هشام حلمي شلبي
07-13-2008, 09:00 PM
رأي قانوني في مشروع الضريبة العقارية
عرفت مصر الضريبة العقارية, والتي اصطلح علي تسميتها( بالعوائد) اعتبارا من العام1884, بالأمر العالي الصادر في13 من مارس1884, والمعدل بالأمر العالي الصادر في5 فبراير1909, ثم بالمرسوم بقانون رقم89 لسنة37, ثم بالقانون رقم56 لسنة1954 وكان يطلق عليه قانون الضريبة علي العقارات المبنية, وكانت جميع هذه التشريعات تعتمد القيمة الإيجارية للعقار أساسا لتحديد وعاء هذه الضريبة, وقد وضع القانون رقم56 لسنة1950 أسس تحديد هذه القيمة الايجارية بالنسبة للعقارات التي يشغلها أصحابها, والتي ليست لها قيمة ايجارية متفق عليها بمقتضي عقد إيجار يمكن ان يتخذ أساسا لربط هذه الضريبة, طالما كانت هذه العقود خالية من المجاملة.
وكانت ترفع هذه الضريبة إذا ما خلا العقار من السكن لمدة ثلاثة أشهر متوالية ولم ينتفع به بأي وجه من أوجه الانتفاع وهو أمر منطقي باعتبار أن الضريبة العقارية تفرض علي ما يدره العقار من دخل علي ما سلف. وقد وضع القانون56 لسنة1954, أسس تقدير القيمة الايجارية بالنسبة للعقارات التي يسكنها أصحابها, والتي لا تدر دخلا, باعتبار أن هناك أجرا مفترضا مقابل المنفعة التي يحصلون عليها من العقار.
ولذا كان من المنطقي ألا تدخل القيمة الإيجارية للعقارات ضمن الدخل الذي يستحق عليه ضريبة الدخل, لكيلا يؤدي ذلك إلي مخالفة دستورية, تتمثل في ازدواج ضريبي, وهو ما سيحصل فيما لو فرض القانون المقترح ضريبة عقارية ثانية علي العقار ذاته, بالاضافة إلي الضريبة المقررة علي الدخل الذي يدره, أو الذي يفترض أن يدره فيما لو كان العقار مشغولا بأصحابه, وهي ضريبة عقارية بلا شبهة.
علي أنه بصدور القانون رقم4 لسنة1946, الذي أدي إلي تأجير العقارات الخالية بإيجارات كبيرة, رأي المشرع إدراج دخل هذه الإيجارات ضمن الوعاء الذي تفرض عليه ضريبة الدخل, وذلك بالقانون رقم181 لسنة2005, شأنه في ذلك شأن الدخل العائد من تأجير الشقق المفروشة.
لذا كم كان مستغربا بعد ذلك, أن يفرض السيد وزير المالية ضريبة علي العقار ذاته, بعد أن فرض ضريبة علي الدخل الذي يدره, تحت مسمي الضريبة العقارية, وذلك لما يلي:
1ـ قدمنا أن الضريبة العقارية( العوائد) كانت تفرض علي الدخل الذي يدره العقار بمقتضي القانون رقم181 لسنة2005, مما يعني ان ادخال هذا الدخل ضمن الايرادات التي تفرض عليها ضريبة الدخل, أن الدولة تستوفي بالفعل الضريبة العقارية بحيث ان فرض هذه الضريبة مرة أخري علي العقار نفسه, يمثل ازدواجا ضريبيا مخالفا لأحكام الدستور, بمعني ان القول بعد فرض ضريبة علي الدخل الذي يدره العقار, انه لم تفرض بعد ضريبة عقارية عليه هو ضرب من المغالطة, ولا ينال من ذلك ان تدرج هذه الضريبة ضمن أحكام قانون اخر, أو ان يطلق عليها اسم مغاير, فالعبرة هو بالوعاء الذي تفرض عليه هذه الضريبة.
2ـ ان تقدير الضريبة علي العقار وفقا لقيمته السوقية سيفتح الباب واسعا لمئات الآلاف من القضايا, ذلك ان تقدير الثمن السوقي للعقار مسألة تختلف فيها التقديرات اختلافا كبيرا فتدخل فيه عناصر بعضها مادي يمكن تحديده, وبعضها معنوي, كالصقع مثلا, لا يمكن تحديده.
3ـ ان فرض ضريبة علي العقارات الخالية والغير منتفع بها, أمر غير دستوري لأنه يؤدي الي تآكل الثروة العقارية, وهو ما قضت به المحكمة الدستورية بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم5 لسنة10 قضائية( دستورية) بخصوص الضريبة علي الأرض الفضاء, ذلك ان المركز القانوني لصاحب الأرض الفضاء باعتباره عقارا يماثل المركز القانوني لصاحب العقار الخالي الذي لايدر دخلا.
4ـ والقول بأن من شأن فرض هذه الضريبة علي الوحدات الخالية حث أصحابها علي شغلها, قول غير صحيح, ذلك ان الذي يدفع أصحاب هذه الوحدات الي تركها خالية هو بطء إجراءات الاخلاء وتعقيدها عند انتهاء عقود ايجارها, ولا ينال من ذلك القول بأن توثيق عقود الإيجار من شأنه التخفيف من هذه الآثار السيئة( وليس القضاء عليها), لأن رسوم توثيق هذه العقود, يمثل ارقاما فلكية. وهو ما يؤكد ان المسئولين لدينا يضعون مشاكلنا في موضعها غير الصحيح ثم يناقشونها علي ضوء ذلك!
5ـ الأولي بوزارة المالية وضع الضوابط للوصول الي القيمة الإيجارية للإيجارات, وذلك بسن قانون يلزم مستأجر المكان الخالي بالإبلاغ عن القيمة الايجارية التي يدفعها, وان تيسر عليه سبل الابلاغ عن تلك, بتوفير اخطارات مدفوعة اجر البريد في كل مكان, بحيث يكون من الميسور علي المستأجر تحريرها وارسالها بالبريد وكذا العمل علي استيفاء الضريبة عليها وفق أحكام القانون رقم181 لسنة2005 وبالنسبة للعقارات التي يسكنها أصحابها فتوضع قواعد محددة لتقدير قيمة ايجارية لها يجري تقدير ضريبة الدخل العقاري علي أساسها( وهي ضريبة عقارية في حقيقة الأمر).
6ـ أما بالنسبة للشاليهات والفلل في المصايف, فأتساءل هل سيجري تقدير كل شاليه علي حده رغم اختلاف مواقعها ومساحتها وصقع كل منها, أم ستفرض ضريبة موحدة عليها بحسب المناطق المختلفة؟ أسئلة لابد ان يتناولها التشريع المقترح, لكنني أقترح ان تفرض عليها ضريبة محددة سلفا, وان اختلف قدرها باختلاف المناطق, واعتقد ان الحصيلة ستكون كبيرة, مهما كان مقدار هذه الضريبة, لأن هذه الوحدات الصيفية تعد بمئات الالاف, وهي لا تدفع أية ضرائب حاليا.
7ـ ان فرض ضريبة علي أبنية المصانع( وانا لست من رجال الصناعة) سيؤدي إلي يتحمل المستهلك في النهاية عبء هذه الضريبة, فيزيد الغلاء ويقل الاستهلاك, فيعم الكساد, وتقلان بذلك ضريبة الأرباح التجارية.
8ـ يبقي أمر مهم لا يلقي له أي مسئول بالا, بالرغم أهميته القصوي, وهو أن كثرة التشريعات, والتغيير المستمر في الأعباء المادية, يصيب المجتمع بالشلل الناجم عن القلق, ويخلق جوا طاردا للاستثمار طويل الأجل وهو ما يؤكد الحاجة الي وزراء سياسيين وليس مجرد تكنوقراط.
لذا ارجو من السيد وزير المالية ان يعيد النظر في مشروع الضريبة العقارية المقترح, قبل ان تقع الفأس في الرأس كما يقولون..!
مدحت أبوالفضل
عن صحيفة الاهرام المصرية
28/5/2008
عرفت مصر الضريبة العقارية, والتي اصطلح علي تسميتها( بالعوائد) اعتبارا من العام1884, بالأمر العالي الصادر في13 من مارس1884, والمعدل بالأمر العالي الصادر في5 فبراير1909, ثم بالمرسوم بقانون رقم89 لسنة37, ثم بالقانون رقم56 لسنة1954 وكان يطلق عليه قانون الضريبة علي العقارات المبنية, وكانت جميع هذه التشريعات تعتمد القيمة الإيجارية للعقار أساسا لتحديد وعاء هذه الضريبة, وقد وضع القانون رقم56 لسنة1950 أسس تحديد هذه القيمة الايجارية بالنسبة للعقارات التي يشغلها أصحابها, والتي ليست لها قيمة ايجارية متفق عليها بمقتضي عقد إيجار يمكن ان يتخذ أساسا لربط هذه الضريبة, طالما كانت هذه العقود خالية من المجاملة.
وكانت ترفع هذه الضريبة إذا ما خلا العقار من السكن لمدة ثلاثة أشهر متوالية ولم ينتفع به بأي وجه من أوجه الانتفاع وهو أمر منطقي باعتبار أن الضريبة العقارية تفرض علي ما يدره العقار من دخل علي ما سلف. وقد وضع القانون56 لسنة1954, أسس تقدير القيمة الايجارية بالنسبة للعقارات التي يسكنها أصحابها, والتي لا تدر دخلا, باعتبار أن هناك أجرا مفترضا مقابل المنفعة التي يحصلون عليها من العقار.
ولذا كان من المنطقي ألا تدخل القيمة الإيجارية للعقارات ضمن الدخل الذي يستحق عليه ضريبة الدخل, لكيلا يؤدي ذلك إلي مخالفة دستورية, تتمثل في ازدواج ضريبي, وهو ما سيحصل فيما لو فرض القانون المقترح ضريبة عقارية ثانية علي العقار ذاته, بالاضافة إلي الضريبة المقررة علي الدخل الذي يدره, أو الذي يفترض أن يدره فيما لو كان العقار مشغولا بأصحابه, وهي ضريبة عقارية بلا شبهة.
علي أنه بصدور القانون رقم4 لسنة1946, الذي أدي إلي تأجير العقارات الخالية بإيجارات كبيرة, رأي المشرع إدراج دخل هذه الإيجارات ضمن الوعاء الذي تفرض عليه ضريبة الدخل, وذلك بالقانون رقم181 لسنة2005, شأنه في ذلك شأن الدخل العائد من تأجير الشقق المفروشة.
لذا كم كان مستغربا بعد ذلك, أن يفرض السيد وزير المالية ضريبة علي العقار ذاته, بعد أن فرض ضريبة علي الدخل الذي يدره, تحت مسمي الضريبة العقارية, وذلك لما يلي:
1ـ قدمنا أن الضريبة العقارية( العوائد) كانت تفرض علي الدخل الذي يدره العقار بمقتضي القانون رقم181 لسنة2005, مما يعني ان ادخال هذا الدخل ضمن الايرادات التي تفرض عليها ضريبة الدخل, أن الدولة تستوفي بالفعل الضريبة العقارية بحيث ان فرض هذه الضريبة مرة أخري علي العقار نفسه, يمثل ازدواجا ضريبيا مخالفا لأحكام الدستور, بمعني ان القول بعد فرض ضريبة علي الدخل الذي يدره العقار, انه لم تفرض بعد ضريبة عقارية عليه هو ضرب من المغالطة, ولا ينال من ذلك ان تدرج هذه الضريبة ضمن أحكام قانون اخر, أو ان يطلق عليها اسم مغاير, فالعبرة هو بالوعاء الذي تفرض عليه هذه الضريبة.
2ـ ان تقدير الضريبة علي العقار وفقا لقيمته السوقية سيفتح الباب واسعا لمئات الآلاف من القضايا, ذلك ان تقدير الثمن السوقي للعقار مسألة تختلف فيها التقديرات اختلافا كبيرا فتدخل فيه عناصر بعضها مادي يمكن تحديده, وبعضها معنوي, كالصقع مثلا, لا يمكن تحديده.
3ـ ان فرض ضريبة علي العقارات الخالية والغير منتفع بها, أمر غير دستوري لأنه يؤدي الي تآكل الثروة العقارية, وهو ما قضت به المحكمة الدستورية بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم5 لسنة10 قضائية( دستورية) بخصوص الضريبة علي الأرض الفضاء, ذلك ان المركز القانوني لصاحب الأرض الفضاء باعتباره عقارا يماثل المركز القانوني لصاحب العقار الخالي الذي لايدر دخلا.
4ـ والقول بأن من شأن فرض هذه الضريبة علي الوحدات الخالية حث أصحابها علي شغلها, قول غير صحيح, ذلك ان الذي يدفع أصحاب هذه الوحدات الي تركها خالية هو بطء إجراءات الاخلاء وتعقيدها عند انتهاء عقود ايجارها, ولا ينال من ذلك القول بأن توثيق عقود الإيجار من شأنه التخفيف من هذه الآثار السيئة( وليس القضاء عليها), لأن رسوم توثيق هذه العقود, يمثل ارقاما فلكية. وهو ما يؤكد ان المسئولين لدينا يضعون مشاكلنا في موضعها غير الصحيح ثم يناقشونها علي ضوء ذلك!
5ـ الأولي بوزارة المالية وضع الضوابط للوصول الي القيمة الإيجارية للإيجارات, وذلك بسن قانون يلزم مستأجر المكان الخالي بالإبلاغ عن القيمة الايجارية التي يدفعها, وان تيسر عليه سبل الابلاغ عن تلك, بتوفير اخطارات مدفوعة اجر البريد في كل مكان, بحيث يكون من الميسور علي المستأجر تحريرها وارسالها بالبريد وكذا العمل علي استيفاء الضريبة عليها وفق أحكام القانون رقم181 لسنة2005 وبالنسبة للعقارات التي يسكنها أصحابها فتوضع قواعد محددة لتقدير قيمة ايجارية لها يجري تقدير ضريبة الدخل العقاري علي أساسها( وهي ضريبة عقارية في حقيقة الأمر).
6ـ أما بالنسبة للشاليهات والفلل في المصايف, فأتساءل هل سيجري تقدير كل شاليه علي حده رغم اختلاف مواقعها ومساحتها وصقع كل منها, أم ستفرض ضريبة موحدة عليها بحسب المناطق المختلفة؟ أسئلة لابد ان يتناولها التشريع المقترح, لكنني أقترح ان تفرض عليها ضريبة محددة سلفا, وان اختلف قدرها باختلاف المناطق, واعتقد ان الحصيلة ستكون كبيرة, مهما كان مقدار هذه الضريبة, لأن هذه الوحدات الصيفية تعد بمئات الالاف, وهي لا تدفع أية ضرائب حاليا.
7ـ ان فرض ضريبة علي أبنية المصانع( وانا لست من رجال الصناعة) سيؤدي إلي يتحمل المستهلك في النهاية عبء هذه الضريبة, فيزيد الغلاء ويقل الاستهلاك, فيعم الكساد, وتقلان بذلك ضريبة الأرباح التجارية.
8ـ يبقي أمر مهم لا يلقي له أي مسئول بالا, بالرغم أهميته القصوي, وهو أن كثرة التشريعات, والتغيير المستمر في الأعباء المادية, يصيب المجتمع بالشلل الناجم عن القلق, ويخلق جوا طاردا للاستثمار طويل الأجل وهو ما يؤكد الحاجة الي وزراء سياسيين وليس مجرد تكنوقراط.
لذا ارجو من السيد وزير المالية ان يعيد النظر في مشروع الضريبة العقارية المقترح, قبل ان تقع الفأس في الرأس كما يقولون..!
مدحت أبوالفضل
عن صحيفة الاهرام المصرية
28/5/2008