الإستطلاع: المحاسبة عن التضخم
هذا التصويت مفتوح (مرئي) للجميع: كافة الأعضاء سيشاهدون الإختيار الذي قمت بتحديده ، فيرجى الإنتباه إلى هذه النقطة .
خيارات إستطلاع
المحاسبة عن التضخم

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 05-15-2012, 02:18 PM
  #1
عمرو عادل فؤاد
مشارك فعال
 الصورة الرمزية عمرو عادل فؤاد
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: القاهرة
العمر: 38
المشاركات: 199
افتراضي المحاسبة عن التضخم

بسم الله الرحمن الرحيم




الجوانب التطبيقية للمنهج الإسلامي
في المحاسبة عن التضخم






إعداد
دكتور / محمد عبد الحليم عمر
أستاذ مساعد – تجارة الأزهر
1989م

تمهيد

الحاجة إلي البحث موضوعه :
من المعرون أن تواجد زيادة أو ارتفاع في المستوي العام للأسعار لجميع الدول، ولقد بدأت هذه الظاهرة بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية وذادت حدتها الآن بشكل كبير( )، ويتوقع لها الاستمرار إن شاء الله في المستقبل المنظور وهذا الارتفاع يدل من جانب أخر علي الانخفاض في القوى الشرائية للنقود وينطلق عليهما معاً مصطلح التضخم( ) ولما كانت المحاسبة تستخدم النقود كأداة للقياس، فانه في ظل ارتفاع الأسعار تكون القيم التي سجلت بها العمليات المالية في تاريخ حدوثها مختلفة عن القيم الجارية في تاريخ إعداد القوائم المالية الأمر الذي يجعل البيانات المحاسبية المعدة عن هذه العمليات غير متناسقة لقياسها البنود المالية بوحدات نقود ذات قوة شرائية مختلفة، كما أنها من جانب آخر تكون غير متفقة مع الواقع لإظهارها العناصر أو البنود المالية بقيمة أقل من القيمة الحاضرة لها . ويترتب علي ذلك أن البيانات المحاسبية لا تظهر النتيجة الصحيحة لأعمال المشروعات من ربح أو خسارة ولا المركز المالي الصادق لها بجانب قصورها عن إمداد متخذي القرارات بالمعلومات الصحيحة كل فيما يخصه .( )
ومن أجل ذلك اهتم المحاسبون ( )سواء علي المستوي الفكري وبدءا من أوائل القرن العشرين، أو علي المستوي التطبيقي خاصة في الدول المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية، إلى البحث عن حل مناسب لعلاج هذه المشكلة فيما يعرف "بالمحاسبة عن التغيرات في الأسعار" أو المحاسبة عن التضخم" والتي يمكن تعريفها بأنها "مجموعة الأسس والأساليب والإجراءات التي يعتمد عليها وتستخدم في تعديل قيم العناصر أو البنود في القوائم المالية وفقاً لما يحدث من تغيرات في الأسعار – وهو الارتفاع في حالة التضخم – وكيفية الإفصاح عن ذلك التعديل وكيفية التصرف فى ناتج التغيرات" .
وبالرغم من إجراء العديد من الدراسات والبحوث العلمية وإصدار عدد كبير من التوصيات المهنية والقرارات الحكومية حول هذا الموضوع, إلا أنه محل جدل ونقاش علمي وعملي، ولذلك لم يتم التوصل بعد إلى حل للمشكلة سواء علي المستوي الفكري التطبيقي، فعلي المستوي الفكري يقول أحد الكتاب : "لقد قدم عدد كبير من الباحثين في المواضيع المحاسبية منذ الحرب العالمية الأولي وحتى وقتنا الحاضر اقتراحات عديدة لحل مشكلة التضخم المالي ولكن حتى الآن لم يتفق المحاسبون علي حل لهذه المشكلة ( )" ويؤكد ذلك كاتب آخر بعد استعراضه لما تم من مجهودات في هذا المجال بقوله : "وعلي ضوء ما تقدم يمكننا القول أن التطور التدريجي للمحاسبة عن آثار التضخم سوف يحتاج إلي الاستمرار في البحث والتجريب( )أما علي المستوي التطبيقي فإنه يلاحظ أن بعض الدول المتقدمة فقط هي التي تهتم بالمشكلة ولغرض تداول أسهم الشركات في البورصة، وأن هناك ترددا في التطبيق داخل كل دولة يتمثل في التعديلات المتكرر وعلي فترات قصيرة في التوصيات المهنية والقرارات الحكومية التي تصدر بشأن المحاسبة عن التضخم.( ) كما أن لجنة الأصول المحاسبية الدولية والمشكلة من المنظمات المهنية المحاسبية علي مستوي العالم تقرر بأنه "لا يوجد حتى الآن إجماع دولي علي طريقة واحدة لتعكس واقع الأسعار المتغيرة علي البيانات المالية .. ولذا فإن اللجنة ترى ضرورة المزيد من التجربة قبل النظر في إلزام المؤسسات بتجهيز البيانات المالية الأساسية مستخدمة نظاما شاملا وموحدا لتبيان الأسعار المتغيرة" ( ) .
ولما كان الفكر الإسلامي يعتبر أحد روافد الحضارة الإنسانية قديماً فإنه يمكن أن يستمر كذلك في الوقت الحاضر وإلي ما شاء الله لأن منابعه هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والقرآن محفوظ والسنة باقية، كما أن الشريعة الإسلامية اهتمت بالأمور المالية في تميز واضح وسبق مميز يظهر في موضوع بحثنا كما يصوره أحد كتاب المحاسبة بقوله "إذا رجعنا إلي مفاهيم ( ) الدين الإسلامي" الحنيف وتمعنا بمفهوم الزكاة لوجدنا بأن الإسلام نظر إلى مشكلة التضخم المالي منذ أكثر من 1400 سنة وقدم خلاّلها وذلك لا يظهر في فقه الزكاة فقط وإنما في فقه المعاملات المالية من بيوع وشركات ومداينات وغيرها .
لكل ما سبق من عدم التوصل إلى حل للمشكلة في الفكر والتطبيق المحاسبي والمعاصر، ومن سبق وتميز الفكر الإسلامي في الاهتمام بالمشكلة وتقديم الحل لها, فانه من الأهمية بمكان بيان موقف الفكر الإسلامي منها، وتزداد هذه الأهمية بالنسبة للدول الإسلامية لزيادة معدلات التضخم بها وخطوتها علي تحديد الحقوق والالتزامات التي اهتمت بها الشرعية الإسلامية، ولأن التطبيق المحاسبي يجب أن تختلف من دولة لأخرى طبقاً لعدة اعتبارات منها النواحي الدينية( ) من أجل ذلك تبرز الحاجة إلى إعداد هذا البحث الذي لا ندعي ا،ه يبين الموقف الكامل للفكر الإسلامي من المشكلة – بل نحاول فيه اللقاء الضوء علي بعض الجوانب التطبيقية للمحاسبة عن التضخم، بتحديد أهم ملامح المنهج الإسلامي ثم ذكر أهم المجالات التي تستخدم فيها البيانات المحاسبة وبيان كيفية إعداد البيانات كما تظهر بالقوائم المالية في ظل ارتفاع الأسعار وفقا لهذا المنهج، وهذا هو موضوع البحث أما الهدف من القيام به فهو:
أهداف البحث: إن الهدف النهائي للبحث – شأن أية دراسة إسلامية – هو إعلاء كلمة الإسلام ببيان ما فيه من خير للمسلمين وللإنسانية جمعاء، آما الأهداف القريبة فتتمثل فيما يلي:
1- التعرف علي الملامح العامة للمنهج الإسلامي في المحاسبة عن التضخم.
2- بيان كيفية تطبيق هذا المنهج في إعداد البيانات المحاسبية اللازمة للأغراض المختلفة.
محددات البحث: توجد بعض الأمور التي تحكم إعداد هذا البحث من أهمها ما يلي:
‌أ- أن المحاسبة عن التضخم لا تعني القضاء علي الحد من التضخم ذاته كعرض لأمراض اقتصادية – فهذا شأن علم الإقتصاد – وإنما تهتم بكيفية تسوية آثاره علي البيانات المحاسبية.
‌ب- أن المحاسبة عن التضخم تبني علي مجموعة الأسس التي تنظم المعاملات المالية في المجتمع وتتصل بكيفية تحديد الأرباح ورأس المال والحقوق والالتزامات علي اختلاف صورها لأطراف المعاملات في ظل تغير الأسعار بالارتفاع، وهي أمور اهتمت بها الشريعة الإسلامية بشكل كبير، غير أن تناولها في العلوم الإسلامية لم يرد مصنفاً بهذا العنوان "المحاسبة عن التضخم" في فصل أو باب أو كتاب وإنما نجد الأفكار المتصلة بالموضوع متناثرة في أبواب الفقه وكتب التفسير والحديث والنظم الإسلامية، ولذلك فإننا سوف نقوم باستقائها من مصادرها ونعمل علي إعادة تصنيفها طبقاً لأسلوب تناول الموضوع في الفكر المحاسبي المعاصر.
‌ج- أن يراد الآراء الفقهية المتصلة بالموضوع لا يقصد منه مناقشتها والترجيح بينها طبقاً لدلالتها لاستخراج الحكم الشرعي لها، فهذا شأن الدراسات الفقهية وإنما نوردها كدليل علي ثراء الفقه الإسلامي ومرونته ثم تنطلق منها إلى تحليل النتائج المحاسبية المترتبة عليها.
‌د- إن الارتفاع في الأسعار وإن كان أحد مظاهر التضخم إلا أنه قد توجد حالات لارتفاع الأسعار دون وجود تضخم فيما يعرف بالتغيرات الطبيعية في الأسعار أو التغيرات في الأسعار النوعية، ونظراً لتماثل آثارها علي البيانات المحاسبية فإنها عادة ما تدرج كلها تحت عنوان المحاسبة عن التضخم، ولذلك فإننا سوف نستشهد بما ورد في الفكر الإسلامي عن كل أنواع التغيرات لبيان موقفه من المشكلة .
خطة البحث: يمكن أن تنتظم خطة البحث بما يتفق مع موضوعه وأهدافه ومحدداته في المباحث التالية:
المبحث الأول : الملامح العامة للمنهج الإسلامي في المحاسبة عن التضخم .
المبحث الثاني : المحاسبة عن التضخم بغرض تحديد وعاء الزكاة .
المبحث الثالث : المحاسبة عن التضخم بغرض تحديد حقوق الشركاء.
المبحث الرابع : المحاسبة عن التضخم بغرض توفير البيانات لاتخاذ القرارات .

والله ولي التوفيق ،،،،

المبحث الأول
الملامح العامة للمنهج الإسلامي في المحاسبة عن التضخم

لما كانت المحاسبة عن التضخم تقوم علي تعديل قيم البنود أو العناصر في القوائم المالية بناء علي ما يحدث من التغيرات في الأسعار بالارتفاع ، وأن ذلك يتم بالدرجة الأولي من أجل المحافظة على رأس المال والتحديد السليم للأرباح ويستخدم في التعديل عدة طرق مع مراعاة الأغراض التي يتم من أجلها إعداد البيانات المحاسبية، فإنه يمكن التعرف علي لملامح العامة للمنهج الإسلامي بدراسة موقف الفكر الإسلامي من هذه الأمور " التغيرات في الأسعار – المحافظة علي رأس المال – تحديد الأرباح – طرق التعديل – أغراض إعداد البيانات المحاسبية" وهذا ما سنتعرف عليه في الفقرات التالية :
أولاً: موقف الفكر الإسلامي من التغيرات في الأسعار: يمكن التفرقة في هذا المجال بين ثلاث حالات لتغيرات الأسعار هي:
‌أ- التغيرات في الأسعار النوعية: وهي تغير أسعار بعض السلع أو مجموعة منها، وموقف الفكر الإسلامي من ذلك يقوم علي اعتباره أمراً عادياً إن وقع نتيجة التراضي الكامل بين المتعاملين أو ما يعرف اقتصادياً بظروف العرض والطلب المستقرة .ويتعامل مع الأسعار الجديدة في بناء بعض الأحكام الشرعية عليها، وهذا ما حدث في عهد عمر بن الخطاب برفع قيمة الدية حيث جاء "أن الدية كانت في العهد النبوي ثمانمائة دينار أو ثمانمائة ألف درهم – قيمة مائة من الإبل – فلما كان عهد عمر بن الخطاب خطب فقال : إن الإبل قد غلت فقومها علي أهل الذهب ألف دينار وعلي أهل الورق – الفضة – اثني عشر ألف درهم"( ) وهنا تعامل عمر مع السعر الجديد للإبل الذي زاد بمعدل 25%، ومع تغير سعر الصرف بين الدينار والدرهم بالزيادة من 1 : 10 في العهد النبوي إلى 1 : 12 في عهده .
‌ب- التغير في المستوي العام للأسعار بسبب لا دخل للإنسان فيه : وهو ما يعرف في الفكر الاقتصادي بالتغيرات الطبيعية أو العادية في الأسعار بسبب انتقال الاقتصاد من مستوي نشاط إلى مستوي نشاط آخر فترتفع الأسعار في حاله الرواج وتنخفض في حالة الكساد، ويمكن أن نفهم موقف الفكر الإسلامي من هذا التغير من قول ابن القيم "فإذا كان التجار يبيعون سلعهم علي الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد غلا السعر اما لقلة الشيء – نقص العرض – أو لكثرة الخلق – زيادة الطلب – فهذا إلى الله"( ) وهذا ما يمكن في ظله تفسير امتناع الرسول  عن التسعير فيما روي" غلا السعر علي رسول الله صلي الله علية وسلم قالوا: يا رسول قد غلا السعر، فسعر لنا فقال: "إن الله المسعر القابض الباسط وأني لارجو أن ألقي الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" ( ) حيث فسر بعض الكتاب ( ) هذا الامتناع علي أن الارتفاع في الأسعار كان طبيعيا، وهي الحالة التي يعبر عنها الفقهاء بحوالة الأسواق ويبنون عليها كثيراً من الأحكام الشرعية.
‌ج- التغير في المستوي العام للأسعار بسبب تدخل الإنسان: تدخلا يؤدي إلى الإخلال بالتوازن في العلاقة التبادلية بين النقود والسلع والخدمات عن طريق اتباع سياسات اقتصادية غير سليمة، وهذه الحالة هي التي يدخل فيها التضخم وتمثل الارتفاع غير الطبيعي في الأسعار يقابله انخفاض في القوة الشرائية للنقود. أما عن موقف الفكر الإسلامي من هذه التغيرات فإننا يمكن أن نتفهمه من موقفه من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه التغيرات كما يحددها الكتاب المعاصرون( ) من أهمها الفائدة (الربوية) والاحتكار بأنواعه والتوسع في إصدار النقود والتمويل بالعجز في الموازنة العامة والإسراف في تكاليف الإنتاج وفي الإنفاق الاستهلاكي وكلها أمور كما نري تدخل في إطار التحريم الشرعي، الأمر الذي يؤكد أن الموقف المبدئي والأصيل للفكر الإسلامي من هذه التغيرات هو الحد منها أو عدم وجودها في مجتمع إسلامي( ) ، ومع ذلك فإن عدم التزام المسلمين بأحكام وتوجيهات الإسلام في المجال الاقتصادي أدي ومنذ وقت ليس بالقصير إلى تقلبات في القوة الشرائية للنقود وما يصاحبه من تغيرات غير طبيعية في الأسعار، وقد واجه الفقهاء المسلمين ذلك فيما يعرف بفقه النوازل في المسائل المعروفة في الفقه بكساد وانقطاع ورخص وغلاء النقود( ) وبينوا الأحكام الشرعية في أثر هذه التغيرات علي المعاملات المالية خاصة سداد الديون من قروض وأثمان البيع الآجل والمشاركة بما تتغير قيمته من النقود . ونخرج من ذلك إلى أن الفكر الإسلامي يعترف بالتغيرات في الأسعار – إن وقعت – في بناء بعض الأحكام الشرعية عليها، ولما كانت آثار هذه التغيرات أيا كانت نوعها ملي البيانات المحاسبية واحدة، حيث تسجل هذه البيانات عند حدوثها بقيم معينة في ضوء الأسعار السائدة والتي تمت بها، ثم تتغير هذه القيم في ضوء الأسعار الجديدة عند إعداد القوائم المالية، فهل يلزم أخذ هذه التغيرات في الاعتبار؟ إن الإجابة علي ذلك تقتضي التعرف علي موقف الفكر الإسلامي من المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم لأرباح باعتبارهما المقصودين بالدرجة الأولي من المحاسبة عن التضخم وهذا ما سنتعرف علية في الفقرات التالية :
أ‌- ثانياً : المحافظ علي رأٍس المال مطلب إسلامي: والأصل في ذلك ما جاء عن علي ابن أبي طالب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "مثل المصلي كمثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يخلص له رأس ماله، كذلك المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة"( ) ومن هذا الحديث الشريف نفهم إن المحافظة علي رأس المال مطلب ضروري حيث ورد في الحديث موردا للمثل كفريضة واجبة، وهذا ما عليه إجماع المفكرين المسلمين علي اختلاف تخصصاتهم فيقول المفسرون في تفسير قوله تعالي:﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ "مطلوب التجارة سلامة رأس المال والربح، ولا يقال لمن يسلم له رأس ماله قد ربح"( ) . ويقول الفقهاء "الربح التابع ورأس المال أصل فلا يسلم الربح بدون سلامة الأصل" ( )ولكن هل هذه السلامة تتطلب المحاسبة عن التضخم هذا ما سنتعرف عليه في النقطة التالية:
ب‌- المفهوم الإسلامي للمحافظة علي رأس المال : تأخذ المحافظة علي رأس المال في الفكر المحاسبي ثلاث معان هي: ( )
1- المحافظة علي رأس المال النقدي : أي المحافظة عليه من حيث عدد وحداته النقدية، بمعني أنه لو كان رأس المال 100000 جنية مثلا فإن المحافظة عليه وفقا لهذا المفهوم تعني بقاءه بهذا المبلغ بصرف النظر عن الانخفاض في القوة الشرائية لهذا المبلغ .
3- المحافظة علي القوة الشرائية لرأس المال :
نظراً لما ثبت من عدم صحة فرضية ثبات القوة الشرائية للنقود الذي يقوم عليها المفهوم الأول وحدوث الانخفاض فيها في ظل التضخم، تحول المقصود من المحافظة علي العدد النقدي لرأس المال إلى المحافظة علي القوة الشرائية والتي تتناقص فيظل التضخم، بما يقتضي تعويض هذا النقص في صورة إضافة عدد آخر من وحدات النقود لرأس المال من الإيرادات قبل القول بوجود أرباح، فلو كان رأس المال 100000 جنية في أول المدة وكان معدل التضخم 20% مثلا فإنه للمحافظة علي القوة الشرائية لرأس المال آي الـ 100000 جنية يجب أن يزاد إلى 120000جنية (100000× ) .

4- المحافظة علي الطاقة التشغيلية لرأس المال : ويقوم هذا المعني علي أن رأس المال لا يظل في صورته النقدية بل يستثمر في عدة أصول تستخدم في النشاط لتحقيق الإيرادات، ولذلك فإن المحافظة عليه يجب أن تنصرف إلى صورته الاستثمارية أو إلى أصول المستثمرين فيها بالفعل، بمعنى القدرة علي استبدال ما استخدم منها في أداء النشاط وإعادتها إلى ما كانت عليه من حيث طاقتها التشغيلية، وفي ظل التضخم فإن أسعار الأصول ترتفع وبالتالي يلزم أن يقوم المستخدم منها في صورة تكلفة المبيعات والإهلاك بالتكلفة الاستبدالية، وبالتالي فهذا المعني ينصرف إلى المحافظة علي قدرة رأس المال مقوما بقيمة الأصول المستثمر فيها، أما المعني السابق فهو ينصرف إلى المحافظة علي قدرته مقوما بأسعار جميع السلع والخدمات كما يعبر عنها المستوي العام للأسعار والتي قد تنقص أو تزيد عن أسعار الأصول المستثمر فيها بما يجعل المعني الثالث أكثر تحقيقاً للمحافظة علي رأس المال .
وبالنظر في هذه المعاني للمحافظة عري رأس المال نجد أن الفكر الإسلامي لم يتردد في الاختبار بينها وإنما يقف بصورة مبدئية من المعني الثالث "المحافظة علي الطاقة التشغيلية لرأس المال" كما يظهر من عدة أدلة منها:
الدليل الأول: يقسم الفقهاء( ) الأموال إلى نقود وعروض(أصول أو سلع) ويحددون المقصود من النقود بأنه المعاملة وليس الانتفاع بأعيانها، وهذه المعاملة هي كونها آثمانا أي قدرتها الشرائية في الحصول علي العروض والتي يحددون المقصود منها بأنه الانتفاع برأس المال النقدي يجب أن يتحول – يستثمر – إلى عروض يتم الانتفاع بها عن طريق استخدامها في النشاط لتحقيق الأرباح وهذا ما يصوره الألوس بقوله "التجارة التصرف في رأس المال طلبا للربح"( ) وهذا التصرف لا يكون بتأجير رأس المال النقدي مقابل فوائد ثابتة لأن ذلك ربا تحرمه الشريعة الإسلامية، وإنما التصرف يكون بالحصول علي العروض وتحويرها (بالإنتاج) أو تقليها (بالشراء والبيع) وبذلك ينصرف معني المحافظة علي رأس المال إلى المحافظة علي هذه العروض، ليست محافظة مادية فقط ضد السرقة والإتلاف وغيرها من صور الضياع – وهي مطلوبة شرعاً – وإنما المحافظة علي المقصود من حيازتها وهو قدرتها علي تحقيق الأرباح، وهذا لن يتحقق في ظل التضخم إلا بإمكانية إحلال واستبدال ما أستخدم منها بقيمته الجديدة المرتفعة، وفي ذلك يقول أحد المفسرين "إن المقصود من التجارة سلامة رأس المال مع حصول الربح، ولئن فات الربح في صفقة فإنما يتدارك في صفقة أخري لبقاء الأصل"( )- رأس المال – وبقاءه المقصود هو من حيث قدرته علي تحقيق الأرباح وهذا يكون بإعادة ما أستخدم من الأصول المستثمر فيها إلى ما كانت عليه بأسعارها الجديدة المرتفعة .
الدليل الثاني: إذا كان الدليل السابق قائما علي الاستنتاج فان هذا الدليل يركز بصورة مباشرة علي أن المقصود من المحافظة علي رأس المال هو المحافظة علي قيمته وليس عدده فلقد جاء "لأن رأس المال عند قسمة الربح يحصل باعتبار المالية لا باعتبار العدد" ( ) ومالية الشيء قيمته، وحيث أن رأس المال مستثمر بالفعل في أصول مختلفة، إذا تكون المحافظة علي ماليته هي المحافظة علي قدرته الشرائية في إعادة أو استبدال ما أستخدم من هذه الأصول بأسعارها الجديدة المرتفعة.
الدليل الثالث : ويبين بطريقة عملية كيفية تحقيق المحافظة علي رأس المال وفق هذا المعني عن طريق القدرة علي استبدال المستخدم من العروض أو الأصول وفق الأسعار الجديدة المرتفعة وليس وفق الأسعار الذي سبق أن اقتنيت بها – أي التكلفة التاريخية – وفي ذلك يقول الطبري في صورة تقريرية "إن الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس – أغلي – من سلعته أو افضل من ثمنها الذي يبتاعها به – أي سوف يشتريها به لإحلالها بغيرها – أما المستبدل من سلعته بدلا دونها أو دون الثمن الذي يبتاعها به فها الخاسر في تجارته لا شك"( ) وتفسير ذلك محاسبيا بمثال مبسط، لو أن تاجرا رأس ماله 1000 جنية أشتري بها سلعة وباعها بمبلغ 1300جنية، وعند إعادة الشراء ليستمر في نشاطه وفي ظل ارتفاع الأسعار أصبح سعر شراء نفس السلعة 1400جنية، ففي الظاهر انه كسب أو ربح 300 جنية (1300- 1000) ولكنه في حقيقة الأمر لم يربح بل حقق خسارة تتمثل في عجز رأس المال في صورة النقدية(1300 المبلغ المتوفر لديه) عن إحلال سلعة جديدة بملغ 1400جنية، وبذلك نقصت قدرة رأس المال بملغ 100جنية هي الفرق بين المبلغ المطلوب 1400جنية والمبلغ المتوفر لديه1300 جنية.
ثالثاً : الموقف من تحديد الأرباح : إن التحديد السليم للأرباح في الفكر الإسلامي يرتبط أولاً بسلامة رأس المال، ولذا جاء تعريفهم للربح بأنه،"تحصيل الزيادة علي رأس المال"( ) وتحصيل هذه الزيادة مشروط بسلامة رأس المال من حيث قوته التشغيلية كما سبق القول، غير أن الأمر له بعد آخر يتمثل في الأغراض المختلفة من تحديد الأرباح فمن المعروف محاسبياً أن تحديد الربح يمر بمراحل ثلاث هي: (التولد- الظهور – القسمة أو التوزيع) والأمر في تحديده أو الاعتراف به في كل مرحلة يرتبط في الفكر الإسلامي بالغرض من هذا التحديد علي الوجه التالي:
أ- في فقه الزكاة : فإن النماء بجميع صوره يخضع للزكاة – سواء كان ربحاً - أو غلة أو فائدة – علي خلاف بين الفقهاء في تحديد الفترة (الحول) الذي يخضع فيه للزكاة – كما سيأتي بعد – وسواء كان النماء حقيقياً أو تقديرياً، ومن هنا فإن الاعتراف بالأرباح في فقه الزكاة يكون في مرحلة التولد أي بمجرد تحقيقها وتولدها جاء تعريف الفقهاء للربح بغرض الزكاة بأنه زيادة قيمة عروض التجارة، سواء كانت هذه الزيادة بالنمو أي الزيادة العينية المتصلة ككبر الشجر، والزيادة المنفصلة كثمر الشجر المعد للتجارة، أو الزيادة في القيمة بدون نمو العين نتيجة ارتفاع الأسعار، وسواء تم ظهور الربح بالبيع أو لم يتم بيع العروض بعد . وسوف نعود ألي ذلك تفصيلا في المبحث الثاني.
ب-في فقه الشركات:
1- في شركات الأموال – بالمفهوم الفقهي – وهي التي يقدم كل شريك فيها حصة في رأس المال فإنه لغرض المحافظة علي رأس المال كمطل إسلامي أصيل يتم الاعتراف بالأرباح في مرحلة التولد، ولكن عند تحديد الأرباح بغرض القسمة أو التوزيع فانه ذلك يقتصر علي أرباح النشاط وفي مرحلة الظهور بالبيع، أما أرباح الحيازة الناتجة عن ارتفاع الأسعار فلا توزع لأنها مشغولة بحاجة أصلية وهي المحافظة علي قيمة رأس المال، وبذلك يتم تحديدها ثم إظهارها كربح رأسمالي لا يوزع كما سيأتي بعد.
2- في شركات المضاربة: فإنه لغرض المحافظة علي رأس المال تتم المحاسبة علي ارتفاع الأسعار لتحديد ربح الحيازة الذي يكمل النقص في رأس المال ولا يوزع، أما أرباح النشاط فإنها تحدد في مرحلة البيع، وأما الأرباح القابلة للتوزيع بين رب المال والمضارب فإنها تحدد في مرحلة رابعة وهي "النضوض" أي التحصيل النقدي لاثمان المبيعات.
ونخرج من ذلك إلى أن مقتضيات المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح وفق المفهوم الإسلامي في ظل تغيرات الأسعار تتطلب المحاسبة عن التضخم بمعني تعديل قيم البيانات المحاسبية التي تستخدم للتعرف علي كلاً منهما في القوائم المالية، وهنا نتساءل بأي طريقة يتم هذا التعديل؟ هذا ما سنتعرف عليه في الفقرة التالية :
رابعاً : موقف الفكر الإسلامي من طرق المحاسبة عن التضخم : إذا كانت المحاسبة عن التضخم تقوم علي تعديل قيم البنود أو العناصر المالية في ضوء ما حدث من ارتفاع في الأسعار فانه يوجد أسلوبين أو طريقتين للوصول إلى ذلك هي:
أ‌- طرقة التكلفة التاريخية المعدلة: وتقوم علي تعديل القوة الشرائية للنقود إلى تم بها قياس العناصر عند حدوثها إلى القوة الشرائية الجارية للنقود عند إعداد القوائم المالية، أي إنها تركز في التعديل علي وحدات القياس (النقود) وبما أن المظهر الملموس للتغير في القوة الشرائية هو التغير في المستوي العام للأسعار كما تظهره الأرقام القياسية العامة للأسعار لذلك فإنه يتم تحديد قيمة العنصر وفق المعادلة التالية:
التكلفة التاريخية للعنصر × الرقم القياسى للأسعار فى نهاية المدة (عند القياس )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
الرقم القياسى للٍأسعار فى بداية المدة (سنة الأساس)
= قيمة العنصر بوحدات نقود ذات قوة شرائية جارية.
ورغم أن هذه الطريقة تعتمد في الوقت الحاضر على أساليب إحصائية "الأرقام القياسية للأسعار" والتي تعد الآن في جميع دول العالم، إلا أن فكرتها الأساسية – وهي الربط بين قيمة العنصر وأسعار سلعة الأخرى- عرفت قديماً في الفقه الإسلامي عندما نوقشت مسألة "رخص وغلاء النقود" – أي التغير في وقتها الشرائية – وأثرها علي سداد المديونات، حيث جاء عند من يجيز السداد بالقيمة في حالة الرخص أو الكساد أو الانقطاع للنقود يربط قيمة الدين – من الفلوس بوجه خاص – بقيمة ما يساويه من الذهب والفضة عند إتمام المعاملة التي ترتب عليها الدين قرضاً أو ثمن بي آجل، بل أن هناك من الفقهاء من قال بربط قيمة الفلوس بأسعار السلع كما جاء "وقال سحنون، وإذا أسقطت – انخفضت قيمة الفلوس – يتبعه بقيمة السلعة يوم قبضت لأن الفلوس لا ثمن لها" ( ) .
ب- طريقة القيمة الجارية : وهي نتيجة مباشرة إلى الشيء المقيس (العنصر أو الأصل) وتحدد قيمة كل عنصر علي حدة في ضوء ما حدث مم تغير في أسعاره هو وليس في أسعار السلع كما نقضي بذلك الطريقة الأولي، وتعتبر هذه الطريقة أصدق في التعبير عن قيمة العنصر في تاريخ إعداد القوائم العمالية أو قد يكون معدل التغير في أسعار بعض الأصول أكبر أو أقل من معدل التغير في القوة الشرائية للنقود كما تعبر عنه التغيرات في المستوي العام للأسعار، بل قد تكون أسعار بعض الأصول لم تتغير أو آخذة في الانخفاض رغم ارتفاع المستوي العام للأسعار مثلما حدث في السنوات الأخيرة بانخفاض في أسعار الحاسبات الإلكترونية .

وبالتالي فهي تعدل قيمة العنصر في ضوء ما حدث تغير في أسعاره سواء كان ذلك بسبب التغير في القوة الشرائية للنقود أو بسبب التغيرات الطبيعية أو النوعية في الأسعار، وإذا كانت القيمة الجارية هي قيمة العنصر الآن فإنه يمكن الوصول إلى ذلك بثلاث طرق فرعية هي( ) :
1- القيمة الحالية : وهي صافي قيمة التدفقات النقدية المتوقع الحصول عليها من الأصل بعد خصمها بمعدل خاصم مناسب
2- القيمة البيعية : وهي القيمة المتوقع الحصول عليها من بيع الأصل (سعر البيع)
3- القيمة الاستبدالية: وهي المبلغ اللازم لاستبدال أو إحلال العنصر بعنصر مماثل له
أما عن استخدام هذه الطرق في المحاسبة عن التضخم، فبالنسبة للفكر المحاسبي المعاصر, كانت طريقة التكلفة التاريخية المعدلة هي الأكثر انتشارا في بداية الأمر ثم بدأ التحول عنها أخيراً إلى القيمة الجارية بمفهوم القيمة الاستبدالية كما يقول كما يقول أحد الكتاب "إن المحاسبة وفقاً للتكلفة الاستبدالية هي فكرة أحدث نسبياً ويبدو أنها لقيت قبولاً عاماٌ في كثير من الدول"( ) وهناك اتجاه ظهر كثيراً بالمزج بين الطريقتين فيما يعرف بطريقة القيمة الجارية المعدلة.
وعلي العكس من ذلك نجد أن الفكر الإسلامي يقوم علي استخدام طريقة القيمة الجارية من الأصل وليست اكتشافا حديثاً بالنسبة له ويستخدمها بكل مفاهيمها الثلاثة طبقاً للغرض من إعادة التقويم كما سيأتي تفصيلاً فيما بعد :
- فالقيمة الجارية بمفهوم القيمة البيعية: تستخدم في تقويم عروض التجارة بغرض الزكاة
- والقيمة الجارية : بمفهوم القيمة الاستبدالية : تستخدم في التقويم بغرض المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح
- والقيمة الجارية : بمفهوم القيمة الحالية : يقول بها الفقهاء المالكية في تقويم ديون التجارة بغرض الزكاة، بل أن الفكر الإسلامي يذهب إلى أبعد من ذلك تحقيقاً للعدالة بين المتعاملين ويقول بطريقة "القيمة المستقبلية" وتطبق في حالة التصفية لشركات المضاربة إن كانت هناك بضاعة لم تبع بعد وسعرها المستقبلي المتوقع اكبر من سعرها الحالي، فيبني الحكم فيها علي القيمة المستقبلية كما جاء "قال مالك: ليس لرب المال جبر العامل علي بيع سلعة قراضه لأخذ رأس ماله (التصفية) وينظر الأمام، إن رأي وده بيعها عجلة وإلا أخره إلى ابان سوقها – رواجها وارتفاع أسعارها – كالحبوب تشتري في الحصاد ترفع لابان إنفاقها والضأن تشتري قبل النحر – عيد الأضحى – ترفع ليومه"0( ) وبذلك نجد أن الفكر الإسلامي عرف كل الطرق وأخذ بصفة أساسية بطريقة القيمة الجارية التي تمثل اكتشافا حديثا للفكر المحاسبي المعاصر، وأنه يستخدم معها وفي حالات محددة الطرق الأخرى لأغراض معينة سنتعرف عليها فيما بعد
خامساً : الموقف من الربط بين المحاسبة عن التضخم والغرض من استخدام البيانات المحاسبية: من المعروف أن البيانات المحاسبية تستخدم في أغراض عديدة، وليس من الضروري أن تكون البيانات التي تفيد في غرض معين هي نفس البيانات التي يحتاج إليها في فرض آخر، ومن أجل ذلك تختلف أسس إعداد البيانات اللازمة لكل غرض منها، وإذا كان ذلك أمر مقررا في نظرية المحاسبة( ) فإن عدم مراعاة بالنسبة لموضوع المحاسبة عن التضخم في الفكر والتطبيق المحاسبي المعاصر يعد من أهم أسباب التأخر في حل المشكلة كما يقول أحد الكتاب "حتى الوقت الحاضر لم يتفق المحاسبون علي حل لمشكلة التضخم المالي، ربما يرجع فشل حل هذه المحاولات إلى عدم اتفاق المحاسبين حتى الآن علي الأغراض التي من أجلها تحضر البيانات الختامية المحاسبية والتي عن طريقها يمكن إنشاء نظام محاسبي صحيح يهدف لتحقيق هذه الأغراض, وإذا كان هدف المحاسبة تحقيق أغراض مختلفة فيجب عندئذ استعمال أسس محاسبية مختلفة كل منها يبغي تحقيق غرض معين"( )
وإذا نظرنا إلى الفكر الإسلامي من هذه القضية نجد أن الأمر لا يمثل مشكلة، كما يظهر من التحليل التالي:
1- أن المحاسبة كوسيلة – لتحديد الحقوق والالتزامات يجب أن ترتبط بمقصود الشريعة الإسلامية من تنظيم المعاملات المالية التي تمثل مجال عمل المحاسبة ويترتب عليها تلك الحقوق والالتزامات، ومقصود الشريعة يتلخص في العمل علي تحقيق النفع لطرفي المعاملة في عدالة وصدق وتراضي كامل بينهما بعيداً عن الظلم والجهالة والإكراه وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى المنازعة
2- لذلك فإنه باستقراء الصور الفقهية التي تتعلق بتحديد قيم المعاملات في ظل تغير الأسعار نجد أنه يختلف من معاملة إلى أخري فهناك حالات تتم بالتكلفة التاريخية بدون تعديل مثل بيع الشفعة والمردودات (فسخ البيع والإقالة) وهناك حالات يتم فيها التعديل مثل تقويم عروض التجارة بغرض الزكاة
3- واقترابا أكثر من الموضوع نجد أن تحديد الأرباح – علي سبيل المثال – بغرض الزكاة يختلف عن تحديد الأرباح بغرض(القسمة) أو توزيع علي الشركاء، كما أن التعديل ينصب علي البنود التي لها علاقة بالغرض من إعداد البيانات ففي الزكاة تعدل عروض التجارة، أما عروض القنية (الأصول الثابتة) فلا تعدل لأنها لا تخضع للزكاة
وبعد التعرف علي الملامح العامة للمنهج الإسلامي في المحاسبة عن التضخم، سوف نحاول في المباحث التالية التعرف علي النواحي التطبيقية ( ) لهذا المنهج في الأغراض الرئيسية التي تعد من أجلها البيانات المحاسبية وهي تحديد الزكاة وتحديد حقوق الشركاء وتوفير البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات 0

المبحث الثاني
المحاسبة عن التضخم بغرض تحديد وعاء الزكاة
أولاً : أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند تحديد وعاء الزكاة في ظل التضخم
أ‌- أن الزكاة عبادة مالية يثاب المسلم علي أدائها ويتقرب بها إلى الله عز وجل ( ) وكلما زاد الوعاء وأتسع كلما زادت وزاد ثوب المسلم وازداد قريباً من الله سبحانه وتعالي‘ كما أنها من وجه آخر تمثل موردا ماليا للمحتاجين، والإسلام يحض الأغنياء والقادرين علي مد يد العون إليهم، وبناء علي ذلك يراعي في تقويم بنود الوعاء كل ما يؤدي إلى زيادته واتساعه وهو ما يؤكد عليه الفقهاء في تقيم عروض التجارة الخاضعة للزكاة بقولهم "تقوم السلع إذا حال عليها الحول بالأحظ المساكين ( ) وأيضاً قولهم "تقوم بما هو أنفع للفقراء"( ) وعلي هذا فإنه في ظل التضخم وارتفاع الأسعار تقوم الموجودات الخاضعة للزكاة بأعلى سعر وهو القيمة الجارية – بمفهوم القيمة البيعية – وهو ما يجمع عليه الفقهاء كما سنوضحه بعد
ب- أن توقت التقويم يكون وقت وجوب الزكاة في نهاية الحول، أو وقت الأداء أي عند تحصيل الزكاة فعلا، علي خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه حيث يقول هو بالرأي الأول وهما بالثاني ( ) ونفس الخلاف ورد لدي الشافعية ( ) وأثر ذلك علي تحديد وعاء الزكاة أنه في ظل التضخم وارتفاع الأسعار تكون قيمة الوعاء يوم الأداء أعلي من قيمة يوم الوجوب إن كان فاصل زمني بينهما، وذلك ما يتفق مع ما ورد في بند (أ) بالتقويم بالأنفع للفقراء 0
جـ- أن الذي يدخل معنا هو زكاة عروض التجارة لان وعائها يتكون من أنواع مختلفة من الأموال يلزم ضمها ( )إلى بعض عن طرق التقويم لتحديد الوعاء، أما باقي أنواع الزكاة فيتكون من وعائها من نوع واحد من الأموال يقدر وعائها عينا لا قيمة
د- أن وعاء الزكاة فى عروض التجارة يتحدد – بلغة الفقه – في المال النامي ونمائه وذلك ينطبق علي عروض التجارة(الأصول المتداولة) أما عروض القنيه (الأصول الثابتة) فلا زكاة فيها اتفاقا ( ) وتفسير ذلك بلغة المحاسبة أن الوعاء يتحدد في صافي الأصول المتداولة أو صافي رأس المال العامل والأرباح المتولدة عنه التي ترد مفرداتها في كل من قائمة المركز المالي، وبناء علي ما سبق فإنه يلزم تعديلها في ظل التضخم وفقاً لما يلي 0
ثانياً : إعداد قائمة الدخل : من المعروف أن قائمة الدخل تعد للتعرف علي نتيجة أعمال المشروعات من ربح أو خسارة، والربح في مفهوم فقه الزكاة يدخل في عموم الزيادة علي رأس المال بين أول الحول وآخره ويطلق علي هذه الزيادة مصطلح "النماء" والذي يشمل كل من الربح والغلة الفائدة، وهذا النماء بأنواعه الثلاثة يخضع للزكاة اتفاقاً، لكن الخلاف بين الفقهاء يدور حول ما يعرف بمسألة "ضم النماء لأصله في الحول"( ) حيث يري الحنفية ( ) ضم الأنواع الثلاثة لأصل المال في الحول، بينما يري المالكية( ) ضم الربح فقط علي أن يستأنف بالغلة والفائدة حولا جديداً من يوم استفادتها، أما الشافعية فيرون ضم الربح والغلة مع احتراز هو عدم نض جزء من العرض( ) – أي بيع السلعة – وأما الحنابلة فإنهم مثل الشافعية يرون ضم الربح والغلة دون التقيد بعدم النض( )، ويظهر أثر هذا الخلاف محاسبياً في أن يضم كل من الأنواع الثلاثة لأصله في الحول يظهر في قائمة الدخل عن السنة الذي حدث فيها لأصل المال في تحديد الوعاء، أما ما يتقرر عدم ضمه فإنه يظهر في قائمة الدخل في السنة التالية للسنة التي حدث فيها
وإذا كانت المذاهب الثلاثة – المالكية والشافعية والحنابلة – متفقون علي عدم ضم الفائدة وبالتالي يتفق مفهومهما لديهم في أنها تعبر عن الزيادات الرأسمالية مثل الإضافات لرأس المال وإيرادات بيع الأصول الثابتة، فإنه لا اختلاف حول ضم الغلة أختلف مفهومهم للربح وفق الأتي :
1- الشافعية والحنابلة يرون أن الربح هو "زيادة قيمة عروض التجارة"( ) سواء كانت بسبب الزيادة في عين العروض بالنمو ككبر الشجر وسمن الدابة، أو بالناتج منها خلال فترة حيازتها قبل بيعها كصوف الحيوان وثمر الشجر المعد للتجارة، أو كانت بسبب الزيادة في القيمة لارتفاع الأسعار ( )
2- أما المالكية فيفرقون بين الزيادة في العين أو بالناتج منها ويطلقون عليها الغلة وبلغة المحاسبة الإيرادات العرضية ويرون إنها لا تضم إلى أصل المال في الحول بل يستقبل المزكي بها حولا جديداً من يوم استفادتها، وبين الزيادة في القيمة ويعتبرونها ربحاً كما جاء تعريفه لديهم بأنه "الربح ما ذاد من ثمن سلع التجارة علي ثمنها الأول ذهبا أو فضة" ( ) سواء ظهرت هذه الزيادة بالبيع أو لم تظهر بعد
والذي يمكن أن نخرج به من هذا العرض الموجز ويؤثر علي إعداد قائمة الدخل في ظل التضخم بغرض تحديد وعاء الزكاة هو ما يلي :
1- أن الارتفاع في الأسعار يؤخذ في الاعتبار اتفاقاً عند تحديد وعاء الزكاة من النماء 0
2- أن الاعتراف بالإيرادات بمعني إظهارها في قائمة الدخل يتم طبقاً لما يعرف في الفكر المحاسبي بأساس النمو أو أساس الإنتاج وبلغة الفقه النماء الفعلي أو التقديري، دون الانتظار لعملية البيع أو التحصيل 0
3- أن تحديد الربح الخاضع للزكاة يتم علي أساس المقارنة بين القيمة الجارية للعروض وتكلفتها التاريخية 0
5- أن الخلاف الوارد بين الفقهاء في مسألة الضم وفقاً لما سبق ذكره لا يمتد إلى التقويم وإنما إلى إظهار بعض المفردات في قائمة الدخل عن السنة التي حدثت فيها أو السنة التالية لحدوثها،وبتطبيق ذلك علي بنود قائمة الدخل يظهر الآتي:
(1)- المبيعات: تظهر بقيمتها التي حدثت بها لأنها تعادل قيمتها الجارية وقت حدوثها 0
(2)- تكلفة المبيعات: تظهر بتكلفتها التاريخية بالنسبة لكل من بضاعة أول المدة والمشتريات لأن الربح كما سبق القول يعبر عن الزيادة في قيمة عروض التجارة عن ثمنها الأول (التكلفة التاريخية) أما بضاعة آخر المدة فتظهر بالقيمة البيعية كما سنذكره تفصيلاً فيما بعد 0
(3)- الإيرادات الأخرى : وهي الإيرادات العرضية (الغلة) والإيرادات الرأس مالية (الفائدة) وتظهر بقيمتها التي حدثت بها في قائمة الدخل، عن السنة الحالية عند من يري ضمها لأصل المال، أو تظهر في قائمة الدخل عن السنة التالية للسنة التي حدثت فيها عند من يري عدم ضمها وفقاً للتفصيل السابق ذكره0
(4)- المصروفات : تظهر بتكلفتها التاريخية لأنها مثل تكلفة المبيعات في الوصول إلى صافي الربح الخاضع للزكاة0
(5)- إهلاك الأصول الثابتة : يحسب علي أساس التكلفة التاريخية للأصول الثابتة علي أساس أن الإهلاك من التكاليف اللازم احتسابها للوصول إلى صافي الربح0
ثالثاً : قائمة المركز المالي : أن المال الخاضع لزكاة عروض التجارة هو المال النامي ونمائه، وقد تكلمنا عن النماء في الفقرة السابقة أما المال النامي فهو ذلك الجزء المستثمر من رأس المال في الأصول المتداولة وبعد طرح الخصوم المتداولة منها نصل إلي صافي الأصول المتداولة أو صافي رأس المال العامل أو النامي والذي يمثل وعاء الزكاة، وهناك طريقة أخري لتحديد الوعاء تؤدي إلى نفس النتيجة وهي تتلخص في المعادلة التالية: (حقوق أصحاب المشروع – الأصول الثابتة أو عروض القنيه) ولكن الطريق الأولي هي التي وردت لدي الفقهاء المسلمين القدامى، كما أوردها أبو عبيد بن سلام في عبارة وجيزة وشاملة بقوله "إذا حلت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض للبيع فقومه قيمة النقد وما كان من دين في ملأة (أي ديون جيدة) فاحسبه، ثم أطرح منه ما كان من الدين ثم زكي ما بقي"( )0
وبتطبيق ذلك علي بنود المركز المالي لتحديد وعاء الزكاة في ظل التضخم
يظهر الآتي :
أ‌- الأصول الثابتة (عروض القني) : نظراً لأنها لا تخضع للزكاة كما سبق القول ولأن الزيادة فيها نتيجة ارتفاع الأسعار هي جزء منها لا تخضع للزكاة لذلك تظهر بتكلفتها التاريخية ولا يشملها التعديل 0
ب‌- المخزون السلعي أو بضاعة آخر المدة : وتقوم بالقيمة الجارية – بمفهوم القيمة البيعية – أما كونها القيمة الجارية فهذا ما تدل علية أقوال عديدة منها قول السرخسي "ويقومها يوم حال عليها الحول"( ) وأيضاً قول ابن قدامة "من ملك عرضاً لتجارة فحال عليه الحول وهو نصاب قومه في آخر الحول فما بلغ نصابا أخرج زكاته" ( ) وهذا ما يحدده أبو عبيد في عبارة صريحة بقوله "قومه بنحو من ثمنه يوم حلت فيه الزكاة ثم أخرج زكاته" ( ) وأما كون القيمة الجارية هي القيمة البيعية فيقول فيه المواق "يقوم المدير عرضه بثمن عدل بما تساوي حين تقويهما لا ينظر إلى شرائها – أي التكلفة التاريخية – وإنما ينظر إلى قيمتها علي البيع المعروف دون بيع الضرورة 0 ( )
جـ- المدينون: اختلف الفقهاء في زكاة الديون علي خمسة آراء ( ) هي : إسقاط الزكاة عنها البتة، وزكاتها عند قبضها مرة واحدة وإن كان أجلها سنوات وأن كان تزكي عند قبضها لما مضي من السنين، وأن يزكيها المدين لا الدائن، والخامس وهو الأرجح أن تزكي في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين علي الاملياء المأمونين (أي ديون جديدة) أما الدين الضمار (المشكوك فيه) والمتعذر أو الميئوس منه (الدين المعدومة) ففيها رأيان أحدهما لا تجب فيه الزكاة، والثاني يزكي إذا قبضة ويحسب ما يمكن قبضة منه0 ( )
أما القيمة التي تظهر بها الديون فهي القيمة الاسمية، أي العدد لدي جمهور الفقهاء لأنه لم يرد لديهم إلا ضم الديون إلى سائر المال المزكي، أما المالكية فيرون أن تقوم الديون بغرض الزكاة بالقيمة الحالية، مع التفرقة بين دين النقد وهو ما كان أصله من قرض، وبين دين التجارة وهو ما كان أصله ثمن بيع آجل، فبالنسبة لدين القرض فهناك رأيان : أحدهما وهو المشهور يحسب عدده لا قيمته، والثاني يحسب قيمته، ( ) وأما دين التجارة (أي حسابات العملاء بلغة المحاسبة) فإن كان حالاً، أي حل موعد سداده، فيظهر بقيمته الاسمية أي عدده وان كان مؤجلا يظهر بقيمته الجارية، كما جاء لديهم "أما دين التجارة فلا خلاف أن حكمه حكم عروض التجارة يقومه المدبر" ( ) وكما جاء أيضاَ وإن كان الدين من عرض – ثمن بيع – ومؤجلا مرجوا قومه علي نفسه قيمة عدل كل عام وزكي القيمة"( ) 0 أما كيفية التقويم كما جاء في أمثلة عديدة لديهم "يقوم الدين بعرض – سلعة – ثم يقوم العرض بالنقد"( ) وتفسير ذلك محاسبياً ومن واقع الأمثلة المذكورة لديهم أنه لو كان الدين 100 جنية مثلاً، ينظر : ما هي الكمية التي يمكن أن تشتري بهذه المائة المؤجلة من سلعة ما ولتكن أقمشة مثلا؟ فإن قيل خمسة أمتار ولنفس اجل الدين، ينظر بكم تباع هذه الأمتار الخمسة بسعر النقد الآن ؟ فإن قيل 80 اعتبرت هذه الثمانين القيمة الحالية للمائة جنية المؤجلة 0
د- الأوراق المالية : والتي تتمثل في الأسهم والسندات، أما السندات فمختلف في تزكيتها ( )وأما الأسهم فكيفها الفقهاء المعاصرون كجزء من رأس مال مضاربة حيث جاء "الأسهم من الشركات التي أباحها الإسلام باسم المضاربة وهي التي تتبع فيها الأسهم ربح الشركة وخسارتها"( ) وبالتالي فهي تمثل لمالكها عروض تجارة( ) وتخضع للزكاة علي خلاف حول من يزكيها؟ الشركة المصدرة أو المساهم وهذا الخلاف مبني علي الخلاف حول من يزكي مال المضاربة؟ حيث يدور حول رأيين:
الأول: تخرج الزكاة في شهر المضاربة من مال الشركة كأحد التكاليف اللازم احتسابها للوصول إلى الربح كما يقول ابن قدامه "إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لأنها من المؤن – أي تكاليف"( ) 0
الثاني: يخرج رب المال الزكاة من ماله لا من مال الشركة كما جاء "لا يزكي العامل حصته الا عند المقاسمة – التوزيع – لسنة واحدة، وأما رب المال فإنه إذا جاء شهر زكاته زكي ما بيد العامل إن كان من مال الإدارة ويقوم سلع القراض فيزكي رأس ماله وحصته من الربح – ابن يونس – يريد تزكية من مال نفسه لا من مال القراض( ) وعلي هذا الرأي تظهر الأوراق المالية في ميزانية مالكها وليس مصدرها 0 أما القيمة التي تظهر بها في ظل التضخم فهي القيمة السوقية بناء علي ما سبق في تكيفها الفقهي بأنها عروض تجارة وما ورد في القول السابق بتقويم سلع القراض أي الأصول المستثمرة فيها الأسهم0
هـ- النقدية: إن خضوع النقود للزكاة أمر مقرر لأنها الذي يقوم به باقي البنود لتضم إلى بعضها، وإذا كان التراث الفقهي يتناول زكاة النقود بحسب ما كان موجودا من الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، فإن الرأي الفقهي المعاصر علي أن العملات الورقية المتداولة الآن تخضع للزكاة كما جاء لذلك فإن المجمع الفقهي الإسلامي يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته له حكم النقدية من الذهب والفضة فتجب الزكاة فيها"( ) أما ما يتصل بموضوعنا بخصوصها فيتمثل في نقطتين:
الأولي: أن نصاب الزكاة عروض التجارة مقدر في الأصل علي أساس 200 درهم من الفضة أو 20 دينار من الذهب، ويلزم لتحديد النصاب بالعملات المعاصرة تقديرها بهذا النصاب الأصلي، ولما كان وزن الدرهم 2.975 جرام ووزن الدينار 4.25 جراماً فإن النصاب يقدر بهذه الموازين المعاصرة، يكون النصاب للفضة(200 × 2.975 = 595 جراماً) وللذهب (20 × 4.25 = 85 جراماً) وبذلك تكون قيمة النصاب بالنقود المعاصرة هي قيمة أو ثمن 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة بالأسعار الجارية ( ) ونظر الاختلاف سعر الذهب عن الفضة الآن، فإن قيمة النصاب بينهما تختلف الأمر الذي جعل الفقهاء المعاصرين وتمشياً مع قاعدة الأنفع للفقراء في تقويم عروض التجارة بغرض الزكاة يقولون "بوجوب زكاة لأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدني النِصابين من أو الفضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة "( ) وحيث أن سعر الفضة هو الأدنى في الوقت الحاضر إذا يقدر نصاب عروض التجارة بها 0
الثانية: وهناك أمر آخر متعلق بالنقدية عند حساب الزكاة, وهو أنه إذا كانت النقدية في المشروع تتكون من عدة عملات وطنية وأجنبية، فما هو سعر الصرف الذي يستخدم لتمويل العملات الأجنبية إلى العملة الوطنية التي تعد بها بنود الميزانية ؟ إن هذه المسألة أثيرت قديماً فيما يعرف بمسألة ضم الدنانير إلى الدرهم أو العكس عند الزكاة، وتتلخص آراء الفقهاء فيها ( ) في الأتي :
يقول أبي حنيفة بالضم بالقيمة وقت الزكاة، أي بسعر الصرف الجاري، أو الضم بصرف محدود بأن ينزل الدينار بعشرة دراهم علي ما كانت علية قديماً في العهد النبوي" وهو رأي مالك أي بسعر صرف ثابت، أو الضم بمراعاة الأحوط للمساكين أي بسعر الصرف الأعلى وهو رأي الثوري، ويعتبر رأي أبو حنيفة أكثر مناسباً لتطبيقه علي العملات المعاصرة حيث لا يوجد بينهما سعر صرف ثابت .
و- الدائنون: والذي يتعلق بها في موضوعنا ما يلي:
1- إنها تطرح من إجمالي الأصول المتداولة للوصول إلى صافي الوعاء، كما في قول أبي عبيد السابق، ثم طرح ما عليك من الدين وزك ما بقي"0
2- أن تكون ديونا علي النشاط الجاري ( ) أي لتمويل رأس المال العامل، أما القروض طويلة الأجل التي حصل عليها المشروع لتمويل رأس المال الثابت (الأصول الثابتة) فلا تؤخذ في الاعتبار لأنها ترتبط بأصل غير مزكي ( )0
3- أما القيمة التي تظهر بها فهي باتفاق الفقهاء تظهر بالقيمة الاسمية فلقد جاء لديهم "أما ما عليه من الدين – الدائنون – فإنه يحسب عدده حالاً كان أو مؤجلا لأنه لو مات أو أفلس لحل المؤجل مما عليه وصار كالحال، أما ماله من الديون – المدينون – فالحال، يحسب عدده والمؤجل قيمته لأنه لو مات أو أفلس لبيع المؤجل لغرمائه"0( )
وهكذا نصل إلى تحديد القيمة التي يظهر بها كل بند من بنود قائمة المركز المالي في ظل التضخم بغرض تحديد وعاء الزكاة كما يتضح من المثال التطبيقي التالي:
تكونت شركة من أ ، ب برأس مال 500000 جنية مناصفة بينهما علي أن توزع أ ، خ بينهما بنسبة 3 ، 2 علي التوالي وخلال السنة الأولي تمت العمليات التالية:
- تم شراء أصول ثابتة بملغ 100000 جنية نقداً .
- تم شراء 1000وحدة من البضاعة للاتجار فيها بسعر 400 جنية للوحدة منها 800 وحدة بالنقد والباقي علي الحساب (بالأجل) .
- تم بيع 700 وحدة من البضاعة منها 450 وحدة نقداً بسعر 600 جنية للوحدة 150 وحدة علي الحساب بسعر الواحدة 620 جنية، 100 وحدة تم تصديرها بسعر الوحدة 200 دولار وكان سعر الصرف جنيها 2.9 جنية لكل دولار .
- تم سداد 50000جنية للموردين وتحصيل مبلغ 43000 جنية من العملاء ودفعت مصروفات مختلفة نقداً 60000 جنية 0
- فإذا علمت ما يلي: أن القيمة الاستبدالية للأصول الثابتة في نهاية السنة قبل خصم الإهلاك 120000 جنية وأن معدل الإهلاك 10% سنوياً 0
- أن سعر الصرف عند إعداد القوائم المالية 3.3 جنية لكل دولار، وأن الشركة ما زالت تحتفظ بالدولارات لديها 0
- أنه في ظل ارتفاع الأسعار أصبح سعر شراء الوحدة من البضاعة في نهاية السنة 480 جنية وسعر البيع 650 جنيهاً0
فالمطلوب: إعداد القوائم المالية في نهاية السنة0 بغرض تحديد وعاء الزكاة 0
أولاً: إعداد قوائم الدخل وتوزيعات الأرباح المقارنة:
بيان أساس التكلفة التاريخية بغرض تحديد الزكاة
مبلغ مبلغ مبلغ مبلغ
المبيعات :
بعملة محلياً نقداً= 450 وحدة × 600

421000 421000




المبحث الثالث
المحاسبة عن التضخم بغرض تحديد حقوق الشركاء
لقد نال موضوع الشركات عناية كبيرة من الفقهاء المسلمين قديماً وحديثاً، وسوف نقتصر هنا علي بيان أهم الأمور المتصلة بموضوع تحديد حقوق الشركاء المالية في ظل التضخم بما يمكننا من الاعتماد عليها في بيان كيفية معالجة البيانات محاسبياً بشأنها في القوائم المالية وذلك في الفقرات والنقاط التالية:
أولاً:أهم الأمور التي وردت في الفقه الإسلامي بشأن تحديد حقوق الشركاء في ظل التضخم:
أ‌- أثر التضخم علي حقوق الشركاء: تتحدد حقوق الشركاء المالية في كل من رأس المال والربح بالنسبة لكل شريك في شركات الأموال- بالمفهوم الفقهي- وهي التي يقدم كل شريك فيها حصته في رأس المال 0 وفي رأس المال والربح بالنسبة لرب المال، والربح فقط بالنسبة للمضارب في شركات المضاربة، ويبدأ تحديد هذه المضاربة الحقوق بالوصول على رأس المال أولاً ثم الربح جاء "والربح لا يظهر إلا بعد تحصيل رأس المال"( ) وتحصيل رأس المال يكون بالنظر إلى قيمته الجارية وقت إعداد القوائم المالية وليس بحسب عدده أو قيمته الاسمية كما جاء "أن المعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة لإظهار الربح فانه لما لم يصل إلى كل واحد منهما جميع رأس ماله لا يظهر ربح ليقتسماه بينهما"( ) وفي هذا ما يدل علي إنه إذا لم يؤخذ التضخم في الحسبان وإظهار رأس المال بقيمته الجارية فان تحديد الأرباح لن يكون سليماً وينتج عنه أن ما يوزع من أرباح علي الشركاء يكون جزء منه استرداد الجزء من رأس المال، وفي ذلك ضرر يلحق بالشركة واستمراريتها بنفس الطاقة التي بدأت بها، كما يلحق الضرر أيضاً ببعض الشركاء إن لم تكن نسبة توزيع الأرباح بينهم مساوية لنسبة حصصهم في رأس المال، ويتركز الضرر في شركات المضاربة علي رب المال كما جاء "في المضاربة يحصل رأس المال أولاً ليظهر الربح والفلوس ربما تكسد فلا تعرف ماليتها – قيمتها – بعد الكساد إلا بعد الحرز والظن، ولا وجه لاعتبار العدد – أي لرأس المال – لما فيه من الأضرار برب المال "( )ويصور أحد الفقهاء الأضرار بقوله: وربما نقصت قيمته – أي رأس المال – فيصرف المضارب جزءاً يسيراً من الكسب في رد مثله أو قيمته ثم يشارك رب المال في الباقي وفي إضرار برب المال لأن العامل يشاركه في أكثر رأس المال"( ) وأمام هذه الآثار السيئة للتضخم علي تحديد حقوق الشركاء فان الفقهاء قالوا بمجموعة من الإجراءات لمواجهتها نتعرف عليها في النقطة التالية:
ب‌- أهم الإجراءات التي وردت لمواجهة أثر التضخم علي تحديد حقوق الشركاء:
1- نوع رأس المال الذي تصح به المشاركة: يأتي تحديد الفقهاء لنوع رأس المال الذي تصح به المشاركة متصلاً اتصالا وثيقاً بموضوع التضخم وأثره علي تحديد حقوق الشركاء في رأس المال والربح، حيث يجمعون علي جواز أن يكون رأس المال من النقود الذهبية أو الفضية – الدنانير والدراهم الخالصة – فقط وذلك لثبات قيمتها نسبياً وقلة اختلاف أسواقها مما يؤدي إلي تحديد حقوق الشركاء بدقة تامة أما في حالة كون رأس المال مما تغير قيمته من وقت لآخر بالرخص والغلاء نتيجة الرواج والكساد كالعروض والفلوس فان جمهور الفقهاء علي عدم جواز المشاركة بها( ) ويأتي تبريرهم لذلك متصلا بموضوع التضخم وأثره علي تحديد حقوق الشركة في أن المشاركة بما تتغير قيمته من وقت لآخر لا يمكن من تحديد هذه الحقوق بطريقة سليمة كما جاء "لأن رأس المال عند قسمة الربح يحصل باعتبار المالية لا باعتبار العدد ومالية الفلوس تختلف بالرواج والكساد" ( ) ويحتاج الأمر لمعرفة المالية إلى القيام بعملية التقويم" لأن مالية الشيء عبارة عن قيمة ( ) والتقويم مبني علي الخرص والظن ويختلف باختلاف المقومين ولا يتحقق العلم به يقينا، ( ) وبالتالي تكون النتائج المستخلصة عن طريق التقويم في تحديد حقوق الشركاء غير دقيقة0
ولقد جاء هذا الرأي يوم أن كان أمام الفقهاء القدامى خياران هما: المشاركة بالدراهم أو الدنانير، أو المشاركة بالفلوس فاختاروا الأصلح منعا هو الخيار الأول، أما الآن في ظل النقود المعاصرة والتي تشبه الفلوس قديما من حيث تغير قيمتها من وقت لآخر من الرخص والغلاء، والرخص هو الغالب الآن، وبما أنه لا يوجد غيرها فلا يبقي إلا خيار واحد، فالقول بعدم المشاركة بها لا يتفق مع غرض الشريعة في القيام بمصالح الناس، ويسبب ضرراً أكبر من الضرر الناتج عن عدم دقة التقويم لتحديد رأس المال والتحديد السليم للأرباح لذلك فليس أمامنا إلا القول بجواز المشاركة بالفلوس المعاصرة – رغم تغير قيمتها من وقت لآخر – استنادا لما انتهى إليه الاجتهاد الفقهي المعاصر في"جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم والشركات" ( ) ولما قال به بعض الفقهاء والقدامى من جوار المشاركة بما تتغير قيمته من الأثمان كالفلوس ( ) علي أن تراعي متطلبات المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح كما يتضح في النقطة التالية:
2- المحافظة علي رأس المال : إذا كان رأس المال مما تتغير قيمته كالفلوس قديماً والنقود الورقية حديثاً فإنه في ظل التضخم وارتفاع الأسعار تتناقص قيمته ويلزم العمل علي جبر هذا النقص حتى نمل إلى المحافظة عليه من حيث قيمته وليس من حيث عدده، وهذا أمر مطلوب في شركات الأموال وبالمفهوم الفقهي كما جاء "وفي ظهور الربح في نصيبهما أو نصيب أحدهما تعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة لأنه ما لم يحصل رأس المال لا يحصل الربح ( ) وجاء أيضاً في شركات المضاربة" لأن المضارب شريك في الربح ولا يظهر الربح إلا بعد وصول كمال رأس المال إلى رب المال إما باعتبار العين أو باعتبار القيمة، وقد بينا أنه في إظهار الربح المعتبر قيمته رأس المال وقت القسمة"0( )والمقصود بالقسمة هنا ليست حالة تصفية الشركة وإنما قسمة الربح أي توزيع الأرباح مع استمرار المشروع كما جاء" لأن رأس المال عند قسمة الربح يحصل باعتبار المالية لا باعتبار العدد"( )أما كيفية المحافظة علي رأس المال فهذا ما سنتناوله في النقطة التالية:
3- كيفية تحقيق المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح في ظل التضخم:
لقد سبق القول أن رأس المال يبدأ في صورة نقدية ممثلة في الحصص المقدمة من الشركاء وأنة علي هذه الصورة النقدية، وإنما يتم استشارة من خلال دورة منتظمة ومستمرة تبدأ بالحصول علي الأصول المختلفة بأنواعها ثم استخدامها في النشاط للحصول علي الإيرادات ثم استبدال ما أستخدم منها من حصيلة هذه الإيرادات وهكذا تتم الدورة وتستمر باستمرار المشروع كهدف رئيسي، وإذا كانت المحافظة علي رأس المال مطلبا إسلاميا كما سبق القول وأن المقصود بها المحافظة علي قيمته، فإن ذلك يرتبط بقيمة الأصول المستثمر فيها رأس المال، وفي ظل التضخم فإننا يمكن أن نقسم الأصول المستثمر فيها رأس المال خلال دورتها والتي تتأثر بالتضخم إلى جزئين:
الأول: وهو الجزء المستخدم منها خلال الفترة المالية: ويتمثل في البضاعة المباعة وإهلاك الأصول الثابتة وكل أصل اقتني لفترة ثم تم التصرف فيه وتغيرت أسعاره خلال فت ة الحيازة أو الاقتناء، وتقتضي المحافظة علي رأس المال بالنسبة له ضرورة استبدال ما استخدم من هذه الأصول طبقاً لأسعارها الجديدة المرتفعة وبما أن هذا الاستبدال يتم ن الإيرادات، فان ذلك يعني أنه لتحديد الربح لا تتم المقارنة بين الإيرادات المحققة وبين التكلفة التاريخية للجزء المستخدم، بل بين الإيرادات وبين التكلفة الاستبدالية، وهذا ما يصوره الأمام الطبري في عبارة بليغة ووجيزة بقوله، أن الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا (إيرادات) هو أنفس أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به"( ) – أي الذي سيشتريها به – التكلفة الاستبدالية" أي أنه لكي يمكن القول بوجود ربح فلابد أن تكون الإيرادات، ويأتي ارتباطا قول الطبري هذا مع القاعدة المتعارف عليها في الفكر الإسلامي بأنه لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال ومن حيث قيمته، في أنه قدم المعالجة المحاسبية لتحقيق هذه القاعدة في صورة عملية كما يتضح في النقاط التالية:
النقطة الأولي: أن هناك المعالجة تحقق المحافظة علي رأس المال من حيث قيمته أو قدرته الشرائية ليس بالنسبة إلى كل السلع وأي سلع كما تقضي بذلك طريقة الأرقام القياسية للأسعار العامة، وإنما من حيث قدرته الشرائية بالنسبة إلى السلع المستثمر فيها، حيث تقاس هذه القدرة أو القيمة بالحصول علي ما أستخدم منها حتى يستكمل رأس المال في صورته العينية وبالتالي يمكن للمشروع أن يستمر بنفس طاقته كهدف رئيسي من إنشائه 0
النقطة الثانية: أن هذه المعالجة توصل إلى التحديد السليم للأرباح الممكن التصرف فيها دون المساس برأس المال إذا أن الفرق بين القيمة الاستبدالية والقيمة التاريخية للجزء المستخدم من الأصول في ظل ارتفاع الأسعار ليست ربحاً في حقيقة الأمر يمكن التصرف فيه بالتوزيع علي الشركاء وإنما هو لتمويل ارتفاع أسعار الجزء المستخدم من الأصول، فكأنه جزء من رأس المال 0
النقطة الثالثة: أن هذه المعالجة تحقق العدالة بين الشركاء فيما لو كانت نسبة توزيع أ0 خ بين الشركاء مختلفة عن نسبة المساهمة لكل منهم في رأس المال ( ) وكذا في شركات المضاربة، إذ أن ربح الحيازة في حقيقة الأمر ليس ربحاً كما سبق القول وإنما هو جزء من رأس المال، وإذا تم توزيعه بين الشركاء طبقاً لنسبة توزيع أ 0 خ المختلفة عن نسبة المساهمة في رأس المال، فكان الشريك الصاحب النسبة الأكبر في الربح يحصل علي جزء من رأس مال شريكة الآخر ويتركز الضرر في شركات المضاربة علي رب المال 0
الجزء الثاني: وهو الجزء من الأصول المستثمر فيها رأس المال والباقي بدون استخدام في نهاية الفترة وتتأثر قيمته بالتغير في الأسعار وينطبق ذلك علي صافي الأصول الثابتة والمخزون السلعي آخر الفترة الاستثمارات المالية، وهنا نتساءل هل يتم تعديل قيمتها في القوائم المالية أم لا ؟
أن ارتفاع أسعار هذه البنود في ظل التضخم يظهر أثرة بشكل مباشر علي رأس المال باعتبارها تمثل الصورة العينية لرأس المال النقدي، وبالتالي فان ما يحدث من انخفاض في القوة الشرائية لرأس المال النقدي يعوضه تلقائياً ما يحدث من ارتفاع في أسعار الأصول المستثمر فيها رأس المال الأمر الذي لا يترك أثراً علي حقوق الشركاء في رأس المال لأن في مقابلة أصولا ارتفعت قيمتها بالفعل وأن لم تتغير هذه القيمة في الدفاتر، فضلا علي أن هذه البنود لا تدخل في تحديد الأرباح، ويظهر من ذلك أنه لا يختلف الأمر سواء تعديل البيانات الخاصة في القوائم المالية أم لا، ومع ذلك تبقي موجبات مع تعديلها جديرة بالاعتبار منها:
- أن مبدأ الإفصاح كأحد المبادئ المحاسبية يقتضي المحاسبية يقتضي تعديل هذه البنود حتى تعبر القوائم المالية علي حقيقة موقف الشركة المالي0
- أنه في شركات المساهمة يتم انضمام وخروج الشركاء بشكل مستمر من خلال تداول الأسهم وتحديد القيمة العادلة للأسهم المتداولة يبني علي المعلومات المستخلصة من القوائم المالية وفي مقدمتها القيمة الحقيقة للسهم والتي تعبر عن ما يخص لسهم من صافي القيمة الجارية للأصول وقت التداول، ومعدل الربحية كما تظهره قائمة الدخل وكل ذلك يقتضي إظهار بنود القوائم المالية بالقيمة الجارية، وسوف نعود إلى ذلك تفصيلا في المبحث التالي0
ونخرج من هذا التحليل، أنه إذا كان الفقهاء وضعوا القاعدة العامة بضرورة المحافظة علي قيمة رأس المال ولم يتعرضوا لبيان إجراءات كيفية تحقيق ذلك، فان ما ذكره الطبري وما أوردناه في هذا التحليل يحقق هذه القاعدة ويتطلب ضرورة تعديل بيانات القوائم المالية في ظل التضخم وعلي أن يشمل التعديل تلك العناصر أو البنود التي تتوافر فيها الآتي:
4- العناصر التي يتم تعديلها في ظل التضخم: من البديهي أنه يتم تعديل العناصر – فقط – التي تختلف قيمتها الجارية عن قيمتها التاريخية0 وهي تلك التي يتوفر فيها شروط هي:
الأول: العناصر الآجلة أو التي يمر وقت بين حدوثها أو الحصول عليها وبين استخدامها 0
الثاني:العناصر التي تتأثر بالارتفاع في الأسعار وبالتالي تكون لها قيمة اسمية أو تاريخية وقيمة جارية0
الثالث: أنه يمكن تصفيتها وفقاً للقيمة الجارية سواء بتحصيل هذه القيمة أو سدادها 0
الرابع: المصروفات التي ترتبت علي تكاليف حدثت في الماضي 0
وبتطبيق كل ما سبق علي عناصر القوائم المالية فإنها تظهر بالقيم التالية حسب طبيعة كل عنصر:









ثانياً: إعداد القوائم المالية:
أ- بالنسبة لقائمة الدخل: وأهم البنود التي تظهر بها هي:
1- المبيعات وأية إيرادات أخري: تظهر بالقيمة التي حدثت بها بدون تعديل لأنها تمثل القيمة الجارية وقت حدوثها وتستمر بها ولن يحدث تغير في قيمتها بتغير الأسعار بعد ذلك0
2- تكاليف المبيعات: تظهر بالقيمة الاستبدالية لها وليس بالقيمة التاريخية لأنها تعبر عن مصروفات ترتبت علي تكاليف حدثت في الماضي، بالتالي يتم تعديلها حتى يمكن تعويض الجزء اللازم لاستبدال ما أستخدم من البضاعة0
3- المصروفات: تظهر بالقيمة التي حدثت بها لأنها تعبر عن القيمة الجارية لها وقت حدوثها حيث أنها تمثل مقابل خدمات فورية حصل عليها المشروع واستخدامها في نفس الوقت0
4- الهلاك الأصول الثابتة: ويحسب علي أساس القيمة الاستبدالية للأصول الثابتة مع مراعاة تسويته وفقا لما سيأتي ذكره، لأنه مرتبط بعنصر يتم تعديله وهو الأصول الثابتة ولأنه من جهة أخري يمثل أحد بنود التكاليف نتيجة استخدام أصل ثم الحصول علية في الماضي ويلزم استبدال ما أستخدم منه في ضوء الأسعار المرتفعة0
ت‌- بالنسبة لقائمة المركز المالي: وأهم البنود التي تظهر بها هي:
(1) الأصول الثابتة: تظهر بقيمتها الاستبدالية لأنها الأصول المستثمر فيها رأس المال وترتفع أسعارها نتيجة التضخم 0
(2) المخزون السلعي: يظهر بقيمته الاستبدالية لما سبق ذكره في البند السابق 0
(1) هذا مع مراعاة أن بعض الفقهاء يرون – وعل الأخص – في شركات المضاربة تقويم المخزون بالتكلفة التاريخية لأن الربح الناتج عن تقويمها بالقيمة الجارية غير متحقق أما بسبب عدم الدقة في التقويم كما جاء "لأن ظهور الربح يبني علي التقويم وهو غير محقق لاحتمال أن تكون السلعة تساوي أكثر مما قومت به"( ) أو بسبب احتمالات انخفاض الأسعار وارتفاعها في المستقبل عند بيع البضاعة بالفعل كما جاء" اذا تمت المحاسبة وبعض المال ناض – ثم بيعه – وبعضه متاع – أي مخزون – فإنهما يحتسبان علي الناض دون المتاع لأن سعره قد ينحط وقد يرتفع"( ) 0
وظاهر من هذه الأقوال أن الأمر يتعلق بتحديد الأرباح القابلة للتوزيع، وتوفيقا بين ضرورة تحقيق المحافظة علي رأس المال فإنه يمكن أن يتم تعديل المخزون الي القيمة علي أن تعالج فروق التعديل كأرباح حيازة لا يتم توزيعها علي الشركاء0
(3) الأوراق المالية: تظهر بقيتها السوقية لأنها من الأصول التي تنطبق عليها شروط التعديل السابقة الذكر0
(4) المدنيون والدائنون: تظهر بقيمتها الاسمية – العدد – ولا تعدل، حقيقة إنها ينطبق عليها الشرط الأول والثاني من شروط التعديل، فهب بنود اجله وتتأثر قيمتها بالتضخم ولكن ينقصها الشرط الثالث حيث إنها ستصفي – تحصل أو تسدد – بنفس عدد الوحدات النقدية التي تم التعاقد بها عليها وذلك طبقا لرأي جمهور الفقهاء قديما وحديثا، فلقد ناقش الفقهاء قديما مسألة التغير في قيمة النقود بالرخص والغلاء وأثره علي سداد الديون – قرض أو بيع آجل – وكان رأي جمهور الفقهاء ( ) من المالكية والشافعية والحنابلة وهو رأي أبو حنيفة أنه لا عبرة برخص الغلاء النقود علي قيمة الدين كما جاء في أقوال عديدة منها: يرد المقترض مثل ما أقترضه في المثليات لأن المثل أقرب شبها من القيمة فيجب رد مثل فلوس غلت أو رخصت أو كسدت" ( ) وجاء أيضاً "رجل استقرض مبلغا من الدراهم وتصرف بها ثم غلا سعرها فهل عليه رد مثلها؟ الجواب: نعم، ولا ينظر أيلي غلاء الدراهم ورخصها"( ) 0
أما الرأي الآخر فاشهر من قال به من الحنفية، كما يقول ابن عابدين إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت قال أبو يوسف: قولي وقول أبو حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع، ويوم وقع القبض – أي في القرض"( ) 0
وقد أثيرت هذه المسألة حديثاً في ضوء زياد حدة التضخم وكتب فيه كثيرون وكان الرأي المعول عليه لدي الكثرة ( ) منهم عدم الاعتداد بالتغير في القوة الشرائية للنقود عند سداد الديون، وهذا ما أكدته توصيات أحد المؤتمرات العلمية التي ضمت عدداً من الفقهاء والاقتصاديين حيث جاء فيها "إن رخص النقود الورقية وغلائها لا يؤثر في وجوب الوفاء بالقدر الملتزم بها منها قل ذلك الرخص أو الغلاء أو أكثر"( ) 0







(5) النقدية:وتظهر بعددها غير أنه إذا كانت هناك عملات أجنبية فإنه يتم تحويلها بسعر الصرف الجاري 0
وتدليلا علي أن إظهار البنود السابقة علي النحو السلف الذكر يتمشى مع متطلبات الفكر الإسلامي في المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح وتحقيق العدالة بين الشركاء فإننا نستخدم بيانات المثال التطبيقي الواردة في المبحث السابق لأعداد القوائم المالية بغرض تحديد حقوق الشركاء كما يلي:

ص 34-35-36-








المبحث الرابع
المحاسبة عن التضخم بغرض اتخاذ القرارات في بعض المجالات
تستخدم البيانات المحاسبية في أغراض عدة منها الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات سواء بواسطة إدارة المشروعات أو ملاكها أو غيرهم من المتعاملين معها وتتضمن مجالات اتخاذ هذه القرارات بعض المسائل المالية التي تتأثر بالتضخم وفي هذا المبحث سوف نتعرف علي موقف الفكر الإسلامي من اختيار القيمة التي يجب أن تظهر بها بعض تلك المسائل بما يلزم معه إعداد البيانات المحاسبية علي ضوئها وتقديمها لمتخذي القرارات وذلك في الآتي:
أولاً : في مجال القرارات الخاصة بمنح الائتمان : في حالة اتخاذ قرار بمنح الائتمان سواء كان قرضا أو ثمن بيع آجل أو سلم، فإن الذي يهم مقدم الائتمان هو قدرة المدين علي سداد الدين في موعده ويتم التعرف علي هذه القدرة من عدة معايير متعارف عليها هي: (الشخصية – الكفاءة – الملكية – الضمانات) وهي ما يجملها الفقهاء السلمون في "الثقة واليسار" حيث جاء فيمن يتولى مال غيره وكالة أو ولاية ومثلهما إدارة المشروعات من اشتراط كزن المشتري في حالة البيع بالآجل "ثقة وموسرا" ( ) كما جاء في القرض "وألا يقرضه إلا لمليء يا من جحده ومطله ويأخذ بالقرض رهنا استيثاقا له"( ) ولما كانت القوائم المالية – في حالة المشروعات – هي التي توضح هذه القدرة من خلال معدل الربحية الذي يدل علي معيار الكفاءة، والمركز المالي الذي يدل علي معيار الملكية، لذلك فإنه من المتعارف عليه أن يتم دراسة وفحص هذه القوائم بواسطة خبير محاسبي متخصص لاستخلاص المعلومات التي تساعد مقدم الائتمان في اتخاذ قراره، غير انه في ظل التضخم وكما سبق القول توجد قيمتان يمكن أن تظهر بها البيانات في هذه القوائم هما: القيمة التاريخية والقيمة الجارية، فما هو موقف الفكر الإسلامي من اختيار القيمة التي يجب أن تظهر تلك البيانات للتعرف علي كفاءة، وملاءة العميل ؟ والإجابة علي هذا التساؤل تبدأ من: أنه يجب أن تكون هناك معلومات صادقة عن حالة طالب الائتمان المالية كما يقول أحد الفقهاء "ولا يحل له – أي المقترض – أن يظهر الغني ويخفي الفاقه عند القرض"( ) وهذا الصدق في حالة استخراج المعلومات من القوائم المالية ينصرف إلى تحديد الأرباح بطريقة سليمة للتعرف علي الكفاءة، وتحديد القيمة الصحيحة للممتلكات ممثلة في صافي القيمة الجارية للأصول المستثمر فيها رأس المال، فلقد سبق القول ومن خلال أمثلة عملية أن الربح المستخرج طبقاً لطريقة التكلفة التاريخية يحسب بطريقة غير سليمة، إذ انه لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال من حيث قيمته وليس من حيث عدده والربح طبقاً لهذه الطريقة لا يراعي ذلك في تحديده حيث ينطوي في حقيقة الأمر علي جزء من رأس المال وبالتالي يظهر بأكثر من حقيقة الأمر الذي يمكن من استخراج المعلومات الدالة علي الكفاءة – ومن جهة أخري فان إظهار الأصول بقيمتها التاريخية لا يعبر عن حقيقة ملاءة العميل أو يساره، لأن الذي يهم مقدم الائتمان في تحديد قيمتها ليس هو ما كان قد اشتريت أو اقتنيت به بل قيمتها الآن في ظل التغيرات في أسعار ومن ذلك يتضح أن إظهار البيانات في القوائم المالية بالتكلفة التاريخية لا يساعد في اتخاذ القرارات الخاصة بمنح الائتمان الأمر الذي يتطلب تعديلها لتظهر بالقيمة الجارية0
ثانياً : في مجال تداول حصص أو أسهم الشركات: أن عملية التداول هي عبارة عن بيع أحد الشركاء حصته في الشركة وهي جائزة شرعاً كما جاء "إذا باع أحد الشركاء حصته من أجنبي يجوز وكذلك من الشريك"( )0
أما عملية تحديد قيمة الحصة أو سعر تداول الأسهم فمن المعروف أنه توجد للحصة أو للسهم عدة قيم هي:
1- القيمة الاسمية: وهي القيمة التي تكون مبينة (مكتوبة) في السهم والتي يدفعها الشركاء عند تأسيس الشركة0
2- قيمة الإصدار: وهي القيمة التي تصدر بها الشركة بعض الأسهم الإضافية لزيادة رأس المال وهي قد تكون أعلي أو أقل من القيمة الاسمية بحسب زيادة قيمة ممتلكات الشركة ونجاح أعمالها في حالة إصدارها بزيادة، أو لتدهور أعمال الشركة وترغيب المساهمين علي الاكتتاب في هذه الأسهم في حالة الإصدار بنقض عن القيمة الاسمية 0
3- القيمة الحقيقية: وهي تعبر عن النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة والذي يعبر عنه أما بصافي القيمة الجارية للأصول أو مجموع رأس المال المدفوع وما قد أضيف إليه من احتياطات وأرباح مرحلة، وبالطبع فإن القيمة الحقيقية للسهم تختلف عن القيمة الاسمية أما بالزيادة نتيجة ما تحققه من أرباح يضاف جزءا منها إلى رأس المال في صورة احتياطات أو نتيجة ارتفاع القيمة السوقية لصافي الأصول لارتفاع الأسعار وأما بالنقص إذا كانت الشركة قد حققت خسارة أو نتيجة لانخفاض أسعار الأصول 0
4- القيمة السوقية: وهي القيمة التي تتداول الأسهم بها عند عرضها للبيع وهي المقصودة معنا، مما يلزم معه بسط القول حولها، إذ أن عملية تحديد أسعار التداول في الفكر الإسلامي يجب أن تتم في ضوء الضوابط الإسلامية لتحديد الأسعار بوجه عام ومن أهمها التراضي الكامل المبني علي توافر المعلومات الصادقة أمام المتعاقدين في السوق ليتخذوا قراراتهم بعيداً عن الإكراه والغش والتدليس، وفي ضوء ذلك فإن تحديد سعر التداول يجب أن يبني علي عوامل موضوعية هي.( )
1- القيمة الحقيقة للسهم أو للحصة: حيث أن المشتري في حقيقة الأمر يشتري جزءا من الممتلكات الشركة والذي يعبر عنها هي القيمة الحقيقة كما سبق القول 0
2- مدي كفاءة الشركة ونجاح أعمالها ممثلة في معدل الأرباح التي تحققها إذ أن ذلك هو المقصود من شراء الأسهم باستثمار جزء من رأس المال فيها لتحقيق عائد مناسب 0 ولما كان مصدر التعرف علي هذه العوامل هي المعلومات التي توفرها بيانات القوائم المالية، فهل إظهار هذه البيانات بالتكلفة التاريخية أو القيمة الجارية هو الذي يوفر المعلومات الصادقة لتحديد سعر التداول؟
أ‌- من حيث تحديد القيمة الحقيقية للأسهم: فإن المعبر عنها بصدق هو القيمة الجارية لصافي الأصول عند التداول، إذ أننا أمام عملية بيع لشيء قائم والسعر العادل له ليس هو ما كان قد أشتري به (التكلفة التاريخية) وإنما قيمته الآن عند عقد الصفقة وهو ما لا يمكن الوصول إليه من القوائم المالية إلا بإظهار بنودها بالقيمة الجارية 0
ب- من حيث التعرف علي كفاءة الشركة ونجاح أعمالها فإن ذلك يتم التعرف عليه من الأرباح الصحيحة التي تحققها وقد سبق القول أن تحديد الأرباح وفقاً للطريقة التاريخية في ظل التضخم يزيد عن القيمة إذ ينطوي في جزء منه علي بعض رأس المال، الأمر الذي يجعله غير مناسب للحكم علي كفاءة الشركة مما يلزم معه ضرورة تعديل بيانات القوائم المالية لتظهر بالقيمة الجارية حتى يمكن توفير المعلومات الصادقة التي يمكن علي أساسها التحديد السليم لأسعار تداول أسهم الشركات0( )
ثالثاً : في مجال العمليات التجارية: هناك بعض المسائل المتصلة بالعمليات التجارية التي تمارسها المشروعات ويتأثر تحديد قيمتها بالتضخم، ويتطلب الأمر توفير البيانات عنها حتى يمكن اتخاذ القرارات بشأنها اعتمادا علي القيمة التي يمكن أن تظهر بها هذه البيانات ويتوقف تحديد هذه القيم علي ما تقدر الشريعة الإسلامية الآخذ به اختيارا بين القيمة التاريخية أو القيمة الجارية ومن هذه المسائل ما يلي:
أ- تحديد سعر البيع في المرابحة: وهي أحد الصيغ الاستثمارية المنتشرة إلى حد كبير في البنوك الإسلامية حالياً ( ) وصورتها كما يعرفها الفقهاء هي: "بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به وزيادة ربح معلوم لها" ( ) وما يتعلق بموضوعنا فيها هو أثر التضخم علي ثمن الشراء الأول والذي يبني علية تحديد سعر البيع مرابحة، ويأتي هذا الأثر في ناحيتي:
الأولي: التغير في الثمن الأول – التكلفة التاريخية – نتيجة ارتفاع الأسعار بين وقت الشراء الأول ووقت البيع مرابحة، وصورتها في مثال عملي، أنه إذا قام المشروع بشراء سلعة ما بملغ 10000 جنيها وتقر بيعها مرابحة بزيادة ربح 20% وفي ظل ارتفاع الأسعار فان سعر شراء السلعة وقت البيع مرابحة ذاد ليصبح 1100000 جنيها، فهل يحدد سعر البيع مرابحة بناء علي التكلفة التاريخية ليصبح:
100000+ 100000× = 120000جنيها .
أو تأخذ الزيادة في الأسعار في الحسبان وبذلك يكون يعر البيع مرابحة0
110000+110000× = 132000جنيها
أن الرأي الفقهي ( ) علي أن التغير في قيمة السلعة نتيجة تغير الأسعار لا يؤثر علي تحديد ثمن الشراء الأول الذي بني عليه تحديد سعر البيع مرابحة بل بني علي التكلفة التاريخية وبالتالي يكون سعر البيع مرابحة 120000 جنيهاً0
الثانية: التغير في سعر الصرف : ويأتي ذلك في حاله أن يكون ثمن الشراء الأول بعملة مخالفة التي يتم بها البيع مرابحة، حيث يظهر أثر التغير في سعر الصرف في الصورة العملية التالية:
مثل أن يكون ثمن الشراء الأول 100000 دولار أمريكي وهي التي دفعها المشروع بالفعل وكان سعر الصرف جنيها 2.7 جنية لكل دولار، ثم تغير سعر الصرف عند البيع مرابحة ليصبح 3.3 جنيها لكل دولار، فهل يحسب سعر الشراء الأول بالعملة المحلية علي أساس 270000 جنيها أو 330000 جنيها ؟وبمعني أخر هل يؤخذ التغير في سعر الصرف في الحسبان عند تحديد سعر الشراء الأول الذي يبني عليه تحديد سعر البيع مرابحة أم – لا ؟
الرأي الفقهي ( ) أن ثمن الشراء الأول يحسب علي أساس سعر الصرف يوم البيع مرابحة أي 330000 جنيها بسعر الصرف الجاري وذلك علي أساس أن البائع مرابحة يحصل علي ثمن الشراء الأول + الربح المحدد كنسبة منه، ولكن نظراً لعدم قدرة المشتري علي تسليمه ثمن الشراء الأول بنفس العملة التي تم بها الشراء فإن العملية تدخل في استبدال عملة محل أخري ويكون ذلك بسعر الصرف الجاري لما ورد في خبر ابن عمر، "كنت أبيع الإبل ن فابيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها"( ) .
ب- تحديد سعر البيع في الشفعة: وصورتها التي ترتبط بموضوعنا في مثال عملي: أن يكون هناك مبني مجاور (ملاصق) لمبني المشروع، وقام صاحب هذا المبني ببيعه لشخص آخر (غير مجاور) بملغ 200000جنية مثلا، دون عرضه أولا علي إدارة المشروع رغم حاجتهم إليه، وهنا من حق المشروع أن يتقدم بطلب أحقيته في شراء المبني بالشفعة، فإذا ارتفعت الأسعار بين عملية البيع الأول للشخص الآخر وبين الحكم بأحقية المشروع للمبني، وبالتالي أصبح سعره 300000 جنية فهل يأخذه المشروع بالثمن الأول 200000 جنية أو بالقيمة الجارية 300000 جنية؟ أن المقرر شرعاً ( ) أن الشفيع يأخذ المشفوع فيه بالثمن الأول أي 200000 جنية ولا عبرة بتغيرات الأسعار علي أحقيته في ذلك لأن حق الشفيع في الصفقة قائم منذ البيع الأول 0
جـ- المردودات: ومفهومها المحاسبي رد البضاعة المشتراة أو جزء منها لوجود عيب بها أو مخالفتها للمواصفات أو رغبة أحد الطرفين في ذلك وموافقة الطرف الآخر ويطلق عليها مردودات مبيعات بالنسبة للبائع ومردودات مشتريات بالنسبة للمشتري، أما تكييفا الفقهي فهي تدخل في نطاق فسخ البيع، أورد البضاعة تنفيذا لحق الخيار، أو الإقالة، وصورتها التي ترتبط بموضوعنا في مثال عملي أن يكون ثمن الشراء لسلعة ما 1000 جنية ثم تقرر ردها لأي من الأسباب الموجبة للرد وعند الرد زاد ثمنها ليصبح 1050جنية مثلا فهل يأخذ المشتري ما دفعه ؟ أو القيمة الجديدة؟
المقرر شرعاً( ) أن عملية الرد تكون بالثمن وليس بالقيمة أي 1000 جنية في مثالنا لأن العملية ليست بيعاً جديداً بل هي فسخ للبيع للأول فيرد المشتري البضاعة ويرد عليه البائع الثمن الذي دفعه0
د- المسموحات: ومعناها محاسبياً المبلغ الذي يستنزل من ثمن البيع لوجود عيب بالسلعة مقابل عدم ردها‘ وفقهيا يطلق عليها اصطلاح "أرش العيب" الذي أكتشفه في السلعة بعد تسليمها ولم يكن يعلم به ولم يحدث عنده، وهي مسألة يجيزها فقهاء المالكية والحنابلة، أما الحنفية والشافعية( ) فيقولون برد كل البيع وآخذ الثمن أو إمساكه بكل الثمن دون أن يستحق المشتري أرش العيب إلا في حالة واحدة وهي تعذر رد المبيع، آما كيفية تحديد قيمة المسموحات عند من يجيزها في ظل تغير الأسعار فانهم يرون مراعاة ذلك حيث يعرفون أرش العيب بأنه "قسط ا بين قيمة الصحة والعيب" وصورة ذلك في مثال عملي كما ورد لديهم أن "يقوم المبيع صحيحاً ثم معيبا ويؤخذ قسط ما بينهما من الثمن فان قوم صحيحا بعشرة ومعيبا بثمانية رجع بخمس الثمن قليلا كان أو كثيراً ( ) وتفسير ذلك محاسبياً أنه لو كان ثمن الشراء (القيمة التاريخية) 1400 جنية مثلا وأنه في ظل ارتفاع الأسعار أصبحت قيمة المبيع أو السلعة وقت حساب الأرش سليما 1500 ومعيبا 1200 جنيها فان المسموحات تحسب كالأتي:
الفرق بين القيمة سليما ومعيبا = 1500 – 1200 = 300 جنيها0
نسبة الفرق إلى قيمته سليما = × 100 = 20 %
إذا نسبة الأرش = 1400 × 20 % = 280 0
رابعاً: في مجال التعويضات: وتتمثل في المبالغ التي تقرر لصاحب المال ويتحملها من يعتدي علي ماله بإحدى صور الضياع ولم يمكن رد المال أو مثله وسوف تقتصر هنا علي صورة ضياع الأموال في المشروعات بواسطة العاملين به بالإتلاف أو الاختلاس أو التقصير في المحافظة عليها، ومن المقرر شرعاً أن العامل أو الموظف بالمشروع – كأجير خاص بلغة الفقه – لا يضمن المال الذي يعمل فيه إلا إذا ( ) والتعدي يكون بإتلاف الأموال أو اختلاسها والتقصير يكون بمخالفة العامل بمقتضيات العمل سواء المتعلقة بحفظه أو تشغيله كما تحددها التعليمات المنظمة للعمل والأسس الفنية كما جاء "أما إذا تلف ذلك المال باتيان الأجير عملا غير الذي به وأذن به المستأجر يضمن الأجير"( )وضمانه يعني مطالبته برد المال إذا كان موجوداً أو مثله إن كان المال مثليا أو تعذر رد المال أو مثله فإنه يرد قيمته، وهنا نأتي إلي النقطة التي لها صلة بموضوعنا، وهي أنه في ظل تغير الأسعار بالارتفاع تكون للمال المطلوب تعويضه كأصل – بضاعة أو أصول ثابتة – قيمة تاريخية تتمثل في الثمن الذي سبق للمشروع أن حصل به عليه، وقيمة جارية أعلي من القيمة التاريخية، فأي القيمتين يطالب بها العامل كتعويض؟ من المقرر بإجماع الفقهاء أنها ليست القيمة التاريخية بما يعني أنه يلزم أن تراعي تغيرات الأسعار عند تحديد قيمة التعويض ولكن الفقهاء اختلفوا حول وقت التقويم في عدة آراء منها ( ):
يقدر التعويض بقيمة يوم التلف أو تعذر المثل، وفي رأي آخر يقدر التعويض بأعلى قيمة(سعر) من يوم التعدي – أي الاستيلاء علي المال – إلي يوم التلف وفي رأي ثالث بقدر التعويض بأعلى قيمة من يوم القبض – أي الاستلام كعهدة إلى اليوم التالف 0
وفي نهاية البحث الذي حاولنا فيه – بجهد متواضع – أنه نكشف بعض الجوانب الهامة للمحاسبة عن التضخم في المنهج الإسلامي، اتضح لنا أنه منهج يسبق في الجودة الأفكار المعاصرة، كما أنه يتميز في التطبيق بعدة خصائص من أهمها:

1 - الربط بين المحاسبة عن التضخم والغرض من استخدام البيانات المحاسبية والذي يمثل عدم الآخذ بها في الفكر المعاصر، أهم أسباب تأخر حل المشكلة 0
2 - أنه يستخدم الطريقة الجارية بصورة أصلية وبكل مفاهيمها والتي تمثل اكتشافا حديثا للفكر المعاصر 0
3- أنه يقوم علي قواعد عامة متفق عليها تناسب كل غرض، ففي الزكاة، فالقاعدة التقويم يتم بالأنفع للفقراء، وفي تحديد حقوق الشركاء فالقاعدة بما يؤدي إلى المحافظة علي رأس المال والتحديد السليم للأرباح، وفي توفير البيانات لاتخاذ القرارات فالقاعدة: التقويم بما يؤدي إلى الصدق في المعلومات وتحقيق العدالة بين المتعاملين 0
4- أنه يستند إلي أحكام وتوجيهات الشريعة الإسلامية بما يكسبه وجها دينيا يؤكد علي المسلمين الالتزام به 0
5- وفوق ذلك كله : فإن اهتمام الإسلام بهذه المشكلة يدل علي أنه في إحاطته العظيمة بمصالح الناس واحتياجاتهم عبر الأزمنة، لم يغفل أي ناحية من نواحي الحياة إلا وعالجها علاجا شافياً 0 وصدق الله عز وجل إذ يقول :﴿ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾( ) 0 وصدق رسول الله  إذ يقول: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي)( ) 0

الحمد لله أولاً وأخيراً ،،،،،
__________________
وقل أعملو فسيري الله عملكم والمؤمنون
(عمرو عادل فؤاد)
عمرو عادل فؤاد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-15-2012, 03:35 PM
  #2
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: المحاسبة عن التضخم

__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-17-2012, 09:22 PM
  #3
aioooby
مشارك
 الصورة الرمزية aioooby
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: Kuwait
العمر: 43
المشاركات: 36
افتراضي مشاركة: المحاسبة عن التضخم

بارك الله في جهودك وسدد خطاك
aioooby غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-17-2012, 10:52 PM
  #4
waelhasaan
 الصورة الرمزية waelhasaan
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
العمر: 43
المشاركات: 1,303
افتراضي مشاركة: المحاسبة عن التضخم

جزاك الله كل خير على المجهود الكبير
__________________

[marq="3;right;3;scroll"]ليس من الانجاز ان تعمل 1000 صديق فى سنه واحده بل الانجاز ان تعمل صديق ل 1000 سنه[/marq]


waelhasaan غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:02 PM