ash111
12-19-2009, 09:16 PM
من وحي الضريبة العقارية
http://www.almesryoon.com/images/%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9.jpg
د. سعيد سلامة
الضريبة العقارية- جسدت أمامنا ما درسناه في المدارس عن الضرائب التي كانت تفرض على أهل مصر من قبل من تعاقبوا على حكمها من الأغراب. فقدر شعب مصر أن يكون كالبقرة الحلوب التي يحلبها كل من يمر عليها حتى جف ضرعها وأصبح ينزف دماً بدلا من أن يدر لبناً.
فالرومان- أخذاً عن البطالمة- فرضوا ضريبة الرأس بمعنى أن كل من يبلغ من الذكور سن الرابعة عشرة تؤدي عنه ضريبة سنوية حتى بلوغ سن الخامسة والستين. حتى المماليك الذين جلبوا إلى مصر ليخدموها، فإذا بهم يحكموها ويسخروا مواردها لأغراضهم الشخصية ويفرضون الضرائب كلما حلت بالبلاد أزمة، ولم يهتموا لا بتنمية ولا بعمران فانتشرت المجاعة وتفشت الأوبئة. ونذكر أيضاً نظام "الملتزم" في أثناء الحكم العثماني الذي كان يحصل على امتياز تحصيل الضرائب من ناحية محدودة وتسديدها إلى الخزانة، ثم يقوم بفرض ضرائب وأتاوات ليس ليعوض ما دفعه فحسب، وإنما أيضاً ليحقق فائضاً.
وفي أثناء وجود الفرنسيين في مصر اشتعلت الثورات بسبب الضرائب المفروضة. وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عاد الولاة العثمانيون إلى فرض ضرائب وإتاوات، وحين تولى محمد على حكم مصر زادت الضرائب المفروضة وتنوعت ما بين ضريبة الميري على الأراضي إلى ضريبة التمغة على بعض المصنوعات، إلى ضريبة الرءوس التي فرضت على الذكور متى بلغوا الثانية عشرة، وضرائب النخيل والمواشي، وعلى أصحاب الحرف والراقصات والعازفين حتى المأكولات والنشوق لم تنج من الضرائب.
كان من نتيجة ما سلف أن تدهورت الأوضاع، ولكن اللافت للنظر هو تضامن الأهالي في تسديد الضرائب . ومن الطريف أن بعض الأهالي طلبوا من محمد على إبعاد مجموعة من الراقصات بسبب إتيانهن ما يخالف التقاليد، فرفض محمد على ولم يوافق إلا بعد أن تعهد الأهالي بدفع قيمة الضريبة المستحقة عليهن. وللإنصاف فقد أسهمت بعض هذه الضرائب في نهضة البلاد التي لا تزال آثارها بادية للعيان.
واليوم كلما احتاجت حكومتنا إلى المال التفتت إلى الشعب لتعصره عصراً... فمن ضريبة المبيعات إلى الضرائب على تسيير السيارات، وضرائب النظافة... والضرائب على جثامين الموتى المشحونة من الخارج، وأخيراً الضريبة العقارية التي تلزم كل من يمتلك وحدة سكنية أن يؤدي عنها ضريبة سنوية قابلة للزيادة عاماً بعد عام. ولم يبق العودة إلا إلى فرض ضريبة على الرءوس.
وليس لأي من هذه الضرائب ما يبررها إذ يبدو أن الحكومة تحصلها لصرف المرتبات المليونية لبعض ذوي الحظوة ولتعويض الملايين التي تنفق على الكرة والمهرجانات والمليارات التي تهرب إلى الخارج، ولتعويض خسارة المشروعات الفاشلة. والمحزن أن هذه الضرائب لا تعود إلى الناس في صورة خدمات حقيقية، فكل ما لدينا من تعليم وصحة ومرافق صوري.
لقد كان من نتيجة هذه الضرائب أن تفشت الرشوة بشكل ليس له نظير، وكأن الناس يفرضون ضرائب على بعضهم البعض. أن فرض الضرائب على النحو القائم الآن وما يستجد مستقبلاً علاوة على زحف الأسعار من شأنه أن يدمر المجتمع، ذلك أن الثورة بدلاً من أن تتجه إلى الخارج في مواجهة الظلم- كما الحال فيما مضى- اتجهت إلى الداخل ليواجه الناس بعضهم بعضاً وقد أصبحوا لا يطيق بعضهم بعضاً،وانتشرت السرقة والقتل وانصرف الجميع عن العمل المنتج خاصة وأن عائده لا يصيبهم.
نريد إجابة عن السؤال الذي يدور حائراً بين الناس... ما هي الحكمة في فرض ضريبة على وحدة سكنية تلم شمل أسرة ربما تعيش بالكاد، وبأي منطق سيتم إعادة تقييم الضريبة كل حين لزيادتها طبقاً لما يستجد على الحي الذي تقع فيه الوحدة السكنية من خدمات.
ولكن لاتثريب على وزير المالية، وإنما على ممثلي الشعب الذين أقروا هذه الضريبة الغريبة وهم يرفلون في النعيم.
http://www.almesryoon.com/images/%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9.jpg
د. سعيد سلامة
الضريبة العقارية- جسدت أمامنا ما درسناه في المدارس عن الضرائب التي كانت تفرض على أهل مصر من قبل من تعاقبوا على حكمها من الأغراب. فقدر شعب مصر أن يكون كالبقرة الحلوب التي يحلبها كل من يمر عليها حتى جف ضرعها وأصبح ينزف دماً بدلا من أن يدر لبناً.
فالرومان- أخذاً عن البطالمة- فرضوا ضريبة الرأس بمعنى أن كل من يبلغ من الذكور سن الرابعة عشرة تؤدي عنه ضريبة سنوية حتى بلوغ سن الخامسة والستين. حتى المماليك الذين جلبوا إلى مصر ليخدموها، فإذا بهم يحكموها ويسخروا مواردها لأغراضهم الشخصية ويفرضون الضرائب كلما حلت بالبلاد أزمة، ولم يهتموا لا بتنمية ولا بعمران فانتشرت المجاعة وتفشت الأوبئة. ونذكر أيضاً نظام "الملتزم" في أثناء الحكم العثماني الذي كان يحصل على امتياز تحصيل الضرائب من ناحية محدودة وتسديدها إلى الخزانة، ثم يقوم بفرض ضرائب وأتاوات ليس ليعوض ما دفعه فحسب، وإنما أيضاً ليحقق فائضاً.
وفي أثناء وجود الفرنسيين في مصر اشتعلت الثورات بسبب الضرائب المفروضة. وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عاد الولاة العثمانيون إلى فرض ضرائب وإتاوات، وحين تولى محمد على حكم مصر زادت الضرائب المفروضة وتنوعت ما بين ضريبة الميري على الأراضي إلى ضريبة التمغة على بعض المصنوعات، إلى ضريبة الرءوس التي فرضت على الذكور متى بلغوا الثانية عشرة، وضرائب النخيل والمواشي، وعلى أصحاب الحرف والراقصات والعازفين حتى المأكولات والنشوق لم تنج من الضرائب.
كان من نتيجة ما سلف أن تدهورت الأوضاع، ولكن اللافت للنظر هو تضامن الأهالي في تسديد الضرائب . ومن الطريف أن بعض الأهالي طلبوا من محمد على إبعاد مجموعة من الراقصات بسبب إتيانهن ما يخالف التقاليد، فرفض محمد على ولم يوافق إلا بعد أن تعهد الأهالي بدفع قيمة الضريبة المستحقة عليهن. وللإنصاف فقد أسهمت بعض هذه الضرائب في نهضة البلاد التي لا تزال آثارها بادية للعيان.
واليوم كلما احتاجت حكومتنا إلى المال التفتت إلى الشعب لتعصره عصراً... فمن ضريبة المبيعات إلى الضرائب على تسيير السيارات، وضرائب النظافة... والضرائب على جثامين الموتى المشحونة من الخارج، وأخيراً الضريبة العقارية التي تلزم كل من يمتلك وحدة سكنية أن يؤدي عنها ضريبة سنوية قابلة للزيادة عاماً بعد عام. ولم يبق العودة إلا إلى فرض ضريبة على الرءوس.
وليس لأي من هذه الضرائب ما يبررها إذ يبدو أن الحكومة تحصلها لصرف المرتبات المليونية لبعض ذوي الحظوة ولتعويض الملايين التي تنفق على الكرة والمهرجانات والمليارات التي تهرب إلى الخارج، ولتعويض خسارة المشروعات الفاشلة. والمحزن أن هذه الضرائب لا تعود إلى الناس في صورة خدمات حقيقية، فكل ما لدينا من تعليم وصحة ومرافق صوري.
لقد كان من نتيجة هذه الضرائب أن تفشت الرشوة بشكل ليس له نظير، وكأن الناس يفرضون ضرائب على بعضهم البعض. أن فرض الضرائب على النحو القائم الآن وما يستجد مستقبلاً علاوة على زحف الأسعار من شأنه أن يدمر المجتمع، ذلك أن الثورة بدلاً من أن تتجه إلى الخارج في مواجهة الظلم- كما الحال فيما مضى- اتجهت إلى الداخل ليواجه الناس بعضهم بعضاً وقد أصبحوا لا يطيق بعضهم بعضاً،وانتشرت السرقة والقتل وانصرف الجميع عن العمل المنتج خاصة وأن عائده لا يصيبهم.
نريد إجابة عن السؤال الذي يدور حائراً بين الناس... ما هي الحكمة في فرض ضريبة على وحدة سكنية تلم شمل أسرة ربما تعيش بالكاد، وبأي منطق سيتم إعادة تقييم الضريبة كل حين لزيادتها طبقاً لما يستجد على الحي الذي تقع فيه الوحدة السكنية من خدمات.
ولكن لاتثريب على وزير المالية، وإنما على ممثلي الشعب الذين أقروا هذه الضريبة الغريبة وهم يرفلون في النعيم.