مشاركة: - الميزة التنافسية:
تلك التغيرات كانت السبب الرئيسي في تغيير نظرة المؤسسة المعاصرة إلى الموارد البشرية وبداية التحول نحو اعتبارهم المصدر الأساسي للقدرات التنافسية وأكثر الأصول أهمية وخطورة في المؤسسة وبذلك بدأت الإدارة المعاصرة تبحث عن مفاهيم وأساليب جديدة لإدارة الموارد البشرية تتناسب مع أهميتها وحيوية الدور الذي تقوم به.
ومن ثم بدأ الاهتمام بإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: "ما هي أوجه الاختلاف بين إدارة الموارد البشرية التقليدية وإدارة الموارد البشرية الحديثة فيما يتعلق بنظرتهم أو تعاملهم مع المورد البشري؟"
II.3- الفلسفة الجديدة لإدارة الموارد البشرية:
إدارة الموارد البشرية التقليدية
إدارة الموارد البشرية الحديثة
اعتبار إدارة الموارد البشرية على أنها مجموعة أعمال إجرائية تتعلق بتنفيذ سياسات ونظم العاملين.[1]
اعتبار وظيفة استراتيجية تتعامل مع أهم موارد المنظمة وتتشابك مع الأهداف والاستراتيجيات العامة لها.
مع تبني مفاهيم وتقنيات إدارة الجودة الشاملة في عمليات إدارة الموارد البشرية إلى جانب إدماج تقنيات المعلومات والاتصال في عمليات إدارة الموارد البشرية والتحول نحو نظم وتقنيات إدارة الموارد البشرية الالكترونية.
اعتبار "نفقات" تكلفة المهام التي تتولى إدارة الموارد البشرية مثل "نفقات التدريب" على أنها نفقات بدون مردود.
اعتبارها نفقات استثمارية تدر عائدا على الاستثمار.
اهتمت بالبناء المادي للانسان وقواه العضلية وقدراته الجسمانية، ومن ثمة ركزت على الأداء الآلي للمهام التي يكلف بها دون أن يكون له دور في التفكير واتخاذ القرارات.
تهتم بعقل الانسان وقدراته الذهنية في التفكير والابتكار والمشاركة في حل المشاكل وتحمل المسؤوليات.
ركزت على الجوانب المادية في العمل، واهتمت بقضايا الأجور والحوافز المادية وتحسين البيئة المادية للعمل.
تهتم بمحتوى العمل والبحث عما يسمى القدرات الذهنية للفرد، ولذا تهتم بالحوافز المعنوية وتمكين الانسان ومنحه الصلاحيات للمشاركة في تحمل المسؤوليات لكي يشعر بأهمية الوظيفة.
اتخذت التنمية البشرية في الأساس شكل التدريب المهني الذي يركز على اكتساب الفرد مهارات ميكانيكية يستخدمها في أداء العمل دون السعي لتنمية المهارات الفكرية أو استثمارها.
التنمية البشرية أساساً هي تنمية إبداعية وإطلاق لطاقات التفكير والابتكار عند الانسان وتنمية العمل الجماعي والتأكيد على روح الفريق.
الاهتمام بعمليات الاستقطاب والتوظيف للعاملين حسب احتياجات الإدارة التنفيذية المختلفة.
الانشغال أو الاهتمام بقضية أكثر حيوية وهي إدارة الأداء وتحقيق الانتاجية الأعلى وتحسين الكفاءة والفعالية.
الانحصار في عمليات بحث واستقطاب العنصر البشري في السوق المحلية فقط.
الانتشار في عمليات البحث والاستقطاب في سوق العمل العالمي لانتقاء أفضل العناصر وأكثرها قدرة على تحقيق أهداف المؤسسة.
II.4- أسس تنمية القدرات التنافسية للموارد البشرية:
باعتبار المورد البشري هو الذي يعمل على تفعيل واستثمار باقي الموارد المادية والتقنية الأخرى في المنظمة وأن نجاح المنظمة يعتمد بالدرجة الأولى على نوعية هذه الأخيرة "مواردها البشرية" فإنه من الضروري أن توجه جميع جهود المؤسسة في سبيل تطوير وتنمية هذا المورد من أجل الوصول به إلى حد الامتياز.
لكن قبل التعرض إلى المداخل التي تساهم في تطوير الموارد البشرية نستعرض مفهوم الموارد البشرية أو لِمَا وجب أن يتوفر في الموارد البشرية لكي تساهم في تحقيق التفوق التنافسي. أو لكي نقول عنها أنها متميزة.
بشكل عام لكي تساهم الموارد البشرية في نجاح وتفوق المؤسسة وجب أن تتوفر فيها الصفات التالية:[2]
-
أن تكون نادرة أي غير متاحة للمنافسين، بمعنى أن يتوفر للمؤسسة موارد بشرية نادرة المهارات والقدرات ولا يمكن للمنافسين الحصول على مثلها، كأن تتوفر لدى هذه الموارد البشرية القدرة على الابتكار والإبداع وقبول التحديات والمهام الصعبة والقدرة على التعامل مع تقنيات مختلفة.
-
أن تكون الموارد البشرية قادرة على إنتاج القيم "Valeur"
من خلال تنظيم غير المسبوق "sans précédent"
وتكامل المهارات والخبرات ومن خلال القدرات العالية على العمل في فريق.
-
أن يصعب على المنافسين تقليدها، سواء بالتدريب والتأهيل، ولعل ما يذكر عن الموارد البشرية اليابانية هو نوع من الموارد التي يصعب تقليدها إذا تعرف على أنها مرتبطة بالمؤسسات التي تعمل فيها ارتباطاً وثيقاً يعبر عنه بفكرة التوظف الدائم، فتعتبر هذه الحالة فريدة من نوعها، لا تكرر بسهولة في غير المؤسسات اليابانية.
لكن لكي تمتلك المؤسسة هذه الموارد البشرية المتميزة يجب أن توفر مجموعة من المتطلبات "الأسس" التي يمكن حصرها في هذه النقاط:
1-
التدقيق في اختيار العناصر المرشحة لشغل وظائف تسهم في قضية بناء وتنمية وتوظيف القدرات التنافسية بوضع الأسس السليمة لتقدير احتياجات المنظمة من الموارد البشرية وتحديد مواصفات وخصائص الأفراد المطلوبين بعناية. إلى جانب التأكد من توافق التكوين الفكري والنفسي والاجتماعي والمعرفي للأشخاص المرشحين مع مطالب هذه الوظائف وتمتعهم بالسمات والخصائص التي بيناها سابقا، من خلال تنمية وسائل ومعايير فحص المتقدمين للعمل في المفاضلة بينهم لاختيار أكثر العناصر توافقا مع احتياجات المؤسسة.[3]
وفي هذا الصدد نذكر أن أمام المؤسسة خيارين فيما يخص استقطاب الموارد البشرية فإما أن تجري عمليات البحث والاستقطاب ذاتياً بإمكانيات المؤسسة وأساليبها الخاصة، أو إسنادها إلى مكاتب البحث والاستقطاب ومراكز التقييم المتخصصة.[4]
2-
الاهتمام بتدريب الموارد البشرية بمعنى أشمل وأعمق مما كانت تتعامل به إدارة الموارد البشرية التقليدية، أي عدم انحصارها على الأفراد الذين يبدون قصور في مستويات أدائهم، بل يجب أن يشمل جميع أفراد المنظمة مهما كان سنهم، ومهما كان مستواهم المعرفي والوظيفي؛ أي جميع أفراد المنظمة لا على التعيين.
وقد تبين منهجية إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية أن تفعيل التدريب وجرعات تنمية الموارد البشرية لا تتحقق بمجرد توجيهها وتركيزها على الأفراد القائمين بالعمل، وإنما لا بد من أن تتناول جهود التنمية المنظمة ذاتها وذلك من خلال تحويلها إلى منظمة تتعلم حتى تهيئ الفرص للعاملين فيها بالتعلم وتتميز معارفهم في تطوير الأداء.[5]
ولكي تضمن المؤسسة ذلك يجب أن تكون في ارتباط مستمر مع الجامعات ومراكز البحث وحتى المؤسسات الرائدة لكي يتسنى لها الحصول على المعارف الجديدة.
3-
ترسيخ روح التعلم لدى الأفراد وإتاحتهم الفرص للمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية والمهنية المختلفة وتطبيق نظام يقضي بتحمل المنظمة عنهم رسوم الاشتراك في تلك المؤتمرات والندوات ورسوم العضوية في الجمعيات والهيئات العلمية والمهنية. فضلاً عن تيسير فرص استكمال الدراسات العليا والمتخصصة مع تحمل نفقات عنهم، كلها أو جزء منها وعلى حساب وقت المؤسسة.[6]
4-
تنمية واستثمار الطاقات الفكرية والقدرات الإبداعية للأفراد وتوفير الفرص للنابهين "الممتازين" منهم لتجريب أفكارهم ومشروعاتهم الخلاقة، والعمل بمبدأ الإبتكار أو الفناء.
نذكر هنا أن المؤسسات الأكثر نجاحاً في العالم المتقدم تحاول أن تجعل من كل فرد رجل أعمال في ذاته وليس مجرد موظف يؤدي أعمال روتينية بل هو يفكر ويبتكر ويشارك في المسؤولية ويتحمل المخاطر.[7]
5-
تنمية أساليب العمل الجماعي وتكريس روح الفريق للموارد البشرية في المؤسسة وضرورة توفير المناخ المساند لتنمية الاتصالات الإيجابية والتواصل بين شرائح العاملين المختلفة وتحقيق أسس الانتماء والولاء للمنظمة.[8]
6-
مراجعة هيكل الرواتب والتعويضات المالية وإجراء المقارنات مع المستويات السائدة في سوق العمل[9]، وفي هذا المضمار يمكن الإتاحة للعناصر البشرية الفرصة في المشاركة في عوائد إنتاجهم الفكري بتطبيق نظم المشاركة في الأرباح وتوزيع أسهم مجانية، لتحفيزها وتنمية اهتمامها بالعمل.[10]
7-
فتح قنوات الاتصال وتسيير تدفقات المعلومات والمعرفة بين قطاعات وجماعات العمل المختلفة لتحقيق الفائدة الأعلى الناشئة من هذا النمو المتصاعد للمعرفة نتيجة التداول والتعامل فيها، باعتبار أن ما يفرق المعرفة على الموارد الأخرى التي تتاح لدى المؤسسة هو أنها لا تنقص ولا تهتلك بالتداول، بالعكس فهي تنمو وتتطور كلما زاد انتشارها وتداولها بين الأفراد.[11]
إلى جانب هذا نذكر أهمية تهيئة الفرص للعاملين للمشاركة في اقتراح الاستراتيجيات وتطوير النظم وتأمين مناخ من الانفتاح الفكري الذي يحفز العاملين على التفكير والإبداع والمساهمة بالأفكار في إثراء القاعدة المعرفية للمنظمة.[12]
8-
تطبيق نظام إدارة الأداء ومن ثم الاهتمام بجميع عناصره البشرية والمادية والتقنية والتصميمية في إطار متناسق ومتكامل والاهتمام بقضية مهمة جداً ألا وهي مراعاة الأبعاد الثقافية والاجتماعية للموارد البشرية واختلاف مستوياتهم الفكرية، وأخذ هذه الفروق في الاعتبار عند تصميم الأعمال وإعداد خطط الأداء وتحديد معايير التقييم.
إلى جانب تزويد العاملين بالمعلومات المتجددة، عن طريق التدريب أو الاجتماعات الدورية بين العاملين والرؤساء والكشف عن أفكار جدية لتحسين فرص الأداء حسب الخطط المعتمدة.[13]
9-
ومن أجل تنسيق جهود تلك الموارد البشرية متنوعة الخبرات والكفاءات والاهتمامات، وضمان توجيهها جميعا صوب الأهداف المحددة وفق الأساليب والأولويات المعتمدة وجب التركيز على عنصر مهم في عناصر الموارد البشرية ألا وهو القائد الإداري، الذي يختص في ممارسة وظائف التوجيه، المساندة والتنسيق ولتقييم وغيرها من الوظائف، والذي يلعب دور الرائد في تهيئة الدخول إلى عصر المتغيرات واستكمال مقومات التميز.
فالقائد ليس الفرد الذي يفرض سلطته على العمال لأداء عملهم بل هو الذي يوجه ويطور وينمي قدرات الموارد البشرية. إذاً هو مدير أعمال بحد ذاته، يسير الأفكار والقيم[14]، إذا وجب تغيير النظرة إليه أو إلى القيادة الإدارية ككل، واعتبارهم مدربين ومساندين ورعاة للعاملين وليسوا رؤساء ومسيطرين.[15]
الخاتمة:
كان التصور في الماضي
[1] علي السلمي، نفس المرجع السابق، ص 36 و 45.
[2] علي السلمي، نفس المرجع السابق، ص 113.
[3] على السلمي، نفس المرجع السابق، ص 115.
[4] نفس المرجع السابق، ص 367.
[5] نفس المرجع السابق، ص 369.
[6] نفس المرجع السابق، ص 116.
[7] علي السلمي، نفس المرجع السابق، ص 75.
[8] نفس المرجع السابق، ص 116.
[9] نفس المرجع السابق، ص 368.
[10] نفس المرجع السابق، ص
[11] نفس المرجع السابق، ص 62.
[12] نفس المرجع السابق، ص 372.
[13] علي السلمي، نفس المرجع السابق، ص 131.
[14] نفس المرجع السابق، ص 32.
[15] نفس المرجع السابق، ص 284.