المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد جنون البقر و أنفلونزا الطيور و الخنازير ..... ديدان السمك


أحمد فاروق سيد حسنين
05-29-2009, 04:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جريدة الأهرام 29/5/2009
أحذروا الديدان فى سمك الغلابة


الشرقية : من د‏.‏ مني طعيمة‏:‏
حتي سمك الناس الغلابة البلطي‏..‏ يهدد بكارثة جديدة تضاف لمجموعة الكوارث المتمثلة في إنفلونزا الطيور والخنازير‏,‏ ومن قبل جنون البقر‏..‏ سمك الناس الغلابة ظهر في أسواق الزقازيق مملوءا بالديدان الكبيرة التي يتراوح طولها من‏10‏ سم إلي‏20‏ سم‏,‏ مما يهدد بكارثة علي صحة المواطنين بالشرقية‏..‏ فظهور الديدان أثار الخوف والرعب لدي المواطنين الذين قاموا بشرائه‏.‏

تقول المواطنة إيمان محمد‏:‏ إنني اشتريت‏4‏ كيلو سمك بلطي من أحد المحلات الكبيرة بسويقة الحلقة وفي أثناء تنظيفي له فوجئت بديدان كبيرة الحجم سريعة الحركة فأصابتنا حالة من الخوف والصراخ أنا وأولادي‏,‏ وتساءلت‏:‏ ما مصدر هذه الأسماك؟‏..‏ وما هو دور الصحة‏..‏ وأين حملات التفتيش علي محلات الأسماك؟‏!‏ وتؤكد أن أكثر من جارة لها اشترت من هذا السمك ووجدن به كميات كبيرة من الديدان رغم أن السمك طازج‏.‏

يقول د‏.‏ عطية مصطفي وكيل وزارة الطب البيطري‏:‏ إننا لا نعلم مصدر هذه الأسماك ومن يقوم ببيعها‏,‏ ولكنها تشكل بالتأكيد خطورة علي صحة الإنسان‏,‏ ولذلك فسوف يتم تشكيل حملة من الطب البيطري والصحة والتموين للمرور علي المحلات‏,‏ وعلي بائعي الأسماك الذين يقومون ببيعه الإبلاغ لفحص الأسماك وأخذ عينات وتحديد مصدرها‏,‏ فمن الممكن أنها من الديدان التي تنتقل للإنسان وتصيب المعدة والكبد وتؤدي إلي أمراض خطيرة‏.‏

وبعد ظهور الديدان في أسماك الناس الغلابة‏..‏ يبقي التساؤل‏:‏ من المسئول أولا عن هذه الكارثة البيئية‏,‏ وأين دور المسئولين بالمحافظة ومتي يتحركون لحماية أرواح المواطنين؟ ويبقي التساؤل الأخطر لمن يلجأ المواطنون البسطاء؟‏!‏

http://www.a7lashare.net//uploads/images/A7lashare-af55601a05.jpg


و ندعوا الله
أن يعافنا و يعفو عنا بمنه و كرمه
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حسام هداية
05-29-2009, 09:38 PM
أخي وحبيبي

أحمد فاروق

شكرا لك

وواضح اجتهادك

في متابعة كل جديد

ساره ابراهيم
05-30-2009, 02:13 AM
ظهر الفساد في البر والبحر

http://www.a7lashare.net//uploads/images/A7lashare-277fa79d60.jpg

يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]. لنتأمل هذه الآية وما تحويه من حقائق لم يصل إليها العلماء إلا في هذه الأيام:
- أولاً: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) والعلماء يقولون: بالفعل إن هناك فساداً خطيراً على وشك الظهور، طبعاً: الغلاف الجوي لم يفسد نهائياً ولكن هنالك إنذارات تنذر بفساد هذه الأرض ويستخدموه، حتى إن العلماء يستخدمون كلمة (Spoil) وهي تعني الفساد أو أفسد بهذا المعنى.
- الشيء الثاني: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) قالوا كما رأينا يشمل هذا التلوث البر والبحر (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) القرآن أكد على أن الفساد لا يمكن أن يحدث إلا بما اقترفته يدا الإنسان، هذا الإنسان هو المسؤول عن هذا التلوث وهذا كما قلنا ما وصل إليه العلماء وأطلقوا بشأنه التحذيرات.
- (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) إذاً هنا نوع من أنواع العذاب، الله تبارك وتعالى يذيق هؤلاء الناس بسبب أعمالهم وإفسادهم في الأرض يُذيقهم بعض أنواع العذاب.
- (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) المقصود بها أن هنالك إمكانية للرجوع إلى الوضع الطبيعي المتوازن للأرض، وهذا ما يقوله العلماء اليوم.

أحمد فاروق سيد حسنين
05-30-2009, 02:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت
سارة
ممتازة جداً جداً جداً
و هكذا تكون المشاركات نافعة و هادفة
و أنصحك بالأتى
1 - أردفى الموضوع بتفاسير للاَية الكريمة لكبار العلماء و المفسرين
أمثال بن كثير - القرطبى - الطبرى - السعدى - الجزائرى
2 - أنتقلى بنا إلى الحديث عن " اَثار الذنوب و المعاصى "
و أنتى الاَن أصبحتى فنانة فى مجال الكتابة الإلكترونية
وفقك الله لما يحب و يرضى و سدد خطاكى
و الله من وراء القصد
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ساره ابراهيم
05-30-2009, 02:31 AM
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
قال الإمام ابن قيّم الجوزيّة ـ رحمه الله ـ في : زاد المعاد ( 4 / 362 ـ 364 ) :
(ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى‏:‏ ‏{ ‏ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‏ }‏ ‏[‏الروم‏:‏ 41‏]‏، ونزّل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم‏.‏ ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم‏.‏ وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل‏.‏ وهذه القصة، ذكرها في مسنده ، على أثر حديث رواه‏.‏ وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا، وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا بقوله في الطاعون ‏(‏إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل‏)‏‏.‏ وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة‏.‏ وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب، ..وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ‏) .
---

ساره ابراهيم
05-30-2009, 02:51 AM
استاذ /احمد
انا بشكر حضرتك جدا جدا على نصائحك الغاليه
واشكرك ايضا على رأى حضرتك ودى شهاده اعتز بيها
وعلى فكره انا متابعه لمواضيع حضرتك وايضا المشاركات لانها حقا مفيده وهادفه ومتميزه
ولأن الاسلوب راقى للغايه
اعانك الله لما يحب ويرضى وسدد خطاك للخير دائما
والله الموفق,

ساره ابراهيم
05-30-2009, 04:51 AM
من اسرار القران
بقلم الدكتور زغلول النجار
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون‏(‏ الروم‏:41)
هذا النص القراني الكريم جاء في بدايه الثلث الاخير من سوره‏'‏ الروم‏'‏ وهي سوره مكيه واياتها ستون‏(60)‏ بعد البسمله وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بخبر انتصار الروم علي الفرس قبل وقوعه بتسع سنوات وذلك بعد هزيمتهم المنكره امام الجيوش الفارسيه قبل نزول هذه السوره المباركه بعده سنوات ويدور المحور الرئيس لسوره‏'‏ الروم‏'‏ حول عدد من ركائز العقيده الاسلاميه شانها في ذلك شان كل السور المكيه‏.‏
وتبدا سوره الروم بقول ربنا تبارك وتعالي ‏:‏
الم‏(1)‏ غلبت الروم‏(2)‏ في ادني الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‏(3)‏ في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المومنون‏(4)‏ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم‏(5).‏ (‏ الروم‏:1‏ ‏5).‏
والحروف المقطعه الثلاثه التي استهلت بها هذه السوره المباركه‏(‏ الم‏)‏ تكررت في مطلع ست من سور القران ‏
و‏'‏المقطعات‏'‏ تعتبر من اسرار القران الكريم التي اوكلها اغلب المفسرين الي علم الله سبحانه وتعالي وحاول البعض الاجتهاد في تفسيرها بما عرضناه في عدد من المقالات السابقه‏.‏ وقد اشارت الايات في مطلع هذه السوره المباركه الي هزيمه الروم في‏(‏ ادني الارض‏)‏ وهي المنطقه الممتده من حوض وادي عربه جنوبا الي بحيره طبريه شمالا مرورا بكل من حوضي البحر الميت ووادي الاردن‏.‏
واكدت السوره الكريمه علي ان الروم سوف يغلبون من بعد غلبهم هذا في بضع سنين والبضع في اللغه بين الثلاثه والتسعه وقد تحقق نصر الروم علي الفرس بالفعل بعد تسع سنوات‏.‏
وهذه الايات الكريمه التي جاءت في مطلع سوره‏'‏ الروم‏'‏ توكد ان الامر لله تعالي من قبل ومن بعد وان النصر بيده يهبه لمن يشاء من عباده‏:(‏ وهو العزيز الرحيم‏)‏
ثم تتابع الايات بالتاكيد علي ان وعد الله سبحانه وتعالي لا يخلف‏,‏ وباستنكار غفله اغلب الناس عن الاخره وضرورتها وحتميه وقوعها‏,‏ وعدم اعتبارهم بابداع الخلق في انفسهم وفي الكون من حواليهم وباستنكار كفرهم بلقاء ربهم وعدم استفادتهم بما حدث للامم من قبلهم جزاء تكذيبهم واستهزائهم بايات الله ورسله وفي ذلك تقول الايات‏:‏
وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون‏*‏ يعلمون ظاهرا من الحياه الدنيا وهم عن الاخره هم غافلون‏*‏ اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمي وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون‏*‏ اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبه الذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوه واثاروا الارض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون‏*‏ ثم كان عاقبه الذين اساءوا السواي ان كذبوا بايات الله وكانوا بها يستهزئون‏*‏‏(‏ الروم‏:6‏ ‏10).‏
وتستمر الايات في التاكيد علي ان الله تعالي هو الذي يبدا الخلق ثم يعيده وان الخلق جميعهم اليه راجعون وان المجرمين سوف يصلون الي حد الياس من فرط الحزن علي مصيرهم الاسود يوم تقوم الساعه ويوم يتخلي عنهم شركاوهم الذين اشركوهم في عباده الله فيكفرون بهم ويتفرق الخلق الي الذين امنوا وعملوا الصالحات وجزاوهم الجنه ينعمون فيها في فرح وسرور والذين كفروا وكذبوا بايات الله ولقائه او اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ففي النار يصطلون وفي ذلك تقول الايات‏:‏ الله يبدا الخلق ثم يعيده ثم اليه ترجعون‏*‏ ويوم تقوم الساعه يبلس المجرمون‏*‏ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين‏*‏ ويوم تقوم الساعه يومئذ يتفرقون‏*‏ فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات فهم في روضه يحبرون‏*‏ واما الذين كفروا وكذبوا باياتنا ولقاء الاخره فاولئك في العذاب محضرون‏*‏ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون‏*‏ وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون‏*‏ ‏(‏ الروم‏:11‏ ‏18).‏
وفي هذه الايات امر بذكر الله وتسبيحه وحمده في المساء والصباح وفي العشيه والظهيره وذلك بالصلاه وبالدعاء وبالتنزيه عن الشبيه والشريك والمنازع والصاحبه والولد‏,‏ وعن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ وامر بتمجيده سبحانه وتعالي بذكره باسمائه الحسني وصفاته العليا باللسان والقلب في هذه الاوقات المحدده لما فيها من بركات خاصه مما شجع بعض المفسرين علي اعتبارها اوقات الصلوات الخمس التي حددها لنا ربنا تبارك وتعالي او هي تعبير علي اطلاق العباده والذكر والتسبيح علي طول الزمن انسجاما مع ما يقوم به كل ما بالكون من الجمادات والاحياء ومن الخلق المكلف وغير المكلف‏.‏
ثم تستعرض السوره الكريمه في الايات‏(19‏ ‏27)‏ عددا من ايات الله في الكون مما يشهد له سبحانه وتعالي بطلاقه القدره وبديع الصنعه واتقان الخلق وتضرب للناس مثلا من انفسهم وتسالهم بطريقه الاستفهام الانكاري التقريعي التوبيخي فتقول لهم‏:‏ هل لكم من مواليكم شركاء فيما مكناكم من حطام هذه الدنيا فلا تستطيعون التصرف في شيء منه الا باذنهم فان كنتم لا ترضون ذلك لانفسكم ولا تفعلونه وهم امثالكم في البشريه والعبوديه لله تعالي فكيف ترضونه لله الخالق وكيف تشركون في عبادته بعض مخلوقاته او بعض مصنوع مخلوقاته تصنعونه بايديكم ثم تعبدونه من دون الله او تشركونه في عبادته؟ وبمثل هذا التفصيل تبين الايات لاصحاب العقول المستنيره كلا من الحق والباطل‏,‏ وتوكد ان الذين كفروا يتبعون اهواءهم دون علم بعواقب كفرهم او شركهم ولعلم الله تعالي بكبرهم وعنادهم يضلهم ومن يضلل الله فلا هادي ولا ناصر له‏.‏
وبعد ذلك تامر الايات خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ومن بعده كل مومن برسالته بان يقيم وجهه للاسلام الحنيف اي يقبل عليه بكليته وبجماع قلبه وعقله لانه هو الدين الوحيد الذي يرتضيه ربنا تبارك وتعالي من عباده‏,‏ ولا يرتضي منهم دينا سواه لانه دين الفطره التي فطر عباده عليها‏,‏ والتي لا تبديل لها‏,‏ وان كان اكثر الناس لا يعلمون ذلك اما لجهلهم او لاستكبارهم علي الحق او لانغماسهم في معاصي الله‏.‏ كذلك تامر الايات بالانابه الي الله تعالي وتقواه كما تامر باقامه الصلاه وتحذر مره اخري من الوقوع في دنس الشرك بالله وفي ذلك تقول‏:'‏ فاقم وجهك للدين حنيفا فطره الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون‏*‏ منيبين اليه واتقوه واقيموا الصلاه ولا تكونوا من المشركين‏*‏ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون‏*(‏ الروم‏:30-32).‏
وفي الاشاره الي شيء من طبائع النفس الانسانيه تذكر الايات ان الناس اذا اصابهم الضر التجاوا الي الله تعالي متضرعين كشفه عنهم فاذا استجاب الله لتضرعهم سارع فريق منهم الي الشرك به فتكون عاقبه امرهم الكفر بانعم الله تعالي وتنذرهم الايات من شر تلك العاقبه موكده ان من الناس من اذا اذاقهم ربهم نعمه ورحمه منه فرحوا بها الي حد البطر واذا اصابهم بشده بسبب ما اقترفوا من ذنوب يئسوا الي حد القنوط ونسوا ان الله تعالي هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفي ذلك تقول‏:‏
واذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين اليه ثم اذا اذاقهم منه رحمه اذا فريق منهم بربهم يشركون‏*‏ ليكفروا بما اتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون‏*‏ ام انزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون‏*‏ واذا اذقنا الناس رحمه فرحوا بها وان تصبهم سيئه بما قدمت ايديهم اذا هم يقنطون‏*‏ اولم يروا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ان في ذلك لايات لقوم يومنون‏*‏ ‏(‏ الروم‏:33‏ ‏37).‏
وتامر الايات بايتاء ذي القربي حقه والمسكين وابن السبيل وتحرم الربا تحريما قاطعا وتحض علي اداء الزكاه موكده ان الله تعالي هو الخلاق الرزاق المحيي المميت وان الذين عبدهم المشركون لا يستطيعون تحقيق شيء من ذلك وفي ذلك تقول‏:‏ فات ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله واولئك هم المفلحون‏*‏ وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله وما اتيتم من زكاه تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون‏*‏ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالي عما يشركون‏*‏ ‏(‏ الروم‏:38‏ ‏40).‏
وبعد ذلك تشير الايات الي ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس موكده عقاب الله تعالي للمفسدين في الارض لعلهم يرجعون عن فسادهم وفي ذلك تقول‏:‏ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون‏*.(‏ الروم‏:41).‏
وتامر الايات في سوره الروم بالسير في الارض للاعتبار بما وقع من عذاب للامم المشركه والكافره من قبل موكده ضروره الاستقامه علي منهج الله وهو الاسلام العظيم من قبل ان تاتي الاخره فتصدع به كل الخلائق ثم يجزي كل بعمله الذي اداه في الدنيا وفي ذلك تخاطب الايات خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم بقول ربنا تبارك وتعالي‏:‏
قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبه الذين من قبل كان اكثرهم مشركين‏*‏ فاقم وجهك للدين القيم من قبل ان ياتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون‏*‏ من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون‏*‏ ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين‏*‏ ‏(‏الروم‏:42‏ ‏45).‏
وتذكر الايات بان تصريف الرياح هو من دلالات طلاقه القدره الالهيه المبدعه في الكون والمستوجبه لشكر العباد كما تعاود التذكير بعقاب المكذبين من مجرمي الامم السابقه انتقاما منهم والتاكيد علي ان نصر المومنين حق فرضه رب العالمين علي ذاته العليه في كل مكان وزمان وفي ذلك تقول‏:‏
ولقد ارسلنا من قبلك رسلا الي قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين اجرموا وكان حقا علينا نصر المومنين‏*(‏ الروم‏:47).‏
وفي الايات من‏(46‏ ‏51)‏ تفصل سوره الروم كيفيه تكون السحب الطباقيه وانزال الماء منها فيستبشر العباد بذلك بعد ان كانوا من اليائسين وتشبه اخراج الموتي من قبورهم باحياء الارض بعد موتها وذلك بانبات النبات من خلالها موكده ان الله تعالي علي كل شيء قدير‏,‏ وتقارن بين الرياح المبشره بالخير وبين ريح العقاب المصفره‏.‏
وتشبه الايات اعراض كل من الكفار والمشركين عن الاستماع الي رساله الله الخاتمه بعجز كل من الموتي والصم عن الاستماع الي محدثيهم‏,‏ خاصه اذا كان الاصم منهم مدبرا عن محدثه‏,‏ وبعجز الاعمي عن ابصار الطريق القويم وفي ذلك تقول موجهه الخطاب الي خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم‏:‏ فانك لا تسمع الموتي ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين‏*‏ وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع الا من يومن باياتنا فهم مسلمون‏*‏ ‏(‏الروم‏:52‏ و‏53).‏
وتذكر الايه رقم‏(54)‏ من سوره‏'‏ الروم‏'‏ كل الناس بان الله تعالي خلقهم من ضعف ثم جعل من بعد الضعف قوه ثم من بعد القوه ضعفا وشيبه حتي يرعي الصغير في طفولته‏,‏ ولا يغتر شاب بقوته‏,‏ ولا يحزن شيخ لضعفه في شيبته ويعلم الجميع انها سنه الله في خلقه فيرضي كل بقسمته وبتقدير الله العليم القدير له‏.‏
وفي الايات من‏(55-57)‏ تاكيد علي مرحليه الحياه الدنيا وفتنه الناس بها وغفلتهم عن الاخره وخلودها وتناسيهم لحتميه وقوعها ثم مفاجاتهم بها في يوم القيامه ولذلك يقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:'‏ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون‏*‏ ‏(‏ الروم‏:57).‏
وتختتم سوره‏'‏ الروم‏'‏ بخطاب موجه من الله تعالي الي خاتم انبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم والي جميع المومنين برسالته من بعده موكدا كفر الذين يكذبون بالقران الكريم وقد طبع الله تعالي علي قلوبهم بكفرهم فهم لا يرون الحق ابدا ولا يجدون اليه سبيلا وتامر الايات بالصبر علي استخفافهم بدعوه الحق وتطمئن القلوب المومنه بان وعد الله حق وهو واقع لا محاله وفي ذلك يقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-'‏ ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل ولئن جئتهم بايه ليقولن الذين كفروا ان انتم الا مبطلون‏*‏ كذلك يطبع الله علي قلوب الذين لا يعلمون‏*‏ فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون‏*.‏‏(‏ الروم‏:58‏ ‏60).‏
من ركائز العقيده الاسلاميه في سوره الروم
‏1‏ الايمان بالله تعالي ربا واحدا احدا فردا صمدا‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبه ولا ولد‏)‏ هو رب كل شيء ومليكه وله الامر من قبل ومن بعد في كل شيء ومن هنا وجب تنزيهه عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏
‏2‏ اليقين بان النصر من الله تعالي الذي ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وبان وعد الله حق وانه تعالي لا يخلف وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون‏.‏
‏3‏ التصديق بالاخره وبحتميه الرجوع الي الله ولقائه‏.‏
‏4‏ الايمان بجميع انبياء الله ورسله وبخاتمهم سيدنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم ‏.‏
‏5‏ اليقين بان الله تعالي يبدا الخلق ثم يعيده وبانه هو الذي‏(‏ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏)‏ وانه لا يظلم احدا ولكن الناس انفسهم يظلمون‏.‏
‏6‏ التسليم بحقيقه كل من الجنه والنار وبان الذين امنوا وعملوا الصالحات سوف ينعمون في روضه يحبرون وان الذين كفروا بالله تعالي او اشركوا به او كذبوا باياته سوف يشقون في نار جهنم وهم في العذاب محضرون‏.‏
‏7‏ التصديق بعمليتي الخلق الاول من تراب ثم البعث بعد الموت وبانهما مناظرتان تماما لعمليتي اخراج الحي من الميت في الدنيا واحياء الارض بعد موتها بمجرد ريها بالماء وبان الله‏-‏ تعالي‏-‏ يخلق ما يشاء وانه هو العليم القدير‏.‏
‏8‏ الايمان بان الاسلام العظيم هو دين الله الذي انزله علي فتره من الرسل ثم اتمه واكمله وحفظه في رسالته الخاتمه التي انزلها علي خاتم انبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم وان هذا الدين هو فطره الله التي فطر الناس عليها وان الذين يتبعون اهواءهم بغير علم يضلهم الله ومن يضلل الله فلا هادي له‏.‏
‏9‏ اليقين بان‏(‏ الربا‏)‏ الذي‏(‏ يربو‏)‏ في اموال الناس لا يربو عند الله وان صدقات التطوع التي تبذل في سبيل الله طلبا لمرضاته هي التي تستحق الاضعاف من الحسنات وبان لكل من ذوي القربي والمساكين وابناء السبيل حقوقا منحهم اياها الله تعالي ولا يجوز لمسلم ان يقصر في ادائها ابدا‏.‏
من الدلالات العلميه للنص الكريم
اولا‏:‏ الافساد المعنوي في الارض‏:‏‏
ويتجسد الفساد المعنوي في فقد الانسان لقدرته علي تحقيق رسالته في هذه الحياه‏:‏ عبدا لخالقه‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ يعبده بما امر ومستخلفا في الارض من قبل هذا الخالق العظيم ليحسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها بعمارتها واقامه شرع الله تعالي‏-‏ وعدله فيها‏.‏ وبانعدام فهم الانسان لهذه الرساله تفسد عنده المعتقدات وتنحرف العبادات وتنحط الاخلاق والسلوكيات والمعاملات وتضيع القيم والحقوق وتفسد الانظمه والمجتمعات ويفشل الانسان في القيام بواجباته في هذه الحياه فيظل تائها حائرا فيها حتي يخرج منها صفر اليدين من الحسنات مثقلا بالذنوب والتبعات قد ضيع كلا من دنياه واخراه سدي وليس هنالك افساد اخطر من هذا الافساد‏.‏ وذلك لان الانسان مخلوق عاقل مكرم مكلف ذو اراده حره فاذا صلحت ارادته صلحت حياته وصلح مجتمعه واذا فسدت ارادته فسدت حياته ومجتمعه وملا الارض من حوله فسادا وظلما وجورا‏.‏ ومن صور هذا الفساد ما يلي‏:‏
‏1‏ فساد الاعتقاد‏:‏
والذي يظهر في العديد من صور الكفر او الشرك بالله تعالي التي تعم مختلف جنبات الارض اليوم والله تعالي خلق كل شيء في ثنائيه واضحه‏(‏ من اللبنات الاوليه للماده الي الانسان‏)‏ حتي يبقي ربنا متفردا بالوحدانيه المطلقه فوق جميع خلقه ثم ان الله سبحانه وتعالي‏-‏ خلق كل خلقه علي نمط واحد حتي يشهد خلقه له بالوهيته وربوبيته وخالقيته ووحدانيته وبمغايرته لخلقه مغايره كامله ومن هنا كان الكفر بالله تعالي او الشرك به غمط لاول حقوق الله علي عباده وانكار لاعظم حقائق هذا الوجود ومفسده للانسان اي مفسده لان المخلوق اذا غفل عن حقيقه عبوديته لخالقه فسدت عقيدته وبفسادها يفسد فكره وارادته وسلوكه وعلاقاته بغيره ويفسد مجتمعه وبفساد المجتمعات تفسد الامم وتلوث بمختلف صور الفساد لخروجها عن منهج الله واوامره ولفقدانها الصله الحقيقيه بالله تعالي‏.‏ وبهدايته الربانيه في الامور التي لا يمكن للانسان ان يضع لنفسه فيها ايه ضوابط صحيحه وهي امور الدين‏.‏
‏2‏ فساد العبادات‏:‏
ويظهر ذلك في العديد من العبادات الموضوعه المنتشره في مختلف جنبات الارض والله تعالي يحب ان يعبد بما امر ولان المفهوم اللغوي للعباده هو الخضوع الكامل لله تعالي بالطاعه لاوامره واجتناب نواهيه والانسان مجبول بفطرته علي الايمان بالله وعبادته بما امر واذا لم يهتد الانسان الي العباده الصحيحه لله سول له الشيطان انماطا من العباده المصطنعه يملا بها الحاجه الداخليه الي الدين والي العباده‏.‏ ولا يمكن لعاقل ان يتصور امكانيه ان يصطنع لنفسه نمطا من العباده او ان يصنعها له انسان مثله ثم يتخيل قبول الله سبحانه وتعالي لتلك العباده الموضوعه‏.‏ وغالبيه اهل الارض واقعون اليوم في هذا الشرك من شراك الشيطان التي اذا وقع الانسان فيها فقد صلته بالله وبفقدها يفقد الانسان انسانيته ويتحول الي كيان فاسد مفسد مدمر لذاته ولاهله ولمجتمعه يعبد ذاته او اهواءه وشهواته ورغائبه او يعبد غيره من البشر او يعبد الشيطان وفي كل هذه الحالات لا يمكن له ان يحيا حياه سويه علي الارض او ان يكون مستخلفا صالحا فيها‏.‏
‏3‏ فساد كل من الاخلاق والمعاملات‏:‏
اذا فسدت العقائد والعبادات فسدت الاخلاق والمعاملات وانتشر بين الناس حب استغلال السلطه والتعدي علي المال العام وصاحب ذلك فساد الذمم والخداع والكذب ونقض العهود والعقود والمواثيق واكل اموال الناس بالباطل وتطفيف الموازين والمكاييل والغش في الصنعه والعمل وانتشار السرقات والنهب والسلب والرشوه والمحسوبيه والربا واشاعه كل من الاستبداد والمظالم والفواحش والفتن والاعتداء علي الاعراض والاموال والممتلكات واختلاط الانساب ونصره الباطل واهله ومحاربه الحق وجنده وفساد الاحكام والتصورات والقيم والنظم وافساد العقول وضياع القدوه الحسنه وغياب الشفافيه وغير ذلك من صور الفساد المعنوي والاخلاقي والسلوكي وهو من ابشع صور الافساد في الارض وكلها من معاصي الله التي تستجلب غضبه‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ وتستوجب نزول عقابه في صور عديده منها جدب الارض ونقص الاموال والانفس والثمرات وتفشي الاوبئه والامراض والاوجاع والاجتياح بمختلف الكوارث ومنها الزلازل وثوران البراكين والعواصف والاعاصير والحرائق والغرق والاجتياح كذلك بالاعداء الجائرين وبالمظالم المتفشيه والشح والغلاء وانتزاع البركه من كل شيء والهبوط بالانسانيه الي ما هو دون مستويات الحيوان الاعجم لان الحيوان لا يخرج بسلوكه عن الفطره التي فطره الله تعالي عليها والتي يعبد خالقه بها بينما الانسان يستطيع بارادته الحره ان ينحط الي ما دون مستوي الحيوان‏.‏ وليس ادل علي ذلك من اباحه عدد من الحكومات الغربيه للشذوذ الجنسي والزواج بالمثل والسماح لهولاء الشواذ بالتبني فينشا الاطفال في هذه البيئات العفنه التي تدعمها الدوله وتسمح لها بكل الحقوق الاجتماعيه والماليه ينشاون وهم يالفون الفساد والانحراف ولا يرون فيه شيئا يشين او يعيب وهو من اخطر صور الافساد المعنوي في الارض‏.‏
ثانيا‏:‏ الافساد المادي في الارض‏:‏
بالاضافه الي الفساد المعنوي الذي قد عم الارض في زمن الفتن الذي نعيشه فان هذا النص القراني المعجز يشير ايضا الي الافساد المادي في بيئات الارض الثلاث‏:‏ التربه والماء والهواء وذلك لان لفظه‏(‏ البر‏)‏ تشمل كلا من اليابسه وما يحيط بها من غلاف غازي وكذلك لفظه‏(‏ البحر‏)‏ تشمل كلا من القاع المنخفض والماء الذي يمتلئ به وما يحيط بهما من غلاف غازي‏.‏ وهذه البيئات الثلاث وما بكل منها من مختلف صور الاحياء والجمادات تشكل حلقات مترابطه يتاثر بعضها ببعض واي اخلال بنظام احداها يوثر سلبا علي النظم الاخري‏.‏
وقد بدات مشكله تلوث البيئه في التفاقم مع بدايه الثوره الصناعيه في اوروبا الغربيه والتي كانت اولي خطواتها مع اختراع الاله البخاريه‏.‏ فقد ادي سوء استخدام الوقود الاحفوري‏(‏ من امثال الفحم الحجري والنفط والغازات الطبيعيه‏)‏ في الات الاحتراق الداخلي ومحركات الدفع والمصانع المختلفه الي زياده نسبه عدد من الغازات السامه التي من اخطرها اكسيد كل من الكربون والكبريت والنيتروجين والرصاص والهيدروكربونات غير كامله الاحتراق التي تطلق كلها في الغلاف الغازي للارض‏.‏
وهذا الاعتداء علي البيئه وعلي ما فيها من احياء هو من معاني الافساد في الارض لانه افساد مادي ملموس يحدثه الانسان بسوء سلوكياته وتصرفاته في مختلف بيئات الارض وقد احكم الله خلقها وضبط علاقاتها ببعضها كما وكيفا باحكام واتزان بالغين لا يخله الا افساد الانسان وذلك لان الله تعالي خلق كل شيء بقدر اي بمكونات ومقادير محدده ومتوازنه وبصفات وخصائص معينه تكفل لكل بيئه الملاءمه الكامله لانواع الحياه التي خلقت لها في توافق واعتدال لا يفسده الا تدخل الانسان بطمعه وجشعه واسرافه او بجهله وتخلفه وتسيبه او بسوء نواياه وخبث مقاصده مما يفسد مكونات النظم البيئيه الدقيقه كما وكيفا ويخرجها عن سويتها التي خلقها الله تعالي بها ويجعلها غير موائمه للاحياء التي تعيش فيها ويصيبها بشيء من الخلل او الشلل الذي يعطلها عن اداء وظيفتها ويفقدها صلاحيتها ونفعها‏.‏ ومن صور هذا الافساد المادي ما يلي‏:‏
‏1‏ التلوث الكيميائي للبيئه‏:‏
ويتم ذلك بتزايد اطلاق كميات هائله من الملوثات الغازيه والسائله والصلبه الي مختلف بيئات الارض من التربه والماء والهواء وذلك من مثل غازات اول وثاني اكسيد الكربون واكاسيد كل من النيتروجين والكبريت والرصاص والزئبق والهيدروكربونات غير كامله الاحتراق وغيرها من الملوثات السامه لكل حي‏.‏ وتميل هذه الغازات الي التفاعل السريع مع ماده الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء اثناء مرور الدم بشعيرات الرئتين فينتج عن هذه التفاعلات اعداد من المركبات الكيميائيه المعقده التي تعيق الدم عن القيام بدوره في الاتحاد مع الاكسجين القادم مع عمليه الشهيق من اجل نقله الي بقيه اجزاء الجسم ومن اعراض ذلك حدوث ضيق في التنفس الي حد الشعور بالاختناق وما يستتبعه من تاثيرات سلبيه علي كل من المخ وبقيه الجهاز العصبي تصحبها الام الصداع الحاده وقد تودي الي حدوث الذبحه الصدريه وتنتهي بالوفاه‏.‏
كذلك فان غاز ثاني اكسيد الكربون له قدره هائله علي امتصاص الاشعه تحت الحمراء القادمه مع اشعه الشمس مما يودي الي رفع درجه حراره الغلاف الغازي للارض بالتدريج خاصه وان ثاني اكسيد الكربون اذا زادت نسبته في الغلاف الغازي للارض فانه يتجمع بالقرب من سطحها نظرا للكثافه النسبيه العاليه له فيعمل كحاجز حراري يحيط بالارض احاطه كامله مما يودي الي خلخله واضطراب المناخ وتحرك العواصف والاعاصير المدمره‏.‏
وتدل القياسات العلميه المختلفه علي ان نسبه ثاني اكسيد الكربون في جو الارض وهي في الاصل في حدود‏0.003%‏ تقدر اليوم بحوالي‏0.0318%‏ بمعني انها قد تضاعفت اكثر من عشر مرات منذ بدايه الثوره الصناعيه الي اليوم‏.‏
اما اكاسيد النيتروجين والتي ينتج بعضها عن تعفن النفايات التي ينتجها الانسان وينتج البعض الاخر عن اكسده نيتروجين الغلاف الغازي للارض بواسطه درجات الحراره العاليه الناتجه عن اجهزه الاحتراق الداخلي المختلفه في كل من المصانع ووسائل النقل المتعدده من‏(‏ السيارات والطائرات والصواريخ والبواخر والبوارج وغيرها‏).‏ واكاسيد النيتروجين هي غازات سامه وضاره خاصه بالاجهزه التنفسيه للاحياء وفي مقدمتها الانسان اذا زادت نسبتها في الهواء عن‏00.05%‏ جرام‏/‏ م‏3.‏ بينما تركيزها السائد في اغلب المدن الصناعيه اليوم يتعدي‏1‏ جرام‏/‏ م‏3.‏
وبالمثل فان اكاسيد الكبريت‏(‏ اول وثاني اكسيد الكبريت‏)‏ هي غازات مهيجه لانسجه الاجهزه التنفسيه عند كل من الانسان والحيوان وضاره بالنباتات وبالجمادات وذلك لان ثاني اكسيد الكبريت بالذات له قابليه عاليه للذوبان في الماء مكونا حمض الكبريتيك وهو واحد من اقوي الاحماض المعروفه لنا وله قدره فائقه علي اذابه العديد من المواد العضويه وغير العضويه مما يودي الي اتلاف الانسجه الحيه والي تاكل كل من المواد الفلزيه‏(‏ من مثل الحديد والنحاس والرصاص وغيرها‏)‏ وغير الفلزيه‏(‏ ومنها احجار البناء والمواد الخرسانيه والخشبيه‏)‏ وقد ينتج عن هذه التفاعلات هباءات من المركبات الكبريتيه الضاره‏(‏ من مثل كبريتات وكبريتيدات العناصر المختلفه‏)‏ التي تنتشر في الجو فتلوثه وسرعان ما تنتقل من الهواء الي كل من التربه والماء فتلوثهما ثم تجد طريقها الي الاحياء فتصيبهم باضرار بالغه وذلك عن طريق ما يعرف باسم الامطار الحمضيه‏.‏
ومن الثابت علميا ان مثل هذه الملوثات للبيئه لها علاقه مباشره بانتشار العديد من الامراض الخطيره من امثال الاورام السرطانيه ونقص المناعه والحساسيه وغيرها من امراض الجهاز التنفسي‏.‏
ولا يتوقف دور مختلف المصانع والانشطه الصناعيه الاخري ووسائل المواصلات‏(‏ من السيارات والشاحنات والطائرات والبواخر والغواصات وحاملات الطائرات والصواريخ وغيرها‏)‏ عند حدود ما تطلقه من الغازات والسوائل والجوامد السامه بل تتعدي ذلك الي ما تثيره اجهزه المصانع ووسائل الاتصال والنقل المختلفه من ضجيح له تاثيراته السلبيه علي مختلف صور الحياه وما تنتجه وسائل النقل الارضيه من غبار ونتائج تاكل كل من الاطارات وصفائح الكوابح واسطح الطرق المرصوفه وغيرها‏.‏
ولم يهتم الدارسون بقياس معدلات تلوث البيئه خاصه في اجواء المدن الصناعيه المكتظه بالسكان حتي شتاء‏1952‏ م حيث سادت حاله من الركود الجوي في الغلاف الغازي لمدينه لندن‏(‏ العاصمه البريطانيه‏)‏ لعده ايام متتاليه تجمعت خلالها ادخنه المصانع في جو المدينه علي هيئه كتل من الضباب الاسود الراكد القريب من سطح الارض والشديد التلوث بعوادم مداخن المصانع وتسبب هذا الضباب الاسود في وفاه اكثر من اربعه الاف شخص واستمر التلوث في جو المدينه بعد زوال هذا السحاب الراكد لمده زادت علي خمسه عشر يوما وقد تكرر حدوث هذه الكارثه في تاريخ مدينه لندن عده مرات كان من اشدها ما حدث في شتاء سنه‏1962‏ م كما تكرر في تاريخ غيرها من المدن الصناعيه الاوروبيه والامريكيه‏.‏
ومن اخطر كيماويات التلوث غازات كلورو لوريد الكربون‏(c.f.c.)‏ او ما يعرف باسم‏'‏ غاز الفريون‏'‏ الذي يستخدم في وسائل التبريد والتكييف المختلفه وفي مختلف حاويات وعلب الرش كدافع لرذاذ السوائل والغازات المضغوطه‏.‏ ومن مخاطر هذا الغاز انه يعمل علي اختزال الاوزون‏(o3)‏ في طبقته الخاصه المحبطه بالارض وتحويلها الي الاكسجين‏(o2)‏ مما يعرض الحياه علي سطح الارض للدمار‏,‏ وذلك لان طبقه الاوزون جعلها الخالق‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ حمايه للحياه علي الارض من اخطار الاشعه فوق البنفسجيه القادمه مع اشعه الشمس وهي اشعات لها قدرات كبيره علي اختراق الاجسام الصلبه ومنها جسم الانسان فتصيبه بعدد من الامراض التي منها سرطانات الجلد وامراض العيون‏.‏ ومن رحمه الله تعالي‏-‏ ان حركه الرياح تحمل غاز الفريون المنطلق الي الجو بواسطه عمليات التلويث المختلفه الي المنطقتين القطبيتين الشماليه والجنوبيه وادي ذلك الي تفكك طبقه الاوزون فوق قطبي الارض محدثا ما يعرف اليوم مجازا باسم‏'‏ ثقبي طبقه الاوزون‏'‏ ومن هذين الثقبين تنفذ حزم الاشعه فوق البنفسجيه بجرعات تفوق طاقه احتمال الحياه الارضيه‏.‏
ولم يكتشف ثقب الاوزون في القطب الجنوبي الا في سنه‏1982‏ م ولم يتم الانذار بمخاطره بالنسبه للاحياء الارضيه الا في سنه‏1984‏ م‏.‏ وفي قمه الارض التي عقدت في‏(‏ ريودي جانيرو‏)‏ في اوائل الثمانينات تعهد الموتمرون بالعمل علي خفض انتاج الفريون الي النصف قبل سنه‏1999‏ م ولم يتم ذلك بعد‏.‏
واذا اضفنا الي ذلك امكانيه تسرب المواد الكيميائيه ذاتها من المصانع كما حدث في كارثه بوبال في الهند والتي راح ضحيتها الاف من البشر ومن الحيوانات‏.‏ واذا اخذنا في الاعتبار تزايد معدلات تراكم العديد من المركبات الكيميائيه الضاره في اجساد الكائنات الحيه نتيجه للافراط في استخدامات المواد الحافظه والملونه للاغذيه والمبيدات الحشريه والمخصبات الزراعيه والمنظفات الصناعيه وغيرها‏.‏ ومن مثل الافراط في استخدام مياه الصرف الصحي المعالجه كيميائيا في ري النباتات او نتيجه لقذف نفايات المصانع والمستشفيات وغيرها من النفايات الي مياه الانهار والبحيرات والبحار مما يودي الي تلوث كل من الماء وما يذخر به من الاحياء خاصه في ظل تزايد ما ينتجه الانسان المعاصر من نفايات منزليه‏(‏ تقدر للفرد الامريكي الواحد بحوالي الالف كيلو جرام من القمامه في المتوسط سنويا‏)‏ اتضحت لنا جوانب من اخطار تلوث البيئه تهدد الحياه علي الارض بمختلف اشكالها تهديدا حقيقيا يستوجب من كل انسان عاقل التوقف لدراسه كيفيه التقليل من انتاج تلك الملوثات والتخلص مما تكدس منها في بيئات الارض لاعاده الحياه الارضيه الي فطرتها السويه التي خلقها الله تعالي عليها‏.‏
‏2‏ الافساد في الارض بالتلوث الحراري‏:‏
لا تقتصر اخطار حرق ملايين الاطنان من الفحم والنفط والاخشاب والغازات الطبيعيه يوميا في مختلف دول العالم علي ما تطلقه من غازات وابخره سامه وملوثات صلبه وسائله بل يمتد ذلك الي رفع درجه حراره الهواء الملاصق لسطح الارض لعدم تشتت هذه الحراره بالكامل الي طبقات الجو العليا بسبب ما تحدثه هذه الغازات السامه من ظاهره‏'‏ الاحتباس الحراري‏'‏ واثرها علي اختلال الميزان المناخي الدقيق للارض وما يمكن ان يصاحب هذا الاختلال من كوارث مثل العواصف والاعاصير المدمره وموجات الجفاف والتصحر المهلكه وانصهار الجليد من كل من المناطق القطبيه وقمم الجبال وما يمكن ان يوديه ذلك الي ارتفاع لمنسوب الماء في البحار والمحيطات واغراق لكل من الجزر البحريه والمناطق الساحليه والمنبسطه‏.‏
وتكفي هنا الاشاره الي تصحر اكثر من سته ملايين هكتار من الاراضي الزراعيه واراضي الرعي سنويا منذ بدء الثوره الصناعيه في اوروبا الغربيه والي تدمير اكثر من عشره ملايين هكتار من اراضي الغابات وتحويلها الي اراض زراعيه فقيره‏.‏
‏3‏ الافساد في الارض بالتلوث الاشعاعي‏:‏
وهو من اشد منتجات التقنيات الحديثه افسادا لبيئه الارض وفتكا بالانسان والحيوان والنبات وينتج عن تحلل العناصر المشعه التي اخذت دوائر استخدامها في الاتساع بانتشار كل من المفاعلات والاجهزه والاسلحه النوويه بمختلف صورها واشكالها ومحطات توليد الطاقه الكهربائيه بواسطه المواد النوويه والاجهزه الطبيه والبحثيه المستخدمه لتلك المواد وتوظيف اليورانيوم المنضب‏(‏ المستنفد‏)‏ في العديد من الصناعات الحربيه والمدنيه وصعوبه التخلص من النفايات النوويه والتي لا تجد الدول المنتجه لها مثوي سوي قيعان البحار والمحيطات او اراضي دول العالم الثالث واستحاله ضمان عدم وصول هذه النفايات الي مختلف بيئات الارض بعد دفنها او عدم تسرب الاشعاع من محطات توليد الطاقه النوويه وتكفي في ذلك الاشاره الي تسربات الاشعاع من مفاعل تشرنوبل بالاتحاد السوفيتي السابق ومن مفاعل جزيره الاميال الثلاثه بالولايات المتحده الامريكيه ومفاعل اسكتلنده بالمملكه المتحده وما احدثته هذه التسربات الاشعاعيه من كوارث بيئيه وبشريه كبيره‏.‏
وقد اخذت نسب الاشعاعات النوويه بالتزايد في مختلف بيئات الارض بصوره تنذر بالخطر وذلك مع التوسع في العقود القليله الماضيه في استخدام النظائر المشعه في العديد من الانشطه الصناعيه والطبيه‏.‏
والاشعه النوويه لها قدرات تدميريه مهلكه للخلايا والانسجه الحيه اذا تعرضت لها بجرعات تتجاوز احتمالها ويعتقد بان لذلك علاقه بزياده الاصابه بالاورام السرطانيه في السنوات الاخيره خاصه وان اهل الارض لم يكادوا ان يخرجوا من اثار الثوره الصناعيه حتي دخلوا في حربين عالميتين كان ضحاياهما اكثر من‏65‏ مليون قتيل غير ملايين المقعدين والمشردين والايتام والارامل وعشرات البلايين من الدولارات علي هيئه خسائر ماديه متنوعه‏.‏ وانتهت الحرب العالميه الثانيه بكارثتي كل من فلسطين واليابان حين سلمت الموامره البريطانيه ارض فلسطين لغلاه الحركه الصهيونيه العالميه دون ادني حق فاغرقوها في بحر من الدماء والاشلاء والخراب والدمار وضربت الطائرات الامريكيه مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بالقنابل الذريه فابادتهما اباده كامله واهلكت سكانهما وتركت الناجين من بينهم في حالات من التشوه والاعاقه المرعبين ولوثت مختلف البيئات باثار الاشعاع الي يومنا الراهن‏.‏ وتخزين كل من الدول الصناعيه الكبري والكيان الصهيوني الغاصب لارض فلسطين لالاف الرووس النوويه ولغيرها من اسلحه الدمار الشامل بكميات كبيره لهو من اكبر مصادر تلوث البيئه‏.‏
ولا تزال الارض تعصف بها اعاصير الحروب البارده والساخنه ويزداد بها مخزون اسلحه الدمار الشامل عند الدول الصناعيه واذنابها‏,‏ ولا يقتصر خطر تلك الاسلحه علي استعمالها ولكن يكمن الخطر في امكانيه وقوع ثوره بركانيه او هزه ارضيه او سلسله من العواصف والاعاصير المدمره التي يمكن ان تصل الي ذلك المخزون وتفجره‏...!!‏ ومن دوافع تكديس اسلحه الدمار الشامل الصراع علي استنزاف ثروات الارض واغلبها ثروات غير قابله للتجدد بنفس سرعات الاستنزاف‏.‏ والاسراف المخل في التعامل مع العديد من هذه الثروات وهدرها في غير اوجهها الصحيحه او تعطيلها بالكامل وكل ذلك يعرض الارض اليوم لسلاسل من الكوارث البيئيه والبشريه بالاضافه الي الكوارث المعنويه ولذلك قال تعالي‏:'‏ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون‏(41)'‏ الروم‏(41).‏
وهذه الايه الكريمه من ايات الاعجاز العلمي والغيبي في كتاب الله لانه لم يكن لاحد من الخلق امكانيه تصور الواقع الحالي البئيس للارض من قبل الف واربعمائه من السنين‏.‏ وهذا السبق الاخباري وامثاله في القران الكريم مما يشهد له بانه لا يمكن ان يكون صناعه بشريه بل هو كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العليه في نفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ وحفظه حفظا كاملا علي مدي الاربعه عشر قرنا الماضيه وتعهد بهذا الحفظ الي ما شاء الله تعالي‏‏
فالحمد لله علي نعمه القران والحمد لله علي نعمه الاسلام وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الذي تلقاه واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين‏.‏

ساره ابراهيم
05-31-2009, 11:03 AM
" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "( الروم )-41
عندما نتدبر معاني هذه الاية العظيمة ، مثلها مثل معاني كل اية في هذا الكتاب العظيم ، لابد لنا من ان ندرك في بداية تدبرنا أن معظم هذه الايات لها دلالة الحاضر والماضي والمستقبل ،و هي من قوانين وسنن خالق الكون ، الذي ومن رحمته بنا أرسل لنا هذه الايات حتى نستطيع من خلالها كشف ودراسة الافاق والانفس والبحث عن اسباب ما يصيبنا من ابتلاءات أو أقدار ، نحن السب في حدوثها ،لنصل دائما وابداً وفي كل زمان ومكان الى تسخير هذه القوانين ودفع الاقدار باقدار أخرى،حتى يذهب الزبد والوهم ،ويبقى ما ينفع الناس.
ولكي نحيط بمفهوم ومعاني كلمات هذه الاية ، لابد لنا من العودة الى التفسير والموروث ، لاستقرائه ومعرفة تأويل السلف لها . وهنا أحب أن أذكر أن السلف قاموا مشكورين بفعل عظيم تناسب ومستواهم المعرفي ،واستخدموا انذاك الادوات المعرفية التي كانت بحوزتهم وكان تأوليلهم لعصرهم صحيح ،لكنه نسبي ، وعلينا أخذه من هذا المنطلق ،فإن طابق مواصفات عصرنا أخذنا به وإلا سيبقى هذا التأويل في حكم التاريخ ،وعلينا نحن استقراء الاية واسقاطها على العصر الذي نعيشه ،لنخلق تأويلاً جديدا ، للاجيال المعاصرة ،وأساسا تاريخياً للاجيال المتعاقبة . وهذه هي عظمة القرآن (النص ثايت ،والتفسير متغير في حركة صعود نحو الحقيقة المطلقة).
كيف فهم السلف هذه الاية:
جاء في تفسير أبن كثير :
" قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وغيرهم – المراد بالبر هنا الفيافي وبالبحر الامصار والقرى،وفي رواية ابن عباس وعكرمة: البحر الأمصار والقرى وما كان منهما على جانب نهر وقال اخرون المراد بالبر هو البر المعروف وبالبحر البحر المعروف". وقال زين بن رفيع " ظهر الفساد يعني انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط، وعن البحر تعمى دوابه .
وجاء في تفسيره ايضاً" ومعنى قوله ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس –أي بأن النقص في الزرع والثمار بسبب المعاصي.وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الارض والسماء بالطاعة". ..ونتابع تفسير ابن كثير فيقول " وقال عطاء الخرساني المراد بالبر ما فيه من المدائن والقرى وبالبحر جزائره" وجاء في التفسير أيضاً " رواه بن ابي حاتم وقال حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد بن المقري عن سفيان عن حميد بن قيس الاعرج عن مجاهد (ظهر الفساد في البر والبحر – قال : فساد البر قتل ابن آدم وفساد البحر أخذ السفينة غصباً " ويصل ابن كثير الى تأويل ( ليذيقهم بعض الذي عملوه) فيقول " روى مالك عن زيد بن أسلم أن المراد بالفساد ها هنا الشرك وفيه نظر وقوله تعالى ( ليذيقه بعض الذي عملوا) أي يبتليهم بنقص الاموال والأنفس والثمرات اختباراً منه ومجازاة صنيعهم(لعلهم يرجعون).
وبقراءة استقرائية لما سبق من تفاسير فإننا ، لانستطيع إيجاد ترابط منطقي مابين مدلول الاية وما نحن عليه اليوم من واقع. وعند اسقاط ما توصل إليه السلف على عصرنا الحاضر سنجد أنفسنا مضطرين الى البحث عن تفسير جديد يتناسب والمشكلات المستجدة والتي ظهرت للعيان واصبحت في حكم الواقع،وعلينا بحثها ووضع الحلول العملية لها . وفي أكثر الاحوال نستطيع ادراج تأويل أو تفسير السلف ضمن الموروث التاريخي ، الذي يجب الحفاظ عليه للاستدلال على صحة المعجزة القرآنية في ثبوت النص وحركة التأويل نحوالمطلق.
مداخلة في تفسير السلف :
إن موضوع تلوث البيئة ، بفعل الانسان في عصرنا الحاضر ، يعتبر من أخطر المشاكل التي تواجه البشرية ، ولهذا أستطيع أن أؤكد أن عصرنا الراهن هو عصر الثورة البيئية ،حيث تقوم المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في كل انحاءالعالم الى التنبيه الى خطر ثلوث البيئة ، مطالبة المسؤولين بوضع الحلول السريعة قبل حدوث الكوارث التي قد تدمر مكتسبات البشرية ،وقد تدمر الانسان نفسه. وموضوع تلوث البيئة هو موضوع عصري ، لم يشهده السلف لهذا فإن موضوع البيئة بالنسبة لهم وتلوثها كان بحكم الغيب .وكون الاية لها وجود موضوعي ،بغض النظر عن وجود المشكلة وعدمها ، كان لابد للسلف من استقراء الاية حتى توصلوا الى ماتوصلوا إليه ،لهذا ربطوا ما بين الفساد والمعصية ، وكون البيئة كانت على درجة كبيرة من النظافة لهذا اتجهوا في تأويل الفعل البشري الى أن الفساد المعنوي هو الشرك وارتكاب المعاصي. فهل نلومهم على ذلك؟ أبداً وجزاهم الله خيراً.
في الحقيقة الاية تخاطب كل الاجيال ،وفهم القارئ لها قبل ألف سنة ،لن يكون كفهم القارئ لها الان ، وأرى كما يرى الكثير من الخلف أن الأية تشير إلى ظاهرة تلوث البيئة (البر والبحر). لكن البعض قد يتسائل هل يعقل أن تشير الاية الى ظاهرة التلوث البيئية ،وهي ظاهرة حديثة ، من نتاج التطور الحضاري والتقدم التكنولوجي.
القرآن الكريم في الكثير من الآيات ،تحدث عن امور غيبية ، ستحدث مستقبلاً، والقرآن الكريم بمجمله أرشد الإنسان الى سلوك الطريق القويم ، فنهاهه عن امور لو مارسها الانسان حاضرا أو مستقبلاً لكان فيها هلاكه ، فكيف لاينبه الى خطورة تلوث البيئة كفساد سيعم البشرية وهو العليم الخبير.
سألني أحد المدافعين عن البيئة . كيف كنتم تتعاملون مع البيئة في بلادكم قبل 50 سنة مثلاً؟ ضحكت وقلت له كنا نحافظ عليها بالفطرة ، سأل كيف هذا؟ قلت له كنا لانرمي شيئا ،إذا أكلنا، الفضلات تستهلكها الحيونات الآليفة ،فضلات الانسان كانت تعتبر سمادا طبيعيا. فضلات الحيوانات كنا نصنعها بشكل أقراص ،نجففها على الشمس ونستخدمها كوقود في الشتاء. حتى بزر الزيتون كنا لانرميه ،بل نصنع منه قلائد ، الورق وغيره من المواد المشتعل ةكنا نستخدمها كطاقة حرارية في المدافئ أو الافران....الحقيقة كنا نعيش على الفطرة والصناعة كانت خفيفة وبدائية . لهذا كان موضوع تلوث البيئة وإن وجد بشكله البسيط ،لكنه لم يكن مطروقاً أنذاك، لعدم تشكيله خطراً عينيناً .
نعود الى تدبر كلمات الاية القرانية .( ظهر الفساد ). هذا المعنى له أمتداد تاريخي. وهذه هي كلمات الخالق ،التي تعبر بدقة فائقة عن مضمونها. ظهر الفساد،أي أنتشر وعّم ،وهذا يقودنا الى أن الفساد قبل ظهوره كان قد بدأ بالحدوث ، دون ان ينتبه إليه الإنسان العادي ولا الإنسان المهتم بموضوع البيئة ... الى أن تطور الامر الى النقطة الحرجة ،التي صار تأثيرها سلبي على حياته... عند إذن ظهر للعلن ...وبدأ الناس يتحدثون عنه ككارثة طبيعية لو استمر هذا الفساد فإنه سيدمر العالم. وطبعا السبب في ظهور الفساد كما نعلم هو الاستخدام المتزايد للمواد الكيمائية وغيرها في الزراعة والصناعة ووسائط النقل ومحطات الطاقة الذرية . و نستطيع القول إن ظهور الفساد نتيجة التطور الحاصل ، في الصناعة والزراعة باستخدام الكثير من المواد المضرة بغية زيادة الانتاج ... والذي لا يتماشى بخط موازي مع موضوع الحفاظ على البيئة ، الهم الوحيد للمفسدين الربح ثم الربح ولو على حساب ثلوث البر والبحر.فظهور الفساد يعني أولا واخيراً ،انه نتيجة وليس سبب ،نتيجة لنشاط الانسان وسلوكه الجشع الذي سببت الاختلال في التوازن الطبيعي. وهنا يجب أن نلحظ ان الخالق قدم كلمة البر على البحر لأن الفساد حصل في البداية على البر ومن ثم أنتقل الى البحر ... (بما كسبت( عملت) أيدي الناس). الله عز وجل لايمكن له وحاشا الله أن يكون سببا في حصول هذا الفساد.... إنه الانسان ... بما عملت يداه ... ...ومن ثم سببه العلم الذي لايترافق مع الايمان ... هو الفكر الذي تحدى الطبيعة ، وجعلهاعدوة للإنسان... أماكلمة الكسب (بما كسبت) تعني الجمع والربح مع التحدي لنواميس الطبيعة وسنن الخالق .بغض النظر عن المضاعفات البيئية لهذا الكسب . فتلوثت الارض والمياه الجوفية ،ومياه البحار ....حتى وصل التأثير على الجو (الاوزون). وبعد ذلك ننتقل الى قوله عز وجل ( ليذيقهم بعض الذي عملوا). الله خلق الكون من خلال النواميس والسنن التي تضبط حركته. وضع المقادير والاوزان بدقة متناهية ، " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين لو اردنا أن نتخذ هزواً لاتخذناه من لدنا إنا كنا فاعلين) الانبياء16-17
الخالق من سياق هذه الاية يخبرنا إنه لم يخلق الكون من اجل الهزو... وهوقادر على ذلك ... خلقه بدقة وتوازن عجيبين. وجاء دور الانسان، وكان الخالق أراد أن يقول ، أن هذا الانسان الغير مسؤول ،يدأ يحدث الخلل في هذا التوازن ،وكانه يهزو ... لكن مشيئة الخالق وإرادته هي في استمرار الحياة ،و تتابع الخلق الى الوقت المعلوم.... وحتى لايتطاول الانسان بهزله وتخريبه للبيئة أكثر من المسموح له .. قال الله تعالى (ليذيقهم) هذا الكلمة هي بحد ذاتها قانون الهي رادع لهذا الانسان ، كي ينتبه الى ما عملته يداه.... وها نحن نرى اثار تلوث البر والبحر، وما له من انعكاسات على حياة البشر مرضية ،وكارثية ... وفي كل مرحلة تصل الامور الى النقطة الحرجة ،يدفع الإنسان ثمن إهماله لموضوع البيئة، يذوق ألم نتائج عمله واستهتاره وهزوه ،فيعو د الى التفكير الجدي في الحفاظ عليها وإصلاح ما افسد. (لعلهم يرجعون). أي بمعنى يتركون ما عملته أيديهم ويصلحون ما افسدوا ،وأشركوا ،لإن تحدي الانسان لنواميس وسنن الكون هو نوع من الاشراك والعياذ بالله. ولعلهم يرجعون ...وكأن الامر متروك للانسان ، وامامه الخيارات مفتوحة ...إما المتابعة في زيادة الفساد ... وهذا سيقود الى الهلاك الحتمي .... أو التوقف والاصلاح .... وهذا فيه استمرارية الحياة... والانسان بالفطرة ...همه الاول هو الحفاظ علىالبقاء. لهذا فإن الخالق اعلم بما خلق ،فقوله لعلهم يرجعون ..هو تأكيد أن الانسان سيختار الحل الذي يرجع به الى التصالح مع الطبيعة والحفاظ على التوازن البيئي.
ونستطيع ادراج الفساد الاخلاقي الى جانب البيئي أيضا، الذي عمّ على سطح الارض نتيجة التعدي على حدود الله عز وجل من قبل الإنسان...وكان من نتائجه مرض الايدز الذي يهدد البشرية في حال عدم معالجته أخلاقيا سيتسبب في كوارث إنسانية كبيرة .وها نحن أمام سيناروهات متعددة لعلاج هذا الانحلال الاخلاقي.... باستخدام الواقي.... واستخدام ابر معقمة للمخدرات.... وغيرها من العلاجات الوقائية الوقتية ...لكن في النهاية سيجد الانسان نفسه أمام خيار واحد من أجل خلاصه من خطر هذا الكابوس وغيره...الا وهو العودة الى شرع الله والتحرك ضمن حدوده المسموح بها.

أبو ريناد
05-31-2009, 04:25 PM
فعلا
( ظهر الفساد فى البر و البحر )
بذنوبنا فما أن الأوان بالعودة الى الله
و أن نتقى الله فى أنفسنا و فى أعمالنا و أولادنا
أصلح الله حال الجميع
و جزاكم الله خيرا على هذا المجهود المبارك