المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة البداية والنهاية للأزمة المالية العالمية


هشام حلمي شلبي
11-12-2008, 03:44 PM
قصة البداية والنهاية للأزمة المالية العالمية

أزمة أسواق المال.. عندما تحتمي الليبرالية بالمال العام

المال العام لإنقاذ ثراء النخبة .. وهل هي أزمة مالية أم أزمة الليبرالية؟

يعيش العالم اليوم على وقع أخبار أسواق المال التي فرضت إيقاعها على مظاهر الحياة، خاصة في المناطق التي تمثل مركزا حيويا للاقتصاد المعولم.

لقد خطفت هذه الأزمة الأضواء على الساحة الإعلامية بالنظر لخطورتها وبالنظر كذلك إلى التفرغ الكلي لأقطاب القرار السياسي العالمي لمواجهتها.

ومن المؤشرات على ذلك أن مرت تعيينات الفائزين بجائزة نوبل هذه السنة، وعلى غير العادة، في شكل أخبار متفرقة وثانوية بعد أن غمرتها أخبار داو جونز. إنها أزمة فاجأت الجميع في ظل واقع الاقتصاد الإنتاجي المتماسك، إلى حد ما، وفي ظل سرعة انتشارها.

لكن على الرغم من آنية هذا الحدث وبغض النظر عن التطورات اللاحقة المحتملة فإن مضامينه الأخلاقية وانعكاساته على المستوى الاجتماعي بدأت تفرض نفسها كضرورة ملحة.

أزمة مالية أم أزمة الليبرالية؟

بات من المعلوم أن الجذور المباشرة للأزمة المالية الحالية تعود إلى قضية القروض العقارية (Sub-primes) التي استفاد بموجبها صغار الموظفين الأميركيين وفقراء الأجراء والمتقاعدين من فرصة الحصول على مسكن مقابل ريع ربوي غير قار.

بدأ شبح الأزمة عندما بات من المؤكد أن أغلب المستفيدين من هذه القروض لم يعد بإمكانهم سداد دينهم بسبب الارتفاع المشط والفجائي لقيمة السداد الربوي الشهري المطلوب الذي تجاوز في بعض الحالات 70% من دخل المدينين.

كانت هذه النتيجة بمثابة الإشارة الأولى إلى وضع مالي غير عادي لا بد من معالجته بطريقة حكيمة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي، لكن الغريب في الأمر أن رد البنوك الأميركية المقرضة، مثل بنك فاني ماي وبنك لبمان براذرز، كان نهاية في العجرفة واللاإنسانية.

لقد طلب ممن عجز عن الدفع ترك منزله على الفور، وهذا ما حصل بالفعل على يد الشرطة الأميركية التي رافقت جحافل الفقراء الأميركيين نحو العراء.

المشكلة أن هذه الكارثة الاجتماعية لم تحل صعوبات البنوك، بل على العكس سارعت في انهيارها، إذ فقدت المساكن المنشأة جانبا كبيرا من قيمتها منعكسة بذلك على قيمة أسهم هذه البنوك في البورصات، وتجنبت البنوك الأخرى إقراضها في إطار الديون البين بنكية.

وفي النهاية اكتمل المشهد بإعلان البنوك الأميركية وشركات التأمين المرتبطة مباشرة بقضية الديون العقارية إفلاسها، وتبع ذلك توقف شبه كلي للتعامل البين بنكي وفقدان الثقة في حركة الأسهم.

هذه هي أبرز حلقات هذا المسلسل المتسارع الأحداث. بقي السؤال الأهم وراء هذه الحيثيات والمتمثل في تقييم الأبعاد الاقتصادية للأزمة. هل أنها مجرد أزمة مالية ظرفية مرتبطة بخطأ معزول أم أنها أزمة هيكلية مرتبطة بطبيعة النظام الليبرالي ذاته؟

يروج ساسة البلدان المتقدة، وكذلك الاقتصاديون الليبراليون، تحليلا يرى أن الأزمة مرتبطة بالفعل بإستراتيجية استثمار خاطئة اعتمدتها بعض البنوك الأميركية. وتذهب هذه الأطراف أبعد من ذلك في اعتبار أن خطأ هذه البنوك يتمثل في إقراض الفقراء لكونهم شريحة غير مضمونة من ناحية سداد الديون.

وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء يتحدث اليوم عن ضرورة إعطاء مسحة أخلاقية للرأسمال المالي، فإنهم يحصرون هذا البعد الأخلاقي في ضرورة احترام تداخل النظام المالي العالمي وتعقده، مما يستوجب الحيطة وعدم المغامرة غير المحسوبة في المضاربة.

بلغة أخرى فإن الهدف النهائي من هذه المسحة الأخلاقية هو ضبط مسؤولية الفاعلين الاقتصاديين باتجاه المحافظة على النظام المالي الكلي القائم.

لكن مثل هذه التبريرات تبدو متعارضة إلى حد كبير مع واقع الأزمة الحالية. ويبرز التعارض الأول بين اعتبار الأزمة ناجمة عن خطأ معزول، وبين سرعة انتشارها في العالم.

وأقل ما يمكن أن يقال هنا إن النظام الليبرالي الحالي هو نظام هش ما دام بنك واحد في العالم يمكن أن يحدث فعل لعبة الدومينو على المؤسسات الاقتصادية في شتى القارات.

يبدو التناقض واضحا كذلك من حيث اعتبار صغار الموظفين والعمال عالة على نظام الاقتراض وتناسي دورهم في تعزيز قدرات البنوك عن طريق الادخار والاستهلاك.

من جهة أخرى، يصعب الأخذ بمثل هذا التحليل إذا سحبناه على إطار جغرافي أوسع في ظل اقتصاد معولم. فلو همشنا بعض الفئات الاجتماعية من دائرة الاقتراض على صعيد دولة، ما الذي يمنع تهميش الدول الفقيرة من دائرة التعامل المالي العالمي؟ والحال أن الدول الكبرى، معتمدة على البنك العالمي وعلى صندوق النقد الدولي، ما فتئت تغرق هذه البلدان بقروضها وبشروط مشطة أدت إلى إفلاس العديد من الدول.

نضيف هنا أن هذا الإقرار بعدم تطابق الفقر مع الاستثمار المالي تكذبه على أرض الواقع تجربة محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد من خلال ما أنجزه مع غرامين بنك من استثمارات مع الأوساط الأكثر فقرا في بنغلاديش.

فقد بينت هذه التجربة أن المشكلة الأساسية تكمن في تطابق الأهداف المالية للدين مع حد أدنى من اعتبار الأوضاع الاجتماعية للحرفاء.

إن التحليلات الليبرالية التي نسمعها اليوم تتفادى الخوض في عمق المسائل المتعلقة بالاستثمار وبالعلاقة بين الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي والمضاربة المالية وكذلك بالتهميش المفرط للدولة ولدور الرقابة الجماعية على أسواق الأعمال.

لقد أفلتت كل هذه المسائل من عقالها منذ نهاية الثمانينيات ونهاية الحرب الباردة، وما نتج عن ذلك من انفراد الليبرالية المطلقة في ساحة المبادرة السياسية والاقتصادية.

ولا يمكن أن ينكر أحد أن البنوك التي تورطت في قروض سابرايمز فعلت ذلك ضمن عقلية النظام الليبرالي نفسه التي تلهث وراء رفع رقم المعاملات وتحسين الأرباح.

ووصل الأمر إلى حد أن التطبيقات العملية لهذه العقلية في المجال المالي أصبحت في تعارض تام مع واقع الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي من ناحية، وكذلك مع إعادة هيكلة الاقتصادات داخل الدول الكبرى وما نتج عن ذلك من زيادة هشاشة وضع صغار الموظفين.

فالمضاربات المالية التي أعطت قيمة لبعض المؤسسات أعلى من قيمتها الحقيقية، وكذلك الرغبة المفرطة والملحة في استثمار القروض حتى على حساب زيادة فقر الفقراء، هما العاملان الحاسمان اللذان أفرزا هذه الأزمة.

أثبتت الأزمة الحالية كذلك وبشكل قاطع بطلان مقولة قدرة السوق الليبرالي على إفراز ما يسمى بالتعديل الذاتي (auto regulation) المرتبط بالعرض والطلب.

فبشهادة المتسببين في الأزمة ذاتهم وبشهادة ساسة الولايات المتحدة من الجمهوريين، بات تدخل الدولة لفرض الرقابة وتعديل الأسواق المالية أمرا حاسما وملاذا أخيرا.

ويمثل هذا التوجه نحو زيادة تدخل الدولة إقرارا بخلل مقولة التعديل الذاتي للسوق التي ترسخت منذ أزمة سنة 1929، لكن هذا الإقرار يحمل في طياته أسئلة عديدة حول الأسس الاجتماعية لليبرالية نفسها وتوزيع الأدوار بين المبادرة الفردية وبين دور المجموعة ممثلة في الدولة.

المال العام لإنقاذ ثراء النخبة

طرحت الأزمة الحالية مسألة البعد الأخلاقي في تنظيم أسواق المال، كما تمت الإشارة إلى ذلك، لكن هذا البعد تم تحويله عن مساره الطبيعي المرتبط بشرائح اجتماعية مهمشة نحو احترام أخلاقيات تضمن وجود النظام المالي وفاعلية أدائه.

إن ما يشد الانتباه من خلال تواتر مراحل الأزمة هو سرعة التحول الذي برز على مستوى التوجهات السياسية في الولايات المتحدة وفي أوروبا. فمن كان يصدق قبل أشهر أن الليبراليين الجدد المحيطين بجورج بوش سيهبون بكل قوة نحو سياسة التأمين؟

من كان يصدق أن بريطانيا ستقطع فجأة مع سياسة الخصخصة التي بدأت منذ عقود مع مرغريت تاتشر وتسارعت مع العماليين؟ من كان يصدق أن تطبق الدول الغربية سياسة التأميم (دون أن تسميها) بعد انهيار المعسكر الاشتراكي؟

فلفترة غير بعيدة، كان نيكولا ساركوزي قد ركز في حملته الانتخابية في فرنسا على دور العمل وعلى دور المبادرة الفردية والمؤسسات في إنعاش الاقتصاد. وفي هذا السياق سارع إلى تشجيع المستثمرين عبر العديد من الإعفاءات الضريبية مع تشديد الخناق على سياسة الدعم الاجتماعي التي تحظى بها الشرائح الفقيرة. ونفس هذا النهج كان قد سار عليه توني بلير ثم واصله غوردون براون في بريطانيا.

الغريب في الأمر أن نفس هذه الحكومات لم تبد نفس الحماسة لدعم صناديق التقاعد والضمان الصحي التي تشهد عجزا مزمنا. ففي فرنسا يتساءل المواطن العادي اليوم عن سر الضخ المالي الهائل لمساعدة البنوك المتضررة، في حين كان الوزير الأول فرانسوا فيون قد أعلن بداية العام الحالي أن خزينة الدولة فارغة وغير قادرة على تمويل سياسة التغطية الاجتماعية.

أما في الولايات المتحدة فكانت سياسة المكيالين التي اتبعها الجمهوريون أكثر وضوحا وفظاظة، إذ رفض هؤلاء مطالب الجمعيات وبعض مكونات المجتمع المدني الأميركي بتدخل الدولة لشراء بعض المستشفيات الخاصة وتوفير إمكانية العلاج لملايين الأميركيين المحرومين من التغطية الصحية نظرا لعدم انخراطهم في التأمين الصحي.

مقابل ذلك هبت إدارة جورج بوش مسرعة لإنقاذ السوق المالية وحماية المضاربين في البورصة. مع العلم أنه كان بإمكانها التدخل مع بداية أزمة الرهن العقاري لشراء المنازل المصادرة والتكفل بحل الأزمة الاجتماعية الناتجة عنها ودرء الأذى عن ملايين العائلات التي افترشت أرصفة الشوارع. لكنها آثرت موقف المراقب معتبرة ما يحصل مسألة تربط البنوك بزبائنها.

هذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مقترح المرشح الجمهوري جون ماكين بشراء ديون العائلات الأميركية المتضررة مجرد إعلان انتخابي يدخل ضمن خانة الدعاية أكثر من كونه برنامجا انتخابيا ملزما.

لقد اكتملت هذه الصورة الكاريكاتورية عندما تم الإعلان عن الحوافز المالية الهائلة التي تمتع بها مديرو البنوك وكبار الصيارفة عند مغادرتهم مناصبهم.

لقد تخطت هذه الحوافز المسماة "المظلات المذهبة" (أو منحة مغادرة المنصب) كل حدود المعقول، خاصة أن هذه المنح غير مشروطة بالنتائج ولو تعلق الأمر بالإفلاس الكلي كما هو الحال في الأزمة الحالية.

لكن فظاظة الفاعلين في الأسواق المفلسة لم تتوقف عند حد ابتزاز مؤسساتهم، بل وصل الأمر إلى التلاعب حتى بأموال الدولة بعد أن تم تأميم هذه المؤسسات، إذ تمتع مديرو أحد البنوك الأميركية المؤممة وكبار موظفيه بعطلة نهاية أسبوع خيالية في نزل فاخر تم خلالها صرف ما يقارب نصف مليون دولار من المال العام.

يتأكد إجحاف السياسات الحالية في غياب أي اهتمام رسمي بالفئات المهمشة والهشة التي تمثل الأرضية الأولى لتحمل أعباء أي انهيار اقتصادي محتمل. فمن يتحدث اليوم عن جحافل الفقراء وعن صغار الموظفين الأميركيين الذين فقدوا مساكنهم؟

لا وجود في القرارات التي اتخذها زعماء الدول السبع الكبرى لأي طمأنة في مجال تأمين الشغل وحتى في ضمان أفق للمؤسسات الصغرى وللحرفيين.

فقد أعطت المبادرات المتتالية الانطباع بأن الدولة هبت لإنقاذ أصحاب رأس المال بآلاف مليارات الدولارات في الوقت الذي تقدر فيه منظمة الزراعة العالمية أن مبلغ خمسة مليارات دولار قادر على إنقاذ حياة عشرين مليون شخص مهددين بالموت جوعا.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يجب التأكيد هنا أن مليارات الدولارات التي تم ضخها لإنعاش أسواق المال هي في واقع الأمر أموال الإنفاق العام المخصصة لخدمات الصحة والتعليم والتقاعد ودعم البنية التحتية.

ولهذا السبب سيلاحظ تراجع كبير في السنوات المقبلة في مجال الحماية الاجتماعية، مع تجميد للأجور في انتظار ازدهار اقتصادي قد لا يأتي.

ربما تمثلت النقطة الإيجابية لهذه الأزمة في إعادة طرح موضوع دور الدولة، والمال العام تحديدا، في النظام الليبرالي.

بطبيعة الحال يصعب اليوم الحديث عن بديل للنظام الليبرالي بشكل حاسم، فهذه المسألة متروكة لفعل التاريخ، لكن بالإمكان التفكير في أنظمة موازية قد تحد من انفراد حفنة من المتنفذين الاقتصاديين في مصير البشر.

ويمكن أن يلعب القطاع العام هذا الدور في كبح لجام ليبرالية ما انفكت تكشف عن وحشيتها شرط أن تتم عقلنة التسيير وربط أهدافه برهان العدالة الاجتماعية ورهان البيئة.

هشام حلمي شلبي
11-12-2008, 03:46 PM
كيف بدات الازمه الماليه العالميه

--------------------------------------------------------------------------------

يعيش "سعيد أبو الحزن" مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في "أمرستان"، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً. ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه.



لم يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة "سهام نصابين" على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن. وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة "العمال والكادحين" أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى "يقف سعيد على رجليه". كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا.




باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع "البؤساء" دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، "بنك التسليف الشعبي"، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه "لحصول كل مواطن على بيت"، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائر.




مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.





القانون لا يحمي المغفلين




إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.




بعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفع. في العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من "أمرستان" عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار.




أرباح البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرين. المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. نعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون! المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك "عمايرجبل الجن"، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت!




أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك "فار سيتي" بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه "لا لي ولا لغيري"، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك "فار سيتي" يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك "لالي ولا لغيري" يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!





القصة لم تنته بعد!




بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير "أأأ"، وهناك سندات أخرى ستحصل على "ب" وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب "توماس فريدمان".




في النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين "أي آي جي". عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما "توماس فريدمان" فقد قرر أن يكسب مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة سعيد أبو الحزن عما قريب.

حازم محمود
11-19-2008, 01:08 PM
اكتر من رائع يا استاذ هشام

هشام حلمي شلبي
11-23-2008, 02:10 PM
بسبب الأزمة العالمية
الاستثمار الأجنبي في مأزق
تحقيق‏/‏ هبة سعيد


يعد تراجع الاستثمار الاجنبي المتوقع في السوق المصرية في المرحلة المقبلة كأحد النتائج المحتملة للأزمة المالية العالمية الراهنة‏.‏

ذلك لان حركة رؤوس الاموال العالمية سوف تعيد ترتيب أولوياتها والمناطق التي تتوجه اليها علي ضوء المتغيرات الجديدة‏.‏

من هنا يصبح من الضروري طرح تساؤلات حول كيفية تعامل مصر مع هذه الازمة خاصة واننا نعتمد بشكل اساسي علي الاستثمار الاجنبي لتمويل جزء من خطة التنمية لسد العجز في التمويل المحلي بسبب تراجع معدلات الادخار الوطنية‏,‏ ومن ثم فإن معدل النمو الذي تحقق ويدور حول‏7%‏ اصبح الآن مهددا بالتراجع‏..‏

هنا تحقيق يتناول هذه القضية‏..‏
‏***‏
بداية يقول عادل العزبي رئيس جمعية المستثمرين ان الازمة المالية العالمية قد تكون دافعا رئيسيا لتكثيف والاسراع في الجهود المختلفة التي يقوم بها المجتمع سواء حكومية او منظمات اعمال او قطاع خاص لتدعيم الصورة الذهنية الايجابية عن الانشطة الاقتصادية في مصر والفرص الواعدة التي يمكن ان تفيد علي المدي المتوسط والمدي الطويل اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين خاصة وان مصر لاتزال اكثر البلاد في المنطقة امانا واقلها مخاطر من النواحي الامنية والسياسية هذا اضافة الي المزايا النسبية والتنافسية العديدة التي يتمتع بها‏.‏

واضاف‏..‏ انه من هذا المنطلق يتعين علي الجهاز الحكومي الاسراع في عدد من الخطوات منها سرعة اصدار التشريع الخاص بسهولة الخروج من السوق وتعديل احكام الافلاس في قانون الشركات الموحد في صورته النهائية بعد ان تجاوزت مسودته التي عرضت علي المهتمين‏7‏ مسودات منذ عام‏93.‏

واشار الي ضرورة تعزيز الجهود التي قامت بها الدولة وخاصة الجولات التي قام بها المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الي السعودية وقطر بهدف وضع خطة مشاركة عربية في اي تصور قد تضعها القوي الاقتصادية العالمية لمستقبل نظام اقتصادي عالمي جديد وكذلك جولة الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار الي عدد من الدول الخليجية لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة في السوق المصرية وتدعيم رؤية عربية موحدة من شأنها مواجهة هذه الازمة المالية العالمية ايضا نشير الي ما اعلنه الدكتور بطرس غالي وزير المالية في مؤتمر اليورومني الي قرب الاعلان عن طرح عدد كبير من المشروعات العامة في اطار البرنامج القومي للشراكة بين القطاعين العام والخاص واستثمارات تبلغ نحو‏50‏ مليار جنيه وهذا ما يعني تحريك السوق ومزيد من فرص العمل ومزيد من ضخ السيولة في المشروعات التنموية‏..‏ مما يعطي اثرا ايجابيا في حركة السوق‏.‏

وطالب بضرورة التصدي لتصرفات الموظف الحكومي ازاء القطاع الاستثماري وذلك من ناحية الاجراءات الروتينية الذي يتبعها وتنفيذ التشريعات الاستثمارية دون تعقيدات بيرواقرطية واختصار وقت الاجراءات فبالرغم مما فعلته الدولة فإن البعض مازال يشكو من سوء تصرفات الجهاز الحكومي امام المستثمرين‏.‏

تأثير محدود
ومن جانبه اكد الدكتور محيي محمد حافظ عثمان رئيس شعبة صناعة الادوية لجمعية مستثمري العاشر من رمضان ان مصر اقل دول العالم تأثرا بالازمة العالمية الطاحنة وقد تكون التأثيرات محدودة للغاية ولكن البورصة المصرية تعد اكثر القطاعات تأثرا بالازمة وذلك نتيجة تسرع العديد من المتعاملين في البورصة بالقايم ببيع اسهمهم مما ألحق بهم خسائر كبيرة‏.‏

واذا نظرنا للقطاع المصرفي نجد ان تأثير الازمة العالمية عليه محدود ايضا ولكنه يحتاج الي خطة طويلة الأجل موضحا ان القطاع المصرفي في مصر يتطلب امرين مهمين لاصلاحه الاول هو لابد من بحث خفض فائدة القروض والتي تبلغ‏14%‏ حتي تصل الي‏8%.‏

ثانيا لابد من خفض الضمانات الائتمانية الكثيرة التي تعرض علي المستثمرين ويكفي ضمان واحد فقط او اثنان‏.‏

واوضح محمد فرج عامر‏..‏ رئيس جمعية مستثمري برج العرب انه حدث تباطؤ في نمو الاستثمارات الخارجية لمصر ولكنه لم يحدث تباطؤ في نمو الاقتصاد المصري‏..‏ موضحا انه حتي لايكون للقطاع المالي في مصر تأثيرات كبيرة من معرفة كيفية مواجهة تداعيات الازمة المالية العالمية علي الاقتصاد المصري خاصة ان مصر تتمتع بتنوع رؤوس الاموال التي يمكنها من ان يكون لها التأثير الايجابي مشيرا الي ان المستثمرين الخليجيين يشعرون بالاطمئنان للاسواق المصرية متوقعا ان تكون منطقة جاذبة للاستثمارات الخليجية‏.‏

واضاف‏..‏ ان ماتم من اصلاح هيكلي للقطاع المصرفي المصري يؤثر بالايجاب وسيخلف فرص ايجابية وليست سلبية ولن تؤدي الازمة المالية لحدوث تباطؤ الاقتصاد المصري ولكنه لابد انه يدرك انه علي الدولة ان تقوم بتشجيع الاستثمارات المحلية والحفاظ علي الاستثمارات الحالية وتدعيمها وضخ الاموال فيها وازالة العراقيل والتعقيدات التي تقف امام المستثمرين المحليين خاصة وان الفرص امامهم متاحة‏.‏

واكد الدكتور محرم هلال رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان انه في ظل الازمة العالمية الحالية من المتوقع انخفاض حاد في الاستثمارات الاجنبية في مصر خاصة في المرحلة المقبلة وانه آن الأوان لكي يقوم المستثمرون المصريون ببناء مصر من جديد وضخ استثماراتهم ولا ننكر ان لدينا السيولة في البنوك التي تستطيع الدولة من خلالها ان تدعم دور المستثمر المحلي لاعطائه الفرص الحقيقية لبناء وضخ استثمارات جديدة في الاسواق‏.‏
تسهيلات جديدة
ويتوقع حمادة القليوبي رئيس جمعية مستثمري المحلة ـ ورئيس غرفة الصناعات النسيجية ان الدولة حاليا لابد ان تقدم العديد من التسهيلات للمستثمرين الاجانب اكثر من التي كانت تقدم قبل ذلك بهدف الحفاظ علي حجم الاستثمارات الاجنبية في مصر ولكي تظل علي معدلها‏,‏ ولكن مما لاشك فيه ان هذه الاستثمارات الاجنبية سوف تتأثر وتنخفض بالاضافة الي التأثير السلبي الذي يعود علي الاسواق المصرية‏.‏
واضاف ان السوق المصري حاليا يعاني من مشكلتين الاولي هي مشكلة سيولة والثانية الكساد لذلك لابد من تحرك سريع في الدولة لجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية ودعم الاستثمارات المحلية‏.‏
ويتوقع الدكتور محسن الخضيري الخبير الاقتصادي ان الاستثمارات الاجنبية في مصر سوف تزداد وتتوسع خاصة ان ربحية هذه الشركات مرتفعة في مصر‏.‏
وبالتالي لن تنخفض الاستثمارات الاجنبية خاصة ان هذه الاستثمارات من مصانع وشركات يرتبط نشاطها بالبقاء في السوق المصري وتزداد ربحيتها يوما بعد يوم لذلك لن تتأثر‏..‏

جمال200885
11-23-2008, 04:28 PM
فتح الله عليك استاذنا الكريم.واقترح ربط الموضوع بمسألة الحوكمه ودور الادارات الماليه في تحليل مخاطر الاستثمار .وكذا دور مكاتب المراجعه في تحديد مدى استمرار المنظمه من عدمه.