المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قواعد اللعبة هي الأهم!


waelsayed
01-24-2011, 08:09 AM
قواعد اللعبة هي الأهم!

بقلم: جمال بسيسو
استشاري في التنمية البشرية
22-01-2011
freejamal @ hotmail.com

موقف وحوار
أنهى أحمد للتو وهو رئيس مجلس الإدارة لشركة صناعات ثقيلة كبرى اجتماعا هاما وشاقّا مع رئيس مجلس إدارة شركة خامات ومعادن عالمية. وقد عقد الاجتماع تحت لافتة التحالف الاستراتيجي المنوي تأسيسه بين الشركتين. هذا وشارك في الاجتماع مجموعة من المدراء في الشركتين، وقد دار هذا الحديث حول مجريات الاجتماع بين أحمد رئيس مجلس الإدارة وطارق المدير العام لشركته.
- أحمد: أرى في عينيك يا طارق الكثير من التساؤلات، وأعرف أنك قد تفاجأت من موقفي الشديد خلال الاجتماع، أليس كذلك؟

- طارق: بلى يا سيدي، وخصوصا لأنني أعلم مسبقا بأنك حريص جدا على هذا التحالف لما له من أهمية لمستقبل شركتنا، ولكنني قلت في نفسي أنك لربما أردت أن توصل رسالة بأننا لسنا الوحيدين المنتفعين من هذه الشراكة، وبالتالي لا نرخص بضاعتنا!

- أحمد: هذا صحيح بشكل جزئي يا طارق، ولكن هناك مسألة أهم!

- طارق: ما هي يا سيدي؟

- أحمد: إنها قواعد اللعبة يا طارق أو ما يطلق عليه بـ (Rules of the Game) ضمن نظرية تسمى بنظرية اللعبة، فهي التي كانت من وراء الدقة والحذر والتحفظ الذي أبديته!
وهنا هزّ طارق رأسه، ولكن علامات التساؤل كانت لاتزال بادية على وجهه.
والأسئلة المطروحة هي
ما هو تعريف نظرية اللعبة، وما هي قواعد اللعبة، وما هي أهميتها، وكيف يمكننا التعامل بكفاءة وفعّالية مع مفهوم قواعد اللعبة؟
أما رأي الاستشاري
أول من استخدم مصطلح "نظرية اللعبة" كان "جيمس والدجريف" في عام 1713 في مؤلف حول استراتيجيات الفوز والخسارة في لعب الورق، ولكن المؤسس الحقيقي لهذه النظرية هو "جون فون نيومن" والذي بدأ أبحاثه حول هذه النظرية في 1928 وتوّجها في عام 1944 عبر كتابه "نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي" "Theory of Games and Economic Behavior".
ومن التعريفات المعتمدة لنظرية اللعبة أنها عبارة عن فرع من الرياضيات التطبيقية، وتستخدم في علوم الاقتصاد والإدارة والسياسة والفلسفة والعلاقات الدولية، وتهدف إلى دراسة سلوكيات الأفراد والمنظمات في المواقف الاستراتيجية من أجل تعظيم مكاسبهم وتقليص الخسائر، كما تهدف إلى استشراف النتائج المتوقعة بناءً على تحليل ودراسة هذه السلوكيات.
وفي الحقيقة أن هذه النظرية معقدة وواسعة ولها التقاءات وافتراقات مع شريعتنا الغرّاء، ولكن حسبنا في هذه العجالة أن نستعرض أهم التطبيقات العملية لنظرية اللعبة، وكذلك طرق التعامل الفعّالة مع قواعد اللعبة للخروج بأفضل النتائج.
وللمزيد من الإيضاح فإن لنظرية اللعبة ستة عناصر وهي: اللعبة بذاتها، واللاعبين المشاركين، وطبيعة العلاقة بين اللاعبين، والسياق المحيط بهم، وقواعد اللعبة التي تحكمها، والنتائج المتوقعة لها، ولعل قواعد اللعبة هي أهم عناصر اللعبة لكونها تتحكم في النتائج والمخرجات لأي تفاعل ضمن ما يسمى باللعبة.
فاللاعبون في الموقف أعلاه هما الشركتان الكبريان ممثلتان برؤساء مجالس الإدارة وباقي المدراء، واللعبة هي عبارة عن اجتماع استراتيجي هام، وطبيعة العلاقة هي تعاونية وسترقى إلى مستوى التحالف، والسياق المحيط هو بيئة صناعية شديدة التنافسية الكبير فيها يبتلع الصغير، وقواعد اللعبة هي الخطوط العريضة التي ستحكم العلاقة المستقبلية بين الشركتين، وقد كانت تتم صياغتها عبر نقاشات المشاركين في الاجتماع، أما النتائج فكانت تُستشرف وتتشكل بناءً على ما كان يجري من مداولات، وما كان تدقيق رئيس مجلس الإدارة أحمد وتحفظاته وحذره الزائد إلا من أجل الاتفاق على قواعد اللعبة التي ستضمن النتائج المرغوبة، وتؤدي إلى المخرجات المحبذة لهذا التحالف الاستراتيجي.
ومن المواقف التي تتجلى فيها تطبيقات نظرية اللعبة غير الاجتماعات، مواقف التعاقدات والمفاوضات وصياغة الاتفاقات ووضع الأجندات، ومن هنا فلا يعجب أحد إذا قلنا أن مجرد الاتفاق على ترتيب نقاط أجندة خفض السلاح النووي بين أمريكا وروسيا قد استغرق سنين طويلة! وذلك لأن مجرد تقديم دراسة نقطة في الأجندة على نقطة أخرى قد يعني نتائج غير مفضلة لأحد الطرفين، بل قد يعني خسارة استراتيجية! وهنا تتبين مرة آخرى أهمية عنصر قواعد اللعبة.
ومن الأمثلة كذلك على أهمية عنصر قواعد اللعبة ما يحصل عند تطبيق ما يسمى بالنظام الديمقراطي لأي انتخابات تشريعية أو تنفيذية، فمفهوم الديمقراطية في ظل نظرية اللعبة وقواعدها يصبح شديد الهلامية، بمعنى آخر يمكن التحكم إلى درجة كبيرة بنتيجة أي انتخابات، بل والتحديد المسبق للشخص الفائز بعينه في بعض الأحيان بمجرد وضع قواعد اللعبة الانتخابية وصياغة إجراءاتها بشكل محدد ووفق ما يُراد الوصول إليه من نتائج!
وهذا بحد ذاته يضع الكثير من علامات الاستفهام على الممارسات المنقوصة للديمقراطية في عالمنا اليوم، كما يؤكد على أنها لا بد أن تسيّج بسياج المصالح الشرعية المعتبرة، وذلك حتى لا تتحول الديمقراطية إلى مراوغة وحيلة لا تنطلي إلا على البسطاء!
وحتى يمكننا التعامل بفعّالية مع نظرية اللعبة، ولكي نتمكن من جلب المصالح، ودرء المفاسد سواءً أكان ذلك على الصعيد الحياتي الفردي أو الإداري المؤسسي، فإنه يجب علينا التقيد بالمبادئ السبعة التالية للوصول إلى أفضل القواعد في أي لعبة:
1- الحفاظ على ثوابت الشريعة والتقيد بأحكامها من فرض وواجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام، فهذه الأحكام هي بمثابة المحددات للسلوك الفعّال الذي يحقق النجاح الدنيوي والأخروي، وكلنا يعرف ما أصابنا من ضياع وتيه ومصائب وكوارث سياسية واقتصادية وإدارية وحياتية حينما تخلينا عن هذه الثوابث، وأصبحنا بلا مرجعية، بينما احتفظ الآخرون بمرجعياتهم وثوابتهم الباطلة! يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".

2- النظر إلى المآلات وعواقب السلوكيات والأسباب والمسببات قبل قبول أو تبني أو التعامل مع أي قواعد لأي لعبة، والقرآن الكريم غني في تناوله للسلوكيات التي تؤدي إلى نتائج معينة، يقول الإمام ابن القيم رضي الله عنه "أنه سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا … والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى "فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ" (الأعراف:39)… وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب… ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع".

3- القدرة على ترتيب الأولويات بشكل صحيح في ظل أي سياق، فالفرض يتقدم على السنة، ودرء المفاسد يتقدم على جلب المصالح، والعبادة التي يحين وقتها تتقدم على غيرها من العبادات، ودعوة الأبناء والأهل تتقدم على دعوة الآخرين، والمصلحة العامة تتقدم على المصلحة الخاصة، والمصلحة المستدامة الآجلة تتقدم على المصلحة الفانية العاجلة، والقليل الدائم أحب إلى الله من الكثير المنقطع، وأداء الحقوق وردها إلى العباد مقدم على أداءها إلى رب العباد.

4- أخذ السنن والثوابت الكونية في الحسبان والتمسك بها باعتبارها قواعد مطّردة لاتنخرم مهما اختلفت المواقف، ومن أمثلتها قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" (يونس:81)، وقوله "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُواٍ" (الحج:38)، وقوله "إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف:128).

5- الاستفادة من القواعد الفقهية في شريعتنا الغرّاء ففهيا علم قيّم يمكننا من خلاله الحكم على معظم الجزئيات في معاملاتنا مع الآخر مثل قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وقاعدة "الضرورة تقدر بقدرها" وقاعدة "الأمور بمقاصدها" وقاعدة "المسلمون عند شروطهم" وغيرها الكثير من القواعد العظيمة.

6- التمكن من آليات وفنون صناعة القرار من تحليل وتمحيص وحسابات الربح والخسارة والسيناريوهات المحتملة حسب ما يسمى في شريعتنا الغرّاء بغلبة الظن، بالإضافة إلى الاستشارة والاستخارة فبهما ترشد البوصلة.

7- رفض الانخراط في اللعبة أو الخضوع لقواعدها، والعمل على تغيير هذه القواعد حينما لا تكون عادلة أو مناسبة، وهذا بالطبع أفضل بكثير من الانخراط في اللعبة الذي سيؤدي حتماً إلى نتائج غير محمودة.
ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن علماء ومنظري نظرية اللعبة من الغربيين يسمون القوة التي تحدد قواعد اللعبة حينما يعجز البشر عن ذلك باليد الخفية (Hidden Hand)، ونحن كمسلمين نقول أنها قوة الله سبحانه، التي تقلب كل الموازين، وتعصف بكل حسابات البشر ومنطقهم القاصر، ولا يعجزها شيء، وتفاجيء الجميع بعظمتها وقدرتها على التأثير والتغيير، ولا ينسجم مع هذه القوة العظيمة المهيمنة ويتفهمها إلا عبد الله المؤمن الذي خضع لله سبحانه، واستسلم له في أمره ونهيه.
ومسك الختام
أن ما فعله رئيس مجلس الإدارة أحمد هو أمر ينم عن ذكاء وقّاد، وحنكة استراتيجية، وفهم لحساسية الموقف، فحري بكل واحد منا يقبل على وظيفة جديدة، أو يستقر في بلد جديد، أو يقوم بالتعاقد من أجل خدمة ما، أو يتفاوض على أمر ما، أو يبرم اتفاقا ما، حري به أن يتعرف بدقة إلى قواعد اللعبة الجديدة، ويناقشها بحذر وتمحيص فهي لها ما بعدها، وحري به أيضا أن يتعامل معها وفق ما ذكرناه من مبادئ تعينه على الوصول إلى أفضل النتائج.