المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخبرة والأمانة في استثمار الأموال.. فريضة شرعية لازمة


khaled88
03-24-2010, 12:50 PM
الخبرة والأمانة في استثمار الأموال.. فريضة شرعية لازمة





http://www.ikhwanonline.com/Data/2007/7/19/img544g7g.jpg
بقلم: أ. د. عطية فياض
المال من الضروريات الخمس التي حافظ الإسلام عليها، وشرع لها من التشريعات الكافية التي تدفع الاعتداء عليها أو هدرها وتضييعها.

ولا تكون المحافظة على المال بحراسته وحمايته من اللصوص وقطاع الطرق المعروفين فقط بل يجب حمايته من لصوص وقطاع طرق من نوع آخر، وهم الجهلة بكيفية التعامل فيه، والوجوه الصحيحة لاستثماره، الذين يضعونه في غير موضعه الصحيح، ويدخلونه في مجالات استثمارية أشبه بالمغامرات الطائشة لا يُبتغى منها نفعٌ ولا يرجى منها خيرٌ، ولا يتخذون التدابير اللازمة لتنميته وزيادته.

وحتى لا يُستغرب وصف الجاهل بقواعد الاستثمار الأمثل بأنه سارق، نبين بأن مصطلح السارق يوصف به أيضًا من لا يُحسن القيام بالشيء ولا يتمه، كما أخرج أحمد في المسند عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته" قالوا يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها". فمن لا يحسن الصلاة بتمام أركانها فهو سارق، وكذا مَن لا يُحسن استثمار الأموال وتنميتها فهو أيضًا سارقٌ.

وقد ورد في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ".

وإضاعة المال ليست بمعنى السرقة إنما بمعنى الطيش في التعامل مع المال من حيث إنفاقه وقرارات استثماره.

ولذلك يجب ألا يُسند أمر الاستثمار في المال حتى ولو لمالكه ملكية خالصة، فضلاً عن أن يكون موكلاً عن الغير في الاستثمار إلا لمن توافرت فيه خصلتان أشار إليهما القرآن الكريم فيمن يتولى أمرًا من أمور الأمة في المجال العام أو الخاص، وقد وردا في قصتين لهما دلالة في موضوعنا، الأول: في قصة يوسف عليه السلام إذ طلب من عزيز مصر أن يوليه إدارة بيت المال، وكانت مؤهلاته كما ذكر ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾ (يوسف) وصفة الحفظ لا تعني فقط قدرته على تجنيب الأموال الضياع بحفظها من اللصوص والتلف ونحو ذلك، لكنه من الأمانة بمكان بحيث يعف نفسه ويده عن أن تمتد إلى هذا المال بتأويلات فاسدة ومسوغات واهية، كما أن صفة العليم إشارة إلى الخبرة التي تؤهله لاستثمار الأموال بالشكل الصحيح، وقد قدَّم أنموذجًا من هذه الخبرة في تأويله لرؤيا العزيز.

وجاء على لسان ابنتي الرجل الصالح في شأن موسى عليه السلام ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26)﴾ (القصص).

ومع أن رعي الغنم عملٌ محدود الخبرات لا يحتاج صاحبه إلى مؤهلات علمية أو إدارية، ومع ذلك لم يتم ترشيح النبي موسى عليه السلام إلا بعد الاطمئنان على توافر صفتين لازمتين لكل مَن يتولى عملاً من الأعمال، وخاصةً إذا كان هذا العمل يتعلق بإدارة الأموال، وهما: القوة والأمانة، والقوة في كل مجال بحسبه، فقد يكون المقصود بها في مجال القوة البدنية التي تفيد في حمل الأثقال ومدافعة اللصوص ونحو ذلك، وفي مجال آخر: القوة العقلية بما تعني من حكمة ولباقة وكياسة وحسن تدبير، فضلاً عن وجوب توافر الأمانة.

قال ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية: "وينبغي أن يُعرف الأصلح في كل منصب، فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26)﴾ (القصص) وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾ (يوسف)، وقال تعالى في صفة جبريل: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)﴾ (التكوير)، والقوة في كل ولاية بحسبها، والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلاً، وترك خشية الناس".

وقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يولي أبا ذر ولايةً من ولايات الدولة؛ لأنه رآه ضعيفًا، والضعف هنا ليس في الدين إنما في قلة الخبرة في أمور الولايات؛ مع أنه قد روي عنه: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجةً من أبي ذر"، لكن في الولايات قال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم"، وفي رواية مسلم: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا مَن أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها" (السياسة الشرعية بتصرف: 17 وما بعدها، دار المعرفة).

وقد وجَّه الشرع أولياء القصَّر أن يدربوهم على فنون التجارات والاستثمارات المالية قبل أن يبلغوا الحلم، وقبل دفع أموالهم إليهم؛ حتى إذا وصلوا إلى سنِّ الرشد كانت لديهم الخبرة الكافية لممارسة التصرفات المالية ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء: من الآية 6) ومعنى {ابتلوا}: اختبروهم بعد التعليم والتدريب.

كما شرع الإسلام الحَجْر على السفيه غير الراشد الذي لا يحسن التصرفات في ماله، وطلب أن يولي عليه راشد.. ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ (النساء: من الآية 5)
وتمس الحاجة أكثر إلى واجب الأمانة والخبرة إذا كان الشخص يتعامل في أموال الغير سواء أكان التعامل من باب الوصاية أو الولاية أو الوكالة أو أي عقد من عقود الاستثمار كالمضاربة، والمشاركة، والمزارعة؛ فإنه إذا لم يجز للشخص أن يقامر أو يخاطر بمال نفسه فأولى ألا يغامر بأموال الآخرين، وأشد منه إذا كان يتعامل في المال العام.

وقد منع الفقهاء من إعطاء المال مضاربة لمن لا تتوافر فيه هاتان الصفتان، فقال الماوردي في الحاوي: "فَإِنْ قَارَضَ أَمِينًا غَيْرَ خَبِيرٍ بِالتِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ قَارَضَ خَبِيرًا بِالتِّجَارَةِ غَيْرَ أَمِينٍ لَمْ يَجُزْ؛ حَتَّى يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ فِيهِ: الْخِبْرَةُ، وَالْأَمَانَةُ". (7 / 823 دار الفكر).

إن الثقة والعواطف والحياء قد تدفعنا إلى المغامرة والمخاطرة بأموالنا وأعمالنا؛ وذلك بدفعها إلى مَن لا يحسنون فيضيعونها ويهدرونها أو نسند الوظائف والأعمال إلى مَن لا يحسنها بدافع العاطفة والمعونة والإنسانية، وأصبحت مؤسساتنا أشبه بمؤسسات رعاية اجتماعية، ومكانًا للمجاملات السياسية والاجتماعية، ومكانًا للرشوة الوظيفية، أكثر منها مؤسسات مالية تستهدف الربح ونفع عموم المسلمين، لقد أدَّى إهمال هذا الواجب إلى إفلاس الكثير من الشركات وتصفيتها قبل أن نجني منها ثمرة، كما انهارت بنوك، واحترقت مصانع، وتوقفت عن الإنتاج، وكان المأمول أن تساعد في القضاء على البطالة، وتحدُّ من الاستيراد، وتقلل من نسب الفقر، وتسدُّ حاجة المحتاجين إلى الدواء والغذاء والكساء لكن كلُّ ذلك لم يكن، والسبب انعدام الخبرة والأمانة أو أحدهما.

عبد الحليم يوسف
03-24-2010, 03:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا سعادة الدكتور على هذة الاضافة الجميلة
ونرجو منكم المزيد فى المشاركات القادمة باذن الله

اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين امين وصلى اللهم على سيدنا محمدوعلى الة وصحبة وسلم

MAGEDCAROTS
03-28-2010, 09:56 AM
بارك الله فيك علي مجهودك