1accountant
05-05-2009, 11:01 PM
ماهية النفقات العامة
من الضروري قبل البدء بدراسة النفقات العامة أن نعرض أولا" تطور مفهوم النفقات العامة، وأن نحدد ثانيا" تعريف النفقات العامة وأركانها.
أولا"- تطور مفهوم النفقات العامة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn1)) :
تعكس النفقات العامة دور الدولة وتطوره. ومع تطور دور الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة، إلى الدولة المنتجة، تطورت النفقات العامة، وتطور مفهومها الذي اختلف في ظل الدولة الحارسة عنه في ظل الدولة المتدخلة، أو في ظل الدولة المنتجة.
- المفهوم التقليدي للنفقات العامة:
لم تنجح سياسة التدخل التي انتهجها الفكر التجاري في أواخر عهده، وطالب الفكر الاقتصادي الطبيعي الدولة، أن تتبع النظام الاقتصادي الطبيعي الحر وعدم التدخل في النشاط الاقتصادي، واقتصر دور الدولة الحارسة-حسب رأي الاقتصادي آدم سميث- على القيام بالوظائف التقليدية التي تتمثل في تأمين الدفاع والأمن والعدالة، إضافة إلى بعض أوجه النشاط المحدودة، التي تستهدف توفير بعض الخدمات والمرافق العامة، التي لا تتعارض مع مبادئ المذهب الفردي الحر.
وقد أدى تقلص أهمية نشاط الدولة الحارسة، والتمسك بحياد نشاطها المالي حسب قانون ساي إلى نتائج عديدة، أثرت في مفهوم النفقات العامة، أهمها:
أ- ضرورة تقليل النفقات العامة، بحيث يجب أن تكون في أضيق الحدود، وبالقدر اللازم لتمكين الدولة من القيام بوظائفها التقليدية المحدودة، لما تنطوي عليه النفقات العامة من استهلاك لجانب من ثروة المجتمع، نتيجة للطابع الاستهلاكي، وغير الإنتاجي لنشاط الدولة.
ب- ضرورة التمسك بحياد النفقات العامة، واقتصارها على الغرض المالي فقط، الذي أبعدها عن أن يكون لها آثار اقتصادية واجتماعية.
وفي واقع الأمر، فإن النفقات العامة في ظل الدولة الحارسة، لم تخل كليا" من إحداث بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية، حتى ولو كان ذلك بصورة غير مباشرة، رغم طابعها غير المنتج، الأمر الذي جعل الاقتصاديين التقليديين، يتشددون في الحد من النفقات العامة لضمان حيادها، أو على الأقل لتضييق نطاق آثارها الاقتصادية والاجتماعية.
وقد اقتصرت الدراسات المالية التقليدية، على التعرض للجوانب القانونية والإدارية للنفقات العامة، لضمان ضغطها والحد منها، على النحو الذي يحول دون الالتجاء إلى التوسع في تدبير الموارد المالية (كالضرائب) اللازمة لتغطيتها.
- المفهوم الحديث للنفقات العامة:
لم تحاول الدراسات المالية التقليدية التعرض بقدر كاف لما تثيره النفقات العامة من قضايا تتعلق بآثارها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، التي لم يعترف بها التقليديون، وأسس توزيعها على أوجه النشاط المختلفة، نظرا" لحيادها من ناحية، وطابعها الإداري من ناحية أخرى، وأدى تعدد الأزمات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها المجتمعات الرأسمالية منذ بداية القرن الحالي، وظهور المبادئ الاشتراكية، ووضعها موضع التطبيق منذ الثورة في روسيا 1917، إلى تخلي الدولة عن حيادها التقليدي ولجوئها إلى التدخل في الحياة الاقتصادية بقصد تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، الذي عجز قانون السوق للنظام الفردي الحر عن تحقيقه تلقائيا". فقامت الدولة الرأسمالية بالكثير من أوجه النشاط الاقتصادي، وخرجت من نطاق الدولة الحارسة إلى نطاق الدولة المتدخلة، وبخاصة بعد انتشار الفكر الكينزي.
ولم يعد دور الدولة الرأسمالية المعاصرة قاصرا" على مجرد الاحتفاظ بالتوازن الاقتصادي علاجا" للأزمات؛ وإنما تحقيقا" لزيادة معدل نمو الاقتصاد القومي. وهذا مما أدى إلى زيادة حجم النفقات العامة،وتعددها من ناحية، وتغير مفهومها وطبيعة دورها من ناحية أخرى. وأصبحت النفقات العامة أداة رئيسة لتدخل الدولة، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn2)) .
وفي ظل الدولة الاشتراكية أو المنتجة التي تتحمل مسؤولية النشاط الاقتصادي في مجموعه، نتيجة لسيطرتها الفعلية على وسائل الإنتاج، ازداد حجم النفقات العامة، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لاتساع نطاق نشاط الدولة الذي يهدف إلى توزيع موارد الإنتاج بين مختلف الاستخدامات، وتنسيق أوجه النشاط الاقتصادي، بما يحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وفقا" لخطة قومية شاملة، تملك الدولة سلطات مطلقة في تنفيذها.
وفي الدول النامية، تتحمل مسؤولية إحداث التغيرات الهيكلية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بإقامة المشروعات اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية لعملية التحول الاقتصادي، والتي يطلق عليها مشروعات البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية . ولا شك أن نجاح الدولة في سياستها الاقتصادية يعتمد على مدى زيادة حجم النفقات العامة من ناحية، ومدى ما تتميز به من إيجابية وإنتاجية وكفاءة في تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى.
ثانيا"- تعريف وأركان النفقات العامة(1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn3)):
تتطلب دراسة النفقات العامة في بادئ الأمر، بعد التعرف على تطور مفهوم النفقات العامة، أن نحدد النفقات العامة من حيث تعريفها وبيان أركانها. ويمكن القول إن النفقات العامة هي مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي) يصدر عن الدولة أو عن أي شخص معنوي عام،بقصد تحقيق منفعة عامة. ويمكننا من هذا التعريف أن نحدد أركان النفقة العامة.
1- النفقة العامة هي مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي):
يتطلب قيام الدولة بنشاطها المالي - الذي يستهدف إشباع الحاجات العامة، والتي يحددها كل من طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وخصائص مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع- أن تتوافر بعض الأموال الاقتصادية اللازمة والمخصصة لهذا الغرض. فقد كانت الدولة تحصل على كل أو بعض السلع التي تحتاجها بطرائق مختلفة. كأن تلجأ إلى الاستيلاء الإجباري على ما تحتاج إليه من أموال وسلع دون دفع التعويض العادل، أو أن تلزم الأفراد القيام ببعض الأعمال دون أن تدفع لهم الأجر، وهو ما يطلق عليه السخرة، أو أن يقوم بعض الأفراد بأعمال، أو أن يؤدوا بعض الخدمات مقابل مزايا عينية، كالسكن المجاني، أو مزايا شرفية، كالأوسمة والنياشيين والألقاب.
وفي مرحلة لاحقة من التطور،لم يعد ممكنا" تسخير الأفراد والاستيلاء على خدماتهم دون تعويض،أو تقديم بعض الامتيازات الشرفية،بل لجأت الدولة إلى التعويض الكلي أو الجزئي بصورة عينية، فكانت تعطي حق استغلال بعض الأموال العامة للأشخاص المستولى على خدماتهم، أو تقدم لهم أموالا" عينية، أو تقرر التعليم المجاني، أو الخدمات الصحية والاجتماعية المجانية لمن يقدم لها خدماته (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn4)) .
ومع التطور لم يعد مقبولا"، كما كان سائدا" في العصور القديمة، أن تدفع الدولة للأفراد مقابلا" عينيا"، مقابل حصولها على السلع والخدمات، بل قاد هذا التطور إلى انتقال النظام الاقتصادي من اقتصاد المقايضة أو الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، حيث شاع استخدام النقود وسيلة للتبادل، اعتمدها المجتمع للحصول على السلع والخدمات. وأصبح الإنفاق العام (والإيراد العام) يتم في الغالب بشكل نقدي، وذلك للأسباب التالية:
أ- أدى الانتقال من الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، إلى أن تصبح النقود وسيلة التبادل وذاع استخدامها في مجمل الاقتصاد القومي، للحصول على السلع والخدمات، فليس من المعقول أن يتعامل أفراد المجتمع بالنقود، في الوقت الذي تتعامل الدولة معهم بالمقايضة.
ب- قد يتضمن تقديم المزايا العينية إخلالا" بمبدأ المساواة بين الأفراد في تحمل الأعباء العامة، فقد تحقق الدولة المساواة بين الأفراد في دفع الضرائب نسبيا"، ولكنها تعود وتحابي بعضهم بمنحهم مزايا عينية على حساب بعضهم الآخر.
ج- تحتاج النفقة العامة إلى أنواع مختلفة من الرقابة الإدارية والتشريعية، لضمان تنفيذها وتوجيهها إلى الأهداف التي خصصت لها، فيصعب إجراء هذه الرقابة إذا كانت النفقة عينية، ويسهل إجراء الرقابة عليها إذا كانت في شكلها النقدي.
د- يثير تقدير النفقة العينية مشكلات إدارية متعددة، منها: عدم الدقة في تقديرها، أو التهاون في ذلك التقدير، وهو ما يفسح المجال أمام السلطة العامة لمحاباة بعض الأفراد، بإعطائهم مزايا عينية تزيد في قيمتها على ثمن السلع والخدمات التي قدموها مقابل ذلك.
ه- أدى انتشار الأفكار والمبادئ الاشتراكية والديمقراطية إلى عدم لجوء الدول إلى إلزام الأفراد وإكراههم على القيام بالأعمال، أو تأدية الخدمات عن طريق السخرة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn5))
وبناء" على ما تقدم، أصبح الأصل في النفقات العامة أن يكون نقديا" ومع ذلك فإن هذا الأصل لا يحول بين الدولة واللجوء إلى الطرائق الأخرى. فالدولة تستطيع أن تلجأ إلى أي أسلوب تحصل به على السلع والخدمات وهو بصدد إشباع الحاجات العامة، ففي الظروف الاستثنائية والطارئة تجند ّ الدولة كل الموارد الاقتصادية. وإذا كانت السخرة والحصول على خدمات الأفراد بالإكراه طرائق غير مقبولة في الوقت الحاضر، فإن انتشار الوعي بين الأفراد في العصر الحاضر، أصبح دافعا" لهم لتقديم خدماتهم طوعا"، إذا ما دعتهم الدولة للمساهمة في إنجاز مشروع عام.
وهكذا يمكن القول إن النفقة العامة تكون في شكل مال اقتصادي، وهو ما دعا إلى تعريف النفقة العامة بأنها مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي). فالمال الاقتصادي أوسع في مفهومه من النقود. فكل نقد هو مال اقتصادي، ولكن المال قد يكون نقدا"، وقد يكون سلعة اقتصادية أخرى.
نخلص إلى أن النفقات العامة تتخذ الشكل النقدي في الوقت الحاضر. ولكن لا تحول هذه القاعدة دون الحصول على بعض الخدمات والسلع مجانا" أو عينيا" في حالات الضرورة. وفي كل من الأحوال الاعتيادية يكون الإنفاق نقديا".
2- أن تصدر النفقة العامة عن الدولة أو عن شخص معنوي عام:
إن الحديث عن النفقات العامة يعني، النفقات التي تصدر عن الدولة إلا أن هذه النقطة هي موضع نقاش في الفكر المالي، الذي اعتمد على معيارين للتمييز بين النفقة العامة والنفقة الخاصة. يرتكز المعيار الأول على الجهة التي يصدر عنها الإنفاق، وهو ما يطلق عليه المعيار القانوني والإداري. ويعتمد المعيار الثاني على الوظيفة التي تؤديها النفقة العامة، وهو ما يسمى المعيار الوظيفي أو الموضوعي.
آ- المعيار القانوني والإداري:
يعتمد مؤيدو هذا المعيار على الطبيعة القانونية للجهة التي تقوم بالإنفاق، فهي التي تحدد طبيعة النفقة، وما إذا كانت عامة أم خاصة. فالنفقات العامة هي تلك النفقات التي يقوم بها أشخاص القانون العام، أو الأشخاص المعنوية العامة، وهي الدولة والهيئات العامة القومية والمحلية والمؤسسات العامة، وتعتبر نفقات خاصة تلك النفقات التي يقوم بها الأفراد والشركات والجمعيات الخاصة أو أشخاص القانون الخاص. ويستند أصحاب هذا الرأي، إلى اختلاف طبيعة نشاط القانون العام عن طبيعة نشاط الأشخاص المعنوية الخاصة، ويرجع هذا الاختلاف بصورة أساسية إلى أن نشاط أشخاص القانون العام يهدف إلى تحقيق المصلحة الجماعية العامة، ويعتمد في ذلك على القوانين والقرارات الإدارية، أي على سلطة الأمر. بينما يهدف نشاط الأشخاص الخاصة إلى تحقيق المصلحة الفردية الخاصة، التي تعتمد على التعاقد، ومبدأ المساواة بين المتعاقدين (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn6)).
يتفق هذا المعيار القانوني والإداري مع الفكر التقليدي، الذي يؤمن بدور الدولة الحارسة التي يجب أن يكون دورها في أضيق الحدود، والقيام بالوظائف التقليدية المحددة، وهي الأمن الداخلي والعدالة وبعض المرافق العامة، وبذلك تتحقق وانتقالها من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة إلى الدولة المنتجة، امتد نشاط الدولة ليشمل كثيرا" من أوجه النشاط التي كانت تدخل فيما مضى ضمن نشاط الأشخاص المعنوية الخاصة، كالإنتاج والتوزيع. وأصبح المعيار القانوني والإداري غير كاف للتمييز بين النفقات العامة والنفقات الخاصة وقاصرا" عن مجاراة الواقع العملي والتطور الذي لحق الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ لإنهيار الأساس الذي يقوم عليه، وهو اختلاف نشاط الدولة عن نشاط الأفراد، واقتراح بعض الكتاب الماليين المعيار الثاني وهو المعيار الوظيفي.
ب- المعيار الوظيفي (الموضوعي):
يعتمد هذا المعيار على الفكرة الاقتصادية والاجتماعية، والتي تأخذ في حسابها تطور الدولة، واتساع نطاق نشاطها المالي، حيث تتحدد طبيعة النفقات العامة، طبقا" لهذا المعيار على أساس طبيعة الوظيفة التي تخصص لها هذه النفقات، وبناء" على ذلك تعتبر النفقات عامة إذا قامت بها الدولة بصفتها السيادية، أو إذا قام بها أشخاص معنيون تفوضهم الدولة في استخدام سلطتها السيادية. أما النفقات التي تقوم بها الدولة أو الهيئات والمؤسسات العامة أو شركات القطاع العام في الظروف نفسها، التي يقوم الأفراد والقطاع الخاص للإنفاق فيها، فإنها تعتبر نفقات خاصة.
يلاحظ أن الأخذ بالمعيار الوظيفي الذي يعتمد الفكرة الاقتصادية والاجتماعية، يستبعد جزءا" كبيرا" من نفقات الدولة التي تدخل ضمن النفقات العامة -التي تقوم بها الدولة، من أجل إشباع الحاجات العامة- التي استجدت إثر تطور الدولة، مما يحول دون إمكان قياس ما يعرف باسم الاقتصاد العام.
وخلاصة القول أن مفهوم النفقات العامة يجب أن يتسع ليشمل جميع النفقات العامة التي تصدر عن الدولة، الحكومة المركزية والمحلية والهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام وشركات الاقتصاد المختلط، التي تملك الدولة الجزء الأكبر من رأسمالها، وتسيطر عليها وتتحكم في إدارتها. وهو ما يطلق عليه معيار ملكية الأموال المنفقة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn7)) .
من الضروري قبل البدء بدراسة النفقات العامة أن نعرض أولا" تطور مفهوم النفقات العامة، وأن نحدد ثانيا" تعريف النفقات العامة وأركانها.
أولا"- تطور مفهوم النفقات العامة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn1)) :
تعكس النفقات العامة دور الدولة وتطوره. ومع تطور دور الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة، إلى الدولة المنتجة، تطورت النفقات العامة، وتطور مفهومها الذي اختلف في ظل الدولة الحارسة عنه في ظل الدولة المتدخلة، أو في ظل الدولة المنتجة.
- المفهوم التقليدي للنفقات العامة:
لم تنجح سياسة التدخل التي انتهجها الفكر التجاري في أواخر عهده، وطالب الفكر الاقتصادي الطبيعي الدولة، أن تتبع النظام الاقتصادي الطبيعي الحر وعدم التدخل في النشاط الاقتصادي، واقتصر دور الدولة الحارسة-حسب رأي الاقتصادي آدم سميث- على القيام بالوظائف التقليدية التي تتمثل في تأمين الدفاع والأمن والعدالة، إضافة إلى بعض أوجه النشاط المحدودة، التي تستهدف توفير بعض الخدمات والمرافق العامة، التي لا تتعارض مع مبادئ المذهب الفردي الحر.
وقد أدى تقلص أهمية نشاط الدولة الحارسة، والتمسك بحياد نشاطها المالي حسب قانون ساي إلى نتائج عديدة، أثرت في مفهوم النفقات العامة، أهمها:
أ- ضرورة تقليل النفقات العامة، بحيث يجب أن تكون في أضيق الحدود، وبالقدر اللازم لتمكين الدولة من القيام بوظائفها التقليدية المحدودة، لما تنطوي عليه النفقات العامة من استهلاك لجانب من ثروة المجتمع، نتيجة للطابع الاستهلاكي، وغير الإنتاجي لنشاط الدولة.
ب- ضرورة التمسك بحياد النفقات العامة، واقتصارها على الغرض المالي فقط، الذي أبعدها عن أن يكون لها آثار اقتصادية واجتماعية.
وفي واقع الأمر، فإن النفقات العامة في ظل الدولة الحارسة، لم تخل كليا" من إحداث بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية، حتى ولو كان ذلك بصورة غير مباشرة، رغم طابعها غير المنتج، الأمر الذي جعل الاقتصاديين التقليديين، يتشددون في الحد من النفقات العامة لضمان حيادها، أو على الأقل لتضييق نطاق آثارها الاقتصادية والاجتماعية.
وقد اقتصرت الدراسات المالية التقليدية، على التعرض للجوانب القانونية والإدارية للنفقات العامة، لضمان ضغطها والحد منها، على النحو الذي يحول دون الالتجاء إلى التوسع في تدبير الموارد المالية (كالضرائب) اللازمة لتغطيتها.
- المفهوم الحديث للنفقات العامة:
لم تحاول الدراسات المالية التقليدية التعرض بقدر كاف لما تثيره النفقات العامة من قضايا تتعلق بآثارها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، التي لم يعترف بها التقليديون، وأسس توزيعها على أوجه النشاط المختلفة، نظرا" لحيادها من ناحية، وطابعها الإداري من ناحية أخرى، وأدى تعدد الأزمات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها المجتمعات الرأسمالية منذ بداية القرن الحالي، وظهور المبادئ الاشتراكية، ووضعها موضع التطبيق منذ الثورة في روسيا 1917، إلى تخلي الدولة عن حيادها التقليدي ولجوئها إلى التدخل في الحياة الاقتصادية بقصد تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، الذي عجز قانون السوق للنظام الفردي الحر عن تحقيقه تلقائيا". فقامت الدولة الرأسمالية بالكثير من أوجه النشاط الاقتصادي، وخرجت من نطاق الدولة الحارسة إلى نطاق الدولة المتدخلة، وبخاصة بعد انتشار الفكر الكينزي.
ولم يعد دور الدولة الرأسمالية المعاصرة قاصرا" على مجرد الاحتفاظ بالتوازن الاقتصادي علاجا" للأزمات؛ وإنما تحقيقا" لزيادة معدل نمو الاقتصاد القومي. وهذا مما أدى إلى زيادة حجم النفقات العامة،وتعددها من ناحية، وتغير مفهومها وطبيعة دورها من ناحية أخرى. وأصبحت النفقات العامة أداة رئيسة لتدخل الدولة، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn2)) .
وفي ظل الدولة الاشتراكية أو المنتجة التي تتحمل مسؤولية النشاط الاقتصادي في مجموعه، نتيجة لسيطرتها الفعلية على وسائل الإنتاج، ازداد حجم النفقات العامة، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لاتساع نطاق نشاط الدولة الذي يهدف إلى توزيع موارد الإنتاج بين مختلف الاستخدامات، وتنسيق أوجه النشاط الاقتصادي، بما يحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وفقا" لخطة قومية شاملة، تملك الدولة سلطات مطلقة في تنفيذها.
وفي الدول النامية، تتحمل مسؤولية إحداث التغيرات الهيكلية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بإقامة المشروعات اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية لعملية التحول الاقتصادي، والتي يطلق عليها مشروعات البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية . ولا شك أن نجاح الدولة في سياستها الاقتصادية يعتمد على مدى زيادة حجم النفقات العامة من ناحية، ومدى ما تتميز به من إيجابية وإنتاجية وكفاءة في تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى.
ثانيا"- تعريف وأركان النفقات العامة(1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn3)):
تتطلب دراسة النفقات العامة في بادئ الأمر، بعد التعرف على تطور مفهوم النفقات العامة، أن نحدد النفقات العامة من حيث تعريفها وبيان أركانها. ويمكن القول إن النفقات العامة هي مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي) يصدر عن الدولة أو عن أي شخص معنوي عام،بقصد تحقيق منفعة عامة. ويمكننا من هذا التعريف أن نحدد أركان النفقة العامة.
1- النفقة العامة هي مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي):
يتطلب قيام الدولة بنشاطها المالي - الذي يستهدف إشباع الحاجات العامة، والتي يحددها كل من طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وخصائص مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع- أن تتوافر بعض الأموال الاقتصادية اللازمة والمخصصة لهذا الغرض. فقد كانت الدولة تحصل على كل أو بعض السلع التي تحتاجها بطرائق مختلفة. كأن تلجأ إلى الاستيلاء الإجباري على ما تحتاج إليه من أموال وسلع دون دفع التعويض العادل، أو أن تلزم الأفراد القيام ببعض الأعمال دون أن تدفع لهم الأجر، وهو ما يطلق عليه السخرة، أو أن يقوم بعض الأفراد بأعمال، أو أن يؤدوا بعض الخدمات مقابل مزايا عينية، كالسكن المجاني، أو مزايا شرفية، كالأوسمة والنياشيين والألقاب.
وفي مرحلة لاحقة من التطور،لم يعد ممكنا" تسخير الأفراد والاستيلاء على خدماتهم دون تعويض،أو تقديم بعض الامتيازات الشرفية،بل لجأت الدولة إلى التعويض الكلي أو الجزئي بصورة عينية، فكانت تعطي حق استغلال بعض الأموال العامة للأشخاص المستولى على خدماتهم، أو تقدم لهم أموالا" عينية، أو تقرر التعليم المجاني، أو الخدمات الصحية والاجتماعية المجانية لمن يقدم لها خدماته (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn4)) .
ومع التطور لم يعد مقبولا"، كما كان سائدا" في العصور القديمة، أن تدفع الدولة للأفراد مقابلا" عينيا"، مقابل حصولها على السلع والخدمات، بل قاد هذا التطور إلى انتقال النظام الاقتصادي من اقتصاد المقايضة أو الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، حيث شاع استخدام النقود وسيلة للتبادل، اعتمدها المجتمع للحصول على السلع والخدمات. وأصبح الإنفاق العام (والإيراد العام) يتم في الغالب بشكل نقدي، وذلك للأسباب التالية:
أ- أدى الانتقال من الاقتصاد العيني إلى الاقتصاد النقدي، إلى أن تصبح النقود وسيلة التبادل وذاع استخدامها في مجمل الاقتصاد القومي، للحصول على السلع والخدمات، فليس من المعقول أن يتعامل أفراد المجتمع بالنقود، في الوقت الذي تتعامل الدولة معهم بالمقايضة.
ب- قد يتضمن تقديم المزايا العينية إخلالا" بمبدأ المساواة بين الأفراد في تحمل الأعباء العامة، فقد تحقق الدولة المساواة بين الأفراد في دفع الضرائب نسبيا"، ولكنها تعود وتحابي بعضهم بمنحهم مزايا عينية على حساب بعضهم الآخر.
ج- تحتاج النفقة العامة إلى أنواع مختلفة من الرقابة الإدارية والتشريعية، لضمان تنفيذها وتوجيهها إلى الأهداف التي خصصت لها، فيصعب إجراء هذه الرقابة إذا كانت النفقة عينية، ويسهل إجراء الرقابة عليها إذا كانت في شكلها النقدي.
د- يثير تقدير النفقة العينية مشكلات إدارية متعددة، منها: عدم الدقة في تقديرها، أو التهاون في ذلك التقدير، وهو ما يفسح المجال أمام السلطة العامة لمحاباة بعض الأفراد، بإعطائهم مزايا عينية تزيد في قيمتها على ثمن السلع والخدمات التي قدموها مقابل ذلك.
ه- أدى انتشار الأفكار والمبادئ الاشتراكية والديمقراطية إلى عدم لجوء الدول إلى إلزام الأفراد وإكراههم على القيام بالأعمال، أو تأدية الخدمات عن طريق السخرة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn5))
وبناء" على ما تقدم، أصبح الأصل في النفقات العامة أن يكون نقديا" ومع ذلك فإن هذا الأصل لا يحول بين الدولة واللجوء إلى الطرائق الأخرى. فالدولة تستطيع أن تلجأ إلى أي أسلوب تحصل به على السلع والخدمات وهو بصدد إشباع الحاجات العامة، ففي الظروف الاستثنائية والطارئة تجند ّ الدولة كل الموارد الاقتصادية. وإذا كانت السخرة والحصول على خدمات الأفراد بالإكراه طرائق غير مقبولة في الوقت الحاضر، فإن انتشار الوعي بين الأفراد في العصر الحاضر، أصبح دافعا" لهم لتقديم خدماتهم طوعا"، إذا ما دعتهم الدولة للمساهمة في إنجاز مشروع عام.
وهكذا يمكن القول إن النفقة العامة تكون في شكل مال اقتصادي، وهو ما دعا إلى تعريف النفقة العامة بأنها مبلغ من المال (اقتصادي أو نقدي). فالمال الاقتصادي أوسع في مفهومه من النقود. فكل نقد هو مال اقتصادي، ولكن المال قد يكون نقدا"، وقد يكون سلعة اقتصادية أخرى.
نخلص إلى أن النفقات العامة تتخذ الشكل النقدي في الوقت الحاضر. ولكن لا تحول هذه القاعدة دون الحصول على بعض الخدمات والسلع مجانا" أو عينيا" في حالات الضرورة. وفي كل من الأحوال الاعتيادية يكون الإنفاق نقديا".
2- أن تصدر النفقة العامة عن الدولة أو عن شخص معنوي عام:
إن الحديث عن النفقات العامة يعني، النفقات التي تصدر عن الدولة إلا أن هذه النقطة هي موضع نقاش في الفكر المالي، الذي اعتمد على معيارين للتمييز بين النفقة العامة والنفقة الخاصة. يرتكز المعيار الأول على الجهة التي يصدر عنها الإنفاق، وهو ما يطلق عليه المعيار القانوني والإداري. ويعتمد المعيار الثاني على الوظيفة التي تؤديها النفقة العامة، وهو ما يسمى المعيار الوظيفي أو الموضوعي.
آ- المعيار القانوني والإداري:
يعتمد مؤيدو هذا المعيار على الطبيعة القانونية للجهة التي تقوم بالإنفاق، فهي التي تحدد طبيعة النفقة، وما إذا كانت عامة أم خاصة. فالنفقات العامة هي تلك النفقات التي يقوم بها أشخاص القانون العام، أو الأشخاص المعنوية العامة، وهي الدولة والهيئات العامة القومية والمحلية والمؤسسات العامة، وتعتبر نفقات خاصة تلك النفقات التي يقوم بها الأفراد والشركات والجمعيات الخاصة أو أشخاص القانون الخاص. ويستند أصحاب هذا الرأي، إلى اختلاف طبيعة نشاط القانون العام عن طبيعة نشاط الأشخاص المعنوية الخاصة، ويرجع هذا الاختلاف بصورة أساسية إلى أن نشاط أشخاص القانون العام يهدف إلى تحقيق المصلحة الجماعية العامة، ويعتمد في ذلك على القوانين والقرارات الإدارية، أي على سلطة الأمر. بينما يهدف نشاط الأشخاص الخاصة إلى تحقيق المصلحة الفردية الخاصة، التي تعتمد على التعاقد، ومبدأ المساواة بين المتعاقدين (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn6)).
يتفق هذا المعيار القانوني والإداري مع الفكر التقليدي، الذي يؤمن بدور الدولة الحارسة التي يجب أن يكون دورها في أضيق الحدود، والقيام بالوظائف التقليدية المحددة، وهي الأمن الداخلي والعدالة وبعض المرافق العامة، وبذلك تتحقق وانتقالها من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة إلى الدولة المنتجة، امتد نشاط الدولة ليشمل كثيرا" من أوجه النشاط التي كانت تدخل فيما مضى ضمن نشاط الأشخاص المعنوية الخاصة، كالإنتاج والتوزيع. وأصبح المعيار القانوني والإداري غير كاف للتمييز بين النفقات العامة والنفقات الخاصة وقاصرا" عن مجاراة الواقع العملي والتطور الذي لحق الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ لإنهيار الأساس الذي يقوم عليه، وهو اختلاف نشاط الدولة عن نشاط الأفراد، واقتراح بعض الكتاب الماليين المعيار الثاني وهو المعيار الوظيفي.
ب- المعيار الوظيفي (الموضوعي):
يعتمد هذا المعيار على الفكرة الاقتصادية والاجتماعية، والتي تأخذ في حسابها تطور الدولة، واتساع نطاق نشاطها المالي، حيث تتحدد طبيعة النفقات العامة، طبقا" لهذا المعيار على أساس طبيعة الوظيفة التي تخصص لها هذه النفقات، وبناء" على ذلك تعتبر النفقات عامة إذا قامت بها الدولة بصفتها السيادية، أو إذا قام بها أشخاص معنيون تفوضهم الدولة في استخدام سلطتها السيادية. أما النفقات التي تقوم بها الدولة أو الهيئات والمؤسسات العامة أو شركات القطاع العام في الظروف نفسها، التي يقوم الأفراد والقطاع الخاص للإنفاق فيها، فإنها تعتبر نفقات خاصة.
يلاحظ أن الأخذ بالمعيار الوظيفي الذي يعتمد الفكرة الاقتصادية والاجتماعية، يستبعد جزءا" كبيرا" من نفقات الدولة التي تدخل ضمن النفقات العامة -التي تقوم بها الدولة، من أجل إشباع الحاجات العامة- التي استجدت إثر تطور الدولة، مما يحول دون إمكان قياس ما يعرف باسم الاقتصاد العام.
وخلاصة القول أن مفهوم النفقات العامة يجب أن يتسع ليشمل جميع النفقات العامة التي تصدر عن الدولة، الحكومة المركزية والمحلية والهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام وشركات الاقتصاد المختلط، التي تملك الدولة الجزء الأكبر من رأسمالها، وتسيطر عليها وتتحكم في إدارتها. وهو ما يطلق عليه معيار ملكية الأموال المنفقة (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn7)) .