ياسمين حلمى شافع
07-11-2009, 04:27 PM
بركات التوحيد
اعداد شوقى عبد الصادق
مجلة التوحيد
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقد قال تعالى «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ» محمد
وهذا العلم هو خير ما علمه النبي والنبيون قبله، وخير كلمة نطق بها النبي والنبيون قبله، وهذه الكلمة هي الكلمة الطيبة التي اشتملت على الكفر بكل طاغوت يُعبد من دون الله من شجر أو حجر أو بشر، أو جن، أو مَلك، والإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد لقوله تعالى «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» البقرة ، والعروة الوثقى هي لا إله إلا الله
والإتيان بالتوحيد له بركات على الأفراد والجماعات، وفي الحياة الدنيا وبعد الممات، ومن هذه البركات
أولاً تحريم مال الموحد ودمه
لقوله عليه الصلاة والسلام «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله»
ولما رواه مسلم أيضًا من حديث أسامة بن زيد لما قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله، وتوقف الأنصاري عن القتل وذكر ذلك للنبي ، فقال له «يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» قال قلت يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال فقال «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» قال فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم مسلم
ثانيًا التوحيد عمل قليل وثواب جزيل
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عَشْرِ رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد فأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك» اللؤلؤ والمرجان
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي قال «من قال عشرًا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل» اللؤلؤ والمرجان
ففي الحديث الأول يُحصل الموحد بهذا الذكر خمس فضائل ؛ أولها يؤجر كمن أعتق عشر رقاب لله، ثانيها كتبت له مائة حسنة، ثالثها محيت عنه مائة سيئة، ورابعها كانت له حرزًا من الشيطان سائر اليوم حتى يمسي، وخامسها السبق بالفضيلة على كل من لم يقل مثل قوله، وهذا أمر هين لك أن تقوله جميعًا أو متفرقًا في أول النهار وأثنائه، ولكن أوله أولى
وكذلك حديث «من دخل سوقًا من الأسواق فقال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومَحى عنه ألف ألف سيئة» حسنه الألباني بمجموع طرقه في الكلم الطيب ، وابن كثير
ثالثًا التوحيد راحة للبال وهدوء للنفس
قال تعالى في حق أهل بدر الموحدين الذين لم يشركوا بربهم شيئًا ولا يستغيثون إلا به ولا يرجون إلا هو «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ» الأنفال ، فتوحيد الله وصدق التوجه إليه، والاستغاثة به وحده كان سببًا في نزول الملائكة للبشارة والاطمئان، ولَفَّهُمُ النعاسُ راحة وأمنة من الرحمن، وقريب من هذا قوله تعالى «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» الزمر ، فأين هذا العبد المشرك الممزق بين آلهة وأسياد ومعبوادت متعددة، من الموحد السّلَم لربه الواحد الأحد؟ لا شك أن الموحد إذا سأل سأل إلهًا واحدًا، وإذا استعان استعان بإله واحد، بخلاف المشرك يسأل أكثر من إله فهو متعب ممزق
وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله إذا تَضَوَّر من الليل قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار» الصحيحة
فهذا رسول الله يأمر الأمة بالتوحيد إذا أصابهم قلق عند النوم لتهدأ أنفسهم
رابعًا من بركات التوحيد كشف الكرب وذهاب الغم
قال الله تعالى «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» الأنبياء ، ، وقال تعالى «فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» الصافات ،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي كان يقول عند الكرب «لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم» مسلم ج ص
قال النووي قال الطبري كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، وعن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئًا» أبو داود ح
خامسًا التوحيد أثقل ما وضع في الميزان
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي قال «إن الله سيُخلصُ رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول له أتنكر من هذا شيئًا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال لا يا رب، فيقول ألك عذر أو حسنة ؟ فيبهت الرجل فيقول لا يا رب، فيقول بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك فتُخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول أحضروه، فيقول يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال إنك لا تظلم، قال فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم» صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي
سادسًا التوحيد أساس قبول الأعمال
قال تعالى «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» الكهف
فشرط قبول العمل الإخلاص لله فيه، والمتابعة للنبي ، أي يكون العمل صوابًا
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي يرويه عن ربه عز وجل أنه قال «أنا خير الشركاء، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء، وهو للذي أشرك» مسلم
وروى النسائي بسند جيد قال رسول الله «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه»
سابعًا مغفرة الذنوب من بركات التوحيد
لقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» النساء
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله «إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال لا إله إلا أنت، إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال عبدي عرف أن له ربًا يغفر ويعاقب» الصحيحة
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله «ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها» الصحيحة
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله يقول «قال الله تعالى يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» الترمذي في الجامع ، وله شاهد عند مسلم في الصحيح
ثامنًا الموحدون شفعاء في الدنيا والآخرة وهم أسعد الناس بشفاعة النبي
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه» مختصر مسلم
وعن أبي هريرة أن النبي قال «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قبله أو نفسه»
تاسعًا من بركات التوحيد التمكين في الأرض
قال الله تعالى «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» النور ، وتتجلى هذه الصورة فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا لا إله إلا الله، والله أكبر فيسقط أحد جانبيها، قال ثور لا أعلمه إلا قال الذي في البحر ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولون الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوا فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون مسلم
وقال النووي في شرحه للحديث قال بعضهم المعروف المحفوظ من بني إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب، وهذه المدينة هي القسطنطينية اهـ
فعلى المسلمين إن أرادوا التمكين في الأرض أن يأتوا بالتوحيد كاملاً غير منقوص قبل أي إعداد من علوم ومن عَدد وعُدد، فهذا الفتح المنصوص عليه في الحديث بدون سلاح، وإنما بالتوحيد الفعلي، ثم القولي، فهو قذائف الحق من قلوب شهدت أنه لا إله إلا الله ففتح الله لها، ولا يأتي الفتح لأقوام أُشربت قلوبهم الشرك والبدعة مهما أوتوا من قوة
عاشرًا من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
لما رواه البخاري قال رسول الله «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» البخاري
وفي رواية «هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»
لا يتطيرون لا يتشاءمون
لا يسترقون لا يطلبون الرقية على خلاف بين العلماء في ذلك
يكتوون يستخدمون الكي في علاج الأمراض
فهذا العدد السبعون ألفًا حقق التوحيد فأدخلوا الجنة بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية أن رسول الله قال «رب زدني، فقال مع كل ألف سبعون ألفًا»
حادي عشر الموحدون لا يُخلدون في النار وإن دخلوها
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا» النساء ، وقال تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا» النساء ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» الصحيحة
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حُممًا ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتُون كما ينبت الغُثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة» الصحيحة
وقد لا تمس النار الموحد أصلاً لما رواه أبو هريرة وأبو سعيد أنهما شهدا على رسول الله أنه قال «إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر، قال الله عز وجل صدق عبدي، لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال العبد لا إله إلا الله وحده، قال الله صدق عبدي، لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له، قال صدق عبدي، لا إله إلا الله أنا ولا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، من رُزقهن عند موته لم تمسه النار» الصحيحة
وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي نوه إليها الطحاوي رحمه الله بقوله وأهل الكبائر من أمة محمد في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل، «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته شرح العقيدة الطحاوية ،
اعداد شوقى عبد الصادق
مجلة التوحيد
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقد قال تعالى «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ» محمد
وهذا العلم هو خير ما علمه النبي والنبيون قبله، وخير كلمة نطق بها النبي والنبيون قبله، وهذه الكلمة هي الكلمة الطيبة التي اشتملت على الكفر بكل طاغوت يُعبد من دون الله من شجر أو حجر أو بشر، أو جن، أو مَلك، والإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد لقوله تعالى «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» البقرة ، والعروة الوثقى هي لا إله إلا الله
والإتيان بالتوحيد له بركات على الأفراد والجماعات، وفي الحياة الدنيا وبعد الممات، ومن هذه البركات
أولاً تحريم مال الموحد ودمه
لقوله عليه الصلاة والسلام «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله»
ولما رواه مسلم أيضًا من حديث أسامة بن زيد لما قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله، وتوقف الأنصاري عن القتل وذكر ذلك للنبي ، فقال له «يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» قال قلت يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال فقال «أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله» قال فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم مسلم
ثانيًا التوحيد عمل قليل وثواب جزيل
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عَشْرِ رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد فأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك» اللؤلؤ والمرجان
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي قال «من قال عشرًا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل» اللؤلؤ والمرجان
ففي الحديث الأول يُحصل الموحد بهذا الذكر خمس فضائل ؛ أولها يؤجر كمن أعتق عشر رقاب لله، ثانيها كتبت له مائة حسنة، ثالثها محيت عنه مائة سيئة، ورابعها كانت له حرزًا من الشيطان سائر اليوم حتى يمسي، وخامسها السبق بالفضيلة على كل من لم يقل مثل قوله، وهذا أمر هين لك أن تقوله جميعًا أو متفرقًا في أول النهار وأثنائه، ولكن أوله أولى
وكذلك حديث «من دخل سوقًا من الأسواق فقال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومَحى عنه ألف ألف سيئة» حسنه الألباني بمجموع طرقه في الكلم الطيب ، وابن كثير
ثالثًا التوحيد راحة للبال وهدوء للنفس
قال تعالى في حق أهل بدر الموحدين الذين لم يشركوا بربهم شيئًا ولا يستغيثون إلا به ولا يرجون إلا هو «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ» الأنفال ، فتوحيد الله وصدق التوجه إليه، والاستغاثة به وحده كان سببًا في نزول الملائكة للبشارة والاطمئان، ولَفَّهُمُ النعاسُ راحة وأمنة من الرحمن، وقريب من هذا قوله تعالى «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» الزمر ، فأين هذا العبد المشرك الممزق بين آلهة وأسياد ومعبوادت متعددة، من الموحد السّلَم لربه الواحد الأحد؟ لا شك أن الموحد إذا سأل سأل إلهًا واحدًا، وإذا استعان استعان بإله واحد، بخلاف المشرك يسأل أكثر من إله فهو متعب ممزق
وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله إذا تَضَوَّر من الليل قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار» الصحيحة
فهذا رسول الله يأمر الأمة بالتوحيد إذا أصابهم قلق عند النوم لتهدأ أنفسهم
رابعًا من بركات التوحيد كشف الكرب وذهاب الغم
قال الله تعالى «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» الأنبياء ، ، وقال تعالى «فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» الصافات ،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي كان يقول عند الكرب «لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم» مسلم ج ص
قال النووي قال الطبري كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، وعن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله «ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئًا» أبو داود ح
خامسًا التوحيد أثقل ما وضع في الميزان
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي قال «إن الله سيُخلصُ رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول له أتنكر من هذا شيئًا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال لا يا رب، فيقول ألك عذر أو حسنة ؟ فيبهت الرجل فيقول لا يا رب، فيقول بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك فتُخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول أحضروه، فيقول يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال إنك لا تظلم، قال فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم» صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي
سادسًا التوحيد أساس قبول الأعمال
قال تعالى «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» الكهف
فشرط قبول العمل الإخلاص لله فيه، والمتابعة للنبي ، أي يكون العمل صوابًا
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي يرويه عن ربه عز وجل أنه قال «أنا خير الشركاء، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء، وهو للذي أشرك» مسلم
وروى النسائي بسند جيد قال رسول الله «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه»
سابعًا مغفرة الذنوب من بركات التوحيد
لقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» النساء
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله «إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال لا إله إلا أنت، إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال عبدي عرف أن له ربًا يغفر ويعاقب» الصحيحة
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله «ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها» الصحيحة
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله يقول «قال الله تعالى يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» الترمذي في الجامع ، وله شاهد عند مسلم في الصحيح
ثامنًا الموحدون شفعاء في الدنيا والآخرة وهم أسعد الناس بشفاعة النبي
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه» مختصر مسلم
وعن أبي هريرة أن النبي قال «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قبله أو نفسه»
تاسعًا من بركات التوحيد التمكين في الأرض
قال الله تعالى «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» النور ، وتتجلى هذه الصورة فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا لا إله إلا الله، والله أكبر فيسقط أحد جانبيها، قال ثور لا أعلمه إلا قال الذي في البحر ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولون الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوا فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون مسلم
وقال النووي في شرحه للحديث قال بعضهم المعروف المحفوظ من بني إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب، وهذه المدينة هي القسطنطينية اهـ
فعلى المسلمين إن أرادوا التمكين في الأرض أن يأتوا بالتوحيد كاملاً غير منقوص قبل أي إعداد من علوم ومن عَدد وعُدد، فهذا الفتح المنصوص عليه في الحديث بدون سلاح، وإنما بالتوحيد الفعلي، ثم القولي، فهو قذائف الحق من قلوب شهدت أنه لا إله إلا الله ففتح الله لها، ولا يأتي الفتح لأقوام أُشربت قلوبهم الشرك والبدعة مهما أوتوا من قوة
عاشرًا من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
لما رواه البخاري قال رسول الله «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» البخاري
وفي رواية «هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»
لا يتطيرون لا يتشاءمون
لا يسترقون لا يطلبون الرقية على خلاف بين العلماء في ذلك
يكتوون يستخدمون الكي في علاج الأمراض
فهذا العدد السبعون ألفًا حقق التوحيد فأدخلوا الجنة بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية أن رسول الله قال «رب زدني، فقال مع كل ألف سبعون ألفًا»
حادي عشر الموحدون لا يُخلدون في النار وإن دخلوها
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا» النساء ، وقال تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا» النساء ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» الصحيحة
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حُممًا ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتُون كما ينبت الغُثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة» الصحيحة
وقد لا تمس النار الموحد أصلاً لما رواه أبو هريرة وأبو سعيد أنهما شهدا على رسول الله أنه قال «إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر، قال الله عز وجل صدق عبدي، لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال العبد لا إله إلا الله وحده، قال الله صدق عبدي، لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له، قال صدق عبدي، لا إله إلا الله أنا ولا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، من رُزقهن عند موته لم تمسه النار» الصحيحة
وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي نوه إليها الطحاوي رحمه الله بقوله وأهل الكبائر من أمة محمد في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل، «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته شرح العقيدة الطحاوية ،