المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرس الثالث العشرون / شرح كتاب التوحيد - الشيخ عبدالرزاق العباد


بشري1
02-14-2010, 04:57 PM
الدرس الثالث العشرون


شرح كتاب التوحيد


بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:


معاشر الإخوة الكرام، كان آخر باب أخذناه في دراستنا المباركة كتاب التوحيد هو باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، والمؤلف -رحمه الله- بين في هذا الباب بالشواهد الواضحة والدلائل البينة من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على ذلك ويشهد له، وكان آخر حديث مر معنا في هذا الباب المبارك هو حديث ثوبان -رضي الله عنه- ووهو حديث عظيم اشتمل على فوائد جليلة ودلالات عظيمة، وكان لضيق وقتنا في درسنا الماضي لم يتسنَ لنا الوقوف مع هذا الحديث ومع دلالاته العظيمة المباركة فلعلنا نبدأ درسنا هذا بمراجعة لهذا الحديث والوقوع مع بعض فوائده ودلالاته، ثم بعد ذلك يكون ما بقي من الوقت وكذلك وقت الحلقة القادمة لمراجعة ما مضى في هذا الكتاب من أوله إلى باب (ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان) ونستمـع الآن مرة ثانيـة لحديث ثوبان -رضي الله عنه-.


قال المصنف -رحمه الله-: (ولمسلم عن ثوبات -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسَنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعض) ورواه البرقاني في صحيح وزاد: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبدوا فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-)).


هذا الحديث العظيم المبارك الذي ساقه المصنف -رحمه الله- بتمامه فأورد منه ما رواه مسلم في صحيحه، وما زاده البرقاني -رحمه الله- في جامعه المسند، والبرقاني -رحمه الله- له جامع جمع فيه ما في الصحيحين وزاد أحاديث صحاح ثابتة، وهذا الحديث الذي هو بهذه الزيادة، زيادة البرقاني -رحمه الله- تقال: البَرقاني بفتح الباء، وأيضًا يقال: بالكسر البِرقاني، وهو الإمام أبو بكر محمد الخوارزمي الشافعي -رحمه الله- هو إمام ثبت ثقة، وهذه الزيادة التي عند البرقاني هي موجودة في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة وفي مصادر حديثية أخرى، فهذا الحديث حديث جامع وحقيقة عندما نتأمل هذا الحديث نجد أنه جمع أمورا، عديدة جمع أموراً مخيفة، أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ستقع، وذكر -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي لا ينطق عن الهوى أنها ستقع، ذكر أموراً مخيفة تدعو إلى الخوف والحذر والحيطة من هذه الأمور التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوعها على سبيل التحذير والنصح للأمة حتى لا يكون الإنسان مع هؤلاء الهالكين، أو هؤلاء المخذولين، أو هؤلاء المفارقين لهدي النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-.


أيضاً ذكر في الحديث ما هو من آيات نبوته -عليه الصلاة والسلام- ودلالات صدقه -صلى الله عليه وسلم- فأخبر عن أمور مغيبة كثيرة في هذا الحديث ووقعت طبقاً لما أخبر -صلى الله عليه وسلم- فأخبر عن أمور ستقع ووقعت، كما أخبر بها -عليه الصلاة والسلام- فهذا من شواهد نبوته ودلالات رسالته وصدقه -عليه الصلاة والسلام- وأنه لا ينطق عن الهوى، فالحديث فيه جمل عديدة هي داخلة فيما يسمى بدلائل النبوة، ودلائل النبوة له كتب مفردة ومصنفات خاصة كتبها أهل العلم في هذا المجال.


أيضاً الحديث فيه مبشرات أرشد إليها -صلوات الله وسلامه عليه- مبشرات بالخير وبالعز وبالنصر وببقاء الدين وبحفظ الله -تبارك وتعالى- له ولأهله، فهذا أيضاً من الأمور العظيمة المهمة التي اشتمل عليها الحديث.


أيضاً من الأمور العظيمة التي اشتمل عليها هذا الحديث المبارك بيان النبي -عليه الصلاة والسلام- للأسباب المفضية إلى الهلاك والمؤدية إلى الهلاك فذكر أموراً تفضي بالناس إلى الهلاك، ومن ذلك رفع السيف، ومن ذلك أيضاً الأئمة المضلين، ومن ذلك أن يتسلط المسلمون بعضهم على بعض، يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، هذا كله من أسباب الهلاك ولا خير فيه، ولا خير في ذلك إلا الضرر على الإسلام والضرر على المسلمين، فهذه أمور عديدة ومهمة اشتمل عليها هذا الحديث المبارك العظيم، وبودي لو نقف وقفة مختصرة مع جمل الحديث جملة جملة أشير من خلالها إلى المعاني والدلالات العظيمة المباركة التي اشتمل عليها هذا الحديث ولعلنا أيضاً لا نطيل في ذلك -إن شاء الله-.


(ولمسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربه)).


(لمسلم عن ثوبان) ثوبان هو الصحابي الجليل مولى النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يروي هذا الحديث العظيم المبارك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منه) أو (ما زَوى لي منه) بالبناء للفاعل والبناء للمفعول، فهنا لاحظ الآية العظيمة من آيات الله الدالة على قدرة الله -سبحانه وتعالى- زوى له الأرض، ومعنى (زوى له الأرض) أي: جمع له أطرافها، فرأى وهو -عليه الصلاة والسلام- في مقامه وفي مكانه رأى مشارق الأرض ومغاربها، يعني: رأى نهاية المشرق ونهاية المغرب، رأى بلاد السند والهند وتلك المناطق وما وراء النهر، ورأى أيضاً المغرب وتلك المناطق، فرآها وهو في مكانه -عليه الصلاة والسلام- وهذا من كمال قدرة الله، ونحن عندما نقرأ هذا الحديث وأمثاله نقول: "إن الله على كل شيء قدير" ما نقول: كيف؟ وهل هذا يمكن؟ وهل هذا...؟ وإنما نقول: "إن الله على كل شيء قدير" -تبارك وتعالى-.


قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربه) يعني: رأى نهاية المشرق ونهاية المغرب وهو في مقامه -عليه الصلاة والسلام-.


قال: (وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها أو ما زوى) أي: الله (لي منه) وهذا فيه آية من آيات النبوة؛ لأن ملك الأمة امتد بشكل واسع وكبير في هاتين الجهتين جهة المشرق وجهة المغرب، بخلاف جهة الجنوب وجهة الشمال، فالامتداد كان أكثره وأغلبه وأوسعه في هاتين الجهتين اللتين زويتا للنبي -عليه الصلاة والسلام- حيث رأى المشرق ورأى المغرب، فهنا آيتان:


- الآية الأولى: (إن الله زوى له الأرض) أي: جمع له أطرافها فرأى المشارق والمغارب.


- والآية الثاني: إخباره -عليه الصلاة والسلام- أن مُلك أمته سيبلغ ما زوي له منها، وكان هذا الأمر كما أخبر -عليه الصلاة والسلام-.



((وإن أمتي سيلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكه).






الأخ الكريم من الجزائر في الواقع السؤال لم يكن واضحا لكنه فيما علمنا أنه يقول: شخص خرج من القبر أو أنه سمع صوتاً من عذاب القبر أو هكذا فهمت؟.


كأنه يقول بأنه رجل عُذب في قبره وخرج من قبره فهل هذا صحيح؟ الله أعلم بذلك، لكن جاء في الصحيحين البخاري ومسلم: (أن رجلاً كان أظهر الإسلام وأسلم وكان يكتب للنبي -عليه الصلاة والسلام- ثم إنه لحق بالنصارى وتنصر وصار يستهزئ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويقول ما يكتب له، وأصبح يستهزئ به ويسخر به عند النصارى الذين لحق بهم، فمات هذا النصراني فلفظته الأرض) يعني: لما دفنوه لفظته الأرض، أخرجته الأرض على وجهها، والحديث في الصحيحين في البخاري ومسلم (فلما أخرجته الأرض جاءوا وقالوا: لعلنا ما مكنا له في الدفن، فعمقوا الحفرة تعميقاً قوياً في الأرض ودفنون وجاءوا من الغد فلفظته الأرض وتركوه ملقىً على وجه الأرض) ما قبلته الأرض فقد يكون هذا، يعني قد يكون هذا الأمر لكن الله أعلم ولا ينبغي أن الناس ينساقون وراء أشياء تُقال حتى في فترة من فترات بعضهم كانوا يوزعون تسجيل صوتي لعذاب القبر وأصواته وكذا، هذه كلها أشياء ما ينبغي الإنسان يلتفت إليها ويأخذ بها، عذاب القبر عرفناه بالقرآن، وعرفناه بالسنة، وعرفناه بالأدلة ولا ينساق الإنسان وراء أشياء تروى وحكايات تذكر الله أعلم بصحتها، أما إن صح الشيء فالله على كل شيء قدير.


الأخ الكريم من الجزائر يقول: عند أهل البوادي بعض أئمة الضلال يقولون لهم: الموتى يسمعونه ويحسون بالزائر؟.


السماع لأهل العلم فيه تفصيل فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الميت إذا دفنه أهله سمع قرع نعالهم) ومسألة السماع هذه مسألة لها كلام عند أهل العلم، لكن النتيجة التي يبني عليها أهل الضلال هي نتيجة فاسدة وهي التعلق بالمقبورين حتى لو قيل أنهم مثلاً يسمعون، فكونهم يسمعون ليس دليلا على جواز الشرك والاستغاثة بغير الله وصرف العبادة لغير الله والتوجه لغير الله بالعبادة، هذا بناء باطل على أمر فهمه هؤلاء وبنوا عليه أمراً باطلاً وهو الشرك بالله -سبحانه وتعالى- وأما مسألة سماع الموتى، فهذه فيها تفصيلات تُعرف بمراجعة كتب التوحيد.





قال: ((وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض)) الأحمر: أي الذهب، والأبيض: أي الفضة، وهو هنا -عليه الصلاة والسلام- يشير إلى كنوز الفرس والروم، كنوز كسرى وقيصر، وقيل: إن كنوز كسرى هي الفضة والجوهر والأشياء البيض، وكنوز قيصر هي الذهب. وهذا لا يعني أن يكون عند هذا مثلما عند الآخر لكن الغالب على الكياسرة الفضة، والقياصرة الذهب. هذا هو الغالب، وقيل العكس، قيل عكس ذلك، على كل حال المراد بالذهب والفضة كنوز قيصر وكسرى وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم أن كنوزهما ستنفق في سبيل الله، فهذا أمر أخبر به -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقع وقد وقع طبقاً لما أخبر -صلى الله عليه وسلم- في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أوتي بكنوزهما وقسمت كما أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.


((وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة)).


(وإني سألت ربي) هذا دعاء توجه به -صلى الله عليه وسلم- إلى رب العالمين يسأله -سبحانه وتعالى- قال: (وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة) وفي بعض النسخ (بسنة بعامة) بزيارة الباء وكذلك في صحيح مسلم (بسَنة) بفتح السين وليس بكسرها، وكنت أشرت في الدرس الماضي إلى أن بالكسر وهو خطأ ووهم، والصواب أن هذه بفتح السين سَنة، والمراد بالسَنة الجدب وفي الحديث: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسف) وفي القرآن: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: 130] أي: الجدب والقحط، والحذب إذا وجد أهلك الناس، إذا وجد أجدبت الأرض ولم يكن فيها العشب ولا الماء وهلك الناس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دعا الله -سبحانه وتعالى- ألا يهلك أمته بسَنة عامة، أي: شاملة للجميع، ولاحظ الدعوة: (بسَنة عامة) سَنة: أي جدب وقحط عام: أي شامل للجميع، وهذا لا يمنع أنه قد يوجد قحط في بعض السنوات أو في بعض الأوقات في بعض الديار المعينة، فيكون فيه هلاك لبعض الديار، أما قطح عام وجدب عام بحيث يهلك المسلمون في كل أقطارهم وجميع ديارهم فهذا لا يكون؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل الله -جل وعلا- أن يعطيه ذلك وأعطاه (ألا يهلكها بسَنة عامة) أي: بقحط عام وجدب عام.


((وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم)).


(وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم) يعني: عدوا من الكفار (فيستبيح بيضتهم) ألا يسلط عليهم عدو من الكفار فيستبيح بيضتهم ويستأصل شأفتهم ويقتلهم عن آخرهم فهذا لا يكون، لا يكون، يعني: قد يتسلط الكفار مثلما قلنا في الجدب والسَنة، قد يتسلط الكفار على بعض الديار، وقد يكون منهم إهلاك لبعض المسلمين في بعض الديار، بعض ديار الإسلام، أما تسلط من الكفار على عموم ديار المسلمين وقضاء على المسلمين كلهم فهذا لا يكون، وهذا من المبشرات ببقاء الدين وعز الدين ونصر الإسلام والمسلمين هذا من المبشرات العظيمة التي أخبر بها -صلوات الله وسلامه عليه- فدعا الله، والله -جل وعلا- أجاب سؤله وأعطاه طلبته.


((وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد)).


(وإن ربي قال: يا محمد) وهذا فيه الاستجابة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيما سأل: قال: (إني قضيت قضاءً فإنه لا يرد) والقضاء إذا أطلق في النصوص، نصوص الكتاب والسنة تارة يراد به القضاء الكوني وتارة يراد به القضاء الشرعي الديني فمثلاً قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23] القضاء هنا شرعي ديني، قضى: أي شرع ووصى وأمر، أما قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [فصلت: 12] هذا القضاء قضاء كوني، والمراد بالقضاء هنا في الحديث: (إذا قضيت قضاءً لا يرد) فالمراد القضاء الكوني، يعني: إذا قضى الله -سبحانه وتعالى- بشيء وأراده كوناً وقدرًا قال للشيء يكون، لا راد لما قضاه -سبحانه وتعالى-.


((وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكم بسنة عامة)).


هذا الاستجابة، أعطاه، يعني: أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا السؤل وهذا الطلب (ألا يهلكم بسنة عامة) يعني: جدب عام يهلك الجميع، وكما قلنا فيما سبق لا ينفي أن يكون هناك سنة أو جدب في بعض الديار دون بعض هذا قد يكون، لكن سنة عامة شاملة للجميع فهذا لا يكون والله أعطى نبيه -صلى الله عليه وسلم- هذا السؤل.


((وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم)).


يعني لا يسلط عليهم عدوًا من الكفار فيستبيح بيض المسلمين بمعنى أنه يهلك المسلمين عن آخرهم فلا يبقي لهم باقٍ فهذا لا يكون.


((ولو اجتمع عليهم من بأقطاره)).


وانظر هذا الضمان من رب العالمين -سبحانه وتعالى- (ولو اجتمع عليهم من بأقطاره) يعني: لو كان الكفر يدا واحدة وتكاتفوا وتساندوا وتعاضدوا واتفقوا على القضاء على المسلمين عن آخرهم فهذا لا يكون أبداً؛ بل الإسلام باقٍ وسيأتي معنا في تمام هذا الحديث من المبشرات العظيمة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم).


((حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعض))


يعني: يكون بأسهم بينهم، يكون بأس المسلمين بينهم، يتسلط بعضهم على بعض، ويسبي بعضهم بعضاً، ويهلك بعضهم بعضاً، فهذا الذي فيه الضرر والخطورة والهلاك على المسلمين أن يتسلط بعضهم على بعض ويبغي بعضهم على بعض، وأكثر ما تكون هذه الأفعال عبر التاريخ من الخوارج البغاة الذين يقتلون أهل الإسلام كما أخبر بذلك -عليه الصلاة والسلام- ويدعون أهل الأوثان، فتجده يستميت ويريق دم نفسه في سبيل القضاء على المسلمين ومقدراتهم وممتلكاتهم وأموالهم، ويعد نفسه في سبيل الله، وأوائل هؤلاء عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، وهو مبشر بالجنة من خيار الصحابة!! قتله وهو يتلو قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ﴾ [البقرة: 207] ويسميون أنفسهم الشراة، يعني شرى نفسه ابتغاة مرضات الله ﴿يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ﴾ بماذا؟ ابتغاء مرضات الله بماذا؟ بقتل المسلمين وتدمير ممتلكات المسلمين والإضرار بالمسلمين وإزهاق الأرواح في ديار المسلمين ويعد نفسه في سبيل الله، وأنه شرى نفسه في سبيل الله وطلب مرضاته؛ ولهذا يعد نفسه مجاهداً، يعد نفسه في نصر وفي عز، فهذا الذي خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على الأمة وهو من أسباب الهلكة ومن أسباب الخطر على المسلمين عندما يتسلط بعض المسلمين على المسلمين قتلاً وتخريباً وتدميراً وإيذاءً.


(ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين))


(رواه البرقاني وزاد) إنما زاد يعني: فيما رواه (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) وهذه الزيادة إلى آخرها هي زيادة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما قلت: هي موجودة في سنن ابن ماجة وسنن أبي داود ومصادر أخرى خرجت هذا الحديث.


قال: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) وانظر تعبير النبي -عليه الصلاة والسلام- هنا بقوله: (إنم) و(إنم) تأتي في الغالب يراد بها الحصر، وهذا يدل على شدة خطورة الأئمة المضلين، الأئمة المضلين أئمة الضلال، وهذا يتناول القادة المفسدين، ويتناول العلماء المضلين، وكل من كان بيده إمامة أو إمرة أو زعامة أو نحو ذلك ويكون مضلاً للناس مضيعاً لدين الناس ملحقاً للناس الأضرار في دينهم فهذا كله داخل قال: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) وكذلك العلماء، العلماء أئمة فالعلماء والدعاة، إذا كانوا دعاة ضلالة فهؤلاء من أخطر ما يكون على المجتمع؛ لأن المجتمع إذا وثق بإنسان واطمأن لعلمه وكان هذا الإنسان مفسداً صاحب ضلال وصاحب أهواء فإنه من أخطر ما يكون على الناس في إفساد عقائدهم وكم كان من فساد وضياع للدين ووقوع في البدع والضلالات والشركيات بسبب الأئمة المضلين الذين خافهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بل بلغت الجرأة ببعضهم ما أشرت إليه في درسنا الماضي أن يكذب أحاديث على النبي -عليه الصلاة والسلام- لأجل ترويج الشرك وترويج الباطل وتوريج الضلال مثلما يقول بعضهم: (إذا أعيتكم الأمور) يعني ضاقت عليكم السبل ولم تجدوا ملجئاً ولم تجدوا مفرا (فعليكم بأهل القبور) ينسبون هذا للنبي -عليه الصلاة والسلام- العامي الجاهل إذا سمع هذا الحديث من رجل وعليه عمامة وعليه هيئة العلم والدعاة وكذا إذا سمع منه هذا الحديث تهافت العوام على القبور زرافات ووحدانا يستغيثون بأهلها ويستنجدون بالمقبورين ويقعون في الشرك الصراح، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخاف على أمته الأئمة المضلين خوفاً شديداً ولهذا قال: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين).


((وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة)).


وهذا أيضاً مما يخافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته السيف رفع السيف، هذا من أخطر ما يكون أن يرفع السيف على أهل الإسلام، وأخبر أنه إذا وقع عليهم لم يرفع إلى يوم القيامة، إذا وقع السيف وسل السيف لم يرفع واستمر مرفوعا مشهرا إلى يوم القيامة.


وهذا الذي أخبر به -عليه الصلاة والسلام- وقع طبقاً لما أخبر، لما سُلَّ السيف وقتل به الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لم يرفع إلى يوم القيامة استمر لكنه يقل في مناطق ويزيد في مناطق، يقل في وقت ويزيد في وقت، لكنه لم يرفع؛ بل هو باقٍ كما أخبر بذلك -عليه الصلاة والسلام- وهذا يدل على خطورة بذر الفتن وبذر الشر وإيجاد الشر بين الناس، وأن من بدأ فله كفل مما يكون بعده من شرور وأخطار وأضرار تلحق المسلمين؛ لأنه شق العصا وسن سنة الضلالة وأحيى في الناس الباطل؛ فهذا فيه ما فيه من الخطورة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).


((ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين)).


الجملة الأولى لاحظ معي: (إذا وقع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة) (إذا وقع السيف) يعني: على رقاب المسلمين بأيدي المنتسبين للإسلام، أنت تعجب غاية العجب من أقوام هذا شأنهم وهذا تفكيرهم، يسل السيف ليزهق به روح مسلم؛ بل ليزهق به روح خيار المسلمين!! يعني: تأمل معي وتعجب في زمن عثمان، عثمان خليفة راشد، وشهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وأخبر أنه أحيى الأمة (أحيى أمتي عثمان) وذكر له من الصفات والمناقب العظيمة الجليلة وله من الفضائل الشيء الكثير ومنزلته في الأمة معروفة، فيجتمع عبد الرحمن بن ملجم والبرك التميمي ورجل ثالث عند الكعبة، اجتمعوا عند الكعبة، وقالوا: إلى متى نستمر وتستمر الأمة بهذه الطريقة؟! لابد أن نتعاون ونجتمع الآن على إراحة الأمة من أئمة الضلال، من هم أئمة الضلال الذين تشاور هذا عبد الرحمن بن ملجم ورفقته على تخليص الأمة منهم؟ أئمة الضلال يريدون عثمان بن عفان!! وعثمان بن عفان في وقته أفضل الأمة، أفضل الأمة، أفضل من على وجه الأرض في وقته هو، ليس هناك أفضل منه -رضي الله عنه وأرضاه- وعثمان ومعاوية وعمر بن العاص، عفواً هذا ليس في عثمان قصة اجتماعهم في علي بن أبي طالب، اجتمعوا قالوا: نريح الأمة من أئمة الضلال، يريدون علي بن أبي طالب ومعاوية وعمر بن العاص، ثم يأتي هذا عبد الرحمن بن ملجم ويسل سيفه ويضعه في السم شهراً كاملاً حتى إذا ضرب به حتى في غير مقتل يسري السم ويقتل؛ ولهذا جاء وتحين خروج علي بن أبي طالب للمسجد وكان من عادته إذا خرج ينادي بالناس الصلاة الصلاة فتلقاه وهو ينادي: الصلاة الصلاة، وسل السيف وضرب به علي بن أبي طالب وهو يقرأ الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ﴾ [البقرة: 207] ويعد نفسه قدم نصرًا للأمة الإسلامية بقتل أفضل من على وجه الأرض ويسمون نفسهم الشراة، يعني: شروا أنفسهم، ولا يزالون عبر التاريخ يفعلون أعمالا إجرامية وإفسادًا وإهلاكًا وتخريبًا في ديار المسلمين وهو بينه وبين نفسه يظن أن فيه نصرًا للأمة، هذا من أخطر ما يكون وهذا فيه تحذير من النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمة من ذلك قال: (وإذا وقع السيف لم يُرفع إلى يوم القيامة) لأن من يرفع السيف يستشري فيه هذا الشر ويظن أنه يعمل على نصر الإسلام وعز الإسلام وهو على خلاف ذلك. ثم قال:


((وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان)).


قبلها حفظك الله.


((ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين)).


(لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين) يلحقوا بهم إما بالذهاب إليهم مرتدين عن الإسلام، أو بالارتداد عن الإسلام. ويلحقون بهم أي: يلحقون بدينهم، فلا يلزم أن يلحق بهم أنه يذهب بجسده، إما أن يلحق بهم مرتداً ويذهب إليهم بجسده أو يبقى ولكنه معهم، لحق بهم في عقيده وديانته، فهذا فيه إشارة إلى أنه سيوجد مرتدين وفعلاً وجد.


وأبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أول عمل باشره ماذا؟ اقتتال المرتدين، وهذا من شواهد صدق النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- (ولا تقوم الساعة -أيضاً- حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان) يعبدون الأوثان أي: يعبدون غير الله من حجر أو شجر أو قبر، أو ضريح أو قبة أو شجر (لا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان) وإذا أردت أن تنظر مصداق قول النبي -عليه الصلاة والسلام- فانظر إلى واقع عددٍ مِن مَن هم في ديار المسلمين من الإقبال على القباب يذبح لها ويسجد لها ويمد يديه داعياً سائلاً للمقبور، يستغيث به، ويطلب منه الشفاء، ويطلب منه العافية، ويصرف له العبادة التي لا تصرف إلا لله -سبحانه وتعالى-.


ومثل هذا الحديث ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب آلياتُ نساء دوس على ذي الخلصة) يعني: يطفن حول هذا الصنم وهذا الوثن يطفن حول ذي الخلصة، فهذا عودة لعبادة الأوثان وهو الشاهد هنا من سياق الحديث بطوله لباب: (ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان).


((وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي))


وهذا أيضاً من أمارات نبوته -عليه الصلاة والسلام- قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي) وأنت إن طالعت التاريخ تجد أن مدعي النبوة في قديم الزمان وحديثه أكثر من هذا العدد، أكثر من هذا العدد بكثير؛ لكن أهل العلم يقولون المراد بالثلاثين أي: من كان لهم ظهور، لهم شوكة، لهم أتباع، أما من يأتيه مرض فبعض الناس يأتيه مرض أو يأتيه وسوسة أو يأتيه اختلاط أو مثلاً يتعاطى مخدرًا ثم يفسد عقله ويقول: أنا نبي فهذا ليس المراد، وإنما المراد بـ (الثلاثون) يعني: الذين صار لهم ظهور ولهم شبهات ولهم أتباع وما إلى ذلك.


(كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي، أنا خاتم النبيين) يعني: ختمت النبوات بنبوته -عليه الصلاة والسلام- كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رَّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].


((ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-)).


ثم ختم -عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث العظيم المبارك بهذه البشارة، هذه بشارة خير بشر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو بشير نذير -عليه الصلاة والسلام- والحديث فيه بشارة وفيه نذارة وختمه بهذه البشارة العظيمة قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من ناوءهم حتى تقوم الساعة) يعني: هم منصورون بنصر الله -تبارك وتعالى-.


(على الحق) أي: ثابتون عليه مستمسكون به معتصمون بكتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة) (إلى أن تقوم الساعة) أي: (تقوم الساعة) المراد بها الريح التي تُرسل في آخر الزمان فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ثم لا يبقى إلا شرار الخلق فعلى أولئك تقوم الساعة، هذه بشارة ببقاء الحق وثبات أهله وحفظ الله -سبحانه وتعالى- لهم، فالحق باقٍ بعز عزيز وبذل ذليل، الله -تبارك وتعالى- تكفل بحفظه ومن الخير للإنسان أن يجاهد نفسه بأن يكون من أنصار هذا الحق وأعوان هذا الحق ويكتب في عداد هؤلاء حتى يفوز بسعادة الدنيا والآخرة.



أسئلة الموقع






الأخ الكريم -حفظه الله- من فرنسا سؤاله حقيقة سؤال رائع جدًا وعظيم وأيضًا في الوقت نفسه يدل على خير وعلى رغبة في الخير، فمثل هذا السؤال لا يصدر إلا عن رغبة في الخير وحرص عليه، فأخونا الكريم -سلمه الله- يقول: كيف نستطيع أن نميز بين أئمة الضلال وأئمة الهدى، وخاصة إذا كان الإنسان ليس عنده علم؟ فما هي المقاييس التي يميز بها بين أئمة الحق وأئمة الهدى؟


فأقول للأخ الكريم ولكل من يسأل هذا السؤال العظيم: دعاة الحق لهم علامات ولهم أمارات، فأنت إذا عرفت أماراتهم وعلاماتهم وصفاتهم فإنك تأخذ عنهم، وأيضًا أهل الباطل لهم علامات، لهم علامات تدل عليهم، فأمارات أهل الحق أنهم معتصمون بالكتاب والسنة معولون على الكتاب والسنة، وهذه أبرز علاماتهم، فهو داعية إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- دائماً إذا حدثك يحدثك: "قال الله وقال رسوله -عليه الصلاة والسلام-" يذكر لك الآية ويذكر لك الحديث.


بخلاف أصحاب الأهواء فتجد مصدرهم في التلقي ومصدرهم في الاستدلال أشياء أخرى مثل أن يأتي بالحكايات أو بالمنامات أو يأتي مثلاً بالتجارب التي يبني عليها عقائد أو يأتي بالأمور العقلية والفلسفات المنطقية أو مثلاً الأذواق أو ما إلى ذلك فيستدل بها.


فصاحب الحق يستدل بـ"قال الله وقال رسوله -عليه الصلاة والسلام-" ثم داعية الحق هو في الحقيقة هو لا يدعو إلى نفسه وإنما يدعو إلى دين الله ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ﴾ [يوسف: 108] يدعو إلى الله -سبحانه وتعالى- وإلى دينه -سبحانه وتعالى-.


أما داعية الباطل فهو يريد تكثير أتباعه وتكثير أعوانه ويريد الأشياء التي تخصه وتعنيه، الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- يقول: «وددت لو دخل الناس في دين الله أفواجاً وقرض جسمي بالمقاريض» ما يعنيه أن يكون له ظهور، أو يكون له بروز، أو يكون له أتباع، أو يحرص على أن يمد يده للناس يتمسحون ويقبلون وأشياء من هذا القبيل.


فمن همه نفسه فهذا ليس من أمارات دعاة الحق، داعية الحق لا يرى نفسه وإنما همه نشر الدين وبيان الحق والهدى.


أيضاً من علامات دعاة الحق: المحافظة على الطاعة وخصال الخير، تجده في حفاظه على الصلاة على العبادة على طاعة الله -سبحانه وتعالى- والصلاة حقيقة ميزان دقيق لمعرفة أهل الحق فتجد صاحب الحق محافظا على الصلاة معتنيا بها، سعيد بن جبير -رحمه الله- يقول: «ما فاتتني تكبيرة الإحرام من أربعين سنة» تكبيرة الإحرام يقول: «ما فاتتني من أربعين سنة» أحد السلف يقول: «إذا رأيت الشخص يفوت تكبيرة الإحرام -يعني يستديم هذا الأمر فاغسل يديك منه» فأصحاب الحق تجده محافظا على الصلاة معتنيا بها مهتما بها، إذا نودي إلى الصلاة ترك حديثه وترك عمله، أحد السلف -وكان نجاراً- كان إذا رفع المطرقة ليضرب بها المسمار وقال المؤذن: الله أكبر رماها قبل أن يضرب المسمار. رمى المطرقة ما يكمل حتى الضربة التي هوى بيده، إذا قال: الله أكبر. رمى المطرقة وقام يصلي، فالشاهد أن هؤلاء لهم علامات وأولئك لهم علامات.


ومن المفيد جدًا للإنسان أن يعرف أهل الحق، وأذكر مرة في كتب التراجم أن أحدهم سافر من منطقة إلى منطقة ليروي عن أحدهم حديثاً -لاحظ دقتهم في التحري- فلما وصل إلى المكان، إلى الرجل هذا الذي يريد أن يروي عنه الحديث وجده ممسكا بثوبه وأمامه دابة له كانت شاردة فكان أوهمها أن داخل الثوب فيه علف من أجل أن يمسكها فلما رآه بهذه الصفة تركه؛ لأنه أحس أن عنده أشياء.


الابتلاءُ بهذه الطريقة لمعرفة أهل الحق وعنايتهم بالحديث. الآن بعض أهل الباطل لما رأوه من عناية أهل الحق بالحديث والسنة والقرآن والآيات أنا أذكر أن أحدهم مرة قال لي: إن مشايخنا مشايخ دعاة الضلال يقول: قالوا لنا إذا التقيتم بهؤلاء الدعاة انتبهوا احذروا منهم. وقال بالحرف الواحد قال: إذا التقيتم بالوهابية قال: احذروا منهم، قالوا لهم: إن علامتهم دائماً أن يقول لك: قال الله قال رسوله. انتبه لا يضرك. يعني علامته، فإذا جاء المسكين وسمع آيات وأحاديث يقول: صدق مشايخنا جزاهم الله خير نصحونا، فيترك الآيات والأحاديث إلا إذا الله -عز وجل- سَلَّمَهُ وحماه فينفتح قلبه وهذا مثلما جاء ﴿لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: 26].


الشاهد أن أهل الحق لهم علامات وأهل الباطل لهم علامات، ومن المفيد جدًا أن الإنسان يعرف علامات هؤلاء وعلامات هؤلاء، وأيضًا في هذا المقام يكثر من سؤال الله -سبحانه وتعالى- أن يسدده وأن يوفقه وأن يدله على الحق ودعاة الحق وعلى أهل الحق، يسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفتح عليه.


الأخ الكريم يقول: درج كثير من الناس أنه إذا مرض أحدهم مرضاً مستعصياً مثلاً فإنه يذهب لبعض الشيوخ المعروفين بالقراءة على المرضى، فإذا علموا أن هناك شيخاً بمنطقة ما مثلاً قرأ على فلان وعوفي ذهب إليه، فإذا علموا أن هناك شيخاً أشهر من الأول في القراءة في منطقة أخرى ذهبوا إليه، وهكذا يتنقلون، فالسؤال: أليس هذا الفعل يعد مدخلاً للغلو في الصالحين؟ كما أنه يؤدي إلى التعلق بالشيخ القارئ من دون الله أو مدخلاً للشرك؟.


أولاً: الكلام على الاسترقاء هذا مر معنا في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث قال في صفات السبعين ألف قال: (لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فالاسترقاء جائز لكن الأولى عدمه، وأذكر أنه مرَّ معي في ترجمة طاووس أنه عاد مريضاً فقال: (ادعُ لي، قال: ادعُ لنفسك) والله -تبارك وتعالى- يقول: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: 62] فالذي ينبغي على الإنسان أنه يكون إذا ابتلي بمرض أو بشيء من هذا أن يُقبل على الله -سبحانه وتعالى- ويلح عليه بالسؤال ويقرأ على نفسه ما تيسر، فاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي ونحو ذلك، ويطلب الشفاء من الله -سبحانه وتعالى-.


وأما الاعتقاد في الأشخاص والسفر إليهم والتعظيم الزائد عن الحد فهذا يجر الإنسان إلى ما ذكره أخونا الكريم في سؤاله.


وعلى كل حال فالاسترقاء جائز لكنه خلاف الأولى والذي ينبغي على الإنسان أنه يرقي نفسه ويُقبل على الله -سبحانه وتعالى- بالسؤال والطلب والإلحاح والدعاء حتى يمن عليه بالشفاء والعافية مع الثقة بالله -سبحانه وتعالى-.


الأخت الكريمة من سوريا تقول: ما هو حكم الشرع والعقيدة الإسلامية فيما يُعرض من الصور التي فيها إعجاز أو غرائب من قدرات الله -سبحانه وتعالى-؟ مثل الأشجار على شكل كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والسمك والصخرة الساجدة والشجرة الراكعة... إلخ، فهذا بين مؤيد ومعارض ونريد حكم الشرع في ذلك؟.


هو هذه الأمور كثير منها لا يخلو من تكلف، ويتكلف أصحاب هذه الأشياء أو من يريدون هذه الأشياء بغرض بيان عظمة الدين وعظمة الله -سبحانه وتعالى- وهذه العظمة هي ظاهرة بدون هذا التكلف.


فعلى كل حال بعض الناس يتكلف أشياء من هذا القبيل ويحاول أن يطوع الأشياء، يعني: مثلاً يدعوك إلى نظر في صخرة ويقول: انظر لفظ الجلالة (أل) هذه مكتوبة هكذا، وانظر اللام. ويجعلك تدقق النظر إلى أن تصل باضطرار إلى أن فعلاً اللام ويكون فيه تكلف زائد عن الحد ومحاولة لإقناع بتكثير عرض الأمر وإظهار الشواهد والدلائل حتى بعضهم من كثرة كلامه وإقناعه ربما يقنع الشخص بأشياء غير مطابقة للواقع، لكن من كثرة جدله وقوة عارضته وبيانه للأمور وفلسفته، يعني: بعض الفلاسفة يقولون عنه: يستطيع أن يقنع بعض الناس أن الجدار الذي خلفه أبيض إذا كان لونه أحمر، هذا لا يُحمد –حقيقة- هذا نوع من التكلف والتنطع، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (هلك المتنطعون) فما ينبغي حقيقة الخوض في مثل هذه الأشياء التي فيها شيء من التقعر والتنطع والتكلف والحمد لله عظمة الله -عز وجل- وقدرته مثل ما جاء في قول الشاعر:


وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد


الأخت الكريمة من السعودية تقول: ما هي الطريقة التي ينبغي أن أتعامل بها مع أهل البدعة علماً بأن لي جيراناً مبتدعة يدعون إلى طلب الحوائج عند القبور؟ هل نهجرهم؟ أم نزورهم مع النصيحة؟.


إذا كنتم تملكون النصيحة وتأمنون على أنفسكم من الشبه التي يوردها أهل الباطل وأهل الضلال فالنصيحة مطلوبة والدعوة مبذولة للجار وللبعيد وللقريب تُبذل لكل أحد، أما إذا كنتم تخشون على أنفسكم من شبهات هؤلاء، ومن أن يضركم اتصالكم بهم فالمحافظة على رأس المال وعلى الدين لا شك أنه هو المطلوب، وتحذرون منهم وتحتاطون، وأما إذا كان في ذلك مواصلتهم بالهدية أو كسب لهم، تأليف لهم، ودعوة لهم، وترغيب لهم للهداية والاستقامة ودخولها فهذه من الدعوة (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمر النعم) وهذا أيضاً يؤكد على هذه الأخت ومثيلاتها العناية بكتب العقيدة ودراسة التوحيد، تدرس التوحيد لنفسها ولغيرها، لعل الله -سبحانه وتعالى- يحيي بها قلوبا ميتة، ماتت بالشرك وأنا أريد أن أذكر بمناسبة هذا السؤال فائدة نفيسة:


كلكم يعرف الحديث الصحيح الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: (دخلت امرأة بغي الجنة) بماذا؟ (سقت كلب) نعم سقت كلباً سقته ماء فغفر الله لها؛ لأن بهذا الماء سقت هذا الكلب وروت ظمأه ودبت الحياة فيه فغفر الله لها بهذا الذي يسره الله على يديها بسقايتها لهذا الكلب، إذا كانت سقت كلباً ما فكان سَبَباً لغفران الله لها، فكيف بمن يسقي الناس التوحيد؟ كيف بمن يسقي الناس التوحيد؟ التوحيد هو الحياة، الله قال في القرآن: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام: 122] وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: 24] أعظم هدية وأعظم شيء تقدمه للإنسان أن تقدم له التوحيد ولاسيما إذا كان مبتلى بهذه الشركيات وهذا الباطل حمانا الله وإياكم.


الأخ الكريم يقول: كيف نجمع بين الآية والحديث فيما يلي: الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ [النساء: 64] وفي الحديث الذي في رؤيا الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (والنبي وليس معه أحد)؟


الأخ الكريم من الجزائر يقولون: إن شخصا خرج من القبر!! وتعرض لعذاب القبر، يا شيخ ما صحة ذلك؟ يا شيخ هل يمكن أن يطلع؟ يقولون أنه تعرض لعذاب القبر، ما صحة هذا الكلام؟


يقول: أنه تعرض لعذاب القبر وأنه خرج أمام الناس؟ هذا مجمل الذي فهمناه من السؤال.


الأخت الكريمة تقول: إذا كان لدى شخص بعض الأشياء في جانب القضاء والقدر، شبهات في القضاء والقدر، فهل يستمر في بعض المسائل الدقيقة المتعلقة بالعقيدة والمتعلقة بالقدر؟ هل يستمر فيها ويقرأ فيها؟.


لعلنا نبدأ بسؤال الأخت ثم نعود إلى السؤالين السابقين.


الأخت تقول: فيما يتعلق بالقدر هل للإنسان أن يتعمق فيه ويبحث في دقائق مسائله أو أنه ليس له ذلك؟


جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا ذكر القدر فأمسكو) والمراد بالإمساك هنا: عن أنواع من المسائل مثل الأسئلة الاعتراضية التي تأتي على بعض الناس يعترض لماذا فعل الله كذا؟ ولماذا لم يفعل كذا؟ هذه أسئلة باطلة.


وكذلك التكلف والتنطع والتعمق، فكل هذا يدخل في الإمساك الذي أُمرنا به، أما معرفة أمور القدر ومراتب القدر ومراتب التقدير والأدلة من الكتاب والسنة فهذا أصل من أصل الإيمان المهمة العظيمة التي ينبغي للإنسان أن يعتني بها، وهنا خوض الإنسان في هذا الباب ينبغي أن يكون في ضوء الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة بعيداً عن شبهات أهل الضلال وآراء أهل الباطل.


الأخ الكريم من الجزائر يقول: أريد السؤال عن مسألة سماع الموتى بكلام الزائرين لهم؟ عندنا في الجزائر من آل البوادي يسمعون للصوفية ومن يبث لهم قولاً بأن الموتى يسمعون ويحسون بالزائر ويشوشون على العامة فلذلك هذا التشويش قد يشغلهم عن الانحراف إلى عبادة القبور، أريد تفصيل في هذه المسألة؟.


الأخ الكريم من السعودية يقول: في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ [النساء: 64] والجمع بين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث أنه لا يأتي يوم القيامة والنبي معه أحد؟.


الحديث الذي ذكره الأخ مر معنا في هذا الكتاب، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (رأيت النبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد) وهنا الآية يقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ [النساء: 64] فأشكل على الأخ أن الله قال: ﴿لِيُطَاعَ﴾ مع أن الرسل منهم من لم يُطَع مطلقاً من قومه، ومنهم من أطاعه الرجل والرجلان، ومنهم من أطاعه الثلاثة والعشرة، ومنهم من لم يطعه أي واحد من قومه، والله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ﴾ [النساء: 64] والمراد بقوله: ﴿إِلاَّ لِيُطَاعَ﴾ هو المراد أيضاً بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴿56﴾﴾ [الذاريات: 56] أي: أن الغاية من خلق الناس العبادة، والغاية من إرسال الرسل الطاعة لكن قد يطاعوا وقد يعصوا مثلما قال الله -عز وجل-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ﴾ [النحل: 36] فإذن قوله: ﴿إِلاَّ لِيُطَاعَ﴾ أي لهذه الغاية، أرسل لكي يُطاع، العلة في إرساله والغاية من إرساله أن يُطاع مثلما قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴿56﴾﴾ [الذاريات: 56] خلقهم لهذه الغاية فقد يعبدوا وقد لا يعبدوا، فإذن هو خلقهم، خلقهم ليفعلوا الثانية لا ليفعل هو بهم الثانية، ننتبه لهذا خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهو العبادة، وهنا أرسل الرسل لأجل أن يُطاعوا لكن قد يطيعهم أقوامهم وقد يعصونهم ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ﴾ [النحل: 36].

منقول من موقع
http://www.al-sunna.net/

عاطف صلاح
02-15-2010, 11:56 AM
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمومنين والمومنات الاحياء منهم والاموات