير‏,‏ وانه طيب القلب ومتدين عكس الآخر‏.‏ وتزوجت رجلا لا أعرفه ولا أحبه وظننت أن الأيام ستجعلني أحبه‏,‏ ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن‏,‏ فهو مع الأسف انسان ضعيف الشخصية‏,‏ ابن أمه وآخر العنقود وينفذ كل أوامرها دون جدال‏,‏ لدرجة أنها حكمت عليه أن ينام في حجرة أخري بعيدا عني بعد ولادة الطفل الأول‏,‏ ونفذ أمرها دون جدال‏,‏ وعندما كنا نخرج معا ونعود كانت تكدر عليه حياته حتي لايخرج معي مرة أخري‏,‏ كان علي أن أنظف لها منزلها وأطبخ لها في يوم إجازتي‏,‏ وحتي


بعد عودتي من عملي يجب علي أن أجلس معها وأغسل لها الأطباق وأطبخ لها يوميا لأنها لا تحب الأكل البايت‏,‏ وانتظر عودته ثم نصعد معا إلي شقتنا ليأكل وينام ثم يصحو سريعا ويرتدي ملابسه وينزل إليها ويجلس عندها إلي ما بعد منتصف الليل‏,‏ ويصعد إلي شقتنا أخيرا فيجدني قد نمت من شدة التعب وإرهاقي في خدمة الأولاد وخدمة حماتي ومذاكرة الماجستير‏,‏ وكل هذا كان يدمر صحتي حتي مرضت بسبب الوقوف المتواصل‏,‏ ولم ترحمني حماتي‏,‏ بل قالت إنني أتمارض لكيلا أخدمها‏,‏ فواصلت خدمتي لها برغم مرضي منعا للمشاكل‏.‏ مع العلم أن شقيق زوجي معنا في نفس العمارة وزوجته لاتعمل‏,‏ ولكن الحكم كان علي أنا فقط‏,‏ حتي عندما كبرت بنت ابنها الآخر وأصبحت مقيمة معها بعد تخرجها في الجامعة كنت أنزل وأنظف لها الشقة والكل يجلسون وينظرون إلي وكأنني الشغالة‏,‏ وتحملت كل ذلك حتي حصلت علي الدكتوراه بعد عناء شديد وأصبحت لا أستطيع الوقوف لفترات طويلة‏,‏ فاضطررت لأؤجر من تنظف لي الشقة يوم الإجازة‏,‏ ولم استطع أن أقوم بتنظيف شقة حماتي‏.‏ وكانت الطامة الكبري‏,‏ وقالت حماتي لزوجي أنني تكبرت عليه وعليهم بعد الدكتوراه‏,‏ وتطاول شقيق زوجي علي بتحريض من زوجته دون أن أفعل له أي شئ سوي أنني طلبت من حماتي أن تقسم العمل بيني وبين ابنته وزوجته ولم يدافع عني زوجي‏,‏ بل اتهمني بالكذب وتركني أذهب إلي بيت أهلي الذين لم يسمعوا مني أي شكوي منذ زواجي رغم ما كنت ألاقيه‏,‏ وطبعا انهالت أمي عليه بالسب لأنه لم يستطع أن يدافع عن زوجته وهي تضرب وتسب أمامه‏,‏ فغضب من أمي وتركني أنا وأولاده في بيت أهلي عاما كاملا دون أن يسأل عني أو عن أبنائه تنفيذا لأوامر الوالدة‏,‏ وكان هذا الموقف كفيلا بأن يدمر كل ما بيننا‏,‏ ولكني فكرت في ابنائي الذين لا ذنب لهم‏,‏ فخضعت لتدخل بعض أفراد أسرته للصلح بيننا وعدت من أجل الأبناء فقط وأتحمل الحياة مع انسان لا تجمعني به أي مشاعر حب أو ود أو حتي رحمة‏,‏ وحياتي معه موت بطئ ولا يعطيني أي بصيص من النور في هذه الحياة المظلمة سوي أبنائي‏.‏



وخلال هذه الأحداث المؤلمة مررت بتجربة كان من الممكن أن تغير كل حياتي وتكون لي طوق النجاة‏.‏ فرئيسي في العمل رجل مثقف وذكي ورقيق جدا ويحترمني ويقدرني لأنني انسانة محترمة ومجتهدة‏,‏ وكل زملائي يحبونني‏.‏ وقد شعرت نحو هذا الرجل بمشاعر لاأستطيع أن أصفها لك فلم ينبض قلبي إلا له ولا أشعر بالسعادة إلا عندما أراه‏,‏ وحين أنظر إليه أجد فيه الشخص الذي تمنيت الارتباط به‏,‏ وعندما يضيق بي الحال أسرح في خيالي مع هذا الشخص وأحلم معه بالحب الذي لم أجده مع زوجي‏,‏ وأعود من خيالي علي أرض الواقع وأحمد الله علي حالي وأجد في ابنائي عوضا عما حرمت منه من حب ومشاعر لم أجدها في الحلال وأبيتها في الحرام‏,‏ فأنا انسانة متدينة والحمد لله وأعلم أنني لا أستطيع أن أفعل ما يغضب الله مني‏,‏ ولكن ما يؤرقني ويعذب ضميري هو أنني أعشق في خيالي غير زوجي‏,‏ وأسأل نفسي هل يحاسبني الله عما أشعر به‏,‏ مع العلم أنني لا أظهر أي شئ لهذا الرجل سوي الاحترام لدرجة أنه تمر بي أيام كثيرة لا أذهب فيها لمكتبه حتي لا تزداد نار هذا الحب ولكي أعفي ضميري من شبح الخيانة‏,‏ فضميري يقول لي إن تفكيري فيه خيانة لزوجي حتي ولو كان هذا التفكير يعوضني عن السعادة المفقودة‏,‏ لكني مازلت حائرة‏,‏ وأتساءل هل يحاسبنا الله عن المشاعر الدفينة؟‏,‏ وهل يمكن أن تقع الخيانة في الخيال؟‏!,‏ وماذا تفعل انسانة مثلي لايشاركها زوجها في أي شئ لا في المسئولية ولا في المشاعر ولا في الحياة‏,‏؟ علما بأنني حاولت كثيرا ورجوته مرارا أن يعصمني من التفكير في غيره‏,‏ فظن أنني أحتال عليه بذلك ليعطيني مساحة أكبر من وقته تاركا أمه المسنة‏,‏ ولكني قلت له اني أحتاج إلي جزء منك ولها الباقي فأبي ذلك‏,‏ فماذا أفعل وأنا انسانة جميلة وشابة ورومانسية لأبعد الحدود وأحتاج لأن أشعر بأنوثتي بجوار أمومتي‏,‏ فأحيانا أشعر بإنني مجرد خادمة أو جارية له‏,‏ وهذا يقتلني ولا يداويني من هذا إلا هذا الخيال الجميل‏..‏ فماذا أفعل؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


من رحمة الله بنا أنه سبحانه وتعالي لا يحاسبنا عما يجول بداخلنا من خواطر وأفكار ومشاعر مالم نترجمها إلي أفعال وتصرفات‏..‏ وفي الحديث الشريف الذي رواه الشيخان وآخرون ان الله قد تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم تتكلم أو تعمل به‏.‏


غير أن الإنسان مطالب دائما بأن يتجنب مواقع الشبهات التي يمكن أن تستدرجه رغما عنه للوقوع في الخطأ‏.‏



والمثل الغربي الذي يقول خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي‏,‏ أولي بالاتباع في هذه الحالة‏,‏ من الاقتراب من الحمي حتي ليوشك الانسان أن يخالطه كما جاء في الحديث الشريف الآخر الذي يقول فيه صلي الله عليه وسلم‏:‏ إن من يرتع حول الحمي يوشك أن يخالطه وأن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر‏!‏


وفي رواية أخري‏:‏ فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك‏,‏ ومن اجترأ علي ما شك فيه من الاثم أوشك أن يواقع ما استبان‏.‏ وعاطفة الحب وإن كانت لاتخضع حقا لسيطرة الانسان إلا أن لها مقدمات في مقدور المرء أن يتحكم فيها ويمنع تطورها إلي عاطفة قاهرة لايملك إزاءها شيئا‏.‏



ومن هذه المقدمات اللقاء والاتصال والكلام والنظر والتراسل‏,‏ وكل انسان يستطيع أن يرد نفسه عن الاتصال أو الكلام أو النظر لمن يخشي تطور عاطفته نحوه‏,‏ أما إذا ضعفت إرادته عن رد نفسه عن مثل هذه المقدمات برغم خطورتها ولم تجد عاطفته ما يكبحها فإنها تتعمق وتتطور وتخرج عن حدود قدرته علي السيطرة عليها ووأدها‏..‏ وهذه هي خطورة التساهل في مثل هذه المقدمات التي تبدو لنا بريئة وخالية من الإثم‏..‏ وهو أنها تقود إلي الوقوع في الحب المحرم الذي نصرخ شاكين من عجزنا عن صده لأننا لا نملك قلوبنا‏,‏ وإنما يملكها خالقها سبحانه وتعالي‏,‏ في حين أننا كنا نملك ارادتنا ونستطيع أن نرد أنفسنا عن المقدمات التي أدت إليه‏.‏


ولقد سئل أحد كبار الدعاة عن الحب أهو حلال أم حرام؟‏!,‏ فأجاب إجابة طريفة وحكيمة في نفس الوقت‏,‏ إذ قال إن الحب الحلال حلال‏,‏ والحب الحرام حرام‏!‏ بمعني أن الحب المشروع كحب الرجل لزوجته والزوجة لزوجها حلال لا شبهة فيه‏,‏ والحب المحرم كحب الزوجة لغير زوجها وحب الرجل لزوجة آخر حرام لا مراء فيه‏.‏



وخطورة هذا الخيال الجميل الذي تستنيمين إليه الآن وتجدين فيه بعض ما يخفف عنك جفاف حياتك الزوجية وخلوها من العاطفة‏,‏ هو أنه قد يدفعك خطوة بعد أخري إلي الوقوع فيما لايحل لك مما لا ترضاه الزوجة الفاضلة المتدينة لنفسها كالنظر والخلوة والتلامس‏,‏ انتهاء ــ لا قدر الله ــ بالوقوع في الخطيئة‏.‏


لهذا فإن الأوفق هو أن تقاومي هذه المشاعر وهي في بدايتها لأنها سوف تستدرجك إلي الطريق المنحدر الذي ينتهي بما لا ترضين لنفسك‏,‏ وأن تجاهدي نفسك ومشاعرك‏,‏ وتحاولي بقدر الإمكان بعث الحرارة في علاقتك بزوجك والتجاوز عما يغضبك منه‏,‏ وتستمري في تجنب الاقتراب من رئيسك أو التعامل معه أو الانفراد به‏,‏ وحبذا لو انتقلت إلي موقع آخر في العمل يبعدك عنه ويبعده عنك‏..‏ فتموت عاطفتك تجاهه مع مرور الأيام‏,‏ كما تخمد جذوة النار إن لم تتلق المزيد من قطع الخشب‏,‏ ولابد أن يعينك ربك علي ذلك إن صدقت نيتك علي الاخلاص لزوجك ودعوت الله صادقة إن يجعلك من قاصرات الطرف اللاتي يقصرن طرفهن أي عيونهن وسمعهن علي أزواجهن حتي ولو شقين بحياتهن معهم‏.‏



أما إن عجزت عن مقاومة هذه العاطفة وإخمادها‏..‏ فاكتميها في صدرك ولا تعبري عنها بأية كلمة أو فعل أو إشارة‏,‏ واعتبريها ابتلاء لك يختبر به الله سبحانه وتعالي صدق عفافك والتزامك بحدوده‏,‏ واصبري عليها كما يصبر المرء علي الابتلاء‏,‏ فيكون لك من أجر الصابرين علي البلاء نصيب موفور باذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:46 PM
المشروع الجليل


بـريــد الأهــرام
42949
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
9
‏21 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




حلمت كثيرا منذ أن كنت في سن المراهقة بحلم أشكر الله علي أن مكنني بفضله من أن أخطو فيه خطواتي الأولي منذ فترة وجيزة‏.‏


فلقد كنت أحلم بأن أكون قادرة ذات يوم علي مساعدة الشباب غير القادر علي الزواج ومد يد العون لهم‏,‏ لما ألاحظه من قلة الموارد وضعف المرتبات للخريجين من الشبان‏,‏ فكنت أحلم بالفرحة التي سأراها علي وجوههم وهم يتسلمون منا أثاثهم قطعة قطعة وأدوات المطبخ والسجاد والنجف‏..‏ إلخ‏.‏



ولا أدري لماذا شغل هذا الحلم بالذات تفكيري ولكني أعتقد أنه من الأبواب غير المطروقة كثيرا بين أبواب المساعدات وزكاة المال‏.‏


ومرت السنوات وأصبحت بفضل الله‏,‏ امتلك مشروعا ييسر لي المساهمة في هذا المجال بقدر المستطاع‏.‏



وجاء برنامج صناع الحياةللأخ الكريم‏/‏ عمرو خالد ــ جزاه الله خيرا ليضع هذا الموضوع في إطار واضح المعالم‏,‏ فبدأت أسعي لنشر هذه الفكرة بكل جد ــ ولا أعقد علي نفسي وحدها‏,‏ وكان من نتائج هذا السعي أن تبرع أحد الفضلاء‏,‏ بشقة في عمارته الخاصة لإشهار جمعيتنا رسميا وتلقي الطلبات فيها‏,‏ ولتكون مقرا للجنة المسئولة عن دراسة الحالات والانفاق علي الحالات المستحقة للمساعدة‏.‏


كما وجدت أخوات فاضلات‏,‏ يفكرن بالأسلوب نفسه ساعدنني بكل السبل أعزهن الله ــ في مساعدة‏3‏ شبان جامعيين مقبلين علي الزواج‏..‏ ولا طاقة لهم بتكلفته المادية‏.‏



ووجدت فيهم الفئة التي كنت أتمني مساعدتها فعلا‏,‏ أي أنهم شباب جامعي ــ مستواهم الاجتماعي فوق المتوسط ومن أسر كريمة لكنه لاسند ماديا لهم في الحياة‏.‏


وتعرفت كذلك علي اثنين من تجار الموبيليا من أسرة واحدة ــ عرضا المساعدة ــ في البداية بغرف مجانية تماما من معارضهما‏,‏ ووجدتهما أولي الناس بالتعاون معهما في شراء الأثاث منهما مادامت لديهما هذه النزعة الطيبة ــ ووافقا علي المساهمة معنا بهامش ربح بسيط لهما‏.‏



كما وجدت أيضا من قام بدراسة وافية للموضوع‏,‏ وعكف عليها لتحديد التكلفة الفعلية لإعفاف شاب ــ مع إيجاد البدائل لمساعدة أكبر عدد ممكن بأجمل وأرق التجهيزات‏.‏ ووجدت دائرة معارفي في هذا الاتجاه تزداد يوما بعد يوم ووجدت الأيدي تتشابك بطريقة جميلة ومؤثرة أشعرتني ــ أن يد الله معنا ــ وأنه يرضي عن خروج هذه الفكرة للنور ويفتح لنا أبوابا لم تكن في الحسبان لأن هدفنا جميعا ابتغاء مرضاته تعالي وادخال الفرحة إلي قلوب غير القادرين وإعمار الأرض‏.‏


وأكتب إليك الآن لأن أملي في الله كبير في أن يتبني هذه الفكرة مجموعة من القادرين في كل بقعة من بقاع الأرض‏,‏ كما حدث في مشروع الملابس‏.‏



وطموحاتي أن يصل معدلنا إلي إعفاف شاب يوميا علي مدي السنوات العشر القادمة‏,‏ ولقد دعوت الله كثيرا أن أكون حجر الأساس في هذا المشروع الجميل وأشعر إنني بفضل الله أسير بخطوات ثابتة في هذا الاتجاه‏.‏ ومازلت أكرر ــ بعد مشورة الكثيرين من أهل الفقه ـ أن إعفاف شاب صالح أفضل من تكرار الحج والعمرة‏,‏ وهذه دعوة لتلقي طلبات الشبان الجامعيين الذين تجاوزوا سن السابعة والعشرين‏,‏ ولنبدأ بالقاهرة الكبري علي عنوان‏email:(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)‏ كما أرجو أن تساعدنا في إيجاد ص‏.‏ ب علي الأهرام لتلقي الطلبات‏,‏ حتي لايكون عنوان شركتي عملا من أعمال الدعاية لها‏.‏


وليرسل كل شاب يريد الاستفادة من هذا المشروع صورة البطاقة الشخصية وشهادة التخرج وصورة بطاقة العروس وطريقة الاتصال بهم‏,‏ وسوف تتم دراسة الحالات‏,‏ والاتصال بأكثرهم احتياجا ــ مع مراعاة أن حسن الخلق والالتزام الديني من أساسيات الاختيار‏,‏ والله الموفق‏...‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أرجو الله لكم التوفيق في هذا العمل الجليل‏..‏ وأرجو ممن يرغبون في الاستفادة منه أن يعتبروا بريد الأهرام مؤقتا هو صندوق البريد الخاص بتلقي طلبات الشباب الراغبين في العفاف‏,‏ وأن يكتبوا بوضوح علي الخطاب الذي يرسلون فيه بياناتهم مشروع مساعدة الشباب علي الزواج‏,‏ ذلك أننا لن نفتح هذه الخطابات ولن نقوم بفرزها لكيلا تتضاعف الأعباء علي أسرة بريد الجمعة وبريد الأهرام‏,‏ وإنما سنقوم فقط بتجميع ما نتلقاه من خطابات لهذا الغرض وتسليمها لكاتبة هذه الرسالة علي عنوان شركتها‏,‏ وذلك حتي نهاية أغسطس المقبل‏,‏ آملا أن نكون قد وفقنا قبل هذا الموعد في إيجاد صندوق بريد خاص بهذا المشروع إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:49 PM
الأمان الحقيقي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا رجل في السابعة والخمسين من عمري كنت أعمل مديرا بإحدي شركات قطاع الأعمال ــ وقد نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وسبعة أبناء ترتيبي بينهم الثالث‏,‏ وكان أبي رجلا مكافحا وصل إلي منصب رئيس مجلس إدارة إحدي شركات القطاع العام المهمة‏,‏ وكرمته الدولة بعدد من الأوسمة‏,‏ وكان في تربيته لنا حازما يؤمن بأن العمل أولا ثم العواطف والمشاعر في المرتبة الثانية‏,‏ وكانت أمي نبعا من الحنان‏,‏ فنشأت علي عكس إخوتي رومانسيا أؤمن بالمشاعر الانسانية‏,‏ وتأتي العاطفة عندي في المرتبة الأولي ثم العمل الجاد الملتزم بحدود الله‏.‏



وقد بدأت قصتي حين جندت بالقوات المسلحة لمدة ست سنوات خلال حرب أكتوبر المجيدة وقبل خروجي بعام تقابلت مصادفة مع فتاة جميلة الخلقة والخلق ومنذ أول وهلة التقت فيها عيوننا أحسست أنها قدري وأنني قدرها‏,‏ وبالفعل أحب كل منا الآخر بكل نبضة من نبضات قلبه وكيانه‏,‏ وكان كل منا يقرأ أفكار الآخر وينطق بما يريد أن ينطق به الآخر دون سابق عشرة‏,‏ وتزوجتها وأنجبت منها ولدين وبنتا‏,‏ ومنذ عشر سنوات تقريبا أصيبت زوجتي الحبيبة بالمرض اللعين وبدأنا المشوار بالعلاج الجراحي وتم استئصال الثدي ثم بالعلاج الكيماوي الذي لم يجد‏,‏ حيث انتشر المرض للأسف بالمخ ثم الرئة اليسري‏,‏ فقمت بتسوية أوراقي والخروج للمعاش المبكر وتفرغت لخدمتها ورعايتها ولا أستطيع مهما قلت أن أصف لك مدي عذابها وآلامها ومدي عذابي معها‏,‏ فقد كنت أتمزق من داخلي من أجلها بالرغم من أنها كانت تحاول إخفاء آلامها عني وعن الأبناء‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات ومع آذان فجر أحد أيام الجمعة في شهر أغسطس فاضت روحها الطاهرة بين يدي ورحل عن الحياة توءم روحي وعقلي ومهجة قلبي‏,‏ وتوقف الزمان وفقدت الأشياء معناها‏,‏ وحاولت أن أتماسك من أجل ابنتي التي بقيت معي بعد زواج أخويها واستقلالهما بحيات


هما حفاظا علي التوازن النفسي لها ولي‏,‏ وكانت ابنتي في نهاية العام قبل الأخير في إحدي كليات القمة فرحت أرعاها وأخدمها وأوفر لها الرعاية اللازمة لأعوضها عن فقد والدتها‏,‏ حتي تخرجت وتزوجت منذ عام‏.‏ وأنا الآن بعد أن تزوج الأبناء أعيش وحدي في وحدة قاتلة أجتر ذكرياتي بما فيها من سعادة وشقاء وأظل وحدي فترات طويلة لا أتكلم فيها مع أحد‏,‏ حتي ظننت أنني نسيت الكلام‏,‏ وأتذكر زوجتي الراحلة فأتكلم معها وأحاورها‏,‏ وأشكو حالي إلي الله وإليها‏,‏ وقد حاولت الخروج مما أنا فيه بقراء ة القرآن والقراءات الأخري في الأدب والفلسفة ثم أشار علي والدي أن أتزوج بانسانة تقدر ظروفي وتتناسب سنها مع سني لكي أخرج مما أنا فيه وتستمر الحياة كما تقول في ردودك علي بعض رسائل قرائك‏,‏ وحتي لا أصاب بالاكتئاب‏,‏ وخصوصا أن ظروفي أفضل من غيري‏,‏ حيث إنني أعيش في شقة تمليك مكونة من ثلاث حجرات وصالة وبها أثاث معقول وجميع الأجهزة الكهربائية الأساسية ولا تحتاج إلا لتجديد الحوائط‏,‏ كما أنني لن أكلف من أتزوجها مليما واحدا‏,‏ فاقتنعت بالزواج لكن الأبناء عارضوا فكرة أن أتزوج غير أمهم في البداية ثم وافقوا في النهاية علي المبدأ بعد أن قام الوالد وأعمامهم


وعماتهم باقناعهم‏,‏ وخصوصا أن كلا منهم منشغل بحياته الخاصة‏,‏ كما أني قد أديت رسالتي معهم وبدأت رحلة البحث عن انسانة تناسبني فتقدمت حتي الآن لثلاث آنسات تجاوزن الأربعين من العمر فلم أجد منهن مع الأسف إلا من تريد مؤخر صداق كبيرا مع تغيير الأثاث بأثاث جديد‏,‏ أو تطلب تأمين مستقبلها بكتابة شقتي التمليك باسمها حتي لاينازعها فيها أبنائي بعد وفاتي مع أن كلا منهم يعيش في شقة تمليك وليسوا في حاجة مادية لي ولا أنا في حاجة لهم وأنا معظم مواردي قد ذهبت في زواج الأبناء ومرض زوجتي رحمها الله وإنني لأ تساءل هل راح هذاالزمن الجميل الذي كنا نتعامل فيه بروح الدين‏,‏ وكان الزواج فيه مودة ورحمة وسكنا يسعد فيه كل طرف الآخر‏,‏ والمعاملة الحسنة قبل أن تكون تجارة ومادة؟ وهل اختفي من حياتنا ذلك النموذج من النساء الذي كان يهتم بالمشاعر والحياة الرومانسية الجميلة التي تضفي علي الحياة البهجة والسعادة قبل المادة التي أصبحت مسيطرة علي عقول وقلوب الناس‏.‏



إنني أرجو أن أقول لكل امرأة من هذا الصنف من النساء الذي يطلب الأمان المادي وحده‏,‏ أنه لايدوم في أغلب الأحيان‏,‏ ان الأمان الحقيقي هو في قدرة الرجل الذي سترتبط به علي الوفاء لها ومعاملتها معاملة حسنة يسودها الحب والرحمة والمودة‏,‏ وليس في أي شئ آخر‏,‏ وانهن إذا تمسكن بهذا المنطق المادي فلا يحق لهن أن يشكين بعد ذلك من العنوسة‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


الحكمة الروسية القديمة تقول‏:‏ من يريد الحصول علي أشبال الأسد عليه أن يكون قادرا علي دخول العرين‏!‏



أي أن يتكبد المخاطرة من أجل تحقيق هدفه‏..‏ وكذلك الزواج فإنه لاتكفي الرغبة الصادقة فيه ولا النيات الطيبة لكي يتحقق‏..‏ وإنما لابد أيضا من تكبد تبعاته والاستعداد لمواجهتها‏..‏ وإذا كنت لا أتفق مع من طلبت منك تسجيل شقتك باسمها كشرط للزواج وأري في ذلك ابتزازا لايليق بالفضليات‏,‏ فإني لا أري شططا في أن تطلب الأخري تجديد الأثاث استعدادا للزواج أو أن تطلب ثالثة مؤخر صداق كبير نسبيا إذا كان في حدود الأعراف السائدة الآن‏..‏



فلقد اخترت أن تبحث لنفسك عن زوجة بين الآنسات اللاتي لم يسبق لهن الزواج‏..‏ وهؤلاء حتي ولو كن علي مشارف الأربعين أو تجاوزنها يرين أنفسهن أغلي مهورا ممن سبق لهن الزواج والطلاق أو من ترملن عن أزواجهن‏..‏ لأنهن في النهاية أبكار حتي ولو تأخر عنهن قطار الزواج‏.‏ ولست أدري لماذا استبعدت في بحثك عن شريكة للحياة تؤنس وحدتك بعد رحيل زوجتك‏,‏ الأرامل والمطلقات‏,‏ وهن أكثر تقبلا لظروفك وأكثر واقعية من الآنسات‏..‏ وأقل قلقا بشأن المستقبل بحكم تجاربهن السابقة‏.‏



والحق أنني أؤيدك في استنكارك لمغالاة بعض الآنسات في اهتمامهن الزائد بالأمان المادي في شروط الزواج علي حساب بقية الاعتبارات الأخري وأهمها الأمان الأخلاقي الذي تأمن به المرأة علي نفسها مع من تشاركه الحياة وتضمن معه حسن العشرة والمودة‏,‏ لكني أقول لك إن الحياة لا تخلو أبدا ممن يضعن هذه الاعتبارات الأخلاقية والدينية في مقدمة شروطهن للزواج حتي ولو بدا لنا غير ذلك بسبب سيادة الاعتبارات المادية لدي البعض‏..‏



فواصل البحث ياسيدي ولسوف تلتقي بمن تطلب مثلك العشرة الطيبة وحسن المعاملة والأمان النفسي والخلقي قبل أي شئ آخر‏,‏ وعلي أن تكون مستعدا في نفس الوقت لتكبد بعض الأعباء المادية المحتملة كضريبة لامفر منها للحصول علي أشبال الأسد‏!

حسام هداية
08-25-2011, 07:50 PM
الشاة الشاردة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




هذه هي رسالتي الثالثة إليك خلال شهر واحد‏..‏ وأرجو أن تلقي اهتمامك لأنني في أشد الحاجة إلي عونك لي‏,‏ فأنا رجل متوسط العمر متزوج ولي من زوجتي الحالية ولد عمره‏10‏ سنوات وبنت عمرها‏8‏ سنوات‏,‏ وقد سبق لي الزواج والانفصال عن زوجتي الأولي ولي منها ولد عمره‏13‏ عاما وبنت عمرها‏12‏ عاما يعيشان مع مطلقتي بشقة الزوجية‏,‏ وأنفق عليهما وأراهما مرة كل‏15‏ يوما‏.‏



والمشكلة هي أن والدتهما سيئة السلوك‏,‏ ولهذا فقد قررت ضمهما إلي حضانتي غير أن زوجتي الحالية ترفض ذلك بالرغم من أنها كانت متزوجة قبلي ولها من زوجها السابق ثلاثة أبناء هم بنت في الثانية والعشرين من عمرها وولد عمره‏17‏ عاما وبنت عمرها‏16‏ سنة وهم يعيشون معنا‏..‏ ونحن جميعا نقيم في شقة تملكها زوجتي وأدفع لها فيها ايجارا شهريا قدره‏500‏ جنيه‏..‏ وزوجتي تبرر رفضها لضم ابني وابنتي من زوجتي السابقة بأن الشقة ضيقة وبأن مسئوليتها كبيرة إذ ترعي خمسة أبناء ولا تحتمل أية أعباء اضافية‏,‏ بعد عناء شديد معها قبلت بفكرة ضم ابنتي إلينا‏..‏ لكنها أصرت علي رفض ابني بدعوي أنه سييء السلوك وأنه منذ عدة سنوات قد أساء التصرف مع أخيه وأخته الصغيرين‏..‏ وهذا قد حدث بالفعل‏,‏ لكني استطعت تقويم ابني هذا والحمد لله وأصبح يصلي بانتظام هو وأخته غير أن زوجتي لاتنسي له هذا السلوك أبدا وتذكرني دائما به‏..‏ مع أنه في النهاية طفل ويحتاج إلي من يغرس فيه القيم الأخلاقية حيث لم يجد ذلك لدي والدته‏,‏ لقد اقترحت علي زوجتي احضار ابنتي لتقيم معنا‏,‏ وارسال ابني إلي عمه لكي يقيم معه لأن لديه ولدا في مثل سنه‏,‏ وأخي هذا يعيش مع والدته المسنة في محافظة مجاورة‏,‏ وأنا أرفض هذه الفكرة بشدة لأني أكره أن أفرق بين أخ وأخته حيث لن يغفرا لي ذلك أبدا‏,‏ كما اني لا أتقبل فكرة أن أرسل ابني إلي أخي ليربيه نيابة عني وأنا حي أرزق ولذلك فانني أتوسل إليك أن تمد لي يد العون وتنصح زوجتي بأن تقبل ضم ابني وابنتي إلينا لأنها من قرائك‏,‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


رعاية خمسة أبناء مسئولية ثقيلة بالفعل وتبرر لمن يتكبدها ألا يتحمس لأية أعباء جديدة توضع فوق كاهله الذي ينوء بما يحمله‏..‏ غير أنني بالرغم من ذلك لا أري مفرا من أن أناشد زوجتك أن تترفق بهذا الابن الحائر وتسقط تحفظاتها عليه‏..‏ وتقبل انضمامه إلي أسرتها لكي تنقذه من الضياع‏..‏ ولكيلا تفرق بينه وبين أخته التي قبلت ـ فضلا منها وكرما ـ أن تنضم لأسرتها‏.‏



نعم أنه عبء جديد يضاف لأعبائها الثقال‏..‏ لكنه في نفس الوقت فضل تضيفه زوجتك إلي عطائها لك ولأبنائها‏,‏ وتسهم به في حماية هذا الابن من الانحراف وتنقذه من مكابدة الحرمان من أخته‏..‏ ومن تجرع الاحساس المرير بالنبذ والرفض من جانب أقرب الناس إليه‏.‏



لقد ذكرت الكاتبة الانجليزية الشهيرة اجاثا كريستي في مذكراتها‏,‏ أن أمها قد ثقلت عليها مؤونة أبنائها بعد وفاة زوجها فقبلت طلب أخت لها متزوجة من أمريكي ثري ولم تنجب وتقيم في مدينة بعيدة‏,‏ أن ترسل إليها احدي بناتها لتنشأ في كنفها‏,‏ وأرسلت إليها بالفعل ابنتها الكبري لكي تتخفف من بعض أعبائها المادية‏,‏ وبالرغم من أن هذه الابنة قد نعمت بمستوي من رغد العيش لم يتح لإخوتها والتحقت بأفضل المدارس وارتدت أجمل الثياب وحظيت بعطف أبوين أفرغا فيها حنينهما إلي الأبوة والأمومة‏,‏ فإنها لم تغفر لأمها قط أنها قد أبعدتها عنها وحرمتها من النشأة بين أخوتها وفسرت ذلك بعقل الطفلة حينذاك بأن أمها كانت أقل حبا لها من اخوتها‏,‏ ولم تخل نفسها من المرارة تجاه أمها لهذا السبب حتي بعد أن كبرت وتزوجت وأنجبت وحتي نهاية العمر‏!‏



لهذا فاني أؤيدك بشدة في رفضك لابعاد ابنك عنك وحرمانه من أخته وارساله إلي عمه لكي ينشأ في كنفه وأنت علي قيد الحياة‏,‏ وأثق في أنه لن يفسر ذلك إلا بأنك أقل حبا له من أخته التي ضممتها لأسرتك‏,‏ ولن تخلو نفسه من المرارة تجاهك وتجاه الحياة مهما لقي من رعاية في بيت عمه‏..‏ ولربما أدي ذلك إلي تعرضه للانحراف ليس فقط لبعده عن رقابتك‏..‏ وإنما أيضا لترسب المرارة في نفسه تجاه من باعدوه وحرموه من أخته ومن أبيه‏.‏



أنني أناشد قلب الأم في زوجتك أن يتسع أيضا لهذا الابن الحائر كما يتسع الآن لأبنائها الخمسة وسوف يتسع لابنتك من زوجتك السابقة‏,‏ فهذا الابن في حاجة بالفعل إلي المزيد من اهتمام أبيه وعطف زوجته وحزمها في التربية‏,‏ وحتي لو كان سييء السلوك في بعض الفترات السابقة‏,‏ فإن هذا أدعي لأن تعينك زوجتك علي تقويمه ورعايته لكيلا يرجع إلي سلوكه السابق وينجرف لما هو أسوأ منه‏,‏ أو قديما قال السيد المسيح عليه السلام‏:‏ إذا كان لرجل مائة شاة وضلت احداها ألا يترك التسع والتسعين فوق الجبل لكي يبحث عن هذه الشاة الضالة؟ وهذه الشاة إذا وجدها ألا تبعث في نفسه فرحا أعظم مما تبعثه التسع والتسعون الأخري؟



أنني أترك لفطنة زوجتك أن تتفهم مغزي هذه الكلمات الحكيمة‏..‏ وأن تعمل بما يمليه عليها قلبها كأم‏..‏ وضميرها الأخلاقي كزوجة صادقة الرغبة في اعانة زوجها علي أمره إن شاء الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:51 PM
البيت المهجور


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة النداء الحكيم للقارئة الفاضلة التي تنصح الزوجات بأن يعاملن حمواتهن كأمهات لهن ويتذكرن أنه لولا هؤلاء الحموات اللاتي أنجبن أزواجهن لما نعمن بالحياة الزوجية‏,‏ ولربما كن قد عشن وحيدات طيلة العمر‏..,‏ وأنا أتفق معها في أن هناك من الحموات من هن أمهات فضليات بالفعل لزوجات أبنائهن‏..‏ ومنهن من ينصفن زوجات أبنائهن منهم إذا ظلموهن‏,‏ لكن هناك بالضرورة من هن غير ذلك‏,‏ وأنا زوجة منذ خمسة عشر عاما لزوج عطوف وحنون‏,‏ وقد عشنا معا حياة سعيدة هادئة يظللها الحب والتفاهم ولا يتخللها سوي بعض الخلافات العادية التي قد تنشأ بين أي زوجين‏,‏ ثم سرعان ما كنا نتصافي ويتغلب حبنا علي كل شيء‏..,‏ وهكذا مضت حياتنا جميلة وسعيدة ولا يكدر صفوها شيء إلي أن جاءت حماتي للاقامة في شقة مستقلة بنفس المنزل الذي نقيم فيه‏..‏ فكان ذلك حدا فاصلا بين السعادة والشقاء في حياتنا‏,‏إذ لم نهنأ أنا وزوجي منذ ذلك الحين بلحظة سعادة أو راحة بال واحدة فهي سليطة اللسان وحقود وكارهة لنفسها ولابنها أي لزوجي‏,‏ وتري كل الناس مخطئين وتملأهم العيوب ما عداها هي وحدها من بين كل البشر‏,‏ كما أنها تدعي المرض بصفة يومية لكي أقوم بخدمتها‏,‏ وأنا الزوجة والأم ا


لمثقلة بأعباء البيت ومن أبنائي من هو صغير ويحتاج للرعاية‏,‏ ومريض ويتطلب الخدمة‏,‏ ولابد لي أن أترك كل شيء وأكون رهن اشارتها‏..‏ ولابد لي أن أجلس إليها والجلوس إليها في حد ذاته مشقة لأنها لا تكف عن افتعال المشاكل أو الولولة علي ما فاتها أو علي سوء حظها‏..‏ أو علي حياتها التي شهدت ظلم كل من حولها وسوء معاملتهم لها‏,‏ كما لا تكف عن انتقاص كل من يرد ذكره علي لسانها‏..‏ وتعداد معايبه وسوءاته طوال الوقت‏.‏



ولقد حاولت معها الكثير فمرة أخفض لها جناح الذل من الرحمة كما قالت كاتبة رسالة النداء الحكيم‏.‏ ومرة أحاول أن أكون ابنتها وصديقتها ولافائدة‏.‏


أما الغريب حقا فهو علاقتها بابنها أي زوجي‏,‏ فهما ليسا علي وفاق في أي شيء‏.‏



وطباعهما متنافرة وتفكيرهما كذلك‏,‏ وهي ليست حنونا معه ولا هو كذلك نظرا لطباعها الصعبة وتباعدهما معظم رحلة الحياة‏.‏


وهي غنية وتعطيه من مالها لكنها تمن عليه دائما أمام أولاده وأمامي وأمام معارفنا إن أمكن‏,‏ ولا تتقي الله فيه ولا تكف عن افتعال المشاكل معه وتجريح كرامته وإهانته أمام أي إنسان حتي أولاده‏,‏ وهو الرجل الذي شارف الأربعين من العمر‏,‏ أما زوجي فإنه يرعي حدود ربه فيها بقدر ما يستطيع لكي يضع له الله ذلك في ميزان حسناته إن شاء الله‏,‏ وأما أنا فقد أهملت أولادي ووهنت صحتي من أثر محاولاتي للتوفيق بينهما‏.‏ واضطراري للتعامل معها والاحتكاك بها أكثر الوقت‏.‏



وأنا أقول لزوجي دائما إنها أمه وعليه ألا يغضبها مهما حدث منها وأذهب إليها وأتودد لها‏,‏ وأحاول تحريك مشاعرها وقلبها علي ابنها واضطر لأن أسمع أسوأ الكلام وأتحمل جفاء طباعها أملا في رضاء ربي فقط لا غير‏..‏ وكل ذلك بلا طائل فلقد أصبحت حياتنا جحيما لأنها كالبركان لا يسلم من أذاه كل من يقترب منه‏.‏


ولقد أصبح زوجي الحنون مكتئبا وحزينا علي الدوام‏,‏ ولا يدري كيف يرضيها أو يتجنب اهانتها له‏.‏ وقد اختار أن ينتقل في عمله إلي موقع بعيد عنا يبقي فيه معظم الشهر ويرجع إلينا أياما قليلة تجنبا للمشاكل مع والدته ولم نعد نري زوجي الحبيب كما كان أنا وأولادي فهل هذا عدل‏.‏



إنني مضطرة للتعامل معها طلبا لرضاء الله سبحانه وتعالي قبل كل شيء ولأن كل من حولها قد انفضوا عنها بسبب لسانها ومعاملتها السيئة للناس‏,..‏ وأتجرع وحدي حديثها بالسوء عن الناس جميعا بلا استثناء‏,‏ ولست أجاريها في حديثها بالسوء عنهم لكني أخشي بالرغم من ذلك أن أكون مذنبة بسماعي منها هذا الكلام السييء‏,‏ ولا أريد أن أغضب الله سبحانه وتعالي‏,‏ ولا أريد في نفس الوقت أن أخسر حياتي وما كان فيها من راحة بال وهدوء نفس وطمأنينة‏,‏ فهل هذا كثير؟‏..‏ أنني أريد منك أن تقول لزوجي الحبيب كلمة تهديء فيها من نفسه وتعينه علي حاله وتنصحه حتي يهدأ باله‏,‏ ونستطيع أن نلملم شتات أسرتنا من جديد‏.‏ كما أريد أن أستوضح منك هل أقترف الذنوب بسماعي لما تقوله حماتي طوال الوقت عن الناس وعدم اعتراضي عليه‏..‏ ذلك أنني أسمع صامتة وأخشي مراجعتها فيما تقول لكيلا تنقلب علي وتعاديني بشدة فهل أرتكب إثما بذلك؟ علما بأن كل الأهل والأصدقاء قد توقفوا عن زيارتنا بسبب سوء معاملة هذه السيدة لهم حتي أصبح بيتنا مهجورا تماما‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


كان الامام الشافعي يقول لأصحابه‏:‏ نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا أي الفحش كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل‏,‏ وأن السفيه لينظر إلي أخبث شيء في إنائه ويحرص علي أن يفرغه في أوعيتكم‏!‏



والأصل هو أن ينزه الإنسان سمعه عن مثل ذلك وأن ينكره علي قائله ويتجنب صحبة من عرف عنهم أنهم لا يذكرون أحد إلا بسوء لكيلا يصيبه رذاذ من إثم فحشه واغتيابه للآخرين‏,‏ غير أن تعقيدات الحياة وما تقتضيه أحيانا من اعتبارات المواءمة الاجتماعية تفرض علينا ألا نشتبك علي الدوام مع كل من يذكرون الغير بسوء ولقد تضطرنا الظروف أحيانا إلي الاكتفاء بالإنكار بالقلب والتزام الصمت المتحفظ حتي يستشعر القائل حرجنا مما يقول ويكف عنه‏..‏ ولقد نغادره إذا واصل حديث السوء لنحرمه من أن يصب أخبث ما في انائه في أوعيتنا وفي مثل ظروفك هذه فإنك لا تملكين حيال والدة زوجك إلا التزام الصمت وعدم مشاركتها في الاساءة للغير‏..‏ ومحاولة تغيير مجري الحديث كلما أوغلت في اجتراح الكرامات‏..‏ لأن اعتبارات المواءمة العائلية تفرض عليك ألا تجابهيها بالانكار العلني وألا تقاطعيها مراعاة لشيخوختها‏..‏ ووحدتها‏..‏ ونفور الجميع منها‏.‏ ولا إثم عليك إن شاء الله في ذلك لأنك ترعينها وتصبرين علي ما يصدر عنها ولا تجارينها فيما تقول‏,‏ ولا تشجعينها علي مواصلته وهذا ما أنصح به زوجك‏..‏ وهو أن يراعي شيخوختها ويتحمل أذاها ويعتصم بالصبر ازاءها معتبرا صبره عليها قربي إلي ال


له سبحانه وتعالي واحسانا إلي والدته يرجو به وجه ربه قبل أي شيء آخر‏,‏ ولابد أن يؤدي ذلك إذا التزم به إلي تجنب الكثير من أسباب الاصطدام بها‏..‏ وإلي تضييق مساحات الخلاف معها بقدر الامكان‏.‏



وفي النهاية فإننا لا نملك استبدال آبائنا أو أمهاتنا بمن هم أكثر توافقا معنا أو مع طباعنا ورؤانا للحياة‏,‏ كما لا نملك كذلك القدرة علي تغيير سلوكهم أو طباعهم أو شخصياتهم‏..‏ وإنما علينا أن نقبلهم كما هم عليه وأن نتواءم معهم بقدر الامكان ونتجنب كل ما يؤدي إلي الشقاق معهم أو اغضابهم أو يثير نقمتهم علينا حتي ولو آذونا بالقول أو الفعل‏..‏ وفي أبنائكم الذين يرونكم تشربون علي القذي لكيلا تقصروا في حقوق آبائكم وأمهاتكم‏..‏ خير الجزاء بإذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:52 PM
الرأي النهائي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا مواطن عربي وأكتب لك من بلدي لاستشيرك‏,‏ ذلك أن لي ابنا في سن العشرين وفي بداية دراسته أدخلته مدرسة أجنبية أملا له في تعليم أفضل ومستقبل أحسن‏,‏ ولأن هذه المدرسة تتبع النظام الأجنبي فهي تسمح بالاختلاط بين الطلبة والطالبات‏.‏ وفي سن الخامسة عشرة لاحظت علي ابني تعلقه بإحدي زميلاته التي لانعرف أصلها وما إذا كانت عربية أم فارسية‏,‏ كما أنها شديدة التحرر وعاداتها تختلف عن عاداتنا كعائلة ذات أصل عريق‏,‏ فنصحناه بعدم الاستمرار في توطيد علاقته بها فكانت ردة فعله دائما هي إقناعنا بأن علاقته بها مجرد علاقة زمالة‏,‏ وفي نفس الوقت نسمع أنه يقول لزملائه إنه يحبها ويريد الارتباط بها‏,‏ وعندما أطرح معه هذا الموضوع لا يستمع إلي ويبقي شارد الذهن غير عابئ بما أوجهه له من نصائح‏,‏ وقد بدأ أيضا عادة التدخين وأصبح يدخن‏3‏ علب سجائر في اليوم وعندما أشير إلي علاقته بها يكون عصبيا ويرتجف من العصبية‏,‏ كما أنه يقاطع كل أصدقائه الذين تحدثوا معه عن هذا الموضوع‏,‏ أو لأنهم نصحوه بالابتعاد عنها‏.‏



وأنا ووالدته حائران معه‏,‏ وخائفان من كثرة الضغط عليه للابتعاد عنها‏,‏ فلقد بدأ بالتدخين وقد يلجأ إلي ماهو أسوأ كالشرب‏,‏ أو المخدرات‏,‏ والعياذ بالله‏..‏ وابني يدرس الآن في إحدي الجامعات الأوروبية‏,‏ أما هذه الفتاة فتدرس في إحدي دول الخليج ولكن مازال الاتصال بينهما مستمرا‏,‏ فهو يتصل بها في كل الأوقات ويستشيرها في كل أموره‏.‏ وأنا ووالدته نلوم أنفسنا كثيرا لسبب اختيارنا له هذا المسار من التعليم‏,‏ ولقد وضعنا علي هذا الابن الكثير من الآمال فلقد كان حلمي أن يشب هذا الابن ليكون رجلا بارا بأسرته حريصا علي أمورها مراعيا لحقوق أخوته وأخواته‏,‏ وفي بعض اللحظات أحس إنه مسحور من جانب هذه الفتاة‏,‏ فلقد كره حتي الجلوس مع والدته وأخوته‏,‏ ويفضل أن يظل بالخارج طول اليوم رغبة في الابتعاد عن المنزل كما يحب العزلة في حجرته‏.‏



ولقد كتبت لك هذه الرسالة وكلي رجاء في أن تنظر إليها كمشكلة إنسانية يمر بها الكثيرون من شبابنا اليوم‏,‏ وسؤالي هو هل نحن ملومان لما وصل إليه حال ابننا‏,‏ حيث أنه قد جاء إلي دنيانا بعد أربع بنات ؟وهل الاهتمام الزائد بكل صغيرة وكبيرة في حياته‏,‏ والتدليل الزائد كان سببا في تصرفاته وسلوكه‏,‏ إنه كلما ضغطنا عليه يقول لنا إنه لن يتزوج طوال حياته‏,‏ وسوف يهاجر إلي بلد آخر‏..‏ فماذا نفعل معه؟‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


حاول أنت وزوجتك أن تشعرا ابنكما أن فكرة ارتباطه بهذه الفتاة قابلة للمناقشة‏,‏ غير أنها تتطلب وقتا كافيا لدراستها والتحري عن أسرة فتاته وبحث ظروفها‏,‏ وكل ذلك قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تتوصلا إلي رأيكما النهائي في الموضوع‏..‏ كما أن هناك أهدافا أخري أولي بالرعاية الآن وهي دراسته وضرورة توفيقه فيها وحصوله علي شهادته قبل اتخاذ أية خطوة علي طريق الارتباط‏,‏ وله الخيار بعد ذلك أن يتمسك باختياره لهذه الفتاة‏..‏ أو يعدل عنه وفقا لظروفه وتطور قصته معها حينذاك‏,‏ ذلك أن تغير موقفكما من الرفض القاطع لارتباطه بهذه الفتاة‏,‏ إلي التفكير في الأمر كقضية قابلة للمناقشة سوف يمد الجسور من جديد بينكما وبينه ويبعث الحرارة في تواصله معكما‏..‏ كما أنه سوف يخفف بعض الشئ من فورانه العاطفي تجاه فتاته‏..‏ لأن رفض الأبوين القاطع لاختيار الابن يؤجج عواطفه تجاه من اختارها‏..‏ ويضفي علي قصته معها ظلالا رومانسية شبيهة بالمآسي الغرامية في القصص القديمة حيث يحب الفتي الفتاة ويتحدان معا في مواجهة أقدار أقوي منهما تحاول التفريق عبثا بينهما‏!‏



أما بحث الأمر معه كشأن قابل ذات يوم للتنفيذ فإنه يجرد قصته معها من هذه الهالة الرومانسية‏..‏ ويتيح للفتي أن يري فتاته بشرا كالبشر لها ميزاتها ولها ايضا عيوبها‏..‏ ولقد يكشف له الاحتكاك بها بعد نزع الهالة الرومانسية عنها بعض مالايستريح إليه فيها أو في ظروفها أو في علاقته بها‏..‏ والمهم هو أن نتيح له فرصة هذا التفكير الموضوعي في الأمر‏,‏ وهو ما لم يتح له من قبل خلال انشغاله بالدفاع عن حبه في مواجهة رفض أبويه لاختياره‏.‏



كما أن دراسته في مجتمع آخر سوف تكسبه خبرة وتجربة وعمقا مما سيكون له بالضرورة أثره في نضج شخصيته واتزان تفكيره باذن الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:52 PM
أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة


أصدقاء علي الورق


إلي السيدة صاحبة رسالة‏(‏ المقامة الزوجية‏)..‏ أول ما تبادر إلي ذهني بمجرد أن قرأت رسالتك‏,‏ ما قرأته يوماعن أن سيدنا داود عليه السلام قال لربه وهو يناجيه‏(‏ يارب كيف أشكرك وشكرك نعمة تستحق الشكر؟‏!)‏ فقال له سبحانه وتعالي‏(‏ الآن شكرتني يا داود‏).‏ ثم قرأت رد صاحب‏,‏ بريد الجمعة‏,‏ عليك فكان أول ما تبادر إلي ذهني هو أن أدعو الله لك أن تستطيعي ركوب زورق الحمد لله وتعداد نعمه سبحانه عليك‏..‏ فاحمدي الله أن لك زوجا‏,‏ بينما تتمني الكثيرات غيرك الزوج ولو كان غيورا‏,‏ ولك جارا وغيرك كثيرات تهدمت بيوتهن ويتمنين أن تظللهن بيوت‏,‏ ولو كان جارهن حسودا‏..‏ وإن كان الله رزقك الولد الهزيل‏,‏ فهو لم يرزقك الولد المتخلف أو المعاق أو العاق أو المجرم‏,‏ وقد رزقك الله الولد الآخر الذي يطعم من دمك‏,‏ والآلاف من السيدات حرمن حتي من الأمل في الولد أوالبنت‏,‏ بعد أن طفن بالمستشفيات والعيادات بحثا عن علاج‏..‏ وقد سلحك الله بمؤهل عال حرمت الكثيرات ليس من مثله‏,‏ بل حتي من مجرد‏(‏ فك الخط‏)..‏ وإن كنت تعملين خادمة في بيت زوجك‏,‏ فغيرك كثيرات يعملن خادمات في بيوت الآخرين‏!!‏ رفع الله عنك ما أنت فيه‏,‏ وتذكري يا أختي دائما قول الله سبحانه وتعالي‏(‏ لئن شكرتم لأزيدنكم‏)‏ وقوله عز من قائل‏(‏ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏)‏ فانظري أختاه إلي من هو دونك في أمور الدنيا‏,‏ ومن هو أعلي منك في أمور الآخرة‏.‏


من رسالة للقارئة ـ فرات عبدالمعز عبدالستار

حسام هداية
08-25-2011, 07:54 PM
بدلة الســـهرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




كنت أود أن أكتب إليك قبل ذلك‏,‏ لكن شاءت الظروف أن تأتي رسالتي إليك في هذا الوقت بالذات‏..‏ فأنا شاب نشأت في أسرة مكونة من أبي الموظف الصغير بمصلحة الميكانيكا والكهرباء‏,‏ وأمي ربة البيت الطيبة‏,‏ وخمسة أخوة وأخوات أنا أصغرهم‏..‏ ونقيم كلنا في شقة من أربع غرف بالدور الأرضي بإحدي عمارات حي العباسية القديمة‏,‏ ولقد تمتعت في طفولتي المبكرة بعطف أبي وأمي وأخوتي خاصة أكبرهم‏,‏ ثم رحل أبي عن الحياة‏,‏ وأنا في السابعة من عمري وأكبر أخوتي في بداية عامه الثاني بكلية الهندسة‏,‏ حيث كان أمله وأمل أبي أن يصبح مهندسا‏,‏ فواجهت الأسرة مشكلة نفقات الحياة والدراسة لكل الأبناء‏.‏ فقد كان معاش أبي ضئيلا ولا يكاد يكفي لإطعامنا فضلا عن نفقات التعليم‏,‏ وذات يوم وجدت أمي تبكي بحرارة وأخوتي يطيبون خاطرها‏..‏ وعرفت من أختي والتي تكبرني مباشرة أنها حزينة من أجل ابنها الأكبر لأنه اضطر لكي يساعد أخوته وأمه إلي أن يتوقف عن الدراسة ليعمل موظفا صغيرا بالمصلحة التي كان يعمل بها أبي‏,‏ وبالفعل عمل أخي موظفا صغيرا بمساعدة زملاء أبي بالمصلحة‏,‏ ولم يشك من أقداره ولم يتوجع‏..‏ وإنما تقبل الأمر الواقع باستسلام ورضا وأصبح همه الأول هو إعالة اخوته وأمه‏,‏ والحق أن أخي هذا كان منذ صغره إنسانا جادا يتحمل المسئولية‏,‏ وكان أبي يقول عنه إنه ولد رجلا كبيرا وليس طفلا منذ البداية‏..‏ ومضت بنا الحياة وأصبح مرتب أخي ومعاش أبي الضئيل هما موردنا الوحيد‏,‏ وأصبحنا نحن الاخوة نتوجه بمطالبنا إلي أخي هذا الذي أصبح أبا لنا ونحصل منه علي مصروفنا الشخصي‏,‏ وكان دائما واسع الصدر ويتحمل حتي دلعنا ومغالاتنا في مطالبنا‏,‏ ويحرم نفسه لكي يلبي طلباتنا‏,‏ فكان يحرص علي أن نرتدي الملابس التي تحفظ علينا مظهرنا في حدود الممكن‏,‏ ويقضي هو الأعوام بقميصين وبنطلونين يبدلهما في الصيف ويضيف إليهما بلوفرا قديما في الشتاء‏,‏ ولا يشتري لنفسه قميصا جديدا إلا بعد إلحاح شديد منا ومن أمنا عليه‏,‏ وحين ثقلت عليه مطالبنا ونفقتنا بحث عن عمل إضافي وتنقل بين عدة أعمال حتي استقر به المقام في مكتب هندسي عمل فيه ساعيا بعد الظهر‏,‏ وقبل ذلك بلا غضاضة‏,‏ ثم حدث ذات يوم أن بحث صاحب المكتب عن أحد مساعديه ليتولي تحبير رسم هندسي أعده فلم يجده‏,‏ وغضب صاحب المكتب‏,‏ فعرض عليه أخي أن يقوم هو بهذا العمل لإنقاذ الموقف‏,‏ وسأله صاحب المكتب في عصبية‏:‏ وما شأنك أنت بالرسوم الهندسية؟ فأجابه أخي في استحياء‏,‏


أنه كان طالبا بكلية الهندسة واضطرته ظروفه العائلية منذ سنوات للتوقف عن الدراسة‏,‏ فاعتذر له صاحب المكتب عن حدته معه وكلفه بالرسم المطلوب ونفذه علي وجه مقبول‏.‏ فرقاه من ساع إلي رسام هندسي واستعان بغيره للقيام بعمل الساعي وعامل البوفيه‏,‏ واستقر الحال بأخي في هذا المكتب عدة سنوات كان دخله منه خير معين له علي مواجهة نفقاتنا‏,‏ وتحسن مظهره بعض الشيء فاشتري لنفسه فميصين وبنطلونا بعد إلحاح شديد منا‏.‏


وخلال هذه السنوات تقدم أخوتي في مراحل التعليم وبلغت أختي الكبري المرحلة الجامعية‏..‏ وبلغ الأخ الذي يليها الثانوية العامة ووصلت أختي الوسطي إلي نهاية المرحلة الاعدادية‏,‏ ووضعت أنا قدمي علي بداية المرحلة الاعدادية‏,‏ وكانت أجمل أوقاتنا حين نجتمع حول شقيقنا العطوف يوم الجمعة ونتسامر معه ونتبادل الأحاديث والأمنيات الطيبة‏..‏ ونتحدث عن المستقبل حين نتغلب علي ظروفنا‏,‏ وكان أخي هذا مهموما علي الدوام بأمرنا ومشاكلنا‏,‏ فهو يذهب معي للمدرسة ليقابل أحد المدرسين ويحل معه مشكلة لي‏,‏ ويذهب مع أخي طالب الثانوية العامة ليقابل الناظر ويحل مشكلة غيابه عنها لأسباب قهرية‏,‏ وحتي المشاكل العاطفية كان يستمع إليها في صبر وفهم ويشير علينا بالرأي السديد‏,‏ ولا يثور علينا ولا يتهمنا بأننا نعبث وهو يكافح لإعالتنا‏,‏ بل يدافع عنا لدي أمي حين تغضب منا وتقرعنا وتذكرنا بتضحيات أخي من أجلنا وكيف أننا ينبغي أن نقابلها بالجد للانتهاء من دراستنا وتخفيف العبء عنه‏,‏ وكان يقول لها دائما كلما شكت من سلوك أحدنا‏:‏ أنهم شباب يا أمي ولابد أن يعبثوا بعض الوقت أو يخطئوا ثم يعودون للصواب في النهاية‏.‏



والحق أنني لا أدري حتي الآن من أين جاء أخي الكبير بكل هذه الحكمة والصبر‏,‏ ربما لأنه تحمل المسئولية في سن مبكرة‏,‏ وربما لتدينه وخشيته لربه‏,‏ فلقد كان حريصا علي الفروض الدينية ولا يغضب من أحدنا إلا إذا استشعر تقصيره في أدائها‏..‏


وبرغم شبابه المتفجر فقد صرف أخي تفكيره عن الفتيات تماما طوال تلك السنوات‏,‏ ولم يفكر في الحب ولا في الزواج لأن لديه ـ كما كان يقول ـ مسئولية كبيرة لابد أن يؤديها قبل أن يفكر في ذلك‏,‏ إلي أن أحب بعد أن تجاوز الثلاثين فتاة تعمل معه في المكتب الهندسي وكتم هواه عنها لثقته من أن ظروفه لا ترشحه للارتباط بها‏,‏ وظل علي هذا الحال عامين أدرك خلالها زملاؤه في المكتب أنه متيم بها في صمت وشجعوه علي مفاتحتها‏,‏ وأكدوا له أنها تنتظر منه ذلك‏..‏ فتشجع أخيرا وفاتحها ورحبت به‏..‏ وأراد أن يخطبها لكن المشاكل المادية ومشكلة السكن حالت للأسف بينه وبين تحقيق أمنيته‏,‏ فلقد قبلت زميلته بكل ظروفه لكن أبويها رفضا أن تتزوج وتقيم معه في شقة الأسرة‏,‏ واشترطا عليه أن يستقل بمسكنه عن أخوته وأمه أولا قبل الزواج‏,‏ ووافقنا جميعا علي ذلك لكنه لم يستطع تدبير شقة مستقلة ولم يتحمس للاستقلال بحياته عنا ونحن مازلنا نحتاج إليه ونعتمد عليه‏,‏ ولم تستطع فتاته اقناع أبويها باستعدادها للعيش مع أسرته أو لم تتحمس جديا لذلك فتنازل من جديد عن حلمه بالسعادة ولم يكمل مشروع الخطبة وترك العمل في المكتب الهندسي لكيلا يعذب نفسه برؤية من أحبها بصدق ولم يستطع


الارتباط بها‏,‏ وبدأ يعطي دروسا خاصة في الرياضيات لطلبة المدارس الاعدادية في البيت ورأيته في هذه الفترة حزينا‏..‏ تطول فترات صمته وسرحانه‏,‏ ويقضي أوقات فراغه في القراءة أو الصلاة أو الجلوس صامتا إلي جانب أمي‏.‏


ثم جاء خاطب لأختنا الكبري وكانت قد تخرجت وبدأت العمل كمدرسة بعقد منذ شهور فرحب به أخي‏..‏ وتفاهم معه علي كل شيء ولم يرهقه ماديا‏..‏ وانشغل عن أحزانه بإعداد جهازها وتدبير التكاليف بشق الأنفس‏,‏ وأشرف علي كل شيء حتي تم زفافها وانتقلت إلي بيت زوجها بسلام‏.‏ ورحلت أمي عن الحياة وبكيناها جميعا ودعونا لها بالرحمة والمغفرة‏,‏ وأنهي أخي الأوسط تعليمه واحتاج إلي مبلغ من المال لكي يسافر إلي أسوان‏,‏ ويبدأ عمله بالشركة التي عين بها ويواجه نفقات حياته إلي أن يقبض أول مرتب له‏,‏ فدبر له أخي المبلغ المطلوب بالرغم من أنه كان مثقلا بأقساط ديون زواج أختنا‏,‏ واستقر الأخ الأوسط في أسوان وأقام في شقة تابعة للشركة فأرسل لأخي يطلب منه أن يرسل إليه أختنا الصغري لتلتحق بالمدرسة الثانوية هناك ويتحمل هو مسئوليتها فيخفف بذلك عنه بعض أعبائه‏,‏ لكن أخي أشفق علي أختنا من البعد عنا فرفض عرض أخينا شاكرا‏,‏ وعرضت أنا أن أنضم إليه بدلا منها لنفس الغرض فرفض أيضا‏,‏ وقال إنه لا يتحمل فراقنا خاصة بعد رحيل أمنا وزواج أختنا‏.‏ ومضت السنوات وتخرجت أختنا الصغري‏..‏ وعملت وجاءها خاطب من أقاربنا يعرف كل ظروفنا ويقبل بها‏,‏ فجهزها أخي للزواج وكبل نفسه


من جديد بالأقساط والديون وهو لم يكد يفرغ من ديون زواج الأخت الأولي‏,‏ وساعده شقيقي الأوسط الكيميائي بإحدي شركات أسوان بعض الشيء في نفقات الزواج‏,‏ وساعدت أختي الكبري أختها بجزء من مرتبها واشترت لها بعض احتياجاتها وزفت الأخت لزوجها‏..‏ وخلا البيت الكبير علي وعلي أخي‏,‏ وازددت اقترابا منه ولاحظت عليه أنه لا يكاد يخرج من البيت بعد عودته من المصلحة‏,‏ وسألته لماذا لايخرج ويتنزه ويلتقي بالأصدقاء‏,‏ فأجابني بأنه سيفعل كل ذلك إن شاء الله حين يتخفف من أقساط زواج الأخت الصغري‏..‏



وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير‏,‏ وترددت في اختيار كلية الهندسة إشفاقا علي أخي من نفقات دراستها‏,‏ خاصة أننا كنا قد فقدنا نصيب الأختين والأخ الكيميائي في المعاش‏.‏ لكن أخي ألح علي باختيار الهندسة‏,‏ وأكد لي أنه سيسعد كثيرا بأن أحقق الحلم الذي حالت الظروف القاسية دون أن يحققه هو لنفسه‏,‏ فالتحقت بالكلية ونجحت في السنة الاعدادية‏,‏ وفي اجازة الصيف سيطرت علي فكرة السفر إلي أمريكا للعمل خلال شهور الصيف كما فعل بعض أصدقائي الذين هاجروا قبل عام‏..‏ وعرضت الفكرة علي أخي وألححت عليه بأن يساعدني في ذلك عسي أن أستطيع جمع بعض المال للإنفاق علي دراستي‏,‏ وواصلت الإلحاح عليه حتي استسلم في النهاية‏,‏ ووافق علي مساعدتي بالرغم من رفض بقية أخوتي لذلك ولومهم لي لعدم استكمال دراستي‏,‏ وبعد عناء شديد حصلت علي التأشيرة واقترض أخي من جهة عمله مبلغا من المال ليساعدني في شراء تذكرة السفر‏,‏ وسافرت إلي أصدقائي وخضت التجربة وعانيت الكثير والكثير‏,‏ وعملت غاسل صحون في البداية لمدة‏12‏ ساعة كل يوم‏,‏ فما أن استقرت أوضاعي بعض الشيء حتي كان العام الدراسي الجديد قد أقبل وحان موعد العودة‏,‏ فعز علي أن أقطع التجربة في بدايتها‏,‏ واتصلت بأخي استأذنه في البقاء بأمريكا لمدة عام آخر وأطلب منه أن يقدم لي اعتذارا للكلية وأرجوه أن يوافق علي ذلك‏,‏ وبعد إلحاح شديد وافق لكنه حملني أمانة أن أستكمل دراستي أيا كانت الفترة التي أقضيها في أمريكا‏,‏ وإلا فإنه سوف يشعر بأنه قد أجرم في حقي حين وافق علي سفري‏,‏ ووعدته بذلك صادقا‏..,‏ وبكيت حين قال لي إنه يفتقدني ويفتقد صحبتي وضجيجي وحتي مشاكلي‏..‏ وأنه قد أصبح وحيدا تماما بعد سفري‏,‏ وسألته لماذا لاتتزوج يا أخي وقد جاوزت الأربعين‏,‏ وتحسنت الظروف وأصبحت الشقة خالصة لك‏..‏ فوعدني بأن يفكر في ذلك وانشغلت بحياتي الجديدة واستطعت بعد جهد جهيد الحصول علي الاقامة واستقررت في عمل أفضل‏..‏ وانتهي العام الثاني وحان موعد العودة لكني أشفقت علي نفسي من أن أفقد اقامتي بأمريكا إذا عدت‏,‏ فكتبت لأخي أشرح له ظروفي وأرجوه ألا يغضب مني وأطلب منه أن يبعث إلي أوراقي الدراسية مترجمة ومعتمدة من وزارة الخارجية لكي ألتحق بإحدي الكليات في أمريكا وجددت عهدي له بأن أستكمل دراستي مهما كانت الصعوبات‏,‏ وغضب مني أخوتي جميعا لذلك ما عدا أخي الأكبر الذي تسامح معي كالعادة وأرسل إلي أوراقي وجدد طلبه لي بإنهاء دراستي مهما حدث‏.‏ وواصل هو حياته كأعزب وحيد وأرسلت إليه بعض النقود كرد لديونه علي‏..‏ وطلبت منه أن يسدد بها الأقساط المتراكمة عليه ويوسع علي نفسه ببقيتها وسدد أخي ديونه‏,‏ وتنفس الصعداء‏..‏ وتحسنت أحواله‏,‏ واسترحت حين علمت أن أخوتي لا يتركونه وحيدا لفترات طويلة وأنهم يزورونه باستمرار ويدعونه لزيارتهم‏,‏ حبا له وعرفانا بفضله‏,‏ كما ارتبط أخي الكيميائي بزميلة له في أسوان وتزوجها هناك وأقام معها واجتمع أخوتي كلهم في ضيافته بأسوان‏,‏ وشهدوا زواجه وسعدوا به ما عداي للأسف‏,‏ لأني واجهت مشكلة التجنيد وخشيت إذا عدت لمصر ألا أستطيع السفر مرة أخري‏,‏ وتوالت السنون وأخي يعيش وحيدا ولا شاغل له سوي متابعة أحوالنا والاهتمام بأمرنا‏..‏ والجلوس في المقهي في المساء بعض الوقت‏,‏ والقراءة‏,‏ وأداء الفروض الدينية‏,‏ وقد وفيت بوعدي له وحصلت بعد عناء علي شهادة في الكمبيوتر وعملت بعمل جيد وأصبحت لي شقة جيدة وسيارة‏,‏ وجددت رجائي إليه أن يتزوج قبل أن يفوته القطار‏..‏ وأشركت أخوتي في الإلحاح عليه بذلك بعد أن شعرنا بأنه قد زهد الزواج بعد قصته الأولي التي حرم من استكمالها بسبب الظروف القاسية‏,‏ ولكم كانت سعادتي حين تلقيت منه ذات يوم رسالة يقول لي فيها إنه التقي بسيدة مطلقة في الخامسة والثلاثين من العمر ولها طفلة عمرها‏7‏ سنوات‏,‏ وشعر لأول مرة منذ سنوات طويلة بمشاعره تتحرك تجاهها وأنه يفكر في أن يتقدم إليها بعد أن استشعر ميلها إليه‏,‏ واتصلت به هاتفيا وزغردت في الهاتف تعبيرا عن فرحي وسعادتي بذلك وأقسمت عليه برحمة أبينا وأمنا ألا يدع هذه الفرصة تفلت منه‏,‏ وألا يحرم نفسه من السعادة التي يستحقها‏,‏ وأكدت له أنني سأرجع إلي مصر لحضور زفافه بعد غياب نحو عشر سنوات‏,‏ وسأرسل إليه مبلغا كبيرا لإعداد الشقة للزواج وتجديدها وشراء كل ما يلزمه‏,‏ وأرسلت إليه ـ رغم رفضه‏,‏ ومحاولته الاعتذار لي ـ مبلغا مناسبا وقدم له أخي الأوسط هدية مالية مناسبة قبلها منه بعد إلحاح‏.‏ وتم عقد القران في غيابي ووصف لي أخي الأوسط فرحته وفرحة أختينا بسعادة أخينا الأكبر وخجله خلال عقد القران حتي فاض قلبي له بالحب والوفاء وتمنيت لو كنت موجودا معه لأشاركه فرحته‏..‏



وسئل أخي عن موعد الزفاف فأجاب بأنه سيتم حين أستطيع أنا العودة لمصر والخروج منها دون مشاكل مع التجنيد‏,‏ وكانت قد بقيت ثلاثة أشهر لاغير علي السن التي أستطيع فيها تسوية موقفي التجنيدي والسفر لأمريكا دون مشاكل‏,‏ فتأجل الزفاف حتي ذلك الحين ورحت أنا أعد الأيام علي الموعد المنتظر وأستعد له‏..‏ واشتريت بدلة سهرة سوداء لأخي الأكبر‏..‏ ليرتديها يوم الزفاف وأبلغته بذلك واشتريت لنفسي بدلة مماثلة لي وثالثة لأخي الأوسط بناء علي طلبه‏..‏


وحجزت تذكرة السفر بعد‏10‏ أيام فإذا بأخي الأوسط يتصل بي هاتفيا ويقول لي بصوت غريب إن زفاف أخي قد تم تقديم موعده ويرجوني الحضور علي الفور لإدراكه ولو تركت كل شيئ‏.‏



ولم استرح لنبرة صوت أخي في هذه المكالمة‏,‏ وسألته عما إذا كان قد حدث شيء فأجاب بالنفي وألح علي بالحضور لكيلا يفوتني حضور الزفاف ومشاركة أخي مناسبته‏.‏


ووضعت السماعة واعددت حقيبتي وأبلغت العمل باضطراري للسفر وركبت الطائرة عائدا لمصر‏.‏



وفي المطار استقبلني أخي الأوسط واجما‏,‏ فتأكدت ظنوني وسألته عما حدث‏,‏ فإذا به يقول لي إن شقيقنا الأكبر قد فاجأه وهو يستعد لزفافه نزيف في المخ ونقل للمستشفي وهو الآن في غيبوبة منذ يومين‏,‏ وقد رأي من واجبه أن يدعوني للحضور لأراه حتي لا ألومه فيما بعد‏,‏ وانفجرت باكيا في سيارة الأجرة‏,‏ التي تحملنا من المطار وهرولنا إلي المستشفي وأطللت عليه وهو غائب عن الوعي في فراشه وإلي جواره زوجته التي لم يدخل بها بعد وشقيقتانا وزوجاهما‏..‏ وانفجرت مرة ثانية في البكاء وأنا أقبل وجه أخي ورأسه ويديه وقدميه وشقيقتاي تبكيان‏,‏ وتجذبانني إلي خارج الحجرة وأنا أقاومهما وأقول له اشتريت لك بدلة الفرح يا أخي وأريد أن أراك ترتديها‏.‏


وبعد جهد جهيد استسلمت لأخوتي وخرجت إلي قاعة الانتظار‏,‏ ورفضت العودة للبيت لأستريح من عناء السفر وأصررت علي قضاء الليل في القاعة‏,‏ وفي الفجر انتهي كل شيء‏,‏ ورحل أخي الحنون المضحي الصبور المعطاء عن الحياة بغير أن يسعد نفسه ويتزوج وينجب طفلا كما كان يتمني طوال عمره وقبل أن يحقق لنفسه حلم السعادة الذي تمناه طويلا بعد أن حرم من قبل من تحقيق حلمه في أن يصبح مهندسا‏,‏ وضحي به ليعول أخوته ويحميهم من الضياع‏,‏ مات ولما يبلغ بعد السابعة والأربعين من عمره‏,‏ وكأنما قد أنهكه الكفاح والحرمان‏,‏ وطوي صفحة عمره القصير



إنني أكتب إليك هذه الرسالة الآن من مسكننا القديم بالعباسية‏..‏ بعد عشرة أيام من رحيل أخي عن هذه الدنيا الظالمة‏,‏ وأكتب لك وأنا أراه في كل مكان من الشقة‏..‏ وأراه في جلسته علي الكنبة البلدية التي احتفظ بها من الأثاث القديم‏,‏ وكان يمضي وقت الأصيل جالسا فوقها خاصة في السنوات الصعبة يسبح ربه علي مسبحته ويفكر كيف يطعم هؤلاء الأيتام وكيف يكسوهم وكيف يدبر نفقات تعليمهم‏,‏ فإذا طلب منه أحدنا طلبا ابتسم في وجهه وأشار صامتا إلي عينه اليمني ثم إلي عينه اليسري إشارة إلي أن الطلب مجاب إن شاء الله‏..‏ ولعله يكون في ذلك الوقت خاوي الوفاض تماما‏,‏ لكنه سيقترض من زملائه إلي أن يقبض مرتبه‏.‏


إنني أشعر بحسرة شديدة‏..‏ وأشعر بالذنب تجاهه لأنني قد كلفته دائما فوق طاقته‏..‏ وأحزنته بهجرتي وقطعي لدراسة الهندسة برغم سعادته وتفاخره بحصولي علي الشهادة العالية من أمريكا‏,‏ وأتمني لو رجعت الأيام لكي أواصل دراسة الهندسة من أجله وأحقق له أمله في‏,‏ ولا أتركه لوحدته وعزوبيته حتي تلك السن المتأخرة‏..‏ وأنظر إلي بدلة السهرة السوداء المعلقة في غرفته وأبكي واستغفر الله العظيم وأنا اتساءل عن الحكمة في أن يعيش انسان طيب ومضح مثله في حرمان وعناء وكفاح معظم سنوات عمره حتي إذا ابتسمت له الأيام أخيرا ووعدته بالسعادة‏..‏ تنطوي صفحته علي هذا النحو فجأة‏,‏ إنني حزين من أجله ياسيدي وحزين من أجل نفسي لاني أتجرع برحيله اليتم مرتين‏,‏ ولا أدري ماذا أفعل لكي أؤدي له حقه علي وأرد له الجميل‏,‏ وأتخلص من إحساسي بالذنب تجاهه‏..‏ فهل لديك ماتشير به علي أو تنصحني به‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


هناك أشخاص يضيفون إلي الحياة الكثير ولا يأخذون منها للأسف إلا القليل‏..‏ ويضئ وجودهم حياة من حولهم‏,‏ ويخصم غيابهم الأبدي من جمال الحياة وخيريتها‏,‏ ولقد كان شقيقك الأكبر واحدا من هذا النوع من البشر الذين وصفهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في معرض حديثه عن الأبرار والصالحين بقوله‏:‏ هم القوم لا يشقي بهم جليسهم نعم لا يشقي بهم جليسهم‏,‏ إنما يسعد‏,‏ ويشعر بالثراء الروحي الذي تفيض به جوانحهم‏..‏ ويتمني المرء لو استطاع أن يحذو حذوهم وينهج نهجهم في الحياة‏..‏ لتزداد خيريتها وتنحسر مساحة الشر والقبح والأنانية فيها‏..‏ ذلك أن أهم ما يتسم به هؤلاء الأبرار هو السماحة والعفة والايثار وانكار الذات والعطاء واحترام مشاعر الغير ورعاية حرماتهم‏..‏ ألم تر كيف كان شقيقك المضحي الصبور يتقبل كل مطالبكم ولو ناء بها كاهله دون أن يفقد صبره معكم أو يشعر أحدكم بثقل عبئه أو يمتن عليه بما يقدمه له؟ أو لم تر كيف كانت تعني الاشارة الصامتة إلي عينيه حين يطلب أحدكم منه مطلبا من مطالب الحياة خلال السنوات الصعبة‏,‏ إنه علي الرحب والسعة سوف يلبي له مطلبه ولو أرهق نفسه بذلك أو اضطر للاستدانة للوفاء به‏,‏ وبغير أن يضيق صدره أو ينطق لسانه بما يزفر به غيره حين ينوء بمطالب الأبناء وتكاليف الحياة؟



لقد كان يرحمه الله أبا بالفطرة والعاطفة‏..‏ والمسئولية أكثر منه أخا أو شقيقا لكم‏,‏ وبعض الأشخاص لهم طبيعة أبوية تغلب عليهم وتتحكم فيهم‏,‏ فيتصرفون مع أشقائهم الضعفاء كما يفعل الأب الرحيم مع أبنائه‏,‏ ولقد يفسر ذلك قول أبيكم عنه إنه يبدو كما لو كان قد ولد رجلا منذ طفولته وليس طفلا‏..‏ فكأنما كان يعد نفسه منذ الصغر لتحمل المسئولية عن اخوته‏..‏ أو لكأنما كان يدرك بطريقة غامضة أنه مرشح لأن يقود سفينة الأسرة بعد أبيه إلي شاطئ الأمان‏..‏


ولقد تحمل أمانة المسئولية بشرف وقاد السفينة باقتدار‏,‏ وقدم بتضحياته وصبره وحكمته المثل والعزاء‏,‏ فحتي عبث الصغار كان يتسامح معه بفهم وحكمة وصبر ويتجاوز عنه‏,‏ ولايري في الظروف القاسية المحيطة بالأسرة مبررا كافيا لكيلا يكون الأطفال أطفالا لهم نزقهم وأخطاؤهم ولا لكيلا يكون المراهقون مراهقين لهم عثراتهم وحماقاتهم وكأنهم ليسوا بشرا كالبشر‏..‏ أو كأن الحرمان سبب كاف لتغيير الطبيعة البشرية وتطويعها لما يتوافق مع الظروف‏.‏



لقد كان شقيقك الأكبر قمة في الحكمة والتراحم‏,‏ وهو يتفهم طبيعة الصغار ويتجاوز عن هناتهم ويدعو أمه للتجاوز عنها‏..‏


تذكرت وأنا أقرأ عن ذلك في رسالتك ما كتبه الروائي الروسي العظيم دستويفسكي في روايته المساكين علي لسان مقار ديوفشكين حين لاحظ أن أطفال جاره المعدم الذي يقيم مع أبنائه الثلاثة وزوجته في إحدي غرف البيت‏,‏ لا يسمع لهم صوت ولا ضجيج كضجيج الأطفال‏,‏ وأنه كلما عبر بباب غرفتهم المفتوح رأي الأطفال جالسين في صمت حزين وكأنهم يفكرون في أمور مهمة فكتب في أوراقه‏:‏



ــ لأشد ما أكره أن يصمت الأطفال وأن يستغرقوا في التفكير فما الطفولة إلا لعب وانطلاق‏,‏ وأنه لمن المؤلم حقا أن يصاب الأطفال بالكآبة وأن يكفوا عن نزقهم‏..‏ وأخطائهم‏,‏ ويتعقلوا‏!‏


نعم‏..‏ من المؤلم حقا أن يصمت الأطفال وأن يكفوا عن الضجيج وأن يستغرقوا في التفكير ويتصرفوا كالكبار بدعوي تقدير الظروف القاسية المحيطة‏..‏ فأي فهم راق للطبيعة البشرية‏..‏ كان شقيقكم الأكبر هذا يتعامل معكم به وأي حكمة وأي صبر؟



إن أمثاله ممن يتحملون مسئوليات إخوتهم قد يضيقون بأي هفوة لأخوتهم بدعوي أن الظروف لا تسمح بترف الأخطاء والهنات‏,‏ ولقد يقسون عليهم من أجل ذلك ويجأرون بالشكوي من الصغار الذين لايقدرون التضحيات المقدمة لهم‏..‏ وكأنما يطالبونهم بأن يخالفوا فطرتهم التي فطرها عليهم الله سبحانه وتعالي مراعاة لظروفهم القاسية‏..‏


كما أن البعض قد يرون أن العطاء لمن يستحقونه لا عائد له في الدنيا‏,‏ والحق هو أن عائده مؤكد في الدنيا والآخرة‏,‏ وأنه ليس هناك عطاء يذهب سدي حتي ولو بدا لنا غير ذلك أو حتي لو تشكينا من الجحود والإنكار‏.‏



وأي عائد لعطاء شقيقك لكم أعظم من هذا الحب العميق والاحترام الكبير والوفاء الجميل الذي حملتموه دائما له‏,‏ بل وأي عائد أجل من حزنكم الصادق عليه وأساكم الشديد لرحيله عن الحياة قبل أن يسعد فيها بحياته مع من اختارها لصحبة السنين‏..‏


لقد كان الأديب البرازيلي باولو كويللو يقول‏:‏ كلما ازداد استعدادك للعطاء ازداد بالضرورة ما تحصل عليه‏.‏



ولقد غنم شقيقك بعطائه لكم راحة القلب والضمير ورضا أمه عنه‏,‏ ناهيك عن محبتكم له واعتزازكم به وعرفانكم له في حياته‏..‏ وحزنكم النبيل عليه بعد رحيله‏..‏ فأما جائزته الكبري فهي وفي السماء رزقكم وما توعدون إن شاء الله‏.‏


إنك تسألني كيف تؤدي إليه بعض حقه عليك وماذا تفعل لكي تتخلص من احساسك بالذنب تجاهه‏,‏ وإني لأنصحك بإكرام صاحبته التي لم يمهله العمر لكي يبني بها وبعدم منازعتها في أي حق من حقوقها‏..‏ بل وبالسخاء معها في ذلك إكراما لمن اختارها لرفقة الحياة ورعاية لظروفها المؤلمة‏,‏ وحبذا لو استطعت أن تجري علي روح شقيقك الراحل صدقة جارية في حدود قدرتك وإمكاناتك‏,‏ وحبذا أيضا لو اقتديت به في تدينه وتراحمه وإيثاره لغيره وسماحته وصبره‏,‏ وسرت علي نهجه في الحياة‏..‏ مع الدعاء الدائم له‏,‏ والاستغفار من أجله‏,‏ واتباع مثله العليا وقيمه الدينية والأخلاقية‏,‏ وفي ذلك بعض الوفاء‏..‏ يرحمه الله‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:55 PM
الاتصـــــال


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




بكيت كثيرا وأنا اقرأ رسالة نور الظلام فبكيت قسوة الأقارب‏,‏ وخصوصا قسوة والد كاتبة الرسالة غير أنني قد شعرت بالفخر والاعتزاز بكاتبة الرسالة وزوجها الكريمين وأعتبرهما بطلين حقيقيين من واقع الحياة لا من نسج الخيال‏.‏



وكم أتمني لو اتجه كتاب الروايات والأفلام والمسلسلات إلي مثل هذين النموذجين العظيمين لتقديمهما إلي المجتمع كقدوة في الحب والترابط والتماسك والتضحية والصمود والصبر علي ويلات الحياة وتحمل أثقالها ومراراتها‏.‏



‏...‏ وأنني شيخ أقترب من الثمانين وكنت مديرا سابقا بالتربية والتعليم ويشرفني أن تقبلني هذه السيدة وزوجها أبا بديلا‏...‏ داعيا الله أن يجعلني عند حسن ظنهما بي بحوله وقوته‏.‏ فأرجو إفادتي برقم تليفون هذه الأسرة الكريمة لكي أبادر بالاتصال بها إن شاء الله‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


شكرا لك ولسوف نتصل بك غدا ان شاء الله لإبلاغك برقم الهاتف وقد تلقينا لكاتبة الرسالة وزوجها رسائل عديدة واتصالات مختلفة يطلب اصحابها الاتصال بهما‏,‏ وأذنت لنا كاتبة الرسالة في اعطاء رقم هاتفها لمن يطلبه من الآباء والأمهات الذين يرغبون في التواصل الانساني معها ومع زوجها‏,‏ وأتوقع أن يكون قد اتصل بهما الكثيرون من القراء الأفاضل‏.‏

حسام هداية
08-25-2011, 07:58 PM
أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




أقول للسيدة الفاضلة كاتبة رسالة البيت المهجور‏:‏ أعانك الله ياسيدتي علي ما ابتلاك به‏.‏ وإني أظن انه من ضمن الأسباب التي تدفع السيدة والدة زوجك للإساءة الي الناس بالقول والفعل هو ما لديها من وقت فراغ كبير‏,‏ ولذلك فإني أقترح عليك شغل هذا الوقت بما ينفعها وبما يتناسب مع سنها وظروفها الصحية والاجتماعية والثقافية وهذه بعض المقترحات‏:‏



‏*‏ إهداؤها شرائط كاسيت دينية مثل سلسلة‏(‏ الأخلاق‏)‏ للأستاذ عمرو خالد‏.‏



‏*‏ تركيب طبق للتليفزيون لمشاهدة القنوات الفضائية‏,‏ وسوف تجد ما يناسبها من برامج دينية ومسلسلات هادفة ومنوعات‏.‏



‏*‏ الذهاب بها في صحبتك أنت وزوجك وأولادكما الي صلاة الجمعة من كل أسبوع‏,‏ والكثير منها بها أماكن مخصصة للسيدات الآن‏.‏ وهذه المقترحات ليس الهدف منها فقط إعانتك‏,‏ ولكن إعانتها هي أيضا‏,‏ فهي سيدة مسنة وسوف تلقي وجه ربها إن عاجلا أو آجلا‏,‏ ولذلك يجب أن نساعدها علي ترك المعاصي لكي يتذكرها الناس بالدعاء بالخير بعد ذلك عسي الله أن يرزقها وإيانا حسن الخاتمة‏.‏

من رسالة للقارئة


د‏.‏ هند عبد الرحمن خشبة ـ أخصائي تحاليل طبية

حسام هداية
08-25-2011, 07:59 PM
دمــوع الســعادة


بـريــد الأهــرام
42960
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
30
‏13 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




أكتب إليك لأروي لك قصتي وأطلب منك المساعدة‏,‏ فأنا شاب في الحادية والثلاثين من عمري‏..‏ نشأت في أسرة من الأسر التي تكافح في الحياة للحفاظ علي مظهرها‏..‏ ولا تستند في حياتها إلا إلي دخلها من العمل الشريف‏..‏ فأبي موظف كبير لكن مرتبه يضعه في فئة محدودي الدخل‏,‏ ويده النظيفة تحجب عنه موارد الرزق الحرام والحمد لله‏,‏ وأمي موظفة كبيرة أيضا وتنفق مرتبها كله علي أسرتها‏..‏ وتدبر شئون العائلة والأبناء بجمعيات الادخار والاقتراض أحيانا‏..‏ كما أنها أسرة تعرف ربها حق المعرفة والحمد لله فكل أفرادها من أصغرهم وهو أخي إلي أكبرهم وهو أبي كلهم صوامون قوامون مصلون‏..,‏ وأسعد أوقاتنا حين يؤمنا أبي في الصلاة‏..‏ وحين نحتفل بالمناسبات الدينية‏,‏ وخاصة المولد النبوي الشريف‏.‏


ولقد مضت بنا الحياة هادئة في معظم أحوالها‏,‏ وأبي وأمي يرعياننا ويقدمان لنا مثلا أعلي في المودة والرحمة التي تجمع بينهما‏..‏ وقد تعاملا معنا منذ الصغر بالحكمة والصبر والحب‏,‏ فلم نسبب لهما حتي في فترة المراهقة العصيبة المشاكل المألوفة‏,‏ وواصلنا تعليمنا بنجاح حتي تخرجت في كلية التجارة والتحق أخي بكلية الشرطة‏,‏ وبدأت رحلة البحث عن عمل‏..‏ ولم يستطع أبي ايجاد وظيفة لي ورحت أتابع اعلانات الوظائف الخالية وأقدم أوراقي لجهات عديدة دون جدوي‏,‏ ثم عملت عملا مؤقتا لمدة شهور بإحدي المدارس‏,‏ وفي شركة أخري كمندوب مبيعات‏,‏ وأخيرا وجدت فرصة عمل مستقر نسبيا في شركة خاصة وكان راتبي ثلاثمائة جنيه فرحت بها حين قبضتها لأول مرة فرحا طاغيا واشتريت لنفسي بنطلونا وقميصا ولأخي مثلهما‏,‏ وحاولت اعطاء أمي مائة جنيه كمساهمة في مصروف البيت فرفضت وطلبت مني ادخارها لزواجي بعد سنوات‏,‏ وبالفعل بدأت أدخر من راتبي هذا جزءا كل شهر لكي أكون مستعدا حين التقي بفتاة أحلامي‏,‏ ولم يطل الوقت بي فقد وجدتني مشدودا إلي زميلة لي في العمل عينت حديثا‏,‏ ولاحظت عليها هدوءها وسماحتها وأدبها كما لاحظت عليها أيضا أناقتها وجمالها الهاديء‏..‏ ويوما بعد يوم


تعمقت الصداقة بيننا وعرفت أن والدها لواء سابق بالقوات المسلحة ومن أسرة كبيرة ويملك أرضا زراعية فترددت في مفاتحتها بحبي لها‏,‏ وقدرت أنها قد لا تقبل بالارتباط بشاب مثلي لايملك إلا شبابه وحبه وبضع مئات من الجنيهات‏..‏ فتراجعت وكتمت مشاعري تجاهها‏..‏ بل وبدأت أيضا أتجنب الالتقاء بها‏..‏ وفوجئت بها في أحد الأيام تطلب مني أن أنتظرها بعد انتهاء العمل لأنها تريد أن تتحدث معي في أمر مهم‏..‏ وجاءتني بعد انتهاء العمل وخرجنا نمشي في طريق العودة إلي بيتها فسألتني عن أسباب ابتعادي عنها وعما إذا كانت قد أغضبتني في شيء أو سمعت عنها شيئا يسيء إلي أخلاقياتها‏,‏ فقلت لها إنني لم أسمع عنها إلا كل ما يزيدني احتراما لها‏,‏ لكنه رحم الله امرءا عرف قدر نفسه‏.‏ وسألتني عما أعنيه بذلك فانهرت واعترفت لها بأنني أتعذب بحبها في صمت منذ أكثر من عام‏..‏ ولكني بعد أن عرفت ظروف أسرتها أدركت أنه لا أمل لي فيها فكتمت مشاعري وابتعدت فصارحتني بحبها لي ورغبتها في الارتباط بي‏,‏ وطلبت مني ألا أبخس نفسي قدرها‏,‏ فأنا ـ كما قالت ـ من أسرة تشرف أية أسرة تصاهرها ولسوف تطلب مني في الوقت المناسب وبعد أن تكون قد مهدت لي الطريق‏,‏ أن أتقدم لأبيها‏..‏ وطرت فرحا بذلك وأوصلتها إلي بيتها ورجعت إلي بيتي وفاتحت أبي وأمي في الموضوع ورويت لهما كل شيء فباركا رغبتي ووعداني بمساعدتي بكل مايستطيعان المساعدة به‏.‏



ومهدت لي فتاتي الطريق لدي أسرتها وفي الموعد المحدد اصطحبت أبي وأمي وأخي وقد أرتدوا أفضل ثيابهم وتوجهنا إلي بيت الأسرة‏,‏ فإذا به شقة واسعة من‏6‏ غرف في عمارة فاخرة‏..‏ والشقة تفوح منها رائحة العز والعراقة‏..‏ واستقبلنا الأب ورحب بنا بغير حرارة وراح يتفحصني بعمق ثم بدأ الحديث فسأل عن راتبي ودخلي وهل لدي شقة ملائمة أم لا‏,‏ وأجبته بصراحة عن كل شيء وقلت له أنني أبذل جهدي للحصول علي شقة في التعاونيات‏,‏ بأحد أطراف المدينة فلم يبد عليه الحماس لما قلت‏,‏ وانتهت الجلسة بغير قبول صريح منه ولا رفض‏,‏ وانصرفنا عائدين وأنا أشعر بالهم يتسلل إلي نفسي‏,‏ وكتم أبي مشاعره فلم يتكلم أمامي‏,‏ لكن نظراته الحزينة كشفت عما يشعر به‏.‏


وفي اليوم التالي غابت فتاتي عن العمل‏..‏ واحترقت بنار القلق والرغبة في معرفة قرار والدها بشأني‏..,‏ وانتظرت بفارغ الصبر ظهورها فلم ترجع إلا بعد ثلاثة أيام‏..‏ وبدت لي حين رأيتها مريضة وشاحبة الوجه‏..‏ وعرفت النتيجة بغير كلام‏..,‏ وواسيتها وطلبت منها الامتثال لرغبة أبيها الحريص علي مصلحتها‏,‏ فانفجرت في البكاء وأكدت لي أنها لن تتخلي عني مهما يحدث وستواصل الكفاح مع أبيها لإقناعه بمن اختارته‏..‏ واتفقنا في النهاية علي ألا نتخذ أي قرار بشأن مصيرنا فلا نقرر الانفصال أو الارتباط إلا بعد أن تيأس هي تماما من نيل موافقة أبيها‏..‏



وتراضينا علي ذلك وواصلنا حياتنا‏,‏ ومضي عام طويل بغير أن تلوح لنا بارقة أمل‏..‏ بل لقد تجهمت السماء أكثر فشكت لي فتاتي من ضغط أبيها عليها لقبول خطبة عريس من أسرة ثرية تربطها بأسرتها صلة المصاهرة فشعرت باليأس ونصحتها بالقبول صادقا‏,‏ لكنها لم تأبه لي ثم ازداد الموقف تعقيدا حين بدأنا نسمع عن تعثر الشركة التي نعمل بها واتجاهها إلي التصفية أو تقليص عدد العاملين بها‏,‏ وترقبنا مصيرنا في وجل فلم يتأخر عنا القدر وتم الاستغناء عن خدمات كل من عملوا بالشركة خلال الأعوام الأخيرة مع تعويضهم بمكافأة بسيطة وكانوا ستة أنا من بينهم‏,‏ ونجت فتاتي من الفصل بالطبع مراعاة لوالدها‏..‏ وألححت عليها من جديد في قبول الآخر ونسياني بعد أن ادلهمت الظروف علي هذا النحو وصرت عاطلا‏..‏ فنهرتني باكية ورحت أبحث عن عمل آخر‏..‏ والتقي كل بضعة أيام بفتاتي في مقهي حديث اخترناه لموقعه الهاديء واعتدال أسعاره وقربه من بيتي‏.‏ وكلما التقينا تبادلنا الأخبار ونسجنا الأحلام وتعلقنا بالأمل في تحسن الأحوال‏..‏ ومضي عامان تنقلت خلالهما بين أكثر من عمل مؤقت ولم تنجح فتاتي في إقناع والدها‏..‏ واقترحت هي علي ذات يوم أن نعقد قراننا ونؤجل الزفاف إلي حين الحصول علي موافقته لكني كرهت لها أن تخرج عن طاعة والدها‏,‏ وتحملت غضبها مني وخصامها لي أسبوعا طويلا نتيجة لذلك‏,‏ وأخيرا تمكن أبي من إيجاد وظيفة لي في جهة تابعة لعمله بعد‏6‏ سنوات من تخرجي‏,‏ وكان أخي قد تخرج في كلية الشرطة وذهب للعمل في أقصي الصعيد‏,‏ ولم يكتف أبي بذلك‏;‏ وإنما استبدل أيضا جزءا من معاشه ودفع لي مقدم ثمن شقة تعاونية بسيطة في أحد أطراف المدينة وشكرته علي ذلك كثيرا وقبلت يده وقلت له إنه قد أدي رسالته معي علي خير وجه وبأكثر مما هو مطلوب منه‏..‏ وتعمدت أن أقول له ذلك لأنني كنت أشعر بحزنه من أجلي واحساسه بعجزه عن اسعادي وتوفير سكن لائق وعمل مناسب لي‏..,‏ فأنبسطت أساريره ودمعت عيناه فأعدت تقبيل يده شاكرا وداعيا له بالصحة وطول العمر‏.‏



وأبلغت فتاتي بالتطورات الأخيرة‏..‏ فنقلتها لأبيها وهي تظن أنه سوف يلين فإذا به يصر علي رفضي وعلي أن ترتبط بالآخر الثري‏..‏ وصارحتني فتاتي بيأسها من أبيها وألحت علي في عقد القران‏,‏ ورفضت للمرة الثانية فغضبت مني غضبا هائلا وتوقفت عن مقابلتي والاتصال بي‏,‏ وتوقعت أن تخاصمني أسبوعا ثم ترجع إلي فإذا بالفترة تطول وتمتد لأسابيع‏..‏ واستشعرت الخطر واتصلت بها فإذا بها تنفجر في البكاء وتبلغني أنه قد تم عقد قرانها علي العريس الجاهز وتطلب مني عدم الاتصال بها ثانية وترجو لي السعادة مع غيرها‏..‏


فوضعت السماعة وظللت في مكاني ذاهلا حتي نبهني من يريد استخدام التليفون‏..‏ فتحركت وأنا لا أري الطريق‏,‏ وعدت للبيت واستلقيت علي الفراش وأغمضت عيني متظاهرا بالنوم‏..‏ وراحت الصور المرئية تتوالي أمام مخيلتي وتعرض علي ذكريات خمس سنوات من الحب والصفاء لاتشوبها شائبة واحدة‏,‏ ولم يغمض لي جفن ليلتها ولم أذهب للعمل في اليوم التالي‏,‏ ثم امتثلت للأمر الواقع وأبي يرقبني في فهم‏,‏ ويقترح علي السفر إلي أخي في الصعيد لبضعة أيام لتغيير الجو‏,‏ وأفكر في اقتراحه فأجده حكيما وبالفعل أحصل علي إجازة من العمل وأسافر إلي أخي وأنزل معه في استراحة الشرطة‏,‏ وأروي له ما حدث وأتشاغل عن همومي بالزيارات ورؤية الحياة هناك‏..‏ وأرجع إلي القاهرة وأشعر بعد عودتي للعمل بأن قلبي قد أغلق أبوابه تجاه الجنس الآخر وأنه يتعذر عليه أن يستجيب لأي فتاة أخري‏,‏ بعد حب العمر‏,‏ خاصة أن أقساط الشقة تلتهم معظم راتبي وأجدني طوال الشهر بلا نقود‏.‏ فأرجع للبحث عن عمل اضافي وأمر بمقهي الذكريات السعيدة ذات مساء فأعرف من الجارسون أنهم يحتاجون في المقهي إلي مساعد جارسون يعمل‏7‏ ساعات كل يوم‏,‏ وأن الأجر‏150‏ جنيها عدا البقشيش‏,‏ واسأل عن مهمة هذا المساعد‏,‏ فأ


عرف أن مهمته هي حمل الطلبات من البوفيه إلي الزبائن واعادة الفوارغ للبوفيه فقط لكنه لا يسجل طلبات الزبائن ولا يحاسبهم علي ما شربوه‏,‏ وأفكر في الأمر بعض الوقت ثم أعرض نفسي عليه‏,‏ وينتهي الأمر بالتحاقي بهذا العمل من الخامسة مساء حتي منتصف الليل كل يوم وبفضل هذا العمل بدأت أجد في يدي بعض النقود بعد سداد قسط الشقة‏,‏ بل وبدأت أدخر بعضها أيضا ولم يعترض أبي علي عملي بالمقهي لأنه يحترم كل عمل شريف‏,‏ وإنما جاء الاعتراض من أخي ضابط الشرطة‏,‏ وغضبت منه لاني شعرت أنه يفكر في نفسه وهو يعترض علي عملي وليس في وصارحته بذلك فسحب اعتراضه وقبل رأسي وأشاد بكفاحي‏.‏


وبعد فترة ترقيت في عملي وأصبحت جارسونا يسجل طلبات الزبائن ويحاسبهم ويتلقي منهم البقشيش‏,‏ وكنا اثنين فقط نقوم بهذا العمل مع ثلاثة من المساعدين‏,‏ واكتشفت أن عمل الجارسون وإن كان من أشق الأعمال من الناحية الجسدية حيث يظل في حركة متصلة طوال فترته إلا أنه أيضا من أكثر الأعمال الصغيرة عائدا‏,‏ إذ كان متوسط دخلي منه لا يقل عن‏600‏ جنيه في الشهر وهو أكثر من ضعف راتبي من الهيئة التي أعمل بها‏,‏ وفي هذا العمل اكتسبت خبرة ثمينة بالحياة‏..‏ وبالتعامل مع البشر‏,‏ وشهدت فيه أيضا لحظات عصيبة وأخري بهيجة‏..‏ لكن أصعب اللحظات علي الاطلاق كانت حين لمحت ذات مساء وأنا أحمل صينية الطلبات فتاتي السابقة تنزل من سيارة حديثة بصحبة شاب رياضي مفتول العضلات وتتجه إلي احدي الموائد علي الرصيف في الناحية التي أتولي الخدمة فيها‏,‏ فلقد شعرت بدوار شديد ووضعت الصينية علي مائدة خالية وجلست ألتقط أنفاسي للحظات ورأني زميلي الذي يعمل في الناحية الأخري جالسا فجاءني مستفسرا عما ألم بي وكنا قد أصبحنا صديقين فصارحته بأن من كنت أتمني الزواج منها وفرقت بيننا الظروف تجلس في المائدة القريبة مع زوجها وأنني أخشي أن تراني وأنا أقوم بهذا العمل‏,‏ فعرض علي


أن يتولي هو خدمتها وخدمة المقهي كله حتي تنصرف‏..‏ وكدت أقبل عرضه لكني تمالكت نفسي بعد لحظات وفكرت أنني أكافح بشرف في الحياة وليس لدي ما أخجل منه فشكرت زميلي وقلت له إنني سأواصل عملي بطريقة طبيعية‏..,‏ وبالفعل سلمت الطلبات التي أحملها للزبائن ثم اتجهت إلي مائدة فتاتي السابقة وحييت الجالسين وسألتهما عن طلباتهما‏..‏ فطلب الشاب شايا ثم أشار إلي زوجته‏.‏ وكانت قد عرفتني بالطبع فألجمت المفاجأة لسانها‏..‏ وربما استغرقتها الذكريات وأردت أن أنهي الموقف فقلت لها بصوت خافت‏:‏ الهانم تأمر بإيه‏,‏ فهمست بصوت لا يسمع بما تريد ولولا أنني كنت أعرف مشروبها المفضل الذي كانت تطلبه دائما وهي معي‏,‏ لما فسرت ما نطقت به وانصرفت من أمامها وأنا أشعر بأن نظراتها تخترق ظهري‏,‏ وظللت أشعر بعينيها تلاحقانني طوال نصف الساعة الذي أمضته بالمقهي ثم ودعتني بنظرة طويلة أثارت شجوني وجددت أحزاني‏.‏ ورويت لأبي وأمي ما حدث فسألني أبي مشفقا‏:‏ أمازلت تحبها؟ فأحنيت رأسي صامتا‏..‏ وتدخلت أمي في الحديث ونصحتني بالتفكير في الزواج بعد أن قاربت علي التاسعة والعشرين وأصبحت لدي شقة واستقررت في العمل‏..‏ ووعدتها بذلك وبعد ستة أشهر فوجئت بتليفون من فتاتي السابقة تقول لي إنها قد طلقت بعد زواج دام ثلاث سنوات لم تنجب فيه ولم تستطع خلاله التوافق مع زوجها وفشلت كل محاولاتها لأن تحبه لأن قلبها ظل مشغولا بغيره حتي سلمت باليأس وحصلت علي الطلاق رغما عن إرادة أبويها‏,‏ وأنها الآن حرة وتعمل عملا مناسبا ومستقرا‏,‏ وتسألني هل مازلت أحبها كما تحبني فصرخت في التليفون أنني أحبها ولم أحب سواها‏,‏ وأحلم باليوم الذي يجمعني بها‏..‏ وانتهينا إلي الاتفاق علي أن أتقدم لأبيها من جديد بعد أن تغيرت الأحوال‏,‏ وقبل أبي مصاحبتي مرة أخري إلي بيت أسرتها واستقبلنا الأب بالطريقة المحايدة نفسها واستمع إلي من جديد بلا حماس وأخفيت عنه بالطبع أنني أعمل في مقهي بعد الظهر لكيلا أعطيه المبرر لرفضي بحجة أن عملي لا يليق بمن يصاهره‏,‏ ولأنني اعتزمت عند الزواج أن أتوقف عنه بعد أن ادخرت منه مبلغا لا بأس به‏..,‏ وكانت المفاجأة حين أبلغنا والدها في الجلسة نفسها أن ظروفي مازالت غير مقنعة ولا ترشحني لمصاهرته‏,‏ فغادرته ساخطا وأنا غاضب من فتاتي لأنني ظننت أنها قد مهدت لي هذه المرة الطريق وضمنت موافقته‏,‏ ولم تتركني هي لغضبي طويلا فلقد اتصلت بي وأبلغتني فيما يشبه الأوامر وبغير مناقشة‏:‏ أحضر المأذون إلي بيت أسرتك يوم كذا الساعة كذا وسأحضر إليك لعقد القران‏..‏ مع السلامة‏!‏



ثم رفضت الرد علي التليفون المحمول بعدها طوال اليوم لكيلا تدع لي أي فرصة لمناقشتها‏,‏ واحترت في أمري واستشرت أبي فنصحني لإبراء ذمتي أمام أبيها بأن أبلغه بما قررته ابنته دون تحديد للموعد أو المكان وأسأله للمرة الأخيرة الإذن لنا بالزواج لكي يتم عقد القران في بيته هو‏,‏ واتصلت به وأبلغته وسألته الإذن فأجابني في برود وكبرياء أنه لا يأذن لي بعقد قراني علي ابنته‏..‏ وهي حرة في أن تفعل بنفسها ما تشاء لكنه سوف يقاطعها ويحرم عليها دخول بيته حتي يوم الدين إن هي ارتبطت بي علي غير رغبته‏,‏ وأغلق التليفون‏!‏


واقترب الموعد المحدد وأنا لم أحسم أمري بعد‏,‏ وفي اللحظة الأخيرة واتتني نوبة شجاعة قمت خلالها بالاتفاق مع المأذون وأجريت الاستعدادات المطلوبة وجاءت فتاتي إلي البيت مصحوبة ببنتي خالتها وأربع صديقات لها ملأن بيتنا بالزغاريد من اللحظة الأولي وجاوبتهن أمي وهي في قمة الفرح‏,‏ وطلبت فتاتي أن تصلح زينتها فقدتها وصاحباتها إلي غرفتي‏..‏ وأغلقن الباب عليهن‏,‏ وجاء المأذون وقدم الشربات وخرجت عروستي وقد اتخذت زينتها وارتدت فستان الفرح الأبيض‏..‏ وتمت الإجراءات وسط الزغاريد والدموع‏..‏ زغاريد الفتيات ودموع عروسي الجميلة ودموعي ودموع أمي‏,‏ بل وأبي وأخي أيضا‏,‏ وانطلقت الفتيات يغنين مع أنغام الكاسيت وزوجتي تغني معهن وضحكاتها ترتج لها الجدران وصاحباتها يتضاحكن ويقارن بين كآبتها يوم زفافها السابق وفرحتها اليوم‏,‏ ثم بدأت الفتيات في الانصراف وأنا أتوقع أن تنصرف معهن زوجتي بعد أن تبدل فستانها الأبيض لكني رأيتها تودع ابنتي خالتها وصديقاتها بالقبلات وتبقي في الشقة فأدركت أنها قررت أن نتزوج علي الفور وليكن من أمرنا مايكون بعد ذلك‏!‏



وأعدت لنا أمي عشاء فاخرا ثم انفردت بعروسي في غرفتي وأنا أشعر بأنني أسعد انسان في الوجود‏..‏ وفي غرفتي عرفت خطة زوجتي للمستقبل وهي أن نقيم مع أسرتي إلي أن ننتهي من إعداد الشقة‏,‏ ولا بأس باستمراري في العمل بالمقهي حتي ذلك الحين‏,‏ علي أن أتوقف عنه بعد انتقالنا إلي عش الزوجية لبعده عنه قبل كل شئ‏,‏ علي أن أبحث لنفسي عن عمل إضافي آخر في أحد المكاتب أو أن أكتفي بعملي الصباحي‏.‏


وبدأنا حياتنا الزوجية‏..‏ وأصبحت زوجتي نجمة الأسرة وموضع اعتزاز كل أفرادها وحبهم‏,‏ واكتشفت فيها روحها الحلوة المتسامحة وعشرتها الجميلة وقدرتها علي اكتساب مودة الآخرين بطريقة تلقائية‏..‏



وبعد شهر واحد ظهرت عليها أعراض الحمل‏,‏ فبلغت سعادتها قمم الجبال وفسرت هي حملها من أول لحظة مني وعدم حملها علي مدي ثلاث سنوات في زواجها السابق بأنه فارق الحب‏!.‏


وكرست كل جهدي لتشطيب الشقة‏,‏ ورفض والد زوجتي الإفراج عن أثاثها المكوم في شقته القديمة نكاية فيها فلم تأبه لذلك‏..‏ واخترنا بذوق زوجتي أثاثا بسيطا وجميلا‏..‏ وانتقلنا إلي الشقة بعد ثلاثة أشهر من الزواج‏..‏ لكن زوجتي لم تنس أبدا الأيام التي أقامتها مع أبي وأمي‏,‏ وكثيرا ما فضلت أن نقضي بضعة أيام في شقة الأسرة‏,‏ خاصة حين اشتدت عليها متاعب الحمل‏,‏ غير أن شيئا واحدا فقط كان ينغص عليها حياتها وهو موقف أبيها منها‏..‏ فلقد كانت أمها بعد فترة غضب قصيرة تتصل بها وتسأل عنها‏,‏ بل وتلتقي بها من حين لآخر في محل عام لتطمئن عليها‏,‏ وكذلك كانت تفعل أختها الصغري وخالتها وأخوالها وأعمامها وأبناؤهم‏,‏ ماعدا والدها الذي ظل كالصخرة لايرق ولايلين ولا يرد علي اتصالاتها به ولا يتصل بها‏..‏ وإذا سمع صوتها في التليفون أغلق السكة بغير كلمة واحدة‏,‏ حتي اضطرت لأن تكتب إليه الرسائل كما لو كان يعيش في مدينة أخري‏,‏ لكي تستسمحه وتطلب رضاه وتشرح دوافعها لما فعلت‏,‏ بلا أي جدوي‏,‏ بل لقد علمت من أختها أنه لايفتح خطاباتها التي يميزها بخطها ويتعمد تركها مغلقة أمامهم علي مائدة السفرة عدة أيام لكي يعرف الجميع أنه لايأبه لابنته التي تزوجت علي غير إرادته‏..‏



وحتي حين وضعت زوجتي مولودها الأول زارها في المستشفي كل أهلها بلا استثناء وقدموا لها الهدايا والمجاملات ماعدا والدها‏..‏ وكان التنازل الوحيد الذي قدمه هو إنه لم يعد يعترض علي اتصال والدتها واختها بها أو زيارتهما لها‏,‏ والآن ياسيدي فلقد اقترب طفلي الوحيد الجميل الذي جمع حوله قلوب أهل زوجتي جميعا ـ ما عدا جده ـ وأهلي من نهاية العام الأول من عمره ـ ومازال والد زوجتي يرفض أن يري حفيده الوحيد أو أن تزوره زوجتي حاملة طفلها معها ـ أو أن يزور هو ابنته أو يلتقي بها في أي مكان أو حتي أن يرد علي اتصالاتها ورسائلها إليه حتي الآن‏,‏ ولقد أعيتنا الحيل معه‏..‏ ووسطنا لديه كل أفراد أهله وخاصته بلا فائدة‏,‏ فماذا نفعل‏..‏ وكيف أقنعه بأنني غير طامع في ماله‏..‏ وأنني إنسان شريف أكافح بأمانة لإعالة أسرتي الصغيرة‏,‏ وقد تركت العمل بالمقهي والتحقت بعمل مسائي بإحدي الشركات ودخلي منه يوازي نصف دخلي من المقهي‏,‏ لكني رضيت بذلك لكي أسد عليه الثغرات‏..‏


إنه من قرائك فهل توجه له كلمة لكي يفتح أبواب قلبه المغلقة لابنته التي تحبه وتحترمه وتطلب رضاه ولم تفعل ما فعلت إلا بعد أن يئست من نيل موافقته علي زواجها بمن أرادت؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


لو كانت كل جناية زوجتك في نظر أبيها أنها قد تزوجتك علي غير إرادته بعد أن أعيتها الحيل معه لنيل موافقته‏,‏ أفلا يشفع لها عنده أنها لم تفعل ذلك إلا مضطرة‏,‏ وبعد أن تأكدت بما لا يدع لها مجالا للشك أنها لن تسعد بحياتها إلا مع من اختاره قلبها‏..‏


وألا يشفع لها أنها قد لقيت حظا عاثرا في زواجها الأول الذي امتثلت فيه لإرادة أبيها وقبلت الزواج بشروطه فكان الانفصال وانهيار حياتها الزوجية‏,‏ وحمل لقب المطلقة هو مصيرها‏.‏



وألا تشفع لها عنده سعادتها الآن مع من اختارته لرفقة الحياة وتعمق روابطها به بعد الإنجاب منه‏..‏ وسعادة الابنة في حياتها الزوجية هي هدف كل الآباء ودوافعهم لما يتخذونه من مواقف بشأن زواجهن‏.‏


بل وألا يشفع لها عنده أن أنجبت أول حفيد له لكي تتحرك مشاعره تجاهه ويسعد به ويختبر معه تلك الأحاسيس البهيجة الجديدة التي يحركها الحفيد في قلب جده‏..‏



إن أهل الرزانة من البشر قد يطيش صوابهم فرحا وابتهاجا بأحفادهم‏,‏ وتفيض قلوبهم حبا ورحمة بهم‏.‏


ولقد روي عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه إنه كان شديد الحب لحفيديه من ابنته فاطمة الزهراء وغامر العطف عليهما والرحمة بهما‏,‏ حتي لقد كان يطيل السجود إذا ارتحله أحدهما وهو ساجد لكيلا يتعجله النزول عن ظهره‏,‏ كما كان لايشير إلي حفيديه هذين إلا بقوله‏:‏ ابناي الحسن والحسين‏.‏



فكيف يحرم صهرك نفسه من هذه النعمة الجليلة‏..‏ نعمة أن يمتد به العمر حتي يري حفيدا له يلاعبه ويداعبه ويغمره بحبه وعطفه ورحمته ويري فيه امتدادا له وتواصلا متجددا مع الحياة؟


بل وكيف يحرم هذا الحفيد نفسه من حقه عليه في أن يسعد به ويلقي رعايته وعطفه؟



انني أربأ بوالد زوجتك أن يجحد نعم ربه عليه فلا يشكرها له سبحانه وتعالي ولا يشكره عليها‏,‏ والشكر هو الحافظ للنعم ومنها أن يكون له هذا الحفيد وأن تكون ابنته التي اضطرت لمخالفته شديدة الحرص بالرغم من ذلك علي استرضائه ونيل عفوه وصفحه‏,‏ ولو لم تكن كذلك لنفضت يدها منه وواصلت حياتها لا تأبه لمن يرفض يدها الممدودة إليه‏..‏ ويقطع رحمها‏,‏ ولا يظنن صهرك أن ابنته إنما تسعي إليه طلبا لمنفعة أو حرصا علي إرث منتظر‏,‏ إذ لو كانت الثروة غايتها لما فضلت الطلاق من زوجها الثري‏..‏ وارتبطت بشاب مكافح مثلك‏,‏ كما أنه يستطيع أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل له التأكد من صدق نية ابنته وحرصها علي أن تستعيد صلة الرحم معه وزهدك كذلك في أي نفع يجئ من ناحيته‏,‏ بل يستطيع أن يحرمها من ماله وميراثه إذا أراد مخالفة شرع ربه في المواريث‏..‏ لكي يصدق أنه لا دافع لسعي ابنته إليه سوي رغبتها في أن تعفي نفسها من شبهة العقوق مع أنها لم تفعل ما فعلت إلا مضطرة وكارهة‏..‏


والفضلاء من الآباء والأمهات لايضعون ابناءهم أبدا أمام الاختيار الصعب بينهم وبين من يختارهم الأبناء لرفقة الحياة‏,‏ لكيلا يتأذوا أبلغ الأذي إذا اضطر الأبناء لاختيار شركاء الحياة دونهم‏,‏ ولقد يعترضون علي اختيارات الأبناء ويبذلون كل جهد لإقناعهم بوجهة نظرهم‏,‏ لكنهم إذا لمسوا إصرار الأبناء وأنه لم يبق أمامهم لنيل ما يرون فيه سعادتهم سوي الخروج علي الطاعة‏..‏ تنازل الآباء في اللحظة الأخيرة عن مواقفهم ومنحوا موافقتهم حتي ولو لم يكونوا مقتنعين بذلك‏,‏ برا بهؤلاء الأبناء وإشفاقا عليهم من دفعهم دفعا إلي شق عصا الطاعة عليهم‏..‏



فإذا كانت زوجتك تشعر ببعض الوزر لخروجها علي طاعة أبيها‏..‏ فالحق أن النصيب الأكبر منه إنما يتحمله هذا الأب نفسه بتحجره وعدم مرونته مع ابنته‏..‏ واني لأرجو له أن يعفي نفسه وابنته من هذا الوزر لكي تصفو له ولابنته الحياة‏..‏ ولكي يستمتع بما لم يجربه من قبل من أحاسيس ومشاعر وهو يداعب حفيده ويرقبه وهو يحبو ويخطو خطواته الأولي في الحياة‏,‏ ويتعلم نطق الحروف والأشياء وينثر البهجة والسعادة حوله‏..‏ إن شاء الله‏..‏

حسام هداية
08-25-2011, 08:00 PM
أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42960
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
30
‏13 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة





أرجو أن تسمح لي بأن أهمس في أذن صاحب رسالة‏(‏ بدلة السهرة‏)‏ في بريد الجمعة بالتالي‏:‏


‏*‏ إن أخاك هذا قد أدي رسالته في الحياة علي الوجه الأكمل‏,‏ وهو بهذا قد أطاع الله ورسوله فكان لابد أن ينال الجزاء العظيم من الله تعالي‏,‏ ليكون مع من‏..‏ أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا النساء آية‏70.‏



‏*‏ الزواج في الحياة الدنيا مسئولية كبيرة وقد تحمل أخوك‏(‏ رحمه الله‏)‏ من المسئوليات الكفاية فأراد ربك أن يمنحه الجائزة الكبري بزواجه من الحور العين‏,‏ حيث السعادة بلا نهاية والفرح الدائم والنعيم الذي لا يزول‏.(‏ إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون‏,‏ يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين‏)‏الدخان من‏50‏ ـ‏55


‏..‏ ولا أستطيع أن أقول لك في النهاية لا تحزن‏..‏ لأن الحزن في مثل هذه الحالات أمر طبيعي‏..‏ ولكني أقول‏:‏ تخفف من حزنك قليلا وسر علي درب أخيك فاعمل الخير ما استطعت‏..‏ ونفذ وصية صاحب بريد الجمعة في رده عليك‏,‏ ففيها كل الخير لك ولأخيك وللناس‏.‏


من رسالة للدكتور مصطفي خليل المغربل



طبيب باطني بالمعاش




إلي كاتب رسالة بدلة السهرة‏:‏


أكتب إليك داعية الله عز وجل أن يرحم أخاك رحمة واسعة وأن يجزيه عنكم خيرا وأن يكون ممن قال الله تعالي فيهم‏‏ إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏ صدق الله العظيم‏,‏ وأبشرك بأن الله عز وجل يستحيي أن يحاسب عبده الذي ابتلاه فصبر علي البلاء‏,‏ وقد صبر أخوك رحمه الله صبرا جميلا‏,‏ وأدعو الله لكم أن يعينكم بالصبر ويوفقكم لأن تؤدوا له حقه علي أكمل حال‏.‏


من رسالة للقارئة أسماء العيسوي



بكالوريوس التجارة ــ محافظة الشرقية




طالعت رسالة الحلم المتأخر التي تتصبب منها ومن بين سطورها مشاعر الندم بعد أن تسببت الأم كاتبة الرسالة بحماقاتها في عقوق ولديها لها وزواجهما بمن قاومت واضطهدت وحاربت اقترانهما بهما‏,‏ وفرا من استبدادها‏,‏ ومن بيتها‏,‏ ومن الوطن كله الي السفر والعيش خارج البلاد‏,‏ بعد أن حجبا عنها أي عنوان أو أية أخبار‏,‏ استغناء عنها‏,‏ بخيرها وشرها‏.‏


والآن تتوسل لولديها بطلب الرحمة بأبيهما الذي سقط ضحية الأسي والحسرة طريحا لفراش المرض والعجز‏,‏ فأين كان هذا الأب حين استجار به ولداه من سطوة أمهما؟‏!‏



أو الستم معي أن هذا الأب هو المتسبب الرئيسي في كل ماحدث‏,‏ ولم يكن له أي دور إيجابي‏,‏ وانه تخلي ـ طواعية ـ عن قوامته علي زوجته‏,‏ مخالفا هذا التكليف الإلهي الرشيد؟‏!‏ فلما طغت‏,‏ هرب من طغيانها للخارج آثرا السلامة بدعوي العمل لتلبية طلباتهم‏.‏ ان هذه القصة هي المثال النموذجي لمدي الخلل الذي يمكن أن يصيب أي بيت تبادل فيه الزوج والزوجة الأدوار المهيأ والمؤهل كل منهما لها‏.‏ فهل من مستفيد؟‏!‏


من رسالة للقاريء محمد فصيح بهلول ـ

المأذون الشرعي بطنطا

waelhasaan
08-25-2011, 09:01 PM
جزاك الله كل خير على المجهود الكبير

يسري خليل سويلم
02-05-2013, 10:11 AM
الصوت الرخيم
الجزء الاول
( نشرت فى جريدة الاهرام ، وأعاد الاستاذ عبد الوهاب مطاوع نشرها عام 1991 فى كتاب بعنوان العيون الحمراء )
ولها جزء ثان
منذ سنوات كنت طالبه بالسنه الثالثه بكليه الاداب شابه فى التاسعه عشره من العمر ارتدى الملابس الفاخره واركب السياره واستعمل العطور المستورده ولا افكر فى الزواج واتجاهل ضاحكة مخططات امى للتقريب بينى وبين ابن احدى صديقاتها لكى اقتنع به ويتقدم للزواج منى وكل شئ فى متناول يدى والدنيا باسمه والقلب شباب والحياه واسعه ... وفى هذه الايام المبشره بكل خير ركبت سيارة الاسره ذات يوم وحدى وقدتها فى شوارع القاهره فاذا بعربه نقل ضخمه تصدمنى .. فلم اشعر بما حولى الا بعد ايام ووجدت نفسى راقده على السرير فى المستشفى معصوبة العينين واللفائف تحيط بوجهى من كل جانب وقد تهشمت يداى وساقاى واهلى حولى يواسوننى ولا يصدقون انى عدت الى الحياه ومرت اسابيع طويله قبل ان يرفع الاطباء اللفائف عن راسى والعصابه عن عينى فاذا بي لا اري الا الظلام والاطباء يحاولون التخفيف عنى ويقولون لى ان فقدى للبصر مؤقت وانه مامول الشفاء بجراحه اخرى بعد عام او عامين ... فانفجرت فى بكاء طويل .. وتحسست وجهى فوجدت اثار الندوب فى كل مكان فعرفت انى فقدت جمالى مع بصري وغرقت فى هاويه سحيقه من الياس والقنوط .. وغادرت المستشفى وانا لا اجد فى اعماقى الرغبه فى الحياه .. وبعد اسابيع اخرى بدات فى اجراء عده عمليات للتجميل اعادت وجهى لما كان عليه لكنى لم استعد بصرى ولا حرصى واقبالى على الحياه وفى غمرة هذا الياس الحقنى ابى بمركز لتعليم المكفوفين القراءه بطريقه برايل لكى اشغل وقت فراغى بالقراءه وبدات اتردد على هذا المركز ثلاث مرات كل اسبوع رغما عنى فكان يوم ذهابى يوم حزين فى حياتى ثم بدات اتقبل الواقع الذى ارفضه شيئا فشيئا .. وبدات التفت الى صوت رخيم اسمعه فى المركز فيمس قلبى رغم انى لا ارى صاحبه .. ثم بدات استريح الى هذا الصوت واقترب من صاحبه المدرس بالمركز .. واصبحت اذهب الي المركز كل يوم بلهفه بعد ان كنت اكره الدنيا ... وتلاقت الايدى وانتقل الاحساس الى القلب ونما الحب فى الظلام لانه مثلى محروم من البصر وتعاهدنا على الزواج وحين هممت بان اصارح اهلى فوجئت بهم يزفون الى بشرى السفر الى الخارج لاجراء الجراحه وسافرت واجريت الجراحه وتسلل بصيص النور الى عينى ضعيفا لكنه شتان بينه وبين بحر الظلام الذى غرقت فيه شهورا طويله وبعد عودتى لمصر تذكرت الصوت الرخيم فتوجهت الى المركز وبحثت عنه ورايته شاب اسمر نحيف حلو العينين حاد الانف شعره اسود مسترسل على جبينه فخفق قلبي بشده واقبلت عليه بكل لهفه فسعد بعودتى وفرح بعوده البصر الى لكنه لم يشر الى موضوع الزواج ففاتحته انا فحاول ان يحلنى من وعدى له لاختلاف الظروف لكنى لم اسمح له ان يسترسل فى الحديث وازداد تمسكى به وعرضت الامر على اهلى وتحديت الجميع وتزوجته عن حب واقتناع وكا عمرى وقتها 22 سنه ووجدت معه بعد الزواج كل سعادتى فهو حنون ومتفائل ورقيق المشاعر ويحب الحياه الى اقصى درجه ويحبنى بشده وهو ميسور ماديا والحمد لله .. وانجبنا بنتا وولدا ساعدنى فى تربيتهما واغرقهما بحبه ..... وبعد عشر سنوات من الزواج بدا الحب فى قلبي يهدا قليلا وبدات اشعر بشئ غريب تجاهه فقد بدات لا احب ان يخرج معى فى زيارات الاهل والاصدقاء واصبح ابنى وابنتى هما رفيقاى لكنى لم ادعه يشعر بذلك وساعدنى انه كان يتجنب الخروج كثيرا ... ثم كبر ابناى ولاحظت عليهما بعض الاشياء الغريبه فابنى يتباهى دائما بانى امه امام زملاؤه ويتجنب الاشاره الى ابيه وكذلك ابنتى وابنى نادرا ما يتحدث مع ابيه رغم محاولات زوجى المستمره للحديث معه وذات يوم صارحنى زوجى بمشاعره وقال انه يشعر ان ابنه وابنته يخجلان منه فنفيت ذلك وثرت ثوره عارمه وناديتهما وقسوت عليهما وانكرا هذا الاحساس .... وبعد اسابيع تصادف ان كان زوجى مريضا فلم يذهب الى عمله ولم يكن ابنى يعلم بوجود ابيه فى البيت فعاد من كليته ومعه بعض زملاؤه ففوجئ بابيه واقفا فى الصاله وساله ابوه عمن معه فرد عليه ردا مقتضبا وتركه واقفا كما كان ويبدو ان احد اصدقاء ابنى ساله عمن يكون هذا الرجل فاذا بزوجى يسمعه يرد بانه احد اقارب ابى ينزل ضيفا عندنا لعده ايام وسمع زوجى ذلك فلم يتكلم وانسابت دموعه صامته من عينيه وعند خروج اصحاب ابنى ناداه ابوه وواجهه بما سمعه فاذا بابنى الوقح لا ينكر ما قاله ووجدت نفسي اهوى بيدى على وجهه واطالبه بالاعتذار فاعتذر لكن هيهات ان تشفى كلمات الاعتذار هذا الجرح فلقد تغير حال زوجى وحال الاسره كلها واختفت السعاده من بيتنا واعتصم زوجى فى مكتبه لا يكلم احد واول الشهر يلقي لنا بمصروف الشهر وبجواره ورقه كتب عليها كلمات جارحه لكرامتى وكرامه اولادى اننى اعرف ان ابنى ارتكب جرما كبيرا لكن ماذا استطيع ان افعل فى طيش الشباب فهل توجه الى زوجى كلمه عن العفو عند المقدره والى ابنى لكى يعود الى رشده ..................ولكاتبة هذه الرساله اقول عندى مما اقوله لابنك ما لا تتسع له انهار الصحف لكنى لن اطيل فى تكرار معانى افضت فى الكتابه عنها كثيرا وساقول له فقط ان ابنا يحمل مثل هذا الاحساس البشع تجاه ابيه العطوف المحب لمجرد انه محروم من احدى حواسه لهو ابن لا يشرف اي اب ان يعلن انتسابه اليه ولهو جدير بان ينكره ابيه وليحاول اذا كان يريد ان يكون جديرا بالانتماء الى النوع الانسانى ان يطهر نفسه من هذا الاحساس الدنئ .. هذا عن ابنك اما عن القصه كلها فان خبرة السنين تقول لنا ان كل شجره مورقه تبدا ببذره صغيره تغرس فى الثري ولقد غرستى انتى بغير ان تنتبهى لخطوره الامر بذرة انقطاع الخيوط بين ابنيك وابيهما حين بدات وهما دون العاشره تلاحظين انك لا تحبين الخروج مع زوجك وان ابنيك قد اصبحا بدلا منه رفيقيك فى غدوك ورواحك وهكذا تراجع دور الاب من مركز الدائره فى العائله الى هامشها واصبح لكم مجتمع خاص يحاول الاب النفاذ اليه فلا ينجح فبدا انقطاع الخيوط منذ فتره الى ان بلغ قمته فى هذا المشهد البشع الذى يتنافى مع كل القيم الدينيه والانسانيه على السواء ...ولن تدركى بشاعة ما حدث الا اذا تخيلت حالك لو لم تدركك عنايه الله فتنجح الجراحه ووجدت نفسك تسمعين باذنيك ما سمعه وتتجرعين مرارته .. واى لوم سوف يوجهه لك الاخرون اذا عافت نفسك الجميع كما فعل زوجك اننى الح على هذه الصوره لان مسؤوليتك كبيره فيما حدث وفيما سوف يحدث لاصلاح الاخطاء فالابناء يتبعون الامهات فى تقديرهن للاب واحترامهن له لهذا فان العلاج في يديك قبل ان يكون في يد ابنك الطائش.. فابداى بنفسك والتصقى بزوجك الذى احببته واعترفى بكل فضائله وتحملى غضبه واستياءه واعلنى بتصرفاتك امام الجميع انك تفخرين به واعيديه الى مركز العائله وانضمى اليه فى غضبه من ابنه وقاطعى كل من لا يحمل لزوجك مشاعر الحب والولاء والاعتزاز ولو كان ابنيك ... وعندها سوف تعود الامرر الى طبيعتها وسيجد الاب نفسه يشفق فى اعماقه على هذا الابن الشارد من غضب ربه عليه ومن تنكيل الدنيا به اذا لم يعف عنه بقلب صاف ......................

يسري خليل سويلم
03-08-2013, 12:47 PM
الايام الجميلة

الجزء الثاني من رسالة الصوت الرخيم

هذه هى رسالتى الثانيه اليك اما رسالتى الاولى كانت منذحوالى سبعة شهور وقد نشرت الرساله صباح يوم الجمعه وقُرئت على زوجى وهو فى عزلته فى مكتبه بعيدا عنا .. ثم نادانى وكنت قد قراتها قبله وواجهنى بكل شئ فى الرساله وقال لى كلاما اتهمنى فيه بانى اسات تربيه اولادنا..فوقفت صامتة لا ارد عليه خاصة انى عرفت انك ايضا تتهمنى بانى المسؤوله عما حدث وبان ابنى وابنتى قد قلدانى فيما فعلت واقسم لك صادقه اننى لم اتعمد ذلك ..وتمالكت نفسى وانا اسمع اهانات زوجى لى لانى اعرف الى اى مدى جرحت كرامته.. ثم هممت بالكلام فغلبتنى دموعى الصامته فى البدايه ثم علا نحيبى ولم اعد استطيع السيطره على نفسى واجهشت بالبكاء .. فاذا بزوجى ورفيق شبابى وعمرى يقترب منى ويربت على شعرى بكل حنان ..كما كان يفعل حين يسمع بكائى فى ايامنا السعيده ..وراح يطيب خاطري بل ويعتذر لى عما قاله .. ثم ابتسم وقال على اي حال ليس امامنا الا ان نفعل ما اشار به علينا صديقنا على الورق ..فوافقته بكل حماس وعاهدته على مواجهة طيش ابننا الى ان يعود الى رشده ويعرف فضل ابيه عليه .. وبدانا منذ ذلك اليوم 8/ 12 الماضى لا ناكل معه ولا نكلمه .. واذا جاء ليجلس فى مكان نجلس فيه نهضنا منه معا وجلسنا فى غرفه اخرى .. واذا حاول الكلام معنا فى هذا الموضوع او اي موضوع اخر صددناه ..بل وخرجت مع ابنتى وزوجى بدونه ..وسهرنا فى المسرح ...وجاء يوم عيد ميلاده فى فبراير الماضى فلم نحتفل به كالعاده ولم نقل له اى كلمه .. ورغم ان قلبي كان ينفطر عليه وانا ارى نظرات الذل فى عينيه وفى نبرات صوته حتى كدت اكثر من مره اضعف واذهب اليه واحتضنه واقبله فاننى غالبت نفسي تضامنا مع ابيه .. وحين سمعناه انا وزوجى ذات مره يبكى فى الليل قاومت نفسي وغالبت دموعى ونهرته طالبه منه ان يكف عن البكاء ويذاكر ...... ثم جاء بعدها بايام وبكى امامنا بحرقه وامسك يدى ابيه وقبلهما وقبل يدى فلم نستطع الا ان نغفر له ومن قلب صاف كل ما كان من امره..وسعد زوجى بابنه وبلغنا عنان السماء من السعاده حين فوجئنا بابنى يدعو زملاءه فى الجامعه الذين حدث بسببهم ذلك المشهد البشع ويقدم لهم اباه ويقول لهم :ان هذا الرجل العظيم هو ابوه وانه يفخر بذلك .. ولا استطيع ان اصف لك ما استشعرته فى تلك اللحظه من احساس الرضا والراحه اللذين انطبعا على وجه زوجى الاسمر الوسيم ولا احساس الفرح الذى جاش فى صدرى وعشنا ليله سعيده وعادت ايامنا الحلوه .. ولا نستطيع ان نفيك حقك من الشكر فابنى يقول لك انه قد تاب عما فعل وندم عليه وعلى كل لحظه من عمره خجل فيها من ابيه ويطلب منى ان اسالك كيف يكفر عن ذنبه ويقول انه يريد ان يراك لانك قلت عنه فى ردك كلاما قاسيا وهو يقسم لك انه ليس سيئا الى هذه الدرجه لكنها همسات الشيطان لعنة الله عليه .. وابنتى تقول لك انك ايقظتها من غفله كادت تذهب بها .. واما حبيبي ونور عينى زوجى فيقول لك انك كنت خير معلم لزوجته الفيلسوفه ..تصور حتى فى لحظات السعاده لا انجو من مشاغباته ... اما انا اقول لك وان كنت قد قسوت على فانك قد ايقظت فى قلبى الحب القديم لزوجى الذى كان قد بدا يهدا حين طالبتنى بان التصق بزوجى فقد فعلت ذلك فاشتعل الحب مره اخرى كما كان في الايام الجميله ورايت زوجى مره ثانيه وكانى اكتشفه من جديد فالحمد لله الذى اعاد السعاده لاسرتى .. والشكر ترسله لك دموعى والسلام ...... ولكاتبة هذه الرساله اقول... الحب يا سيدتى كلهب المدفاه التقليديه يحتاج الى ان نلقى اليه من حين الى اخر ببعض قطع الخشب والا ذوي اللهب وانطفا .. وقصتك مع زوجك خير دليل على ذلك فحين استقبلت مدفاتكما بعد تلك الظروف دفعه جديده من الاخشاب ارتفع الاوار من جديد وعاد التفاهم والاتحاد فى الرؤيه والاحساس ... ولقد حرصت فى ردى ان الفت نظرك الى ان علاج اي مشكله يبدا بعلاج اسبابها وما فعلتيه مع زوجك لمواجهة طيش ابنك يعد درسا فى التربيه يستحق الاشاده واسمحى لى اقول ان هذا لم يكن ليتحقق الا وانت فى صف زوجك ولا بعشرات المواعظ عن حق الاب وانى لم اقصد ايلامك بردى السابق وانما قصدت ان اضعك امام نفسك لانى اعرف انه يشق على الانسان ان يو اجه نفسه ... واهلا بابنك العائد الى معدنه الاصيل بعد غياب قصير ومرحبا به فى اى وقت بعد ان اصبح جديرا بحب ابيه وجديرا باحترامى .. وتمنيات صادقه لك ولاسرتك بان ترفرف عليها دائما اجنحة الحب والسلام باذن الله ...