1accountant
10-15-2008, 07:00 PM
يوجد في العمل المصرفي ما يعرف بعقد تأجير الخزائن الحديدية، والواقع أن هذه التسمية تعطي لهذا العقد وصفا قد لا ينطبق تماما على مضمونه وطبيعته القانونية، فلا يوجد اتفاق على انه مجرد عقد إيجار. فبينما يرى فيه البعض ذلك( ) يراه آخرون أقرب لعقد الوديعة( ) وغيرهم عقد من نوع خاص أقرب إلى عقد الحراسة( ).
كما ان وصف الخزائن بالحديدية قد لا يكون صادقا في كل مرة، إذ لا يشترط تشريع أو عقد أن تكون الخزانة حديدية بل تكفي فيها خاصية الصلابة والقوة لكي تؤدي الغرض مهما كانت المادة المصنوعة منها.
ومما يمكن ملاحظته أيضا أن هذا النوع من التعامل قد لا يصدق عليه وصف العمليات المصرفية تماما، فرغم ان العمل يجري على ذلك لدى أغلب المشرعين الذين تدخلوا لتنظيم هذه العملية، وسايرهم الفقه في ذلك، إلا أن صلته بالعمليات المصرفية ضعيفة ولا تظهر إلا من خلال صدوره عن المصرف كباقي العمليات واعتباره من الأعمال التجارية تبعا لذلك، فهو وإن أتى في إطار ما تقوم به المصارف من أعمال إلا أنه مختلف في طبيعته عنها( ).
وإذا كنا في هذا البحث سنتعامل معه على أنه ضمن أعمال المصارف آخذا بما يجري عليه العمل، إلا أننا نرى أنه يتميز عن باقي العمليات. فهو أولا وإن كان يتم داخل المصرف إلا أنه بعد إنعقاد العقد يظل شأنا خاصا للعميل لا تربطه ببقية العمليات علاقة ويظل مستقلا عنها( ) فالعميل يمارس حقه الناشىء على الخزانة بإيداع ما يشاء فيها وسحبه منها دون تدخل المصرف وفي إطار من السرية تستلزمه طبيعة العملية حتى في مواجهة المصرف ذاته.
وهو ثانيا مستقل عن سياق العمل المصرفي الذي يتمحور حول الودائع وتجارة النقود وباقي العمليات المرتبطة بها ولا يعتبر من قبيل النشاط الإستثماري الذي يطبع أعمال المصارف حيث لا يتطلب من إدارة المصرف حذق ومهارة التاجر ولكن يستلزم منها حرص ويقظة الحارس.
إنه إذن خدمة يقدمها المصرف لعملائه كنوع من التعأون المطلوب( ) معهم ووسيلة لجذب عملاء جدد، وهو لا يمثل مردودا هاما للمصرف يمكن التعويل عليه أو مقارنته ببقية العمليات.
ورغم كونه خدمة بالوصف الذي قدمناه ومستقل عن باقي العمليات إلا أنه يتأثر بكثير أو قليل بالإطار الذي يحكم أعمال المصارف.
فالإعتبار الشخصي( ) فيه وإن كان بدرجة أقل عما هو في باقي العمليات إلا أن من المتصور قيامه، ذلك أن المصرف قد لا يقدم هذه الخدمة إلا لمن يحظى بثقته.
كما أن مبدأ السرية المتغلغل في كافة العمليات يحيط هذه الخدمة برعايته وإن كان يأخذ بعدا آخر يجعل من السرية التي تقوم لصالح العميل تكون حتى في مواجهة المصرف ذاته إذ لا يفترض في هذا الأخير أن يكون له علم بما يقوم به العميل من إيداع وسحب ولا بما يوجد داخل الخزانة.
وبالإضافة لذلك فإن دوافع طلب هذه الخدمة تتأسس على ما يحيط بالمصارف من ثقة هي عماد أعمالها، فإقدام الشخص على تفضيل حفظ بعض مقتنياته في المصرف دليل على الثقة الكبيرة والأمان التي يجدها فيه ولا يجدها في مكان آخر حتى في بيته.
وقد نظم المشرع الليبي هذه العملية ضمن عمليات المصارف في القانون التجاري الليبي الصادر في 28/11/1953م. وخصص لها المواد 228، 229، 230، وهو وإن لم يكن تنظيما وافيا إلا أنه إشتمل على أسس تسمح بعد ذلك للإتفاقات أن تقيم هذه العملية بالشكل الذي يحفظ حقوق أطرافها.
وجاء تنظيم المشرع المصري لهذه العملية في قانون التجارة الجديد الصادر في 17/5/1999م، حيث خصص لها المواد من 316 إلى 323 وأطلق عليها تأجير الخزائن منحازا بذلك الرأي الذي يري فيها عقد إيجار، أما المشرع الليبي فسماها الخزائن الخاصة ولم يرد في نصوصه ما يقطع في الوصف القانوني لهذا العقد.
وعقد الخزائن الخاصة كغيره من العقود يخضع في تكوينه وإثباته للقواعد العامة في العقود ولا يثير من هذه الناحية صعوبات تذكر( )، غير أنه في تكييفه القانوني وفي طبيعة الإلتزامات الناشئة عنه وخاصة تلك التي في جانب المصرف آثار ولا يزال يثير الكثير من الجدل، ولذا سيكون تركيزنا في هذا البحث على ذلك، وسنحأول أن نطرح بعض المشاكل الناشئة عنه من زأوية مسؤولية المصرف التي يمكن أن تقوم من جراء هذه العملية.
وبناء على ذلك فإننا سنهتم بإلتزامات المصرف( ) لبيان مضمونها وحدودها في فقرة أولى كي يتسنى لنا أن نلقي الضوء على مضمون مسؤوليته وحدودها في فقرة ثانية.
إلتزامات المصرف:
تتحدد إلتزامات المصرف بالأحكام التي يكون قد وضعها المشرع وبالشروط الواردة في العقد وبما يقضي به العرف السائد – إن وجد – في هذه المعاملة.
وهي بالضرورة تعكس موضوع العقد والهدف منه وتقاس بالغاية التي وجدت من أجلها هذه العملية، وسنحأول في هذه الفقرة أن نركز على مضمون هذه الإلتزامات أولا ثم نبين حدودها ثانيا.
أولا مضمون إلتزامات المصرف
تمثل المصارف مواطن ثقة وأمان وسرية تعتبر الدافع الرئيسي لإستئمانها على ما هو غال بشكل عام، فالشخص الذي يطلب خدمة الخزائن لا يشكو ضيق سعة في بيته ولكنه ينشد مكانا آمنا توفره له المصارف دون غيرها.
وعلى هذا الأساس فإن المصرف لا يعد مجرد مؤجر كما هو الحال في عقد الإيجار العادي بل هو يقدم سعة في مقره تصاحبها إلتزامات وأعباء أخرى لا يستقيم أمر هذا النوع من الإيجار بدونها.
وللوصول إلى نتائج سليمة تعكس الغاية من هذا العقد لابد أن ينظر لإلتزامات المصرف من خلال الطبيعة المتميزة لهذه المعاملة، وأن يتم تحديد حجم وحدود هذه الإلتزامات وفقا للإعتبارات المحيطة بها.
وإذا اردنا أن نعدد التزامات المصرف فإنها تتمثل في تقديم الخزانة للعميل وتمكينه من إستعمالها بحرية، وبواجب المحافظة عليها وما تحتويه، وكفالة أن يتم الإنتفاع بها بأمان وسرية.
وواجب السرية هو إلتزام عام يطبع كل أعمال المصارف ولا يثير في هذه العملية صعوبات قانونية من نوع خاص، إذ يظل ما تحتويه الخزانة مجهولا حتى لدى المصرف ذاته فليس لديه ما يفشيه في هذا النطاق وإن كان يظل محتفظا بسرية أسماء أصحاب الخزائن، وبالتالي فإننا سنركز على بقية الإلتزامات.
1. الإلتزام بتقديم الخزانة وإفساح الحرية لإستعمالها.
يقتضي تنفيذ هذا الإلتزام أن يعين المصرف للعميل إحدى خزائنه ويسلمه مفتاحها ويمكّنه من حرية الدخول لإستعمالها، ولا يتخذ من الإجراءات ما يحول دون العميل وممارسة حقه إلا ما كان لازما لسلامة العملية.
ويشترط أن تكون الخزانة في حالة صالحة لتأدية الغرض الذي أعدت له وخالية من العيوب( ) وفي مكان يتمكن العميل فيه من إستعمالها بأمان وسرية.
وفيما يتعلق بمفاتيح الخزانة فإن العمل يجري على ان يكون لها مفتاحان يسلم أحدهما للعميل ويحتفظ المصرف بالآخر بحيث لا يتم فتح الخزانة إلا بالمفتاحين معا( )، أما إذا أصر العميل فيمكن أن يكون للخزانة مفتاح واحد( ).
والواقع أن لفظ مفتاح لا يقتصر على الأداة الحديدية المعروفة، بل مع التطورات التقنية التي حدثت يمكن ان يتعلق الأمر بمجموعة من الأرقام والرموز تفتح بها الخزانة أو بطاقة ممغنطة أو غير ذلك من الوسائل الحديثة.
ويمكن للعميل أن يدخل في أي وقت لإستعمال الخزانة مع مراعاة ساعات الدوام وما يجب إتخاذه من تدابير واحتياطات من قبل المصرف للتحقق من شخصية العميل( )، وقد يقدم المصرف نوعا من المساعدة للعميل بتكليف حارس لمساعدته وضمان أمنه وسرية الإستعمال( ).
وإستعمال الخزانة حق مقتصر على العميل ذاته أو من يوكله لهذا الغرض وفي هذه الحالة يتعين على المصرف ان يتحقق من شخصية الوكيل ويتأكد من مطابقة توقيعه للتوقيع المودع عنده( ) كما يجب على المصرف ان يتأكد من صلاحية التوكيل اذ ان مسؤوليته ستثور في الحالة التي يتمكن فيها من إستعمال الخزانة شخص سحب منه التوكيل( ).
ويلاحظ هنا أن الإعتبار الشخصي الذي يميز اعمال المصارف يظهر بدرجة ملحوظة ويزداد وضوحا في منع العميل من أن يؤجر الخزانة من الباطن( ) وقد منع المشرع المصري المصرف من أن يأذن لغير العميل أو وكيله الخاص في إستعمال الخزانة( ) وفيما يتعلق بالأشياء المودعة يستوي أن تكون مملوكة للعميل أو للغير، مادام هو الذي وضعها بمعرفته( )، وفي هذه الحالة لا يكون للغير حق في مواجهة المصرف إلا من خلال العميل المتعاقد وفقا للقواعد العامة.
وكما يكون المتعاقد مع المصرف شخصا واحدا يمكن ان يكون العقد بإسم عدة أشخاص، وهي الحالة التي تكون فيها الخزانة مشتركة، وهنا يسمح لكل شخص بفتح الخزانة وإستعمالها.
وقد نظم المشرع الليبي ذلك في المادة 229 في القانون التجاري حيث نص على انه إذا كانت الخزانة بإسم عدة أشخاص يسمح لكل منهم بفتحها على انفراد، ولم يرد نص مماثل في القانون المصري الذي ترك الأمر لما يجري عليه العمل.
وقد حرص المشرع الليبي في المادة 229 آنفة الذكر على تنظيم الحالة التي يتوفى فيها احد المشتركين في الخزانة وذلك بأن ألزم المصرف بعدم السماح بفتح الخزانة، في الحالة التي يعلم فيها بالوفاة، إلا بموافقة ذوي الشأن كلهم وهم باقي العملاء وورثه المتوفي أو بإتباع الطرق التي تعينها السلطات القضائية في هذا الشأن.
ويحأول البعض في فرنسا أن يميز بين الإستعمال المشترك للخزانة وبين الإستعمال التضامني لعدة أشخاص، ففي الحالة الأولى إذا ما توفى أحد العملاء يلتزم المصرف بعدم السماح بإستعمال الخزانة إلا بموافقة ذوي الشأن كلهم أو بإجراء قضائي؛ أما في الحالة الثانية فإن وفاة أحد المستعملين لا تؤثر على حرية الباقين في الإستعمال؛ وعادة ما يكون الإستعمال التضامني في الخزينة التي تستعمل من الزوجين( ).
ويبدو أن الإستعمال المشترك للخزانة بشكل عام قد يثير مشاكل في العمل أكثر من تلك التي يكون فيها مستعمل الخزانة شخصا واحد، ذلك أنه في نقص محتويات الخزانة أو سرقتها فإن السبيل ينفتح أمام المصرف للدفع بأن السرقة قد تمت من أحد المستعملين( )، وهو ما يجعل إثبات مسؤولية المصرف أكثر صعوبة في هذه الحالة بالنسبة للمتضرر.
2. الإلتزام بالمحافظة على الخزانة ومحتوياتها
رغم ما يعنيه تسليم مفتاح الخزانة للعميل من دلالة على انه يحوزها إلا ان الحيازة الفعلية في واقع الأمر تكون للمصرف( )، وهو هدف مقصود لذاته، إذ هو الذي دفع العميل للتعاقد وبعث فيه الشعور بالثقة والأمان، ولولا أن الخزانة في حيازة المصرف وحمايته لما كان من المتصور قيام هذه الخدمة أصلا.
وعلى هذا الأساس فإن إلتزامات المصرف لا تنتهي بتسليم المفتاح وتمكين العميل من إستعمال الخزانة، بل يتعين عليه أن يتخذ كل ما من شأنه أن يضمن سلامة الخزانة ويحافظ على محتوياتها طوال مدة العقد.
فالإلتزام بالحفظ إذن يظهر كإلتزام رئيسي في هذا العقد ليعطيه طابعا مختلفا ويطعن في كونه مجرد إيجار للخزانة.
ويقتضي هذا الإلتزام أن يقوم المصرف بحراسة الخزانة طوال الوقت، فهو بموجب هذا العقد يكون قد تعهد بحفظها وصون محتوياتها.
ولبلوغ هذه الغاية يجب التأكد من أن الخزانة في ذاتها خالية من العيوب، وأن تكون في مكان آمن وتحت المراقبة المستمرة، وأن يعد المكان بالشكل الذي يحفظها من الكوارث الطبيعية الممكن حدوثها كالفيضان أو الحريق( ) وأن تكون مزودة بوسائل الإنذار أو الوقاية التي تحميها من السرقة، وواجب الحفظ يقتضي من المصرف أن يتحقق من شخصية كل داخل لمكان الخزانة وأن ينظم دخول العميل للخزانة ويثبته في سجل عند كل زيارة( ).
ولا توجد حدود للإحتياطات والتدابير التي يمكن أن يأخذها المصرف لضمان تنفيذ هذا إالإلتزام بالشكل الذي لا يحول دون العميل وممارسة حقه على الخزانة( ).
وقد كان المشرع الليبي حريصا على النص على هذا الإلتزام في المادة 228 من القانون التجاري حيث أوجب على المصرف أن يقوم بحراسة الخزانة مما يعني أنه سيتحمل المسؤولية عن كل ضرر يحيق بها ومحتوياتها، والحراسة هنا لها مفهوم واسع يشمل الخزانة ومحتوياتها( )، ويعني أن هذا الواجب يدوم طوال مدة العقد، مهما كانت الظروف، إلا إذا تعلق الأمر بقوة قاهرة( ).
ويقع إلتزام المصرف بالمحافظة على الخزانة وحراستها حتى في مواجهة العميل ذاته إذ يمكن للمصرف أن يمنعه من وضع الأشياء الخطرة في الخزانة، عند علمه بذلك، وعادة ما يتم الاحتياط لذلك بالنص عليه عند إبرام العقد( ).
وقد حرص المشرع المصري في قانون التجارة على النص على أنه لا يجوز للمستأجر أن يضع في الخزانة أشياء تهدد سلامتها أو سلامة المكان الموجودة به( ).
وإذا كانت هذه أهم إلتزامات المصرف في مضمونها فإنها في طبيعتها لازالت تحتاج إلى بحث نرجئه إلى الفقرة الثانية لنهتم قبل ذلك ببيان حدود إلتزامات المصرف وخاصة فيما يتعلق بتمكين العميل من إستعمال الخزانة بحرية والإلتزام بعدم فتح الخزانة.
كما ان وصف الخزائن بالحديدية قد لا يكون صادقا في كل مرة، إذ لا يشترط تشريع أو عقد أن تكون الخزانة حديدية بل تكفي فيها خاصية الصلابة والقوة لكي تؤدي الغرض مهما كانت المادة المصنوعة منها.
ومما يمكن ملاحظته أيضا أن هذا النوع من التعامل قد لا يصدق عليه وصف العمليات المصرفية تماما، فرغم ان العمل يجري على ذلك لدى أغلب المشرعين الذين تدخلوا لتنظيم هذه العملية، وسايرهم الفقه في ذلك، إلا أن صلته بالعمليات المصرفية ضعيفة ولا تظهر إلا من خلال صدوره عن المصرف كباقي العمليات واعتباره من الأعمال التجارية تبعا لذلك، فهو وإن أتى في إطار ما تقوم به المصارف من أعمال إلا أنه مختلف في طبيعته عنها( ).
وإذا كنا في هذا البحث سنتعامل معه على أنه ضمن أعمال المصارف آخذا بما يجري عليه العمل، إلا أننا نرى أنه يتميز عن باقي العمليات. فهو أولا وإن كان يتم داخل المصرف إلا أنه بعد إنعقاد العقد يظل شأنا خاصا للعميل لا تربطه ببقية العمليات علاقة ويظل مستقلا عنها( ) فالعميل يمارس حقه الناشىء على الخزانة بإيداع ما يشاء فيها وسحبه منها دون تدخل المصرف وفي إطار من السرية تستلزمه طبيعة العملية حتى في مواجهة المصرف ذاته.
وهو ثانيا مستقل عن سياق العمل المصرفي الذي يتمحور حول الودائع وتجارة النقود وباقي العمليات المرتبطة بها ولا يعتبر من قبيل النشاط الإستثماري الذي يطبع أعمال المصارف حيث لا يتطلب من إدارة المصرف حذق ومهارة التاجر ولكن يستلزم منها حرص ويقظة الحارس.
إنه إذن خدمة يقدمها المصرف لعملائه كنوع من التعأون المطلوب( ) معهم ووسيلة لجذب عملاء جدد، وهو لا يمثل مردودا هاما للمصرف يمكن التعويل عليه أو مقارنته ببقية العمليات.
ورغم كونه خدمة بالوصف الذي قدمناه ومستقل عن باقي العمليات إلا أنه يتأثر بكثير أو قليل بالإطار الذي يحكم أعمال المصارف.
فالإعتبار الشخصي( ) فيه وإن كان بدرجة أقل عما هو في باقي العمليات إلا أن من المتصور قيامه، ذلك أن المصرف قد لا يقدم هذه الخدمة إلا لمن يحظى بثقته.
كما أن مبدأ السرية المتغلغل في كافة العمليات يحيط هذه الخدمة برعايته وإن كان يأخذ بعدا آخر يجعل من السرية التي تقوم لصالح العميل تكون حتى في مواجهة المصرف ذاته إذ لا يفترض في هذا الأخير أن يكون له علم بما يقوم به العميل من إيداع وسحب ولا بما يوجد داخل الخزانة.
وبالإضافة لذلك فإن دوافع طلب هذه الخدمة تتأسس على ما يحيط بالمصارف من ثقة هي عماد أعمالها، فإقدام الشخص على تفضيل حفظ بعض مقتنياته في المصرف دليل على الثقة الكبيرة والأمان التي يجدها فيه ولا يجدها في مكان آخر حتى في بيته.
وقد نظم المشرع الليبي هذه العملية ضمن عمليات المصارف في القانون التجاري الليبي الصادر في 28/11/1953م. وخصص لها المواد 228، 229، 230، وهو وإن لم يكن تنظيما وافيا إلا أنه إشتمل على أسس تسمح بعد ذلك للإتفاقات أن تقيم هذه العملية بالشكل الذي يحفظ حقوق أطرافها.
وجاء تنظيم المشرع المصري لهذه العملية في قانون التجارة الجديد الصادر في 17/5/1999م، حيث خصص لها المواد من 316 إلى 323 وأطلق عليها تأجير الخزائن منحازا بذلك الرأي الذي يري فيها عقد إيجار، أما المشرع الليبي فسماها الخزائن الخاصة ولم يرد في نصوصه ما يقطع في الوصف القانوني لهذا العقد.
وعقد الخزائن الخاصة كغيره من العقود يخضع في تكوينه وإثباته للقواعد العامة في العقود ولا يثير من هذه الناحية صعوبات تذكر( )، غير أنه في تكييفه القانوني وفي طبيعة الإلتزامات الناشئة عنه وخاصة تلك التي في جانب المصرف آثار ولا يزال يثير الكثير من الجدل، ولذا سيكون تركيزنا في هذا البحث على ذلك، وسنحأول أن نطرح بعض المشاكل الناشئة عنه من زأوية مسؤولية المصرف التي يمكن أن تقوم من جراء هذه العملية.
وبناء على ذلك فإننا سنهتم بإلتزامات المصرف( ) لبيان مضمونها وحدودها في فقرة أولى كي يتسنى لنا أن نلقي الضوء على مضمون مسؤوليته وحدودها في فقرة ثانية.
إلتزامات المصرف:
تتحدد إلتزامات المصرف بالأحكام التي يكون قد وضعها المشرع وبالشروط الواردة في العقد وبما يقضي به العرف السائد – إن وجد – في هذه المعاملة.
وهي بالضرورة تعكس موضوع العقد والهدف منه وتقاس بالغاية التي وجدت من أجلها هذه العملية، وسنحأول في هذه الفقرة أن نركز على مضمون هذه الإلتزامات أولا ثم نبين حدودها ثانيا.
أولا مضمون إلتزامات المصرف
تمثل المصارف مواطن ثقة وأمان وسرية تعتبر الدافع الرئيسي لإستئمانها على ما هو غال بشكل عام، فالشخص الذي يطلب خدمة الخزائن لا يشكو ضيق سعة في بيته ولكنه ينشد مكانا آمنا توفره له المصارف دون غيرها.
وعلى هذا الأساس فإن المصرف لا يعد مجرد مؤجر كما هو الحال في عقد الإيجار العادي بل هو يقدم سعة في مقره تصاحبها إلتزامات وأعباء أخرى لا يستقيم أمر هذا النوع من الإيجار بدونها.
وللوصول إلى نتائج سليمة تعكس الغاية من هذا العقد لابد أن ينظر لإلتزامات المصرف من خلال الطبيعة المتميزة لهذه المعاملة، وأن يتم تحديد حجم وحدود هذه الإلتزامات وفقا للإعتبارات المحيطة بها.
وإذا اردنا أن نعدد التزامات المصرف فإنها تتمثل في تقديم الخزانة للعميل وتمكينه من إستعمالها بحرية، وبواجب المحافظة عليها وما تحتويه، وكفالة أن يتم الإنتفاع بها بأمان وسرية.
وواجب السرية هو إلتزام عام يطبع كل أعمال المصارف ولا يثير في هذه العملية صعوبات قانونية من نوع خاص، إذ يظل ما تحتويه الخزانة مجهولا حتى لدى المصرف ذاته فليس لديه ما يفشيه في هذا النطاق وإن كان يظل محتفظا بسرية أسماء أصحاب الخزائن، وبالتالي فإننا سنركز على بقية الإلتزامات.
1. الإلتزام بتقديم الخزانة وإفساح الحرية لإستعمالها.
يقتضي تنفيذ هذا الإلتزام أن يعين المصرف للعميل إحدى خزائنه ويسلمه مفتاحها ويمكّنه من حرية الدخول لإستعمالها، ولا يتخذ من الإجراءات ما يحول دون العميل وممارسة حقه إلا ما كان لازما لسلامة العملية.
ويشترط أن تكون الخزانة في حالة صالحة لتأدية الغرض الذي أعدت له وخالية من العيوب( ) وفي مكان يتمكن العميل فيه من إستعمالها بأمان وسرية.
وفيما يتعلق بمفاتيح الخزانة فإن العمل يجري على ان يكون لها مفتاحان يسلم أحدهما للعميل ويحتفظ المصرف بالآخر بحيث لا يتم فتح الخزانة إلا بالمفتاحين معا( )، أما إذا أصر العميل فيمكن أن يكون للخزانة مفتاح واحد( ).
والواقع أن لفظ مفتاح لا يقتصر على الأداة الحديدية المعروفة، بل مع التطورات التقنية التي حدثت يمكن ان يتعلق الأمر بمجموعة من الأرقام والرموز تفتح بها الخزانة أو بطاقة ممغنطة أو غير ذلك من الوسائل الحديثة.
ويمكن للعميل أن يدخل في أي وقت لإستعمال الخزانة مع مراعاة ساعات الدوام وما يجب إتخاذه من تدابير واحتياطات من قبل المصرف للتحقق من شخصية العميل( )، وقد يقدم المصرف نوعا من المساعدة للعميل بتكليف حارس لمساعدته وضمان أمنه وسرية الإستعمال( ).
وإستعمال الخزانة حق مقتصر على العميل ذاته أو من يوكله لهذا الغرض وفي هذه الحالة يتعين على المصرف ان يتحقق من شخصية الوكيل ويتأكد من مطابقة توقيعه للتوقيع المودع عنده( ) كما يجب على المصرف ان يتأكد من صلاحية التوكيل اذ ان مسؤوليته ستثور في الحالة التي يتمكن فيها من إستعمال الخزانة شخص سحب منه التوكيل( ).
ويلاحظ هنا أن الإعتبار الشخصي الذي يميز اعمال المصارف يظهر بدرجة ملحوظة ويزداد وضوحا في منع العميل من أن يؤجر الخزانة من الباطن( ) وقد منع المشرع المصري المصرف من أن يأذن لغير العميل أو وكيله الخاص في إستعمال الخزانة( ) وفيما يتعلق بالأشياء المودعة يستوي أن تكون مملوكة للعميل أو للغير، مادام هو الذي وضعها بمعرفته( )، وفي هذه الحالة لا يكون للغير حق في مواجهة المصرف إلا من خلال العميل المتعاقد وفقا للقواعد العامة.
وكما يكون المتعاقد مع المصرف شخصا واحدا يمكن ان يكون العقد بإسم عدة أشخاص، وهي الحالة التي تكون فيها الخزانة مشتركة، وهنا يسمح لكل شخص بفتح الخزانة وإستعمالها.
وقد نظم المشرع الليبي ذلك في المادة 229 في القانون التجاري حيث نص على انه إذا كانت الخزانة بإسم عدة أشخاص يسمح لكل منهم بفتحها على انفراد، ولم يرد نص مماثل في القانون المصري الذي ترك الأمر لما يجري عليه العمل.
وقد حرص المشرع الليبي في المادة 229 آنفة الذكر على تنظيم الحالة التي يتوفى فيها احد المشتركين في الخزانة وذلك بأن ألزم المصرف بعدم السماح بفتح الخزانة، في الحالة التي يعلم فيها بالوفاة، إلا بموافقة ذوي الشأن كلهم وهم باقي العملاء وورثه المتوفي أو بإتباع الطرق التي تعينها السلطات القضائية في هذا الشأن.
ويحأول البعض في فرنسا أن يميز بين الإستعمال المشترك للخزانة وبين الإستعمال التضامني لعدة أشخاص، ففي الحالة الأولى إذا ما توفى أحد العملاء يلتزم المصرف بعدم السماح بإستعمال الخزانة إلا بموافقة ذوي الشأن كلهم أو بإجراء قضائي؛ أما في الحالة الثانية فإن وفاة أحد المستعملين لا تؤثر على حرية الباقين في الإستعمال؛ وعادة ما يكون الإستعمال التضامني في الخزينة التي تستعمل من الزوجين( ).
ويبدو أن الإستعمال المشترك للخزانة بشكل عام قد يثير مشاكل في العمل أكثر من تلك التي يكون فيها مستعمل الخزانة شخصا واحد، ذلك أنه في نقص محتويات الخزانة أو سرقتها فإن السبيل ينفتح أمام المصرف للدفع بأن السرقة قد تمت من أحد المستعملين( )، وهو ما يجعل إثبات مسؤولية المصرف أكثر صعوبة في هذه الحالة بالنسبة للمتضرر.
2. الإلتزام بالمحافظة على الخزانة ومحتوياتها
رغم ما يعنيه تسليم مفتاح الخزانة للعميل من دلالة على انه يحوزها إلا ان الحيازة الفعلية في واقع الأمر تكون للمصرف( )، وهو هدف مقصود لذاته، إذ هو الذي دفع العميل للتعاقد وبعث فيه الشعور بالثقة والأمان، ولولا أن الخزانة في حيازة المصرف وحمايته لما كان من المتصور قيام هذه الخدمة أصلا.
وعلى هذا الأساس فإن إلتزامات المصرف لا تنتهي بتسليم المفتاح وتمكين العميل من إستعمال الخزانة، بل يتعين عليه أن يتخذ كل ما من شأنه أن يضمن سلامة الخزانة ويحافظ على محتوياتها طوال مدة العقد.
فالإلتزام بالحفظ إذن يظهر كإلتزام رئيسي في هذا العقد ليعطيه طابعا مختلفا ويطعن في كونه مجرد إيجار للخزانة.
ويقتضي هذا الإلتزام أن يقوم المصرف بحراسة الخزانة طوال الوقت، فهو بموجب هذا العقد يكون قد تعهد بحفظها وصون محتوياتها.
ولبلوغ هذه الغاية يجب التأكد من أن الخزانة في ذاتها خالية من العيوب، وأن تكون في مكان آمن وتحت المراقبة المستمرة، وأن يعد المكان بالشكل الذي يحفظها من الكوارث الطبيعية الممكن حدوثها كالفيضان أو الحريق( ) وأن تكون مزودة بوسائل الإنذار أو الوقاية التي تحميها من السرقة، وواجب الحفظ يقتضي من المصرف أن يتحقق من شخصية كل داخل لمكان الخزانة وأن ينظم دخول العميل للخزانة ويثبته في سجل عند كل زيارة( ).
ولا توجد حدود للإحتياطات والتدابير التي يمكن أن يأخذها المصرف لضمان تنفيذ هذا إالإلتزام بالشكل الذي لا يحول دون العميل وممارسة حقه على الخزانة( ).
وقد كان المشرع الليبي حريصا على النص على هذا الإلتزام في المادة 228 من القانون التجاري حيث أوجب على المصرف أن يقوم بحراسة الخزانة مما يعني أنه سيتحمل المسؤولية عن كل ضرر يحيق بها ومحتوياتها، والحراسة هنا لها مفهوم واسع يشمل الخزانة ومحتوياتها( )، ويعني أن هذا الواجب يدوم طوال مدة العقد، مهما كانت الظروف، إلا إذا تعلق الأمر بقوة قاهرة( ).
ويقع إلتزام المصرف بالمحافظة على الخزانة وحراستها حتى في مواجهة العميل ذاته إذ يمكن للمصرف أن يمنعه من وضع الأشياء الخطرة في الخزانة، عند علمه بذلك، وعادة ما يتم الاحتياط لذلك بالنص عليه عند إبرام العقد( ).
وقد حرص المشرع المصري في قانون التجارة على النص على أنه لا يجوز للمستأجر أن يضع في الخزانة أشياء تهدد سلامتها أو سلامة المكان الموجودة به( ).
وإذا كانت هذه أهم إلتزامات المصرف في مضمونها فإنها في طبيعتها لازالت تحتاج إلى بحث نرجئه إلى الفقرة الثانية لنهتم قبل ذلك ببيان حدود إلتزامات المصرف وخاصة فيما يتعلق بتمكين العميل من إستعمال الخزانة بحرية والإلتزام بعدم فتح الخزانة.