ايمان حسن
05-16-2009, 09:19 PM
دروس عظيمة في الإدارة من العنكبوت: منظمة الصراع والدمار
دروس عظيمة في الإدارة من العنكبوت:
منظمة الصراع والدمار
أ. د. محمد المحمدي الماضي
www.almohamady.com
لاشك أن أهم ما يمكن أن يميز أية منظمة هو مقدار ما تتمتع به من توافق تنظيمي واستقرار، وتوجه نحو هدف واضح يدعم هذا الاستقرار والنمو، بما يساعد أفرادها على أداء هدف واضح ونافع للمجتمع الذي تعيش فيه، ودرس اليوم نتلمسه من سورة عظيمة من سور القرآن سميت سورة العنكبوت؛ تلك الحشرة التي لا يكاد يعلم بها أحد أو يأبه لها، وإن حدث فمن باب النفور والاشمئزاز والعمل على إزالتها والتخلص منها أو من آثارها التي تبدو كئيبة، لكن حينما يفرد القرآن سورة باسمها ويوردها في عداد الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون، فإن ذلك يحتاج منا، ولو إلى وقفة متأنية للغوص في مياهها العميقة والبحث عن اللؤلؤ والجواهر من دروس الإدارة العظيمة عسي أن نخرج منها بما يدعم بالفائدة العاملين في حقل الإدارة سواء كانوا ممارسين أو أكاديميين.
1- السياق الذي وردت فيه:
بداية حينما نريد تفهم تلك الدروس علينا أن نضع الأمر في نصابه وسياقه الطبيعي كما ورد في القرآن حيث جاءت الآية الوحيدة في السورة والتي ذكر فيها اسم العنكبوت، بعد سرد مركز لقصص بعض الأقوام السابقة كعاد وثمود، وفرعون ولوط... وما أصابهم نتيجة لكفرهم.
وتمرد هم على خالقهم، واتخاذهم أولياء من دون الله، وكيف كانت نهايتهم المؤلمة من الدمار والهلاك الذي لم يتخلف عنه أحد حيث تلخص السورة كل ذلك في قوله:
"فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أغرقنا ، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " العنكبوت:40
ثم اقرأ بعد ذلك مثلهم في الآية التالية:
"مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، لو كاونوا يعلمون" العنكبوت:41
"إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء، وهو العزيز الحكيم" العنكبوت:42
"وتلك الأمثال مضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" العنكبوت:43
2- جوانب من الإعجاز العلمي:
انظر إلى الآية الأخيرة ؛ كيف يلفت المولى عز وجل نظرنا أن تلك الأمثال ليست هينة، بل تحتاج إلى تفكر وتدبر وتعقل، ولا يستطيع تدبرها ولا تعقلها إلا العالمون.
وكلمة عالمين هنا من الكلمات المعجزة في القرآن، حيث لا يمكن إدراك مغزي المثال المضروب من جميع جوانبه إلا لمن أحاط علماً بحياة وسلوك تلك الحشرة وقام على دراستها، ولاشك أن ذلك يحتاج إلى دراسة متخصصة لها أدواتها ومعاملها وعلمائها، وهو ما لم يتوافر إلا في زمن قريب لا يتعدى القرن العشرين، حيث ظهرت في كليات العلوم أقسام علمية متخصصة في علم الحشرات أخذت تهتم وتدرس عن قريب حياة وسلوك الحشرات مستعينة بالتقنية الحديثة، ومنها حشرة العنكبوت التي نحن بصددها الآن ومن نتائج هذه الدراسة المفيدة أن تكشفت أمور لم تكن معروفة من قبل للسابقين تفيد جداً في فهم المثال المضروب وتكمل مراميه إلى درجة مذهلة، منها:
• الإشارة إلى تاء التأنيث هنا في اتخذت بيتاً حيث لم يعرف إلا حديثاً أن الأنثى هى التي تقوم ببناء البيت وتستدعي ذكر العنكبوت.
• أنها بعد أن تنسج خيوط البيت وتستدعي الذكر ليقوم باستكمال متطلبات عملية التناسل وينهي مهمته تقوم بقتله.
وتنتهي العلاقة بهذا الشكل الدموي المؤلم.
ولعل اكتشاف هذين الأمرين من سلوك العنكبوت يوضح إلى درجة بعيدة أوجه عظيمة للإعجاز العلمي المتجدد للقرآن الكريم ومدى دقته وأنه من لدن الخلاق العليم، ويبقى أن نتأمل إلى مزيد من الإعجاز والدروس العظيمة في جوانب أخرى كالإدارة...
3- معنى المنظمة:
بداية وحتى نتفهم الانعكاسات الإدارية للموضوع علينا أن نتفق على المعنى الذي نقصده للمنظمة طبقاً لما هو متعارف عليه في العلوم الإدارية حيث يقصد به بإيجاز: "فردان فأكثر، يعملون معاً لتحقيق هدف واحد مشترك"
ومن هنا فإن المنظمة أياً كان نوعها تبدأ من فردين حتى وإن كان ذكر وأنثى، ونحن نعتبر أن آدم وحواء عليهما السلام يمثلان أول منظمة ظهرت على ظهر الأرض.
وطالما ظهرت مثل هذه المنظمة فإن ممارسة الإدارة بوظائفها المختلفة تقترن بها. فهل يمكن لنا اعتبار بيت العنكبوت منظمة، كمنظمة النحل مثلاً أو النمل أو حتى الإنسانية منها؟
4- منظمة ولكن:
من حيث كونها فردان فأكثر فإن بيت العنكبوت حتى يتكامل ويطلق عليه بيت كأي بيت آخر لابد له من ذكر وأنثى وأبناء وهذا هو الوضع الطبيعي، ثم يكون له مهمة وغاية يعمل من أجل تحقيقهما بشكل مشترك ومتكامل، ويمكن أن يكون هناك نوع من تقسيم الأدوار لكن بشكل متكامل ومتناسق والمشكلة في بيت العنكبوت ليس في العدد، ولا في طبيعة المهمة لكن في طبيعة العلاقات والتكاملية التي تقوم عليها.
فإن أهم ما يمكن أن يميز أي علاقة زوجية تنظيمية سليمة هو ما تبني عليه من سكن و مودة ورحمة.
ولعل من الإشارات العظيمة في القرآن ما ورد في السورة التالية لسورة العنكبوت مباشرة وهي سورة الروم لمثل هذا البيت المثالي الذي يوضح بشكل جلي طبيعة الفرق بين بيتين وزوجين.
5- بيت العنكبوت وبين المودة والرحمة:
حيث قال تعالى في سورة الروم مذكراً بآياته:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، وإن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" 21
فهنا ورد توضيح للأركان الحقيقية للبيت الإنساني المثالي وطبيعة العلاقة التي تربط بين الذكر والأنثى في أعظم رباط في ظل الغاية الأساسية التي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من أجلها وخلق له من نفسه زوجاً يشاركه ويعاونه في القيام بهذه الغاية وتحقيق المهمة التي خلق من أجلها، وتقوم هذه العلاقة التنظيمية العظيمة على ثلاثة أركان هي:
- السكن
- الرحمة
- المودة
وكما هو واضح فإنها إنما تمثل أركاناً معنوية لا مادية تحقق أعلى درجات الأمن النفسي والراحة المتبادلة التي توفر مناخاً وأرضية مناسبة لقيام أفراد تلك المنظمة أو هذه البيت بواجباتهم على خير وجه سواء كانت هذه الواجبات في الحياة عمومياً أو تجاه كل منهما للآخر. وبدون هذه الأركان سوف تتحول إلى منظمة كئيبة هي منظمة الصراع والشقاق والأزمة بدلاً من السكن والمودة والرحمة.
ولعل هذا هو أهم ما يفرق بين بيت العنكبوت وبيت السكن والمودة والرحمة.
ولو تأملت وتدبرت بعمق في طبيعة العلاقة التي تربط بين أفراد كل منظمة فسوف نجد أنها تقع بين هاتين الحالتين وبدرجات مختلفة، منظمة العنكبوت ومنظمة السكن والمودة والرحمة.
ولعل هذا هو أهم ما يجب أن نهتم به الإدارة وتعمل على إدارته والذي قد يسميه البعض بالمناخ التنظيمي لما له من أعظم الأثر على طبيعة وإنتاجية الأفراد في المنظمة.
6- وهن العلاقات:
إذن مناط الدرس العظيم الذي نحن بصدده من بيت العنكبوت، ليس كما كنا نتحيل حينما نقرأ هذه الآية من أن الوهن بقصد به مجرد وهن خيوط البيت التي يمكن لأي طفل ولو كان صغيراً ونجهود بسيط أن يهدمه ليس هذا فقط المقصود بل لعل المقصود أبعد عن ذلك بكثير، فهذا هو الجانب السطحي الظاهر الذي قد يفهمه غير المتعمق أو المتخصص أو العالم بطبائع سلوك الحشرة نفسها، وهو جانب قد يفي بالغرض الشكلي للموضوع، ولكنه لا يفي بأية حال من الأحوال بأركان التشبيه والتمثيل القرآني العظيم بين من اتخذ من دون الله أولياء، وبين العنكبوت اتخذت بيت، فإن أهم ما يمكن أن يميز الولاية ليست الجانب المادي لها وإنما جانب العلاقات النفسية والروابط القلبية والروحية التي تربط بين أطرافها.
ولذلك فإن ما أظهرته اكتشافات علماء الحشرات من طبيعة العلاقة الدموية التي تربط بين الذكر وأنثى العنكبوت التي تبني بيتاً ثم تعاشر فيه ذكراً ثم تقوم بذلك بقتله وهدم أركانه الأساسية، هو مناط العبرة والتمثيل الذي يقصد به وهن العلاقة لا مجرد وهن الحجارة أو الخيوط.
بل إن ما أثبتته الأبحاث أيضاً عن خيوط العنكبوت أنها من حيث العلاقة يعتبر أقوى خيوط على ظهر الأرض، في ضوء سمكها مقارنة بأي خيوط أخرى من أي شيء حتى المعدن بنفس السمك.
ومن هنا فإن أسوأ وضع إداري وتنظيمي هو الذي يكون فيه حال المنظمة بهذا الوضع المأسوى الذي تبني فيه العلاقة على منافع شخصية ذاتية دون مراعاة لمنفعة أو مصلحة الآخرين، بل يتحول الأمر إلى كيد ومؤامرات ودسائس وصراعات ومكائد للتخلص من هذا أو ذاك أو تدميره أو توريطه... إلخ.
مثل هذه الأوضاع التنظيمية لا شك قالها الفشل والندم، وكل علاقة قامت على أساس مادي دنئ ومنافع شخصية غير سوية لابد وأن تنتهي إلى الصراع والخلاف والعداء فالفشل الذريع ومن هنا كانت أسوأ علاقة هي تلك التي تشبه علاقات بيت العنكبوت، وكل من اتخذ من دون الله أولياء مآله ونهايته لابد سوف تكون نفس النهاية ونفس المصير المؤلم مهما بدا من وجود مصالح أو توافق في المدى القصير، فإنها لا تعدو علاقة شهواتية يشبع الإنسان فيها مطامعه أو شهواته تماماً كما يفعل ذكر وأنثى العنكبوت ثم تكون فيها أو معها أو بعدها الصراع فالقتل أو الدمار.
7- بين بيت العنكبوت وبيت النحل:
لقد سبق لنا أن تكلمنا عن مثال آخر لبيت آخر أو منظمة أخرى في عدة مقالات هي النحل ومملكته، والتي ذكرها القرآن أيضاً في محكم آياته وأفرد لها سورة باسمها ، وكذلك النمل.
وأريد من كل فرد يقرأ ويتدبر ويتأمل أن يقارن بين هذين البيتين ليعرف الفروق بين كل منهما وخاصة بيت العنكبوت وبيت النحل، من حيث:
-اعوامل المقارنة العنكبوت النحل
المناخ العام سلبي إجابي
الثقة بين الأفراد منخفضة أو منعدم كبيرة
التعاون منخفضة أو منعدم كبيرة
الشك والتربص كبير قليل منخفض
المهمة أو الهدف الإيقاع بالآخرين انتاج نافع وجيد بأعلى درجات الاتقان.
العلاقة الداخلية صراع ينتهي بالقتل حب وإيثار وتضحية في سبيل الآخرين.
الأنا درجة عالية من الأنانية والتنكر درجة عالية من التضحية وإنكار الذات
علاقة الآخرين بها النفور والحرص على تدميرها قبولها والحرص على اقتنائها،
أو التوازن والمصالحة والتخلص منها ورعايتها والإفادة منها.
الاستمرارية سريعة التلاشي والزوال النمو والتكاثر المستمر
الصورة الذهنية - الاشمئزاز منها الراحة لها، وحبها والحرص عليها.
- ارتباطها بالخراب
فانظروا وتدبروا ياأولي الألباب وتعقلوا تلك الأمثال العظيمة التي تفيض حكمة ودروساً عظيمة لأنها من لدجن الخالق العظيم.
واحرص على أن تبني علاقاتك على أسس سليمة وأواصر متينة، وأمتن وأوثق العلاقات هي ما كانت في الله ولله، حباً لله، وحباً في الله ، وأسوأها ما كانت من دون الله، فإنها من أوهن العلاقات وأضعفها، بل أكثرها استعداد للانقلاب إلى العداء والصراع والدمار، فالندم "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" العنكبوت:41
فانظر أي علاقة تبني، وأي منظمة تعمل؟ واحرص على أن تكون علاقاتك ومنظمتك أبعد عن بيت العنكبوت وأقرب إلى النحل والنمل إلفها السكن والمودة والرحمة، وتسودها روح التفاهم والتعاون والتناغم المستمر، تلك هي المنظمة المثالية التي تحقق أعلى إنتاجية وأرقى إنتاج بأعلى درجات التميز التنافسي والفلاح التنظيمي.
أ. د. محمد المحمدي الماضي
www. almohamady.com
دروس عظيمة في الإدارة من العنكبوت:
منظمة الصراع والدمار
أ. د. محمد المحمدي الماضي
www.almohamady.com
لاشك أن أهم ما يمكن أن يميز أية منظمة هو مقدار ما تتمتع به من توافق تنظيمي واستقرار، وتوجه نحو هدف واضح يدعم هذا الاستقرار والنمو، بما يساعد أفرادها على أداء هدف واضح ونافع للمجتمع الذي تعيش فيه، ودرس اليوم نتلمسه من سورة عظيمة من سور القرآن سميت سورة العنكبوت؛ تلك الحشرة التي لا يكاد يعلم بها أحد أو يأبه لها، وإن حدث فمن باب النفور والاشمئزاز والعمل على إزالتها والتخلص منها أو من آثارها التي تبدو كئيبة، لكن حينما يفرد القرآن سورة باسمها ويوردها في عداد الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون، فإن ذلك يحتاج منا، ولو إلى وقفة متأنية للغوص في مياهها العميقة والبحث عن اللؤلؤ والجواهر من دروس الإدارة العظيمة عسي أن نخرج منها بما يدعم بالفائدة العاملين في حقل الإدارة سواء كانوا ممارسين أو أكاديميين.
1- السياق الذي وردت فيه:
بداية حينما نريد تفهم تلك الدروس علينا أن نضع الأمر في نصابه وسياقه الطبيعي كما ورد في القرآن حيث جاءت الآية الوحيدة في السورة والتي ذكر فيها اسم العنكبوت، بعد سرد مركز لقصص بعض الأقوام السابقة كعاد وثمود، وفرعون ولوط... وما أصابهم نتيجة لكفرهم.
وتمرد هم على خالقهم، واتخاذهم أولياء من دون الله، وكيف كانت نهايتهم المؤلمة من الدمار والهلاك الذي لم يتخلف عنه أحد حيث تلخص السورة كل ذلك في قوله:
"فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أغرقنا ، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " العنكبوت:40
ثم اقرأ بعد ذلك مثلهم في الآية التالية:
"مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، لو كاونوا يعلمون" العنكبوت:41
"إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء، وهو العزيز الحكيم" العنكبوت:42
"وتلك الأمثال مضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" العنكبوت:43
2- جوانب من الإعجاز العلمي:
انظر إلى الآية الأخيرة ؛ كيف يلفت المولى عز وجل نظرنا أن تلك الأمثال ليست هينة، بل تحتاج إلى تفكر وتدبر وتعقل، ولا يستطيع تدبرها ولا تعقلها إلا العالمون.
وكلمة عالمين هنا من الكلمات المعجزة في القرآن، حيث لا يمكن إدراك مغزي المثال المضروب من جميع جوانبه إلا لمن أحاط علماً بحياة وسلوك تلك الحشرة وقام على دراستها، ولاشك أن ذلك يحتاج إلى دراسة متخصصة لها أدواتها ومعاملها وعلمائها، وهو ما لم يتوافر إلا في زمن قريب لا يتعدى القرن العشرين، حيث ظهرت في كليات العلوم أقسام علمية متخصصة في علم الحشرات أخذت تهتم وتدرس عن قريب حياة وسلوك الحشرات مستعينة بالتقنية الحديثة، ومنها حشرة العنكبوت التي نحن بصددها الآن ومن نتائج هذه الدراسة المفيدة أن تكشفت أمور لم تكن معروفة من قبل للسابقين تفيد جداً في فهم المثال المضروب وتكمل مراميه إلى درجة مذهلة، منها:
• الإشارة إلى تاء التأنيث هنا في اتخذت بيتاً حيث لم يعرف إلا حديثاً أن الأنثى هى التي تقوم ببناء البيت وتستدعي ذكر العنكبوت.
• أنها بعد أن تنسج خيوط البيت وتستدعي الذكر ليقوم باستكمال متطلبات عملية التناسل وينهي مهمته تقوم بقتله.
وتنتهي العلاقة بهذا الشكل الدموي المؤلم.
ولعل اكتشاف هذين الأمرين من سلوك العنكبوت يوضح إلى درجة بعيدة أوجه عظيمة للإعجاز العلمي المتجدد للقرآن الكريم ومدى دقته وأنه من لدن الخلاق العليم، ويبقى أن نتأمل إلى مزيد من الإعجاز والدروس العظيمة في جوانب أخرى كالإدارة...
3- معنى المنظمة:
بداية وحتى نتفهم الانعكاسات الإدارية للموضوع علينا أن نتفق على المعنى الذي نقصده للمنظمة طبقاً لما هو متعارف عليه في العلوم الإدارية حيث يقصد به بإيجاز: "فردان فأكثر، يعملون معاً لتحقيق هدف واحد مشترك"
ومن هنا فإن المنظمة أياً كان نوعها تبدأ من فردين حتى وإن كان ذكر وأنثى، ونحن نعتبر أن آدم وحواء عليهما السلام يمثلان أول منظمة ظهرت على ظهر الأرض.
وطالما ظهرت مثل هذه المنظمة فإن ممارسة الإدارة بوظائفها المختلفة تقترن بها. فهل يمكن لنا اعتبار بيت العنكبوت منظمة، كمنظمة النحل مثلاً أو النمل أو حتى الإنسانية منها؟
4- منظمة ولكن:
من حيث كونها فردان فأكثر فإن بيت العنكبوت حتى يتكامل ويطلق عليه بيت كأي بيت آخر لابد له من ذكر وأنثى وأبناء وهذا هو الوضع الطبيعي، ثم يكون له مهمة وغاية يعمل من أجل تحقيقهما بشكل مشترك ومتكامل، ويمكن أن يكون هناك نوع من تقسيم الأدوار لكن بشكل متكامل ومتناسق والمشكلة في بيت العنكبوت ليس في العدد، ولا في طبيعة المهمة لكن في طبيعة العلاقات والتكاملية التي تقوم عليها.
فإن أهم ما يمكن أن يميز أي علاقة زوجية تنظيمية سليمة هو ما تبني عليه من سكن و مودة ورحمة.
ولعل من الإشارات العظيمة في القرآن ما ورد في السورة التالية لسورة العنكبوت مباشرة وهي سورة الروم لمثل هذا البيت المثالي الذي يوضح بشكل جلي طبيعة الفرق بين بيتين وزوجين.
5- بيت العنكبوت وبين المودة والرحمة:
حيث قال تعالى في سورة الروم مذكراً بآياته:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، وإن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" 21
فهنا ورد توضيح للأركان الحقيقية للبيت الإنساني المثالي وطبيعة العلاقة التي تربط بين الذكر والأنثى في أعظم رباط في ظل الغاية الأساسية التي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من أجلها وخلق له من نفسه زوجاً يشاركه ويعاونه في القيام بهذه الغاية وتحقيق المهمة التي خلق من أجلها، وتقوم هذه العلاقة التنظيمية العظيمة على ثلاثة أركان هي:
- السكن
- الرحمة
- المودة
وكما هو واضح فإنها إنما تمثل أركاناً معنوية لا مادية تحقق أعلى درجات الأمن النفسي والراحة المتبادلة التي توفر مناخاً وأرضية مناسبة لقيام أفراد تلك المنظمة أو هذه البيت بواجباتهم على خير وجه سواء كانت هذه الواجبات في الحياة عمومياً أو تجاه كل منهما للآخر. وبدون هذه الأركان سوف تتحول إلى منظمة كئيبة هي منظمة الصراع والشقاق والأزمة بدلاً من السكن والمودة والرحمة.
ولعل هذا هو أهم ما يفرق بين بيت العنكبوت وبيت السكن والمودة والرحمة.
ولو تأملت وتدبرت بعمق في طبيعة العلاقة التي تربط بين أفراد كل منظمة فسوف نجد أنها تقع بين هاتين الحالتين وبدرجات مختلفة، منظمة العنكبوت ومنظمة السكن والمودة والرحمة.
ولعل هذا هو أهم ما يجب أن نهتم به الإدارة وتعمل على إدارته والذي قد يسميه البعض بالمناخ التنظيمي لما له من أعظم الأثر على طبيعة وإنتاجية الأفراد في المنظمة.
6- وهن العلاقات:
إذن مناط الدرس العظيم الذي نحن بصدده من بيت العنكبوت، ليس كما كنا نتحيل حينما نقرأ هذه الآية من أن الوهن بقصد به مجرد وهن خيوط البيت التي يمكن لأي طفل ولو كان صغيراً ونجهود بسيط أن يهدمه ليس هذا فقط المقصود بل لعل المقصود أبعد عن ذلك بكثير، فهذا هو الجانب السطحي الظاهر الذي قد يفهمه غير المتعمق أو المتخصص أو العالم بطبائع سلوك الحشرة نفسها، وهو جانب قد يفي بالغرض الشكلي للموضوع، ولكنه لا يفي بأية حال من الأحوال بأركان التشبيه والتمثيل القرآني العظيم بين من اتخذ من دون الله أولياء، وبين العنكبوت اتخذت بيت، فإن أهم ما يمكن أن يميز الولاية ليست الجانب المادي لها وإنما جانب العلاقات النفسية والروابط القلبية والروحية التي تربط بين أطرافها.
ولذلك فإن ما أظهرته اكتشافات علماء الحشرات من طبيعة العلاقة الدموية التي تربط بين الذكر وأنثى العنكبوت التي تبني بيتاً ثم تعاشر فيه ذكراً ثم تقوم بذلك بقتله وهدم أركانه الأساسية، هو مناط العبرة والتمثيل الذي يقصد به وهن العلاقة لا مجرد وهن الحجارة أو الخيوط.
بل إن ما أثبتته الأبحاث أيضاً عن خيوط العنكبوت أنها من حيث العلاقة يعتبر أقوى خيوط على ظهر الأرض، في ضوء سمكها مقارنة بأي خيوط أخرى من أي شيء حتى المعدن بنفس السمك.
ومن هنا فإن أسوأ وضع إداري وتنظيمي هو الذي يكون فيه حال المنظمة بهذا الوضع المأسوى الذي تبني فيه العلاقة على منافع شخصية ذاتية دون مراعاة لمنفعة أو مصلحة الآخرين، بل يتحول الأمر إلى كيد ومؤامرات ودسائس وصراعات ومكائد للتخلص من هذا أو ذاك أو تدميره أو توريطه... إلخ.
مثل هذه الأوضاع التنظيمية لا شك قالها الفشل والندم، وكل علاقة قامت على أساس مادي دنئ ومنافع شخصية غير سوية لابد وأن تنتهي إلى الصراع والخلاف والعداء فالفشل الذريع ومن هنا كانت أسوأ علاقة هي تلك التي تشبه علاقات بيت العنكبوت، وكل من اتخذ من دون الله أولياء مآله ونهايته لابد سوف تكون نفس النهاية ونفس المصير المؤلم مهما بدا من وجود مصالح أو توافق في المدى القصير، فإنها لا تعدو علاقة شهواتية يشبع الإنسان فيها مطامعه أو شهواته تماماً كما يفعل ذكر وأنثى العنكبوت ثم تكون فيها أو معها أو بعدها الصراع فالقتل أو الدمار.
7- بين بيت العنكبوت وبيت النحل:
لقد سبق لنا أن تكلمنا عن مثال آخر لبيت آخر أو منظمة أخرى في عدة مقالات هي النحل ومملكته، والتي ذكرها القرآن أيضاً في محكم آياته وأفرد لها سورة باسمها ، وكذلك النمل.
وأريد من كل فرد يقرأ ويتدبر ويتأمل أن يقارن بين هذين البيتين ليعرف الفروق بين كل منهما وخاصة بيت العنكبوت وبيت النحل، من حيث:
-اعوامل المقارنة العنكبوت النحل
المناخ العام سلبي إجابي
الثقة بين الأفراد منخفضة أو منعدم كبيرة
التعاون منخفضة أو منعدم كبيرة
الشك والتربص كبير قليل منخفض
المهمة أو الهدف الإيقاع بالآخرين انتاج نافع وجيد بأعلى درجات الاتقان.
العلاقة الداخلية صراع ينتهي بالقتل حب وإيثار وتضحية في سبيل الآخرين.
الأنا درجة عالية من الأنانية والتنكر درجة عالية من التضحية وإنكار الذات
علاقة الآخرين بها النفور والحرص على تدميرها قبولها والحرص على اقتنائها،
أو التوازن والمصالحة والتخلص منها ورعايتها والإفادة منها.
الاستمرارية سريعة التلاشي والزوال النمو والتكاثر المستمر
الصورة الذهنية - الاشمئزاز منها الراحة لها، وحبها والحرص عليها.
- ارتباطها بالخراب
فانظروا وتدبروا ياأولي الألباب وتعقلوا تلك الأمثال العظيمة التي تفيض حكمة ودروساً عظيمة لأنها من لدجن الخالق العظيم.
واحرص على أن تبني علاقاتك على أسس سليمة وأواصر متينة، وأمتن وأوثق العلاقات هي ما كانت في الله ولله، حباً لله، وحباً في الله ، وأسوأها ما كانت من دون الله، فإنها من أوهن العلاقات وأضعفها، بل أكثرها استعداد للانقلاب إلى العداء والصراع والدمار، فالندم "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" العنكبوت:41
فانظر أي علاقة تبني، وأي منظمة تعمل؟ واحرص على أن تكون علاقاتك ومنظمتك أبعد عن بيت العنكبوت وأقرب إلى النحل والنمل إلفها السكن والمودة والرحمة، وتسودها روح التفاهم والتعاون والتناغم المستمر، تلك هي المنظمة المثالية التي تحقق أعلى إنتاجية وأرقى إنتاج بأعلى درجات التميز التنافسي والفلاح التنظيمي.
أ. د. محمد المحمدي الماضي
www. almohamady.com