ايمان حسن
05-31-2009, 09:04 PM
استراتيجية إدارة الموارد البشرية ودورها في إنجاز استراتيجية المنظمة
محمود حسين عيسى
مقدمة:
كان من نتائج العولمة أنْ وضعت المنظمات (الشركات، والمؤسسات...) في أكثر دول العالم في بيئات اقتصادية، ومالية، وقانونية ذات تغير كبيرٍ وسريعِ الإيقاع، فجعلت العالم المترامي الأطراف كقرية صغيرة، فلم تعد هناك القيودُ التي كانت مفروضة من قَبْل من جانب الدول لحماية صناعاتها المحلية، وأصبحت حريةُ حركة وتداول السلع والخدمات أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي، مما أشعل حدةَ المنافسة بين المنظمات والشركات العالمية والمحلية والإقليمية.
وقد فَرَضت هذه النتائجُ والظروف والتغيرات البيئية المغايرة للواقع الذي ساد في الماضي، فرضت على المنظمات ضرورةَ سرعة التعامل والتكيف معها، وعدم الاصطدام بها..! فأخذت هذه المنظماتُ تكيِّف استراتيجيتها العامة، واستراتيجيات إداراتها، وممارساتها في جميع مجالات العمل فيها؛ سواء كانت مجالات إنتاجية، أو موارد بشرية، أو تسويقية أو بيعية، أو في الفكر الإداري، أو في الهياكل التوظيفية... إلخ مع هذه التغيرات البيئية الداخلية والخارجية.
وكان أحدَ مجالات العمل داخل المنظمات، والذي احتاج إلى تغيير شامل وتكييف - مجالُ عمل إدارة الموارد البشرية، فكان من غير الممكن أن يستمر دورُ "إدارة الأفراد" كما كانت تسمى قبل العام 1980م إذ استبدلت الجامعات الكبرى بهذا المسمي مسمى "إدارة الموارد البشرية" HRM) Human Resource Management)، ولم يقتصر التغييرُ على المسمى فقط، بل امتد التغيير إلى المضمون والأدوار أيضاً، وأصبح لإدارة الموارد البشرية استراتيجيةٌ خاصة بها، تنصهر في الاستراتيجية العامة للمنظمة، وتعد جزءا لا يتجزأ منها، فضلاً عن تكاملها وتنسقيها معها، إذ تقوم استراتيجية إدارة الموارد البشرية بدور هام في تحقيق أهداف الاستراتيجية العامة.
فاستراتيجية إدارة الموارد البشرية تعمل على فهم البيئة الداخلية للمنظمة، ومتطلباتها ومتغيراتها الأساسية والمؤثرة؛ من حيث: رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، وأساليبها الإدارية، وثقافتها التنظيمية، ومتطلبات العمل فيها.. وغيرها، فضلاً عن فهمها للبيئة الخارجية المحيطة بالمنظمة، والإحاطة بجميع متغيراتها، وقوانينها، واتجاهاتها المؤثرة أو التي قد تؤثر في أعمال المنظمة ونشاطاتها، وهذا الفهم للبيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، يُمكِّن إدارةَ الموارد البشرية من وضع استراتيجيتها بنجاح وبشكل يحتوي على مواءمة كبيرة بين ممارسات ونشاطات إدارة الموارد البشرية، والمتغيرات والتحديات التي تحتويها البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة.
إنَّ استراتيجيةَ إدارة الموارد البشرية الفعالة يتوقف عليها الآن استراتيجيةُ المنظمة المستقبلية، حيث توفر وتلبي – أعني استراتيجية إدارة الموارد البشرية – حاجةَ الإدارات الأخرى المكونة للمنظمة من الموارد البشرية المناسبة، والمدربة والمؤهلة، والمحفزة بشكل جيد، من خلال برامج تدريبية، وسياسات تعليمية، تضعُها إدارةُ الموارد البشرية لرفع وتنمية قدرات هذه الموارد البشرية، والتي عن طريقها ستحققُ كلُّ إدارة - أو وظيفة - داخلَ المنظمة أهدافَها الاستراتيجية، ومن ثَمَّ تحقق المنظمةُ أهدافها الاستراتيجية.
وهكذا أصبحت مسؤوليةُ إدارة الموارد البشرية كبيرة جداً، فمُستهدَفٌ منها وبشكل متواصل، تهيئةُ وتكييف استراتيجيتها ونشاطاتها وممارساتها مع المتغيرات والتحديات البيئية الداخلية والخارجية التي تؤثر في استراتيجية المنظمة العامة.
وقبل الحديث عن ماهية استراتيجية إدارة الموارد البشرية، والأبعاد الاستراتيجية لدور إدارة الموارد البشرية، نود أن نٌوجِزَ بعضاً من التحديات والمتغيرات الإدارية والإنتاجية، والتسويقية والبيعية التي تحيط بالمنظمات وتعمل في ظلها، وهذه التحديات المعاصرة سواء كانت إدارية أو قانونية... إلخ تفرض على المنظمات - وفي القلب منها إدارات الموارد البشرية - أن تتعامل معها بما يناسبها من وسائلَ وإجراءاتٍ معاصرة أيضاً، ونُتبِع ذلك العرضَ بعرض موجز آخر للوظائف الأساسية للإدارة.
وقد عرض Oren Harari هذه التحديات بشكل موجز كما يلي:
- المنظمة مكان للعمل والعيش معاً، يجب أن يسودَها جوٌّ من الألفة والمودة والمحبة؛ فهي عشيرة مترابطة، أفرادُها لديهم ولاء وانتماء لها، ويسعَون إلى تحقيق أهدافها.
- يحيط بالمنظمة - التي هي مصدرُ رزقِ كل من يعمل فيها - مخاطرُ بيئية على رأسها المنافسةُ السوقية الشديدة، لذلك فالكل عليه مسؤولية مشتركة وجسيمة، وهي أن يعي هذه المخاطر.
- البيئة التي تعمل فيها المنظمات سريعة التغير، ومن لا يتكيف مع هذا التغير سيؤول للزوال.
- العميل ورضاه هو أساس بقاء المنظمة واستمراريتها، وبالتالي فكل من يعمل في المنظمة هو رجل تسويق يسعى لرفع سمعة المنظمة وإرضاء عملائها، فهذه مسؤولية الجميع.
- تحقيقُ القيمة المضافة في جميع مناشط المنظمة هدفُ ومسؤولية كل من يعمل فيها، فالجميعُ عليه أن يفكر في مسألة الربح والخسارة.
- الطموحُ المستمر والسعي للأفضل هو شعار المنظمة وجميع من يعمل فيها، ومن ثم فمواجهةُ التحديات جزء من حياة العاملين في المنظمة.
- الاستفادة من أخطاء وتجارِب الماضي مسألة هامة، فالذي لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له، فالندم والأسف لا مجال لهما في حياة المنظمة، فهو لا يقودها للتقدم، فالنظر دائماً يكون للأمام.
- التجديد والابتكار - ومن ثم التحسين المستمر لكل شيء في المنظمة - مسألة حتمية ومحسومة، فالذي لا يتحسَّن سيزول بلا شك؛ لأن الآخرين سيسبقونه، لذلك يجب توفير المبادرة لدى الجميع، وواجبٌ عليهم تقديمُ الجديد النافع للمنظمة التي هي للجميع وليست لفئة معينة.
- المنظمة وكل مكوناتها، وكل من يعمل فيها نظام كلي واحد يعمل تُِجاه تحقيق رسالتها المستقبلية، وبالتالي فهذا النظام متعاون متكامل يعمل في نسق واحد.
- كل من يعمل في المنظمة - من مديرين، وموظفين، وعمال، وفنيين... إلخ - هم شركاء وليسوا أجراء، يشاركون في اتخاذ القرارات.
- المرونةُ والحرية شعارُ العمل في المنظمة، فكل فرد هو سيد عمله ودوره الذي يؤديه، ومن ثم فهو مدير لوظيفة يتحمل مسؤوليتها كاملة.
- إدارة العمل أصبحت ذاتية، لكن ليست فردية بل جماعية، فأعمال المنظمة تؤدَّى جماعياً من خلال فِرَقِ عمل مُدارة ذاتياً من قِبَل أعضاء الفريق، فالأسلوب الفردي لم يعد له وجود في المنظمات المعاصرة،؛ لأن النهج الإداري الجديد هو الاعتماد على الذات في ممارسة المهام وحل المشكلات.
- الشعور بالمسؤولية الذاتية لدى الجميع مطلب أساسي، فالجودة المتميزة وإرضاء العملاء والمستهلكين وتحقيق البقاء للمنظمة، يجب أن يكون هاجساً داخلياً لدى كل من يعمل فيها، فواجب كل فرد إذا عمل في مكان داخل المنظمة أن يسعى لتقديم النصح لها.
- الاستقرارُ الوظيفي مسألة يقوم عليها تحقيق الانتماء للمنظمة لدى العاملين لديها، فيجب إشعارُ الجميع أنهم باقون في المنظمة مدى الحياة، وأنهم سيتقاعدون عن العمل فيها وهم يحملون أجمل ذكريات حياتهم.
- التعلم وتطوير الذات جزء وهدف أساسي ومستمر طوال حياة العاملين في المنظمة.
- تقييم الأداء البشري لم يعد تقليديا يعتمد على تحقيق المعايير المطلوبة فحسب، بل تخطيها وتحقيق التميز في الأداء، فهو أساس البقاء والاستمرار.
- جميع العاملين في المنظمة أصحاب عزيمة وجَلَد في تحديات ومخاطر البيئة، فشعارُهم هو مواجهةُ التحدي لا الهَرَبُ منه.
- المواردُ البشرية التي تحتاجها المنظمات اليوم مواردُ تمتلك مهاراتٍ متنوعةً؛ فالفرد الذي يمتلك مهارةً واحدة لن يجد له مكاناً في المنظمات الحديثة بسهولة.
إن معظم الباحثين والخبراء والممارسين قد اتفقوا على الوظائف الأساسية للإدارة التي يؤديها المديرون في معظم المنظمات والشركات وغيرها.. مع اختلاف أنشطتها، وتنوع مجالات أعمالها، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً فوارق التطبيق بين المنظمات..
ويمكننا عرضُ هذه الوظائف الإدارية الخمس بإيجاز فيما يلي:
1- التخطيط Planning: ويختص التخطيط بتحديد الأهداف، ووضع المعايير ورسم السياسات، وصياغة الخطط، واستشراف المستقبل، ووضع القواعد والإجراءات التنظيمية والتنفيذية التي من شأنها ضمانُ عملية تنفيذ الخطط.
2- التنظيم Organizing: وهذه الوظيفة الهامة والحيوية تختص بتكليف كل موظف (مرؤوس) بمهام أو مهمة محددة، وتختص أيضاً بتكوين الإدارات، والأقسام، وترسم حدود السلطات، ومن ثم تفويض السلطة للمرؤوسين، وتقوم هذه الوظيفة بوضع الهياكل الوظيفية، ورسم خطوط وقنوات الاتصال فيما بين السلطات، فضلاً عن التنسيق بين أعمال ومهام ووظائف المرؤوسين لضمان عدم التضارب بين المهام، وأيضاً ضمان تنفيذ الخطط المرسومة.
3- تكوين وتنمية الكفاءات (التوظيف) Staffing: من مهام هذه الوظيفة الإدارية الهامة تحديدُ نوعية الأفراد المطلوب الاستفادة منهم، وذلك بتعيينهم بالمنظمة، ووضع آلية لاستقطاب ما تحتاجه المنظمة من كفاءات بشرية مميزة، ووضع آلية تمكّنُها من المفاضلة بين العناصر البشرية المتقدمة لشغل الوظائف الشاغرة بالمنظمة، واختيار الأكفأ من بين هذه العناصر.. ومن مهام هذه الوظيفة الإدارية أيضاً وضعُ معايير للأداء يلتزم بها كلُّ العاملين داخل المنظمة، وتحديد أنسب وأعدل وأفضل الطرق التي يمكن الاعتمادُ عليها في التعامل مع العاملين داخل المنظمة؛ من حيث المكافآت، وتقييم الأداء، والاهتمام بتنمية مهارات وكفاءات العاملين من خلال برامج تدريبية وتأهيلية مبنية على أسس علمية مدروسة، وخبرات علمية مشهود لها بالفاعلية.
4- القيادة Leading: وتهدف هذه الوظيفة الهامة إلى حَثّ العاملين داخل المنظمة على أداء واجباتهم الوظيفية بشكل فعّال طبقاً للخطط الموضوعة، فضلاً عن الاهتمام بالجوانب النفسية للعاملين من خلال رفع رُوحهم المعنوية بشكل مستمر.
5- الرقابة Controlling: ومن مهام هذه الوظيفة وضع المعايير الرقابية الخاصة بمستويات وجَوْدة الإنتاج، والحصة السوقية، والأداء... إلخ، ثم القيام بعملية التقييم بهدف معرفة مدى تطابق الأداء الفعلي للعاملين في المنظمة مع الأداء المستهدَف والمحدد في الخطط والمعايير الموضوعة، ومن مهامها أيضاً القيام بالإجراءات التصحيحية في حال وجود انحرافات بين المخطط والمنفذ.
ماهية استراتيجية إدارة الموارد البشرية:
* تعريف استراتيجية إدارة الموارد البشرية:
هي خطة معاصرة طويلة المدى، تشتمل على ممارسات وسياسات تتعامل من خلالها المنظمة مع المورد (العنصر) البشري في العمل، وتتفق وتتكامل وتتناسق هذه الخططُ والممارسات والسياسات مع الاستراتيجية العامة للمنظمة، وتعمل على تحقيق رسالتها، وغايتها، وأهدافها، في ظل متغيرات البيئة الداخلية والخارجية التي تعمل من خلالها المنظمةُ، والتي من أهمها المنافسة الحادة بين المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية.
ويمكن تعريفُ استراتيجية إدارة الموارد البشرية أيضاً بأنها: خطة طويلة الأجل، تتكون من مجموعة من النشاطات على هيئةِ برامجَ محددة البداية والنهاية، وسياسات تكوِّن وظائفَ ومهامَّ إدارة الموارد البشرية داخل المنظمة، وتحتوي هذه الخطةُ على مجموعة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بشؤون الموارد البشرية داخل المنظمة، والمستقبل الوظيفي لهذه الموارد البشرية.
محمود حسين عيسى
مقدمة:
كان من نتائج العولمة أنْ وضعت المنظمات (الشركات، والمؤسسات...) في أكثر دول العالم في بيئات اقتصادية، ومالية، وقانونية ذات تغير كبيرٍ وسريعِ الإيقاع، فجعلت العالم المترامي الأطراف كقرية صغيرة، فلم تعد هناك القيودُ التي كانت مفروضة من قَبْل من جانب الدول لحماية صناعاتها المحلية، وأصبحت حريةُ حركة وتداول السلع والخدمات أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي، مما أشعل حدةَ المنافسة بين المنظمات والشركات العالمية والمحلية والإقليمية.
وقد فَرَضت هذه النتائجُ والظروف والتغيرات البيئية المغايرة للواقع الذي ساد في الماضي، فرضت على المنظمات ضرورةَ سرعة التعامل والتكيف معها، وعدم الاصطدام بها..! فأخذت هذه المنظماتُ تكيِّف استراتيجيتها العامة، واستراتيجيات إداراتها، وممارساتها في جميع مجالات العمل فيها؛ سواء كانت مجالات إنتاجية، أو موارد بشرية، أو تسويقية أو بيعية، أو في الفكر الإداري، أو في الهياكل التوظيفية... إلخ مع هذه التغيرات البيئية الداخلية والخارجية.
وكان أحدَ مجالات العمل داخل المنظمات، والذي احتاج إلى تغيير شامل وتكييف - مجالُ عمل إدارة الموارد البشرية، فكان من غير الممكن أن يستمر دورُ "إدارة الأفراد" كما كانت تسمى قبل العام 1980م إذ استبدلت الجامعات الكبرى بهذا المسمي مسمى "إدارة الموارد البشرية" HRM) Human Resource Management)، ولم يقتصر التغييرُ على المسمى فقط، بل امتد التغيير إلى المضمون والأدوار أيضاً، وأصبح لإدارة الموارد البشرية استراتيجيةٌ خاصة بها، تنصهر في الاستراتيجية العامة للمنظمة، وتعد جزءا لا يتجزأ منها، فضلاً عن تكاملها وتنسقيها معها، إذ تقوم استراتيجية إدارة الموارد البشرية بدور هام في تحقيق أهداف الاستراتيجية العامة.
فاستراتيجية إدارة الموارد البشرية تعمل على فهم البيئة الداخلية للمنظمة، ومتطلباتها ومتغيراتها الأساسية والمؤثرة؛ من حيث: رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، وأساليبها الإدارية، وثقافتها التنظيمية، ومتطلبات العمل فيها.. وغيرها، فضلاً عن فهمها للبيئة الخارجية المحيطة بالمنظمة، والإحاطة بجميع متغيراتها، وقوانينها، واتجاهاتها المؤثرة أو التي قد تؤثر في أعمال المنظمة ونشاطاتها، وهذا الفهم للبيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، يُمكِّن إدارةَ الموارد البشرية من وضع استراتيجيتها بنجاح وبشكل يحتوي على مواءمة كبيرة بين ممارسات ونشاطات إدارة الموارد البشرية، والمتغيرات والتحديات التي تحتويها البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة.
إنَّ استراتيجيةَ إدارة الموارد البشرية الفعالة يتوقف عليها الآن استراتيجيةُ المنظمة المستقبلية، حيث توفر وتلبي – أعني استراتيجية إدارة الموارد البشرية – حاجةَ الإدارات الأخرى المكونة للمنظمة من الموارد البشرية المناسبة، والمدربة والمؤهلة، والمحفزة بشكل جيد، من خلال برامج تدريبية، وسياسات تعليمية، تضعُها إدارةُ الموارد البشرية لرفع وتنمية قدرات هذه الموارد البشرية، والتي عن طريقها ستحققُ كلُّ إدارة - أو وظيفة - داخلَ المنظمة أهدافَها الاستراتيجية، ومن ثَمَّ تحقق المنظمةُ أهدافها الاستراتيجية.
وهكذا أصبحت مسؤوليةُ إدارة الموارد البشرية كبيرة جداً، فمُستهدَفٌ منها وبشكل متواصل، تهيئةُ وتكييف استراتيجيتها ونشاطاتها وممارساتها مع المتغيرات والتحديات البيئية الداخلية والخارجية التي تؤثر في استراتيجية المنظمة العامة.
وقبل الحديث عن ماهية استراتيجية إدارة الموارد البشرية، والأبعاد الاستراتيجية لدور إدارة الموارد البشرية، نود أن نٌوجِزَ بعضاً من التحديات والمتغيرات الإدارية والإنتاجية، والتسويقية والبيعية التي تحيط بالمنظمات وتعمل في ظلها، وهذه التحديات المعاصرة سواء كانت إدارية أو قانونية... إلخ تفرض على المنظمات - وفي القلب منها إدارات الموارد البشرية - أن تتعامل معها بما يناسبها من وسائلَ وإجراءاتٍ معاصرة أيضاً، ونُتبِع ذلك العرضَ بعرض موجز آخر للوظائف الأساسية للإدارة.
وقد عرض Oren Harari هذه التحديات بشكل موجز كما يلي:
- المنظمة مكان للعمل والعيش معاً، يجب أن يسودَها جوٌّ من الألفة والمودة والمحبة؛ فهي عشيرة مترابطة، أفرادُها لديهم ولاء وانتماء لها، ويسعَون إلى تحقيق أهدافها.
- يحيط بالمنظمة - التي هي مصدرُ رزقِ كل من يعمل فيها - مخاطرُ بيئية على رأسها المنافسةُ السوقية الشديدة، لذلك فالكل عليه مسؤولية مشتركة وجسيمة، وهي أن يعي هذه المخاطر.
- البيئة التي تعمل فيها المنظمات سريعة التغير، ومن لا يتكيف مع هذا التغير سيؤول للزوال.
- العميل ورضاه هو أساس بقاء المنظمة واستمراريتها، وبالتالي فكل من يعمل في المنظمة هو رجل تسويق يسعى لرفع سمعة المنظمة وإرضاء عملائها، فهذه مسؤولية الجميع.
- تحقيقُ القيمة المضافة في جميع مناشط المنظمة هدفُ ومسؤولية كل من يعمل فيها، فالجميعُ عليه أن يفكر في مسألة الربح والخسارة.
- الطموحُ المستمر والسعي للأفضل هو شعار المنظمة وجميع من يعمل فيها، ومن ثم فمواجهةُ التحديات جزء من حياة العاملين في المنظمة.
- الاستفادة من أخطاء وتجارِب الماضي مسألة هامة، فالذي لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له، فالندم والأسف لا مجال لهما في حياة المنظمة، فهو لا يقودها للتقدم، فالنظر دائماً يكون للأمام.
- التجديد والابتكار - ومن ثم التحسين المستمر لكل شيء في المنظمة - مسألة حتمية ومحسومة، فالذي لا يتحسَّن سيزول بلا شك؛ لأن الآخرين سيسبقونه، لذلك يجب توفير المبادرة لدى الجميع، وواجبٌ عليهم تقديمُ الجديد النافع للمنظمة التي هي للجميع وليست لفئة معينة.
- المنظمة وكل مكوناتها، وكل من يعمل فيها نظام كلي واحد يعمل تُِجاه تحقيق رسالتها المستقبلية، وبالتالي فهذا النظام متعاون متكامل يعمل في نسق واحد.
- كل من يعمل في المنظمة - من مديرين، وموظفين، وعمال، وفنيين... إلخ - هم شركاء وليسوا أجراء، يشاركون في اتخاذ القرارات.
- المرونةُ والحرية شعارُ العمل في المنظمة، فكل فرد هو سيد عمله ودوره الذي يؤديه، ومن ثم فهو مدير لوظيفة يتحمل مسؤوليتها كاملة.
- إدارة العمل أصبحت ذاتية، لكن ليست فردية بل جماعية، فأعمال المنظمة تؤدَّى جماعياً من خلال فِرَقِ عمل مُدارة ذاتياً من قِبَل أعضاء الفريق، فالأسلوب الفردي لم يعد له وجود في المنظمات المعاصرة،؛ لأن النهج الإداري الجديد هو الاعتماد على الذات في ممارسة المهام وحل المشكلات.
- الشعور بالمسؤولية الذاتية لدى الجميع مطلب أساسي، فالجودة المتميزة وإرضاء العملاء والمستهلكين وتحقيق البقاء للمنظمة، يجب أن يكون هاجساً داخلياً لدى كل من يعمل فيها، فواجب كل فرد إذا عمل في مكان داخل المنظمة أن يسعى لتقديم النصح لها.
- الاستقرارُ الوظيفي مسألة يقوم عليها تحقيق الانتماء للمنظمة لدى العاملين لديها، فيجب إشعارُ الجميع أنهم باقون في المنظمة مدى الحياة، وأنهم سيتقاعدون عن العمل فيها وهم يحملون أجمل ذكريات حياتهم.
- التعلم وتطوير الذات جزء وهدف أساسي ومستمر طوال حياة العاملين في المنظمة.
- تقييم الأداء البشري لم يعد تقليديا يعتمد على تحقيق المعايير المطلوبة فحسب، بل تخطيها وتحقيق التميز في الأداء، فهو أساس البقاء والاستمرار.
- جميع العاملين في المنظمة أصحاب عزيمة وجَلَد في تحديات ومخاطر البيئة، فشعارُهم هو مواجهةُ التحدي لا الهَرَبُ منه.
- المواردُ البشرية التي تحتاجها المنظمات اليوم مواردُ تمتلك مهاراتٍ متنوعةً؛ فالفرد الذي يمتلك مهارةً واحدة لن يجد له مكاناً في المنظمات الحديثة بسهولة.
إن معظم الباحثين والخبراء والممارسين قد اتفقوا على الوظائف الأساسية للإدارة التي يؤديها المديرون في معظم المنظمات والشركات وغيرها.. مع اختلاف أنشطتها، وتنوع مجالات أعمالها، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً فوارق التطبيق بين المنظمات..
ويمكننا عرضُ هذه الوظائف الإدارية الخمس بإيجاز فيما يلي:
1- التخطيط Planning: ويختص التخطيط بتحديد الأهداف، ووضع المعايير ورسم السياسات، وصياغة الخطط، واستشراف المستقبل، ووضع القواعد والإجراءات التنظيمية والتنفيذية التي من شأنها ضمانُ عملية تنفيذ الخطط.
2- التنظيم Organizing: وهذه الوظيفة الهامة والحيوية تختص بتكليف كل موظف (مرؤوس) بمهام أو مهمة محددة، وتختص أيضاً بتكوين الإدارات، والأقسام، وترسم حدود السلطات، ومن ثم تفويض السلطة للمرؤوسين، وتقوم هذه الوظيفة بوضع الهياكل الوظيفية، ورسم خطوط وقنوات الاتصال فيما بين السلطات، فضلاً عن التنسيق بين أعمال ومهام ووظائف المرؤوسين لضمان عدم التضارب بين المهام، وأيضاً ضمان تنفيذ الخطط المرسومة.
3- تكوين وتنمية الكفاءات (التوظيف) Staffing: من مهام هذه الوظيفة الإدارية الهامة تحديدُ نوعية الأفراد المطلوب الاستفادة منهم، وذلك بتعيينهم بالمنظمة، ووضع آلية لاستقطاب ما تحتاجه المنظمة من كفاءات بشرية مميزة، ووضع آلية تمكّنُها من المفاضلة بين العناصر البشرية المتقدمة لشغل الوظائف الشاغرة بالمنظمة، واختيار الأكفأ من بين هذه العناصر.. ومن مهام هذه الوظيفة الإدارية أيضاً وضعُ معايير للأداء يلتزم بها كلُّ العاملين داخل المنظمة، وتحديد أنسب وأعدل وأفضل الطرق التي يمكن الاعتمادُ عليها في التعامل مع العاملين داخل المنظمة؛ من حيث المكافآت، وتقييم الأداء، والاهتمام بتنمية مهارات وكفاءات العاملين من خلال برامج تدريبية وتأهيلية مبنية على أسس علمية مدروسة، وخبرات علمية مشهود لها بالفاعلية.
4- القيادة Leading: وتهدف هذه الوظيفة الهامة إلى حَثّ العاملين داخل المنظمة على أداء واجباتهم الوظيفية بشكل فعّال طبقاً للخطط الموضوعة، فضلاً عن الاهتمام بالجوانب النفسية للعاملين من خلال رفع رُوحهم المعنوية بشكل مستمر.
5- الرقابة Controlling: ومن مهام هذه الوظيفة وضع المعايير الرقابية الخاصة بمستويات وجَوْدة الإنتاج، والحصة السوقية، والأداء... إلخ، ثم القيام بعملية التقييم بهدف معرفة مدى تطابق الأداء الفعلي للعاملين في المنظمة مع الأداء المستهدَف والمحدد في الخطط والمعايير الموضوعة، ومن مهامها أيضاً القيام بالإجراءات التصحيحية في حال وجود انحرافات بين المخطط والمنفذ.
ماهية استراتيجية إدارة الموارد البشرية:
* تعريف استراتيجية إدارة الموارد البشرية:
هي خطة معاصرة طويلة المدى، تشتمل على ممارسات وسياسات تتعامل من خلالها المنظمة مع المورد (العنصر) البشري في العمل، وتتفق وتتكامل وتتناسق هذه الخططُ والممارسات والسياسات مع الاستراتيجية العامة للمنظمة، وتعمل على تحقيق رسالتها، وغايتها، وأهدافها، في ظل متغيرات البيئة الداخلية والخارجية التي تعمل من خلالها المنظمةُ، والتي من أهمها المنافسة الحادة بين المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية.
ويمكن تعريفُ استراتيجية إدارة الموارد البشرية أيضاً بأنها: خطة طويلة الأجل، تتكون من مجموعة من النشاطات على هيئةِ برامجَ محددة البداية والنهاية، وسياسات تكوِّن وظائفَ ومهامَّ إدارة الموارد البشرية داخل المنظمة، وتحتوي هذه الخطةُ على مجموعة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بشؤون الموارد البشرية داخل المنظمة، والمستقبل الوظيفي لهذه الموارد البشرية.